بنت القلعة
بنت القلعة
46-

طوال الاسبوع والجميع يتحدث عن موضوع واحد فقط .. عودة حسن ..فمنذ عودته منذ اسبوع وأنا أتفادى الحديث مع أي أحد حتى سارة ..كنا نتبادل النظرات عندما يتحدث عنه سالم أو ابراهيم .. قال سالم ممتعضا وموجها الكلام إلى ابراهيم ولم يكونا يشعرنا بنا ونحن نجلس في نهاية الصالة
" كان سيئا أجل لكن ... ليس بهذه الطريقة ..لم يعد يبالي بشيء اطلاقا "
انقبض قلبي وأغمضت عيني وأنا أتخيل أنه وصل إلى هذا الحد ..
قال ابراهيم
" معظم من اعرفهم الذي يواجهون تجربة الموت يصبحون أكثر ..لا أعرف مالكلمة .. لكنهم يصبحون أكثر انكسارا أكثر تدينا وامتنانا .. لكنه ..يبدو كأنه عاد للتو من احدى أسفاره الماجنة تلك . "
قال سالم وعينيه تحدقان بفنجان القهوة الذي في يده " أتعتقد تصرفاته هذه بسبب بسبب اصابته في رأسه ؟؟ سمعت أن اصابات الرأس تؤثر في تصرفات الشخص .. هل تعتقد هذا ؟"
قال ابراهيم " أجل .. سمعت أنها تفعل ذلك ..تؤثر على تصرفات المريض والسلوك السليم له .. اصابة حسن كانت سيئة فعلا .. والحمدالله انه استطاع النجاة .. وبعد هذه الاشهر الطويلة وقوفه على أقدامه معجزة .. "
قال سالم " لكن سلوكه سيء فعلا .. رأيت كيف يتكلم مع عمي وابي .."

دخل مبارك إلى الصالة ووجدنا نجلس نحن الأربعه . أنا وسارة نمسك بصحف اليوم .. وسالم وابراهيم يشربان القهوة ويتحدثون ..

قال ابراهيم " لكن تصرفاته ليست بالشيء الغريب ..نحن نتوقع هذا الاسلوب منه .. لكنه أصبح أقل احتراما .. ويقول كل مافي رأسه من انتقادات وتعليقات تسبب الاحراج لعمي خالد "
ضاقت عينا مبارك وسأل متشككا
"عن من تتكلمون ؟؟"
قال سالم بلامبالاة ..
" عن المعتوه حسن "
اتسعت عينا مبارك ونظر إلي فوجد ملامح االيأس على وجهي.. صرخ قائلا
" أخرجا من هنا على الفور "
استغرب سالم وابراهيم ووقفا وقال ابراهيم
" سنذهب إلى مجلس الرجال "
انسحبا كلاهما ومبارك ينظر إلي . .. لم استطع منع نفسي من الابتسام بسخرية قلت له وأنا أقف
" لاتشغل بالك ..لن يتغير شيء . مهما قالا فسأتزوج بالمعتوه.."
دخلت إلى غرفتي وأنا مكتئبة .. ودخلت سارة خلفي وهي صامته ..
جلست وأنا أنظر إلى نفسي في المرآه .. أمسكت المشط لأمشط شعري .. ومن ثم وضعت الكحل وقليلا من الملمع على شفتي .. ورششت من العطر حين قالت سارة
" يجب أن ترفضي .. أرجوك .."
لم أستطع النظر إلى سارة وأنا أتحدث ..وضعت المرطب على يدي وبدأت في تدليكها ببطء شديد وأنا أقول
" لقد قررت وانتهى الأمر .."
بدأت سارة في البكاء بينما بقيت جالسة أرتدي قناع القوة
" فاطمة لقد سمعتي كلام اخوتك عنه .. لقد أصبح معتوها .. معتوها .. أرجوك .."

"سارة لاتحاولين ..لن أخيب أمل أبي "

وقفت سارة غاضبة وهي تقول " اذا فعلت ذلك ..ستكون هناك آلاف الآلام في انتظارك .. خيبي أمله .. فأنت من قلت أنه لم يفرح بقرارك ..أرجوك .. لاتدفني نفسك بالحياة .."

"لن أفعل ..فكفي عن البكاء ... "


"ألاتريدين أن تعيشي حياة طبيعية ؟؟ أن تحبي زوجك ويحبك ؟؟ أن تنجبي أطفالا يعيشون في اسرة طبيعية ؟"

التفت إليها وقلت " عرفت الحب ..ولا أرغب في تجربته مرة أخرى .لقد تأذيت كثيرا .. ولا أعتقد أنني بالغباء الذي يجعلني أفكر بالأنجاب من حسن .. و..ما آخر ماذكرته ؟؟ أسرة طبيعية ؟؟ لم أعرف لهذا المسمى أي معنى .. لاتحاولين اغراءي بالسعادة .. فأنا أعرف أنها لن تكون في انتظاري في كلتا الحالتين .. "

"فاطمة .."
"سارة ..لن يبدل ماتقولينه رأيي .. لن يبدل رأيي ما أسمعه عن ترهات ذلك المريض .. لن يغير أي شيء في هذه الدنيا رأيي . .فلاتحاولي .. "

خرجت سارة بينما عدت إلى مرآتي .. لأرى فاطمة هذه التي تقبع في الطرف الآخر ..لأراها قد فقدت رغبتها في الحياة .. لأراها نحيفة وقد شحب وجهها كأنها رأت شبحا .. أراها ترفض الدموع ترفض البكاء .. أطبقت فمها بعصبية وقسوة ..وعينيها تنظر إلي بقسوة ..وخصلة من شعرها استقرت على جانب عينيها ..وأقسم أنني أكاد أرى الهواء يقف هناك حيث ترفض أن تأخذ نفسا وهي تحملق بي .. صرخت بها " ماذا ينتظرك أيتها الغبية .."
لأرى ابتسامتها الساخرة تقول لي " التعاسة "

***************

تمثيليتي الصغيرة في أن أبدو طبيعية باءت بالفشل .. ابتسامتي المصطنعة وأنا أحدث أبي أو أخوتي لاتلبث أن تتلاشى .. محاولتي في محاولة الثبات لم تعد تنجح كالسابق .. أترنح كثملة لاتعرف أين طريقها .. لا أعرف بم أفكر .. كل من يراني يسألني " مابك فاطمة هل أنت بخير ؟؟"
أجيب ساخرة " طبعا .. "
وأصمت كي لاتفلت مني كلمة أو صرخة أو دمعة فتفضحني . ..

ماكان يرسم البسمة على وجههي هو أبي .. فقد كان يتفــــــــــــــــــاداني .. أجل انها ابتسامة السخرية ..

أجل .. كل ما عاد من زيارة لمنزل عمي خالد كلما أصبح يدخل إلى غرفته محاولا أن لايراني أو يواجهني رغم اني لم أطلب منه أي توضيح ..

مر أسبوع .. استنتجت خلاله أن مبارك أنب ابراهيم وسالم بشأن تحدثهما عن حسن امامي .. .. فعندما كانا يتحدثان عنه وأدخل عليهما يصمتان وينظران إلي بشفقة ..

أمي تابعت نشاطاتها الخيرية ولم تحفل بمايحدث لحسن في منزل عمي .. فقد أخبرتني سارة أنها ذهبت إلى منزل عمي ونالت نصيبها من التعليقات الجارحه .
فأقسمت أنها لن تعود إلى هناك أبدا ..
قلت لها ساخرة " رائع .. لقد وجدت سببا كي لاتزورني بعد زواجي .."

لم أر أيا من جدتي أو عمتي .. لكني كنت أذهب لعملي وأعود مكتئبة فأبقى في غرفتي طوال اليوم دون ان احدث أي روح ..
****************

كنت أسمع صدى نبضات قلبي .. وأناأرتجف .. تبا ! ..في ماذا كنت أفكر ؟؟ انعقد لساني فجأة .. سنذهب للمحكمة الآن .. يجلس أبي بالمقعد الأمامي برفقة مبارك ..وأنا لوحدي في المقعد الخلفي ! ...

يا إلهي .. ماذا افعل ؟؟ تذكرت عمي عندما أتى هذا الصباح .. الآن فهمت كلماته

"فاطمة .. لاتقبلي بهذا الزواج .. لقد حررت والدك من وعده لحسن .. لكنه يصر ..فاطمة حسن ليس بعقله ..أرجوك فاطمة يا ابنة أخي .. ارفضي ..فوالدك ينتظر أن ترفضي .. موقفك وقبولك يقتله .. أرجوك فاطمة ارفضي .. "

يا إلهي تذكرت تلك الكلمات التي خرجت من فمي
"لا أريد أن أرفض ... فأنا مقتنعه "

فجأة ... يا إلهي .. يا إلهي ارفق بي .. اقتربنا من المحكمة الشرعية وبدأت نبضات قلبي في التسارع .. يجب أن أرفض .. يجب أن أرفض .. لكن ما أن تذكرت ماحدث بالأمس حتى نزلت دموعي فورا ..

كنت أجلس في الحديقه عندما دخل فيصل ..حاولت أن لا أواجهه .. لكنه أمسك بيدي وقال " فاطمة حسن لايستحقك .. أرجوك ..أنه يتلاعب بك .."

صرخت به " لديك خبرة في التلاعب أليس كذلك ؟ ألم تتلاعب بي بدورك .. "

" أرجوك فاطمة .. حسن لايرى فيك شيئا سوى تحدي .. أنه لايحبك .. لم تعجبيه ولطالما تكلم عنك بابتذال "

غضبت جدا وقلت له وأنا أصر على أسناني " لايعني أنك أعمى أن حسن مثلك .حسن تعلق بي قبل أن أصبح هكذا .... حسن أحبني لنفسي .. مت غيظا .. فسأتزوجه غدا "

هربت إلى الداخل .. ووقف مصدوما في الحديقه ..

يا إلهي .. كانت الأفكار المجنونة تعصف بي .. هل وصلت الجرأة بفيصل أن يجرحني ؟؟ أن يخبرني أن لاشيء بي اطلاقا يستحق الأعجاب ؟؟؟ ..

أغمضت عيني لتخرج دموعي الصامتة .. طوال هذه الأسابيع وأنا أواجه الكل بقوة .. مالذي استجد ؟؟ لم أنا خائفة الآن ؟؟ لم الرعب يحتل قلبي وهناك صوت في رأسي يصرخ ارفضي اهربي .. لاتقبلي .. ارم بنفسك من هذه السيارة .. لكن لاتكوني زوجة للمجنون حسن ... توقفت السيارة .. وهذه المحكمة .. انتظرنا لخمس دقائق .. تبا ..
تذكرت والدتي مساء أمس .. طرقت الباب لتقول لي
" فاطمة..لن أذهب معك غدا ..فأنا .."
قلت لها بلامبالة مقاطعة حديثها " لايهمني حضورك من عدمه .. فلم تكوني موجوده دائما ..فلا أرى شيئا جديدا "
قالت غاضبة " انت فتاة وقحه .."
عدت لواقعي عندما فتح والدي الباب .. لم أرد أن أنزل ..
قال أبي " عمك وابن عمك ينتظران ..."
قال مبارك مشجعا " توكلي على الله يا فاطمة .."
سحبت شنطتي التي بقربي ووضعت نظارتي الشمسية في داخلها .. وأنا أرى قدمي ترتجف ..حاولت أن أهديء نفسي بعملية الشهيق والزفير لكنها لم تنفع ..
قال أبي " فاطمة هل أنت بخير ؟؟"
كانت لهجة أبي التي تفيض بالحنان قد ذكرتني بالسبب .. ذكرتني لم أفعل هذا .. ذكرتني أنني لأجل راحة أبي .. وعمي .. أفعل هذا ..

" أجل أنا بخير "
جررت نفسي خارج السيارة .. فلقد كنت مختبئة لوقت كاف .. تقريبا معظم حياتي وأنا اختبيء .. أختبأت خلف الأرطال الزائدة .. ثم خلف الحب والأحزان .. والآن أختبأ خلف الخوف والتردد ..

عبرت الشارع إلى الجانب الآخر حيث المحكمة .. وكانت يد أبي بيدي ..
كانت خطواتي واثقة .. حتى وقفت بقرب أبي وعمي . وشقيقي مبارك يقف بقربي ..كان حسن يقف هناك .. وعينيه .. عينيه تتحركان بسرعه ..عاقدا حاجبيه و الغضب يعلو قسماته ... لم يختلف كثيرا .. ربما أضعف قليلا .. ووجه عابس .. ليس أكثر .. كانت أصابعه تتحرك بسرعه .. يضمها ويفردها كسرعة تحرك عينيه التي أصابتني بالدوار . .وخطواته غير ثابته . وأخيرا قال غاضبا
" أين فاطمة ؟"

له الحق في ألا يتعرف علي فآخر مرة رآني فيها كنت غارقة في عشرات الأرطال من الشحم ..

قال عمي " هذه هي فاطمة "

يبدو أنه ازداد عصيبة وقال بصوت عال " لا ليست فاطمة "
قال أبي مرتبكا " حسن .. هذه هي فاطمة .. "

قال وهو يهز رأسه بغضب " ليست هي هل هذه هي الخادمة ؟؟ هل تريدون خداعي ؟؟هذه فتاة اخرى "

تملكني التوتر وقلت له وأنا أحاول أن أركز في بؤبؤ عينيه التي اتسعت بشكل مخيف ,, التي تتحرك بسرعه

" أنا فاطمة يا حسن فلننتهي من هذه السخافة "

قال غاضبا " لست فاطمة .فاطمة بدينه .. تبدو كــ..كالفيل "

كأن شاحنة صدمتني .. لم أستتطع تمالك نفسي بدأت بالأرتجاف ..
"ماذا ؟؟"
قال حسن رغم صدمة الجميع " تلك الغبية ..السخيفة .. أين هي ..تلك ضخمة وقبيحة كبيرة ..هكذا .."
فتح ذراعيه ليريني المقياس السابق لفاطمة التي عرفها ...

بدون وعي تراءى لي مامررت به من آلالام و جروح وخسارة ودموع لانهاية لها
تراءى لي فيصل يهزأ مني .. ومنال تسخر مني ... الجميع يضحك .. تراءت لي صوة فاطمة البدينة التي نسيت كيف كانت تبدو لأشهر طويلة .. تراءت لي وهي تصرخ ..انتقمي منه ..
..وجدت نفسي أمسك بحقيبتي وأضربه بها بشده .. حاول أن يمسكني مبارك وحاول عمي وأبي لكنهم لم يستطيعون ردعي ..

" أيها الحقير
المخبول
المعتوه
أيها القبيح
الغبي
.. أيها الحقيرالمعاق
لعنك الله تبا لك تبا لك "

صرخ بي أبي " فاطمة كفى .. لقد فضحتينا .. "
منظري هناك وأنا أنهال عليه بالضرب كان قد لفت انظار الناس .. توقفت وأنا أنظر إليه بحقد ..لقد تجمع كل الكره في قلبي .. تجمع كل شعور بالاشمئزاز والإهانة والذل .. قلت له وأناأرتجف
" هل كنت تريد أن تذلني ؟ هل تريد أن تذلني ؟؟ أنا ابنة عمك أيها المعتوه ..لم نسيت هذا .. لم الكل ينسى هذا . لم ؟؟"

تملكتني الدموع وركضت إلى السيارة .. ..ولم أسمع صرخات أبي وصرخات مبارك .. كان ماسمعته هو صوت الفرامل ..

@
@
@





وقفت وكاد قلبي أن يقف وأنا أرى ذلك الشاب ينظر إلي برعب .. خرج من سيارته و قال " هل أنت بخير ؟؟"
كنت قد ضممت حقيبتي إلى صدري وأنا أحاول ان أتنفس ..نظرت إلى السنتيمتر الذي بين قدمي وبين سيارته .. كنت أرتجف .. لم لم يدهسني لأرتاح من عذابي ,,,
؟ فجأة وجدت أبي قربي واحتضنني ...
قال بصوته المرتجف والخائف :
"فاطمة هل أنت بخير ؟؟ هل صدمتك السيارة ؟"
رغم دموعي وارتجافي هززت رأسي بلا .. كان عمي يقف بقربي وعانقني قائلا "الحمدالله .. الحمدالله ..عبدالرحمن .مبارك .خذاها من هنا "
بين ذراعي والدي الذي يوجهني إلى السيارة ..جلست في المقعد الخلفي .. وجلس بقربي والدي و يديه لازالتا حولي .. لكنها لم تدفئني .. فقد كنت أشعر ببرد فظيع .


********************
-47-


"يجب أن تدخل المستشفى النفسي .."

صرخ أبي " ابنتي ليست مجنونة .."

قال الطبيب " لا أقول هذا لكنها تحتاج إلى الرعاية النفسية .."

أمسك بيدي أبي .. وسحبني لأخرج .. لكن الدكتور منعه وقال
" أن تجاهلت كلامي ستصبح حالتها غير قابلة للعلاج .."
حاولت أن أنطق وأقول أنني بخير .. لكني لم أستطع .. وجدت نفسي قد فقدت القدرة على تجميع الأحرف .. فقدت القدرة على النطق ..

قال أبي غاضبا " لن أدخلها للمصح .."

قال الطبيب " اذن أبقها هنا .. سنودعها في غرفة هنا حيث تتلقى العلاج الازم .."

هز أبي رأسه .. وأمسك بيدي التي حشرتها في فمي كطفلة صغيرة تقضم أظافرها.

" فاطمة ..أنت لم تنطقي منذ ثلاثة أيام .. لم تنامي منذ ثلاثة أيام ولم تذوقي الطعام أرجوك يا ابنتي .. أرجوك فاطمة .. أرجوك ابنتي .. لاتدعي ماحدث يكسرك هكذا .."

لايفهم أبي .. لا أحتاج للحديث ... لا أحتاج للأكل .. أو النوم .. حتى الأكسجين ..لا أحتاج إليه ..

وضعت الممرضة المغذي .. أنني حتى لا أشعر بألم هذه الإبره .. خرجت الممرضة لأفصل المغذي عن يدي .. عادت الممرضة بعد عشر دقائق لتجد المغذي قد سكب على الأرض .. ركضت لتنادي الطبيب الذي ما أن رآني حتى أخرج ابرة ما ..



فتحت عيني لأجد يدي مكبلتين ،هل هذا ما أحتاج إليه ؟القيود .. منذ ساعات لم أرى أبي لم أرى مبارك .. يا إلهي أود أن أقلع جفن عيني . فكلما أغمضتها رأيت حسن هناك .. رأيته يسخر مني .. وفي جفن عيني الآخر رأيت فيصل يضحك متشمتا .. لا أستطيع أن أنام ..
دخل أخي محمد .. وانتابه الفزع
" لم تقيدونها ؟؟"
قالت الممرضة " انها ترفض المغذي والدواء .."
فك أخي محمد قيدي .. رغم أنني لم أكن أقاوم ..
قالت الممرضة " لو سمحت ..لاتفعل .."
قال غاضبا ونبرة الحزن في صوته " انها ليست مجنونة .. انها مصدومة فقط .."
أخذ عبائتي وألبسني اياها .. لففت حجابي حول رأسي .. وحملني محمد وهو يتمتم بكلمات جعلت دموعي تفيض " فاطمة أيتها الغالية .. لن أدعهم يؤذونك .."


طوقت عنقه بذراعي .. حاول الطبيب منعه لكنه تجاهله وقال
" لن أدعكم تعقدونها أكثر "


فتح أبي الباب وقال مصدوما " لم أحضرتها ؟؟ "
قال محمد مستاءا " كانوا يقيدونها .."
لم يعلق أبي لكنه بدا مستاء لما يحدث معي .. فحمل حقيبتي التي كان يحملها محمد ..وقال " انتبه لطريقك خذها إلى غرفتها .."
لم أكن أقوى على الوقوف أو المسير .. لأشعر بتعب كبير .. وفكرة عودتي للمنزل أراحتني أكثر ..
وضعني على سريري وقال " نامي الآن .. وارتاحي .."
جاءت سارة وهي تحاول أن تبدو قوية .. أمسكت بيدي ودخلت في الفراش معي واحتضنتي .. فنمت أخيرا بين ذراعيها ..

****************

أود أن أستيقظ وأن أجد أن كل هذا وهم .. حلم ..كابوس .. لكن فتحت عيني بعد عشر ساعات لأجد ذراعي سارة حولي وأصابعها تعبث بشعري ..

" هيا .. استيقظي لتتناولي شيئا .. "
" لا أريد .. "
ابتسمت سارة .." على الأقل اشربي شيئا .. "
خرجت سارة وسمعتها تخبر أبي أنني بخير ووأنني نطقت أخيرا . كانت اللهفة في صوت أبي وهو يسألها .الخوف ..والقلق .. بدأ المنطق في التحكم بي أخيرا :

.يجب ألا أشعره بالذنب ..
وقفت بصعوبة .. قدماي لاتحملاني .. اتجهت للحمام توضأت واغتسلت .. خرجت لأجد سارة قد أحضرت صينية مليئة بكل الاصناف ..
صليت مافاتني واستغفرت الله . ثم قلت لسارة
" لنأكل في الخارج .. "
الفرح على ملامح سارة أعاد لي ثقتي بنفسي .. على الأقل هناك من يحبني .. سارة ..ومحمد وأبي .. الاهتمام الذي أبدوه أعاد لي قليلا من قوتي ..

لكن تجاهل أمي لي قتلني في الصميم .. مالسبب ؟؟ لم أرها منذ ذهبت إلى المحكمة ؟
"فاطمة بم تفكرين ؟؟"

"سارة أين أمي ؟"

قالت سارة " ألا تعرفي ؟؟"
" أعرف ماذا ؟؟"
" ذهبت إلى العمرة برفقة أحدى شقيقاتها .. "
" متى ؟؟"
" قبل ذهابك للمحكمة بساعتين .."
صمت وقد انتابني شعور فظيع بالندم .. ألهذا لم تستطع أن تذهب معي ؟؟ يا إلهي ماذا قلت لها ؟؟ هل ظلمتها بأفكاري ولساني الوقح ؟؟ ..
فقدت شهيتي .. تركت مابيدي من طعام .. لقد ظلمتها !!

قالت سارة مستغربة "مابك ؟؟ "
" أريد أن أحدثها .. هل لديك رقمها ؟؟"
ابتسمت سارة وأمسكت يدي قائلة "بل أفضل ..ستأتي بعد ساعات ..أكمل طعامك "

*******
عندما رأيت أمي كانت تبدو مرتاحة .. رغم مادار بيننا آخر مرة .. اقتربت مني فارتميت في حضنها ..

"أنا آسفة"
"ماذا ؟"
لم أتكلم لكني لم أبك أيضا .. تركتها وركضت إلى غرفتي .. بعد ساعة طرقات الباب أخرجتني من لحظات تفكيري القاتمة ..
"فاطمة ...غاليتي .. "
جاءت أمي وقد عانقتني وهي تبكي
"لقد أخبرني والدك بماحدث .. هل أنت بخير ؟؟"
هززت رأسي ..
"هيا .."
"إلى أين ؟؟"
قالت وهي تسحب يدي " كفى ..رأيتك تغرقين نفسك في الكآبة شهر بعد شهر . هيا .. لننضم إلى اخوتك ونتكلم .. يجب ألا تجعلي الحزن يسيطر عليك "

"لكني لا أفعل يا أمي .."

سحبت يدي من يدها...
جلست أمي على السرير وكانت لاتزال بعباءتها ..قالت "أتقنعيني أنني على خطأ ؟
"
أومأت برأسي قائلة"ابتعادي عن الناس لايعني أغرق في الحزن والكآبة "
صرخت أمي "بربك يافاطمة ..أعطني اسم فتاة في مثل عمرك تفعل ماتفعلينه ؟؟"

"لاتصرخي .فأنت توتريني .."

قالت أمي وملامح الاستياء تغزو وجهها الجميل شعرت فجأة أنها زوجة أب أكثر منها أم
"كفى .. كفى ..مللت تمثيلك الدائم ولعبك لدور الضحية ..تعبت من دموعك وشعور التافه بالوحده ..الكل يعاتبني ..وأنا تعبت .. تعبت من رؤيتك وملامح الحزن والاضطهاد تعلو وجهك . أخبريني بما أخطأت ؟ ماهو خطأي ؟؟ مالذي فعلته ليحدث لي كل هذا ؟؟ لم هذه الهالات التي تقبع أسفل عينيك ؟؟ ..كل هذا لأن معوقا وغبيا مثل حسن أنقذك من قرارك السخيف بالزواج به ؟؟ أتعرفين كم فرحت حين أخبرني والدك بما حدث ؟؟ .. "

"فرحت ؟؟..فرحت أنني أهنت على يد حسن أمام الناس ؟؟"

"فرحت أنك لم تتزوجي ذلك المخبول ..لم يعجبني وهو طبيعي ..فمابالك وهو مخبول هكذا ؟؟"

صرخت بها دون وعي ودموعي تغرق عيني
"أنت تكرهينني وتكرهين أبي .."
مرت لحظة صمت طويلة بيني وبينها ..يا إلهي أنها تتلذذ بآلامي .. لكن قالت أمي بمنطق
"فاطمة ..هل كنت تحبين حسن ؟"
اعتلى شعور الإشمئزاز ملامحي ..
"بالطبع لا .."

قالت بهدوء "هل تتخيلين نفسك زوجة له وحالته هكذا ؟"

هززت رأسي "لا .."

قالت أمي وقد بدأ صبرها بالنفاذ "إذن لم أنت حزينة ؟"

"لأنه أهانني .. لأنه حطم كل أمل وخير في داخلي .حطم كبريائي وحطم صبري ..والأكثر من هذا ..جعلني أقوم بقرارات غبية قتلت كل ماكنت أحلم به ..من أجل لاشيء ..لاشيء ..أنا حزينة على نفسي ..حزينة على مدى غبائي ..حزينة على مستقبلي المبهم ..ومشاعري السقيمة ..حزينة .وكلمة حزينة لاتصف مابي من حزن .. بذلت كل مابوسعي والنتيجة قتلتني .."

أمسكت والدتي بيدي وقالت "فاطمة ..لاتبكي .."
ومسحت دمعتي بيدها وقالت " أنظري إلى الناحية الإيجابية "

نظرت إليها مستغربة ..
.. قالت "لو لم يفعل حسن مافعل .. لتزوجت به واضطررت للتعامل معه طوال حياتك .. حسن أنقذك ..ربما على حساب كرامتك ..لكنه ..أنقذك من مستقبل مؤلم .."

فعلا ..على حساب كرامتي .. حسن أنقذني ..فهمت سبب فرح أمي .. فأنا الآن لست مضطرة لدفن نفسي بالحياة ..


"فاطمة ..منذ صغرك وأنت تتخذين العزلة ملجأ لك كالطعام ,,انتهيت من مشكلة الطعام .. لكن .. عندما أرى الشابات الاخريات .. أجد بريق الحياة في أعينهن ..الرغبة في الحياة والاحتفال والخروج والسفر ..أسأل نفسي دائما ..يا إلهي لم هي مختلفة ؟؟ .. لم لاتخرج وتمتع بحياتها ..لم هي حبيسة لهذه الجدران ؟ .. ثم أتت سارة وكانت رائعه ..شعرت أنك قد ارتحت بصداقتها .. ولهذا لم أمانع من زواج محمد بها .. لمعرفتي أنها انسانة مميزة لم تحكم بالمظاهر أو تستغلك .. ومن ثم فجأة كأن الحياة اختفت منك .. طوال الأشهر الماضية ..وأنت تذبلين كل يوم أكثر من اليوم السابق ..كنت السبب في تعاستك معظم الأحيان لا أنكر .. لكن هناك سبب تخفينه عني ..وعرفته مؤخرا ..عندما علمت من عمتك بمايجري لك ,,استئت كثيرا أن عمتك تعرف وأنا لا أعرف ..صديقتك الحميمة توفيت .. ومن ثم طلب والدك بأن تتزوجي حسن . وآخرها أن فيصل كان يتلاعب بمشاعرك للانتقام من حسن ..لم أستطع مواجهتك وعتابك .. أنا لي عيوب .. أنا أم فاشلة .لكني لم أستطع أن أكون بجنبك ..كنت دائما أهرب .. عندما علمت بموعد ذهابك للمحكمة لم أحتمل أن أراك تذهبين للجنون بإرادتك ..فاطمة ..لم أنت صامته ..يجب أن تعيشي حياتك ..لم يتعد عمرك العشرون وانت تحملين الهموم فوق كتفيك .."


ارتميت في حضن أمي وانا مصدومة .. هي تعرف كل شيء أنها ليست غافلة !
كانت تعاني مثلي !! لكنها لم تنجح في التواصل معي أبدا !

قالت أمي "عندما ذهبت إلى بيت الله ..دعوت من كل قلبي أن يرحمك الله ..وأن برأف بك .ولاتستحيل حياتك إلى جحيم ،كنت واثقة أنك ستتزوجين حسن ..الحمدالله أن دعوتي استجابت .. "



في ذلك المساء .. قررت أن أبدأ من جديد .. أمسك بآلالام فيرتير الرواية التي كانت لمريم ..وأخرجت الأوراق التي كان يعطيني أياها فيصل .. وبطاقة المستشفى ,,

وضعت الأوراق في اناء زجاجي ورميت عود الكبريت فوقها لتحترق . أمسكت بالكتاب الذي أهدته إلي ساره .. أعلنت عليك الحب .. وضعته بين كتبي ..اختفى الحب ..فلاداع للذكريات الأليمة ..وقراءتي لهذا الكتاب تشعرني بأني صدفة بحرية ..رغم أن البحر لفظها عظاما .. مازلت تحمل روحه داخلها .. تسمع صوت أمواجه في قلبها . ...هكذا هو الحب عندي .. تلاطم أمواج لاشاطىء لها ..
. أمسكت بكتاب مريم ..وجدت صفحة فارغة ودونت
"" أنا .. صديقة شارلوت العزيزة ..قررت ان أبدأ حياة جديدة .. قررت أن أحرق كل الماضي وأبدأ من جديد .. أعدك ياشارلوت ..سأعيش حياتي ...
ف.ع
12-3-2003

وضعت الكتاب في درجي وأقفلت عليه .. وذرفت دمعة رثاء لصاحبته الرائعه ..
***************
بنت القلعة
بنت القلعة
-48-


ابتسمت وأنا أرى سارة تقف بصعوبة ..

"لازلت في الشهر السابع .."

قالت متعبة " أعرف .. لكن الوقوف صعب .."

"كم وزنك ؟"

"سبعون .. ازددت خمسة عشر كيلو جراما بسبب محمد .. لم يبق طعام لم يحضره إلي .. "

ابتسمت تذكرت أيام بدانتي .. كنت أحمل خمس وثلاثون كيلو جراما .. كانت تهلكني كلما صعدت درجا أو مشيت خطوة

"فقط خمسة عشر ؟؟ ..قليل .."
غضبت سارة وقالت " فاطمة .. أنها ليست موزعة ..أنها تتكوم فوق معدتي ..هذا مايسيئني ..لا أستطيع أن أنام .لا أستطيع أن أجلس .. تعبت .."
قلت مبتسمة " سارة .. لاتزعجي عبدالرحمن بكثرة تذمرك .. سيستاء أبي "
مرت إحدى الطالبات وقالت " سارة قد تبدأ المحاضرة هل ستأتين أم أنك متعبة ؟؟"
قالت سارة بثقة " سآتي .."

ذهبت الفتاة ووقفت سارة لتجمع كتبها ..

" كثيرا ماتردد النساء ان الحمل الثاني أسهل وأخف .. ها أنذا في حملي الثاني لاأستطيع أن أركز في شيء ..حتى الكراسة الخفيفة تزعجني من ثقلها .. "
قلت مبتسمة " لكن ستنتهين نهائيا بعد شهر .. كم أود أن أراك في لباس التخرج بكرشك هذا ."

لقد مرت ثلاث سنوات .. أعدت خلالها امتحان الثانوية العامة وأحرزت مجموعا عاليا أبهر الكل ..
مرت ثلاث سنوات دخلت فيها الجامعة تخصص اعلام .. وكنت قد دخلت عالما جديدا جعلني أنسى كيف يمر الوقت .. وتعرفت إلى صديقات جديدات ..
مرت ثلاث سنوات توفي خلالها حسن بسبب نزيف اكتشف متأخرا كون كتلة من التجمع الدموي في دماغه ...
مرت ثلاث سنوات وأنا أقرأ اسم فيصل في الجرائد كل يوم..وقد استلم منصبا كبيرا .فقد تقاعد عمي بعد وفاة حسن منذ سنتين .. واستلم فيصل مكانه ..وبجهوده ترقى إلى أن استلم موقعا مميزا .
مرت ثلاث سنوات .. ما ابسط هذه الكلمات ..لكن ماتحويه بين أيامها يحمل الكثير من الأحداث ..

أصبح لأخي محمد طفلة صغيرة أسمتها سارة بعد اذن محمد بـمريم .. كي لاننسى مريم .. وهاهي حامل بطفل ذكر الآن ..

خرج أخي مبارك في منزل لوحده .. وأصبحت منال أمرأة مثالية ..تهتم بمنزلها وبأطفالها .. الذين أصبحوا ثلاثة ..

مرت ثلاث سنوات ..
تغيرت فيها كليا ..أصبحت علاقتي بالجميع مميزة .. كنت أرى جدتي أسبوعيا هي وعمتي ..

تزوجت مها ..وسافرت إلى أحدى دول الخليج .. لتعيش هناك .. ابراهيم..خطب نوف ابنة عمي خالد.. حمده لاتزال على وضعها ..

تذكرت لقائي الأخير بنوف ..
"فاطمة ..تبدين رائعه .."
"وأنت كذلك .. "
كنا في منزل عمتي .. وحضرت نوف برفقة عمي خالد .. حينها سألتها

" هل سيعود فيصل لحمدة ؟؟"
" مستحيل ... أنت لاتعرفين فيصل .."

"ماذا تقصدين ؟؟"

" فيصل لاينسى .. لن ينسى أبدا اهانة حمده له .. عودتهما من رابع المستحيلات"

"ألم تري فيصل ؟؟"
"لم أراه منذ عزاء حسن .. فقط في الصحف ..أنت تعرفين "

استغربت ..توقعت عودة حمده لفيصل ..شعرت بأن هذا الأمر بديهي...أجل .. لا أأنكر .. أنني أفكر به دائما ..
كلما رأيت صورته أو سمعت خبرا عنه ....
كلما سمعت مدحا عنه شعرت بالفخر ..
وعندما أسمع ذما ,,,أغضب ..
أخبرت سارة مرة فعقدت حواجبها قائلة "طبيعي أنه ابن عمك ..شيء طبيعي ألا ترضي ان تذمه طالبات الجامعه..فأنا رغم الصلة البعيدة بيننا أغضب عندما تتكلم عنه بعض الطالبات بأنه همجي ..والسبب أنه قوي في ادارته لايرضى بأي تسيب .."



"بم تفكرين ؟؟
نظرت إلى محدثتي ..أمل .. أحدى أفضل زميلاتي
" لا أفكر بشيء .."
نظرت أمل إلى الجريدة أمامي وقالت " كعادتك كل صباح .. لاتفارقين الجريدة .."

قلت مبتسمة " لا أشعر بالراحة إن لم أقرأ الجريدة .. لطالما كنت أحب السياسة ولاتنسي .. سأعمل هنا بعد سنتان بإذن الله "

ضحكت أمل وقالت "يالك من طموحه .. أنا عن نفسي ...سأختار الجانب الخفي ..وسأعمل في الوزارة في أحدى الوظائف المنسية "

وضعت كوب القهوة وكتبها وجلست قائلة
" أتيت مبكرا ؟؟ رغم ان المحاضرة متأخرة ؟؟"
" كان لدى سارة محاضرة أولى .. "
*********
دخلت إلى غرفة عمتي مبتهجة ..
" السلام عليكم .."
" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. "
كانت جدتي تجلس برفقة عمتي وكانت منى موجودة أيضا ..
"منى ..كيف حالك ؟"
" الحمدالله ..وأنت ؟؟ أين اختفيت ؟؟"
قالت وهي تشير إلى بطنها المنتفخ " أول ثلاثة أشهر لم يدعني زوجي أتحرك من السرير .."

انها حامل في الرابع ..لم أصدق حين اخبرتني عمتي فذهبت إليها وباركت لها فقد عانت الأمريين من مراجعة للطبيب والانتظار .. تأخر حملها رغم أن زوجها لم يكن مستعجلا لكن حالتها النفسية كانت سيئة ..

خرجت من أفكاري وقلت لها " المهم راحتك .. اجلسي لم وقفت .."

قالت عمتي " فاطمة أنت ومنى اذهبا إلى الغرفة الأخرى .. جدتكما تريد أن تنام .."
قالت جدتي " لا دعيني أرى فاطمة .. لم أرها منذ أيام "
قالت عمتي " لابأس عندما تستيقظين ستكون موجودة .."
خرجنا من الغرفة أنا ومنى ..وكان التعب يبدو على جدتي سألت منى " هل جدتي بخير ؟؟"
قالت " انها بخير لكنها تناولت للتو دواءها وهو يسبب الخمول .. "


قالت منى " هل عرفت أن عبدالعزيز سيعود في آخر هذا الشهر ؟؟"
فرحت لهذا الخبر " حقا ؟؟ ..آه .. نسيت كيف يبدو هل تصدقين ؟؟ "
سألتني منى
"ألم تريه عندما أتى آخر مرة ؟؟"
هززت رأسي بلا ..
"آخر مرة رأيته قبل أن يسافر منذ سنوات تقريبا ..لكن كنت أسمع بعض الإشاعات "
ضحكت منى "مثل ماذا ؟؟"
"سمعت من حمده أنه تزوج ببريطانيه ..ضحكت كثيرا ولم أجرؤ على أن أسأل عمتي "
ضكت منى وقالت "لا ..لم يتزوج ..كلمته منذ أيام .. وأكد لي أنه لايزال عازبا ..نظرت منى إلى الباب تتأكد من عدم قدوم أحد ..
ثم قالت " ان لديه أمل .."
سألتها مستغربة " أمل ؟؟"
" أن تقبلي الزواج به "
شعرت بالاحراج وأن وجنتاي احترقتا خجلا .. هل لازال يفكر بي ؟؟ ..
قلت مرتبكة "أنا ؟؟"
قالت منى " أجل أنت ... لكن ماحدث مع حسن أربكه كثيرا فآثر الإنتظار "
قلت لها بعد تنهيدة طويلة
" ماحدث مع حسن .. لاتذكريني .."

رميت بحجابي وفتحت شعري المكبوت تحت الحجاب منذ الصباح ..
"فاطمة ..هل لازلت مستاءة ؟؟"
نظرت إلى عيني منى ..مستاءة ؟؟
" مستاءة من نفسي .. فمافعلته لايغتفر "
عقدت منى حاجبيها مستغربة
" كيف ؟؟ أليس المفروض أن يكون العكس ؟"
تذكرت حينما ذهبت مع أخي محمد إلى المستشفى .. كان حسن في غيبوبة منذ أيام .. لم أستطع منع نفسي وسألت الطبيب عن حاله فقال
"مايصدمني أنه لم يلاحظ أحد الأعراض ...فقد كانت واضحه .. سلوك غير سليم ..اتساع في حدقتا العين وعدم اتزان .. "
قلت لمنى
"لقد ظلمت حسن .. لم يكن بوعيه وبعقله ..لم أكن أعرف "
"أذن سامحتيه ؟؟"
" سامحته ؟؟ ...بل طلبت منه السماح .. اعتذرت منه ومن عمي خالد .. "
"بعد مافعله بك ؟؟"

لم تفهم منى .. قلت لها موضحة "حسن لم يتصرف بطريقة سليمة بسبب ماكان يحدث في دماغه .. التصرف الذي أبداه لم يكن مقصودا ..على الأقل "
صمتنا قليلا .. لقد توفي حسن بعد شهر مما حدث بيننا أمام المحكمة ..لقد توفي دماغيا لمدة أيام قبل أن يطلب عمي أن يفصل عن الجهاز الذي يبقيه على قيد الحياة .

قالت منى " هل تشعرين أنه وقت مناسب إذا تقدم لخطبتك عبدالعزيز ؟هل ستوافقين ؟ "
عادت إلي حالة الأحراج والخجل .. هززت كتفي وقلت "لا أعرف ."


ضحكت منى وقالت " لقد اشتعلت وجنتاك "
لكنها لم تفهم أنه في تلك اللحظة كانت الافكار قد عصفت بي ,, لا أستطيع أن أتحمل فكرة أنني أظلم عبدالعزيز .. فهو الانسان الوحيد الذي لم يؤذيني ..عندما عدت إلى المنزل وأخبرت سارة بما حدث ومايجول في بالي من افكار ..
صمت طويلا قبل أن تتكلم ..
"سارة .. أرجوك أخبريني .. "
أنزلت سارة رأسها لينسدل شعرها على وجهها ...
"فاطمة ..هل جننت ؟؟"
يا إلهي سارة تشاركني الرأي ..قلت لها وأنا أرتجف

"سأظلم عبدالعزيز أين أنا وأين هو .. هو بذكاءه وتفكيره الرائع وانا بهواجسي الغبية والماضي الاسود الذي يلاحقني .."
قالت سارة وهي تمسك بيدي غاضبه " أنت مجنونة أليس كذلك ؟؟ لقد تأكدت من هذا انت مجنونة "
لم أفهم موقف سارة .. استغربت ..سألتها " عن ماذا تتحدثين ؟؟ ألا توافقيني الرأي ؟ "

"طبعــــا لا أيتها المجنونة .. عبدالعزيز كنز .. يجب أن تحصلي عليه انت .. أنت فقط .. "

لم أفهم ..

"سارة ...سأظلمه .. أنا أشعر بهذا ..وأنا لاأحتمل فكرة أن أظلمه .. انه عبدالعزيز .. عندما أسمع اسمه أتخيل النبل والانسان الحساس .... سأحتاج وقت طويل للتفكير .. لا أستطيع ان أجرحه "
ضحكت سارة باستهزاء وقالت غاضبة " أنت عكس الناس ..عندما يحتاج الأمر تفكير لاتفكرين ..وعندما يكون الامر بديهي تفضلين التفكير والاستغراق في التفكير "

"ماذا تعنين ؟؟"

قالت غاضبة "في مسألة حسن آثرت العناد والخوض مباشرة في الزواج دون تفكير ..والآن ..عبدالعزيز هذا الانسان المثالي لوضع حد لمعاناتك .. ببساطة ستــفكرين.. ستجعلينني ألد قبل موعدي من برودك هذا "

"سارة أنت لأول مرة لاتفهمينني .. لاتفهمين أن هذا عبدالعزيز ..."

"وهو يحبك يافاطمة "
صمت قليلا ..بينما أردفت سارة " وقد تجرحينه برفضك "

قلت لها وقد وصلت أخيرا للنقطة التي كانت مسيطرة على افكاري
" وقد لا أكون الفتاة التي ينتظرها ويفكر بها ،ربما سأخيب ظنه .. ويكتشف بعد ارتباطنا أنني لست تلك الفتاة التي أحبها لسنوات .. أنا لا أحتمل خيبة أمله .. لا أحتمل ذلك .. ليس عبدالعزيز "


"ماذا ؟؟ ماذا تقولين ؟؟ "
قلت لها " لقد كون عبدالعزيز صورة عني ..أخشى ان لااكون مطابقة لها ..فأصدمه ..وأنا لا أحتمل أن يحزن أو يتألم .. فهو لايستحق هذا "

ابتسمت سارة فإنهارت دموعي .قلت لها غاضبه "هل تهزئين مني ؟؟"
قالت بإبتسامة عريضة
"ياغبية !! لقد تمكن من قلبك ! "



*********

تنسل الأيام من بين أصابعنا كالماء ,,لانحس بكل قطرة منها ولا كل دقيقة.. راقبت مرور الأيام ببطء لأول مرة منذ وقت طويل ..واكتشفت أن الساعات أصبح لامعنى لها .. من خلال الاستماع إلى أغنية تضيع خمس دقائق ..وقراءة الصحيفة ثلاثين دقيقة ..ومتابعة المسلسل المفضل ساعة كاملة .. وأفلام باربرا سترايسند التي أدمنتها كان تختفي ثلاث ساعات بلمح البصر ..

قراءة المقرر أو حفظ جزئية صغيرة يستلزم نصف اليوم .. الحديث على الهاتف الطعام الصلاة ..وفجأة بدون مقدمات انتهى اليوم ..

قررت اليوم أن لا أفعل شيئا سوى الصلاة وتناول الطعام .. وسأرى كيف تهرب تلك الدقائق من عمري بدون استئذان .. وكان أسوأ قرار .. الجلوس بدون عمل أي شيء .. والوقت يتجاهلك ويمضي ..إن الوقت لاينتظر .. هذا ما اكتشفته . أن الزمن يمضي وأنا أجلس على هذا الكرسي أضيع دقائق سأحاسب عليها أمام ربي ...

مرت بي سارة واستغربت اختفائي طوال اليوم ..
"بم تفكرين ..تعرفين أنني لا أستطيع التحرك بسهولة ..لم لم تأتي إلى الصالة ؟أمك تسأل عنك "

وفعلا كانت تتنفس بصعوبة اثر صعود السلم ..
"كنت أحاول أن أفهم لم يمر الوقت بسرعة ..لكني لم أفهم .. نحن مع كل دقيقة تمر نخسر دقيقة من عمرنا دون أن نشعر .."
جلست سارة وتمددت على سريري وارتفع بطنها الكبير بشكل مضحك .وقالت وهي ترمي بحجابها " هل أنت ممن يخافون من التقدم في العمر ؟"
نظرت إلى نفسي في المرآه ..مازلت في الثالثة والعشرين .. نظرت إلى سارة
وقلت " لا أعرف .. لكن يخيفني أن يمضي الوقت دون أن أحس به "
قالت سارة
" لا تخافي .. لديك حياة طويلة بإذن الله لتعيشها كما تريدين .. ليس المهم الدقائق التي تمضي ..المهم هل أنت راضية بحياتك ؟؟ هل اأنت سعيدة وحققتي كل أهدافك ؟؟ "
ابتسمت والذكريات تطوف أمام عيني تذكرني بما حدث في حياتي ..
" ربما .. ربما .. لكني لم أشعر بأنني انسانة طبيعية سوى في السنوات القليلة الماضية .. كنت أعاني كثيرا من وحدتي .. كنت أجلس في هذه الغرفة المخلصة لأيام .. يقتلني الألم ..والوحشه .. لكن ..تحسنت حياتي كثيرا ..وأنا راضية عما حققته حتى الآن .. في البداية عملي مع عمي الذي أكسبني خبرات تواصل كثيرة ..ومن ثم عملي في تلك المؤسسة الاجتماعية الشيء الذي ذكرني أنني أعيش في أمان أبي الذي لايضاهيه أمان . عملي مع أم فهد علمني أن أفكربغيري ..وألا أفكر بنفسي فقط .. وأن المجتمع يد واحده .. لاتتساوى أصابعها أجل ..لكنها تنتمي لذات الكف .. وجميعها تعمل معا لأجل مصلحة اليد .. مامررت به مع حسن ومريم ..كانت آلالام لاتنتهي .. تعلمت ألا أكون أنانية على حساب غيري .. وألا أكتفي بالحكم الأول .. مع حسن كنت سطحية .. لم أدرك أنه لم يكن بعقله .. لم أكن متسامحه .. كأني أردت سببا لأهرب من هناك ...والمرحلة الجديدة التي دخلت عالما آخر وتحديت نفسي وكل من استهان بقدرتي على المواصلة بعدما حدث تحديت الأيام التي كانت تظلمني بلارحمة ..وتتفن بجرحي ..نجحت في دراستي وجامعتي وها أنا أسجل معدلا عاليا في الجامعه ولي من الزميلات والصديقات العديد .. شيء لم أتخيله إطلاقا .. "

نظرت إلى سارة كانت تنظر إلي بفخر ، استقامت في جلستها وسألتني
" فاطمة .. كنت أتجنب الحديث عن هذه النقطة ..لكني محتاجة لأن أناقشها معك .. هل شكلك وتغيرك الجسدي هو سبب هذا التغير ؟؟ "
ابتسمت .. تذكرت عبدالعزيز عندما واجهني ذات مرة .. يا إلهي كم يشبه سارة .. قلت لها

"العديد من يرون أن السمنة نكته ، ليس الوزن الزائد هو ماعقد حياتي في البداية حالتي النفسية هي من عقدت حالتي الجسدية .. كنت اعاني اهمالا من امي وأبي وأخوتي ضغوطات التعامل التي كانت تفرضها جدتي علي وأنا طفلة جعلتني أعاني كثيرا .جدتي كانت صارمة كان هدفها التربية السليمة .. كان معها حق في هذا لكن التربية السليمة يجب أن يصاحبها بناء للشخصية وحنان الوالدين وتشجيعهما ..لم أجد أي من هذا .. فلجأت للطعام ..أذكر هذا تماما في سنواتي الدراسية الأولى كان يصعب علي كطفلة أن يغيب والدي عن حياتي وهما على قيد الحياة .. وعندما ازداد وزني لم يقف .. كنت مع كل ألم أو جرح أو كبت نفسي لدموعي أستبدله بوجبة دسمة أو طعام دسم .. لم أكن أبكي فلم يكن لبكائي فائدة ترجى .. كنت أعاني ..لكن السعادة التي كان يوفرها لي الطعام ..والشبع والدفىء لاتستبدل .. كنت أحتمل سخرية الجميع .. تؤلمني كثيرا ...لكن أحتملها ،وفي فترة ما أصبح الطعام هو أبي وأمي وجدتي وأخوتي .. "

صمتنا قليلا تنفست خلالها بحرية وأنا أعترف
" لا .. ليس تغير جسدي هو من غيرني من الداخل .."
سألت سارة مترددة " هل هو فيصل ؟"
قلت لها " لا .. ليس فيصل ..فيصل كانت قصة خيالية تعلقت بها في مراهقتي بغباء "
سألت سارة " إذا مالذي غيرك ؟ فاطمة التي أراها الآن ليست كفاطمة السابقة ولكن أفضل بكثير .. فاطمة التي أراها الآن مليئة بالحياة .. "
نظرت إليها " فاطمة السابقة هي نفسها أنا ..مازالت موجودة .لكن تحسنت إلى الأفضل ..بسبب شخصين .."
صمت قليلا ثم تنهدت وأنا أقول لها
" الشخص الأول هي مريم .. كنت معها خلال معاناتها وآلمني ماحدث لها .. وفكرت أنني لا أريد أن أكون ذات يوم في مكانها .. مليئة بالآلام والأحقاد وأنا على فراش الموت ..ووحيدة .. ماحدث لمريم غيرني من الداخل تماما ..جعلني أهتم . "
"رحمها الله ..عانت كثيرا "
"أجل ..عانت كثيرا .."
"والشخص الثاني ..هل هو عبدالعزيز ؟"
" لا ..عبدالعزيز كان يحاول لكني كنت من الغباء أن أحزن مما يقوله لكنه حاول كثيرا أن يجعلني أستيقظ من العالم الذي كنت أغرق فيه .."
عقدت حاجبيها مستغربة وقالت "إذن من ؟"
ابتسمت واأنا أنا أنظر إليها بإمتنان

" أنــت "

الصدمة التي اعتلت ملامحها أضحكتني ..
"أنا ! "
هززت راسي " لطالما كنت ملاكي الحارس كما يقال .. بسببك استمريت في حميتي الغذائية .بسببك استطعت أن أقف على قدمي بعد كل معاناة .. بسببك أحسست أن حياتي تغيرت .."

مدت يدها لتمسك بيدي وهي تقول " لكنك أنت من جعلت لحياتي معنى "
استغربت وقلت لها " أنا .. أنت من غيرت حياتي تماما .. "
ابتسمت وقالت
" أتذكرين جنوني السابق ؟"
أومأت برأسي "وكيف أنسى "
قالت
" كنت قد وصلت في حياتي إلى نقطة الأنهيار .. "
"ماذا ؟"
" أجل سارة التي ترينها أمامك الآن كانت جامحه .. كنت أعاني وأشعر أنه لايوجد من يفهمني كنت قد انتقلت إلى المدرسة في تلك السنة وتركت زميلاتي السابقات .
.. كانت والدتي تحاول ..ووالدي يعاني المستحيل ليفهم سبب تمردي ..كنت قد ضقت ذرعا بمجموعه نورة ..وكنت أصاب بيأس عميق وأنا أعود كل يوم إلى المدرسة لأرافقهن في غباءهن ..ثم عندما انفصلنا ..وأصبحنا أنا وأنت ومها معا .. كنت أشعر براحة أكثر .. واختفى تمردي قليلا ولاحظ والدي هذا الفرق على الأقل معكما لم أكن أحتاج إلى أن أكبت انفعالاتي أو غضبي .. أو جنوني كما كان يحدث مع مجموعة نورة .. فقد كانت تصرفاتها لاتعجبني إطلاقا ولكن لأن مها كانت معها فلم أستطع أن أطلب من مها أن تترك مجموعتها الأولى .. فأنا كنت جديدة نوعا ما ..ومن ثم .تعمقت علاقتي بك وتعرفت من خلالك إلى محمد .. الأنسان الرائع الذي يفهمني تماما . وحبي له أطفأ كل جنون كان بي .. وحياتنا الصغيرة برفقة مريم الصغيرة التي لا أتخيل حياتي من دونها وعبدالرحمن الصغير الذي سيأتي في غضون أسابيع وانت بقربي.. أشعر أني الحمدالله وصلت لنقطة الرضا في حياتي .... رحيل مها أزعجني كثيرا لكنك على الأقل ستبقين بقربي بإذن الله ..والداي الآن فرحا بحياتي . وشعرا أنني تغيرت تماما .. فهنا أنا ممتنة لك أنت فاطمة .. أنت غيرت حياتي تماما . "

عانقتها وأنا سعيدة بسعادتها ... قلت لها أخيرا
" سأذهب بعد قليل لمنزل عمتي .. تأتين معي ؟"
ابتسمت وقالت " لا .. يجب أن تذهبي وتكتشفي حقيقية مشاعرك "
استغربت " ماذا تقصدين ؟"
هزت كتفها وقالت " ستفهمين ..هيا ..لننزل والدتك تسال عنك منذ الصباح ..لننزل ونشرب الشاي معها "
" فعلا ماذا كنت تقصدين ؟"
"لن أقول .."
سحبتني إلى الأسفل وهي تتذمر " ألا يكفي ابن أخيك لأحمله في داخلي وأنت تتباطئين هيا .."
قلت لها ساخرة " سترين خلال السنوات القادمة ستتمنين لو يبقى الصغير في داخلك للأبد ..فأنت لاتعرفين أن شباب هذه العائلة في طفولتهم كانوا مزعجين حتى الجنون "
ضحكت سارة وقالت " لا أستبعد ماتقولينه "

"مرحبا ماما "
" أين أنت يافاطمة لم أرك منذ الصباح .."
قالت سارة مازحة " كانت تحاول أن ترى كيف تتقدم بالعمر في كل دقيقة "
قالت أمي " فعلا ؟؟ بالجلوس وحدك في غرفتك ؟ انها فكرة سيئة فعلا .. انتظري قليلا حتى تتزوجي وسترين كيف تمر الأيام وأنت لاتشعرين بأنك استفدت من ساعة واحده ..فبين زوجك وعملك وابناءك لن تجدي دقيقية تخصك "

تذكرت أن كلمات أمي ذات ليلة جعلتني أتغير تماما . كيف نسيتها .. يا إلهي عندما أنظر لأمي الآن أشعر أنها أمي ..تذكرت في سنوات سابقة كنت أنظر إليها وأراها مجرد نكرة ..لاوجود لها في حياتي يا إلهي بم كنت أفكر ؟؟.....أحبك يا أمي ,, أحبك لأنك أمي قبل كل شيء !

قلت لها " سارة تبالغ .. أنا كنت أفكر في أشياء أخرى .. ربما سأمر جدتي اليوم ..هل ستأتين معي يا أمي .."
ضحكت أمي وكأنها تخفي سرا " لا ..اذهبي لوحدك اليوم "

استغربت .. مابهم ؟ .. هل تحضر جدتي لمفاجأة لي ؟؟
ارتديت ملابسي وركبت سيارتي وقدت حتى منزل عمتي ..كانت أفضل فكرة أن أقود سيارتي ..فهي فعلا فكرة مفيدة ارتحت من عناء السائق الذي يغيب طويلا ..أو ينتظر طويلا ..


*******
-49-

لا أستطيع وصف هذا الشعور .. كأنني استتردت شيئا كان مفقودا مني .. رؤيته يبتسم وينظر إلي ..
"أنت هنا ؟؟ "
" أجل وصلت بالأمس .ألم يخبرك احد ؟؟"
ضحكت "لا ..حمدالله على سلامتك ..قالت منى أنك ستصل في آخر الشهر "
" تتبعين أخباري ؟؟ "
ضحكت متوترة " لا .. لكن .. هي قالت "
كنا نمشي في حديقة المنزل ببطء .. لا أعرف لماذا .. لكن كأننا نقدر كل خطوة نمشيها معا
" كيف حالك ..لقد تغيرت قليلا "
نظر إلى جسده وقال " ماذا ؟؟ هل أصبحت أضعف ؟"
هززت رأسي " لا .. لكن .. لم أكن أعرف أنك من أصحاب البشرة الفاتحه .."
ضحك كثيرا وقال " أنه جو أوربا ... يعيد للبشرة نضارتها "
" أتنصحني بالذهاب إلى أوربا ؟؟"
نظر إلي متفحصا وقال " لا .. لاتحتاجين ..لكن أنصحك بالذهاب إلى أوربا ..فالثقافة هناك ممتازة لطالبات الإعلام "
ضحكت بدوري وقلت له " أتتبع أخباري ؟؟"
ضحك وقال " أجل ..لا أخجل من الأعتراف ...وأنت تغيرت كثيرا "
استغربت " كيف ؟؟ أنا تغيرت ؟؟ هل بدأت التجاعيد بالظهور ؟؟أم ازداد وزني "
قال بخبث " وزنك لم يكن عائقا يوما .. لكن . ..التجاعيد قليلا "
ضحك على مظهري القلق ! قال " أمزح .. لكن أشعر أنك مختلفة تماما .. "
"للأفضل أم للأسوأ ؟"
" للأفضل طبعا .. وكبداية لم تعودي لوضع تلك الأصباغ على وجهك .. تبدين طبيعية تماما ."
ابتسمت له وقلت " شكرا ..هل جدتي في الداخل "
"أجل مع زوجتي البريطانية "
" ماذا ! "
ضحك كثيرا .. يبدو أن التعبير الذي اعتلى وجهي كان مضحكا .. لكنه لايعرف أن الشعور الذي اقتحم قلبي كان مؤلما !
" فقط لتعرفي أني أعرف مالشائعات التي ترددونها هنا .. "

مايذهلني حقا أننا نتواصل بالحديث معا كأننا لم نفترق . فهمت حديث سارة في أن تجدي الشخص الذي يفهمك ..

"فاطمة .. أريد أن اخبرك الآن لأني تعبت .."
"ماذا ؟"
"هل تتزوجيني ؟"
صدمت من عبدالعزيز الذي يطلب مني هذا الطلب الآن في حديقة عمتي تحت هذه الشمس الصيفية ..
قال شارحا " طلبت يدك من خالي بالامس وأخبرني أنه لايمانع ..ولأريح ضميري طلبت يدك من خالي خالد الذي لم يمانع على الاطلاق وتكفل بحفل الزفاف .. أريد أن أعرف رأيك .."

سألته مرتبكة " لم أنا عبدالعزيز ؟"
صمت قليلا وقال بلهجة صدمتني "هل سترفضيني لأني فقير ؟"

شعرت أن قلبي وقع في ركبتي من هول صدمتي لم يفكر هكذا ؟؟
" لا .. أنت لست فقيرا .. كيف تقول هذا .. أنت لديك شهادة رائعه ومنزل رائع ..وعائلة رائعه ..وأنت تخطأ أن ظننت أني فتاة مادية ..فالغنى والفقر لدي سواء ,, أؤمن بأن الرزق من الله .. وأن المؤمن إذا آمن بالله واجتهد بأفضل مالديه سيرزقه الله بما هو أفضل من المال ..الرضا والسعاده "

"إذن لماذا سترفضيني ؟"
"ومالذي أوحى لك بأنني سأرفضك .أنا أسألك ببساطة ..أعطني سببا لرغبتك بالزواج بي أنا الكائن المحطم المعقد الذي تعرفه "

"سببي ربما يكون بسيطا في نظرك ..لكنه كافيا في نظري "
"ماذا تعني ؟"
" أنا أحبك فاطمة .. "
كيف نطقها ..يا إلهي .استيقظ قلبي المجنون .. بدأ بالنبض بشكل جنوني ليرسل تلك الدماء إلى خدي جريا .. كان يعنيها فعلا ! كانت عينيه تنتظر إجابة بالفعل !
نظرت إلى المنزل أريد الهرب من هذا الشعور ..
عدت بذاكرتي إلى أول مرة رأيته فيها منذ عدة سنوات هنا في هذه الحديقة ..وعندما أخبرت منى أن شخصا مثله لن يفكر بي ااطلاقا .. عادت تلك اللحظات إلى مخيلتي في تلك اللحظة فإبتسمت .. لم قللت من ثقتي بنفسي ؟ .. عبدالعزيز أغرم بي وأنا في تلك الهيئة .. نظرت إليه مبتسمة وقلت " ليس .."
وصمت قليلا أحاول أن أرتب الأحرف .. صرخ بي وقد ضاق ذرعا بترددي
"ليس ماذا ! "
قلت هامسة " ليس سبب بسيطا .. أنه أهم سبب في نظري .."
ثم توجهت للداخل وأنا خجلة.. أجل سأقبل به .. أجل سأتزوج عبدالعزيز وأكون نصفه الثاني .. أجل لقد تمكن من قلبي كما قالت سارة ..
*************

كنت قد انغمست في التحضيرات لحفلة زفافي التي كانت خلال أسابيع قليلة .. كانت سارة سعيدة لهذا الخبر وحزينة أنها ستحضر الحفل ببطن منتفخ ..كنت أضحك بشدة وتخرجني من مزاجي المعتم إثر التوتر بإرتدائها لبعض الفساتين الغير ملائمة على الإطلاق ..
وتكفل عمي خالد بالزفاف أرجع العلاقات مثالية حيث كانت متوترة بسبب ماحدث لحسن كنا نجتمع كثيرا في منزلنا أو في منزل عمتي ..أو في المزرعه ..

فيصل .. لم يكن له أثر فعلي .. سوى في ذلك اليوم رن هاتفي الجوال وكان رقما غريبا ..
"ألو ؟"
صمت قليلا قبل أن يقول " مرحبا "
" من ؟"
" فيصل هل نسيت صوتي يا فاطمة ؟"
كتمت ضحكة احراج " مر وقت طويل "
جلست على السرير ووأنا أحاول أن أتخيله كيف يبدو كإحدى صوره تلك التي في الصحف
" أردت أن أبارك لك ..وأن أوضح شيئا .."
" شكرا لا احتاج للتوضيح .."
أردت أغلاق الهاتف لكنه قال " فاطمة ..نحن أبناء عم .. هل ستكون العلاقة بيننا متوترة هكذا ."
ترددت لكن قلت " لا أرغب في هذا أيضا "
قال " اسمعي ..سأبارك لك ومن ثم ستصلك بعد قليل هدية .. أتمنى أن تقبليها .. وستعرفين سببها .."
" لا أفهم ماتعني "
" أبارك لك لزواجك بإذن الله ..ولــ.. السبب الآخر لا أريد أن أفسده أود أن تعرفيه بنفسك . وأريد أن أخبرك ..منذ وفاة حسن وأنا أشعر بالذنب .. وأريد الاعتذار بصدق .. "
صمت قليلا .. وقلت " انس الماض فيصل .. ابدأ بعيش حياتك ولاتفكر . لقد سامحتك وانتهى الأمر "
"أذا أنت لست غاضبة مني ؟"
" لا .. "
" أعترف لك أن لك بصمة في حياتي .. وأنني أحببتك فعلا بغض النظر عن رغبتي في الانتقام من حسن .. سأمض في حياتي الآن .. وسأعود وأتزوج بحمده .. فأنا وهي خلقنا لبعض "
ابتسمت وباركت له .. وأغلقت الهاتف .. وبعد ساعة وصل صندوق صغير ..

كان يحتوى لى مجلة رياضية علمت أحد صفحاتها ..وانتابتني الدهشة وأنا اقرأ ما خط تحته
في مسابقة جمال الخيل العربية الأصيلة
ترتيب الفئة السادسة للأمهر في عامها الثالث :شارلوت ملك لفاطمة عبدالرحمن بدر من مزرعة خالد بدر في المرتبة الأولـى .

نظرت إلى الجائزة ورفعتها بفخر ..شارلوت .. نظرت إلى ورقة بالأسفل وقرأت
"لم تفز مزن بأي من المراتب .. لذا أربح الرهان .. وأطلب منك أن تكوني سعيده في حياتك وتسامحيني على غباءي وحقدي "

ابتسمت وفرحت كثيرا ..رفعت الجائزة التي كانت تبدو فاخرة جدا ووضعتها على إحدى الرفوف وقصصت الخبر ووضعته في اطار صغير قرب الجائزة .. رن هاتفي
" ألو "
" حبي .."
خجلت كثيرا رغم أننا عقدنا قرآننا منذ أسبوع لكني لم أعتد ..وقلت مبتسمة أحاول أن أكون جدية " عبدالعزيز .. أريد أن أخبرك شيئا .."
كانت الاهتمام والخوف في نبرته " ماذا هل أنت بخير فاطمة ؟"
"لا "
" مابك ؟؟ ..أخبريني .."
"حدث شيء زلزل كياني . .."
"ماذا ؟"
" أحبـــك .."

انتهت
بنت القلعة
بنت القلعة
انتهت القصة
اتمنى انها تعجبكم
وانا موضوعى مو بس قصة اي شي عند ك قولية يتخذ الواحد قرار او حافز ضد السمنة
روحي فداة
روحي فداة
اخيييييييييراً مابغيتي :hahaha: آسفة أختي امزح معك..... اللحين باقراها على رواق ..

شكراااااا:D
بنت القلعة
بنت القلعة
اخيييييييييراً مابغيتي :hahaha: آسفة أختي امزح معك..... اللحين باقراها على رواق .. شكراااااا:D
اخيييييييييراً مابغيتي :hahaha: آسفة أختي امزح معك..... اللحين باقراها على رواق .. ...
ههههههههههههههههههههههه عادى قلبو خذى راحتك اهم شي تعجبك