بنت القلعة
بنت القلعة
جيت يلة بكمل
26


مشاعر وأحاسيس ...


عدت وأنا في أسمى حالات الحب .. عدت وكنت أشعر بالحب تجاه كل شيء ...تجاه الأشجار تجاه جدتي ..تجاه منزلنا .. تجاه أمي .. حتى منال .. اختفت كراهيتي لها في تلك اللحظة .. من يراني أشع حبا وسعاده سيقول أنني ربحت اليانصيب ...

لكني فعلا .. ربحت أكبر جائزة .. فيصل ....
قالت لي جدتي " سنذهب إلى المزرعة "
كنت أعرف أننا ذاهبون إلى مزرعة عمي .. زادني ذلك سرورا .. جهزت ملابسي .. واتجهت برفقتها إلى تلك الروضة ... حيث ولد حبي الأول ..
كنت أحتضن كتاب غادة السمان بين يدي ... وفتحت عشوائيا على احدى الصفحات ..
(( ثمينة هي لحظاتنا ..
كل لحظة تمضي هي شيء فريد
لن يتكرر أبدا أبدا ..
فأنت لن تكون قط
كما كنت في لحظة سابقة
ولا أنا ..
كل لحظة هي بصمة إصبع ..
لاتتكرر
كل لحظة هي كائن نادر ..
وكالحياة
يستحيل استحضاره مرتين .. ) )
أغلقت الكتاب ووضعته في حقيبتي الصغيرة .. ونظرت من النافذه ... فما يجول في دمي الآن من مشاعر وأحاسيس .. هي لحظات مميزة ..

كان ينتظرنا مثل أول يوم أتيت فيه .. إلى هذه المزرعة .. أرسلت ابتسامة استقبال .. وشعور داخلي يخبرني أنني أخيرا ...سأعرف معنى السعادة ..
حمل الحقائب وأرسلها إلى الداخل .. واتجه إلي بعد أن ألقى التحية على جدتي ..
" كيف حالك ؟"
" بخير . لندخل .. "
اتجهنا معا إلى الداخل .. ولم يقاوم كلانا النظر إلى بعض بغموض ..
" لنذهب بإتجاه الأحصنه "
وافقت فيصل على اقتراحه وتبعته وأنا أحمل في قلبي آمالا ضخمة .. قلبي الذي يدق بسرعه ..
وقف بجانب فرس بيضاء ...هم قائلا ..
" اسمها مزن .. "
رددت خلفه كالبلهاء لهذا الإسم التقليدي " مزن ؟"
قال وهو يداعب شعر الفرس " اختيار اسم الفرس أمر رائع .. .كمن يختار اسما لإبنته يعرف أن هذا الإسم سيلتصق بها إلى الأبد .... يجب أن تبحث عن شيء يصفها .. ففكرت بــ مزن .. فهي بيضاء كالمزن .. وجميلة ... كسحابة بيضاء في سماء صافية .إلمسيها ..."
مددت يدي أمسكها .. كان شعورا غريبا .. مررت يدي بين خصلات شعرها .. واستسلمت لي كليا .. قال لي فيصل " من حسن حظك ..أن هناك فرسا ستضع مولودها خلال يومين .. أنت من ستختارين لها اسمها .."
" أنا ؟.؟؟"
فرحت بذلك ...
قال مبتسما " أجل ... قال لي عمي أنك من ستسمين المهر ...لندخل .."
قاد الفرس إلى اسطبلها وعاد إلي قائلا
" ستشارك مزن في مسابقات الخيول لهذه السنة .. توجد منافسات قوية من المزارع الأخرى .. "
" هل ستشاركون بخيول أخرى؟؟"
" لا .. سباق الخيول لن نستطيع المشاركة به .. الحصان الذي كنا شنشارك به كسرت ساقه .. إنها ستشارك في سباق أجمل فرس .."
" إنها رائعة .. أنا واثقة من أنها ستفوز بالمركز الأول .. ..."
ضحك وجعل قلبي يرن رهبة ..وتمتم " إن فرصتها جيدة .. "
عقدت حاجبي وسألته بغضب " لم ضحكت ؟؟"
قال " ثقتك هذه تضحكني .. لم تري الخيول الأخرى .إنها رائعة وفرصتها في الفوز أقوى من فرصة مزن .."
" لنراهن .."
ضحك فيصل من جديد .. ليذوب كل ما داخلي من مشاعر وأحاسيس .. ابتسمت خجلا .. لكنه قال مبتسما .. " حسنا .. مارهانك .."
فكرت قليلا ثم ابتسمت
" سأراهنك أن مزن ستفوز بأحد المراكز الثلاثة الأولى .."
" هذا غش غير معقول ..لماذا أرسل مزن وأنا واثق بأنها لن تفوز بشيء .. حددي الرهان أكثر .. أنا أعرف أن مزن ستنال أحد المراكز .. "
" إذن ستنال المركز الأول .. "
" حسنا سنرى .. على ماذا سنتراهن ؟؟"
فكرت قليلا .. مالذي يمكنني أن أراهن عليه ؟؟ ...قلت بدون وعي " أن تخبرني ماذا تعني الورقة البيضاء "
ابتسم وأنزل رأسه قليلا وقال " لا زلت تتسائلين ؟؟"
كنت أعرف سر الورقة البيضاء .. لكن لسبب ما كنت أريد أن أسمع منه .. قال أخيرا
" حسنا ..والسباق خلال أشهر .."
قلت مبتسمة وونحن متجهان إلى الداخل " سأنتظر .."
وتبادلنا نظرات مبتسمة ... لأعرف أن أجمل شعور في هذه الدنيا هو الحب .. رميت بجسدي على السرير .. وأخرجت كتاب سارة ..
لأقرأ تلك الكلمات المتناقضة .. وأتفحص معانيها ...
********
اجتمعنا جميعا حول العشاء .. لا أعرف لم جدتي تبدو مستاءة .. كانت زوجة عمي تنظر إلي نظرات لم أفهمها .. ولن أنسى ترحيبها الحار بي ... كان عمي خالد يتشاور مع فيصل في مواضيع عن العمل .. ثم قال " فاطمة تعالي أنت وفيصل إلى غرفتك .."
تبعتهما ..جلس عمي على السرير وجلست على كرسي يقابله ..
قال " يجب أن تحددي لي بعض المواعيد .. أحضر هاتفك يا بني "
خرج فيصل ليجلب الهاتف ... . قال عمي " سيعقد حفل عشاء عمل عاجل خلال بضعة أيام .وسأقابل المعنيين بالعمل مقابلات طويلة .. لأن مدة إقامتهم ستكون يومان . هل أنت مستعدة لضغط العمل ؟"
أومأت لعمي بالموافقة .. اتجهت إلى حقيبتي الصغيرة وأخرجت دفتر مواعيد عمي الذي أحمله معي في كل مكان .. تناقشنا أنا وهو أي المواعيد التي سيلغيها .. وأي المواعيد التي لن يتخلف عنها .. عاد فيصل وقال " لدي نسخة في سيارتي بأسماء المكاتب التي سنتصل بها في المساء .."
قال عمي " جيد ..نسق أنت وفاطمة الأمر .. أريد أن يكون كل شيء قد ترتب غدا ..فيصل راجعت معك جميع الأسماء لاتنسى أحدا .. فاطمة ... حجوزات المطعم السيارات والفنادق وحتى تذاكر السفر .. يجب أن لا تنسي شيئا .. "
" حاضر عمي .."
وقف وقال " يجب أن تتذكري أيضا أن تدوني كل الملاحظات خلال العشاء .. ولاتنسي الصحافة .. يجب أن يكون عشاء العمل شيئا لائقا وفخما .."

" إعتمد علي كم عدد الضيوف ؟؟ العدد الأقصى ؟"
" خمس وثلاثون .. المعنيين .وقد ترافقهم عائلاتهم أو موظفيهم .. استعيني بعبدالرحمن مساعد المدير ووزعي المهام بين موظفي المكتب .... وليكن الموظفين ضمن المدعويين .. استعيني بجهه تنظيم "
فكرت قليلا وقلت " أستعين بالفندق "
" سيكون مناسبا .."
خرج عمي ... وبقي فيصل ينظر إلى قائمته التي في يده .. رتبت مواعيد عمي للأيام المقبلة .. ثم اتصلت في عدة فنادق ...وأخبرتهم أنني سأزورهم لأرى مايمكنهم تقديمه ..
" هل ستتصلين بالصحافة ؟؟"
" ليس الآن يا فيصل .. يجب أن أرتب كل شيء ..وآخر شيء هو ارسال دعوة إلى جميع الصحف المحلية ... "
" ماذا تكتبين ؟؟"
نظرت إلى فيصل وقلت " ملاحظات بكل شيء .. حتى لا أنسى شيئا "
توقفت يدي عن الكتابه .. عندما وجدت فيصل يقلب في كتاب غادة السمان . سألته وأنا أكتب الملاحظات كي لا أنسى شيئا " ألا يفترض أن تتصل بالمكاتب وتدعوهم ؟"
قال وهو لايزال ينظر إلى صفحات الكتاب " سأتصل عندما تتأكدين من الحجوزات .."
" لا .. يجب أن تتصل الآن .. لأن المكاتب ستكون قد إلتزمت بمواعيد أخرى .. ليكن الحفل يوم الخميس .. أخبرهم أن الدعوة ستصلهم يوم الأحد .. لكي لايرتبطوا بشيء حتى ذلك الوقت .."
" لكن يا فاطمه الخميس بعد أسبوع .. هل استشرت عمي ؟؟"
رفعت رأسي وأجبته " اذهب وإسأله .. التجهيز والتحضيرات لن تكون بالأمر السهل .. "
خرج لدقائق وعاد وقال " عمي يريد يوم الأربعاء لأنه سيضطر للسفر يوم الخميس إلى حسن في لندن "
" حسنا .."
عاد وجلس على سريري ليقلب في الكتاب .. وكنت أنظر إليه بين اللحظة والأخرى .. كان يقرأ بنهم .. لم أكن أعرف أن له هوايات أدبية .. لا أعرف لماذا تصورته دائما رجلا بدويا .. لايعرف للحضارة طريق .. لا أعرف .. لكني كنت أنتهز تلك الفرصة في تأمله .. كان يقلب الصفحات .. ويتأمل الكلمات بإهتمام .. للحظة .. كدت أن أفعل الجنون نفسه .. وأن أعترف له بمشاعري نحوه .. لكن المنطق صرخ بي .. كرامتي زجرتني .. لا .. إنه رجل .. ومهما تحملين في قلبك من آلالام .. من حب أسطوري .. يبقى كبرياؤك الأهم .. إنه صياد .. هو من يجب أن يختارك .. لا أنت .. عدت لملاحظاتي .. ثم وقفت وخرجت .. لم أحتمل البقاء أكثر .. جلست بقرب جدتي .. وسمعتها تتحدث عن إحدى القصص القديمة .. نظرت عبر النافذه .. كان الجو في الخارج جميلا ... غرقت في بحر تخيلاتي .. إلى أين سأنتهي ؟؟ أين ستحملني هذه الأمواج ..
غادرنا في الصباح التالي .. أمسكت بالكتاب الذي يبدو أن فيصل تصفحه جيدا مساء امس .. أدخلته في حقيبتي .. وطلبت من جدتي أن توصلني لمنزل ساره .. ولم تمانع ..
عندما رأيت ساره عانقنا بعضنا .. كأننا لم نر بعض منذ سنوات .. دخلت إلى غرفتها كانت تبدو رائعة .. قالت لي " أعرف أنني تصرفت بلؤم ... لكنني أحبك .."
تعانقنا مرة أخرى ..
أخبرتها .. بما حدث في الأسبوع الماضي .. ابتسمت .. وقالت
" أشعر أنني اشاهد مسلسلا مكسيكي .. "
ضحكت .. وقلت " فعلا .. لكن.. سأنتظره لآخر عمري ... "
قالت بعد أن وقفت وهي تنظر عبر النافذه
" ألا تشعرين أن فيصل .. ليس لديه أية .. لا أعرف كيف أقولها .."

إن سارة عقلانية وماتريد أن تقوله يجب أن يكون جديا قلت لها " قولي كل ما تفكرين به ؟"
نظرت إلي .. وقالت " ألا ترين.. أن فيصل عندما انفصل عن حمده استعجل وارتبط بمنى .. والآن عندما انفصل عن منى ...."
" سيستعجل ليرتبط بي ؟؟"
" أجل .. ألا تلاحظين أن ليس لديه ولاء .. أو كما يقولون احترام لإمرأة كان سيرتبط بها .. لا أعرف كيف سأصيغ هذا .. ولكن .. يبدو كأنه لم يكن لديه عاطفة لمنى أو حمده .. كأنه ألغاهما من حياته بسرعة .. ببساطة .. كأنه لم يتأثر بفراقهما ..رغم أنك أخبرتني أنه كان يلتقي منى .. وأنه كان بينه وبين حمده مراسلات .."
قلت لها وأنا أفكر بكلماتها ..
" أتعنين يا ساره أنه تخطاهما كأنه لم يعرفهما تمام المعرفة ؟"
" تماما ... والآن سيستعجل للإرتباط بك .. كأن شيئا لم يكن . ألا تعتقدين أنه قاسي القلب ؟؟"

أجل إنه قاسي القلب هذه حقيقة لانظرية ..نظرت إلى ساره وقلت لها بثقة
" سيكون من حسن حظي إن إستعجل وارتبط بي .. إنه شيء من صالحي أن منى وحمده لايملكان في قلبه مكانا.. سيكون ملكا لي .. وحدي ..سأهديه كل شيء ..كل حياتي .. وإن كان قاسي القلب .. سأرضى به .. سأعيش معه .. سيلين هذا القلب .. ولن أجعله ينساني .."
لم تعلق ساره ... بقيت تنظر إلي في قلق .. لكني أنا نفسي لم أكن قلقه .. شيء ما كان قد جعلني على ثقة بأن كل شيء سيسير على مايرام .



-27-
____

آسف

كان أسبوعا مضغوطا بالفعل .. كان فيصل مشغول بأمور المكتب وأنا انشغلت بأمور التنظيم لعشاء العمل .. استعنت بعبدالرحمن الذي كان مهذبا معي .. كنت أتأكد من ملاحظاتي .. وأستشير عمي بكل شيء ,,
" لقد أثبت براعتك يا فاطمة في تنظيم الأمور .."
نظرت إلى عمي بإبتسامة عريضة .. دخل فيصل وكان في هذه الفترة مسالما جدا ..لم يتعرض لي بكلمة ..
قال لي عمي :
" هل وجهت الدعوة للصحافة ؟"
" أجل .وسألتقي بهم في الفندق غدا....."
قال فيصل " لكنك لن تحضري حفل العشاء .."
صدمت لأني متأكده أن عمي طلب مني أن أسجل كل شيء .." لماذا ؟؟"
لم يعلق عمي .. لكن فيصل قال " بوجود هذا الحشد الكبير والصحفيين ممنوع أن تظهري للصحافة .. أنسيت أنك من عائلة محافظة ؟"
نظرت إلى عمي الذي إلتزم الصمت .. لم يكن يهمني عشاء العمل .. لكنني رفضت الفكرة والمبدأ ..أن يكذبا علي ..
.. قلت بصوت متحشرج " عمي .. قل شيئا ..."
لكنه لم يقل .. مما يعني أن ماقاله فيصل ..هو ما سيحدث .. خرجت من مكتبه وأنا في قمة حزني ... لم أستطع كبح دموعي .. دخل المساعد عبدالرحمن إلى المكتب .. قال في قلق " آنسة فاطمة .. هل ..أنت بخير ؟"
أومأت .بأجل . لكن دموعي كانت تستمر بالتدافع .. وسال معها الكحل والمسكارا .. كان يقف أمام مكتبي .. خرج فيصل .. ونظر إلى عبدالرحمن بغضب .. منعني فيصل من الإختلاط بباقي الموظفين ... ورؤيته لعبدالرحمن يقف مقاربا لي .. أشعلت نار الغيرة في داخله .. اكتفيت بتكفيف دموعي بينما انسحب عبدالرحمن إلى مكتبه .. قال فيصل غاضبا " ماذا كان يفعل هنا ؟"
أجبته بتهكم " لم لم تسأله ؟؟"
قال غاضبا " أكنت تشكين إليه ؟؟"
صدمني ماقاله وفتحت عيني لأنظر إليه بألم ..فقد أهانني صرخ
" أجيبيني ؟؟"
" لماذا ؟؟ ...ماذا تراني ؟؟ هل أبدو لك أنني ..."
خانتني الكلمات فقد تسرب الإشمئزاز إلى نبرة صوتي .. قلت منهية هذا الحديث
" لا أعرف لماذا أتى إلى هنا ... ولم أكن أشكو إليه أي شيء .. بالرغم من أنه سألني عن سبب بكائي ..:"
كانت كلماتي الأخيرة طعنة إليه .. وأرسلتها بنظرة تحدي .. وكان تأثيرها فيه سيئا .. ونتائجها كانت في صفعة مؤلمة تلقيتها منه في لحظة غضب منه و إنتقام للذات ..
كنت أستحق تلك الصفعة فقد تصرفت بقلة أدب معه .. أجل .. جلست على مكتبي .. انسابت دموع بلاصوت .. بقي يقف هناك .. كنت أنظر إلى الأوراق .. وكانت دموعي تنساب .. بينما كان لايزال يقف .. كأنه انتظر مني أن أواجهه أو أكيل إليه السباب والشتائم .. لكني كنت أحبه ... أجل أحبه .. وغيرته تلك جعلتني أحبه أكثر .. لم أكن أريد أن أجرحه .. ولن أجرحه .. انسابت دموعي تغسل كل مابي من تناقضات ... لكن لا أعرف لماذا بقي يقف هناك لأكثر من عشر دقائق قبل أن يخرج إلى مكتبه .. استعدت شتاتي .. يا إلهي لماذا تتعقد الأمور دائما ؟؟ ...
دخلت إلى مكتب عمي .. لأسلمه بعض الأوراق .. وعندما أردت الخروج استوقفني .. " فاطمة ... لقد وعدت أخي أنني لن أعرضك لأي وسائل إعلامية أو حفلات عشاء مختلطة . "
قلت في هدوء " لست مستاءة .،.ألهذا فيصل لم يعترض على شيء طوال الأيام الماضية ؟؟ هل كان يعرف أنني لن أحضر الحفل ؟"
" أجل .."
يا لإستبداديتك يا فيصل.. خرجت من عند عمي .. ودخلت لمكتب فيصل .. وكنت أحمل له نسخا من مسودات كلفت بطباعتها .. وضعت النسخ على الطاوله .. كان يجلس على مكتبه جامدا .. كدت أخرج لكنه قال" انتظري. "
كان يبدو أنه يقاوم كبرياءه ...
لم أجب لكنني إلتفت إليه وأبقيت نظري بعيدا عنه مرة إلى يدي أو إلى الأوراق ..أو إلى النافذه .جاهدت كيلا تتلاقى عينانا... فيقرأني ويعرف كل أسراري .. ...
" أنا آسف .. "
خرجت من مكتبه لم أرد أن أسمع منه أي شيء آخر .. لقد اعتذر .. لكن ليس هذا ما كان يهمني .. لكني فعلا لا أعرف مالذي يهمني .. استأذنت من عمي أن لا أحضر في الغد ولم يمانع وغادرت مبكرا .. خرجت وأنا أشعر بتعب .. فلم أكن قد تناولت شيئا منذ وقت طويل .. ربما من يومين .. فلم أتناول سوى عصير برتقال هذا الصباح .. غريب .. أنا التي كنت أتناول ثلاث وجبات خلال الصباح فقط .. أصبحت لا أذكر الطعام .. ولاأتناول شيء يذكر .. قطعة فاكهه إن أردت أن أشعر بالشبع ..
أدرت الراديو ... وبقيت ممدة في سريري .. شعرت بحاله من التعب والإكتئاب .. طرق الباب ..
" ادخل .."
دخلت مها ..وكانت لوحدها .. وعندما رأتني صرخت مندهشة من التغيير الذي حل بي ..
" اتصلت في سارة لترافقني لكن لديها موعد .. اتصلت بجدتك وطلبت منها الإذن في زيارتك .. ولم تمانع .. وقالت لي انك عدت مبكرا من عملك ... ماذا تفعلين ؟"
كنت أجلس ببجامتي وشعري في حالة سيئة ...
" أنني مصابة بحالة من الكآبة ..."
" لنخرج .."
لم أمانع ..كانت مها مرافقة مثالية ورائعة ..
" لاتفعلي شيئا .. فقط غيري ملابسك .. وواتبعيني .."
استأذنت من جدتي التي لم تمانع .. وخرجت برفقة مها .. لم أعرف إلى أين تأخذني .. في البداية توقفت عند مركز صيني للمساج .. وعلى ضوء الشموع الرائعة والرائحة الغريبة .. كان مساجا رائعا .لمدة ساعة كاملة . أخرج كل مابي من تعب .. فالمدلكة الصينية لم تتدخر جهدا في عملها .. آلمتني لدرجة أن جسدي طرد التعب وشعرت بالدماء تسري خلاله ...
ثم توجهنا إلى مركزالتجميل .. حمام زيت للشعر ومن ثم قص واستشوار .. وتنظيف عميق للبشرة وأقنعة للنضارة وأخيرا .. بديكير ومانكير ..
" صدقيني يا فاطمة .. إن الفتاة يجب أن ترفه نفسها .. ولايوجد أفضل من البديكير والمانكير .. " ..
قلت لها " أعجبتني الأقنعة كثيرا .. أشعر بالإنتعاش .. كم الساعة الآن ؟"
" التاسعة مساء .. "
شهقت " أوه .. أننا هنا منذ السادسة ..."
" انتهينا .. لنخرج لنتاول شيئا في أحد المطاعم .."
" حسنا .."
توجهنا أنا ومها إلى أحد المطاعم وكانت تتحدث عن قرار خطبتها بأحد أقربائها .. ومن ثم تحدثنا عن آخر أخبار زميلاتنا وعن الموضة والأفلام...إلخ ..
عدت إلى المنزل في العاشرة والنصف .. رميت بحجابي فور دخولي للمنزل .. نظرت عبر المرآه إلى قصة شعري الجديدة .. يا إلهي .. كم غيرت من ملامحي .. الآن بثقة أعرف أنني أبدو جميلة ..أتجهت إلى غرفتي .. رأيت منال تجلس في الصالة العلوية
" كيف حالك؟"
بادرتها وانتبهت كيف نظراتها النارية تحاول أن تقول شيء ..
" أين كنت ؟"
نظرت إلى أخي مبارك الذي كان يقف خلفي .. قلت له ببساطة " في مركز التجميل .. مارأيك بقصة شعري ؟"
ومررت أصابعي بين خصلات شعري ..
قال مبهورا " أنها جميلة .. مع من ذهبت ؟"
" برفقة مها صديقتي ابنة أبو خالد الذي يسكن أول الشارع .. استأذنت من جدتي فوافقت ."
كان عندي شعور أن منال بطريقة ما جعلت مبارك يغضب مني .. قد تكون تفوهت ببعض التعليقات السلبية . قال وهو يبدو جادا " استإذني مرة أخرى "
لم أعلق .. لكن نظرات منال الغيورة والنارية كانت تنطق بالشماته ابتسامتها الساخرة كابتسامة الثعلب كانت دليلا واضحا لسخريتها مني .. ..تبعت زوجها وهي تمشي بتكبر .. سأعرف كيف أغيظك يا منال .. لن تنالي مرادك في الإيقاع بي ..
خرجت أمي من غرفتها .. ركضت إليها لأريها قصة شعري .. كانت مبهورة .. وأثنت عليها كثيرا .. ومن ثم تذكرت وسألتها
" أين جدتي ؟؟"
نظرت إلى امي التي كانت تحاول التهرب من الاجابة علي .. لم أدقق في ملامح أمي من قبل .. لكنها جميلة .. امرأه في الخامسة والأربعين .. مخملية البشرة خالية من التجاعيد رشيقة القد .. شعرها الأسود الطويل ترفعه دائما وغرة بسيطة تغطي جبهتها الصغيرة .. عيناها السوداوين ..بؤبؤ عينيها المتسع .. أنفعها الحاد المرفوع بكبرياء .. حاولت أن تتملص من اجابتي .. وكنت تلعب بغرتها بشكل لاإرادي ..
كانت أصابع يديها طويلة كأصابع يدي وصبغت أظافرها بطلاء فرنسي راقي . ترتدي تنورة زرقاء مع قميص أبيض .. ورغم أنها لم تخرج اليوم لكنها كانت تزين أذنيها بقرطين ماسيين رائعين مما جعلني أمسك بأذني بطريقة لا إراديه .. لم أضع أقراطا منذ وقت طويل .. ستكون أمي قدوتي في الأنوثة والجمال .. أتمنى يوما ما أن أصل لعمر الخامسة والأربعين وأبقى جميلة هكذا ..
" أين جدتي ؟؟"
لاحظت توتر أمي للمرة الثانية " في بيت عمتك "
" لماذا؟"
ان الوقت متأخر ولم تخبرني جدتي أنها ستخرج اليوم ...
" عمتك متعبة فزارتها .."
لم أقتنع برد أمي .. دخلت إلى غرفتي ورفعت الهاتف لأتصل بمنى ..
" مرحبا .."
لكن من رد كان عبدالعزيز " وعليكم السلام .."
" عبدالعزيز ؟؟"
" من معي ؟"
" فاطمة .. كيف حالك؟؟"
" بخير ..وأنتي ؟؟"
" بخير .. هل جدتي بقربك ؟"
" لا إنها نائمة .."
تفاجأت وقلت أسأله " هل ستنام عندكم ؟"
" لماذا ..الاتعرفين ؟؟"
صدمت من رد فعل عبدالعزيز" مالذي لاأعرفه.. هل حدث شيء ؟"
جاءني صوت عبدالعزيز مترددا " لاشيء مهم .. لكن .. حدثت مشادة بين جدتي وووالدتك .. "
" مااذا ؟؟؟ متى ؟؟"
كيف ؟ ألهذا كانت أمي تتهرب مني ؟؟
" فاطمة .. أين كنت ؟ لقد اتصلت بي جدتي وهي منهارة كليا ..لقد حضرنا أنا وأمي لإحضارها .. كانت مشاجرة عنيفة ؟؟"
لم أمسك دموعي ونشيجي .. مسكينة جدتي " هل هي بخير ؟؟ قل لي .. مالسبب ؟؟ عبدالعزيز أخبرني .. أرجوك "
كان عبدالعزيز مرتبكا .... قال يحاول تهدئتي " المهم أنها بخير ..لاتبكي .. "
" لن أسامح أمي إن حدث لها شيء .. لن أسامحها كيف ..كيف ؟؟..يــ..يــ..."
" كفى فاطمة .. لاتبكي .. لم يحدث شيء اطمئني .. هيا نامي الآن .. جدتي بخير .. ثقي بي . "
لكني أصررت "ماسبب المشاجرة اخبرني"
"غدا ..بإذن الله سأخبرك ..تصبحين على خير .."
كنت أرتجف لا إراديا .. خرجت من غرفتي واتجهت إلى غرفة جدتي .. ولم أستطع منع نفسي من الذهول ..اتجهت نحو خزانتها .. وعندما فتحتها لم أستطع كتم شهقة كبيرة ..
ركضت إلى أمي " لم أخذت .."
قالت أمي بحزم" كفى فاطمة.."
" ولكن ..جدتي .."
فاطعتني أمي وهي ترتجف
" ضقت ذرعا بكل شيء .. جدتك لم تبارح هذا المنزل منذ خمس وعشرين سنة .. كفى ..تعبت .."
لكن الذهول انتابني " ماذا تقولين .. أنت السبب في رحيلــهــا؟؟"
" أجل أنا . ولأول مرة في حياتي أقولها ..لقد تخلصت من جدتك .."
ذهلت .. ولم أكف عن البكاء .. لم أستطع أن أكلم أمي .. ترائى لي المنزل خاليا .. غرفة جدتي الفارغة .. لم يكن بها أي شيء . .. حجاب الصلاة ..قرءانها .. حقيبة أدويتها .. مبخرها الذهبي وصور افراد العائلة وصورة جدي .. كانت الغرفة فارغة تماما .. وكذلك هي خزانتها .. هل ستختفي جدتي عن حياتي ؟؟ وجدت نفسي أصرخ بأمي
" لماذا ؟؟لقد..لقد حملتنا على أكتافها .. لقد قامت بما لم تقومي به ..لقد .. لم تتعرض لك بشيء .."
كانت أمي تبكي .. وبان الإضطهاد في عينيها ..
" لقد قلت ما أردت قوله .. ولكن فكري بي لابها .. لقد قامت بما لم أقوم به .. لقد عاشت حياتي وربت أبنائي .. أجل .. لكن رغم ارادتي ..ليس برضاي .. منذ أنجبت مبارك ..وهي ترفض عملي لأي شيء ..كل ليلة تحملكم إلى حجرها .. وأبقى أبكي .. وكان والدك يرفض أن أتفوه بكلمة .. لقد حجر قلبه .. وحجرت هي قلبي .. لاتعرفين كيف هو شعوري .. كبر مبارك .. ونطق بماما ..لكن ليس لي .. بل لها .. كبر محمد .. وسالم وابراهيم ومن ثم أنت .. كان السيناريو يعيد نفسه .. حرمت من لحظات السعادة ,,حرمتني منكم ..أنتم لاتحبوني كما تحبونها .. لاتحنون علي كحنانكم عليها .. تدخلون للمنزل تدخلون غرفتها .. لتحيتها .. بينما أقبع في غرفتي لايطرق أي منكم بابي.. تعبت يا فاطمة .. تعبت .. أغرقت نفسي في الحفلات وفي المجتمع ..لكي أنسى .. لكنني لم أنسى .لقد تحملت الكثير ..ولا أستطيع أن أتحمل أكثر ... "
لم أستطع منع دموعي ..أمسكت بيديها وهمست
"مالذي تغير يا أمي .. لقد كبرنا .. وجدتي كبرت في العمر .. لم الآن؟؟"
" عندما رأيتها اليوم تمسك بإبن مبارك .. وتصرخ بمنال .. تذكرت الماضي ... عندما أخبرت منال أنها ستبقي الصغير لديها الليلة..لم أحتمل .. لن يحدث هذا .لن تعيد الماضي .. كلمة فأخرى. ثم .. حدثت المشاجرة .. ثم جاء والدك . وكاد ..أن يطلقني...لكني لم أتراجع عن موقفي وكان واضحا ..."
صرخت " لا .."
قالت " بل أجل .. أنا أعرف أنه يوما ما ستضطرون إلى التخلي عني .. لأني لا أعني لكم شيئا .. سأعاقب بغير ذنب .. لذا خيرت والدك أما أنا أو هي...."
انهرت باكية لكن أمي ركعت عند قدمي " أعرف أن جدتك هي من ربتكم .. أعرف أنك تحبينها .. لكن جاء دوري .."
قاطعت أمي " هل طردها أبي ؟؟ ..هل تجرأ وطرد أمه ؟؟"
" لا لم يفعل .. كاد أن يطلقني لكن جدتك كعادتها ..أظهرت موقفها البطولي .الإستعراضي ..أنه جاء الوقت لترحل وتعيش مع عمتك .."
نظرت إلى أمي ..هل أكرهها ؟لا ؟ إذا لماذا أبغضها ؟؟ ...ستحرمني من الحضن الذي ألتجأ إليه كل مساء .. لم أستطع تخيل المنزل من دون جدتي .. فانهمرت دموعي .. سينهار منزلنا .. هذا ماكنت أفكر به ...لا أعرف لم أمي تحولت إلى ناكرة للجميل ..ففي هذا الزمن الذي ترمي فيه النساء أطفالهن إلى أحضان الخادمات .. إلى أحضان كافرة ومسيحية ويهودية وإن حالف الحظ مسلمة .. تتنكر أمي لصنيع جدتي ..ايتعدت عنها بينما جلست على كرسي قريب ..لم أستطع كتم مايجول في بالي فقلت لها وأنا أنظر إليها نظرات نارية
"لم أعهدك قاسية القلب يا أمي .. أشعر بأنني لا أعرفك .. ولا أعرف كيف أتحدث معك ماذا تقولين ..لا أفهمليس منطقيا ماتقولين ..وإن كان صحيحا .. ..لم لم تفعل ذلك مع ابناء عمي خالد أو فيصل..أو عبدالعزيز ؟ليس سببا لا ....."
صدمت أمي بكلماتي .. ملامحها الجميلة ذبلت في ثواني .. كأني خيبت أملها في شيء ما ..خيبة أمل كبيرة .. ماذا كانت تتوقع . أن أجري إلى حضنها وأشكرها على لؤمها مع جدتي؟؟ ..لم أصدق كلامك يا أمي ..حتى الطيور تهاجم بشراسة عندما يحاول أحدما لمس بيضها أو أحد فراخها ..
ارتجفت أمي لدقائق ثم وقفت وهي تقول " أترين ما فعلت جدتك ؟؟ أترين ؟؟ لقد جعلتني افقد التواصل معكم ... لا أعرف كيف .أقنعكم بــ...."
قاطعتها بجدية " ألا ترين أنت مافعلت جدتي ؟؟ ..لقد أنشأتنا أحسن مايكون .. لقد حافظت على تماسك هذا المنزل بينما يغط أبي في مجالسه وأنت في حفلاتك واجتماعاتك .. والآن .. عندما كبرنا .. أتيت لتستلمينا ناضجين .. لن تتكبدي عناء تمرد مراهقتنا الذي مرت به جدتي ..أخطاءنا ..وزلاتنا.. أو مساعدتنا في اختياراتنا لمستقبلنا .. أو توجيهنا الصحيح في ديننا .. أو حتى تقوية ايماننا بالله ..وثقتنا بأنفسنا .. أهملت كل هذا .. وأتيت عندما حان وقت الحصاد ..و حان الوقت لننطلق للعيش دون الحاجة إلى أحد .. ونتحمل مسؤولية أعمالنا .. تهاني يا أمي ..ربحت أربع رجال وفتاة كأبناء لك "
لم تحتمل أمي هذه الكلمات فصفعتني بشدة .. لم أستطع سوى البكاء .. فأنا لا أستحق سوى الصفعات .. حملت نفسي .. واتجهت لغرفتي .. ومابي من غضب أفرغته في اغلاق الباب بقسوة .. يكفي ...تحملت بما فيه الكفاية .. لكنني لن أتحمل فقدان جدتي..


_28_

لم أستطع النوم ..لقد كان يوما سيئا فعلا .. في الساعة التاسعة اتجهت إلى منزل
عمتي .. لم أجد سيارة عبدالعزيز وعندما دخلت إلى الصالة كانت جدتي تجلس مكتئبة لم أستطع منع نفسي .. وإلقيت بجسدي في حضنها ... وبكيت حتى أخرجت كل مابي من جروح وآلالآم وشروخ تراكمت لهذا الأسبوع ..
لكن جدتي كانت صامتة .. كانت أشبه بمصدومة .. قالت عمتي
" قلت لك يا أمي منذ زمن أن تأتي لتعيشي معنا .. لكنك رفضت .. "
قالت جدتي
"يكفي .. انتهى الأمر..لاتبكي يا فاطمة .. "
رفعت رأسي بصعوبة .. كنت أشعر بالذنب .. بالألم .. ولم أستطع أن أمنع هذا الشعور من التوغل في روحي .. ركضت إلى الحديقة لأتنفس قليلا ..
لم أجد حروفا لأنطقها ,,فجأة فقدت القدرة على الحديث ...أردت أن اقول لجدتي أشياء كثيرة أن أريها أننا لن نجحدها فهي امنا..و...
"فاطمة ؟"
كان صوت رجالي متشكك..
إلتفت إلى عبدالعزيز ..الذي أخفض عينيه بشكل لا إرادي ..كان يتحاشى النظر إلي .

عرفت سبب تفادييه النظر إلي ..عندما رأيت حجابي على الأرض..أمسكته وارتديته فعاد ينطر إلي متفحصا..

"تغيرتي...لم أعرفك ..لثواني ظننت أنك صافية ..لكني تذكرت أنها وزوجها في دبي.."
حاولت أن أتماسك لكنني لم أستطع استدرت بعيدا ..وأطلقت العنان لدموعي ونشيجي.
"لاتبكي ..لم يحدث شيء .."
"لاتقل هذا ياعبدالعزيز ..حدثت أشياء ...لايقبلها عقل أو منطق ..ولايحتملها قلب .."
أحسسته قريب عندما قال " المهم أن الأمور انحلت .. وإنتهى الخصام "
التفت لأجده قريب جدا .. لكنه ..لا أعرف .كان ينظر بعيدا وبألم ..
"مابك ؟؟"
ابتعد عني قليلا .. وأخرج سيجارة ..
"منذ متى تدخن ؟؟"
" السؤال منذ متى لا أدخن .."
لم أكن أعرف أنه يدخن .. قلت له بصراحه " أتريد قتل نفسك بهذه السموم ؟؟"
لكنه بدا كمن يسكن ألما مع كل نفس يأخذه ....
اتجه إلى الكرسي وجلس . ..وقال وهو ينظر إلى حوض الأزهار " ما أخبارك يا فاطمة ؟؟"
جلست إلى الكرسي الآخر وقلت " لايجب أن تدخن ..أتعرف عمتي ؟؟"
" لم أرك منذ وقت طويل ,أدهشني التغيير الذي أنت عليه .."
" لا أعرف لم تقتل نفسك .. إن بهذه السيجارة مائة عنصر كيميائي يدمر خلايا جسدك ويضعف مناعتك .."
أخذ نفسا آخر وقال " تغيرت ملامحك كليا .. لم تعودي كما كنت مليئة بالحياة .."
نظرت إليه .. واكتشفت أن كلا منا يتكلم في شيء لايعيه الآخر .. قلت متابعة الحديث " ألا ترى أن علبة السجائر كتب عليها التحذير ؟؟ أمراض القلب وسرطان الرئه ..ماذا تريدون أكثر من هذا .. السيجاره بنفسها تصرخ وتقول ساقتلكم ..ورغم هذا تدخنونها ,,لا أفهم ..والمفروض أن يضعوا نفس التحذير على وجبات الهمبورغر والبيتزا والبيبسي والبطاطا المقلية .. سأقتلكم !" ..

" أتوقع أنه كان سببا قويا ليجعلك بهذا السخط ..خذي .."
ومد سيجارة إلي ...
"لا .."
" خذي تحتاجينها ..صدقيني .."
أمسكتها .. بينما أشعلها لي .. ترددت قليلا . لكني أخيرا جربتها .. وكان طعمها مقرفا .." إنها مقرفة لا أعرف كيف تحتملها .."
لكنه غرق في أفكاره .. وعاد ينظر إلى حوض الأزهار .. بينما عدت أنا إلى السيجارة التي في يدي .. وخلال دقيقتين .. اعتدت وجودها .. ولم يعد الطعم المقرف ..أصبحت أنفث كل ما بي ..كل ما يختلج قلبي .. وسكنت أعصابي لدقائق ..
رميت بعقب السيجارة ..
" أرأيت ؟؟.. الأمر يبدأ بشيء نلهي أنفسنا به عن التحدث والتفكير .. سواء كان سيجارة أو طعاما أو ...حتى الرياضة .. لكل منا إدمان ..سببته الضغوطات النفسية التي تختلج أرواحنا .. بينما المطلوب هو أن نتكلم ..فقط أن نتكلم ونخرجها من قلوبنا..أن نبوح بكل جروحنا ومشاعرنا ودموعنا ..لكننا دائما نجبن ..ونخشى أن نجرح الآخرين ..فتبقى قابعة في زاوية من زوايا روحنا ..تطلب الخروج ..تصرخ أطلقوا صراحي ..لكننا نغذيها ..إما بسيجارة ..أو بطعام يزيد عن حاجتنا .. لنغطي حاجتها .. وأنواع الإدمان لاتنتهي .. ماتطلبه أرواحنا .. هو التحرر .. وما نفعله نحن ..هو أن نسجنها أكثر فأكثر .."

كل كلمة نطق بها لامست شغاف قلبي .. لامست جروحي .. فبكيت .. وقلت رغم دموعي " وما يجعلك تلجأ إلى هذا... مالذي تخفيه قل ..انطق بكل ما يعتل قلبك ..لاتخنقه برائحة التبغ لأجل لا شيء .."
نظر إلي بصدق .. " أخفي .. شعورا ساميا ..وإن نطقت بإسمه سأدنسه ..وأدنس صاحبته .. "
"هل تحب ؟؟ .. من هي ؟؟..."
" أنت .."
وقف شعر جسدي ,,لكنه أكمل مبتسما " تعرفينها ..:"
قال مبتسما " كان رد فعلك مضحكا .. للحظة تجمدت ملامح وجهك ..إنها ابنة عمي مريم .. أحبها منذ طفولتي ..لكن .. يبدو أنها ستكون من نصيب غيري .."
" ماذا تقول ؟؟ ...لماذا لاتخطبها ؟؟"
"فعلت ..ولم يكتب لنا أن نكون معا.."
أخرج سيجارة أخرى وأشعلها وتابع حديثة ...
" كم خسرتي ؟؟"
"خمس وثلاثون كيلو جراما .. كانت تمنعني عن الدنيا "
ابتسم وقال " لم تمنعك عن العالم . ..بل عن شيء آخر "
"ماذا تعني ؟؟"
" بنيت هذا الحاجز ..وبقيت خارجا .."
وقف وقال وهو ينظر إلى أعالي الأشجار " واجهت جروحا ربما ...أو آلاما .. ولتختبئي ..لجأتي إلى الطعام .. وفقدت السيطرة .. وفجأة .زادت الأيام آلامك ..فكبر هذا الحاجز .."

"الذي عزلني عن العالم ."

"لا ..بل ...عزلك عن نفسك .. "

وقفت واقتربت منه " ماذا تقصد ؟"
"مازلت كما انت ... ربما فقدت الحاجز ..لكنك اعتدت البقاء بعيدا .."
لم أفهم مايعني . قال بعد أن أخذ نفسا أخر " ألا تشعرين بأنك تشاهدي قصة حياتك من بعيد؟؟"

"الكل يشعر هكذا يا عبدالعزيز لكنه لايعني شيئا .."

" قليلون من يشعرون هكذا .. لاتكتفي بالمشاهده .. عيشي حياتك .. لا تجعلي الأمور تحدث لك ..أنت بادري إليها .. وإن عانيت من الصدمة والألم .. تقبلي الأمر بروح واقعية .. فكري بالإيجابيات .. ولاتفكري أبدا أن عدة كيلو جرامات زائدة هي ما سجنتك عن العالم .. أو سببت لك أزمة ...من سبب الأزمة هو أنتي .. أنت من لجأت إلى الدهون لتنسى آلامك .. ولاتتغيري أبدا وتفكري أنك أصبحت عادية .. لا .. يجب أن تبقي كما أنت ...."

"أبقى ماذا غبية ؟؟ بدينة ؟؟ نكته ؟؟"

" بل مميزة .. كنت تتصرفين على طبيعتك ..نحن نعرف من هي فاطمة .. لاداعي لإرتداء الأقنعه .."

تركته ودخلت إلى الداخل .. لا أفهم ما تعني يا عبدالعزيز .. لكن أمثالك إنقرضوا من زمن بعيد .. لقد إنتهى عصر الفلاسفة ..فلم يعد أحد يأبه لكوامن النفس البشرية ..ولم يعد أي شخص يسأل عنها ..


لم يعد المنزل كما كان .. أحس أنه تحول إلى قطعة ثلج كبيرة .. غادرت جدتي منذ يوم واحد .. وأنا أشعر بوحدة فظيعة .. خرجت أمي لتلبية دعوة احدى سيدات المجتمع .. رمت منال طفلها لدى المربية وذهبت لمنزل والدتها مع أخي مبارك ..
خرج محمد فهو مدعو في منزل سارة اليوم ..أما سالم وابراهيم .. خرجوا برفقة أصدقاهم .. فاليوم اجازة ..
أشعر بفراغ قاتل ..بوحدة لايوجد في المنزل سوى الخادمات ...جلست في الحديقة وبقيت أنظر إلى الفراغ ..الساعة السادسة مساء ..وأبي لاأثر له ..
سمعت صوت سيارة آت .. فأحكمت حجابي ونظرت بإتجاه الباب ..كان والدي برفقة فيصل يتحدثون معا ويضحكون ..لا أنكر ان قلبي انقبض في تلك اللحظة توجهه والدي إلي وهو يبتسم
" فاطمة .. "
وقفت لأسلم عليه ..
" ماذا تفعلين هنا ؟؟؟"
ابتسمت بهدوء وقلت "لاأحد في المنزل .. فجئت لأجلس قليلا هنا .."
"تعالي للداخل .."
" كيف حالك فاطمة ؟"
التفت إلى فيصل وكان والدي قد دخل إلى المنزل " بخير ."
تبعت والدي ببطء ..
" فاطمة .. ابقي مع فيصل قليلا .. سأستحم وأعود بعد دقائق ..
طلبت من الخادمة تجهيز عصير له .. ثم جلست في الصالة الكبيرة وهو يجلس أمامي .. لم أنظر إليه .. منعني كبريائي من توجيه الكلام إليه ..

" فاطمة أنا أحبك .."

أغمضت عيني لدقيقة .. ولم أنتبه للدموع التي تدافقت .. أنني في أحد أحلام اليقظة بلا شك ..

" فاطمة هل سمعتيني ؟؟"
نظرت إليه . لأجد نظرة صادقة في عينيه .. لكني لم أستطع سوى نطق كلمة واحده
" أنا ؟"
نظر ليتأكد من عدم وجود أحد وقال " أجل .. أنت .. "

أنزلت رأسي اجتاحتني أسمى المشاعر .. لحظة سعادة فريدة من نوعها .. الأخلاص والوفاء والشوق والحب والعشق والتفاني والفرح .. والحزن .. لا أعرف لما اجتاحني الشعور الأخير ,, لكني كنت .. غير مصدقة .. لأي شيء ..

" هذا الشعور ليس وليد اللحظة فاطمة .. منذ إلتقت عيناي بعيناك وأنا أفكر بك في كل لحظة .. لا أعرف لماذا في البداية .. لكني .. متأكد .. أنني .. "
وقبل أن يكمل حديثه سمع خطوات قادمة .. فقال هامسا " أحبك "

جاءت الخادمة لتضع العصير أمامه ثم غادرت ..

التقت نظراتي بنظراته .. تحققت أعظم أحلامي .. قال مبتسما " رغم أنك كنت تغيظيني في البداية ... لكنني .. كنت أبتسم عندما أخلو لنفسي .. أتذكر عيناك .. كنت أتمنى أن أعرف بم كنت تفكرين .. لكني لم أنجح .. "

خجلت عندما سمعت كلماته .. لكنني لم أتفوه بكلمة .. اكتفيت بإبتسامة خجوله .. ونظرة مليئة بالمشاعر تجاهه .. قال مبتسما
" أدفع عمري كله فقط لأعرف سبب هذه النظرة .. لك مليون ريال مقابل أن أعرف بما تفكرين في هذه اللحظة .."

بما أفكر ؟.؟ ... هل تعرفون بما أفكر ؟؟ .... أفكر في تلك السيجارة التي دخنتها بالأمس برفقة عبدالعزيز .. إن طعمها فعلا مقرف

************************************
أتمنى فعلا أن أقول أنه إلى هذه النقطة بدأت السعادة في حياتي ونهاية القصة وإلخ ...
لكن هذه لم تكن سوى البداية ! ...

أجل اعترف لي فيصل بمشاعر كان يخفيها وهي في صالحي ..
أجل فقدت خمس وثلاثون كيلو جراما كانت تشوه شكلي ..
أجل خرجت جدتي من منزلنا وارتاحت أمي وتعذبت أنا لفراق العزيزة ..
ستتزوج سارة بمحمد .....
لكن مالاتعرفونه هو الأسوأ ..

لم يسأل أحد عن مريم ..
ولم يفكر أحد ماذا سيحدث لحسن ؟؟ ..
الآتي هو الأصعب . فحتى الآن ... كنت قوية .. لكن ماحدث لاحقا جعلني هشة لا أتحمل نسمة هواء .. قوية لا أسمع لا لقلبي أو لأي كائن آخر في هذه الحياة .. ومنهم فيصل !....
******************




_29 _

بعد تصريح فيصل الأخير أصبحت أغرق في بحر الحب كلما رأيت عينيه في العمل .. وأبتسم لا إراديا له . .. ويهمس بحذر حتى لايسمعه عمي
" أحبك " ..
..
كنت أفرح .. لم أنطق وأجيبه .. لم أقل له أحبك .. احتفظت بخجلي .. وكنت أكتفي بايتسامة خجولة ..
كنا نتحدث لغة العيون .. رغم أن العمل ازداد بشكل كبير هذا الشهر .. لكني كثيرا ما كنت أراه يقف ويحدق بي .. وكنت أشعر كأني شمعة متقدة تذوب خجلا وحبا ! ..
ثم طلب مني الحضور إلى مكتبه ..
دخلت بخجل .. قال لي " أريد أن أطلب يدك من عمي ويصبح كل شيء رسمي .."
كان يقف قريبا من مكتبه وأنا أقف في منتصف المكتب .. اقترب مني وقال بهدوء
"لكني سأنتظر حتى تتزوج منى .. "
رفعت رأسي مستغربة من قراره هذا فقال " احتراما لمشاعرها .. لا أود أن تحقد منى عليك أو عمتي .. هل أستطيع أن أطلبك منك أن تنتظريني ختى ذلك الوقت ؟؟"
ابتسمت .. أجل ..سأنتظرك لآخر عمري .. لكن خجلي وحيائي جعلاني أكتفي بهز رأسي بأجل .. استغربت .. منذ أيام كنت سأصرخ به وأخبره بحبي لكني الآن لا أكاد أجرأ على النطق بحرف ...

كنت أعمل على الكمبيوتر عندما رن هاتف العمل ..
" مكتب الأستاذ خالد ..."
قبل أن أكمل نطق صوت أعرفه " فاطمة ؟"
" مريم ..أهذه أنت ؟"
" أجل .. أريد أن أقابلك بعد أن تنتهي من عملك .. هلا أتيت إلى البحر حيث اجتمعنا أنا وسارة وانت آخر مرة ؟ "
" حسنا .. سآتي .. سأنتهي بعد ساعة ونصف .. والطريق سيكون .. "
" سأكون أنا هناك ,, أنتظرك .."
أغلقت الهاتف .. واستغربت من كلامها البطيء وبرودة هذا الاتصال . ...لابأس سأعرف بعد قليل .. لن أبني الإفتراضات السيئة ..


لكن الأفكار بقيت تزداد سوءا .. لم أعتد أسلوب مريم هذا .. مئة قصة وقصة اجتاحت مخيلتي .. اتصلت بسارة لأرى ما إستجد معها .. ولم أذكر مريم ..
" فاطمة لن تصدقي .. محمد قرر موعد حفلة زواجنا .."
ابتسمت فرحه وقلت " أخيرا ؟؟ "
" أجل .. خلال ثلاثة أشهر .. لذا سأسافر برفقة والدتي إلى أكثر من مكان خلال الشهرين القادمين .."
كانت سعادتي لاتوصف أخيرا .. ستنضم سارة إلي .. سأنسى الوحده .. ولن أهتم بفكرة بقائي وحيدة طوال اليوم ..
عبرت لها عن فرحي بهدوء .. رغم رغبتي الشديدة في الصراخ عاليا والقفز كطفل يعبر عن فرحته .. أغلقت الهاتف .. وأنا أنتظر مرور الوقت كي أسرع وأذهب إلى حيث سألتقي مريم ..
استغربت أن عمي أجل سفره في هذه الأيام .. لقد كان سيسافر إلى حسن .. دخلت إلى مكتبه حاملة التقارير التي طلبها ..
كان يضع رأسه على مكتبه ولم يرفعها وقال هامسا
" فاطمة .. اذهبي الآن .. "
" أذهب إلى أين ؟"
" أي مكان .. فقط غادري .."
لم أفهم مايعني عمي .. توجهت لمكتب فيصل متوترة
"مابك ؟"
" عمي .. إنه .. لا أعرف .. لايعجبني .. "
"أهدئي .. مالذي حدث بالضبط ؟؟ .."
" لا أعرف ..كان يضع رأسه على مكتبه .. وطلب مني المغادرة .. دون سبب .. "
أشار إلى المقعد وقال "انتظريني هنا "
هززت رأسي وغادر ..يا إلهي .. ماذا يحدث .. انتابتني موجة توتر غير طبيعية ..في البداية مريم .. والآن عمي .. بعد دقائق عاد فيصل مبتسما
" كان عمي متعبا لاغير .. اذهبي إلى المنزل لأنه سيغادر أيضا فلا داعي لوجودك العمل قليل اليوم .."

كانت طريقة فيصل في الحديث لاتعجبني .. كان يقول الكلمات بدون تفكير .. وابتسامته الصفراء لم تعجبني ..
توجهت إلى مكتبي حملت أغراضي ..ونزلت للسائق الذي ينتظرني منذ اتصلت بي مريم ..


::::::::::::::::::::::::::::::
ما صدمني فعلا أن مريم لم تكن هناك ! ,,بقيت أنظر إلى الأمواج المتلاطمة بقلق .. مئة فكرة وفكرة تعصف برأسي ..
انتظرت لمدة نصف ساعة .. أقف هناك .. لا أعرف لم تأخرت مريم ..
خرج السائق من السيارة ليسألني مالنهاية لإنتظارنا هذا .. لكني لم أجبه .. سأنتظر حتى تأتي مريم .. جلست على الشاطيء وأخرجت بعض الجداول الخاصة بمواعيد عمي وحاولت أن أنظمها ..
بعد نصف ساعة أخرى تعبت من البقاء هكذا أنتظر ..وقفت لأتجه إلى السيارة لأجد سيارة رباعية الدفع تتجه نحو البحر .. كان يقودها شاب يرتدي ثوبا أسود ونظارات سوداء لايمكن أن يكون عمره أكثر من سبعة عشر عاما ..
أوقف سيارته وخرج منها ببطء .ليفتح الباب الخلفي ..وتخرج يد امرأة لتستند عليه ..انقبض قلبي عندما رأيته يسند مريم ليخرجها من الباب الخلفي ..
ركضت باتجاها وقد أخرستني الصدمة " مريم ؟؟؟؟" ..
ابتسمت ابتسامة واهنة وكانت ترتدي نظارات شمسية تخفي بها عينيها ..
اتجهت نحوي ببطء لنعانق بعضنا .. وبدموع ..
أخرج الشاب سجادة صغيرة ثم أسند مريم وجلسنا أمام البحر وعاد الشاب ليركب سيارته وينتظرنا ..
" مريم ..أخبريني .."
وقبل أن أنطق نظرت إلى الشاب وقالت " أنه أخي الذي كنت أكلمك عنه دائما .."
" ناصر؟"
" أجل .. تأخرنا لأنني تأخرت في موعد مع الطبيب لتحديد موعد لجلسةالعلاج. "
" جلسة علاج ؟؟ "
أخفضت رأسها لدقيقة وقالت " أجل .. أنني أعاني من اللوكيميا .."
وقف شعر جسدي منذ أن نطقت أحرف الكلمة الأخيرة .. قفزت الدموع إلى عيني .. ألهذا السبب كانت تختفي بدون أي وداع ؟؟ ...حركت أصابعي بتردد لتمسك بكتفها ..ثم ..احتضنتها وأنا أبكي بشدة .. كانت ترتجف ..والنظارة الشمسية تخفي تعبير عينيها ..
"كيف ؟؟ ومتى ؟؟ ولماذا ؟؟"
كنت أمطرها بالأسئلة بينما يدها الضئيلة تمسك بيدي لتهدئني ..
"كيف ؟..ولماذا ..للأسف ..سؤالين أنا نفسي أبحث عن أجابتهما .. لكن متى .. منذ وقت طويل .. كنت ..أمر بنكسات قوية فيحملوني للعلاج في الخارج دائما ..إنه أمر الله ..قدر ورضيت به ..لكني اليوم كنت قد قررت أن أطلعك بحقيقة الأمر ..أنك تستحقين هذا .."
لا أعرف لم بقيت أبكي لكنها هدأتني " أتـذكرين فاطمة .. عندما كنا صغارا عندما كنا نتحدث لساعات ونشكو ليعض آلامنا ؟؟ أتذكرين .كنت أشتاق لهذه الايام وأنا في الغربة ..أود أن اعود لتلك الأيام ..عندما كانت أسوأ مشكلاتنا .هي البدانة ؟؟ .. أقسم لك أني مستعدة لأعود لتلك الأيام ..أقسم .."
بدأت مريم تنتحب بطريقة تمزق القلب ...
لم تكن تعاني من مرض فقدان الشهية كما ادعت سابقا بل كانت تعاني من سرطان الدم ..المرض الخبيث .. ثم استطاعت بعد علاج متخصص في امريكا أن تقف على قدميها وعادت إلى هنا .. ولكنها طوال عام كامل أهملت العلاج ..وانتكست حالتها بشدة .. كانت تظن لفترة بسيطة أنها أصبحت طبيعية ... لكن لم يدم الحلم كثيرا ..
كان آخر عهدي بها اتصال .. وكانت تحدد موعدا مع احد المستشفيات للمعاينة .. ولكنهم أدخلوها إلى العناية المشددة ..
لم يبق لها في هذه الحياة الكثير .. انها مسألة وقت ..

لكم حزنت ..ولا أستطيع وصف حزني .. لكني استغربت لم لم تخبرني ..لكنها قالت بيأس " لم ترغب أمي أن ينتشر الخبر حتى لايؤثر على فرصتي في الزواج " ..
ضحكت بعدما رأيتها تضحك.. ثم بكينا معا .. يالها من أم !
"ستبقى أمي .. أشعر أنها لاتريد التصديق أني قد ..وصلت إلى النهاية .."
"لاتقولي هذا ...أرجوك مريم تحلي ببعض الأمل "
"فاطمة ..إنها تقتلني ببرودها .. إن كان المرض يقتلني مرة .. فهي تقتلني مائة مرة حتى ناصر لم يعد يطيق الحديث معها .. أنني أحتاجك فاطمة .. أحتاجك ..أريدك أن تسانديني عديني بذلك .."

رغم عدم معرفتي في ماذا تريدني مريم أن أساندها لكني قلت فورا
" حسنا .. سأساندك .. أنا معك أعدك بهذا ..."
" اريدك أن تتوجههي إلى ناصر وأخبريه أني لن أتلقى العلاج بعد اليوم !"
انتابتني رجفة قوية قلت والدموع تتدفق من عيني كألأنهار " ماذا تقولين ؟"
"أرجوك فاطمة "
هززت رأسي بعنف " لا .. لا .. لا .. ماذا تقولين هل جننت ؟؟ "
"أرجوك فاطمة ..لقد تعبت .. وأريد الــ.."
"لا ...لاتقوليها ..لن أدعك .. هل جننت .. لا يا مريم .. أرجوك عودي إلى عقلك .. هذا انتحار ..لا .."
أردت الخروج الابتعاد لكنها أمسكت يدي وأخرجت يدها التي تملأها الندبات البشعه
" أتعرفين ماهذا ؟؟ .. كل أربعاء .. أتعرفين مامعنى أن تسري النار في عروقك ؟؟"
" أفهم شعورك .."
صرخت بي
" لا تفهمين .. لاتفهمين ماذا تفعل هذه السموم بي .لاتفهمين مقدار الألم ... لاتفهمين عندما أتقيأ أحشائي عندما أنتهي من هذه الجلسه .. لاتفهمين كيف أرى شعري ينتثر على وسادتي كل صباح .. الشعور بالغثيان .. أنت لاتفهمين ماذا يعني أن تكوني بلاقيمة .. بلاحياة ..مستلقية طوال الاسبوع على سرير بارد لاترين أحدا .. لاتجدين حضنا يدفئك لدقائق ..أنت لاتفهمين .. أرجوك .. أخبريه أنني تعبت ..فهو يرفض أن يستمع لن يقنعه سوى مساندتك لي فهو يفهم ما كان بيننا وكيف كانت صداقتنا .. ..أرجوك يا فاطمة .. أنني أتعذب ..من أجل لاشيء .. حتى والدي أصبح يتفاداني .. لايقترب مني ..ارجوك .."
انخرطت مريم في بكاء ونشيج جعلني أبكي معها .. وأخذها في حضني .. أريد أن أثبت لها أنني أحبها .. لا أريدها ان تستسلم..

"أرجوك مريم .. أرجوك . سأبقى إلى جانبك .. لن أدعك وحدك بعد الآن لكن .. لن تتركي العلاج ...."

قالت بهدوء " لقد وعدتني .. أرجوك فاطمة .. كرهت الحياة لم أعد أرغب في العيش من أجل من سأعيش؟؟..لم يبق لي الكثير .. أشهر معدودة .. لا أريد أن أنهيها مستلقية على هذا الفراش .. لأزيد دقيقة أو دقيقتين من عمري .. إن كان العلاج سيثمر شيئا غير ابقاءي على قيد الحياة لأيام بسيطة .. لما رفضته .. لكني ..سأموت وقد تقبلت هذه الحقيقة .. أريد أن أزور بيت الله .. أريد أن يتذكرني الجميع وأنا في كامل صحتي . ..لا أريد أن أتمدد على فراشي حتى مماتي..أجل سينهشني المرض الخبيث .. لكني ..أريد أن أنتهي من هذا المرض .."
لم أستطع سوى البكاء .. وكنت قد قررت أن أركب سيارتي وأغادر كأني لم أكن هناك ولم أعد مريم بشيء .. لكني وقفت وتوجهت وأنا أبكي إلى سيارة ناصر الذي خرج من سيارته .. كانت على مدى بعيد قال بهدوء
" أقنعتك ؟"
هززت رأسي بلا .. ثم قلت وأنا أحاول أن أهدأ " إنها تريد أن ...................... لبي لها أمنياتها ..أرجوك .."
لم أستطع منع نفسي من البكاء أكثر .. "وأخبرها أنني سأراها لاحقا .. لأن .. ""
ركضت إلى السيارة وأخبرت السائق أن يتحرك.. التفت لارى ناصر يتجه نحوها ويسندها برفق لكي يدخل بها إلى السيارة ..ولم أستطع كبح دموعي ...
لا أعرف إلى أين أود الذهاب ..لا أعرف ..لكن انتهى بي الأمر أقف لدى مطعم .
جلست على الطاولة لوحدي ..وطلبت ثلث مايوجد في قائمة الطعام ..
جلست هناك أكل ..وأبكي .. أكلت كما لم آكل منذ عام !...كلما أكلت أكثر ازدادت دموعي .. أحشو فمي بكل أصناف الطعام ..كأني أريد أن أقتل حزني ! لكن هذا لم ينفع .. لاشيء مما أكلته استطاع أن يخرس صرخات روحي النازفة أو يقتل ألمي وحزني !!
اتجهت إلى الحمام وأفرغت كل مابجوفي وانهرت في البكاء بلاوعي .. مريم .. مريم !! ...كان الشيء الوحيد الذي نطقت به ..
اغتسلت وحاولت ان أجمع شتاتي ...دفعت فاتورة المطعم رغم نظرات النادل المستغربة وعدت إلى المنزل ..
بنت القلعة
بنت القلعة
_30 _

عندما تأتي الأحزان ..تأتي ثلاثا ! ..

في اليوم التالي اضطررت إلى جر نفسي خارج الفراش لأتوجه إلى العمل ,,رأيت وجههي في المرآة ..كنت في أسوأ حالاتي .. فعندما عدت بالامس دخلت إلى غرفتي وإلتزمت الصمت .. لم أتناول شيئا منذ تقيأت كل ما بجوفي في المطعم ..ولم أخرج من غرفتي ..بقيت وحدي لم أعرف طريقا للنوم ولم أرى أي أحد .. غير الخادمة التي دخلت غرفتي لتضع بعض الملابس التي تم غسلها وكيها ..
نزلت إلى المطبخ وكنت قد إرتديت ملابسي ..صنعت لنفسي فنجانا من القهوة عندما جاء أبي وقال
" تعالي ..."
" صباح الخير يا أبي .."
" تعالي إلى الصالة ."
حملت قهوتي وتوجهت إليه .. لم أجلس فقد كنت قد تأخرت على عملي ..
"من قابلت بالأمس؟"
استغربت فلم يسألني أبي أبدا أين أذهب ومن أقابل ..
" قابلت الكثير .. لماذا ؟"
وضع أبي قدما فوق الأخرى وقال في صوت غاضب " لايعني أني لا أسألك أنني لا أعرف .."
" لاتعرف ماذا يا أبي ؟؟"
" السائق يعطيني دائما تقريرا مفصلا عن تحركاتك ..التي أغلبها تكون بين منزل عمتك ومنزل صديقتك سارة .. لكنه بالأمس أخبرني أنك ذهبت لمقابلة شاب وفتاة على البحر وانتظرتهما لأكثر من ساعة .."
اجتاحني شعور بالخوف من أبي ووجدت نفسي مضطرة لوضع قهوتي جانبا ..
قلت بهدوء وابتسامة حزينة " كنت أفضل أن تسألني أنا .. على الأقل أقضي معك دقيقة في اليوم .. بدلا من أن تستجوب السائق .. "
وقف والدي وقال بجدية " لاتحاولي ..من هما ؟ ؟"
" أحاول ماذا ؟ "
"لاتحاولي أن تجربي سياسة اللف والدوران ..أن أبقي عيني عليك وعلى هذا المنزل وأعرف بكل حركاتك لست مغفلا .. ويهمني شرف وسمعة العائلة ..وكوني سمحت لك بمجال العمل المختلط لايعني أبدا أن أغض النظر عن مراقبتك ! ..من كانا ..انطقي قبل أن أفقد هدوءي فيحدث مالايحمد عقباه!"
لم أستطع كبح دموعي .. جلست وقلت له باستياء " كانت مريم صديقتي .. أنت تذكرها زارتني مرة أو مرتين .."
قال أبي غاضبا " أعرف مريم ..لكن الذي لا أعرفه لم تكلمت مع ذلك الشاب ؟؟ ومن يكون .. "
قلت بلامنطقية " أنت لاتثق بي !"
" بلـــى . أنا أثق بك .. لهذا أنا أقف هنا مانعا نفسي من التصرف بتهور أنا واثق أن لديك سببا مقنعا .. اختصري الطريق وتحدثي من هو ولماذا كنت تتحدثين معه؟"
ولم أجد بدا من اخباره
" انه شقيق مريم .. ناصر .. وقلت له ما أرادت مريم أن أقوله له ."
" وماذا كانت تريد مريم أن تقوله ولم تجد طريقة غير لقائك وجرك إلى حدود البحر لتقولينه له ؟"
أغمضت عيني وشعور بالمرارة يجتاحني وعادت جيوش الأحزان
" كانت تريدني أن أخبره أنها لن تتلقى جلسة العلاج الكيمياوي وأنها اختارت أن تموت سريعا .."
وانخرطت في بكاء ولم أستعد وعي سوى وأنا بين ذراعي والدي يحاول تهدئتي ..وجدت ما أحتاج . .الحضن الذي سيحمل عني القليل من الأحزان ..
" فاطمة صغيرتي .. اهدئي .. إنه قضاء الله .. "
كان يربت على شعري بحنان افتقده كثيرا .. قلت له وأنا أشعر بالامتنان
" أخبرتني بالأمس .. كانت تعاني طوال الوقت ولم تخبر أحدا ..لكنها احتاجت أن يقنع أحد ما شقيقها ناصر بأن .. توقف العلاج .. آه يا أبي لم أذق طعم النوم ولم أستطع أن أفكر بشيء غير تلك اللحظات ,, "


" يكفي يا فاطمة .. لا أتحمل أن أرى دموعك ..الصبر .. والدعاء هو ماسيساعدها لن يفيدها أن تراك بهذا الضعف وهذه الدموع .. تحتاجك قوية بقربها .. تحتاجك أن تسانديها .. "
كلمات والدي أراحتني قليلا .. كفكفت دموعي وقبلت رأس والدي وخرجت متجه إلى عملي .. وأنا متأكده أنني أبدو في حالة رثة ..

أسعدني نوعا ما أن أعرف أن أبي يسأل عني ويراقبني .. رغم أنني لا أجه دائما .. لكنه عوض علي اليوم ما حرمني منه طوال سنواتي الماضية .. شعرت بالإرتياح أنني وجدت من أأخبره بما يحزنني وألجأ إلى حضنه ..ويساعدني معنويا .. فعلا ..مريم تحتاج إلي في مصيبتها هذه ..وهروبي بالأمس كان غيرلائقا ..يجب أن أبدو قوية حتى لاتشعر مريم أنها لوحدها ..لقد ذكرت لي أن والدها الذي كان أقرب الناس إليها بدأ يبتعد عنها .. يجب أن أسعدها ي أيامها الأخيرة .. وسأجعلها تغادر هذه الدنيا راضية وسعيدة ..كيف ؟؟ لا أعرف .. سأرى مابوسعي عمله بإذن الله .

دخلت إلى مكتبي ولم تبارح النظارة الشمسية عيناي .. جلست وكنت قد تأخرت ساعة كاملة ! ..فتحت الكمبيوتر لكي أتأكد من مواعيد اليوم .. طبعت الورقة واتجهت بها مع البريد الصباحي إلى مكتب عمي ..

"صباح الخير يا عمي أنا آسفة لأنني تأخرت ..لقــ.."
كانت نظرة عمي حادة قال في غضب " لم أتوقع قدومك على الإطلاق ..ماذا تفعلين هنا ؟"
لم أفهم ماذا يعني عمي " لقد تأخرت ساعة فقط ..."
" لقد أخبرتك بالأمس أنني لا أريد رؤيتك في هذا المكتب .."
انقبض قلبي وشلت الصدمة جسدي لثواني ..لم أستوعب .."مـ..مــ..ماذا ؟"
وقف عمي وقال " لقد طردتك بالأمس ..ألم تفهمي هذا ..؟ .. "
" لماذا .."
" مستحقاتك ستصلك بالبريد مع ورقة توصية .. اخرجي الآن وخذي أغراضك ستصل السكرتيرة البديلة في أي لحظة !"
وقع الملف من يدي لا إراديا كنت أظنه للحظة يمزح ! ..لكن على مايبدو أن كلامه صحيح .. اتجهت نحو الباب وخرجت ببطء لأرى مايؤكد لي حقيقة الأمر سكرتيرة شامية تقف في الخارج تنتظر الدخول ..
" ادخلي .."
كان هذا ماقلته .. نظرت إلى مكتبي لم يكن به شيء يستحق العناء سوى دفتر خاص بي صغير .حملته ودخلت إلى مكتب فيصل أريد أن أعرف لماذا طردني عمي ..
"فاطمة!!"
"لقد طردني .."
" ماذا .."
قلت وأنا أنظر إلى الدفتر الصغير من خلف نظارتي الشمسية .. ورسمت ابتسامة ساخرة على شفتي " أتيت لكي أسألك هل لديك فكرة عن سبب طرد عمي لي ؟"
لكن على مايبدو أن فيصل لم يكن لديه أي اجابة! ..
هز كتفيه في بساطة .. لم يقل شيء ..لا أعرف لكن لأول مرة لم ينقبض قلبي لرؤية فيصل منذ وقت طويل ! .. ربما لأنه الآن محمل بهموم لانهاية لها ؟ ..
" إذا .. سأذهب ..."
" فاطمة .. أنت تعرفين أنني أحبك ..أليس كذلك ؟ ."
" أعتقد أنك أوضحت هذا لي من قبل .."
" إذا لماذا البرود ؟؟ .. ولماذا تبدين كــ...ظل !"

ظل ؟؟...يبدو أنك لاتفهم يا فيصل . أنا ؟؟ برود ؟؟ أنا التي عانيت نار الغيرة ونار الحب كما لم تعان أي امرأة أخرى . أنا التي أهيم بك حبا لن تستطيع أي أمرأة أن تحمله لك في وجدانها .. حملت ثقلا بين ضلوعي لفترة طويلة وأريد أن أحتفظ به إلى الأبد .. تتهمني بالبرود ؟؟ ..
تلألأت الدموع في عيني ..وكان من حسن حظي أنني كنت أرتدي نظارتي الشمسية ..
"ظل .ماذا تعني ؟ "
قال متفحصا لي " أنت بخير ؟؟"
ابتسمت رغم آلامي وأوجاعي .. وتمتمت " أنا بخير .."

وعندما أردت الخروج أمسك يدي ولم أستطع أن أمسك نفسي أكثر
"لماذا تحاول أن تمسك بالظل ؟؟ ..........لماذا الآن ؟؟ ... "
نظر إلي مطولا ثم قال
" سأوصلك إلى المنزل .. "
"لاداعي السائق ينتظرني في الاسفل .. ... "
أفلت يدي لكنه انتزع النظارة ليواجهه عيناي بنظرته الفاحصة ..
" ما.. فاطمة هل أنت بخير ؟.."
أمسكت دموعي لدقائق ومسحت آثارها على وجنتي ورموشي " أنا بخير.."
لكنه قال " لاتبدين هكذا .. أخبريني .. هل أنت بخير ؟ .. "
" لقد فقدت عملي للتو ..ماذا تتوقع أن أبتسم أو أرقص فرحا ؟ بعض الدموع وسأكون على مايرام ...."

" لاتعرفين ما تأثير دموعك هذه علي .."
وصمت للحظة فأخفضت رأسي لثواني ثم ارتديت نظارتي وقلت له بابتسامة
" لن أسألك إن كنت تنتظرني أن أسألك .."
" أنا لا أنتظر سؤالك .. وإن كنت تنتظرين الإجابة لن أجيبك .."
ابتسمت وقلت له وأنا في طريقي للخروج " أنا لا أنتظر !"
" فاطمة .. تعالي إلى المزرعة ..فالمهرة الصغيرة تتظر إسما لها !"
ابتسمت وقلت له " سأجد ما يناسبها بعدما أراها .."

رفعت يدي وقلت وأنا ألوح له مودعة " إلى اللقاء "
اتصلت بالسائق الذي لم يكن يبعد كثيرا .. ووقفت أنتظره في المواقف .. لا أعرف .. لكن فقدت للتو عملي الذي كنت قد بدأت أتعلق به ..مالسبب ؟؟ لاأعرف ..غضب عمي لابد أن يكون له سبب قوي فعمي خالد لايغضب بسهولة ..
هل معقول أنه لاحظ شيئا مما يجري بيني وبين فيصل ؟؟ لا مستحيل .. لم يحدث الكثير سوى بعض المحادثات الهامشية وحديث الأعين .. فيصل كانت ميزة هذا العمل أنني أراك يوميا .. أتعامل معك يوميا .. لكن الآن . .. لن نرى بعضنا ..

عدت إلى المنزل لأجد والدتي قد استيقظت للتو من نومها .. وقد ارتدت ملابسها الكاملة " صباح الخير ؟؟ .. إلى أين ستتوجهين في هذا الوقت المبكر .."
كنت أنظر إلى ساعتي وهي تتناول افطارها " إلى منزل عمك خالد "
"لماذا ؟؟ هل استجد شيء ؟؟.."
" أجل .. لقد تطلقت حمده ! .. المسكينة .. على مايبدو أن زوجها غشهم فهو ليس بالمستوى المطلوب لم تتحمل المسكينة .طلاق بدون أن تتزوج بالفعل ! يبدو أن الحظ ليس في صفها على الإطلاق أولا فسخ خطوبتها بفيصل والآن انفصالها عن هذا الرجل رغم أنهم عقد قرآنهما فقط ..يجب أن أذهب لأواسيها ..رغم أنها هي من طلبت الطلاق !. "

كانت معدتي قد تقلصت بالفعل منذ سمعت هذا الخبر ..وكل عضلة في جسدي تشنجت ..تبا .. لم أستطع كبح دمعتي .. فعلا عندما تأتي الأحزان تأتي ثلاثا ..
أولها مرض مريم ..ومن ثم طردي من عملي .. والآن ..حمدة أصبحت حرة .. وبابتعادي عن فيصل .. سيكون من السهل أن تعود الروابط بينهما كما كانت .و هو كما قالت سارة ذات مرة.. غير مخلص ! وأنا مقارنة بحمدة .. لاشيء ! .. تبا .. انسحبت ببطء إلى غرفتي استلقيت على سريري .. وأغمضت عيناي ليزورني النوم الذي نسيني طوال الليلة الماضية !
استيقظت وكانت الساعة قد تخطت الخامسة مساء .. أشعر بثقل غريب في رأسي .. تحممت وارتديت ملابسي وصففت شعري ..وجلست في غرفتي لا أريد أن أفكر بشيء .. أمسكت بريموت التلفاز لأقلب بكل كآبة .. أبحث عن طيف باربرا سترايسند .. أو أودري هيبورن . ...أو على الأقل فيلم قديم لماجدة ..
لم أجد شيء .. أطفأت التلفاز وعدت إلى سريري .. استلقيت هناك دون أن أفعل شيئا .. شعرت بخمول فظيع ..طرقات الباب هي ماجعلتني أقف بكل صعوبةلأفتحه
" محمد ؟.."
دخل محمد وأغلق الباب خلفه .. قال مبتسما " لم أرك منذ أيام ..ما بك ؟؟..سأل عنك والدي أثناء الغداء .."
" كنت نائمة .. "
"سألتني سارة عنك وأخبرتني أنك لاتجيبين على الهاتف وعندما أخبرتها أنني لم أرك منذ أيام .. لاتتخيلين مقدار اللوم والعتاب الذي واجهتني به .. فشعرت بالذنب فأتيت لرؤيتك .ما أخبارك ..ولم تبدين شاحبة ؟؟"

ابتسمت .. كم أحبك يا سارة .. قلت له " لاشيء كنت نائمة وقد استقلت من العمل ..هذه آخر أخباري .. ما أخبارك أنت .."

تفاجأ محمد " تركت عملك .؟ متى ؟"

" اليوم ! "

"لن أسألك . لماذا... يسرني أنك فعلت .. فلم أحبذ فكرة عملك في تلك الأجواء الدبلوماسية والمختلطة ."

" لم أعرف أنك بهذه الرجعية "
" لست رجعيا كل ما في الأمر أني كأخ لا أحبذ أن ..أنت تفهمين .. كل رجل يجب أن ..... كل ما في الأمر أنني أخشى عليك وأغار عليك .. ومن لايغار على أهله فهو ليس برجل .. لكن وجودك بقرب عمي وفيصل جعلني أطمئن .. لكن الفكرة لم تعجبني .. "

تفاجأت من تصريح محمد ... واستغربت إن كان رأي مبارك وابراهيم وسالم نفس رأيه .. قلت له مبتسمة " ما رأيك أن تدعو شقيقتك الوحيدة التي لم تذق طعم الطعام منذ يومين إلى عشاء فخم ؟؟"

" هيا ..ارتدي ملابسك .. وسأرتدي ملابسي وأنتظرك ."

بعدما ارتديت ملابسي توجهت إلى الطابق السفلي .. وأنا في طريقي شعرت بدوخة بسيطة .. والكعب العالي والدرج الرخام لم يساعداني في المحافظة على توازني ..ووقبل أن أسقط .. أعتمت الدنيا ........




استيقظت بصعوبة .. لأجد نفسي محاطة باللون الأبيض ,,
"فاطمة .. حمدالله على سلامتك "
نظرت إلى وجهه سارة القلق كانت تجلس بقربي ..
"سارة .."
"لاتخافي .. أنت بخير هذا هو المهم .."
" ماذا حدث .."
" سقطت من أعلى السلم .. وجدك محمد فاقدة الوعي فاستدعى الإسعاف .. المهم أنك بخير .. "
بعد أن استعدت تركيزي كانت احدى قدمي مجبرة .. ورقبتي محاطة بطوق ضخم .. ورباط على رأسي .. أوه..
قالت سارة والابتسامة تعلو ثغرها " سأستدعي الطبيب ..لقد ظنوا أنك في غيبوبة لقد كنت نائمة طوال اليوم !"
اختفت سارة لدقائق وعادت .. مع الطبيب الذي انهال علي بالأسئلة ..التي أزعجتني أكثر من الصداع الذي انتابني لحظة استيقاظي ..
قال معلقا " للأسف .. الكعب العالي وأضراره "
قلت معترضة " ليس الكعب .. لقد فقدت وعيي قبل أن أسقط .. "
استغرب الطبيب لكني قلت متابعة حديثي " لكني كنت ..لم أتناول أي شيء طوال اليوم .. وعانيت بعض المصاعب في العمل .."
" التحاليل تشير إلى وجود فقر دم حاد .. ونقص في السكر .. لكن شقيقيك أخبرنا أنك سقطتي جراء انزلاقك .. الحمدالله أنك لم تدقي عنقك .. ..كسرت ساقك .. ورضوض في عنقك .. وضربة على الرأس ست غرز .. شيء جيد أن شقيقك اتصل بالإسعاف . إلا لأصيبت رقبتك إصابة بالغة جراء النقل .. ستضطرين إلى ارتداء طوق الرقبة طوال الوقت .. أنت الآن تحت المغذي ... لاحقا سنأتي لك بوجبة صحية .."

طبعا ماقاله الطبيب صدمني كثيرا .. ....والصداع عاودني مرة أخرى ..
" فاطمة ..هل أنت بخير ؟"
نظرت إلى محمد بابتسامة رغم صداعي العنيف " أنا بخير .. لكنك ستبقى مدينا لي بدعوة على العشاء !"

فكرت قليلا واكتشفت أني رددت كلمة بخير في هذا اليوم كثيرا ! .. رغم أنها لاتصف حالي أبدا!!

نظرت إلى الطبيب " متى سأخرج ؟"

قال مبتسما " هل مللت من البقاء ؟؟ لم يمر سوى ربع ساعة منذ استيقظت وأصبحت تتذمرين ؟لابأس .. سنبقيك ليومين كي نتفادى المضاعفات .. فإصابة الرأس شيء لايستهان به ..ومراقبة فقر الدم ونقص السكر .. ثم سنطلق سراحك !"
ابتسمت لهذا الطبيب الذي على مايبدو يشفق علي .. لو رآني قبل سنة لما حدثني بهذه اللهجة .. فشحوبي الآن ونحولي جعلاني أبدو كفتاة في الرابعة عشر من عمرها .. وها أنا على اعتاب التاسعة عشر .. سأبلغها خلال أربعة أشهر ..

استغربت من عدم وجود أبي أو أي من أخوتي ...أو أمي .. لا أحد .. مر اليوم وسارة ومحمد يتحدثان عن أشياء كثيرة .. كأنهما يريدان أن يشغلاني عن شيء آخر ..

" أني أشعر بصداع ..فظيع "
قال محمد متوترا " سأستدعي الطبيب "
وخرج مسرعا .. إلتفت إلى سارة " ماذا يحدث ؟؟ أين أبي أين أمي ؟؟ ..مبارك وابراهيم وسالم ؟؟ لقد مر اليوم ولم أرى أيا منهم !"

ترددت سارة ثم قالت " كانوا هنا طوال الأمس .. سيأتون لاحقا "
جاء الطبيب ليستجوبني عن الصداع لمدة عشر دقائق وانتهى بأن أعطاني مسكنا ..لم يسكن الصداع .. لكنه بطريقة ما أخرس الأفكار التي تتقاتل في مخيلتي ...
قالت سارة " الحمدالله أنها قدمك وليس رأسك .. هل ستأخذين اجازة ؟"
" لا .. "

" كيف ستذهبين إلى عملك بهذه الصورة ؟؟"

" لن أذهب .."

" لا أفهــم "

" لقد طردني عمي !"

تفاجأت سارة فقالت مواسية " لن أسألك السبب ..هل هذا سبب اكتئآبك "

" أجل ..ضمن أشياء أخرى ..."

أدرت رأسي بعيدا ,,," سأخبرك يا سارة كل شيء لاحقا...لكنني الآن لا أريد سوى أن أغمض عيني وأغرق في نوم عميق .."

وقفت سارة لتغطيني ثم تركتني وإستئذنت للعودة إلى منزلها ومقابلتي لاحقا ,,

غرقت في نوم عميق وعندما استيقظت وجدت أخي سالم وأمي يجلسان بهدوء بقرب رأسي ,,
" حمدالله على سلامتك ..يا أختي الصغيرة .."
ابتسمت لسالم ...ونظرت إلى أمي التي لمم تعد علاقتي معها جيدة منذ خروج جدتي من المنزل ...
" أمي .."
رفعت يدي لها لتأتي وثقبلني برقة وتمسك يدي والدموع تتلألأ في عينيها
" آه يا ابنتي ...الحمدالله أنك بخير ! "
ابتسمت لأمي ..لأفتح معها صفحة جديدة !

فليس لي سواها !

**********

زارتني جدتي وفرحت لزيارتها وعادت هي ووالدتي كما كانتا سابقا ..عاد الحديث بينهما والموده ,,هذا جيد ولم يكلفني سوى قدم مكسورة ورقبة مرضوضة وست غرز !لاشيء مهم لو أعرف أن الأمور ستعود طبيعية هكذا لرميت نفسي منذ زمن !
كانت ردة فعل والدي هي ما أشعرتني فعلا بالألم .. لم أكن أظن أن والدي بهذه الرقة ! كان حنونا بشكل لايوصف ..

****************

_31_

مواجهه ..

____









اضطرت أمي إلى الذهاب إلى المنزل لتغير ملابسها وترتاح قليلا ..كانت مترددة لكنني أجبرتها على المغادرة .. فلم ترد أن أبقى لوحدي ..

كانت الساعة تشير إلى الثامنة صباحا .. غدا بإذن الله سأخرج وأعود إلى غرفتي وسريري المريح فقد كرهت المتشفى .. كرهت الإزعاج وكرهت رائحتها!
بعد مغادرة والدتي بساعة تقريبا .. طرقات الباب أيقظتني .. فتحت عيناي بتثاقل لأجد طيف فيصل يقف وبيده باقة ورد رائعه وعلبة شوكولاته ..
" فيصل .. "
سحبت الغطاء لأغطي جسدي بعفوية أما شعري فقد كان مغطى بكيس بلاستيكي ..
كانت نظراته خائفة كان ينظر إلي برعب " فاطمة .حمدالله على سلامتك.. هل أنت بخير "
كانت اللهفة في صوته حقيقية حركت قلبي من جديد .. ابتسمت بعفوية " أنا بخير فقط قدم مكسورة وعدة غرز في جبهتي ستبقي ندبة قبيحة مكانها "
وضع الورد على الطاولة واختار وردة حمراء رائعة وأعطاني أياها بإبتسامة رائعة.

" لقد انتابني الرعب عندما اتصل والدك وأخبر عمي انك لن تحضري اليوم .. على مايبدو أنه لايعلم بخبر تركك للعمل "

شممت رائحة الوردة في حركة اعتدت أن أراها في الأفلام القديمة .. كان أول شخص يهديني وردة في حياتي .. فلم أستطع كبح ابتسامتي .. رغم قبح منظري ..الطوق الضخم والكيس البلاستيكي والأربطة على رأسي .. لكني كنت أعرف أن عيناي رغم السواد الذي يحيطها تحمل أجمل نظرة حب .. لماذا ؟ ؟ ..لأني رأيت فيصل قد تسمر للحظة ينظر إلي بحب .. ..
" تقصد بخبر طردي من العمل ؟؟.."
فجأة كأنه استفاق من حلم يقظة
" ماذا ؟"
" أبي لايعرف أن عمي قد طردني من العمل هذا مايفترض أن تقوله ..: "

وقف شامخا وكأنه انتقل بأفكاره إلى مكان آخر .. " أجل كما ذكرت .."
سألته بدون سابق انذار

"فيصل ..هل تعرف ماسبب طرد عمي لي بدون سابق انذار .."

لم يجب وهذه المرة يبدو أن لديه اجابة .. قال بجدية
" حاليا لا أستطيع أن أجيبك .. لكن .. . "

" ماذا فيصل .. أخبرني الحقيقة أرجوك .."
إلتفت ونظر من خلال النافذة التي تطل على مواقف السيارات كأنه يتهرب من مواجهتي ..
قلت بجدية " فيصل أخبرني رجاء .. انظر إلي وأخبرني .."
لكنه لم يلتفت قال في همس " هل حدث وأن ..............."
لم أسمع المقطع الأخير فقد همسه بصوت منخفض ولم يصلني حرف مما قاله ..
" ماذا ؟؟ فيصل تكلم بصوت عال فلم أسمعك جيدا ؟؟"
قال بصوت منخفض" ماذا بينك وبين حسن ؟؟ ؟؟"

كان لايزال ينظر خلال النافذه عندما زلزل كياني بهذا السؤال !! شلتني الصدمة لثواني ولا اعرف لم تراءت لي المواقف في رأسي ..فجأة .. غضب عمي .. غضب فيصل .. اختفاء حسن .. وأخيرا نظرة عبدالعزيز لي عندما أخبرني أن حسن تعرض لحادث !...وغضب جدتي في ذلك اليوم ومنعي من الذهاب لمنزل عمتي !!..

نظرت إلى فيصل متفاجأة .. وكان لايزال يدير ظهره لي ..

لم أستطع النطق لكن فيصل قال دون أن يواجهني " فهمت .. فهمت كل شيء .."

التفت دون أن ينظر إلي واتجه نحو الباب وكأنه اتخذ من صمتي اجابة شافية للسؤال
فتداركت الأمر وقلت له
" فيصل انتظر .. مالذي فهمته .. لم أفهم شيئا !"
لم يجب واكتفى بالوقوف قرب الباب يؤرجحه مترددا في الخروج .. فقلت له

"ماذا تقول .. لا .. انتظر يجب أن تخبرني .. مادخل حسن في الموضوع "

نظر إلي وقال " ستعرفين قريبا "

تركني وخرج لأغرق في ألف فكرة وفكرة .. ماذا فعلت يافيصل .. تتركني غارقة في الوسط دون إجابات ..
يا إلهي لم تعقد كل شيء فجأة ! للتو كنت تعاملني بمودة .. وكنت أطير من السعادة لثواني .. أنك تحبني وأنا أحبك مالذي سيغير هذه الحقيقة ؟
مادخل ا لبائس حسن في الموضوع فهو الآن في أحد المستشفيات خارج البلاد ! ..
يحاول أن يبقى على قيد الحياة !
استسلمت لدموعي التي أصبحت بلاقيمة ..

بعد ساعة أخرى طرق الباب للمرة الثانية.لألتفت لأجد عبدالعزيز يحمل الشوكولاته بيده وابتسامة رائعه على شفتية
" حمدالله على سلامتك ..سمعت بالخبر فأتيت مارأيك بالشوكولاته ؟؟ "
قلت بائسة " انها رائعه "
عقد حاجبيه قائلا " أما زلت غاضبة من آخر حديث بيننا "
نظرت إليه مستغربة محاولة أن أتذكر آخر مادار بيننا وابتسمت عندما تذكرت السيجارة ..
" لا .. لست غاضبة .."

" تبدو اصابتك خطيرة .. هل أنت على مايرام ؟؟"
هززت رأسي رغم صعوبة ذلك بوجود الطوق " قدمي فقط هي مايقلقني ستشل حركتي لعدة أسابيع .. وكنت قد .. كان لدي خطط كثيرة "
كنت قد خططت للذهاب وزيارة مريم والتواجد بقربها قدر الإمكان ...
"الحمدالله على سلامتك هذا هو المهم "
ضحكت عندما بدأ في تمزيق غلاف الشوكولاتهالتي أحضرها وتناول عدة قطع ..
" سآتي بعد الظهر مع أمي فهي تريد رؤيتك .. ومنى كذلك لكنها حاليا مشغولة "
لم أسأل في ماذا انشغلت منى لكني على يقين أنها غارقة في التجهيزات لحفل زفافها من ابن عمها ..
قلت له " عبدالعزيز .. أتعرف شيء عني لا أعرفه أنا ؟"
نظر إلي مستغربا فأدركت أنني سألت بطريقة غبية .. ضحكت لثواني وقلت
" أعرف ان هذا يبدو جنونيا .. لكن مادخل حسن بي؟"

نظر إلي وقد اختفت الألوان من وجهه وتوقف عن مضغ قطعة الحلوى التي كان يتناولها بطريقة مفاجئة ثم أخفض عينيه ومزق غلاف آخر من الشوكولاته ووحشرها في فمه ليمتلأ فمه وهو يمضغ ببطء و

هز رأسه بلا ...

لكني تأكدت بأن هناك شيء .. يخفيه عني .. تأكدت أن هناك شيء يخبئه الزمن لي .. وستكشفه لي الأيام .. قلت له معاتبة وقد تأكدت من عدم رغبته في مناقشة الموضوع

" دع لي قطعه انك تقضي عليها كلها .... فأنا أتضور جوعا وطعام المستشفى مقرف !"
ابتسم وحشر عدة قطع أخرى في جيبه وقال وهو يعطيني قطعة
" لاتبدين ممن يهتمون بالطعام .. "

فهمت مايقصده فابتسمت وأنا أتناول الشكولاته .. ..
" سأذهب الآن .. مرة أخرى حمدالله على سلامتك .. سأعود عصرا .. "
لكني استوقفته " هل لديك سيجارة ؟"
التفت عاقدا حاجبيه " كلا ..كنت اعتقد أنك كرهتها "
" أجل كرهتها .. لكني .. أرغب فعلا في واحدة الآن "
رفع يده مودعا وقائلا وهو يخرج " ربما لاحقا "

خرج وكرهت الهدوء الذي أحدثه .نظرت إلى الشوكولاته التي أحضرها عبدالعزيز.. كانت من دون بطاقة .. لكن شوكولاته فيصل كانت ببطاقة .. مددت يدي وانتزعتها .و كان كتب بخط لايشبه إطلاقا خطه القبيح المعتاد



((ربما إلتقت نظراتنا في ثانية وإجتمعت قلوبنا في عمر ..
. ربما لا ..
طيفك يزور مخيلتي مع كل لحظة تمر ..
إن كنت حلم فـ...
فأنت أجمل الأحلام ..
وإن كنت واقعا ..فــ
قد كتب لي الشقاء !
ف.))


أعرف فيم تفكرون .. أعرف انكم تعتقدون أني أصبحت فتاة تتنقل من شعور إلى آخر بدون أحترام لذاتها أو حتى كرامة !! ..
تعتقدون أن الشيء الوحيد الذي أجيده هو مشاعري .. الكل يعتقد أن قصتي ستنتهي كباقي القصص بمعاناة أو ماشابه ..
أحب فيصل .. وحياتي فارغة بما يكفي لكي لا أفكر سوى في حبه .. والآن.. أشعر بمسؤوليات كثيرة تنتظرني .. أمامي زفافي سارة ومحمد .. وأعتقد أنه سيوافق بطريقة ما وفاة مريم .. كيف سأقلم نفسي أن أكون سعيدة في ذلك اليوم وأعز صديقة لي تصارع الموت ! ..
كنت أشغل وقتي بعملي والآن لاعمل لدي ! كأن الحظ قد انقلب فجأة ..
وها أنا .. أقرأ قصيدة صغيرة .. كتبها فيصل لي أنا ! ؟؟
أفرح أم أبكي ... لا أعرف .. كم عدت ورددت الأحرف وقرأت الكلمات .. أشعر بها حزن أكثر مما هو حب .. تمنيت للحظة أن أعود إلى قبل عدة اشهر . ..ولا أعرف السبب .. تمنيت أن أعود إلى تلك الفتاة الباحثة عن الحب .. فها أنا قد وجدته ..ولكني أشعر أنه لايعني شيئا ! رغم خفقات قلبي لهذه الكلمات .. تمنيت ألا يقع فيصل في حبي .. وكان إحساسي صادقـــا !

_32_


قررت ألا أخبر سارة قصة مريم .. فهي عروس ولن أنغص لها فرحة تحضيرها للزفاف بهذا الألم ..
توجهت بمساعدة العكاز رغم قدمي المجبرة إلى غرفة والدي كان يجلس هناك وأمي ف الصالة الخارجية ..
" مساء الخير يا أبي "
وقف و أسندني قائلا " لم أنت خارج سريرك .. "
" أريد أن أتكلم معك "
جلست بصعوبة وقلت " أريد إذنك في التردد على منزل مريم .."
صمت قليلا ثم قال " وكلام الناس ! "
لم أتوقع أن يكون رده بهذه الرجعية " أبي لم يبق لمريم الكثير .. وهي لاتجد الدعم من والديها .. لا أريدها أن تبقى وحيدة .. وأعتقد أنها ستبقى في المستشفى لأغلب الوقت .بعدما تعود من زيارة بيت الله "
صمت والدي قليلا ثم قال " حسنا لكن بشرط ... أريد أن أقابل والدها .."
هززت برأسي موافقة فلم أجد أي سوء في هذا الشرط ..
بعد عدة أيام سئمت بقاءي وحيدة في الغرفة .. لم أكن أرى أحدا ,, فسارة سافرت لقضاء حاجياتها .. والدتي تطل علي ونتبادل بعض المواضيع وتخرج ولا أراها لباقي اليوم ... جدتي على مايبدو أنها لن تدخل منزلنا بعد الآن .. أخوتي لا أراهم ومحمد يطل بين فترة وأخرى بعد أن يحادث سارة !
لم أفكر في فيصل .لم أرد أن نتهي بي الحال مجنونة .. فذكرى آخر حديث بيننا تصيبني بالقلق ..

عدة أسابيع وأنزع الجبيرة عن قدمي.. لكن ماذا سأفعل خلال هذا الوقت ؟؟ لا أستطيع البقاء في هذا الفراغ المقيت .. العديد من الناس تتمنى أن يكون لديها وقت الفراغ .. لكني أتمنى أن لايكون أمامي هذا الكم الهائل من الوقت الذي لافكرة لدي ماذا أفعل به .. فلاصحبة ممتعة .. ولاهوايات محددة ... جلست أمام التلفاز لأراقب العالم .. ولم يفدني ذلك .. بل زادني كآبة .. أنني لست في جبال الألب .. ولست في حروب فلسطين .. ولست وسط نزاعات االشرق الاوسط .. أقبع هنا أتفرج بدون أي أحرك ساكنا ..
هذا هو أسوأ شعور .. العجز ! ,,,
***************

بعكازي حاولت صعود السلالم الطويله .. كانت صعبة . لكنه جاء من خلفي وقال
" هل تظنين أننا سنبقيها في الأعلى ؟؟ .. أنها لاتقوى على الوقوف فكيف بصعود طابقين ؟؟ "
نظرت إلى ناصر الذي يقف بعيدا بإحترام .. أشار إلى قسم داخلي وقال
" الباب الذي على اليمين .. "
هززت رأسي واتجهت بصعوبة إلى الغرفة حيث تجلس مريم وبيدها كتاب كبير باللغة الإنجليزية ..

كانت تبدو هزيله وقد ارتدت قبعه صوفيه حول رأسها .. كانت غرفتها بيضاء بالكامل ورائحه الأدوية قوية .. قالت مبتسمة
" فاطمة .. اعتقدت .. أنك . .."
ولم تستطع كبح دموعها فأسرعت إليها احتضنتها
" كنت أتصل بك ولم تجيبي فظننت أنك قرت أن .. تنــ..."
" لا يا مريم .. تعرضت لحادث بسيط منعني عنك لا تخافي .. أتيت وسأكون بقربك دائما . "
جلست بقربها على السرير فوضعت الكتاب جانبا وقالت
" طلب مني الطبيب أن أقرأ هذا الكتاب قبل أن أترك الجلسات نهائيا .. وجيد أنك أنقذتيني في الوقت المناسب كدت أصاب بالجنون لعدم مقدرتي على فهم شيء .. كيف أصبت وماسبب الحادث .؟؟"

" ببساطة سقطت عن السلم .... كسرت ساقي لاتخافي لايوجد هناك ضرر دائم .. عدة أسابيع و..."
لكني صمت عندما ذكرت الوقت .. أحسست بأن كل شيء أصبح يتعلق بالوقت .. قالت مريم مبتسمة " لاتتشائمي ... لايجب أن نخاف من الــ.. وقت .. لنعش طبيعين ومن ثم .. مايكتبه الله هو ماسيقع .. "
كأنها قرأتني .. فلم أكتم دموعي ولم أستطع منع ابتسامة صادقة تريحهها ..
" حدثيني عنك .. مريم .. كيف حالك ؟؟ .. أين والدتك ؟؟ "
قالت وهي تزيح الغطاء وتسحبني وأنا وهي نتكيء على بعض وجلسنا على الأريكة الفسيحة البيضاء حيث يوجد التلفاز والشوكلاته بالقرب من مكتبة كبيرة ..
ولايبدو أنها تتحرك كثيرا .. قالت بوهن " لا أعرف .. أنتظر فقط .. أن تأتيني الخادمة بالشوربة الساخنة .. أي لم أرها منذ مدة .. ولا أهتم فعلا .. أين تقضي وقتها"
وأمسكت بكوب الماء لتبل شفتيها المتشققتين
شعرت بألم مريم من خلال كلماتها .. على مايبدو أن موقف والدتها سيء ليترك هذا الأثر العميق .. أمسكت بيدها وقلت " لاتعتقدين أنها لاتهتم .. بل ثقي أنها في حالة يائسة الآن .."
قالت مريم بحقد " حالة بائسة ؟؟ لا لا أعتقد ذلك ..الساعة الآن الثامنة .. توجهت الآن إلى حفلة خطوبة ميثاء ابنة أختها .. "
رمت مريم بكوب الماء بغضب ولم تستطع كبح دموعها ..
أخذتها في حضني .. ومسحت دموعها بيدي وقلت " مريم .. أنا أمك .. أنا أبوك .. أنا ابنتك .. أنا أختك .. وصديقتك .. أنت لاتحتاجين إليها إن كانت لاتحتاج إليك .. أنا هنا"
بقيت مريم في حضني لدقائق طويلة.. وأنا أرى الحزن في عينيها البراقتين وقد خلت عينيها من الرموش السوداء الكثيفة ..
لكنها رغم هذا الشحوب .. كانت جميلة بشكل لايوصف .. كنت أشعر أنني أرى روحها الرقيقة من خلال شحوبها .. نظرت إلى الغرفة .. لايوجد بها أي شيء حميمي .. بيضاء بالكامل ..
" غرفتك نظيفة جدا ألاتعتقدين هذا ؟؟ "
رفعت رأسها واسترخت على الكنبة .. " جلسات العلاج كانت تضعف مناعتي .. لهذا يتوجب النظافة الكاملة والتعقيم الدائم للغرفة ... "

" سنخرج ونتسوق .. لن أدع غرفتك بهذا البرود .. "

قالت بشبح ابتسامة " لن أترك لهم أثرا بعدي .. لاتتوقعي أنني سأرضى أن أترك لهم عطرا لي بعد وفاتي .. لقد رميت بكل أغراضي وحتى ملابسي لم أبق الكثير .. وضعتها بصناديق وأوصيت الخادمة أن تأخذها .. "

" لكنهم لن يتذكروا شيء عنك .. "

" وهذا هو المطلوب .. " وقفت مريم بصعوبة لترتدي معطفا صوفيا . .. لكني كنت أعرف أنها هربت من لحظة دموع .. لتبين لي أنها قاسية ! ...
لم القسوة يا مريم ؟؟ .. لم القسوة ..
قلت بهدوء
" وهدفك من هذا أن تشعريهم بالذنب ؟؟ ... لماذا ؟؟"

لم ترد مريم مواجهتي قالت بارتباك " أكره الذكريات .. ولقد حرقت كل صور الطفولة وصور المراهقة .. وأود أن أمحي صوري من ذاكرتهم .. لا أريد أن يشعر أي أحد بالألم لموتي .. لا .. لا أريدهم أن يشعروا بوجودي من الأساس .. "

لم أفهم لماذا تنكر مريم رغبتها في ايلام شقيقاتها ووالدتها لتجاهلهم الشديد لها طوال مراحل حياتها .. أنا أعرف مريم .. أعرفها تماام المعرفة ..
" هم يحبونك ... ويجب أن .."
صرخت مريم " لا . لا .. يوجد شخصين فقط يحبونني . .. فقط اثنان .."
قلت لها "لا .. الجميع يحبــ."
هزت رأسها " لا ..فقط انت .. و.. نايف ."
" نايف .."
هزت رأسها ولدموع تخالط عينيها .. " تعرفنا على بعض في احد المستشفيات .. نفس المرض .. نفس المعاناة ..توفي نايف الشهر الماضي .... توفي وتركني .. كنا نتكلم يوميا .. كنت ألجأ إليه في أسوأ آلامي .. ولم يتحدث يوما عن آلامه ومدى سوء حالته . ..كلانا كان يعرف أننا سنموت لهذا لم نهتم للأمل كثيرا في علاقتنا ..
لم نفكر في المستقبل .. ولم نفكر في الماضي .. فكرنا فقط في تلك الدقائق التي تجمعنا .. عندما كنت أذهب إليه وكان يستلقي هناك .. رغم كل آلامه .. كان يرسم ابتسامة على شفتيه .. لهذا أردت أن أوقف الجلسات .. رأيته يتعذب .. ولايقوى على الوقوف .. رأيته يتلاشى .. لهذا أردت أن تتذكريني أنت وناصر . بأني في كامل صحتي .لأن ذكرى نايف في تلك الحال السيئة لا تفارق خيالي ... فاطمة .. لا أريد أن أصل لتلك المرحلة .. لا أريد .."

صدمني كثيرا حديث مريم .. اتجهت إليها لآخذها في حضني ... قالت
"لم أبك حين علمت بموته ... ولن أبكي الآن .. لأنه وجد الراحه التي افتقدها كثيرا ."

دخلت الخادمة لتخبرني أن والدي أرسل في طلبي .. استإذنت من مريم .. وخرجت بعدما وعدتها بزيارة أخرى .. وأنا في طريقي للخروج رأيت ناصر يجلس في الصالة .. أسرعت في طريقي .. لكن الحزن اتخذ من ملامحه جزءا كبيرا .. لا أعرف لماذا لكني شعرت به يعاني كثيرا ..

خرجت لأجد والدي قد انتظرني في السيارة .. نزل ليساعدني على صعود السيارة ،
وعندما أغلق الباب أخيرا استرخيت على الكرسي ...
قال وهو ويركز ليخرج إلى الشارع الرئيسي
" أني أعرف والدها .. لكنني انصدمت من وضعه .. "
" لماذا يا أبي .. "
" انه في حالة انكار .. عدما تحدثنا عن ابنته أخبرني انها تحسنت وأن وضعها الصحي جيد .. "
اسغربت ذلك نظرت إلى أبي وقلت " ربما لم تخبره أن حالتها تدهورت وأنها أوقفت العلاج .. "

" لا أعرف .. لكنه كان كثير السرحان .. أتحدث معه للحظة وفجأة أجده في عالم آخر .. "

قلت " أجل ربما هو في حالة انكار كما قلت . لأني أذكر أحاديث مريم .. لقد كانت تتحدث عن والدها كثيرا . وعن مدى حبها له ... "

نظر إلي أبي وقال " لايوجد أب لايحب أبناءه ... لكن أعتقد أنه قد صدم .. ليس سهلا مايحدث للصغيرة .. "

فعلا ..ليس سهلا أبدا ! ....
بنت القلعة
بنت القلعة
33_


استيقظت على رنين الهاتف ..
" صباح الخير .."
" صباح الخير .. من ؟؟"
" أنا منى .. هل نسيت صوتي .."
" كيف حالك .. "
" الحمدالله .. جدتي تريد أن تراك .. هلا أتيت اليوم .... "
" حسنا سأخبر أمي وأتي بعد قليل "
" إذن إلى اللقاء "

جدتي العزيزة تريد أن نلتقي ..لم أرها منذ أسبوع .. تقريبا منذ زارتني في المستشفى.
نزلت إلى الأسفل لأجد اخوتي جميعا يجلسون للإفطار ..
" صباح الخير "
" صباح الخير "
قال محمد " أين ستخرجين ؟؟ ألم تستقيلي ؟؟""
" بلــى .. لكن جدتي تريد مني أن أمر بها .."
قال سالم " سأوصلك فأنا لم أرها منذ خرجت من المنزل .."
قال ابراهيم " وأنا أيضا .."
قال مبارك " مررتها بالأمس .. تبدو مرتاحه .."
قلت بحماسة " طبعا فمنزل عمتي لايمل .. هنا كانت تجلس لوحدها معظم الوقت لكنها هناك محاطة بالجميع "
قال سالم " إذن لم رفضت العيش معهم إذا كانوا يعجبونك لهذه الدرجة "
توقف عقلي عن التفكير للحظة " ماذا تقصد ؟"
قال مبارك " لاشيء .. هيا .. وسالم تعال معي .."
قال سالم " لكني أريد الذهاب إلى جدتي .."
قال مبارك في لهجة جادة" لكني أريد أن أتحدث معك .."

قال ابراهيم " سآخذك أنا .. أنه فطورك .."
لكن لم تعد لي أي شهية .. فلقد بدأت أفكاري في التضارب من جديد .. ماذا يقصد سالم ؟؟ لماذا غضب مبارك ورفض مرافقة سالم لنا .. لم تجهم إخوتي فجأة .. محمد يحاول أن لا ينظر إلي .. نزلت والدتي من غرفتها وكانت في قمة أناقتها ..
" صباح الخير "
رد الجميع " صباح الخير "
وقف محمد وغادر وذهب مبارك وسالم معا إلى الخارج وابراهيم ينظر إلي ينتظرني أن أنهي فطوري .. وقفت وقلت لأمي " سأذهب لأرى جدتي .."
قالت أمي " ماذا .. لماذا رحلتوا فجأة كأني شيطان رجيم ؟؟ ..."
ارتبكت لكلمات أمي " لقد أنهيت فطوري وأريد الذهاب لجدتي .. لايتعلق الأمر بك"
قال ابراهيم " أنا أنهيت فطوري منذ دقائق وكنت أنتظر فاطمة لأوصلها .."
تجهم وجه والدتي واكفهر .. وضعت كأس الشاي ووقفت ...وارتدت عبائتها وغادرت .. نظرت إلى ابراهيم الذي قال " لنذهب ."
********************
" سأنزل إلى مجلس الرجال .. "
هززت رأسي وتوجهت إلى الصالة لكني وقفت لثانية ليأتيني صوت منى
" عبدالعزيز .. سترى فاطمة اليوم لماذا لست سعيد ؟. "
قال لها " تعرفين أنني كذلك ..لكنه إحساس من طرف واحد .. "
وفتح الباب لتلتقي نظراتي بنظرات عبدالعزيز المتفاجأة .. كلانا مندهش .. كلانا مصدوم .. أشعر بفوضى عامة في داخلي بصوت يصرخ بي استيقظي .. أقفلي فمك ..لاتبيني له أنك سمعت شيئا ... لكني لم أستطع سوى أبقى منصدمة أنظر إليه نظرة اتهام .. نظرة غضب ! .. نظرة توسل .. لا .. لاتحبني يا عبدالعزيز .. لا أريد أن أتسبب بشقاءك .. فأنا لا أستطيع العيش مع هذه الفكرة .. لقد وهبت قلبي لشخص آخر !لا يا عبدالعزيز .. لاتقتلني بهذه الفكرة !
لكنه لم ينطق بكلمة .. ثم اتجه إلى مجلس الرجال .. دخلت إلى الداخل لأجد منى وعلى شفتيها ابتسامة ترحيب .. بعد أن سلمت عليها سألتها عن جدتي وعمتي فأخبرتني أنهما ستأتيان بعد دقائق حيث خرجتا إلى الخياط ..

جلست معها دقائق سألتها عن تجهيزاتها فأسترسلت في الحديث عن التعب الذي تواجهه وخصوصا أن الزفاف سيكون خلال ثلاث أسابيع ..

لكني قد غرقت في حديث افكاري .. هناك سر آخر .. أنا لم أرفض عبدالعزيز .. فهو لم يتقدم لي بعد .. ماذا يحدث .. ماذا يحدث ؟؟ ...

جاءت جدتي لأعانقهاوأغرق في بحر الحنان .. لقد اشتقت لها كثيرا ..
"فاطمة .. هل ازداد وزنك ؟؟"
" ربما قليلا .. فالخادمة تعد لي أصنافا لذيذة وأنا أشعر بالوحده .. فلا أخرج من المنزل ولا أرى أحدا .."
قالت جدتي بحنية " أخشى أن تضيعي مجهود الأشهر الماضية .. لاتسرفي في تناول الطعام .. لا تحرمي نفسك ولكن لاتفسدي حميتك ."

كلام جدتي كان منطقيا..فمنذ سافرت سارة وتوقفي عن المشي والرياضة ووحدتي ..لقد زدت قرابة الخمسة كيلو جرامات .. أمسكت بيد جدتي وقلت بيأس " عودي إلينا .. إن المنزل موحش بدونك .."
نظرت إلي جدتي في حنان " لا أستطيع .. لكنه قد جاء دورك لكي تحلي محلي .. فمن خلال جلوسك في المنزل تواصلي مع أخوتك .. حاولي أن تكوني صديقتهم ."

" لكن يا جدتي . اخوتي لايتواجدون في المنزل إطلاقا !"
" بلى .. لكنك دائما في غرفتك فلاتشعرين بهم .."
"ماذا تقترحين أن أفعل ؟؟"
" اجلسي في الصالة ..قليلا."
كبداية لم تكن فكرة سيئة .. مرت الساعة الأولى ونادتني منى لغرفتها حيث سيأتي أخي ابراهيم ...دخلت معها ..رميت بنفسي على السرير
" ما أخبار صافية ؟"
" تسافر كثيرا ... لا أعرف ماسبب سفرها الدائم ..هل تودين أن تري فستان الزفاف ؟
"
هززت رأسي لتخرج منى فستان في غاية الجمال
" ما رأيك ؟؟"
" رائع .. ارتديه ..."
دخلت لدقائق ثم خرجت ..كان الفستان دانتيل فرنسي فخم .. وتطريز بسيط على أطراف الفستان .. كوكتيل يظهر جسم منى رائعا ..
" لم أرتديه قبل .. انه تماما مقاسي . لاأعرف لماذا تغزو الأفكار السوداء رأسي.. ربما فشل علاقتي بفيصل سيؤثر على سعادتي .."
قلت لها مواسية " لكن علاقتكما لم تفشل .. لم يكن بينكما نصيب .."
قالت " لكني لم أتمسك به .. هذه حياتي وكنت أستطيع أن أخبر جدي أنني أريد فيصل ولن أرضخ لطلبه فهو لايتحكم بي ..لكني لم افعل "

كان الفضول يقتلني .. لو علم عبدالعزيز بذلك لسخر مني .. عبدالعزيز .. آه ..لا أريد أن أفكر بهذا الآن .. عدت لمنى

" لماذا لم تتمسك بفيصل ؟ ؟؟؟ "
قالت
" لاني أعتقد أنه كان لا يحبني .. أعتقد أنه كان يفكر بحمده طوال الوقت ..فوجدتها فرصه لأهرب من هذا الإرتباط .. "
"لكني كنت أراكما تجلسان معا وأنتما في غاية السعادة "

"كان يجلس مع أمي فهي تذكره بوالده .. كان يعجبني .. وبدأت مشاعري في الخضوع له .. لكنه .. لم يبد أي حركة ليجعلها تتوثق .. وكان يخطيء ويناديني بحمده .. لم يكن يحبني ..ا أنا متأكده من ذلك .. لست مستعده للعيش مع رجل يفكر بإخرى .. لم أتقبل هذا المنطق .. وأخشى أن يتكرر الأمر مع زوجي المستقبلي فقد تناهى إلى سمعي أنه كان يريد احدى بنات خاله .. لا أعرف "
" ألم تجلسي معه؟؟"
هزت رأسها بلا .. وقالت " لم نجلس معا .. اخترت أن أن أبدأ معه من الصفر .. لأن ما مررت به مع فيصل كان ..مؤذيا !"
لم أفهم .. نظرت إليها وقلت " ماذا تقصدين ..كان يأتي كل جمعة ..وكنت أراك في غاية السعاده . كنت تتحدثين معه عن كل شيء .. عني عندما بدأت عملي معه ..عن أشياء عديدة وكنت تشعين حبا كلما عدت .من لقاءه وكان حزينا عندما انفصلتما ! "

قالت " أجل .. لكنه لم يكن يحبني على الإطلاق .. كان كصديق أكثر منه كخطيب .. ومنعني كبرياءي من أن أبين له اعجابي به .. في الفترات الأخيرة كان يشرد ذهنه كثيرا .. وعندما أخبرته أن جدي اعترض وطلب مني أن تزوج ابن عمي .. كأني هم وانزاح عنه ! لم تتخيلي مقدار الراحه التي انتابته ! كنت سأخبره أني سأرفض وأبقى معه .لكني جبنت فقد كنت أشعر بالذل و حينما قال لي " أن الزواج قسمة ونصيب" دون أن يثور أو يغضب علمت أنه لايريدني .. فقررت أن أرضى بنصيبي ...لقد أذاني بقسوة لدرجة أني لم أتحمل أن أقف أمامه لثانية أخرى .. لقد كرهته .. وبعد فترة أرسل لي برفقتك رسالة .. يخبرني أنه تهمه سعادتي ولايريد أن يسبب أي مشاكل .. وأن خطبتنا منذ البداية تشوبها المشاكل والإختلافات .. ببساطة أكد لي أني كنت سأقع في أكبر خطأ .. إن تزوجته ..أتمنى أن أبدأ من جديد مع ابن عمي .. لكني أخشى أن يعاد السيناريو ذاته .. فمع طيف ابنة خاله .. هناك احتمال كبير . "
لم أستطع أن أعلق لقد كرهت أن تجرح منى من قبل فيصل ..نظرت إلى منى التي كانت تنظر إلى نفسها في المرآة بحزن ، وقفت وقلت لها
" تبدين جميلة بهذا الفستان وفتاة بجمالك وشخصيتك الرائعه ستسلب قلب أي رجل..وأنا واثقة فعلا أن زوجك سيحبك ولن يفكر بأخرى فهو لن يحتاج إلى ذلك "
نظرت منى إلي بإمتنان وقالت" كلماتك رائعه .. فهمت لم يعشقـ.."
صمتت منى للحظات وأتممت " شكرا يا فاطمة.."

إن الفوضى تعتريني .. والألم في داخلي لاحدود له.. وصل الأمر إلى حدود العشق ؟؟ لم ؟ فأنا أعزك كثيرا ولا أريد أن أكون سبب لألمك يا عبدالعزيز .. تبا لهذه الأحاسيس التي تعتريني الآن .. تبا لهذا الشعور بالأسف .. ليتني قاسية .. ليتني متحجرة القلب لأتجاهل هذه الإنقباضات التي تعتري قلبي .. نظرت إلى منى وسألتها
" هل لك بنات عم ؟؟ "
قالت منى " أجل .. لقد قابلتيهن في زفاف صافية .. "
قلت " هل بينهن فتاة اسمها مريم ؟؟"
هزت منى رأسها بأجل وقالت " خطبها عبدالعزيز منذ سنتين ... بناء على وصية والدي لأمي بأن تكون مريم من نصيب عبدالعزيز . .. لم يكن عبدالعزيز يريد مريم .. كانت لاتعجبه .. رغم أنها جميلة .. تلك التي كانت ترتدي فستانا أسود, أتذكرينها ؟؟هي الوحيده بفستان أسود متلألأ "
بحثت في ذاكرتي عن ملامحها وتذكرتها لأنها جاءت لتطلب مني أن أنادي منى .. إنها فعلا جميلة .. لكنها كانت مغرورة فلم تسلم علي و أمرتني بغرور كأني أعمل لديها ...عدت لمنى وقلت " أتذكرها .. "
" لكنها رفضته .. وصرحت أنها لن تتخلى عن العيش في فيلا والدها مقابل العيش في هذا المنزل الشعبي البسيط ..ورفضت أن تخالطني وأخوتي ..للأسف لم يخبرها أحد أنها غير مرحب بها أيضا .. وأن عبدالعزيز كان يحترم رغبة والدي رحمه الله ..وإلا فهو غير مهتم بها بالأساس .. "
تخيلت الموقف .. و تذكرت نظرات عبد العزيز .. لا .. يجب أن أواجهه .. يجب أن أتحدث معه .. لكني لا أملك الجرأة .. لا أتجرأ على مواجهته !
************
استلقت مريم على السرير وجلست بقربها .. كانت للتو قد عانت من نوبة ألم حيث نسيت تناول المسكنات ولم ينه آلامها سوى الممرضة التي أعطتها حقنة مسكنة للآم ..وكنت للتو قد أتيت لزيارتها ..
ابيضت شفتيها وشحب وجهها .. ثم بعد دقائق طويلة كنت أجاهد ألا أنهار بقربها .ز
" فاطمة .. "
" ارتاحي .. أنا هنا .. ارتاحي .. "
" أقرأي لي . .. يوجد كتاب على المنضدة .. "
نظرت لى حيث أشارت ...واتجهت لأمسك بالكتاب وكان عنوانه آلام فيرتير ..كانت قد علمت صفحة ما ..فتحتها ..قالت في وهن " اقرأي من فقرة 27 اكتوبر .."

((

27 اكتوبر مساء :
لدي الكثير جدا ولكن حبي اياها يستوعب ذلك كله ..لدي الكثير جدا لكنني بدونها لست أملك شيئا ..

30 أكتوبر :
لقد أوشكت مائة مرةأن أقدم على عناقها .. ياللسماء .. أي عذاب لي أن أرى بعيني كل هذه الملاحه تمر بنا ، ثم تعاود المرور مرارا وتكرارا ثم لانجسر على الإمساك بها .. والإمساك بالأشياء غريزة طبيعيه في البشر أفلا يمسك الأطفال كل مايرونه بأعينهم .. وأنا ؟؟
3نوفمبر :
اشهدي يا سماء كم من مرة رقدت في فراشي وبي رغبة ،بل ويحدوني الأمل ألا أستيقظ من رقادي ذاك أبدا ...وفي الصباح عندما أفتح عيني وأرى الشمس مرة أخرى أشعر بالتعاسة ...))
أخفضت الكتاب وقلت لمريم " لا .. لا يجب أن تقرأي مثل هذه الأمور ..أنها تسبب التعاسه .."
" أرجوك فاطمة .. أقرأي ...."
"لكـن..."
" أرجوك !"
تابعت القراءة
(( لو كنت أمرءا كثير النزوات غريب الأطوار لكان حريا بي أن ألقي اللوم على كاهل الطقس أو على بعض من أعرف أو على خيبة أمل شخصيته ،وأعد ذلك مسؤولا عن سخطي ،وبذلك لايقع هذا العبء الباهظ – عبء متاعبي واضطرابي – على عاتقي شخصيا ، ولكن وا آسفاه !إني لأشعر –وبكل حزن – أنني وحدي مصدر جميع أحزاني وأشجاني كما كانت نفسي من قبل مصدر جميع مسراتي وأفراح ، فأنا عدو نفسي الحقيقي ألست أنا عين ذلك المرء الذي أستمتع يوما ما بالسعادة المفرطة .فكان يرى في كل خطوة وكأن الفردوس قد فتح أبوابه له ..فكان قلبه ينفتح دوما للعالم أجمع .وهذا القلب بعينه قد مات الآن ومان احساس يمكن أن يبعثه من موته .عيناي جامدتان وحواسي لم تعد ترويها دموعي الندية وكذلك أيضا أخذ عقلي يذوي ويتآكل. ))
لم أستطع أن أكمل .. أغلقت الكتاب ونظرت إلى مريم التي أغمضت عينيها بسكينة..ولم أستطع كبح دموعي عندما تذكرت كيف كان تصرخ من الألم منذ دقائق
يا إلهي .. ثم انتبهت إلى أن عينيها الواسعتن المغلقتين تذرفان الدموع بصمت .. مسحت دموعي " مريم .. "
ونظرت إلى الكتاب المهتريء الذي بيدي يبدو أنه كان لديها منذ وقت طويل حيث يبدو كأنه عانى الأمرين .. قالت مريم وهي لاتزال مغمضة عينيها
" فاطمة..في آخر الكتاب ..إقرأي ما كتب .."
قلبت الأوراق حتى النهاية .. وهناك كان اهداء طويل ..

(( حبي الأخيــر ..
لطالما كرهت هذا للقب .. ولطاما أحببته ..ولطالما كرهت هذا الكتاب ولطالما عشقته .. لا أعرف لكنه بحوزتي منذ جلستي الأولى .. منذ سبع سنوات .. أهداه لي صديق في عيد ميلادي .. وعندما قرأته أول مره كرهته .. كان مليئا بالسوداوية واليأس .. والمفردات الرائعه .. لمست في هذا الكتاب شيئا .. تلك المذكرات . من أصدق ما قرأت .. لم أجد أجمل من تلك الأحاسيس .. وأسوأ من هذه القصة ... لقد كانت حزينة .. ما أسوأ أن يلاحق المرء حبا يائسا ..وأن لايفكر سوى به .. وأن ينهي حياته لأجله .. ياله من بائس .. كلنا بؤساء ..
حبي الأخيـــر ..
عندما قال لي أخي في أول جلسه أن أصطحب ما أقرأه أثناء الإنتظار .. نظرت إلى المكتبه الضخمة ولم يرق لي شيء سوى آلام فيرتير .. لم أجد شيئا مناسبا سوى آلام فيرتير .. آلام شخص آخر .. سبع سنوات وأنا أحمله معي إلى جلسات العلاج . وإلى الممستشفى .. هذا الكتاب كان يحمل يأسا .. كان يشعرني بالأمل ..
لأنك حبي الأول والأخير ..
أهديتك الشيء الوحيد الذي لا أستغني عنه بعد قلبي ..
هذا الكتاب ..
لأنك شارلوت التي حلمت بها كثيرا .
فيرتير ))

عجزت عن الكلام لدقائق طويله .. نظرت إلى مريم التي فتحت عينيها المغرقتين بالدموع وقالت
" كان قد علم تلك الصفحة ..التي قرأتها في البداية .. فتركتها كما هي .. قرأت الرواية البائسة .. وعرفت ماذا يقصد .. كنت أرى من يقرأن الجريدة أثناء الجلسات .. وكنت أعرف أنه لديهن الأمل .. فهن مهتمات بما يحدث في العالم وأسواق البورصة والمجتمع .. ووهناك فئة تقرأ كتب الأشعار .. تغذي قلبها وروحها بكلمات الحب .. كنت أصنفنهن أنهن مقاتلات .. يحاولن أن يشتتن الإنتباه عن كل الآلام حولهن ويوهمن قلوبهن بشيء غير موجود .. وهناك من تأتي تحمل كتبا للدراسة أو للثقافة .. لكن لم يكن لديهن أي تركيز لما يقرأن ..كان الخوف يعتري قلوبهن .. فلا يركزن في شيء .. لأنه قد تدهورت حالتهن بطريقة ما .. أو لديهن من يخشن على مستقبله من الآلام .. وهناك من يأتين خاليات الوفاض .. وهن من فقدن الأمل في كل شيء .. هن اليأس بذاته .. يرتسم على ملامحهن تعبير اللامبالاة .. يردن فقط أن تنتهي الجلسة ليعودن بيأس إلى المنزل كي لايفوتن حلقة المسلسل المدبلج .. فلازوج ينتظرهن .. ولا أطفال .. ولا عائلة .. ولامستقبل ! .. كنت من تلك الفئة مؤخرا ..لكن المسلسل المدبلج قد انتهت حلقاته .. ولم يتبق لدي الوقت الكافي لأبدأ في متابعة مسلسل جديد !""
نظرت إلى الرواية وأنا أكافح لأن أتماسك ..
" لم لم تتزوجا ؟؟ "
التفت مريم إلي وقالت " عرفنا بعضنا منذ ستة أشهر .. أربعة أشهر كنا نبي الأمل .. ونصبر بعضنا .. ونلتقي في أروقة المستشفى والحديقة رغم تحذير الأطباء .. لم يكن برفقتي أحد .. فناصر ينهي شهادته الثانوية .. ووالدي لم يستطع أن يرافقني ..سافرت وحدي برفقة الطاقم الطبي .. أربعة أشهر من التحاليل والجلسات والأدوية الجديدة .. كان لقائي بنايف هو أجمل ماحدث لي .. لكن .. قبل شهر واحد فقط ... عندما ذهبت لأودعه على أمل اللقاء .. وجدت سريره فارغا .. سألت عنه ..وأخبروني بخبر وفاته .. وأعطتني الممرضة هذا الكتاب وأخبرتني أنه أخبرها أن تعطيه لي .. لم أبك .. بل ابتسمت .. وعندها قررت أن أحذو تجاهه .. "

" ما يربكني أنني لا أجدك خائفة .. "
نظرت إلي وقالت " لقد زرع في قلبي شجاعة لامثيل لها .. أخبرني مرة أنه ليس خائفا من الموت .. لأنه جاهز لذلك ,,سألته ماذا يعني ؟. فأخبرني أنه لم يقترف المعاصي في حياته .. منذ صغره نشأ نشأة صحيحة .. وعندما ابتلاه الله بالمرض رضي وصبر .. لم يفقد ايمانه .. وقراءته لهذا الكتاب ليسلي نفسه عن الألم ..لو رأيته في قمة آلامه .. كان يحمد الله .. زاد ايماني وشجاعتي ...... أخبريني عنك .. تبدين متجهمة اليوم .. "

" اكتشفت أن عبدالعزيز يفكر بي .. "
" كيف يفكر بك ؟؟"
أخبرتها كل ماحدث معي .. ماحدث في المستشفى وماحدث في الصباح عندما وجهه لي سالم انتقادا ..
قالت بعدما استقامت في جلستها " عبدالعزيز .. لكنك لم تخبريني عنه أبدا.."
قلت لها " كان ابن عمتي فقط .. ولايزال .. لا أستطيع أن أقول كأخي ..لأن أخوتي ليسوا بهذه البساطة معي .. لكن ماحدث جعلني عاجزة عن التفكير يا مريم .."

صمتت مريم لثواني لتلتقط نفسها ثم قالت
" فاطمة .. إن تقدم عبدالعزيز لك . هل تقبلين ؟؟ .."
نظرت إلى مريم في حيرة وقلت " لكني أحب فيصل "
" هل سترفضينه ؟"
" لا .."
صدمت مريم من إجابتي وقالت " لا أفهم ... أنت تحبين فيصل .. أليس كذلك ؟؟ هل ستقبلين بعبدالعزيز رغم ذلك ؟"
قلت لها " قالت لي سارة مرة أن عبدالعزيز كنز لايعوض .. وإن حدث وتقدم لخطبتي وعلم فيصل بالأمر .. ولم يحرك ساكنا . سأقبل به !"
" وإن تحرك فيصل وتقدم لخطبتك ؟"

" حينها سأكون أنا وقلبي قد اتفقنا وستكون الغلبة لفيصل .. رغم أني أشعر بالأسى على عبدالعزيز .. "
***************
-34-
آخر اللحظات الجميلة !
___________

لم أصدق ماحدث .. لا أصدق اتصال جدتي وخبر دعوة عمي لنا للذهاب إلى المزرعه .. كنت طوال الطريق أفكر في اسم المهرة التي طلب مني فيصل أن أسميها ..لكني لن أسميها حتى أراها .. كانت جدتي تتحدث عن احدى صديقاتها
" إنها تبحث عن زوجة لإبنها ..أتصدقين ذلك ؟؟ .. إنه في الخمسين . .."
" لماذا تستغربين يا جدتي ؟؟ ... "
تنهدت جدتي وقالت هامسة " ما أستغربه أنها تريد أبنتي .. كزوجة له .."
صدمت .. عمتي ؟ عمتي مريم ؟؟ أنها لاتزال تحتفظ بشبابها .. لكن تتزوج ؟؟ نظرت إلى جدتي وقلت هامسة " لماذا عمتي مريم ؟؟"
قالت جدتي " ابنها يريد امرأة من عمره تقريبا .. متعلمة وأرمله أو مطلقة .."
" لكن عمتي لديها أبناء !"
قالت جدتي " لاتكوني قاسية يا فاطمة .. لايعني أنها أم أنه لايحق لها العيش ..والزواج .. سأسأل عمتك .. وإن وافقت ..سأتفاهم مع أعمامك .. أنا أريدها أن تتزوج .. فأبناءها سيكبرون ويتركونها .. وهي لاتزال صغيرة "

" لكن يا جدتي .. من يجب أنت تتفاهمين معهم هم أبناءها ! "
لكنها أجابت بثقة
" لاتخافي .. أبناءها ليسوا بهذه الرجعية .. فإن أرادت شيء لن يرفضوا طلبها .."
لم تعجبني الفكرة .. ولا أظن أن أبناء عمتي سيرحبون بفكرة زواجها .. عمتي نفسها سترفض ذلك .. فهي رفضت الزواج وهي أصغر .. هل ستقبله الآن وهي على مشارف الخمسين ؟؟..
وصلنا إلىالمزرعه وانتابني الفرح حين لاحت لي سيارة فيصل أمام المزرعه ..
حينما أردت النزول .. جاءت جدتي لتساعدني .. فهذه السيارة الرباعية الدفع على عكس السيارة الصالون التي أذهب بها إلى مريم .. ولا أستطيع أن أرمي بثقلي على قدمي المكسورة ..
" اذهب للداخل يا جدتي .. أنا سأساعدها .."

" جزاك الله خيرا يا فيصل .. صحيح أن فاطمة فقدت نصف وزنها .. لكنها لاتزال ثقيلة .."
أصابني الإحراج من كلمات جدتي .. والأكثر أن فيصل هو من سيساعدني ..
قال بخبث " أحملك أم ؟؟ ..."
" لا .. فقط أمسك يدي .. لكن أولا .. "
أعطيته عكازي ليضعه جانبا .. أمسكت بيده واستندت عليها ومن دون سابق انذار حملني ووضعني على الأرض !! ..
" أنت فعلا ثقيلة ! "
شعرت بخجل شديد .. وابتسمت له معاتبة " طلبت منك ألا تحملني "
" لكني سعيد بمعارضتك .. خذي ..."
أعطاني عكازي وبدأت أرتب شكلي وقلت " عمي هنا ؟"
هز رأسه " أجل .. ولكنه سيغادر خلال ساعة ليقابل وفدا دبلوماسيا."
" آه .. صحيح . سيصل الوفد الفرنسي أليس كذلك ؟"
ابتسم وقال " أنت فعلا سكرتيرة لاتنسى أجندتها .. أجل سيصلون اليوم .. السكرتيرة البديلة سيئة للغاية .. سيطردها عمي في نهاية الأسبوع ! "
" لماذا ؟؟"
" فوضوية للغاية .. مزعجة .. اختلاطها بباقي الموظفين مزعج ! ربما تعودنا أنك لاتكلمين أحدا سوانا .. فالسكرتيرة الجديدة تقيم تجمعات لباقي السكرتيرات .. كأنه كافيه وليس مكتب "
قلت بخبث " غريبة .. لم أعهدك بهذا التسامح ..لتدعها يفعل ماتشاء !"
قال بهدوء " الأمر اني لم أعرف سواك أنت وشيرين .. ولم تكن الامور بيننا سيئة .. ولكننا نحتاج السكرتيرة الجديدة هذا الشهر .. وعمي يجري اجراءاته لإستبادلها بسكرتير شاب ! .. "
لا أعرف من يخدع فيصل بإخباري أن الأمور لم تكن سيئة بيننا .. كانت كارثة .. كنا لاننفك أن نتجادل ! ..

في بداية اليوم اتجنا إلى الإسطبل لنرى المهرة الصغيرة .. كانت سوداء .. جميلة للغاية .. وعيناها تبرقان وواسعتان ...
" ماذا ستسمينها ؟"
" لاأعرف ! أنا فعلا .. محتارة .. ماذا تقترح ؟"
" أنها لك .. وأنت من ستسمينها .."
كنا لوحدنا في الاسطبل . وهذه المهرة الصغيرة بيننا ..كانت جدتي تجلس مع عمي وابن عمي سيف تحت احد الاشجار ويتبادلون المواضيع التي يبدوا انها مهمة ..
" سأسميها .. شارلوت .. "
" شارلوت ؟؟ ... ألم تجد أسما عربيا ؟؟"
" الأسماء كثيرة .. لكن .. هذا الإسم له قصة .. وأريد أن أخلد ذكرى هذه القصة بهذا الإسم .."
تذكرت مريم .. وتذكرت عندما قالت " شارلوت أمراة عادية في نظرنا .. لكنها الحب في نظر فيرتير .. القصة مأساوية .. ولكن فكرة أن كل هذا اليأس المتعلق بشارلوت .. لاتفارقني "

عندما رآني فيصل غارقة في أفكاري لم يسأل .. اكتفى بالصمت .. قلت له بعدما خرجنا من الإسطبل " هل علمت بطلاق حمده ؟"
صمت طويلا .. وعندما دققت النظر رأيت عينيه تحمل أسف كبير .. انقبض قلبي ..بدا كأنه قد استعاد شيئا ..
" لم يخبرني أحد .. "
" هل كنت تحبها ؟؟ "
لا أعرف ما مدى جرأتي لكنني سألته .. نظر إلي مندهشا رافعا إحدىحاجبيه .. وبعد لحظات صمت " كنت .."
عرفت أن سؤالي المجازف كان خاطئا .. فقلت وقد قررت أن أجازف بكل شيء
" هل لاتزال تحبها ؟؟"
ثم ندمت عندما تغيرت نظرته والتمعت عيناه ..ندمت .. لقد كنت قررت أن أقبله بكل عيوبه بماضيه بجروح قلبه .. لم أبني هذا الحاجز بيننا الآن ؟؟ ..
قال بنصف ابتسامة " هل تغارين؟؟"
وهذا ما عزز ندمي .. لم أكن قد بينت له مشاعري بعد ولم أرد أن أخلف هذا الإنطباع عني فقلت " أسأل فقط .. "
قلبت عكازي بين يدي وقلت متابعة " فضول لاغير .. "
" أتخبريني أنك لاتغارين من حمده ؟"
" ولم أغار ؟؟ .. أنها مسكينة ..لم توفق في حياتها "
" لم يكتب بيننا نصيب ..هذا ما "أستطيع أن أقوله لك .. و.. شيء آخر .. "
" ماذا .؟"
اقترب مني " ألاتلاحظين أنك تصدينني بإستمرار ؟؟ "
ابتسمت وابتعدت وأنا أنظر إليه وإتجهت إلى حيث تجلس جدتي ..
جاء ليجلس معنا وقال " جدتي ما أخبارك ؟"
" بخير يا بني ,,, .. أين أخوك ؟؟ أنني لا أراه ؟؟ "
" مسافر يا جدتي .. لديه دورة تدريبيه في الصين .."
قال عمي الذي لم يوجه لي أي كلام " فيصل .. أنا سأذهب .. وسألتقي بالسكرتيرة في المطار .. "
وقف فيصل ليرافق عمي لكن عمي قال " لا .. ابق هنا .. أشرف على الخيول .. لايعجبني حالها .. ما نوع طعامها .؟؟ ابحث في الموضوع مع العمال .. أنا لا أحتاجك سيأتون بالمترجم الفرنسي وسأرحب بهم ومن ثم السكرتيرة ستتدبر أمر
راحتهم .. تعال غدا إلى المكتب .. فأنت لم ترتاح.."
))))


غادر عمي ولم يلتفت إلي .. لكني لسبب ما أرفض أن أسأله . لخوفي من شيء ما أجهله !
قالت جدتي تكلم سيف ابن عمي وأنت ما أخبارك يا بني ؟؟"
قال سيف " قلت لك يا جدتي أنني تعبت من السفر فقط لاغير . تعالي لأريك المهرة الجديده .."
قالت جدتي وهي تنظر إلي " ألاتريدين أن تريها ؟؟ فأنت من ستسمينها "
قلت " رأيتها .. وأسميتها أيضا "
استغربت جدتي وقالت " ماذا اخترت لها ؟؟"
" شارلوت .."
عقدت جدتي حاجبيها " ماذا ؟؟ شتاروت ؟؟ "
" شارلوت ياجدتي .. اسم انجليزي ... "
غضبت جدتي " هل قلت الأسماء العربية لتسمي بالأسماء الأنجليزية ؟؟"
قال فيصل منقذا الموقف " جدتي أنها مهرتها وهي حرة بما تسميه "
قالت جدتي " نسيت .. كما تريدين .. شرلوتت .. ..أو أيا كان "
" شارلوت ياجدتي شارلوت "
قالت جدتي وهي تستند على ذراع سيف " لا أعرف مالذي يجعلك تختار هذه الأسماء اليهودية ..نحن عرب ونعتز بعروبتنا "
ضحك سيف وقال " جدتي أنه اسم حصان .. ماذا ستفعلين لو علمتي أن زوجتي تنوي أن تسمي ابنتا القادمة جينا "
انتقل اهتمام جدتي إلى سيف وطوال ذهابهما إلى الإسطبل وهم يتناقشان وغضبت جدتي كثيرا ..
قال فيصل " يبدو أننا لوحدنا "
قلت له بجدية " وإذا ؟؟ .."
قال " هل تسمحي لي بأن أعيد عليك سؤالي السابق ؟"
" أي سؤال ؟"
قال بجدية " لم تصدينني ؟"
"ماذا تعني ؟"
رمى بصخرة كانت بيده إلى بعيد بغضب وزفر بشده وقال
" أتعنين أنك لاتفهميني ؟"
ركزت نظري في حدقتي عينيه الثابتين لأرى الغضب قد تجسد داخلهما ..
" لم أفهم مالذي تعنيه "
أمسك يدي بقسوة وقال " أعني أنني أحبك وأريد أن أعرف إن كنت تحبينني أم تتلاعبين بأعصابي فقط !"
سحبت يدي لأدلك رسغي الذي آلمني .. نظرت إليه وللحظة ..
غرقت في ذكريات لامعنى لها .. لا أعرف لم تذكرت الماضي .. الإستهزاء والسخرية .. كلمات منال .. أمي وكيف كانت تجرحني بقسوة .. جدتي التي لم تكن حميمية معي يوما سوى منذ سنتين عندما أشفقت علي لوحدتي البائسة .. أول مرة رأيت هاتين العينين وغرقت في حب صاحبها ... ماسمعته منذ أيام واكتشافي لحقيقية حب عبدالعزيز لي .. ساره التي هي بعيده الآن ،طيف مريم الشاحب وهي مستلقية هناك بعينيهاالعسلتين وطيف نايف وفيرتير وشارلوت ... إلى حبي الأخير ... تلك الكلمات التي رسخت في بالي لساعات طويله.. ... نظرت إلى فيصل .. خرجت من بؤرة ذكرياتي ..لأاراه ينظر إلي بتركيز .. هل هو يفكر أيضا ؟؟ هل غرق هو أيضا في ذكرياته ؟؟ تذكرت جدالنا الدائم .. وكلمات منىعن فيصل ،..
نظرت إليه .. لا أستطيع أن أقول لك مالذي يدور في قلبي الآن . هناك أعاصير ومشاعر لاترحم .. هناك دموع سوداء وذكريات لا أرغب في النظر إليها .. أشعر أنني أرى المستقبل الآن وأرآك نادم وتكرهني .لا لن أستعجل وأبوح لك بحبي وأفسد كل شيء ! لا ..لن أرتكب هذا الخطأ... الذي هو بطريقة ما تحرير لروحي التائهه .. لا .. أيا كانت تلك الأفكار خلف هاتين الحدقتين .. لن أجعلك تعلم مايدوي داخلي من صراعات .. .. أحبك يافيصل .. أحبك أحبك .. لكني لن أقولها لك .." ))
وأخيرا ..
قلت منتقية كل كلمة بحذر " لن تحترمني إذا بحت لك بمشاعري .. فلا تطلبها مني .. لاتسألني إن كنت أحبك أو لا .. لأنك تعرف الإجابة في داخلك .. ولن أؤكدها لك أو أنفيها .. "

"لكني أحتاج للإجابة "
"الكل يبحث عن الإجابات يافيصل .. لكني لا أملك أي إجابة حاليا ترضى كرامتي أن أبوح بها "
صغرت عينيه فجأة " ماذا تعنين ؟؟ ماذا تعنين .. هل هو عار ما أطلبه منك ؟؟ هل هو ذل لك ؟؟ أطلب حبك ..وترين في ذلك إهانة ! "

يا إلهي .. سبحت أفكار فيصل في تيار مختلف تماما !! قلت محاولة تهدئة الوضع
" لم يكن هذا قصدي .. ما أعنيه .. أنني لا أرتضي أي مشاعر أو كلام خارج علاقة رسمية .. لا أحب ان أبني قصورا في الرمال "

شعرت باستياءه وقال
" قلت لك أن تنتظري حتى زواج منى بعد ثلاثة أسابيع .. عندها سأتحرك .. لست بائعا للأوهام ولست متلاعبا بالمشاعر لأجعلك تحلمين ببناء قصر في الرمال .."

لا أعرف لم تذكرت عبدالعزيز .. فهو يفهمني في ثانية .. لكن فيصل يغرق في تفاصيل كثيرة متعبة ..قلت له " حسنا إذا .. انتظر أنت حتى ذلك الوقت .. "

قال " فاطمة أريد أن أعرف هل تبادليني المشاعر ؟؟ "

قلت مقررة أخيرا أن أسمح له ببصيص نور " وهل كنت تعتقد أنني سأجلس هنا معك ونناقش موضوع مماثل لأجل أن أتسلى فقط ؟"

ضحك .. وفجأة انتشلني ضحكه من كآبتي إلى لحظة سحرية لحظة أشعر خلالها بكل جزيئات دمي تتسارع خلال جسدي لتمر بقلبي في انقباضته تلك التي كانت انقباضة سعادة حقيقية سحرية !






-35-
___

دخلت المنزل واتجهت إلى غرفتي وأنا في مزاج حسن للغاية والمرح يبدو من خلال قسمات وجههي والفرح كذلك .
في الصالة العلوية جلست منال تقرأ مجلة ولم أكن قد تكلمت معها منذ وقت طويل ..
" السلام عليكم "
وأردت التوجه لغرفتي لكنها قالت " أنظروا من هنا .. أين كنت ؟؟ وإلى أين خرجت منذ الصباح .."
نظرت إلى منال .. وكدت للحظة أن أجادلها وأفسد فرحتي .. لكني ترفعت عن هذا وقلت وأنا أكمل طريقي " لا أعتقد أنه من شأنك "
وقفت ورمت بالمجله وقالت " أيتها المعاقة .. تخرجين طوال اليوم ولا أحد يعرف مكانك لهذا البيت حرمة وسمعه لن أسمح لك أن تسيئي إليه .."
إلتفت إليها وقد فاض بي الغضب ثم رأيتها كيف تبدو في حال مرهقة وتملأ ملامحها الأقل من عادية بالمكياج الكثير وجسدها الذي لم يتعاف بعد من آثار الحمل حيث بقي مترهلا .ذهب الغضب فجأة لأكتشف أن ماتفعله هو جراء غيرة فقط لاغير .. فجسدي الذي أصبح مشدودا بعد الرياضة أفضل بكثير من جسدها وملامحي التي خرجت للنور بعد أن غاصت في الشحم لسنوات تبدو أفضل رغم أنني لا أستعمل أي مكياج .. قلت لها بهدوء

"موتي غيظا لن تفسدي لي مزاجي "

توجهت لغرفتي وأغلقت الباب لأسمع بعد دقائق جدالا في الخارج .. لكني آثرت أن أستحم ولا أشغل بالي فصوت منال يدل على أنها في جدال عنيف مع إحدى الخادمات .

خرجت بعد نصف ساعه لأفتح التلفاز وأقلب في قنوات التلفاز .. ولم أجد شيئا فأطفئته . ويقيت أفكر وأنا أنظر إلى قدمي بكلمات منال ..
(أيتها المعاقة )) ..
سينجبر الكسر وسأعود للمشي طبيعيا يجب ألا أقلق ..مابالها هذه المجنونة ؟؟ ..
يجب أن أزور مريم اليوم . أن الساعة الآن السابعة مساء .. وقفت لأرتدي ملابسي .. واخترت شيئا ورديا لأرتديه مع تنورة بيضاء بزخارف وردية ..اكسسوار بسيط والقليل من المكياج .. لايجب أن أشعر مريم أنها ستموت .. رغم أنها تعرف لكن أريدها أن تبتهج لرؤيتي .. في المرات السابقة كانت تتلالأ عيناها برؤيتي وعندما أضع عبائتي جانبا تنظر بكآبة إلى ملابسي السوداء والخالية من أي بهجه ..وإلى شعري الذي جمعته إلى الخلف بدون ترتيب .. لن أتزين كثيرا لكني لن أذهب إليها كأني ذاهبة إلى عزاء .
سرحت شعري وأبقيته مفتوحا .. كان يصل طوله إلى كتفي وأجمل مافيه أنه كان مسترسلا لايحتاج إلى تصفيف كثيرا .
ارتديت عبائتي وخرجت إلى الصالة .. لم تكن منال موجوده .
توجهت لغرفة أمي لأجدها تجلس على سريرها
"فاطمة .. هل أتيت للتو من المزرعه ؟"
" لا .. أتيت منذ ساعة .. لكني أريد التوجه لمنزل مريم فأتيت لأستأذنك . "
نظرت إلي أمي وفي عيتيها نظرة حزينة " لم تستأذينني من قبل "
قلت وأنا أحاول تجنب غضبها " كان والدي موجودا فأستأذنه وهو غير موجود اليوم .. فأتيت لإستإذانك .."
"لن تذهبي "
"لماذا ؟؟ مريم مريضة وتحتاج إلي "
وقفت أمي وقالت " أحتاجك للذهاب معي إلى منزل خالتك "
هززت رأسي " لا .. لن أذهب .. لن أترك صديقتي الوحيده وحدها اليوم .. "
قالت أمي " لكن خالتك تحتاجنا ..فاليوم لديها حفلة تكريم لأحدى اهم سيدات المجتمع . "

" أمي . اعذريني .. لا أستطيع وعدت مريم .."

" إذهبي لصديقتك .. "
"شكرا أمي .."
أردت الخروج لكني سمعت صوت والدتي وهي تبكي ..
"أمي "
" أنت دائما هكذا لاتفكرين سوى بنفسك"
"أنا ؟؟ لماذا تقولين هذا !"

نظرت إلي أمي وهي تقول
"دائما كانت تتباهى أختي ببناتها .. في كل حفلة وفي كل مناسبة وتضع الشروط الطويله العريضه لكل من تقدم لهن .. وأنت تخيبين أملي في كل مرة .. ترفضين مرافقتي ..ترفضين إكمال دراستك الجامعية .. وحتى زواجك.. لن يشرفني كما تمنيت ! اخرجي .. إذهبي إلى صديقتك .. فلاشرف لي في تقديمك لهن اليوم في ماذا كنت أفكر !"

لم أنتبه لدموعي التي سالت بغزارة وأنا أسمع كلمات أمي
" أمي ماذا تقولين .ماذا تعنين أنني لن أشرفك .. مالذي فعلته لكي ...ترين أنني إهانة كبيرة لك "

"كل شيء تفعلينه ..كل شيء .. مشوهه بدينه عاطله عن الدراسة والعمل ووجودك مثل عدمه .. وعرجاء حمقاء .. أخرجي .. إخرجي لا أريد رؤيتك "

لا إراديا وضعت يدي على مكان ندبتي .. أهذا هو التشوه ؟ لكن الجرح ليس بهذا السوء وأستطيع اخفاءه بخصلة شعري !! خرجت لا أرى طريقي ..اتجهت إلى منزل مريم والدموع لم تتوقف أريد أن أوقفها لكنها لا تتوقف ...غطيت وجههي بحجابي وطرقت الباب لتفتح لي إحدى الخادمات ..توجهت بسرعه إلى غرفة مريم .. لأراها تجلس مع الممرضة التي ما إن رأتني حتى خرجت ..
"فاطمة ! ..تأخرت .."
ارتميت في حضنها وبكيت بشده .. آه يا مريم .. لو تعلمين مامقدار ألمي !!
ولكني رحمة بها أخبرتها أنني اشتقت إليها وخلعت عباءتي لابتسم لها .. لا يحق لي أن أن أتعبها في التفكير بي !
جلست لأستمع إليها .. كنت هناك لكني بطريقة ما لم أكن !

**********
هاقد مر أسبوعان . لم أتحدث خلالهما سوى مع سارة ومريم .. لم يقترب مني أحد ولم أخرج من المنزل رغم اتصالات جدتي .. سأذهب اليوم لفك الجبس عن قدمي .. أثر الجرح على جبهتي أصبح أفضل ..لم يعد بالسوء السابق .. مريم التي عادت رموشها للنمو وشعرها كانت تتلاشى في كل زيارة أكثر من الزيارة السابقة .. أعرف أن شبح الموت يخيم عليها وهي تعرف ذلك ....لكن مايؤلمني أنها ستغادر هذه الدنيا مليئة باللآلام والحقد .
ركبت السيارة برفقة أخي مبارك الذي عرض أن يصحبني للمستشفى أفضل من الذهاب لوحدي .
"فاطمة مابك .. ؟"
" تعبت يا مبارك .. تعبت .. "
" أخبرك أبي عن حسن .؟"
كنت سأسأله ماذا يعني لكني آثرت أن أسمع " أجل "
" هل أنت موافقه ؟؟"
رغم جهلي التام بمايتحدث عنه " لازلت أفكر "
" لكن أبي أقنعك .. لقد أعطى حسن كلمته ولايستطيع أن يتنازل عنها وستتزوجان خلال شهرين .. أو ثلاث .."
توقف قلبي والصدمة زلزلت كياني !!بأن حياتي انتهت .. الآن فهمت كل شيء .. وكلمات أمي أصبحت أمام عيناي تتراقص .. (زواجك لن يشرفني ))
نظرت إلى مبارك وقد اختفى الهواء أريد أن أتنفس ..لا لا أريد .. أن أموت فلامعنى لهذه الحياة !! أن أتزوج حسن ! ها أنا أدفن كل معنى للحياة !
نظرت إلى الباب أريد فتحه لأرمي بنفسي على قارعه الطريق فإن تمزقت ألف قطعه لايخفف هذا من هول ألمي وصدمتي !
ممددت يدي لأرتكب الجنون والكفر لكنه كان مقفلا أوقف مبارك السيارة بسرعه وهو يصرخ بي . لم أفهم كلمة ممانطق فقد غرقت في صراع عنيف داخلي ..
لم أفق إلا ومبارك يمسك بكلتا يدي يهزني لأفيق !!
" فاطمة .. فاطمة استعيذي من الشيطآن ! فاطمة .. "
خرجت من الباب وأفرغت كل مافي جوفي أشعر أن قلبي يريد أن يقفز خارجا مني !لايريدني .. أنكرني ..
" لم تكوني تعرفي .."
أعطاني المناديل الورقية وأنا أبكي بشده " كنت أشك بوجود شيء وجاريتك لأعرف مالأمر !"
اختفت الألوان من وجهه مبارك .. "لم يخبرك أبي بشيء ؟؟"
هززت رأسي بلا وأنا أرتجف .. أخذني مبارك في حضنه
"اهدئي ..إهدئي .. نتوجه الآن للمستشفى لنزع جبيرتك .. ومن ثم عندما نعود للبيت .سيشرح لك أبي كل شيء "

أيمكن أن تكون حياتي أسوأ من هذا ؟؟ .. أيمكن ..لا أعرف .. طوال الطريق إلى المستشفى غرقت في حالة من الاتفكير .. وعندما وصلت سندني مبارك ووجلسنا عدة دقائق ننتظر الموعد ..

وأنا أنظر إلى المنشار تنتابني رغبة في أن أدفع بقدمي بقوة نحوة .. ربما إذا مزقت شريانا أرتاح من هذا الصراع داخلي .. وعندما قررت تطبيق فكرتي توقفت الممرضة عن استخدام المنشارالطبي الصغير .. وأمسكت بمقص لتكمل فك الجبيرة ..كانت تتكلم مع مبارك وتعطيه تعليمات أن لا أضغط عليها كثيرا .. كان الطبيب يقف ويتكلم أنه سيجري أشعه ليرى كيف أصبح الكسر ..

خرجت ورباط خفيف على قدمي حيث اتضح أن حالتها افضل .. سندني مبارك .. وكنت لا أستطيع المشي وحدي .. ليس بسبب قدمي .. بل بسبب روحي التي غادرتني وقلبي الذي انزوى في أحد الزوايا ..لكنه لم يكن مكانه ! ..

ونحن في طريقنا إلى المنزل قلت لمبارك
" لاتخبر أبي أني أعرف .. دعه يأخذ وقته .."
قال مبارك " لكنك تحتاجين إلى شرح الأمر "
هززت رأسي وأنا متأكده أن ما سأسمعه أقوى من قدرتي على الإستيعاب "
" لا .. لا أريد أن أسمع شيئا .. أريد أن أواجه أبي كأني أسمعه لأول مرة .. لا أريد أن يعرف أني عرفت شيئا .. هل تعدني بذلك مبارك ؟"
نظر إلي مبارك بإرتباك .. ثم هز رأسه ..

سندني مبارك إلى غرفتي حيث رميت بجسدي وأستسلمت للنوم لا أريد أن أفكر بشيء !!

***************

دخلت من خلال الباب وأن أستند إلى عكازي ..
" تخلصت من الجبيرة ؟"
كان عبدالعزيز يبتسم قلت له " أجل لكن لايجب أن أسقط ثقلي عليها .. أين جدتي ؟"

"في الداخل "

ذهبت إلى الدخل ببطء تبعني وهو يقول " ستعودين لعملك؟"
"لا لن أعود "
"لماذا "
" استقلت .."
"فاطمة ..لم تبدين مهمومة ؟"
أدرت وجههي أكمل طريقي ووقلت ببساطة " لست كذلك "
"تبدين شاحبة"
لم أجبه أكملت طريقي أريد رؤية جدتي والإنزواء إلى حضنها ..
لكنني توقفت وتذكرت أنني كنت قررت أن أواجهه .. ولا أعرف لماذا وجدت أن قراري كان سخيفا . لماذا أواجهه ؟؟ .. لماذا أتعب قلبي وقلبه .. ولاشيء يجمعنا ..إلتفتت إليه إكراما للعشرة بيننا .. كان يستند إلى حائط على بعد مترين وويعبث بأظافره ..
عدت إليه وقلت " كيف حالك ؟"
"بخير ..وأنت ؟"
"جيده .."
وعندما لم أجد شيئالأقوله " أراك لاحقا "
"لا أعتقد هذا ؟؟"
عقدت حاجبي "ماذا تعني ؟"
"سأسافر .. لدي منحه في لندن لمده عامين .. وسأكون غبيا إن إعتذرت عنها "
انقبض قلبي .. في لندن؟؟
" ستسافر ؟؟ "
هز رأسه وقال " سأسافر غدا .. وبعد أسبوع سأعود لحضور زفاف منى .. ثم سأعود للندن "
"ستترك عمتي لوحدها ؟"
ابتسم " لا .. لديها حمد وزايد .. وهما لن يسيئا التصرف .. فهما مؤدبان ومع انتقال جدتي للعيش معنا لا أرى أي سبب يقلقني "
لا أعرف لماذا لم تعجبني فكرة سفر عبدالعزيز وغيابه ..
" أتمنى لك التوفيق .."
"هل توصينني على شيء ؟"
"فقط عد إلينا سالما "
إلتفت وتوجهت إلى الداخل رغم الإعصار الذي في داخلي شعرت بصقيع يجتاح مشاعري ..
بنت القلعة
بنت القلعة
**********
-36-
******

ارتديت الفستان الذي اشتريته من أيام .. طلبت من سالم إيصالي إلى حفل الزفاف .. كنت أرتدي فستان أسود ورفعت شعري إلى أعلى ومكياج دخاني .. كنت أبدو جميلة ...ولونت شفتاي بلون أحمر بدم الغزال وبدا جميلا مع بشرتي البيضاء ..
نزلت وكنت قد ارتديت كعبا عاليا ! فقد اشتقت لإرتداءه طوال الأسابيع الماضية التي تقيدت فيها بحذاء بسيط وحذاء طبي من أجل الجبيرة..
لم أكن قد تبادلت الحديث مع أمي منذ شهر تقريبا .. كنت أتجنبها .. قدمت أوراقي خلال هذا الإسبوع إلى أحدى المكاتب الإجتماعية .. لا أستطيع البقاء هكذا بدون عمل ..
نظرت إلى أظافري التي طليتها باللون الأحمر ..هل أتى عبدالعزيز ؟؟ لم تكن عمتي قلقه بشأن سفره لأنها تثق به .. الوحيده التي كانت مضطربة هي منى . رفعت الهاتف لاكلم جدتي
" مساء الخير جدتي .. "
" وعليكم السلام يا ابنتي .. "
"كيف حال منى ؟"
" تبكي .. تريد المزينه أن تزينها لكنها تبكي فتفسد كل شيء .. سيأتي عبدالعزيز خلال ساعه وستهدأ إذا رأته .."
"المسكينه جدتي سأتوجهه للحفل الآن.. أراك هناك .."
"هل ستأتي أمك ؟"
"أتوقع هذا "
"تعالي معها لاتأتين لوحدك .. "
"حسنا .."
أغلقت الهاتف وضعت إسوارا ماسيا حول معصمي .. تذكرت فيصل عندما أمسك بيدي في آخر لقاء .. حاولت كبح دمعتي لكني لم أستطع .. كفكفت دموعي وشعوري بالإستياء لماسمعته من مبارك ..
ارتديت عباءتي كانت تشير الساعه إلى التاسعه ..الطريق إلى قاعه الحفل يتطلب نصف ساعه ..نزلت ووجدت سالم ينتظرني
" واو .. تبدين رائعه "
"شكرا سالم أين أمي ؟"
قال وهو يمسك بيدي " لا أعرف أتوقع في غرفتها "
" هل تسدي لي معروفا وتدعوها لتذهب معنا "
" لامانع لدي .."
ترك يدي وتوجه إلى غرفة أمي وبعد قائق عادا معا وكانت منال برفقتهما ..
" لنذهب "
قلت هذا وتوجهت للسيارة أعرف أمي لا تحب المقعد الأمامي لذا ركبت واستاءت منال لأنها تحب الجلوس في الصدارة .. لكني لم أقل شيء ..
هل تعرف أمي أنها أخطأت في حقي لهذا لاتتحدث معي بدورها ؟؟ ..إنها تتجاهلني ببساطة .. تمنيت لو أن سارة موجوده .. كنت قد وجدت شخصا أتبادل الحديث معه .ياترى كيف ستبدو منى اليوم ؟؟

كانت تبدو في أجمل حله عندما كانت تمشي إلى المنصة برفقة عبدالعزيز الذي كان يهمس في أذنها كلاما ليشجعها .. وجدت هذا غريب ..فنحن في عصر ترقص فيه العروس وحدها متجه إلى المنصة بلا أي خوف أو تردد .. كانت تقف جدتي وعمتي وعبدالعزيز إلى جانبها رغم الشموع والأعنية الهادئة التي غناها المطرب خصيصا لها كانت عائلتها تقف بقربها وهي لاتزال خائفة ..
كان العرس فخما .. فهو على نفقة جدها الذي كان الشخص الوحيد الذي فرح بهذا الزواج ..
اقتربت مني طفلة صغيرة وأعطتني ورقة صغيرة .. فتحتها لأقرأها وكانت الطفلة قد اختفت

(( لاتصدقي فيصل فهو يتلاعب بك لاغير !ّ))
صدمتني الرسالة الصغيرة نظرت حولي لكن لا أحد ينظر إلي الكل ينظر إلى العروس وشقيقها الوسيم ووالدتها الأرملة !عدت لأنظر إلى الورقة .. كانت قد كتبت على عجل ..من هذه التي تعلم مايجري بيني و بين فيصل ؟؟ واختارت أن تنبهني منه الآن في زفاف منى ؟؟ حيث وعدني أنه سيتقدم لخطبتي مباشرة !!

حاولت أن أبدو طبيعيه لكني لم أستطع ! انتابني الفزع ..
لا أعرف كيف تحكمت بأعصابي ..ذهبت لمنى لأهنئها وأطمئنها ..
"تبدين جميلة يا فاطمة ! .."
" أنت أجمل . تبدين رائعه .."
لكن منى كانت تحبس دموعها ! قلت لها مهدئة " ثقي بي .. ستكتب لك السعاده بإذن الله .. فإن رآك الآن زوجك سيقع في حبك لامحالة ! تبدين كملاك .."
ابتسمت منى أخيرا ..

تركتها وعدت لأنظر بين المدعوين لعلي أرى فتاة أعرفها !! وبعد بحثي وجدت أخيرا حمده تجلس في الخلف .. اقتربت منها حيث قالت
" فاطمة تبدين في غاية الأناقة "
" شكرا و؟أنت كذلك .."
أردت أن أسألها عن الرسالة لكني لم أستطع .. ولاحظت هي ارتباكي فقالت
" هل تخشين أن يراك أحد بالقرب مني ؟؟"
" لماذا تقولين هذا ؟؟"
" ألم تسمعي آخر الأخبار ؟؟ أصبحت مطلقه ! لهذا أجلس هنا بعيدا عن الهمسات المزعجة ! "
"حمده لاتقولي هذا طبعا لا أخجل من وقوفي بقربك .. كل مافي الأمر أنني مرتبكة من أجل منى ! لايروقني حزنها "
جلست بقرب حمده وكتمت أسئلتي مستحيل .. كيف ستعرف ؟؟ ..

******
استيقظت في الصباح وبعد حمام ساخن ارتديت ملابسي وتوجهت إلى المؤسسة الإجتماعية حيث ستجري المقابلة ..

دخلت لأرى سيدة تبدو في كامل أناقتها
" السلام عليكم ..أتيت بشأن عمل شاغر كسكرتيرة ."
قالت السيدة " أجل .. تعالي معي "
دخلت إلى المكتب .. إنها مؤسسة اجتماعية تهتم بقضايا ومشاكل الأسرة .. ربما يجب أن ألجأ إليهم بسبب الشروخ التي تهدد منزلنا .


ــ لماذا تركت عملك السابق ؟؟
نظرت إلى التي تسألني فقلت " كان العمل يتطلب .. آآ...كنت أعمل مع ...كان العمل يتطلب,.. كان ضد .."
نظرت إلى السيدة التي تسألني وقلت أخيرا " لم أرتح للعمل في جو مختلط كثيرا "
ماذا أقول لها ؟؟ طردني عمي ولم يذكر السبب ؟؟ ..
قالت السيدة " لكن هنا أيضا مجال مختلط .. يجب أن تتعاوني مع الإخصائيين إن تم تعيينك .والأطباء النفسين والأباء .. لايخلو العمل من اختلاط "
ارتبكت أكثر فقلت " لكن مجال عملي السابق كان يتطلب مجاملات وزيارات وحفلات عشاء برفقةالمدير .. رغم أنه كان عمي . ..لكن لم ..أحبذ العمل في أجواء إعلامية ! فقد كان التعامل الصحافة أحد أهم متطلبات العمل ، لامانع لدي طبعا من جو عمل مغلق أكثر مختلط أو .. غير مختلط "

ــ حسنا .. نحتاج إلى سكرتيرة وكنا نحب أن تكون مواطنة .. ولديك خبرة لمدة ستة أشهر في أحد أهم مكاتب الدولة .. اللغة جيدة جدا ..المهارات المكتبية ممتازة .. لابأس سنقبل بك كسكرتيرة مؤقتة وبإمكانك إثبات وجودك لتوقيع عقد عمل .
"شكرا سيدة شيخة .. متى سأبدأ العمل ؟"
"غدا .. رغم أن المكتب الآن في فوضى فالسكرتيرة تركتنا منذ يومين "

سأثبت وجودي هذا ما أكدته لها .. خرجت من هناك لأعود للمنزل .. ثم قررت المرور بمنزل مريم ..
كانت الساعة العاشرة صباحا ..

فتحت الخادمة وعندما سألتها عن مريم اشارت إلى غرفتها فتوجهت إليها ..
كان الطبيب قد خرج للتو من عندها وكان برفقة الممرضة ..
" ماذا بها مريم ؟"
نظر إلي الطبيب وقال " أختها ؟؟"
" أنا .. أجل .. كيف هي الآن ؟؟"
وضع الطبيب سماعاته في خقيبته وقال " دعيها ترتاح .. لايبدو أنها ترتاح مؤخرا "
" هل هي تحتضر ؟"
أمسك بيدي الطبيب الذي اكتسى شعره باللون الرمادي ودخلنا لغرفة الممرضة المجاورة
" لايجب أن تقولي هذا أمامها .. لاتبكي ا ابنتي .. لاتبكي .."
" هل كل من يصابون بالسرطان ينتهون هكذا ؟؟ "
ابتسم وقال " لا يا صغيرة .. معظم حالات سرطان الدم قابلة للعلاج والشفاء .."

" إذن لم تركتها ترفض الخضوع للجلسات ؟؟ "

أغمض الطبيب عينيه .. وقال " حالة مريم تختلف .. "

"أرجوك دكتور إشرح لي .."
قال الطبيب " قبل سنوات كانت مريم تخضع للعقاقير الكيماوية وجلسات الإشعاع في بيستبورغ وكانت تجدي نفعا معها .. وتقلص أورام الدم .. ثم سافرت منذ سنتان إلى أمريكا .. وخضعت لعقار جديد .. واستجابت للعلاج .. وتقريبا شفيت من المرض .. عادت إلى هنا ..وأمضت سنة طبيعية بلا جلسات العلاج الكيميائي والإشعاعي .. لكن.. عاد المرض .. وعاد فتاكا ..لم يرحم جسدها الضعيف .."

"لا أفهم .. كيف يعود في فترة بسيطة وينتشر في جسدها لدرجة لاتمكنكم من علاجه"

"يا ابنتي .. هذا مايحيرني .. لكني أعتقد أن مريم شعرت بالأعراض ..ولم ..لم تسارع إلى المستشفى .. وأنها خافت أو تجاهلت مرضها .. كانت تريد التصديق أنها شفيت تماما ولن تعود إلى الجلسات المتعبة .."
"ماذا تعني "
"أعني أن المرض له أعراض .. ومريم تجاهلت هذه الأعراض .. ولم تأت إلا بعد فوات الأوان . لقد انتشر المرض ...بشكل لايمكن السيطرة عليه .. كان من الممكن أن تشفى .. أو تتحسن فرصها في الحياة إن خضعت مبكرا لجلسات العلاج .. لكن الآن .. جلسات العلاج لا تفيدها نفعا .. ولن تفعل سوى إطالة حياتها شهر أو إثنين معرضة إياها لكافة الآالآم ..ومريم وجدت أن الأمر لايستحق .. فقررت التخلي عن الجلسات .. ابنتي لاتبكين .. يكفي .. لاتبكين .. إنه امر الله .. "

"...كيف لا أبكي وصديقتي وحبيبتي تحتتضر ،أنت تقول أن مريم جنت على نفسها بتجاهل أعراض المرض .. أليس كذلك..ماذا كانت أعراض المرض ؟؟"

"حمى .. صداع .. نزيف في اللثةوتورمها .. كدمات زرقاء على الجسد وأورام صغيرة .. فاللوكيميا تسبب النزيف السريع .. شحوب كسل ضعف عام .. هي تعرف الأعراض جيدا ..لكنها اختارت أن تتجاهلها .."

"وماذا سيحل بها الآن ؟"

" انها تحتضر .. في أي لحظة يصيبها نزيف و..."
لم أستطع سماع الطبيب الذي وقف ليجمع أغراضه وهو في طريقه للمغادرة
"ياابنتي ادع لها بالرحمة .. "
خرج الطبيب وكانت الممرضة الفلبينية تقف هناك لاتفقه شيئا ..
اتجهت إلى غرفة مريم فتحت الباب ووجدتها نائمة ,,

"فاطمة .."
"مريم ..أنت بخير الآن ؟"
هزت رأسها " لقد سار مفعول المورفين في دمي الآن .. أشعر براحه قليلا ..لم أجدها مساء أمس .."
"هل كنت تتألمين مساء أمس ؟"
هزت مريم رأسها " كانت المسكنات التي وصفها الطبيب لاتجدي نفعا ..فقد اعتادها جسدي .. "
كانت عيناها التي تحيط بها الهالات تنظر بتعب إلى الباب .. هل تنتظر أحدا يا ترى ؟؟
"مريم حصلت على وظيفة صباحية في احدى المؤسسات لهذا لن آتي في الصباح .."
"مبروك .... فاطمة .. خذي .. "
أمسكت بآلآم فيرتير وأعطتني إياه ..
"أنه الشيء الوحيد الذي ..يتعلق بي .. إحتفظي به .. "
لم أستطع كبح دموعي " لا يا مريم .. لاتقولي هذا .."
ابتسمت وهي تقول " لا ..لاتبكي فاطمة ..أنا وأنت نعرف تماما أنه حان الوقت .. بأي لحظة الآن .. إني أنتظر الموت .. أنتظره كإنتظار طفل يتيم ليجد ملجأ ..أنتظره كإنتظار المغترب..الذي يريد العودة إلى وطنه .. أنتظره .. كإنتظار الشاعر ليجد ملهمته .. أنتظره .. وأنا لا أعرف هل سيطول انتظاري .. أم .. سيأتي سريعا .. أنه الغيب .. هذا مايجمعنا .. عدم معرفتنا بما سيحدث ومتى سيحدث ..لكننا نعرف أنه سيحدث .."

كفكفت دموعي . وسألتها " لماذا تجاهلت الأعراض ؟"

نظرت إلي وفهمت ما أقصد .. قالت
" لم أتعمد هذا .. لكني أحببت شعور الصحة .. الذي كنت قد نسيته منذ زمن بعيد .. رغم أني تجاهلت الأمر لعدة أشهر فقط ... لكنه أتى بنتيجة عكسية .. لكني لم أندم ..ليس انتحارا .. لكن .. لا أستطيع تحمل البقاء هكذا طريحة الفراش عاجزة.."

لكن انه انتحار شرعي يا مريم .. من تخدعين .؟؟...عادت مريم للنظر من خلال الباب كأنها تنتظر أحدا ..
سألتها مرتبكة
"من تنتظرين ؟؟"
إبتسمت "لاتخافي عزرائيل لن يطرق الباب "
ابتسمت لكني بكيت في ذات اللحظة .. بكيت من الداخل .. لا أجرؤ على البكاء أمامها ..
قالت " ستأتي أمي بعد قليل .. أريد أن أخبرها أنني سأموت خلال هذا الأسبوع .."

"لا تتحدثي عن الموت بهذه الروح المرحه .. أنت تقتلينني .. "
أمسكت يدي وقالت " أريد أن أؤلمها .. رغم أنني أشك أنها ستشعر بشيء .."
"مريم لماذا هذا الحقد .. دعيها , أنت لاتحتاجينها ! "
قالت والكره تجسد في قسمات وجهها " أمي هي السبب في شقائي ."
أمسكت بيدها وقررت أن أخلصها من حقدها
" ستندم.. تأكدي من هذا .. لكنك لن تستفيدي شيئا من إيلامها .. ستبقى هنا تبكي أياما .. سيتعذب قلبك لمنظرها .. وبدلا من السلام الذي تنشدينه .. ستشعرين بالذنب ..أنك أخبرتها .. لأن قلبك لن يرضى أن يؤلمها .. ضميرك لن يتحمل العيش لهذا الألم ..سامحيها .. فقط سامحيها .. وستدرك غلطتها الفادحة .."
كانت الدموع تغسل عيني مريم .. كأنها فهمت ماقصدت .. ابتسمت وقالت
" بكلماتك .. نسيت كل الكره الذي أكتمه في قلبي .أجل ستعاني .. لكني لن أتحمل أن أراها تعاني .. خذي الكتاب . فقد يكون هذا آخر لقاء بيننا .. فأنا أشعر أن نهايتي إقتربت .. ولن أترك لها هذا الكتاب الذي يحمل جزءا مني .. لكن .. إقرأي لي منه شيئا .. كوداع بيننا "
بكيت وأنا أعرف أنها تقصد بالوداع الكتاب فهو جزء مهم في حياتها ! .. فأنا سأزورها في الغد ..ولن أتأخر عنها .. أمسكت بالكتاب .. لأجد إحدى الصفحات المطوية .. فقررت قراءتها

(( للمرة الأخيرة أفتح هاتين العينين ،وا آسفاه لن ترى هاتان العينان الشمس بعد الآن ..وهي الآن مغطاة بسحب كثيفة لاسبيل إلى النفاذ منها ..أجل أيتها الطبيعة إلبسي ثياب الحداد ،فطفلك ،وصديقك،وعاشقك يدنو من نهايته !
إن هذه الفكرة ياشارلوت ليس هناك مايضارعها ومع ذلك تبدو لي كحلم غامض عندما أكرر قولي :إن هذا يومي الأخير الأخير ياشارلوت !ومامن كلمة يمكن أن تعبر عن هذا الخاطر حق التعبير ..اليوم الأخير .
ها أنا اليوم أقف منتصبا بكل قوتي وغدا سأكون ملقى على الأرض هامدا باردا .أموت ومالموت ؟كل مايدور عنه في أحاديثنا محض أحلام .لقد رأيت أناسا كثيرين يموتون ولكن طبيعتنا الضعيفة كثيرة القيود بالغة الضيق ،فليس لدينا تصور واضح لبداية وجودنا ولا لنهايته ! ))

احتضنت الكتاب وأنا أنظر إلى مريم التي كانت قد نامت .. قبلت رأسها وأحكمت غطائها وتوجهت إلى التلفاز لأضع قناة قرآن لتهدأ روحها التعبة فبالقرآن تطمئن القلوب .. خرجت وأطفأت الضوء فور خروجي وطلبت من الممرضة أن تنتبه إليها .

عدت إلى المنزل وقررت أن أنام ..عندما رن هاتفي
" ألو .."
كان صوت جدتي غاضبا
" فاطمة ألن تأتي معي لنبارك لمنى .؟؟ اتصل بك منذ الصباح أين أنتي ؟"
"جدتي كنت في مقابلة عمل .. ومن ثم مررت بصديقتي مريم "
"غيري ملابسك وتعالي لمنزل عمتك خلال ساعه لنذهب معا .. هيا "
نظرت إلى الساعه .. كانت الظهيرة تقريبا !
"لم لانذهب في المساء جدتي ؟"
" فاطمة ..منى ستسافر في المساء ..هيا بلا كسل .."
"حاضر سآتي خلال ساعه "
"أسرعي إن إستطعت "
أغلقت الهاتف ووقفت لأستعد حينما رن الهاتف مرة أخرى
"جدتي سآتي الآن .."
"مرحبا .."
كان صوت سارة عبر الهاتف أفرحني كثيرا فلم أتواصل معها منذ شهر
" أين أختفيت أيتها المجنونة اشتقت إليك ,,"
" أنت تعرفين أين أنا .. ما أخبارك ؟"
قلت محاولة أن أبدو طبيعية " بخير .. كنت في الامس في زفاف منى ..و..في الصباح اتجهت لمقابلة عمل وقبلوا بي سأبدأ غدا بإذن الله "
"أخبار جيده فاطمة .. هل نزعت الجبيرة ؟"
" أجل منذ أسبوع تقريبا وأنت متى تعودين ؟"
"هذا ما اتصلت لأخبرك به ..سأتأخر في عودتي "
تنهدت حيث كنت أحتاجها بجانبي "سارة أرجوك ..لاتطيلي السفر .."
قالت سارة بهمة "انتظري ثلاث أسابيع وأبقى إلى جانبك إلى الأبد "
فرحت كثيرا وكنت قد نسيت أن موعد زواجها اقترب
" متى ستعودين ؟؟ هناك مواضيع أود أن أناقشها معك .."
"فاطمة هل هناك شيء خطير ؟؟"
"لا ...لاشيء خطير .لكن اشتقت إليك .."
قالت سارة "سأعود بعد عشرة أيام .. تقريبا .. فأنا الآن برفقة أمي في أحد أجمل المنتجعات في لبنان .."
قلت مندهشة "لن تجري عملية تجميل !! "
سمعت ضحك سارة عبر السماعه وهي تقول "أيتها المجنونة ولم سأجري عملية .. لست بحاجة لها "
قلت مبررة موقفي "أنت تعرفين أن معظم من يجرون العمليات لايشكون من شيء اطلاقا لكنهم يبحثون عن الكمال .. "
ردت سارة "لكني لست محتاجه إليها ... ولن أجريها .. فقط إسترخاء ونضارة البشرة فأنا عروس لاتنسي هذا .. أحتاج للإسترخاء ثم أنه الربيع والجو رائع .. "

"ساره لاتنسي أنك ستسافرين في شهر عسل "
"لا لن أسافر اتفقت مع محمد وهو لايستطيع السفر في شهر عسل .. سنقضي عدة أيام في دبي ثم نعود ..وقد نأخذك معنا "

"طبعا لن أرافقكما .. هل أنت جادة .. لا . لدي عملي ..لاأستطيع أن أجازف به أيضا لن تصدقي مدى الصعوبة التي واجهتني عندما سألوني عن سبب استقالتي .. أنا عن نفسي لا أعرف .. السبب فبقيت أتأتأ وأأكرر ضد .. أنا .. لم .. كان موقفا سخيفا "
ضحكت سارة وقالت " لم لم تجيبيهم لم يلائمني العمل ولم يلائم ووضعي العائلي ..ببساطة ولن يطلبوا منك أي تبريرات .. "
تنهدت " قلت شيئا مشابهها .. لكني أخفقت كليا في رسم انطباع جيد .. سأبدأ غدا وسأحاول أن أثبت أهليتي للعمل ..حتى يوقعوا عقدا معي "
قالت سارة "لاتخافي ستتحسن كل الأمور .. أنت جيده في عملك .. سأتركك الآن .. وعلى مايبدو أن جدتك تنتظرك ! "

"اوه ساره نسيت .. يجب أن أذهب لمنى برفقتها أكلمك لاحقا .. إلى اللقاء "
" في حفظ الله "
أغلقت الهاتف وقفزت إلى خزانتي لآخذ ملابسا أرتديها ولم أجد أفضل من تنورة سوداء بطبقات من الشيفوون وبلوزة بيضاء فرنسية مطرزة .. نظرت إلى خزانتي ببؤس . لم أتخلص بعد من ملابسي السابقة التي كنت قد أرتديتها عندما كنت سمينة .. لماذا ياترى ؟؟ لماذا أشعر بأنني أعود إلى تلك المرحلة قريبا !! يجب ان أضعها في كيس وأبعثها للجمعية الخيرية .. رغم أنني أشك أن هناك من سيرتديها من الفقراء ! فمن أين لهم بهذه الأرطال الزائده وهم يعانون الفقر ؟؟ هل سيستخدمونها كأغطية لهم ؟؟ أم مفارش للأسرة ؟؟ لابأس أسوأ الإحتمالات أن يرتديها عشرة أطفال فقراء معا ! يا إلهي ليس الأمر بهذا السوء !

إنها فقط أربعون كيلو جراما فقط ! ..


يا إلهي إنها وزن فتاة مراهقة !

أغلقت خزانتي وكان الرعب قد استبد بي ..لا لن أستعيدها .. سأعود للرياضة ونظام الأكل الصحي .. لن أفسد تعب الأشهر الماضية !
وضعت مكياجا خفيفا باللون الوردي ورفعت شعري رغم قصرة وارتديت حجابي وخرجت لأطلب الإذن من أبي لأرافق جدتي .. ولم يمانع .. وكنت قد أرجأت التفكير فيما قاله لي مبارك ! قررت أن أتصرف كأني لم أسمع شيئا ..ربما إذا تقدم لي فيصل خلال هذه الأيام سيرأف بي أبي ولن يقدمني ككبش إلى حسن الذئب !




-37-

كانت تبدو منى في حال افضل . جلست بعيدة عنها أراقبها من بعيد ..وأنا أفكر هل سأسبب لها التعاسة إن علمت بفكرة تقدم فيصل لخطبتي ؟ هل ستكرهني ؟؟ لكنها كانت في موقفي عندما خطبها فيصل وتخلى عن حمده حب الطفوله ..هل شعرت بالذعر مثلي ؟؟ ..كنت أجلس هناك هادئة .. أتت جدتي وقالت
" لنذهب يا فاطمة .. يجب ألا نطيل البقاء .. "
لم يكن قد مضى علينا نصف ساعه .. عندما عدنا إلى منزل عمتي .. ذهبت جدتي إلى غرفتها وإتجهت أنا إلى الحديقة .. كانت أزهار الربيع التي تهتم بزراعتها عمتي رائعه .. تذكرت قدومي إلى هنا منذ سنة ..
"فاطمة ؟"
نظرت إلى محدثي كان زايد ..
"زايد .. كيف حالك ؟"
"أنا بخير وأنت ؟؟ "
" بخير .. "
"هل رأيت عبدالعزيز ؟؟ "
هززت رأسي بلا .. قال مستئذنا " يجب أن أقله إلى المطار خلال ساعه ولا أجده "
"هل لديك رخصة قيادة ؟؟"
قال مبتسما "لا .. لكني أحتاج السائق للذهاب إلى المجمع التجاري "
ابتعد يبحث عن عبدالعزيز .. وبقيت أجلس هناك ... أحاول الإسترخاء ..
سمعت خطوات قريبه ابتسمت لمعرفتي بصاحبها ..
"سمعت من جدتي أنك حصلت على وظيفة "
" أجل .."
"لم تطيقي البقاء بلاعمل ؟"
هززت رأسي وأنا ألتفت إليه
"ستغادر طائرتك خلال ساعة .. زايد يبحث عنك ..."
كان يرتدي ملابسه جاهزا للذهاب قال " فاطمة .. أردت أن أودعك .. "
"لاتقل هذا الكلام .."
"لن تسنح لي الفرصة في العودة إلى هنا خلال السنتين القادمتين "
"وعمتي .."
أخفض رأسه وقال
"ستزورني أمي بين فترة وأخرى .. وصافية كذلك لقد وعدتني بذلك ..فشروط المنحه صعبة جدا "
جاء صوت عمتي من الداخل ينادي عبدالعزيز ..مد يده ليصافحني ..مددت يدي وقلت " في حفظ الله "
ترك يدي ودخل إلى الداخل وتوجهت بدوري إلى السيارة وعدت إلى المنزل ..
***************
في اليوم التالي توجهت إلى عملي الذي كان بسيطا .مقارنة بعملي السابق كانت السيدة شيخة هي مديرة المركز .. رتبت الفوضوى التي تكلمت عنها في ساعتين حددت المواعيد والجداول ورتبت الأوراق والإستمارات .. وخلال أسبوع وقعت العقد وكنت قد أحببت مكان عملي الجديد ..
لم أكون أي علاقات اجتماعية بالأخصائيات اللواتي يعج المركز بهن ..
كنت أكتفي بالتحدث مع السيدة شيخة .. أفكر أنني قد اعتدت ذلك مع عمي .. ألا أوجه أهتمامي لأي شيء آخر غير مديري الرئيسي ..
لم أكن أتوقع هذا الكم من الإستمارات التي تطلب مساعده المركز . وحمدت الله أنني لم أعين في الاستقبال حيث لايكف الهاتف عن الرنين أبدا ! كنت شبه سكرتيرة خاصة للسيدة شيخة وأعاون الإستقبال في ترتيب الإستمارات والمواعيد ..
"شيخة لقد احتكرت فاطمة لمكتبك فقط هذا ظلم ..نحتاج نحت الأخصائيات ليد اضافية "
تجيب السيدة شيخة بثقة على احدى الموظفات " علياء .. لن أكرر غلطة السكرتيرة السابقة حين كلفتها بمساعدتكن ..فاطمة جيده حتى الآن لا أريدها أن تستقيل بسبب كثافة العمل ! "
ابتسمت من تقييم المديرة الأولي عني ! .. فقررت أن أكرس نفسي لعملي .. سأذهب اليوم إلى مكتب عمي لأحضر بعض الأوراق .. وقد أرى فيصل! .
أخذت إذنا من المديرة وقالت " يجب أن تحضري الأوراق من المكتب يوم الأحد .أهذا يناسبك ؟"
قلت لها " ***** الله ...اليوم سأتوجه لمكان عملي السابق وأحضر باقي أوراقي . أراك يوم الأحد بإذن الله "
"مع السلامة ."
ركبت السيارة .. اليوم خميس .. يجب أن أتوجه بعد أن أخرج من ادارة عمي إلى مريم فلم أرها منذ أيام ..ولم ترني هي منذ اسبوع ..فعندما ذهبت إليها منذ ثلاثة أيام كانت نائمة .بقيت هناك لساعة كاملة أتكلم معها .. رغم أنها كانت في عالم آخر ..تكلمت معها عن عملي الجديد وتجاهل أمي لي .. رغم أنها كانت مغمضة عينيها لكنها كانت تفهمني .. كان التعب يبدو على ملامحها والشحوب ازداد أيضا ..
دخلت لمكتب مدير شؤون الموظفين وطلبت منه بعض الأوراق ..ولم يمانع وساعدني فورا .
توجهت لمكتب عمي قد أرى فيصل .. فلم أره منذ آخر مرة في المزرعه .وعادت إلى ذاكرتي تلك الرسالة الصغيرة ..((فيصل يتلاعب بك لاغير !)) ..
لم يتلاعب بي فيصل ؟؟ ومن هذه التي تعرف بمايدور بيننا ؟ ..

طرقت الباب
" السلام عليكم "
وقف فورا عندما رآني " فاطمة ..وعليكم السلام "
رفعت أوراقي وقلت " جئت لأخذ بعض الأوراق التي أحتاجها في مكان عملي الجديد . هل عمي موجود ؟"

كنت مرتبكة كثيرا .. فقلت جملتي بسرعه كان ينظر إلي بجدية
" عمي خرج لإحدى الوزارات .. "

عاد ليجلس خلف مكتبه هززت كتفي وقلت "حسنا .. سأغادر .."
فتحت الباب لأخرج ومئة سؤال قفز إلى رأسي ! أين وعدك بخطبتي ؟؟ أين حبك ؟؟ هل مللت مني ؟؟ هل صدي أبعدك بدل أن يجعلك تحترمني ؟؟ مالذي يحدث ؟؟

"فاطمة ! .."
إلتفت كأني غريق وجد حبل النجاة !
" نعم .."
"أريد أن أراك في المزرعة اليوم أو غدا.. سأكلم جدتي .. يجب أن أكلمك "

هززت رأسي وقلت وشبح ابتسامة ارتسم على محياي "سأحاول !"

خرجت ..وقد خمدت الأسئلة سأعرف كل شيء اليوم .. أو غدا..لكنني سأعرف .

طلبت من السائق أن يأخذني لبيت مريم .. وعندما أدخلتني الخادمة التي عرفتني توجهت إلى حيث غرفتها .. لكني وجدت ناصر في الخارج يقف ..
"السلام عليكم .."

"وعليكم السلام "
أردت الدخول لكنه قال " أنها نائمة .."
قلت بلهجة محايدة "متى تستيقظ ..أريد أن اراها .."
قال " أنها تنام طوال اليوم ولاتعي ماحولها .. لم تعد تستطيع التركيز . تستيقظ لدقائق ثم تعود للنوم .."
انقبض قلبي .. هززت رأسي وأردت الدخول لكنه قال " لا أنصحك .."
"ماذا تقصد ؟"
قال " أمي في الداخل .. وصدقيني ليس منظرا يستحب رؤيته "
تصورت مايقصد قلت هامسة " هل علمت ؟"
هز رأسه وقال " أجل أخبرها أبي صباح اليوم ..على العموم يجب أن تحصد مازرعت .."
لم أستطع منع نفي من السؤال " ماذا تقصد ؟"
"عندما تأزمت حال مريم منذ عدة سنوات طلب الطبيب منا جميعا أن نجري فحصا ليرى من يتطابق فينا مع مريم لكي يجري لها زراعة نخاع .. أجريت أنا وأبي الفحص ..ولم نكن نطابق مريم .. ورفضت أمي وشقيقاتي الجميلات هذا الخيار .. حيث انه عملية مؤلمة ومخيفة فطلبن من والدي أن يرسلها للخارج لتجد علاجا آخر ..رغم أن الزراعه كانت الأفضل .. سافرت مريم لسنوات .. عانت لسنوات وحدها ...عانت من انانية والدتي وأخواتي .. وهاهي أمي اليوم .. تبكي ماصنعته يداها .. "

عرفت الآن لم كل هذا الحقد وكل هذا الكره ! عرفت لم مريم تكره والدتها هل توجد أم بهذه القسوة ؟؟بهذه الانانية والجحود ؟ ..ولم أستطع منع نفسي ..فتحت الباب لاجد ام مريم تركع عند سرير ابنتها تبكي ..لم أتبين وجهها .. لكن وجه مريم كان شاحبا .. وابتسامة السماح تعلو شفتيها .. أغلقت الباب لأنظر إلى ناصر .. قلت بهمس
"اعتن بها .. فقد وجدت روحها السلام أخيرا .. "
"أنها تحتضر .."
"ربما .. وربما سترتاح قريبا ...."
خرجت من هناك والدموع تغسل وجنتاي .. أخيرا وجدت مريم ماتصبو إليه ..
ندم والدتها ..

انتظرت طوال اليوم اتصال جدتي ..لكنها لم تتصل ! على مايبدو أنها ستصطحبني غدا .. أخذت حماما سريعا وعندما خرجت .. رأيت أبي يجلس على سريري ينتظرني !





-38-
___

"مساء الخير يا أبي .. "
" مساء الخير .. يا فاطمة .. أبنتي كيف حالك .؟"
"الحمدالله ..وأنت "
هز رأسه "بخير .كيف هو عملك ؟"
نظرت إلى أبي مستغربة جلست بقربه بعد أن قبلت رأسه
"جيد طلبوا مني أوراقا من عمل السابق فذهبت اليوم لمكتب عمي لكنه لم يكن موجودا .."
لم يكن ينظر إلى عيني لكنه قال " رأيت فيصل ؟"
توقفت عن التنفس لدقيقة وقلت "أجل "
"ماذا قال لك ؟"
حاولت أن أتنفس بهدوء كي لايشك أبي بشيء فقلت " سألته عن عمي ولم يخبرني سوى أن عمي في احدى الوزارات ..ثم غادرت "

"هل بدا غاضبا "
"بدا عاديا وجديا كما هو دائما .هل هناك شيء ابي ؟"
"تقدم فيصل لخطبتك مساء أمس .."
توقفت عن التنفس وأنا أكاد أنفجر فرحا وأمنع ابتسامة واسعه من التجسد على وجههي .. لم استطع التفوة بحرف احتراما وحياء من أبي ..وفي داخلي ألعاب نارية ..لكن ..

"ورفضته .."

توقف كل شيء فجأة ..عقلي قلبي مشاعري حياتي حتى الألعاب النارية في داخلي تلاشت لم أعد أصدق ماقاله أبي لكني لم أنطق حرفا !
"فاطمة .. فيصل تقدم لخطبتك وهو يعلم انك مخطوبة لحسن .. "

أنا مخطوبة لحسن ؟؟ ..يا إلهي المفاجآت لاتنتهي !

" أبي .لم أكن أعرف أن حسن تقدم لخطبتي .."
كان كلامي همسا ..لايكاد يسمع ..قال أبي وهو يتجنب النظر إلي
"سأخبرك بما حدث وأريدك أن تفكري جيدا قبل اعطائي رأيك .."

"رأيي في ماذا .."
"سأخبرك يافاطمة ..لكن أسمعيني جيدا ..أنا لن أفرض عليك شيئا ..."
"حسنا أناأسمع .."

تنهد والدي وقال " عندما كان حسن يسكن معنا .. أتى ليخطبك مني .. كنت تعرفين من هو حسن ..الشخص العابث الفاسد المدلل.لم أكن أريده لك ..بعد مشاجرات كثيرة.. قال لي هل سأقبل به إن أصلح حاله وأثبت قدرته على التغيير .. طبعا لمعرفتي أن هذا الأمر مستحيل ..قبلت .."

توقف شعر جسدي من هول ما أسمع .. نظرت إلى أبي أنتظر سماع الباقي وأنا متأكده من أن رغبتي الوحيده هي الهروب من تلك الغرفة لكي لا أسمع شيئا !

"اختفى حسن .. رحل فجأة .. عده أشهر ثم رأيت أحد أصدقائي ..وحدث أن سألني عن حالة حسن .. وأخبرته أنه في حال جيده .أخبرني أن حسن حصل على وظيفة في مؤسسة حكومية حيث يعمل هو و أمنت له بعثة في أحدى الدول ..
هزني الخبر .. وعبر بعض المعارف تأكدت من الخبر .. وعرفت أن حاز على أعلى الدرجات في البعثة .. وأن جميع من معه رغم صغر فترة عمله يحترمونه ويقدرون اجتهاده .. هل لك أن تفهمي ماحدث ؟ .."
هززت رأسي وأنا اكتم دموعي .. هل فعلا تغير حسن لأجلي ؟؟ ..
نظر إلي أبي أخيرا وقال
" لقد أعطيت وعدا لحسن .. وحسن أثبت أنه تغير .. ثم تقدم عبدالعزيز ابن عمتك لخطبتك .. وأخبرته أنك قد خطبت لحسن وأني أنتظر عوده حسن قبل القيام بأي شيء رسمي .. سمع حسن بخبر تقدم عبالعزيز لخطبتك من أحد أشقاءك عبر الهاتف فعاد مسرعا من ايرلندا حيث كانت بعثته ....وكتب له أن يمر بما مر به ..الحادث وتبعاته ! "
تسارعت نبضات قلبي مع سماع كل ماقاله أبي .. لم أستطع أن أجد الهواء ...أصبحت أتنفس بصعوبة .. قال أبي وقد وقف ليخرج

"وعدت حسن ...وأثبت لي حسن صدق مساعيه .. وأنا الآن ممزق بين رغبتي في تزويجك لرجل مثل فيصل ..أو عبدالعزيز ..وبين شخص اعتل عقله بسببي .. فاطمة .. بيدك القرار .. هل تريدين أن تتزوجي بحسن ؟؟ هل تريدين أن يفي والدك بوعده ؟ .. أم ..ستختارين ان ترفضي هذا الزواج .. الأمر بيدك ..لن أرغمك .. وتشاجرت مع عمك خالد لرفضه أن يدفنك مع حسن .... أنه قرارك أولا وأخيرا .. ومهما قال لك عمك خالد ..ومهما وجه إليك من حديث .. تذكري أن حسن في حالته هذه بسببي .. ومن أجلك .. متى اتخذت القرار أبلغيني .. ..علما أن حسن سيعود خلال شهرين .. وأود كثيرا أن أكافئه ..أو أعوضه .. لاتعرفين مدى كرهي لنفسي
.لاتعرفين مدى التعب الذي ألم بقلبي من أجله .. لكن تذكري ..أنه أثبت استحقاقه لك "
وقف والدي وتوجه إلى الباب ليخرج .. فتح الباب مترددا .. ثم إلتفت إلي والدموع تترقرق في عينيه "يا ابنتي ..لا أريد أن أظلمك ..لا أريد أن أسبب لك التعاسة .."

ركضت إلى حضنه وأنا أبكي
"أبي ..لاتقل هذا .. لن تظلمني ."

تركني وتوجه إلى الخارج لأغرق في بكاء لانهاية له ..

***
مضت الساعات وأنا أبكي بيأس .. لا أعرف ماذا سأفعل ؟؟ هل أرضي أبي وضميري ... أم أرضي قلبي ؟؟ ... وأنانيتي ؟؟ ..
أصبحت كالمهووسة وتأكدت من أني أريد شيئا واحدا .. أريد سيجارة .. ارتديت عباءتي وحجابي على مضض وطلبت من السائق أن يذهب بي إلى الجمعية !

حملت بعض الشوكلاته و البطاطا والبيبسي ...ودسست بينها علبة سجائر وقداحة.. ثم وضعت علبة أخرى .. وأقراص نعناع ..شعرت أن المحاسب ينظر إلي نظرات إتهام .. حملت الكيس وغادرت بسرعه أريد فقط الوصول إلى المنزل ..
وبسرعه دخلت إلى الحمام وأشعلت السيجارة الأولى .. وانهرت في بكاء .. ثم مالبثت أن أيقنت مدى جنوني فكسرت السجائر ورميتها وخرجت .. ولجأت إلى الشيبس والشوكلاته لعلي أسكت الوحش الذي يزأر داخلي .. لكنه لم يسكت .. فوضعتها جانبا .. لا أعرف ماذا أفعل .. أريد أن أخرس روحي التي تصرخ ألما وظلما ! ..
رميت بجسدي على السرير واخترت أن أنام .. لعلي أستيقظ و أكتشف أن كل ماجرى مجرد كابوس ! ,,

***
كنت في الحديقة عندما جاء أخي سالم من الخارج .. كانت الساعة تشير إلى التاسعه مساء ..
"فاطمة .. مابك ؟"
"لاشيء .. سالم أريد أن أرى جدتي .. "
نظر سالم إلى ساعته وقال " ألايبدو لك أن الوقت متأخر ؟؟"
"أرجوك ! .."
" هيا .. سأوصلك ثم أذهب هل ستنامين هناك أم أعود لك ؟؟ "
" سأبيت هناك"
دخلت وأخذت مستلزماتي للمبيت ليلة واحده ثم استأذنت من أبي الذي لم يمانع .وقال قبل أن أخرج :
" فاطمة .. لاتفكري الليلة . أرجأي التفكير لوقت آخر .. "
هززت رأسي وودعت أبي .. الذي لاحظ الحزن على ملامحي .
دخلت إلى المنزل بهدوء وفتحت باب الصالة لاجد عمتي مريم تجلس أمام التلفاز .
"فاطمة .."
" مساء الخير عمتي ... أتيت للمبيت هنا لليلة إن كنت لاتمانعين ؟"
" طبعا لامانع لدي تعالي .. "
وضمتني ودعتني إلى الجلوس .. "أين جدتي ؟"
ابتسمت عمتي " لسوء حظك .. جدتك اليوم ستبيت في منزل عمك خالد .. "
ازدت حزنا .. فأنا أتيت لألجأ لحضن جدتي .. لكنها لم تكن موجوده ..
وضعت رأسي في حضن عمتي لتنزل دموعي بصمت .. وعمتي تمسح بحنان على رأسي ..
"قال لي أبي اليوم شيئا لن تصدقيه يا عمتي .."
" أخبرك عن حسن "
رفعت رأسي لأراها ,, أنها تعلم .. قالت تجيب على حيرتي " أتصل والدك منذ عشر دقائق وشرح لي مادار بينكما ,, لهذا فتحت الابواب وانتظرتك .."
عدت إلى حضنها أنظر إلى التلفاز حيث كانت عمتي تشاهد برنامجا دينيا ..
" أنا محتارة يا عمتي .. هل أقبل بحسن .. أم.. "
"طلبت منك ألاتصدقي ألاعيب فيصل ! "

-39-
وانجلت الغيوم !
_____


"أنت .. "
هزت عمتي برأسها وتعبير جاد على ملامحها ..
"ولكن كيف ؟؟ "
صبت لي عمتي كوب ماء وأعطتني إياه وقالت
" استنتاجات .. لاغير .. جمعت الأمور ..وخفت أن أنشغل بالحفل والزيارات بينما تتخذين القرار الخطأ ."
"لكن كيف عرفت .؟"
وقفت عمتي وقالت " زياراتك إلى المزرعه مع جدتك ووجود فيصل هناك في المرات الأخيرة ..عملك معه .. وآخر شيء .. مفاتحته لجدتك بشأن خطبتك في يوم زفاف منى ! "
لم أستطع التفوة بكلمة ..استطردت عمتي
" لم يكن بيدي سوى أرسال تلك الملاحظة لك لأكتشف من خلال ردة فعلك أن شكوكي صحيحة .. "

"لكنه لم يتلاعب بي .. أنه يحبني .."
هزت عمتي رأها ببطء وهي تنظر إلى عيني
" أنه ينتقم من حسن فيك ! "
قفزت الدموع إلى عيني " ماذا تقولين ؟؟"
جلست عمتي وأمسكت بيدي
"ربما هناك الكثير من الأسئلة التي تدور في رأسك .. فيصل أنسان رائع كل فتاة تتمناه .. لكن قلبه .. لايعرف التسامح ! "
ازددت رعبا .. هل كان فيصل يتلاعب بي ؟؟ .. وفضحتني نظراتي عندما قالت عمتي " أجل يافاطمة .. فيصل يمثل ! "
"لكن كيف ما أدراك ؟؟"
تنهدت عمتي وقالت " كان يأتي إلى هنا أسبوعيا .. لا ليرى منى .. بل ليغيض حمده ..منى لم تشعر بالاستقرار منذ البداية ولم تعجبها فكرة أنه خطبها انتقاما من حمده ..ومن خلال منى عرف أن عبدالعزيز تقدم لخطبتك وان أخي عبدالرحمن رفض لانه قد وعد حسن بك ! ومنذ ذلك اليوم لم يعد فيصل كما كان .. ابتعد عنها أكثر "

لم أستطع سوى البكاء قلت لعمتي بحقد " لا .أنه يحبني .. مستحيل .. أنت تكذبين لأنه خطبني ! "

لم أعرف في تلك اللحظة مدى غبائي ! … لكن عمتي بتسامحها الرائع احتضنتي وقالت وهي تهدئني " قد يكون أحبك .. لا أنكر هذا .. أنا لا أكرهك .. ولا أكرهه .. فأنتم جزء مني . لكني أريد أن تبدأي حياتك بطريقة صحيح .. لا أريد أن تنتهي في متاهات مظلمة من الحقد والرغبة في الإنتقام . لهذا .. "
نظرت إليها .. وقالت في ابتسامة صغيرة
" سأذهب غدا إلى المزرعه وسيكون فيصل هناك .. وسأتركما وحدكما .. وأريد منك أن تواجهيه .. وتذكريه أنك ابنة عمه .. ويجب أن يتذكر هذا .."

كان حنان عمتي يغمرني وحضنها وفر لي بعض السلام الذي فقدته نفسي .. قلت لها
" لكني لم أبين له مشاعري .. كنت حذرة في هذا المجال .. ولاأعرف كيف سأسأله .. إن كان يريد الانتقام من حسن عن طريقي .. ألايكفيه أن حسن الآن في حاله متدهورة ! "
قالت عمتي بهدوء " بالعكس .. إني أراه استعجل بخطواته ..لأن حالة حسن تحسنت كثيرا .. أصبح حسن أفضل حالا .. ربما هناك بعض المشاكل الصحية البسيطة .. ولكن الطبيب كان قد قرر أنه سيتماثل للشفاء خلال شهرين من بعد العلاجات الأخيرة .. الذي أزم حالة حسن كان الكسر الذي تعرضت له في جمجمته ..الاصابة كان سيئة لكنها لم .. لم تسبب له بضرر دماغي دائم وهذا هو المهم .. "

انتابتني حيرة الآن أكثر مما مضى ! هل من الممكن أن يكون هذا تمثيل ! كلماته الرائعه ؟؟ نظراته ؟؟ هل كان يعرف أن أبي سيخيرني بينه وبين حسن ؟؟ هل أفصح عن حبه لي كي أختاره ؟؟ كي أقع في حبه ؟؟ دخلت إلى الداخل .. وبلاشعور رفعت سماعة الهاتف لأطلب رقم مريم ..
لم يرن طويلا حيث ردت الممرضة وسألتها عن مريم .. وكان من حسن حظي أنها كانت مستيقظة ..
"مريم .. كيف حالك .؟"
كان صوتها تعبا .. " جيده .. سمعت من ناصر أنك مررت بي .."
" أجل .. كانت والدتك معك. فلم أرغب في مقاطعتكما .."
جاهدت مريم لأخذ نفس وكنت أشعر بصعوبة قدرتها على ذلك
" أجل .. وكنت محقة .. شعوري الآن أسوأ برؤيتها منكسرة .."
بدأت أصابعي في التعبث في سلك الهاتف الأسود .. أحاول عبثا أن أفرده .. بينما التعرجات تعود كما كانت كل مرة ..
"مريم .. هل سأختار أن أكون أنانية ؟؟ .."
" لم تقولين هذا يافاطمة .. "
" أنا بين خيارين .. أن أكون أنانية .. وأعيش حياتي .. وأرضي قلبي ,, أو أن أدخل في دوامة مجهولة لأسعد غيري . وأنا أعرف أني قد أبيع سعادتي "
صمتت مريم طويلا .. ربما غفت .. أو انتابتها موجة من الألم .. لكني كنت مستعده للإنتظار ! .. مستعده للبقاء ساعات كاملة على الهاتف فقط لأسمع منها كلمة ترضيني ... أو على الأقل تساعدني في اتخاذ قراري .. بعد دقائق .. قالت مريم في صوت ضعيف " فاطمة .. أريدك أن لاتنسي شيئا .."
"ماذا .."
" أنانية غيري هي ما أوصلتني إلى حالي هذه .. أنانية غيري هي من قتلتني .. "
انهرت في بكاء صامت .. وودعتها ,,, أغلقت الهاتف وعيني .. وأنا على ثقة أن غدا سيتضح كل شيء !!


****

ما أصعب تلك اللحظات .. والسيارة تسير بنا إلى المزرعه .. أشعر برغبة قوية في النزول والرحيل .. ما أصعب المواجهه . وما أصعب التفكير ماذا سيحدث وماذاا سيقول .. أتخيله يجلس هناك ينكر كل افتراضات عمتي بكل ثقة .. أنه أحبني رغم كل شيء .. ولم يفكر بالانتقام من حسن ..
كانت عمتي تجلس إلى جانبي ويدها تمسك بيدي ,, التفت أصابعها النحيلة حول أصابعي التي بدت قبيحه مقارنة بها ..
" ماذا سيحدث أن كان كل ماقلتيه صحيحا ؟؟"
" أتقصدين خداع فيصل ؟؟ "
أومأت برأسي .. قالت " بإمكانك التفكير في الزواج من حسن .. أو بإمكانك أن ترفضي ببساطة وتنتظرين أن يأتي نصيبك .. "
" هل كان عبدالعزيز يرغب في خطبتي فعلا ؟؟"
ابتسمت عمتي وقالت " عبدالعزيز كان يريدك لأنه رآى فيك انسانة حساسة وقلبا طيبا .. وكان قد عانى الكثير .. "
"لم لم يخبرني أحد ؟؟ .. لم أنا آخر من يعلم ؟؟ .."
قالت عمتي " فاطمة .. لو أخبرناك لعشت في حيرة لاتنتهي .. ووالدك لم يرفض عبدالعزيز بشكل مباشر .. كان يرجيء الأمر حتى يستشيرك .. ولكن حدث ماحدث لحسن .. فقرر عبدالعزيز ان يبتعد لثقته أن عقدة الذنب ستلازم خاله .. "

"لكن أبي لم يرغمني .."

" لكن أخي واثق انك لن تخيبي أمله .."

غضبت كثيرا " أين كان ؟ .. عندما أنظر إلى حياتي أجد الكثير من خيبات الأمل ولا أجده هناك ! .. أين هو من حياتي ؟؟ .. هل يستحق فعل أن أضحي بكل شيء ؟؟ أين كان ؟؟ .. أنظر إلى سنواتي الماضية .. ولاأجد له طيف .. أرى سنوات الوحده والألم والدموع لكني لا أجده . ماذا أعطاني لكي يطلب مني تضحية كهذه ؟"

قالت عمتي بهدوء " لاتقول هذا .. أعطاك الأمان.. المنزل .. المال .. الكثيرات ممن يتمن أن تكون لديهن حياتك .. الرفاهية التي تعيشين بها .. "

لم تقنعني عمتي قلت لها غاضبة " سأستبدلهن بكل هذا مقابل أب يأتي آخر اليوم ليناقش معي واجباتي أو يلقي تحية المساء ويسألني عن يومي .. أو يأتي إلى المدرسة ليوقف المعلمة عند حدها فلا تتخذني نكته يومية في صفها .. لم يكن هو أو امي بقربي .. كانت الجروح لاتنتهي .. وآلامي لاتنتهي .. وفروا لي الطعام لأكون سخرية الجميع .. حتى أمي التي هي أمي .. لاتكف عن السخرية مني .. والآن .. عندما أصبحت لا أحتاج لهما .. يطلبون مني التضحية بسعادتي وبحبي وبحياتي والزواج من ذئب كان يتربص بي كل ليلة تحت أعينهما ! "

الصدمة التي اعتلت ملامح عمتي جعلتني أهز رأسي لأؤكد لها
" أجل .. أجل .. عانيت الأمرين .. فلاتحدثيني عن خيبات الأمل .. لقد عشت الكثير منها .. لاتضرهما خيبة أمل واحده .. "

التفت إلى النافذه لأكتم دموعي التي ابت أن تسجن .. ووجدت نفسي أبكي بلاصوت .. أبكي كل شيء .. أبكي هذه الإنسانة المليئة بالحقد داخلي ! المليئة بالجروح ..والتي فاض بها الكيل ..

مدت عمتي يدها إلى كتفي . .. لكني لم ألتفت .. أكاد أسمع دموعها .. لكني لم أرغب في رؤية شيء ..
"فاطمة .. أنا آسفة .."
التفت إليها لأجدها تبكي .. ترثي هذه الجثة التي تجلس أمامها . لجأت إلى حضنها .. لم أبك .. لكني بقيت هناك حتى وصلنا إلى المزرعه ..

توجهنا في البداية إلى الجلسة التي توجد تحت أحدى الأشجار الكبيرة .. بقيت هناك أنا وهي .كانت سيارة فيصل وعمي خالد موجوده .. قالت عمتي
" سأذهب للإسطبل .. قد أجد عمك هناك .. "
غادرت عمتي وبقيت أنتظر .. ثم وقفت وقررت التنزه .. أحاول التفكير في طريقة أدرس بها أسئلتي .. ستجرحني فكرة أن فيصل يريد الانتقام لاغير ..
"مرحبا .."
إلتفت للخلف لأجد فيصل ..
"مرحبا ."
"ماذا تفعلين .."
" لاشيء .."
أشر إلى الإسطبل " تعالي ,, العمال غير موجودين ويجب أن أرتب الإسطبل .. "
تبعته بهدوء كان يرتدي ثوبا شتويا أسود ونظارة شمسية .. وقبعة رياضية .. تبعته ببطء .. ووقفت عند مدخل الاسطبل بينما كان ينقل بعض الاكياس ويرتب مكانها ..
" قال لي أبي أنك تقدمت لخطبتي . .."
توقف فجأة .. وجلس على أحد الأكياس ..
"هل أخبرك أنه رفضني ؟"
" أجل .."
رغم التوتر الذي احتل قلبي .. وقفت ببرود محاولة عدم اظهار أي رد فعل غريب !

قال وهو لاينظر إلي " وأنت ما رأيك ؟"

حاولت التظاهر بالثبات " يعتمد .."

"على ماذا يعتمد ؟"
"على إجاباتك على أسئلتي .."
صمت ورفع يده تلقائيا ليحك جبهته وذقنه ثم بدأ في تنظيف الغبار من على ثوبه .. وقال أخيرا " يبدو أنهم أقنعوك .."
ثم شبك أصابعه معا ونظر إلى أكياس الشعير مرتبكا
"أقنعوني بماذا يا فيصل ؟"
وقف واقترب مني وكان أطول مني بكثير " أقنعوك بأني أريد الإنتقام من حسن ! "

"وأليست هذه الحقيقة ؟"
تردد في البداية ثم قال "ربما في البداية .. لكني أحببتك فاطمة .. أنا أحبك .. كنت في البداية أفكر في الانتقام من حسن ..لكن كلما عرفتك أكثر كلما تغير إحساسي تجاهك "
صدمت كثيرا .. إنه يعترف .. سألته وأنا أحافظ على ثباتي
" ماذا فعل حسن لينسيك أني ابنة عمك ..وأني أنسانة لديها مشاعر لامجرد وسيلة للإنتقام .. "
"حسن .. أفسد حياتي .. انتقص من رجولتي أمام حمده لينهي حبا عمره ثمانية أعوام .. أفسد سمعتي بين الجميع .."
"لماذا ؟؟"
"لأني رفضت في يوم من الأيام ..رفضت أن أسلك سلوكه وأن أكون صاحبه في سفره ومجونه ! .. "
كان يعترف أخيرا .. لكن كان كل مابي ينتفض ..
" وأنا ! "
لم يتكلم ..كأنه يقول لي أجل .. أنت لاشيء ! لم تكون شيئا بالنسبة لي ! .. سوى وسيلة انتقام .. سألته مجددا " وأنا .."

" كنت أعرف مدى تعلق حسن بك .. أردت أن أرد له الصاع حين ترفضينه لأجلي ! أريد أن يعرف أن الإمرأة الوحيده التي بذل كل شيء لأجلها لاتحبه ولاتريده ..بل تريدني أنا .. وتحبني أنا .. "

كأن عشرات السكاكين إخترقتني مرة واحده .. والحب الذي كنت أحمله لهذا الرجل انقلب إلى بغض وحقد .. كان يتلاعب بي ! ..
أكمل قائلا " لقد رفضني عمي .. وحطم كل أحلامي .. فاطمة ..في البداية كنت هكذا لكني الآن أحبك .. "

"ألم يكفيك ماحدث لحسن ؟"
"أنت لاتفهمين .. أن ترفضك أمرأة .. هو إهانة لكرامتي . .."
" وأنت لاتفهم .. أنك .. نسيت أني ..ابنة عمك ! "
"فاطمة .. أرجوك .. لاتفهميني بشكل خاطيء .. أرجوك .."

"فات الآوان .."

"فاطمة أنا أحبك ..أرجوك .."
" لا فيصل .. أنت لاتحبني ,, أنما كنت تستغلني .. أنا كنت أحبك .. كنت أحبك رغم كل شيء .. كنت .."

التفت لأخرج لكنه أسرع وقال " لاتتخلي عني .. سأسعدك .. سأتحدى الجميع لأجلك ..أرجوك فاطمة ...أرجوك .. أنت تحبينني أليس كذلك ؟"
" لايافيصل .. كنت أحبك .. وانتهيت من هذا الحب .. كنت مخطئة .. أتمنى أن تكون آخر مرة آراك فيها يا فيصل ..."

خرجت من هناك ممزقة .. خرجت أنزف .. وكنت قد قررت أن أمزق صفحة فيصل من حياتي .. ولن أبك بعد اليوم أو أفكر في هذا الإنسان ..

******************

توجهت إلى المصمم لأضبط فستاني .. فلم يبق على الزفاف الكثير .. أسبوعين ..
لم أفكر في شيء طوال اليومين الماضيين ..منذ تركت فيصل في المزرعة .. كان قراري نهائيا .. لايستحق دموعي ولايستحق وقتي الذي ضيعته في التفكير به .. أجل كنت أحبك .. لكنك قتلت هذا الحب ..
خرجت من هناك لأذهب إلى منزل عمتي التي استقبلتني بالأحضان ..
"فاطمة .. كيف حالك ؟"
"بخير وأنت كيف حال منى ؟"
" تكلمت معها مساء الامس و واخبرتني انها سعيدة .."
"جيد .."

جلست علىأحدى المقاعد وأنا أتنهد .. رميت بحجابي حيث كنت منذ الصباح في الخارج ..

قالت عمتي " فاطمة لن تصدقي من جاءني اليوم يطلب مساعدتي ,,"

"فيصل ؟"

"أجل .. "
"ماذا قلت له ؟"

كانت عيني عمتي تحوي قلقا غريبا " بل إسإليني مالذي ماقاله لي "
ترددت لدقيقة في سؤالها . حيث كنت قد قررت أن ألا أسأل عنه أبدا .. لكني سألتها

"ماذاقال ؟؟"

"طلب فرصة .. فهو فعلا يقسم أنه يحبك ...وسيفعل كل ماتطلبين ..سيعتذر من حسن ..وسيعتذر منك .. "

عادت بي ذاكرتي إلى تلك اللحظات حينما كنت أحبه من طرف واحد .. حين كنت أتمنى فقط أن ينظر إلي .. واليوم .. يريد حبي ! مايسيئني أكثر هو أن مابداخلي من مشاعر أصبحت باردة ! اكتساها الصقيع ! لم أعد أتلهف كالسابق ! .. لم تعد هناك أي مشاعر ! .. فكرة أنه كان يتلاعب بمشاعري ويستغلني قتلت كل شيء ..
وكنت قد أخذت كفايتي من الآلام على مر السنين .. نظرت إلى عمتي وقلت لها

" أخبريه أن ينسى أن له ابنة عم إسمها فاطمة .. "

الآن يجب أن أفكر هل سأقبل حسن أم أشتري سعادتي .. ووالدي ترك لي الوقت كي أفكر ..

تحدثت عمتي عن أشياء كثيرة أخرجتني من سوداوية أفكاري .. وعندما عدت إلى المنزل كنت قد تعبت كليا ,,

-40-
الرحيل .....
____



لم يبق شيء .. أسبوع وتأتي صديقة عمري سارة إلى هذا المنزل .. كنت قد تأقلمت أكثر مع عملي .. كنت أرى محمد يجتهد في تجهيز قسمه بذوق رائع وكنت لا أمانع في الذهاب معه لإختيار بعض من القطع الفنية لتزيين قسمه ..
"تعالي .. لنشرب قهوة ."
أمسك بيدي وفرحت لأنه فعل هذا ..فلانجد أخ يقبل أن يمسك بيد أخته في مجمع تجاري ضخم ..
"محمد .. هل أنت سعيد ؟"
كانت الكابتشينو أمامي قد شكل رغوة رائعه بينما اكتفى محمد بقهوة تركية معها قطعة من راحة الحلقوم ..
" أنا سعيد أجل .. لا أصدق متى ينتهي هذا الاسبوع لأرى سارة .. "
ابتسمت .. سارة انسانة رائعه حساسة .. تستحق السعاده ..
" هل نخرج ؟"
" لايعني أنك أنهيت قهوتك أنني أنتهيت من الكابتشينو .. لننتظر دقيقة .."
دفع الحساب وقال " أخبرتني سارة أنك في حمية دائمة .."
ضحكت للتعبير .."حمية دائمة ؟؟ .. ربما .. "
وسرحت لدقيقة لأفكر .. هل ياترى سأبقى لآخر عمري أحاسب في كل وجبةأتناولها ؟؟ أليس هذا متعبا ؟؟ كأني آخذ الدواء لآخر عمري .. حيث سيستبد بي ألم الجوع معظم اليوم ..

"لنذهب "

قلت هذا وأنا أتحسر على نصف كوب الكابتشينو الذي تركته .. دخلنا إلى عده محال أثاث .. وأخترت عدة قطع رائعه .. ثم خرجنا لأحد محلات العطور .. لأختار تشكيلة ضخمة من أرقى العطور كهدية من محمد لعروسة .. وضعتها البائعة في سلة رائعة .. ثم توجهنا إلى محل مجوهرات ليختار محمد طقما جميلا لسارة وأخترت لها هدية بدوري واشتريت خاتما لأمي وطقم ياقوت لي ليناسب ثوبي الأسود ..

"محمد عدني بشيء واحد .."
" بماذا ."
" أن لاتهمل سارة أبدا ! "
"أعدك .."

*****************

كانت مديرتي السيدة شيخة سيدة في قمة أناقتها وقمة الأخلاق الرائعه.. كانت تساعد الناس دائما .. لاتهمل مكالمة واحده أو أي حالة تطلب منها المساعده ..رغبتها في مساعدة الناس كانت من أهم أولوياتها ..
كنت قد دخلت لأعطيها أجندة اليوم بينما كانت تتحدث مع إيمان الموظفة البسيطة
"سأذهب معك ..لقد عرفت إحدى بناتها في الجامعه .. لم أكن أعرف أن لديهن شقيقة أخرى "
قالت السيدة شيخة " وأنا كذلك .. لطالما كنت ألتقي بها في مناسبات إجتماعية كثيرة لم أكن أرى سوى بناتها الثلاث وكن من أجمل ما رأت عيني وقد زوجتهن لأفضل العائلات .. لم أكن أعرف أن لديها بنتا رابعه ! "
قلت " أجندة اليوم أستاذه شيخة .."
"فاطمة أخبرتك أكثر من مرة أن تناديني بأم فهد فقط .. لا أحب الرسميات .."
ابتسمت وأعطتني ملفا لأعيده إلى موظفة أخرى ..
" مسكينة .. يقولون أنها انهارت لوفاة ابنتها .. "
فجأة وقفت .. التفت إلى مديرتي وقد انتابني الرعب
"فاطمة مابك ؟"
"ما اسم ..ما أسم الفتاة .."
"أي فتاة يا فاطمة ؟؟"
كنت أرتجف وأتمنى أن يكون استنتاجي خاطئا "التي تتحدثون عنها ."
"مريم .. "
وقبل أن تنطق بحرف آخر تصلبت يدي وسقط الملف من يدي .. ولم أعد أرى شيئا !


"فاطمة .. فاطمة .. "

فتحت عيني لأواجهه الحقيقة .. لقد رحلت مريم .. رحلت عن هذه الدنيا ! وآخر مابيننا كان أتصال ! انشغلت عنها هذا الاسبوع ولم أزرها ..

"فاطمة يا ابنتي استهدى بالله .. الموت حق علينا .. لاتبكي .."
لكني لم أستطع .. كنت ابكي رغما عني ..انهرت في نشيج ونحيب لا إرادي ..
مريم قطعة مني .. وقد غابت عن هذه الدنيا ! ..

أمسكت بيد السيدة شيخة وقالت تهدئني " هل كنت تعرفينها ! "
هززت برأسي .. وكانت الموظفات قد اجتمعن حولي ليهدئن من روعي ...
"هي صديقتي منذ الطفولة .. وكانت مريضة بسرطان الدم .. آخر مرة تحدثت إليها منذ أسبوع ..وانشغلت .. ورحلت دون أن أراها ! "
كانت صورتها آخر مرة حينما كانت تبتسم وهي تسامح والدتها لاتفارق خيالي .. أصبحت أتذكر اللحظات التي جمعتني بها .. تذكرت عندما كنا عند البحر أنا وهي وسارة .. لم أستطع كبح دموعي .. قالت السيدة شيخة
" سنذهب للعزاء بعد قليل .. هل ستذهبين معنا ؟؟"
هززت رأسي .. سأذهب معهن .. فقط لأودع مريم .. رغم أنها لن تكون في المنزل لكن يجب أن أودعها ..


في سيارة السيدة شيخة أتجهنا إلى منزل عائلةو مريم .. كانت الكثير من السيارات تقف أمام المنزل .. دخلت بهدوء وجدت شقيقاتها يجلسن هناك والدموع تغمر عينيهن والندم والحزن رسم على ملامحهن بإتقان .. قدمت التعازي وبقيت أنتظر لدقائق .. ثم توجهت إلى غرفة مريم ..
وصدمت عندما رأيتها هناك بحجاب الصلاة تبكي وتصلي .. كانت والدة مريم أم ناصر لاتكف عن البكاء .. اقتربت من السرير الابيض .. نظرت حولي .. لاشيء غير رائحة المعقمات .. وضعت يدي على السرير .. أريد أن أتذكرها .. إلتفت إلى أم ناصر التي لاتكف عن الصلاة والبكاء .. دخلت مها برفقتها سارة إلى الغرفة .. بكيت في حضنهما وكانتا مصدومتين .. قالت سارة
" كيف ولم لم تخبروني .."
قلت وأنا أمسح دموعي " كانت مريضة باللوكيميا لم أستطع اخبارك .. لكنها ارتاحت الآن .. فلندع لها بالرحمة .."

خرجت من هناك برفقة سارة ,,وكان قد اتضح كل شيء بالنسبة لي ..يجب أن يفعل المرء كل مابوسعه ...

توجهت وأنا مع كل خطوة أخطوها أفكر أكثر .. وأخيرا .. طرقت الباب ...

"فاطمة ؟؟"

نظرت إلى ملامح ابي المندهشة من دموعي ..
" لقد قررت....سأتزوج حسن ..."

********************

توقعت أن يفرح أبي بهذا الخبر .. لكنه لم يبد سوى الحزن .. هز رأسه وقال
"سنتحدث لاحقا ..إذهبي لترتاحي الآن فقد كان يوما صعبا .."
توجهت لغرفتي وكنت قد يأست من كل شيء ! ,,,

*********
" آنسة فاطمة .. أنت لاتركزين .."
"ماذا ؟"
نظرت إلى محدثي .. كنت قد غرقت للتو في أحلام اليقظة .. ..
"يجب أن تتبهي .. .."
هززت رأسي .. حاولت التركيز .. كان المدرب يبذل جهدا معي وأنا أسرح كثيرا ..
تذكرت كلمات سارة " يجب أن تعتمدي على نفسك .. "
كان أول درس في تعلم قيادة السيارة .. بعد غد زفاف سارة .. وكانت الايام الماضية كئيبة إلى حد أنني لم أخرج من غرفتي .. كنت قد أخذت اجازة من عملي لمدة أسبوع .. نسيت كل الترتيبات التي كلفني بها محمد فإضطر أن يقوم بها بنفسه ..ومن ثم اضطر سائقي للسفر فجأة .. ولم يستطع أبي أن يوفق بيني وبين جدول سائق امي ..وهو وأشقائي ليسوا متفرغين أبدا لأخذي وإحضاري ..فكانت فكرة عمتي أن أتعلم القيادة ..
"آنسة فاطمة .. هل سمعتني ؟؟"
نظرت إلى المدرب الذي اجتاحه الزمن بشكل مخيف .. فكانت التجاعيد ترتسم على وجهه بكثرة .. ولا أسنان لديه .. وتبقى شعيرات معدودة في رأسة الامع ! ..
"أجل .."
لم أعرف ماذا كان يقول .. وجودي هناك لم يكن شيئا برضاي .. فلم أحبذ فكرة قيادة السيارة مطلقا .. لكن لم أستطع مقاومة عمتي التي أخبرتني أنه أفضل من الركوب برفقة شخص غريب لا أعرفه ..ليس كسائقي السابق الذي كان يعمل لدى والدي منذ عشر سنوات ..
وقفت في الخارج أنتظر سائق أمي ليمر بي .. لكنه لم يأت .. فبقيت أنتظر في يأس ..
لمدة ساعة ونصف ...ثم أمسكت بهاتفي واتصلت بأول رقم
" مرحبا فاطمة .."
"ابراهيم .. انني أنتظر منذ ساعة ولم يأتيني السائق ,,وتعبت الوقوف هنا .. "
"أين أنت ؟؟ "

*********
خلال عشر دقائق كان ابراهيم ترك عمله وظهر أمامي بسرعه ..
"سأؤدبه هذا الملعون .. "
" لابأس يا ابراهيم .. لم يحصل شيء .."
"إلى البيت ؟"
هززت برأسي , فلا أريد سوى الوصول إلى سريري ,,
" سآخذك للغداء .. "
" وعملك ؟"
" لابأس .. غادرت مبكرا .. فليس لدي مزاج للعودة .."
دخلنا إحدى المطاعم .. وطلب لي ابراهيم بذوقه وجبة لذيذه .. احترت كثيرا هل أسأله ؟؟ كان يجلس مرتديا ثوبا أبيض تناسق بشكل غريب مع بشرته السمراء ..كانت ملامحه الحاده تعكس شخصية حادة الطباع ..لكن لديه أطيب قلب وأصفى اخلاق ...فقرت أن أجازف ..
"ابراهيم ماذا تعرف عن حسن ؟"
هز ابراهيم كتفيه ببساطة "ليس الكثير .."
"هل لديك فكرة لم يريدني أنا بالذات ؟؟"
عبث بالشوكة التي أمامه وارتسم تعبير غريب على وجهه .. شعرت أنه يحاول أن يخفي شيئا ..
" قل لي أرجوك .."
" ماذا تريدين كتحلية .."
أمسك بالقائمة وقلب بصفحاتها ..لم أمنع نفسي من الغضب
"لم لاتخبرني ؟؟"
قال بهدوء " بعد أن نتناول التحلية ,,آيس كريم ؟؟"
هززت رأسي ..وأمسك القائمة وقال "ساعود الآن "


"آيس كريم بالنعناع ؟؟"
كنت أنظر إلى ما أحضر لي كتحلية ! ,, بينكما أحضر لنفسه قطعة كاتوه رائعه ..
" التغيير جميل .. "
كان أيس كريم أخضر اللون في كأس ذات قاعدة رفيعة .. لم أتشجع لتناوله .. أمسكت الملعقة وكرهت أن أفسد الشكل الدائري الجميل ..
"ماذا تريدين أن تعرفي .."
" أريد أن أعرف لماذا أنا .."
" أنت ابنة عمه الوحيده كبداية .."
لم تكن اجابة سيئة ! ,,
أخيرا تجرأت وتذوقت الآيس كريم .. كان طعمه غريبا ..لكن ليس سيئا .. ومع كل ملعقة اعتدت الطعم فأنهيته كاملا ..
" وكإجابة صادقة ؟"
كان يتلذذ بقطعته وقال " لا أعرف .. تقريبا شخصية حسن متقلبة ..لكن سبب تعلقه بك ..ليس لدي أدنى فكرة . أسأليني ماتشائين عنه .. وسأحاول أن أجيبك ."

"أين هو الآن ؟"
"في الإمارات.. على ما أعتقد ..سيأتي خلال شهرين او أقل ..لم لاتسأليني عمره ..مؤهله الدراسي ..عمله .. أخلاقه .. لا أراك مهتمة إطلاقا "

لم أكن محتاجة لأسأله .. أعرف أنه كان فاسد أخلاقيا ..مسبب للمشاكل كبداية ..ومؤهله الدراسي لايتعدى الثانوية العامة .

******
-
بنت القلعة
بنت القلعة
41-

انتهيت من صلاتي ونزلت مسرعة لأرى أخي قبل اختفاءه ..

"محمد ...محمد .."
ركضت إليه وعانقته وأنا سعيده وأضحك "مبرووك..مبروك .."
ولم أستطع كتم دموعي .. كان مبارك يقف هناك وقد بدت في عينيه نظرة غريبة ..لم أفهم ماهي .
" اهدئي فاطمة اهدئي .."
"هل ستخرج ؟؟"
هز رأسه وهو يمسك بيدي ونحن متوجهين لتناول الغداء في الصالة
" بعد أن أتغدى لن ترينني حتى الساعة السادسة .. سآتي لتبديل ملابسي .."
"سأبخرك بنفسي .. كيف حالك مبارك؟؟ أين منال وامي ألن تتناولا الغداء ؟"

جلس مبارك لتناول غداء ه وقال " ريجيم .."
ضحكت .. "لكن اليوم هو العرس , كم ستخسران قبل الحفلة !رطل ؟؟ "
قال مبارك " أنت أعلم ."
قال محمد "مبارك ..مابك ؟"
"لاشيء .."
لم أحبذ طريقته في الرد على أسئلتي .. هل هو يغار ؟؟ لاني لم أكن موجوده في زفافه ... نظرت إليه مبتسمة ..وكأنه خجل من أسلوبه معي وقال
" آسف .."
ذهبت وقبلت رأسه وأنا فرحه وضمتته رغم ملعقة الطعام التي في يده
" لا .. أنا آسفة .. "
بريق عينيه كان يفيض بالأمتنان .."آسفة لأني لم أكن هناك .."
ابتسم .. وقال مداعبا "عودي لتناول الطعام ... "
جلست بينهما .. وحاولت أن أخلق جوا مرحا
"محمد ماشعورك اليوم ؟"
سرح محمد قليلا ثم قال " لاشيء ...لاشيء يصف مدى فرحتي .. "
قال مبارك مازحا "صدقني .. ستنسى هذه السعاده في غضون سنة .."
صمت بينما تابع الجميع تناول غداءهم وهم يضحكون .. ويطلقون النكات حول الزواج وفكرة أنه سجن ومشاكل لاغير ..
قال مبارك " اوه ..لن تنتظر طويلا حتى يبدأ النكد .. وأريد هذا وهذا وتلك فعلت هذا وأنا لست أقل منها وأريد الذهاب للمكان الفلاني ..أريد السفر في الصيف و و و ..لاتريد شيئا سوى الترفيه ! "
ضحك محمد ولم يعلق لان سارة ليست كمنال ! وأنا متأكده من أنه يفكر هكذا .. لأنها تخلت عن شهر العسل لأجله ! ..

قبلت محمد وتمنيت له السعاده وذهبت لغرفتي لأجهز نفسي .. ستأتي المزينة بعد دقائق .. كانت قد نصحتني بها السيدة شيخة وقالت انها رائعه .. نظرت إلى فستاني الأسود ذو الاطراف المذهبة .. كان رائعا وخصوصا أنني خلال هذا الاسبوع ازددت خمس كيلوجرامات أعطتني امتلاءا جميلا ..
تذكرت مريم .. وفقدت كل رغبة في الاحتفال ..طلبت لها الرحمة ..وذهبت لأستحم ومن ثمن آخذ قسطا من الراحة حتى تأتي المزينة .

***
كنت أتجول بين الضيوف وارحب بالكل وأتأكد من الضيافة ستأتي المطربة خلال ساعة وسأتفرغ للرقص مع مها التي كانت رائعة .. لأول مرة بنات عمي خالد لسن في كامل أناقتهن .. وجلسن على إحدى الطاولات وعلامة الملل تغزو ملامحهن .. كذلك منال التي حاولت من خلال فستان أخضر ليموني أن تكون في كامل أناقتها ..
وملأت وجهها بمساحيق التجميل .. وكذلك شقيقاتها اللواتي يتجولن ويتصرفن بسوقية كبيرة ..
كانت مها تبدو رائعة بفستانها الأزرق الفيروزي وشعرها الكستنائي الذي أسدلته على كامل ظهرها ..
أما أنا ..فلازلت غير مصدقة للمسات المزينة التي وضعت لي مكياجا رائعا بلمسة محترفة شعرت أنني كإحدى تلك الفنانات .. ولمسات اللون الذهبي كانت رائعة ..وقصت شعري قصة رائعة أعطتها منظرا آخرا .ووضعت له اكسسوارا غريبا ..كان منظري لأول مرة .. رائع !

كنت أتجول بين الضيوف عندما رأيتها وصدمت لرؤيتها ..
" بنة؟"
كأنها تحاول أن تتهرب مني " أجل .. وصلتني دعوة من سارة .."
إن سارة لاتعرف ما أعرفه .. لاتعرف أن وجود بنة اليوم ..خطأ ! ..
"كيف حالك ؟"
" بخير .. "
نظرت حولها كانت تجلس إحدى شقيقاتها فقط .. نظرت إلى أصابعها أبحث عن خاتم ؟؟لم أجد!

"ألست مخطوبة ؟؟"
هزت رأسها بلا .. وحاولت أن تبتعد عن اختها وهي تهمس " لم أكن يوما "
"لكنك قلت لي .."
"كنت أريد التخلص من ابراهيم ! "
كم كانت وقحة بجرأتها تلك ! ... كم كانت وقحة وهي تخبرني أنها كانت تلعب بقلب أخي .. همست والغضب يملؤني " أكنت تكذبين ؟"
قالت " كان سيصل الامر إلى الزواج ..وهذا مستحيل .."
"لماذا ؟"
" كنت ألهو .. لاغير .. كان لعبة ..فهو لم يكون نفسه وليس الشريك المثالي "
غرزت أظافري في كف يدي لكتم صرخة كره احتلت أحبالي لاصوتية ..
" أخرجي من هنا .. أخرجي قبل أن أن ..أصرخ وأمزق وجهك .."
فتحت فمها قائلة " ماذا لن تجرؤي .."

" أخرجي قبل ان أصرخ وأطلق كل الشتائم التي أعرفها وأجعل منك قصة تتناقلها كل مجالس الدوحة "

استغربت من أين واتتني الشجاعة لكني أعرف أني في تلك اللحظة كنت سأفعل ماقلت إذا لم تخرج ..
عادت لطاولتها وارتدت عبائتها وسحبت أختها خارجا وهي تخرج هاتفها لتكلم أي شخص ليصطحبها ..

عدت لقرب مها التي كانت تتفرج على مادار بيننا " مابك ؟؟ "
"لاتسألي "
" من تلك التي غادرت ؟؟"
" انسانة حقيرة .. لا أريد أن أفسد مزاجي في التحدث عنها "

****

كان دخول سارة من أجمل مارأت عيناي .. كانت تبدو مذهلة ... خوفها وتمسكها بيد والدها ... ووالدتها على الناحية الاخرى ..جعلني أتوجه إلى أمي لأقبلها وأبارك لها .. وهي خلف غطاء وجهها قبلت رأسي واحتضنتني . كانت جدتي تقف بعيدا .. تبتسم ..لكن آثرت أن أبقى قرب أمي في هذه اللحظة ..

"مبروك ."
"فاطمة تبدين رائعة .."
أمسكت بيد سارة والسعادة لاتسعني .. قالت ونظرة حزن تملأ عينيها
"كرهت أن أحتفل بزفافي ومريم لم يمر اسبوع على وفاتها .."

" سارة .. في لحظتك الرائعة هذه يغلبك الحزن ؟؟ لماذا ؟ .. أنا متأكده من أن مريم كانت لتفرح لك كثيرا .. وهي الأن مرتاحة أكثر .. "

قالت سارة " كنت أريد لهذه اللحظة ان تكون كاملة . لكني سأبقى دائما أفكر أنني ذهبت إلى عزاء مريم في نفس الاسبوع الذي تم فيه الزفاف ..كأنني أحط من مكانها في حياتي بالاحتفال بزفافي بعد هذا الوقت القصير "

"سارة .. فكري ان مريم ارتاحت أخيرا ..فقط فكري من هذا المنظور لاتحزني ..فماهي الحياة إلا فرح وحزن .. "
لا أعرف ماكنت أنطق لأواسي سارة .. وكنت أرغب في أن أجد أي شخص يواسيني ..لأخرج من قناع المتماسكة والقوية أمام سارة .. فهي لم تر مريم في ايامها الاخيرة ..ولم تعش معاناتها مثلي...

توجهت لجدتي "تبدين رائعة يافاطمة .."
"جدتي العزيزة أين كنت لم أرك منذ وقت طويل "
" انشغلت بمواعيد الطبيب يا ابنتي .. "
خفق قلبي بسرعة وفكرة أن يغيب الموت جدتي زرعت الرعب في قلبي وروحي وعقلي وبان ذلك على ملامحي حيث حاولت جدتي تهدئتي " لاتخافي فحوص روتينية .. أنا بخير .. كيف حال سارة ؟"

ابتسمت محاولة أن أسترجع نفسي الذي غاب " بخير ..حزينة لكنها بخير "
كنت أنظر لهاوأنا أقف هناك أتكلم مع جدتي ..
" لا ألومها يا ابنتي .. أخبرتني عمتك بوفاة مريم رحمها الله .. كانت انسانة محترمة .. وذات أخلاق عالية "


عدت تلك الليلة. وكنت منهكة من الرقص والحفلة .. وسعيدة وحزينة ومكتئبة .. كل المشاعر تنتابني في وقت واحد .. قررت أن أستحم .. ومن ثم توضأت وصليت ركعتين وقرأت ماتيسر لي من القرآن لأهدأ به نفسي .وهدأت أخيرا ..سكن مابي من اضطرابات .. واكتشفت أنني منذ خروج جدتي من المنزل وأنا أهمل جلسات قراءة وترتيل القرآن ... استغفرك يالله وأتوب إليك أني كنت من الظالمين ..


*-42-

"صباح الخير "

"صباح الخير أم فهد كيف حالك اليوم ؟؟ "

وضعت ام فهد شنطتها جانبا وقالت " يبدوأنك تحسنت كثيرا .. أعذريني لعدم حضوري زفاف أخيك .أضطررت للسفر مع اطفالي .. "
وضعت الملفات أمامها وانتبهت أنها بقيت بعباءتها ..
"ستخرجين ؟"
" أجل لدي زيارات لبعض المنازل التي تطلب المساعدة مع الاخصائية الاجتماعية .. لا أحب هذه الزيارات لكنها شر لابد منه "

استغربت "لكنك المديرة .. بإمكانك الاعتذار عن الذهاب "
قالت وهي تقلب الاوراق بإهتمام " لدي الخيار بألا أذهب .. لكني لا أطمن خصوصا أن الاخصائية المسؤولة قد غابت اليوم .. ومعظم الموظفات قد وضعن الشروط بعدم الذهاب في زيارات منزلية .. ولايوجد غيري وغيرك وان تطوعت للذهاب .. سأكون شاكرة كي لا ألغي مواعيدي فلدي اليوم موعد مع رئيسة أحد أهم المؤسسات الاجتماعية التي تعبت حتى عينت معها موعدا .. "

"لامانع لدي من الحلول مكانك .."
نظرت أم فهد إلي وقالت "أنت متأكدة ؟؟ فليس بالمنظر المستحب رؤيته "

" أنامتأكده .. سأنتهي من أعمالي المكتبية وسأتوجه برفقة من تريدين .. وسأوصي عاملة الاستقبال بتولي مهامي .."

رفعت يدهها اليمنى المزينة بخاتم ألماسي رائع لتحك جبينها قليلا وكأنها محتارة ..ثم قالت مترددة " لا لا أستطيع أن أعرضك لتجربة مماثلة ..لازلت صغيرة "

استغربت من ترددها وأبديت ثقة كبيرة وأنا أقول
" لا أرى سببا لمنعك أياي ولست صغيرة .. سأكمل العشرين قريبا .. أرجوك ثقي بي ..فأنا قوية "




فهمت سبب تردد ام فهد لذهابي برفقة أمينة الاخصائية الاجتماعية .. عندما اقتربت السيارة من ذلك الباب الأسود المهترئ .. كان شارعا قديما ..مليئا بالحفر وحاويات القمامة القذرة ..تصف فيه عشرات البيوت القديمة المهترئة ..وأحداها مهجور تماما حيث تهدم الحائط وتكسرت الابواب ولم أرى سوى القطط التي تتجول داخله ..

"هل ستنزلين فاطمة؟"
سألتني الاخصائية أمينة التي كانت ترتدي النقاب على عكسي .. بعدما لاحظت ترددي وجلوسي رغم وصولنا ..وتوقف السيارة ..
" أجل .."
التقطت أنفاسي ونزلت بخطوات مترددة ..
طرقت أمينة الباب بقوة .. وفتح طفل صغير يرتدي أشباه الثياب ! لا أسمي الخرق البالية القذرة التي يرتديها ملابس على الاطلاق ..
" أين ماما ياصغير "
" في المطبخ "
" قل لها أن خالة أمينة تقف عند الباب "

اختفى الطفل وإلتفت مستغربة " هل تعرفك ؟"
" تقريبا .. آتيت إلى هنا من قبل ولم يدعني زوجها أكمل حديثي معها .. "
"لماذا ؟"
" ماذا تتوقعين من سكير وعاطل عن العمل "

" أمينة هل هو هنا الآن ؟"
قالت وهي تجهز بعض الأوراق " لا .. لهذا لم أجازف بتأجيل الأمر .. خرج لمقابلة عمل .. "

خرجت السيدة الضئيلة التي رق قلبي لها بسرعه .. لما تحمله من أسى وحزن على ملامحها ..
" تفضلي ..لقد خرج منذ عشر دقائق .. "
قالت أمينة " فاطمة .. هل تريدين الانتظار في السيارة ؟"
" كما تشائين "

وأمسكت بي الامرأة " لا لن تذهب يجب أن أضيفكما على الأقل ""
دخلت ممتنة لما تحمله هذه المرأة من كرم الضيافة رغم فقرها ..
" تفضلي "
كان غرفة الجلوس خالية تقريبا من الاثاث سوى تلفاز قديم وسجادة على الارض ووسادتين استندتا على الحائط ,,لكنه كان نظيفا ! لاتوجد ستائر حيث غطيت النافذة المكسورة بالصحف التي لم تمنع دخول أشعة الشمس ..

جلست وكنت قد خجلت من تحديقي في المكان مع تعبير الصدمة الذي ارتسم على ملامحي ..
قالت أمينة " فاطمة ..انتظري هنا .. سأدخل معها المطبخ .. سأتي بعد دقائق .."
جلس الطفل أمامي وقد أمسك بأخيه الصغير الذي بقي بلاملابس .
" ما اسمك .. "
كان سؤاله مفاجئا ..ابتسمت لهذه المحاولة منه لكسر الصمت " فاطمة ..وأنت ياصغير ؟"
" أنا لست صغير .. اسمي طلال ..وأخي الصغير اسمه عبدالله "
مددت يدي بحذر لأداعب خصلات شعر الصغير الذي لا يتعدى عمره السنتان ..
" اسماءكم حميلة ..هل لك أخوة آخرين ؟؟"
" أجل لدي علي ولكنه قد هرب .. وفايزة التي ماتت .."
صدمت وحزنت للحزن الذي بدى في عينيه .. " كم عمرك ؟"
" ست سنوات "

صدمت كثيرا .. توقعت أن عمره سبع أو ثمان سنوات .. لكن عمره ست سنوات وبهذا النضج .. بهذا الهدوء والحزن ؟؟ ..
" أنا آسفة لوفاة أختك ..رحمها الله "
فتح الباب بقسوة وبدأ صوت يزأر " غنيمة غنيمة .."

ارتعدت من الخوف وأنا أنظر إلى الطفل الذي لجأ إلى أحدى الزوايا ليحمي الصغير من ثورة غضب والده ..
" من أنتي ؟؟ "
لم أستطع أن أجيبه .. بقيت صامتة .. خرجت أمينة وبرفقتها المرأة الفقيرة ..
" أبو علي ؟أرجوك أهدأ .."
قالت أمينة " أتينا هنا للمساعدة .. "

" ألم أخبرك يا أمرأة أني لا أريد مساعداتكم ؟؟ ألم أطردك في المرة الماضية .. "

قالت أمينة " لكنك لم تدعنا نشرح .."
قال وهو يشير إلى زوجته ويكاد أن ينقض عليها " هي من اتصلت بكم أليس كذلك ؟؟ هي من تريد المساعدات والمال ..نحن لانريد أخذ أي أموال منكم .. "

قلت في محاولة مني لحل الموضوع " أتينا لنساعدكم في البحث عن علي "

هدأ الرجل فجأة .. وبقيت أمينة تنظر إلي متفاجئة وكذلك غنيمة التي انهارت فجأة في البكاء .. قال الرجل وقد تغيرت ملامحه فجأة من الغضب التام إلى الحزن التام
" هل تستطيعين أن تجديه ؟؟ . هل تعرفين أين هو ؟؟"

نظرت أمينة إلي متوترة وقالت " لانعرف أين هو ولكن نستطيع ايجاده ..بمساعدتك لنا "
" لقد اختفى منذ شهر ولا أجده في الجوار .. أرجوك .. "
/\
/\
/\




لم اصدق اللحظة التي ركبت فيها السيارة للعودة إلى المركز ..
قالت أمينة " حتما أنقذت ام علي من غضب أبو علي .. لقد أخبرتني أنها لم تسلم من الضرب في المرة السابقة ..لكن ما أدراك بهروب علي ؟؟"
قلت وأناألتقط أنفاسي بهدوء " طلال الصغير .."
لم أصدق أني خرجت من هناك .. فالرجل الذي كان ضخما وملامح وجهه في قمة القبح أثار ذعري ..
قالت أمينة وهي تنظر إلى الصورة التي أعطانا أياها الرجل " وأين سنجد علي .. "

" لا أعرف يا أمينة لا أعرف .. سأسأل أبي عما أستطيع فعله قد يكون له صلات بالشرطة ..وقد يساعدوننا .."

قالت أمينة وهي تتفحص قائمة أصدقاء علي التي كتبتها والدته
" ابدئي من هنا .. أنت في هذا لوحدك .. اتصلي بكل ارقامهم وحاولي استجواب الاطفال .. سنعود الآن لمقر عملنا .. "
"لا أمينة لن تتركيني وحدي في هذا .."
قالت أمينة " أنا انتهى عملي تقريبا رأيت الحالة كتبت كل المعلومات الازمة ومن ثم سلمتها الكوبونات الخاصة للجمعية التعاونية وسلمتها المبلغ المالي المخصص لهذا الشهر .. وكنت سأخرج من هناك لا أحمل أي هم سوى كيف سألتقيها الشهر القادم ..زوجها عنيد سكير أغلب الوقت طرد من عمله منذ سنة ولم يجد أي عمل آخر مديون بمبالغ كبيرة جدا .. وليس لديهم الطعام الكافي لأولادهم أو حتى الملابس الكافية .. "
رق قلبي أكثر سألت أمينة " ومن أين يقتاتون ؟"
قالت " كان في البداية يستدين ليعيلهم .. والآن لا أحد يسلفة أي شيء لمعرفتهمن أنه لن يعيد المال .. يرسل لها جيرانها بعض الطعام .. أخوها يأتي بين فترة وأخرى ويعيلها بمبلغ مالي تأخذ جزء منه قبل أن تعطيه زوجها ليخرج ويعيده إلى أخيها ويبدأ شجار لانهاية له .وينتهي الامر بأن يشتري بالمال الخمر "

" أكل الحالات هكذا؟؟"
تنهدت أمينة " هناك حالات أسوأ بكثير .. هذه لاشيء مقارنة بها "

" لكن الدولة .."
قالت أمينة تقاطعني " ليس خطأ الدولة بل خطأ الأفراد .. الدولة توفر العلاج والتعليم مجانا .. لكن هم اختاروا تجاهل حالة طفلتهم حتى توفيت .. الدولة توفر لهم المراكز المتخصصة للمساعده والمساعدات المادية والمعنوية لكنهم اختاروا تجاهل ذلك تحت مسمى لانريد الصدقة الدولة تميزهم تعطيهم الفرصة في العديد من المجالات .. لكنهم .. اختاروا عدم الاهتمام .. ابو علي اختار الخمرة .. والبطالة .. وام علي اختارت حياة ابو علي .. يمكن الشخص الوحيد الذي رفض العيش في هذا الكابوس هو علي الذي هرب من معاناة والدته اليوميةو من رؤية اخوته جائعين .. أنا لا أشجع هروب الابناء .. لكن لاتتحدثي عن الدولة .. فدولتنا لم تقصر في شيء .. "

ابتسمت وقلت لها " كنت سأقول أن الدولة فتحت مجالات عديده أمامهم .. وهذا ما قلته لي في ثورة غضبك "
ضحكت أمينة ..وقال خجلة " اعذريني ولكن كل من رأى شيئا مخالفا للوضع الطبيعي ألقى بتهمه على الدولة .. "

*******

عدت للمنزل لأجد أبي أمامي .. لا أعرف لكني لجأت لحضنه .. استغرب من حركتي هذه .. قلت محاولة أن أكون طبيعية "أحتاج مساعدتك ! "

قال وهو يلف ذراعه حولي ونحن نتوجه إلى مكتبه
" اوه فاطمة .. ماذا هناك صغيرتي ؟؟ "
أخبرته بكل ماحدث معي في الصباح .. قال مستغربا
" ومالمطلوب مني ؟"
"أبي أحتاج مساعدتك أرجوك .. أليس لك صلات ؟"
قال والدي وهو يفكر " لا .. فأنا لدي شركة خاصة لادخل لها بالشرطة وعمل الشرطة ..وعندما أفكر في اصدقائي ومعارفي .. لا يخطر ببالي سوى شخص أو اثنين عملوا في الجيش وهم الآن في رتب عالية .. "

"ممتاز اطلب مساعدتهم ! "
ضحك أبي وهو يقول ساخرا " أتريدين الجيش يدورون في الشارع ويبحثون عن هذا الطفل ؟؟ ماذا أهي حرب ؟"

" أرجوك يا أبي "

نظر ألي بحنان وهو يقول " سأحاول أن أساعدك .. سأتصل بأحد الذين يدينون لي .. وسأرى كيف سيردون الدين "

" شكرا يا أبي .. أني ممتنة لك "
قبلت جبينه وأعطيته اسم الطفل وصورته .. وذهبت لغرفتي لأرتاح ..
***
فتحت عيني على طرقات الباب . نظرت إلى الساعة كانت الرابعة ..يا إلهي ماذا حدث ؟؟ قفزت من سريري وانا خائفة " ماذا ماذا ؟؟"
كان أبي ..الذي قال مستغربا " مابك ؟"
استلزمني الامر دقيقة لأعي أن الساعة الرابعة عصرا ليس فجرا ..
قال أبي منقذني من احراجي " اتصلت بأحدهم .. وسيجد الطفل خلال ثمان واربعين ساعة بإذن الله "
" شكرا أبي .. أنا ممتنة لك .."
كنت قد احتضنته وانا فرحه .. لم أفرح من قبل هكذا .. أن أنتشل هذا الطفل من الشارع كان انجازا اود ان افتخر به ..
" كيف يا ابي ..من هو صديقك هذا ؟"
قال مبتسما " بما أن لدي شركة مقاولات فلدي العديد من الزبائن .. وأحد زبائني له مركز كبير في الشرطة .. كبير جدا .. عرضت عليه أن أتساهل في بناء منزله معه مقابل هذه الخدمة ولم يمانع .. "

شعرت بحب كبير تجاه أبي أن يضحي بنسبة من ارباحه لأجل موضوع تافه كموضوعي .. ارتميت في حضنه وأنا أكرر عبارات الشكر .. وكان هو فرحا لفرحتي ..

وازدادت فرحتي عندما جاءني والدي ليخبر بعد عدة ساعات انهم وجدوا الصبي محتبئا في احد المساجد يعمل فيها مقابل أجر زهيد .. حيث ينظف المسجد ويرتبه ويعطيه كل من رآه مبلغا بسيطا ويعطيه المطوع آخر الاسبوع مبلغا مناسبا لعمله ! أخبرت أمينة بكل التفاصيل عبر الهاتف .لأرتاح من هذه المسؤولية رغم أني أفضل أن يبقى الطفل في عمله على أن يعود لمنزله الغير مستقر .. ووالده الغير مسؤول .

****************



-43-

كانت سارة تنظر إلي والصدمة تعلو ملامحها .. كانت قد عادت من يومين من دبي حيث قضت اسبوعا كشهر عسل سريع برفقة محمد ..
" أحدث كل هذا لك ولم تخبريني ؟؟"
" لم أجرؤ على افساد راحتك وفرحتك ! "
احتضنتني بقوة لكني لم أبك .. وهذا ما أثار استغرابها ..
" هل لازلت تحبينه ؟"
كنت لأول مرة منذ فترة طويلة أسأل نفسي هذا السؤال.. هل أحبه ؟؟؟ نظرت إلى سارة لعلها تساعدني في اجابة السؤال ..
" لا أعتقد أنني كرهته .. ولكني أيضا .. لا أعتقد أني أحبه .. كل المشاعر السابقة .. اختفت .. لم أعد أفكر فيه اطلاقا كالسابق .. "
ابتسمت سارة وكأن اجابتي أسعدتها ..
" لم تبتسمين ؟"
قالت ببساطة " لاني سعيده أن مشاعر الحقد والكره لم تسيطر عليك .. أنك عرفت أخيرا أنه ليس حبا حقيقيا .. فالحب الحقيقي لايزول .. مهما كان الجرح وكانت الاهانة .. فأنه ينقلب إلى كره أو حزن .. مثل الطاقة .. الطاقة لاتنتهي .. بل تتحول إلى شكل آخر .. "

" لم أفهم .."
نظرت لسارة أود أن أفهم ماتعني .. رغم أني فهمت المضمون لكني أحتجت إلى تأكيد ..
" رغم حزني لما مررت به .. لكني مرتاحة أنك عرفت أخيرا ان تعلقك بفيصل كان وهما .. "
" لم يكن وهما "
" بل كان وهما فاطمة . لأنه لو كان حبا حقيقيا لم يكن يتركك لاتشعرين بشيء .."

" أنا محتارة . لاأعرف بماذا أشعر .لا أكره فيصل .. والحب الذي كنت أخبرك عنه لم يعد موجودا .. ..لكني فعلا محتارة .. ولا أود التفكير في عبدالعزيز أو حسن .. ولا أعرف هل قراري كان خاطئا ؟؟"

صمتت ساره وهزت كتفيها " لا أعرف , لكن .. على الاقل انه قرارك ولم يرغمك أحد عليه "
كنت أعرف أن سارة تختبيء بهذه الكلمات .فليس هذا رأيها .. لكنها لم ترد أن تزيدني حيرة .. أو تجعلني أشعر بالندم .. صمتت لدقائق وهي تنظر إلي متشككة ..
" كيف هي حالة حسن ؟؟ هل هو مقعد ؟"
هززت رأسي نفيا .. ليس اجابة للسؤال .. لا لكن عدم معرفة ..
" لا أعتقد .. لا أعرف شيء عنه حاليا . آخر مرة رأيته . كنت للتو قد عرفت بخطبة منى من فيصل .. من شهور طويلة جدا .. "
قالت سارة " كان من المستحسن أن تريه قبل أن تقبلي به زوجا .. لا أنتقد قرارك .. لكن.. لم استعجلت ؟"
" كي لا أغير رأيي .. لاحقا .. كنت أفكر كثيرا وفكرت أنه إذا انتظرت عودته حتى أبدي رأيي .. وإن كان رأيي الرفض ...كان سيكون طعنة أوجهها له أو لأبي .. وأن كان في حال يائسة لا أريد أن تكون الشفقة موجوده في قراري .. قرار اعتمدته لأجل شخصين لاثالث لهما .. من أجل أبي .. ومن أجل عمي .. فقط ..سأتحمل كل شيء .. لأجلهم .."

" لنخرج .."
" أين يا سارة ؟؟"
" ألى الصالة لنجلس مع الجميع . يجب أن نجلس دائما في الصالة ..."
ارتدت سارة حجابها وأحكمته جيدا .. وكانت قد ارتدت بدلة رائعة محتشمة وواسعة ليست ضيقة .. وأنا بقيت ببجامة النوم المشجرة برسوم كارتونية ..

جلسنا معا وكنا نتحدث عن أشياء كثيرة . تحدثت سارة عن رحلتها إلى دبي حيث زارت العديد من المعارض برفقة محمد ..
" كان شيئا رائعا .. سآخذك لهناك في عطلة الصيف .. فلاتهدري اجازاتك .. "
" أتمنى هذا لكنك نسيت أن بمجرد عودة حسن سأحتاج لرصيدي من الإجازات .. سيكون أمامي الكثير من الاعداد .. ولا أعتقد أن أمي ستساعدني ..وأشك انهم سيسمحون لي بذلك .. فأنا موظفة جديدة لم يمض علي شهر .."

"سأساعدك .. لاتقلقي من هذه الجهه فاطمة .. سأكون دائما معك .."
مدت يدها لتمسك بيدي ..شعرت في تلك اللحظة أن لدي اخت .. أختا لم ينجبها أبي وأمي لكنها أختي .. سارة ..
******

جلست إلى مكتبي ولم أستطع منع تنهيده مكبوته من الخروج ..
" مابك فاطمة ؟"
نظرت إلى أمينة التي وقفت أمامي وهي ترتدي عباءتها ونقابها
" كلمتني جدتي للتو .. وأخبرتني أن .."
ثم اكتشفت أنني أتحدث عن حياتي الشخصية لأمينة بلا تحفظ ! ..
" وأخبرتني ..عن شيء.. أغضبني .."
فهمت أمينة رغبتي في عدم التحدث وقالت " هدئي أعصابك .. وتقبلي الامر برحابة صدر فمايغضبك اليوم غدا سيكون أمرا منسيا.. سأدخل لأم فهد .. هل هي مشغولة ؟"
هززت رأسي " لا ..انها تنتظرك ."
لكني لم أهدأ .. كانت قدمي تتحرك بسرعة ..أريد أن أخرج من هنا وأتوجه
لمنزل عمتي .. وأعرف لم جدتي غاضبه ..لم كانت تكلمني بهذه الطريقة رغم أني اتصلت لأطمئن على صحتها .. استئت فعلا .. استئت وانتابتني الحيرة فعلا ..
رفعت الهاتف لأتصل بأبي ..
" كيف حالك ؟"
" الحمدالله بخير وانت يا أبي كيف حالك ؟"
" ممتاز الحمدالله . ..أنت في عملك ؟"
" أجل .. أردت أن أستأذن منك في الذهاب إلى جدتي .."
" هل هي بخير ؟"
" أجل الحمدالله .. لكن لم أرها منذ زفاف محمد .."
" اذهبي .. لامانع لدي ..أخبريها بأني سأمر بها غدا "
"ان شاء الله "
" أن شاء الله "

**********************
كانت الساعة تشير لى الثانية ظهرا .. زحمة الطريق لاتصدق .. سائق أمي نتفرغ فجائني ليقلني .. ..عندما وصلت إلى منزل عمتي كانت الساعة تشير إلى الثالثة
وخمس دقائق .. نزلت وذهب السائق مسرعا لان والدتي لديها موعدا في الرابعه !
لم كانت جدتي مستائة ؟؟ .. كنت أفكر مع كل خطوة أخطوها .. طرقت الباب .. وفتح بعد خمس دقائق ..
" السلام عليكم .."
كان حمد هو من فتح الباب " وعليكم السلام ادخلي فاطمة .."
" كيف حالك يا حمد ؟"

" الحمدالله بخير وانتي ؟. "
" الحمدالله .. أين جدتي ؟"
" في غرفة أمي .."
اتجهت لغرفة عمتي وطرقت الباب ..
" ادخل .."
فتحت الباب لأجد عمتي تجلس مع جدتي على جلسة تراثية على الارض وأمامهما الشاي والقهوة ..
"السلام عليكم .."
قبلت رأس جدتي التي غضبت لرؤيتي ..
سلمت على عمتي وجلست بقربهم حيث أعطتني عمتي كأس شاي ..
"جدتي مابك .. لم غضبك مني ؟"
بدأت عينا جدتي في ذرف الدموع وكان واضحا أن جدتي تحاول أن تبدو قوية
" أنا غاضبة من نفسي أني لم أحسن تربيتك .."
كان ذلك مؤلما .. كان خنجرا اخترق قلبي بلا رحمة .. كنت أفكر للحظةأن جدتي تمزح لكن هذه الدموع التي تتفجر من عينيها تقول العكس .. لم أتمالك نفسي .. حتى تدافعت دموعي بدورها تحاول أن تخفف الصدمة وتزيحها..
قالت عمتي " لا يا أمي .. لاتقولي هذا .. لقد ربيت فاطمة وأحسنت تربيتها .. "
همست لها
" جدتي لم تقولين هذا .. لماذا تبكين ؟؟ لم أفهم ماقلته الصبح عن مدى استيائك .."

قالت جدتي وهي تحاول أن تبدو قوية " لم أربيك لتصبحي .. "
" ماذا تقولين جدتي .. ماذا .. مالذي تملكينه ضدي لتتهميني بهذه التهم ؟"
مسحت جدتي دموعها .. وهي تقول غاضبة " اذن ماهي قصة فيصل ؟؟ ها؟ أخبريني ؟؟ "

نظرت إلى عمتي نظرة اتهام ..لماذا أخبرتها ... وأجابت عينا عمتي أنها لم تفعل ..

" أخبرني عمك خالد .. أخبرني عن مدى صدمته فيك .. أخبرني أنه ضمك إلى مكتبه ووثق بك ..ليتفاجأ بأنك تلعبين قصة حب خياليه مع فيصل .. وقبله حسن .. وعبدالعزيز ..ماهذا يا فاطمه هل تنكرين .. هل تنكرين انك لم تحترمي نفسك ؟ وأنك لم تراعي دينك وتقاليدنا ؟لم تبالي بسمعتك وسمعة عائلتك ؟؟"

كانت أطرافي ترتجف بشكل غير طبيعي .. أحاول أن أنطق ولكن لم أستطع .. مهاجمة جدتي لي شلتني تماما ! .. نظرت إلى عمتي وأنا أبكي .. فلم أجد غير الدموع ..
قالت عمتي " أمي .. ماذا تقولين .. فاطمة أكبر من هذه الأفعال .. "
قالت جدتي غاضبة " أنا متأكده مما أقول .. لا أحتاج إليك لتقولي لي مالصح ومالخطأ .. فهمت الآن تكالب الأبناء عليك .. فقد لعبت مع كل منهم دورا .."

" جدتي .."
صمتت جدتي وهي تنظر إلي تنتظر أن أتكلم .. لكني لم أفعل .. أبت الحروف أن تخرج من فمي ..
قالت عمتي " ليس ذنب فاطمه أنهم يتنافسون للزواج منها .. ليس ذنبها .. فهي لم تبين لأي منهم أي موده أو عاطفه .. أنا أعرف .. أمي فاطمة عانت الكثير .. كان لحسن محاولات كثيرة خارجة عن الحشمة واللباقة أثناء مكوثه في المنزل معك.
ولم يعرف أي منكم عنها لأن فاطمة احترمت رغبتك في بقائه ولم ترد أن تتشمت والدتها فيك ... أما عبدالعزيز .. .. بقاء فاطمة هنا في تلك العطلة أعطته فكرة عن أخلاقها المميزة وشخصيتها ..فأراد أن يتزوجها .. "
قالت جدتي ساخرة
" وفيصل .. هل تقولين لي أن عمله معها جعله يقع صريعا في حبها ..لشخصيتها ؟؟"
قالت عمتي " لا .. لكنه أراد أن ينتقم من حسن لما فعله معه وكان يعلم برغبة حسن في خطبتها .. وأراد أن ينتقم لاغير ! "

صمتت جدتي .. وتفاجأت أن عمتي تعرف كل شيء .. تأتأت جدتي .. وكأنها اقتنعت .بماقالته عمتي .. لكني كنت أبكي بصمت .. وقفت .. وخرجت من الغرفة .. خرجت وأنا أبكي أبكي حظي العاثر وأبكي مدى غبائي .. ألهذا طردني عمي خالد ؟؟ ..أخرجت هاتفي لأبحث عمن يأتي ليصطحبني ..
" مرحبا سارة .."
" مابك فاطمة لم صوتك متهدج ؟؟"

"أريد من يقلني بسرعة .. "

" أنا في طريقي إلى المنزل .. أنهيت للتو محاضراتي .."
" برفقة من ؟؟"
" سائق أمي فمحمد لم يستطع أن يمرني ..خرجت منذ دقائق من الجامعة...."
" أنت قريبة مني أذن .. تعالي إلى منزل عمتي .."
********

-44-

كانت سارة تحاول أن تهدئني .. لكني لم أستطع .. كانت تقول أن الحقيقية انجلت وهذا هو المهم .. لكني لم أستطع أن أرتاح ..
" لا استطيع .. فكرة أن عمي خالد أخبر جدتي بكل هذا ..تبعث الحزن فيني .. أريد أن أموت .. لا أتحمل أن أراه مرة أخرى وتلك الاتهامات في عينيه .. لا أستطيع ."

أمسكت سارة بوجههي وهي تقول
" كفى ! .لاتبك .. لن تعودي للمنزل بهذه الصورة .."
وطلبت من عبدالقادر السائق الباكستاني أن يأخذنا إلى أحد المنتزهات ..اتصلت بوالدتها لتخبرها بأنها ستتأخر قبل أن ترسل السائق ثم اتصلت بمحمد لتستأذن منه وأخبرها أنه لن يخرج من اجتماعه حتى السابعه مساء .

جلسنا على احدى المقاعد الخشبية ..
" فاطمة .. على الأقل عرفت الآن سبب طرد عمك لك . يجب أن تواجهيه .. وتطردي هذه الأفكار من رأسه .. "
" ماذا أقول له .. أن .. وأ.....ف.. "
شعرت أنني فقدت النطق .. أريد أن تخرج الكلمات لكنها لم تخرج ..
"فاطمة مابك ؟"
كانت النوبة عصبية لدرجة أنني لم أستطع أن أركب الأحرف على بعضها فاكتفيت بالصمت .. هززت رأسي .. تعبت .. تعبت ..
" تعبـــــت .. "
كررت سارة مستغربة "تعبت ؟؟"
" تعبت .. "
وقفت وبدأت في المشي بسرعة ..وأنا لا أعرف ماذا أفعل ..
" فاطمة .. إلى أين تذهبين .."
" لا أعرف ..لكني أريد أن أخرج مابي ..من كوارث.."
احترمت سارة رغبتي وبقيت جالسة على المقعد .. بينما ابتعدت كثيرا عنها .. ربما ساعدني المشي السريع على أن أتخلص من شعور الاستياء الذي يتملكني .. وقفت أتفرج على أطفال يلعبون بمرح ..
لم أشعر بالدقائق التي مرت وانا أركز في الاطفال ..

و بعد وقت طويل ...

"فاطمة .."
وضعت يدها على كتفي وقالت " فاطمة ..."
التفت إليها .. وقالت مبتسمة .." لنعد للمنزل .. وسأريك لاحقا ما سينسيك .."
تبعت سارة وأناأتخبط في ضياعي وشعوري بالاستياء وشعوري بالتعب ..

دخلت إلى غرفتها و أخرجت من أحدى الأدراج أشرطة فيديو ..
كنت مصدومة وأنا أراها تخرج غلافا لفيلما هنديا ..

" فيلم هندي أهذا هو العلاج .."

قالت سارة مبتسمة " أفضل طريقة لطرد الأكتئاب أن تصابي بإكتئاب آخر !"

لطالما كانت سارة مجنونة ! لكن بعد أن رأيت الفيلم وبعد أول ساعة اندمجت كثيرا وضحكت مع سارة كثيرا .. وكنا نتحدث طوال الفيلم ونتاقش بوسامة البطل والجمال الخارق للبطلة الذي أبهرنا فعلا ! ..
بعد مرور أربع ساعات ..لم نتوقف لفعل شيء خلالها سوى الصلاة .. انتهى الفيلم الكئيب ..
أغلقت سارة التلفاز وقالت " سيأتي محمد قريبا سأنظف الغرفة ."
" سأساعدك .."
كانت رقائق الشيبس واغلفة الشوكلاته والبيبسي على الارض ... ساعدت ساره .التي قالت وتعبير الصدمة يعلو ملامحها " لدي امتحان غدا !! "
شعرت بالذنب لأني السبب في نسيانها لهذا الامر ,,
" لم لم تقولي ؟؟"
"نسيت..يا إلهي .."
" هيا امسكي كتابك وادرسي فورا "
قالت وهي تنظر إلى الساعة " مستحيل ..أخوك سيصل في أي لحظة .. ولن يدعني أمسك أي كتاب .. عليك أن تساعديني "
استغربت " كيف ؟؟"
" سأقنعه بأنك تحتاجين الذهاب إلى عدة أماكن ..."
"لكن سارة سيعود متعبا "
" أرجوك فاطمة ..أحتاج لساعة أو ساعتين ..أليس لديك مشاوير صغيرة ؟؟"

فكرت قليلا ثم قلت " بلى .. أريد أن أشتري عباءة جديدة .. وحقيبة جديدة .. وأحتاج بعض الأغراض من الجمعية "

*****************

بعد ساعتين كنت قد ندمت على تنفيذ قرار سارة .. عندما كان محمد يحاول أن يبقي عينيه مفتوحتين ... عدنا إلى المنزل وكنت قد اشتريت أشياء كثيرة .. شكرت محمد ومررت بسارة التي كانت تبتسم وقبلتني وهي تقول " شكرا .. "

دخلت إلى غرفتي ووضبت أغراضي .. ثم خرجت لأرى أمي أو أبي .. كان أبي يجلس في الصالة الرئيسية برفقة أمي ..
" كيف حالك يا فاطمة ؟؟"
" الحمدالله بخير يا ابي .. وأنت كيف حالك ؟؟ .. "
" بخير .."
قبلت أمي فلم أرها منذ الصباح قالت أمي وهي لم ترفع عينيها من الملف الذي تقرأه
" فاطمة أحتاج مساعدتك .. او بالأحرى مساعدة المؤسسة التي تعملين بها .. "
" هل هو شيء خطير ؟؟"
" لا .. ليس تماما لكنا سنرعى حفلا خيريا .. ونود أن يعود ريعه إلى مؤسسة اجتماعية وخطر لي أن تكون المؤسسة التي تعملين بها ..فهذا جيد لحياتك الأجتماعية ."
قلت لأمي وأنا أتوقع ردة فعلها " أحاول جهدي لكن لاتربطيني بهذا الأمر "
غضبت أمي فقالت " ماذا تعنين ؟؟"
" لا أحد يعرف أنني ابنتك .. ولا أريد أن تعرف زميلاتي بهذا .."
غضبت أمي أكثر وقالت " هل تخجلين بي ؟؟"
هززت رأسي وقلت " لا أريد أن يعاملني الكل بطريقة مقدسة فقط لأنك أمي .أريدهم أن يعاملوني كزميلة فقط .."
أغلقت أمي ملفها وهي تقول بعصبية " أنسي كل ماقلته لك ..."
" أمي أرجوك ..المؤسسة تحتاج إلى مساعدات ..لاتلغي الفكرة لهذا السبب "
قالت والدتي وهي تقف غاضبة " كنت قد اخترتها لأجلك ..لأقدم لك خدمة .. لكن في الحقيقية كانت جميع المشاركات يرغبن بمؤسسة أخرى لرعاية الأيتام ..لكن بما أنك جاحدة هكذا .. سألبي رغبة الباقيات "

استئت فعلا قلت لها أستوقفها " أرجوك أمي .. أرجوك .. لاتغضبي ..أمي ."
لكنها تجاهلتني وغادرت تاركتني محبطة وأبي ينظر إلي بشفقة قال محاولا أن يواسيني
" لاتخافي .سأحاول أن أساعدك .."
جلست بقرب أبي وقلت " لا أعرف ..لكنها لاتفهمني ..إذا عرف الكل أنني ابنة شيخة السالم ..سيبجلوني لهذا السبب .. لاتعرف كم يمتدحونها في المؤسسة التي أعمل بها وكم تتمنى المؤسسة أن تشارك بإحدى الحفلات الخيرية التي تقيمها ..لكني أريد أن
أثبت نفسي بعملي .. "

ابتسم أبي وقال وهو يربت على كتفي " سأقنعها برأيك .."
" شكرا يا أبي ..شكرا "

*********



-45-

كانت الحفلة رائعة ..كانت نظرات أمي لي خلال الحفل رائعة .. كانت فخورة بي ..فالكل في المؤسسة على علاقة طيبة بي .. لم يعرف أحد أنها أمي ..كم أود أن أفتخر بها لكني لا أستطيع المجازفة فلن يعاملني أحد بعد ذلك سوى كابنة أهم سيدة مجتمع في المجتمع ..
قالت أم فهد وهي تحمل خطاب شكر " فاطمة ..أيا كانت هذه الصديقة التي توسطت لنا ..اشكريها نيابة عني .. "
قلت وأنا فخورة جدا " سأفعل "

لم توجه أمي أي كلمة لي بناء على طلبي .. ولكني كنت أحاول الأختباء كي لاتتعرف إلي أي من صديقات أمي ...اجتمعت نساء عديدات لم أعرف معظمهن لكني كنت أرى الفخامة في منظرهن .. وماصدمني أكثر هو أن كل منهن اصطحبت ابنتها التي تماثلها في الطول .. لم أتصور أن هذه النساء الرائعات لديهن بنات في منتصف أعمارهن .. ما أذهلني فعلا .. أن أمي تعرفهن جميعا .. وأنها كلما مررت بإحداهن تبادلت معها حديث قصير عن الأيام الماضية أو الحفلات القادمة .. لقد ذهبت مرة أو مريتين إلى اجتماعات كهذه مع امي لكني أذكر أنني اكتفيت بالجلوس على الطاولة .. بينما تغيب أمي لدقائق وتعود ... لتطمئن علي ثم تعود لتختفي .. رغم الفخامة ..والأناقة التي كانن بها ..لكني لم أجد التكبر والغطرسة أو الرياء في أي منهن .. يتصرفن بودية وكلما تحدثت معهن أحدى الاخصائيات يستمعن باهتمام للمشاكل التي تمر بهن ولا يبدين أي ضجر أو ملل من الحديث معهن ..
كنت أتجول عندما رأيتها ..انقبض قلبي لدقيقة ..لكن عندما ركزت في ملامحها أشفقت عليها ..كانت تنظر إلى الفراغ ..وكل الحزن يسكن وجهها .. لاتوجد أي مساحيق زينة على وجهها رغم الألوان البراقة التي زينت عباءتها .. ام ناصر ..قاومت رغبتي في الأختباء ..واتجهت نحوها لألقي التحية ..

" مساء الخير أم ناصر "
نظرت إلي مستعربة ردت التحية .. وقالت مترددة "هل أعرفك ؟"
هززت رأسي بلا .. فلا أريد أن تعود الأحزان في تلك اللحظة ..
" أعرفك من خلال المناسبات التي كنت تقيمينها .. أردت أن ألقي التحية فقط "
هزت رأسها وقالت " شكرا يا ابنتي .."
ابتعدت عنها .. وأنا أرثي لحالها تذكرت مريم ولم أستطع منع دمعة يتيمة من السقوط ..

عدت للمنزل وشكرت أمي وأنا ممتنة فعلا لأبي الذي أقنعها .. لكنها كانت مبادرة أمي التي أرادت أن تساعدني ..
"كيف كان الحفل ؟؟"
سألتني منال بطريقة عادية .. قلت لها بلهجة عادية " رائع ..لم لم تأتي ؟؟"

"طردت المربية بالامس واضطررت للبقاء مع الطفل طوال الوقت .. لم أستطع تركه لوحده "

دخلت إلى غرفتي و رميت بجسدي على السرير فقد تعبت اليوم ...

..............



كان الروتين هو مايضجرني فعلا ..أعود من عملي إلى المنزل لأجلس مع والدي قليلا ثم أرى سارة وألقي عليها التحية وأدخل لغرفتي أشاهد التلفاز حتى الساعة العاشرة مساء أغلق التلفاز وأخلد للنوم .. وأصحو في اليوم التالي لعملي ..

كانت سارة مشغولة بجامعتها ومحمد مشغول فعلا فلا أراه تقريبا حيث يعود آخر الليل .. منال كأنها اعجبت بدور الأمومة .. فغالبا ما أراها تلعب مع طفلها الصغير وتلاطفه وتعتني به جيدا .. رغم مرور شهر على صرفها لمربيتها لكنها لم تذكر شيئا عن المربية الجديدة .. ويبدو أنها لن تحتاج إليها .. شعرت أن مبارك أصبح مرتاحا أكثر .. فنزوات منال وحالاتها المزاجية لم يعد لها وجود .. كأنها وجدت أخيرا جوهر الأمومة .. منال المتغطرسة لم تعد موجودة بيننا ..

وكلما مرت الأيام كلما أصبح ذهابي إلى عملي أكثر مشقة ..أكثر كآبة .. أكثر تعب ..
حيث كنت أساعد ام فهد كثيرا وكلما رأيت أسرة محتاجة أشفق عليها وأبحث عن عمل لدى والدي لرب اسرتها ...إلى أن صرخ بي أبي مرة
" لايمكن أن تحلي جميع مشاكل المحتاجين يا فاطمة .. ليس لدي شاغر .."
" أرجوك أبي ..انه أب لخمسة أطفال .. قد طرد للتو .. من أين يعيل أطفاله ؟"
أمسك أبي بيدي وهو يقول " فاطمة ..ابنتي ..لاتتدخلي بهذه الأمور .. صدقيني عملك هو سكرتيرة ليس منقذة للفقراء والمحتاجين .. والدتك لاتقصر والحمدالله أنني لا أقصر في صدقاتي وزكاتي ..لكنك أصبحت تأخذين الأمور على منحنى شخصي ..سيستغلك الكل إذا استمريت بهذه الطريقة .."
لم أستطع أن أكبح دموعي وأناأتذكر دموع ذلك الرجل الذي يبكي ويترجى ام فهد لتجد له عملا وانهار الكل في بكاء فالرجل ذو جنسية أسيوية بلغ من العمر عتيا ..وسكن هذه الأرض الطيبة منذ عشرات السنين ...كان سائقا طوال هذه الفترة وتخلت عنه الاسرة التي كانت تكفله ولكنها لم تلغ كفالتها حتى يجد عمل آخر وكفيل آخر .. لم يجد عمل طوال الاشهر الماضية ومدخراته لاتكفي لتذكرة العودة إلى الوطن مع أبناءه وزوجته ..

"أرجوك يا أبي .. أنه آخر شخص سأطلب منك مساعدته .. أرجوك .."
صمت والدي قليلا ثم قال " قد أحتاج سائقا احتياطيا للآليات الثقيلة .."
فرحت بشده وأنا أصرخ وأقفز ابتسم أبي لفرحي وقال
" كم عمره ؟"
" في منتصف الأربعينات "
" لابأس .."

عدت للعمل في اليوم التالي ونقلت الخبر لأم فهد فورا
"غضب مني أبي لأنه الشخص الخامس الذي أحضره له ليوظفه .. لكنه وافق ووعدته أنه آخر شخص سأكلمه عنه .. لا أعرف كيف تتحملين رؤيتهم وهم محتاجين وتعجزين عن مساعدتهم .."
تنهدت أم فهد وهي تقول " مارأيته لايقارن بما رأيته خلاال السنوات السبع التي عملت خلالها كمديرة لهذه المؤسسة .. توجد حالات سحبت من رصيدي الخاص لأساعدها .. وحالات أنفقت عليها راتبي الشهري ...أصعب حالة كانت لطفلة مريضة .. جمعت لها من كل صديقاتي واخوتي ومعارفي مبلغا لارسالها للعلاج . كانت حالتها صعبة تتألم طوال اليوم لاتستطيع الحراك والحمدالله أنها أصبحت أفضل حالا الآن ... "

كنت سعيده بمعرفتي لأم فهد وازداد تقديي لها اكثر بعدما عرفت ماتعانيه وماتواجهه ..

************

تفاجأت عندما رأيت عمي يجلس في المجلس برفقة ابي .. سلمت عليه وبدا عاديا جدا لم يتفاداني كعادته .. قال لي
" كيف حالك فاطمة .. كيف حال عملك ؟ إذا مللت منه لك الخيار أن تعودي للعمل لدي "
لم أجد كلمات لأنطقها .. حاولت تناسي مايعصف بداخلي من أحقاد وعتب .. لكني لكن لم أستطع ..
" لا أعتقد أنني سأعود فعملي الجديد رائع .. ومريح "
قال ابي مقاطعا " أنه يأخذ كل وقتها .. "
قلت لأبي " لكني مرتاحة نفسيا "
عقد والدي حاجبيه مستغربا وقال " كل يوم تأتين من عملك عينيك محتقنتين أثر البكاء على حالة أحدهم "
نظرت إلى عمي نظرة عتب وقلت " على الأقل .. لا أبكي مظلومة .."
وقفت وغادرت تركت والدي مستغربا وعمي مغمضا عينيه شاعرا بالذنب ..
جلست في غرفتي تكاسلت أن أغير ملابسي .. رفعت الهاتف لأتصل بمها .. لنخرج معا إلى فيلم ما أو

"السوق .. "

كانت هذه أجابة مها .. قالت تعرض أسبابها " أحتاج للذهاب إلى السوق .. هل ترافقيني ؟؟ "

وافقت ونزلت لأستأذن من أبي ..
" هل ذهب عمي ؟؟ "
رفع والدي رأسه حيث كان يقرأ الجريدة وقال " أجل ذهب مباشرة بعد خروجك من هنا .. فاطمة .."
" نعم يا أبي ؟"
" هل رحيل عمك كان بسبب ماذكرتيه قبل خروجك من هنا ؟"
صمت قليلا .. لو يعرف أبي بما حدث لي هل سيكون في صفي أم في صف عمي ؟؟ قلت رافضة أن أعرف الأجابة " لا أعتقد .. لماذا هل هناك شيء ؟"
نظر إلي أبي متفحصا .. وكأنه يقرأني ككتاب مفتوح ويقول أعرف أنك تكذبين يافاطمة
"" لا .. كنت أتساءل فقط .. ولايبدو أن هناك من سيجيب على تساؤلاتي .."

قلت وحاولت أن أبدو بريئة لا أعرف شيئا " أبي أتيت لأستئذنك .. في الخروج مع صديقتي إلى السوق .. "
" من صديقتك هذه ؟؟"
" مها .. أنت تعرف والدها .."
" اذهبي لكن دعي سارة ترافقكما .."

***********

كانت تتحرك بثقة لا أملكها متجاهلة كل الأعين التي تنظر إليها ..

" تحركي فاطمة يجب أن أجد حذاء مناسبا للحفلة .."
كانت تحمل الأكياس ذات الماركات العالمية .. وتمشي بكعب عال جدا لايكاد يظهر حيث تجر خلفها ذيل عباءتها .. ووجهها الخالي من المساحيق يظهربراءة ملامحها الناعمة ..
بينما كنت أنا أضع كحلا قد سال معظمه أسفل عيني وحذاء طبيا ..وتعلو حبات العرق وجههي رهبة من تلك العيون التي تلاحقنا منذ دخولنا إلى المجمع التجاري .. كانت سارة في احدى المحلات المخصصة للملابس .. طلبت منا الذهاب والعودة إليها بعد ساعة لتنهي قياس بعض الملابس ..

" كيف تفعلين هذا يا مها ؟؟ كيف ؟"
" أفعل ماذا ؟"
توقفت مها فجأة مستغربة .. من تنفسي الغير منتظم والكحل الذي سال تحت عيني
سحبتني إلى داخل محل الأحذية الذي لم يكن به سوى البائعه .. ..أخرجت منديلا ورقيا وأصلحته ما أفسده العرق ومسحت حبات العرق عن وجههي ..
" مم أنت متعبة ؟؟ "
" نحن ندور منذ ساعتين ولم نتوقف عن المشي ولقد ..تعبت .. أشعر بقدماي تصرخان .."
نظرت مها إلى حذائي وقالت " مم تصرخ.. من المشي ؟؟ أنك ترتدين حذاءا رياضيا أنظري إلى ماذا أرتدي "
رفعت عباءتها قليلا لتريني الكعب العالي ..
قلت وأنا أجلس " مها كنت طوال الصباح في العمل .. لم أرتح .. ثم أن هذا حذاءا طبيا .."
" طبيا أو رياضيا .. سواء لدي "
غضبت وقلت " ليس سواء .. أنه طبي .. "
قالت مها " يا إلهي فاطمة ... اذا كانت بشرتك دهنية وتعرق بسهولة اشتري كحلا مضادا للماء .. ليس لطيفا أن تتجولين كأنك باندا .."
نظرت مها إلى كعب عال أعجبت به فورا .. وأشرت للبائعه أن تخرجه من الواجهه . ثم قالت كأنها تذكرت شيئا مهما.
" عن ماذا كنت تسأليني ؟؟ "
" كيف تتجاهلين ولاتخافين .."
نظرت مها خلال الواجهه وقالت وهي تشير إلى مجموعة الشباب التي كانت تتبعنا منذ خمس دقائق وقالت " هم ؟؟"
هززت رأسي .. نظرت إليهم مها بإحتقار واشمئزاز وقالت " لايستحقون العناء . لايستحقون أن يثيرووا اهتمامي .. أو خوفي .. مجرد أن أتجاهلهم كأنهم غير موجودين .. أكبر صفعة أوجهها لهم . لاتشغلي بالك بهم مهما قالوا أو حاولوا .. أخرجي من هناك كأنك لم تري شيئا . هل ستشترين هذا الحذاء .. "
كانت تبتسم وهي تشير إلى حذاء رياضي ذهبي يبدو منظره غريبا ومضحكا
نظرت إلى مها قائلة " لا ..طبعا .. هل حذائي بهذا السوء ؟"
ثم نظرت إلى حذائي الطبي وإليها قالت مبتسمة " لنقل أنه كان اختيارا سيئا .. "
انتهى بنا الامر إلى شراء خمس أحذية ثلاثة منها ذو كعب عال لمها فهي قصيرو بعض الشيء وأنا اشتريت حذائين رائعين .. ارتديت أحدهما في المحل كي أرتاح من سخرية مها ..
ثم خرجنا لنعود إلى سارة التي كانت تجلس في محل الملابس تنظر إلى الألوان لتختار بينها ..
قالت مبتسمة " أين ذهب ذلك الحذاء الرياضي القبيح ؟"
ضحكت مها قليلا حيث عقدت حاجبي .. قلت " انه حذاء طبي ..انه في الكيس .. هل كان سيئا فعلا ؟"

قالت سارة مبتسمة " لا أعرف كان عاديا لكن لم يبق سائح في المجمع لم ينظر إليه ويضحك "

اصبت باحراج شديد .. لم تقل أي منهما أي شيء ..
قالت مها " أود أن أعرف من أين اشتريته ؟"
قلت وأنا أحاول التذكر " لم أشتريه أعطتني إياه جدتي .. "
صمت وأنا أتذكر تلك اللحظة .. كان حذائي قد انقطع أثناء ذهابي معها إلى المنتزه وعندما عدنا كنا سنذهب إلى منزل عمتي .. ولم أجد شيئا مناسبا وبدأت في البكاء حيث كانت قدمي مكتنزة جدا . ولا أجد قياساتي بسهولة .. فأخرجته جدتي من خزانتها القديمة .. أعتقد أنه كان لديها منذ طفولتها! ..قالت لي انه طبي .. رغم أنني خسرت وزني الآن .. وقدمي أصبحت أصغر قليلا .. لكن ما أن ذكرت مها أننا سنذهب للسوق لساعات ارتديته فورا ..

انتبهت أن سارة ومها تنظران إلي مبتسمتان ..
" في ماذا كنت تفكرين ؟"
هززت رأسي بلا ..شيء ..
قالت مها " يجب أن ندلل أقدامنا ونريحها هذا شيء صحيح يا فاطمة لكن لانصل إلى مرحلة افساد الذوق العام "
" الذوق العام "
" أجل .. فمن يرى عباءتك وشنطتك ونظاراتك الشمسية لايصدق القبح الذي يبدو به حذاءك.. "
ابتسمت واأنا أنظر إلى حقيبتي الزهرية وعباءتي المطرزة أطرافها باللون الزهري ونظارتي ذات الماركة الفلانية والتي علقتها على عبائتي حيث لم أحتملها على عيوني داخل المجمع ..ومن ثم تذكرت ذلك الحذاء الرمادي .. يا إلهي فعلا انه قبيح !! نظرت إليهن مبتسمة .. ثم صمتنا قليلا وفجأة وقفت سارة وقالت وهي تعرض أمامي فساتين حمل جميلة ..
" أيهم ؟؟ "
لم أستطع منع نفسي من الصراخ ومها أيضا كانت تبكي من الفرح ,,

********
ضحكت كثيرا وأنا أرى محمد يحاسب سارة على الخطوة .. يرفض أن تتحرك يرفض أن تحمل أي شيء ..حتى عندما تذهب إلى الجامعة يرسل معها الخادمة لتحمل كتبها العملاقة واستاءت سارة من هذه الطريقة فقررت أن تذهب بأوراق مطبوعة فقط فهي لاتحب ذلك الترف ..
ابتسم والدي وهو يرى محمد يقف ويحاسب سارة كي لاتنزل بسرعة ويرغمها على النزول ببطء من اعلى السلم .. وبعد ثلاث دقائق قالت لي سارة وهي تهمس " ذكريني في المرة القادمة ألا أخبره أنني حامل سوى في الشهر الثامن ."
سألتها ببلادة " لم ليس التاسع "
ابتسمت وقالت " كي لايغضب كثيرا .. ويعرف أنني أحبه وأخبرته بعد ثمان أشهر لأوفر عليه مشقة الانتظار "
*