:27:
تعتبر قصة نبي الله أيوب إحدى القصص التي تُخبئ بين ثناياها الكثير من الدروس والعبر، وقد ورد ذكر أيوب في القرآن في أربع سور قرآنية وهي: النساء آية 163، الأنعام آية 84، الأنبياء آية 83، وسورة ص آية 41، غير أن تفاصيل القصة كانت في سورتي الأنبياء وص، والتفاصيل الأدق كانت في سورة ص حيث يقول ربنا:
(وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ{41} ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ{42} وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ{43} وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ{44})،
حين نتأمل في هذه القصة العظيمة تتراءى لنا عدة دروس أشير إلى بعضها إشارة سريعة، وسأركز الحديث حول درس مهم منها، فهذه القصة تحوي على درس (الابتلاء والامتحان) الذي يخضع له العظماء، وكلما كان الإنسان عظيماً فإن الابتلاء يكون بمقدار تلك العظمة؛ ولهذا يقول الإمام الصادق (ع):
( إن أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل )(1)
ولأن المبتلى عظيمٌ فإنه يتصرف مع البلاء بما يتناسب مع هذه العظمة، وهكذا تصرَّف النبي أيوب (ع)، حيث واجه البلاء بصبر يفوقه بكثير، فقد ابتلاه الله في ماله وأهله وجسده، فما كان منه (ع) إلا أن واجه هذه المحنة بالصبر النموذجي.
أما نتيجة هذا الصبر فقد كانت عظيمة أيضاً، فقد تحدث عنها ربنا بقوله: (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ ).
إن ما أودُّ أن أفصِّل الحديث عنه هنا هو هذا السؤال: كيف نتعامل مع المرض؟ مستوحياً الإجابة من هذه القصة الخالدة والتي هي مضرب المثل في هذا الجانب.
------------------------------------------------------------------------------------
مقاومة المرض:
استخدم النبي أيوب سلاح المقاومة للمرض وهو الذي يعبر عنه بالصبر، حيث أن مرضه استغرق سبع سنين، وفي رواية ثمانية عشر سنة(2)، فلم يتعقد من المرض ولم يتذمر، بل واجهه بروح متفائلة واعتبره أمراً واقعياً.
إن هذه الطريقة في التعامل مع المرض تنعكس كذلك على سرعة الشفاء، فمن تكون نفسيته ومعنوياته عالية فإنه يتحدى المرض، ومن ثم تنعكس هذه الحالة على الشفاء من المرض.
طلب الشفاء من الله تعالى:
في المرض يتوجب على المريض أن يكثر من ذكر النعم الإلهية ويشكر الله تعالى عليها، فبعد أن أُبتلي أيوب في ماله وأهله أُبتلي في بدنه حيث صار كالقرحة من قرنه إلى قدمه، ما خلا عقله وعينيه، وهما من النعم العظيمة عند الإنسان ولهذا بقي أيوب يحمد الله ويشكره دهراً طويلاً.
ويتوجب على المريض أيضاً أن يتوجه بكامل كيانه وبقلب صادق إلى الله تعالى طالباً منه الشفاء كما فعل النبي أيوب: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ).
ومن الأدعية الجميلة التي وردت في هذا الجانب، ما جاء في أدعية الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين(ع)، وكان من دعائه إذا مرض أو نزل به كرب أو بلية: ( اللهم صلِّ على محمد وآله، وحبِّب لي ما أحللت بي، وطهرني من دنس ما أسلفت، وامح عني شرَّ ما قدمتُ، وأجدني حلاوة العافية، وأذقني برد السلامة واجعل مخرجي من علتي إلى عفوك ... ).
كتمان المرض:
كما أن الصبر يعني الكتمان ولهذا فإن أيوب لم يشتكِ لأحد ما به من علة، بل كان صابراً كتوماً، ولهذا ينبغي على المريض أن يكتم علته، وقد وردت عدة كلمات في هذا الجانب عن أهل البيت (ع)، فعن أبي عبدالله (ع) قال: قال الله عز وجل أيما عبد ابتليتُه ببلية فكتم ذلك عوّاد ثلاثاً أبدلته لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، وبشراً خيراً من بشره، فإن أبقيته أبقيته ولا ذنب له، وإن مات مات إلى رحمتي)، وقال الإمام علي (ع): (من كتم وجعاً أصابه ثلاثة أيام من الناس وشكى إلى الله عز وجل كان حقاً على الله أن يعافيه منه)(3).
البحث عن العلاج:
ولكن هل يكفي أن يقاوم المريض مرضه أو أن يصبر، أو أن يدعو ربه لكشفه عنه؟
كلا، وإنما هناك مطالبة بالبحث عن العلاج في أية بقعة على هذه الأرض، ومهما كان الثمن، فقد قال الإمام الصادق (ع): ( أن نبياً من الأنبياء مرض فقال: لا أتداوى حتى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني، فأوحى الله إليه: لا أشفيك حتى تتداوى فإن الشفاء مني)(4)، وهذا ما نستوحيه من هذه القصة فبعد رحلة الصبر توجه أيوب إلى ربه طالباً الشفاء منه، ليأتي النداء : (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) وهنا عدة تأملات :
( اركض ) ابحث عن العلاج فلا يكفي ما تقوم به من دعاء وغيره.
العلاج بالماء البارد:
(مغتسل بارد) أعتقد أن هنا إشارة إلى أهمية العلاج الطبيعي عن طريق العلاج بالماء البارد، (حيث يؤكد خبراء صحة الجلد بأن مغطس ماء بارد للوجه يوميا يؤدي إلى اكتساب الوجه للبريق والنضارة الطبيعية؛ لأنه يعمل على زيادة ورود الدم إلى منطقة الوجه بعد تعرض الأوعية الدموية المغذية للوجه (لصدمة الماء البارد) مما يحفز الجهاز العصبي للعمل على إرسال إشارات عصبية للأوعية الدموية بالاتساع من خلال ميكانيكية فسيولوجية تسمَّى منعكس الاتساع، علماً بأن لهذه الميكانيكية استخدامات أخرى في اكتساب الصحة قبل التخلص من التوتر العضلي)(5).
فوائد الماء العلاجية:
(شراب) أعتقد أن هنا إشارة أخرى في العلاج عن طريق شرب الماء، وهنا نذكر بعض فوائد الماء العلاجية:
-1يعتبر مدر البول: سواء عن طريق شرب الماء نفسه أو عن طريق الحمامات الموضعية الساخنة وغيرها.
-2يعتبر منظف داخلي للجسم: فالماء يذيب وينقي ويستخرج السموم والمخلفات التي لا يحتاج لها الجسم.
-3يعتبر مكسب للطاقة: وذلك من خلال تناول المياه المعدنية, وعمل حمامات الأعشاب الباردة أو الدافئة.
-4يقضي على الإحساس بالألم حيث للثلج تأثير مخدر لالتهاب الأعصاب بالجلد.
-5يعتبر مهدئاً ومزيلاً للتقلصات: سواء عن طريق حمامات المياه الدافئة أو الكمادات الدافئة والباردة أو باستخدام الحقنة الشرجية وغيرها.
-6منشط قوي للدورة الدموية: وذلك من خلال تعرض الجسم للماء الساخن والبارد بالتبادل بمختلف الوسائل.
-7منشط ومجدِّد للحيوية في الجسم: وذلك عن طريق الماء البارد, أو حمامات البخار ودش الماء البارد.
-8مخفض للحرارة: عن طريق شرب السوائل وأخذ الحمامات الباردة السريعة، أو عمل الكمادات الباردة (5).
وبهذا يكون الماء خير علاج للكثير من الأمراض، وبعد أن اغتسل النبي أيوب من ذلك الماء وشرب منه عادت إليه صحته برحمة من الله وجزاءً لصبره وعبوديته وأوبته لله تعالى، وبهذه النهاية يرسم لنا النبي أفضل صورة للمريض الصابر المحتسب أجره على الله تعالى.
-----------------------------------------------------------------------------------
(((( منقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول))) ادعولي الله يهون علي وعلى المسلمات اخواتي ويرزق كل محرومة..
--------------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
(1) : التفسير المعين، ص 8.
(2) :الشيرازي ، الشيخ ناصر مكارم ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الطبعة الأولى 1421هـ مطبعة أمير المؤمنين ـ قم.
(3) : المدرسي، السيد محمد تقي، أحكام العبادات، ص 128 الطبعة الثانية 1422هـ ، دار محبي الحسين، طهران.
(4) : المصدر السابق، ص 12.
(5) : http://www.4banat.com/modules.php?name=News&file=print&sid=115
(6) http://www.geocities.com/mojezah_w/fawed.html

انوارالعمر @anoaralaamr
محررة ماسية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.




حصباة
•
جزاك الله خير ..
&&&&& رب لاتذرني فردا وانت خير الوارثين &&&&&
&&&&& رب لاتذرني فردا وانت خير الوارثين &&&&&
&&&&& رب لاتذرني فردا وانت خير الوارثين &&&&&
&&&&& رب لاتذرني فردا وانت خير الوارثين &&&&&
&&&&& رب لاتذرني فردا وانت خير الوارثين &&&&&
&&&&& رب لاتذرني فردا وانت خير الوارثين &&&&&
الصفحة الأخيرة
حبيبتى جزاكى الله خيرا وبارك فيكى وجعلة فى ميزان حسناتك باذن الله
واللهم اشفى كل مرضى المسلمين وانصر الاسلام فى كل مكان باذن الله