(( لا تحزن )) قصيدة من القرني إلى القرني حول قصيدته الأخيرة

الأدب النبطي والفصيح

لا تحـــــــزن

أ. د. ظافر بن علي القرني

أشعلت بالشعر عن عمدٍ قوافينا

فاصبر علينا فقد قامت بواكينا

أنا الحظيظ بذكرى منك حالمةٍ

جاءت تزفُّ القوافي والمضامينا

أعدتني لعهودٍ كلِّها شيمٌ

جميلةٌ هل درى اللاهي بماضينا

ماذا تقول لقومٍ لو وصفت لهم

بعض الحقيقة قالوا صار مجنونا

تقول بلقرن هل شاهدت ''رَجمتَنا''

في أوسط القاع تدفينا وتغنينا

كانت مغانيَ لا نبغي بها بدلاً

الزرع والضرع يزهو في روابينا

ننتاش منها ثمار الخوخ يانعةً

والتُّوت والنِّيم والرُّمان والتِّينا

حدائقٌ في غمامٍ زان منظرها

كأنَّه عن عيون النَّاس يخفينا

ولم يكن ثمَّ أنماطٌ مُنمَّقةٌ

الفرش تُربٌ ومن صخرٍ متاكينا

بها قضينا حياةً لا خمول بها

حاشى وكانت إلى خيرٍ مساعينا

لا تطلع الشَّمس إلاَّ بعد طلعتنا

ولا تغادر إلاَّ بين أيدينا

وفي السَّماء مصابيحٌ معلَّقةٌ

جمالها لجلال الله يهدينا

وأنت في قمم الأجبال في نِعَمٍ

ونحن ننعم في الوديان مثرينا

ما بيننا غير أكيالٍ مقدَّرةٍ

ولا علمنا ببعضٍ من تقاصينا

فلا المراكب بالأعيان تقربنا

ولا الهواتف بالأصوات تدنينا

ولا رسائل ''جوَّالٍ'' توجّهنا

ولا ''وساطة'' تعطينا وتلغينا

ذا بعض بلقرن والخيرات مقبلةٌ:

الأرض تثمرُ والأمطار تروينا

واليوم أضحت رسومًا لا حياة بها

كأنَّها غودرت من عهد هارونا

لا ماء لا طير لا أزهار نقطفها

ولا مرابع تُسْلينا وتشفينا

***

أمَّا مدارسها الأولى فمشغلةٌ

فما تجمِّعنا إلاَّ وتُصمينا

فيها تعلَّمت علمًا جلَّه عنتٌ

فيه الغريبَ وخالٍ من أسامينا

بدأت علمي ''بفيثاغُرسَ'' مقتنعًا

أن العلوم حبيبٌ لا يوالينا

ولم يقل أحدٌ ممَّن يُعلِّمنا

إنَّ المعارف قد شادت معالينا

وإنَّ من أمَّتي من أبدعوا وسعوا

بها وكانوا ميامينًا موامينا

وإنَّ منها الذي صارت معارفه

علمًا يصوغ الورى منه القوانينا

وإنَّ منها الذي في الكيمياء له

اسمٌ يُعطِّل أوهام المسمَّينا

وإنَّ منها الّذي في الضوء محترِفٌ

على سداد الرُّؤى ساق البراهينا

نصَّ المناظير في حقلٍ ومختبرٍ

فجرَّد العين من وهمِ المضلِّينا

وإنَّ منها الذي في الفُلك والفَلك -

الأسمى رجالاً مغاويرًا أساطينا

وإنَّ منها الذي خطَّ الخرائط -

تبيانًا ترى البحرَ رهوًا والبراكينا

وإنَّ منها الذي في الجبر قدَّمه

علمًا وعرَّف منه الصاد والسِّينا

وإنَّ منها الذي يجلو العيون إذا

غامت ومنها الذي خاط الشَّرايينا

وإنَّ منها الذي يعفو وفي يده

سيفٌ وقد أدرك الموتُ ''الشَّياطينا''

وإنَّ منها الذي يعطي إذا يبست

أرضٌ فماتت ومن يحيي المساكينا

ما قالها أبدًا حرٌّ ندين له

بها إذا وضع الله الموازينا

وما علمنا بأنَّ البرَّ عاش بنا

وأنَّ في البحر ما بارت مراسينا

فنحن رغم علومٍ في دفاترنا

نلامس الجهل لا دنيًا ولا دينا

حتَّى خرجنا إلى الغرب الذي خفقت

راياته بعد حينٍ في شواطينا

فبادرونا ''بديفنشي'' وقد ذهبت

منَّا العقولُ فما يأتون يرضينا

لولا بقايا أسامٍ في معارفهم

قلنا: المعارفُ لا منَّا ولا فينا

ولا علمنا ونحن المولعون بها

بأنَّ للشَّرق في العليا ميادينا

هنا فتحنا كتاب الكون فانبثقت

منه الشّواهد بالبرهان تأتينا

من بعد ما أُنزل القرآن في بلدي

تغيَّر الكون من روما لبكِّينا

من أجل هذا صنعنا مجدنا لهمُ

ممَّا علمنا وغادرنا النَّياشينا

عدنا إلى الشَّرق والأشواق تدفعنا

إلى ذويه وقد شابت نواصينا

عدنا إليه وعمْر الوهن مزدهرٌ

فكانت الحسرة الكبرى تبارينا

فلا العلوم التي جئنا بها نفعت

ولا ابتدرنا علومًا من نواحينا

وأنت تسعى بنور الله من زمنٍ

واليوم تشكو فما حال المقلِّينا

في غابةٍ قوتُها سمٌّ تداولُه

تشكو العقارب فيها والثَّعابينا!

انظر لحالي وقد مال الزَّمان بنا

أما ترى أنَّها طالت مهاوينا

بلغتُ لمَّا بلغنا الأربعين معًا

وما أرى لي سوى بضعٍ وعشرينا

وأنت ماضٍ على النِّبراس في مَهَلٍ

والعين منكم على تسعٍ وتسعينا

الحمد لله لا غبنٌ ولا ألمٌ

ما كانت الأرض شيئًا من أمانينا

أدري بأنَّك تدري أنَّ قيمتها

ما عادلت حفنةً من رمل يبرينا

****

هذا قرارك لا يرضى به أحدٌ

فاجعله مثلَ قرارات المحبِّينا

''هجر الجميع'' معاذ الله مهلكةٌ

أتجتوينا وما بانت دواعينا؟

أمَّا الذي لا يرى نهج الرَّسول سنًا

ولا قرا آيةً من رُبع ياسينا

وينطوي إن رأى شيخًا يخاطبنا

ويزدهي إن رأى ''نورا'' و''نسرينا''

فاهجره مهما يقل في كلِّ منتجعٍ:

إنَّ التَّديُّن أحلى من تدنّينا

يا أيُّها الشيخ لا ننساك ما عصفت

بنا الحياة وما شانت ليالينا

لا تحسب النَّاس في سعدٍ وفي دعةٍ

ما يعتريك وما يُشجيك يشجينا

جميعنا بذَّت الدُّنيا رغائبَنا

نبغي الثَّناء على أمرٍ فتثنينا

فهل ندرّس طلاَّبًا بجامعةٍ

لا يفقهون ولا يبغون تبيينا

ونتبع العلم في الدُّنيا بأوعية

بين اليدين بآلاتٍ تسلّينا

ونطلب البحث حتَّى لا نصيرُ غدًا

بلا متاعٍ ولا فكرٍ يغذِّينا

ونلتقي في لجانٍ كلُّها عبثٌ

باللَّغو تملؤنا وهمًا وتشقينا

ونحتفي في لقاءاتٍ مبعثرةٍ

ضيفٌ يروح وضيفٌ في ضواحينا

أولى الجميع بهجرٍ من يعاتبنا

إذا نسينا ويُنسينا إذا جينا

يا شيخنا عصرنا رغم استنارته

أضحى به يفقد المرء العناوينا

فهل عرفتَ حياةً لا حياة بها

حتَّى ترى أن في أفعالنا لينا

أستغفر الله أن تنسى مودتنا

ويصبح الود للذّكرى قرابينا

بيني وبينك دين الله رابطةً

عظمى على العهد تبقيكم وتبقينا

بيني وبينك ماضٍ حاضرٌ وغدٌ

زاهٍ لبلقرن بعد الضهد يحيينا

بيني وبينك أشعارٌ نسطِّرها

تقول: كلُّ المعاني من معانينا

أنا وأنت تهادينا الكتاب رضىً

والآخرون تهادوها ملايينا

فقم بحملك واحمد من حباك هدى

لا تترك الحزن يغويكم ويغوينا

هذا كتابك عالجت الحياة به

فكيف نسقي الذي قد كان يسقينا
5
769

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

moobdah
moobdah
قصيدة قوية ورائعة

سلمت يداك أخيتي
شموخ العزة
شموخ العزة
فقم بحملك واحمد من حباك هدى

لا تترك الحزن يغويكم ويغوينا

هذا كتابك عالجت الحياة به

فكيف نسقي الذي قد كان يسقينا

معاني سامية..وانتقاء جدُ راقيٍ ..

بورك فيكِ..وفي ذائقتكِ..

دمتِ بخير..
سولاف3
سولاف3
قصيد رائعة بالفعل

شكرا لك أختي العزيزة
جنوبية وبس
جنوبية وبس
وهذه من القرني إلى القرني أيضاً:
من وحي قصيدة الدكتور عائض القرني (القرار الأخير)


انـثُر مدادَك حيـنا ، أبقِـهِ حيـنا
وألـقِ زهـرَ الروابي في نواديـنا
هـذا البيانُ الذي نظَّمتَ جوهـرَهُ
كالأنجـُمِ الزهرِ تزهو في لياليـنا
ذكرتَ (بلقرنَ )والذكـرى مؤرقـةٌ
أعْيَتْ يراعَـك تحبيـرا وتدوينا
ذكرتَ من حسنِها ما كنتَ تعـرفُهُ
وما تربعـتَ في أفـيائِهِ حيـنا
ولو سـألتَ جميعَ الناسِ لانطلقـوا
كلٌ يغـنِّي على لـيلاهُ ( مجنونا)
بلقرنُ في حسنِها الفـطريِّ غـانـيةٌ
يزيدُها الحبُّ في عينـيك تحسينا
بلقرنُ جوهـرةٌ عِقـدُ السـراةِ بهـا
يزدانُ لولا شحوبٌ بات يؤذيـنا
لولا الندوبُ بـوجهِ البدرِ ما نُظِمَت
روائـعُ الشعرِ نرويها دواويـنا
بلقرنُ يـا صـاحبي غـنت بلابلُهـا
مزهوةً فاستجاب الدوحُ محزونـا
بلقرنُ يـا صاحبي ما عـاد يطربُهـا
ما أبـدعَ الناسُ منثورا وموزونـا
سـيانِ في عرفِهـا شـدوٌ ونائحـةٌ
صـوتُ النعـيِّ وأنغـامُ المغنيـنا
بلقرنُ يـا صاحبي أخـفى محاسنَهَـا
زيفُ التكـلُّفِ تنسيقـا وتلوينـا
أخـفى محـاسنَهَـا قـومٌ أضرَّبهـم
حبُ المظاهرِ مكشوفا ، ومدفونـا
هم عـالـةٌ في ثيـابِ المترفـين إذا
رأيتَ بعضَـهُمُ أبصـرتَ قارونا !
إن قلتَ:لِيـنُوا تمـادَوا في تصلُّبهم!
كأنمـا يكرهون العطفَ واللِّيـنا
تكـدرت بهِـم الأوطـانُ إن لهـا
من أهلِهـا سِمةً قبحـا وتزييـنا
***
بلقـرنُ كم هـام قلبي في مرابعِهـا
تركتُ عقلي بهـا هيمانَ مفتونـا
ذكرتُ فيهـا عشيـاتِ الصِّبا فهفت
نفسي،وعدتُ كسيرَ القلب مغبونا!
ذوَى الجمـالُ الذي قدكنتُ أعرفُـه
وصـوَّحَ النبتُ حتى صار مطحونا
ما عُـدتُ أسمعُ فيها صوتَ ساقـيةٍ
ولا السواني ولا شـدْوَ المسقِّيـنا
ولا الرعـاةَ إذا راحـوا يحُـفُّ بهم
في سـاحةِ الدارِ جـيرانٌ وأهلونا
ولا السـنابلُ بالخيـراتِ تتحفُـنا
ولا العيونُ بعـذبِ الماءِ ترويـنا
ولا الهـواءُ الذي كانت نسـائمُـُه
تُضَمِّخُ الحقـلَ ريحانـا ونسرينا
ولا الغـيومُ وما كانت تجـود بـه
فتـرسلُ الودقَ بالبشرى يغادينـا
قد نطلقُ الطرفَ في الوادي فيحـزنُنا
ونرجعُ الطرفَ مـراتٍ فيُبكيـنا
عثت بهـا الآلةُ الصمـاءُ فانطلـقت
تقلـدُ الفاتنـاتِ الخـرَّدَ العينا !
أضاعت الحسـن مطبوعـا لتجلـبه
مصـنَّعـاً ! إنها إحدى دواهيـنا
***
بلقرنُ يا هالـةً فـوقَ السـراةِ ويا
أنشـودةً عـذبةً رددتُها حيـنا
ما لي أرى البلـبلَ الغِـرِّيدَ مكتئـبا؟
وطالمـا كان بالألحـانِ يشجيـنا
يشكو الثلاثينَ بعد العشر كيف بِـِه
إذا تجـاوز في الحُسـبانِ ستيـنا!
الأربعـون تمـامٌ قـد فطـنتَ لَـهُ
والنقصُ يكمنُ في أثـوابِ عشرينا
دع عنكَ هـذا وأسـرج للعُلا هِمَماً
أنت المجلِّي ، فدع عنك المصلِّيـنا
وإن جفـانا صديقٌ كـان يألفُــنا
أو استـبدَّ بـنا خصمٌ يعاديـنا
آمـنتُ بالله !! هذا الداءُ حـل بنـا
ما كـان إلا جـزاءً عن تماديـنا
ما كـدَّر العـيشَ والأرزاقُ وافـرةٌ
إلا الذنوبُ ؛ فشؤمُ الذنبِ يرديـنا
رفقـا بنفسِـك فالأقـدارُ ماضـيةٌ
في اللوحِ قد حُفِظَت علما وتدوينا
فقُل وأنصت وعش ما شئتَ مبتهجـاً
بفضل ربك حُزتَ العلمَ والديـنا
واسلك من الطرقِ السمحاءِ أوسطَهَـا
إن رُمتَ في الأرضِ تأييداً وتمكينا
دع الغُـواةَ وإن زلَّـت بهـم قـدمٌ
إن طففُوا الكيلَ أوخانوا الموازيـنا
والحاسدون وإن فاضت سخـائمُهُم
أو كان تعدادُهُـم يوما مـلايينا
هم نعــمةُ الله إيذانـاً بفضلِكـم
كالعـودِ يزكو إذا ما زاد تدخيـنا
كالوردِ في الغصنِ مغمورا فإن عُصِرت
أزهـارُهُ فاح في الأردانِ يُذْكـينا
في شـرعـةِ الله ثوبُ العدلِ منبسطٌ
أكرم بدينٍ بنـاهُ (المصطفى)ديـنا
هـذي التحـيةُ أهديهـا معطرةً
وما أظـنُّك إلا سـوف تهديـنا0


محمد بن عائض القرني - مكة المكرمة