لنكن واقعيين

الملتقى العام

ما أجمل أن نكون واقعيين في حياتنا وتفكيرنا، وما أشد مانجنيه حين نفرط في المثالية ونغرق فيها.
حين يفكر الإنسان ويخطط لعمل أو مشروع، فإنه يتطلع نحو تحقيق أهدافه، ويبحث عما يعينه على تحقيقها، فيغفل عن افتراض العقبات والصعوبات، ويتخيل العلاقة بين كثير من المتغيرات علاقة محكومة بقانون مطرد لايتخلف، وأن كل العوامل التي تحكمها تسير في الاتجاه الذي يظن، أو ربما يريد.

لكنه يفاجأ حين ينزل إلى أرض الواقع فتكون الأمور على خلاف مايظن.

وحين يرسم المربي أهدافاً يريد أن يوصل أبناءه إليها، فربما اختلطت طموحاته وأمنياته بأهدافه الواقعية، فخرج بتصور مثالي لايعايش الواقع.

فيكتشف حينها ضعف الناس أو ضعف قدرته، وهو اكتشاف ربما كان خاطئاً.

وحين يتحدث واعظ، أو يخطب خطيب فإنه قد يخاطب الناس على أنهم ملائكة أطهار، فمن عرف الله فكيف يعصيه، ومن راقبه لا يمكن أن يواقع خطيئة، وينسى المتحدث أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يخاطب الناس بغير ذلك، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم »والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم«(). وعن أبي صرمة عن أبي أيوب أنه قال حين حضرته الوفاة كنت كتمت عنكم شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:»لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون يغفر لهم«(). وأنه كان يقول :»والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات«().

وربما اكتشف فيما بعد أنه أول من يخالف الناس فيما يدعوهم إليه.

وحين يتصدى شخص لتقويم عمل أو مسلك فربما خرج عن الاعتدال، وطرح انتقاداً لايبقي على الأخضر واليابس - وكثيراً مايكون ذلك عند الأذكياء والمفكرين –.

لكنه حين يطالب ببرنامج عملي، أو حين يحال الأمر إليه للتنفيذ فقد لايجيد تحقيق ما يصبو إليه، وأسوأ من ذلك أن يتمنى أن تعود الأمور إلى الحال التي كان ينتقدها.

إنها مواقف تحصل في أحوال ليست بالقليلة في حياتنا، ويجمعها قاسم مشترك ألا وهو المثالية، وتجاهل الواقع وعدم التعامل معه بصورة صحيحة.

ومن أهم مايعين على تجاوز هذه المشكلة الفهم الدقيق للواقع الذي يعيشه المرء، وتقييمه بشكل أدق.

والواقعية في تصور المتغيرات التي تؤثر في ظاهرة من الظواهر، وأين اتجاه التغيير؟ ومانسبته؟ ومانسبة احتمال سيرها في الاتجاه الذي نتوقع؟

كما يمثل الاعتدال في التفكير، والاتزان في الطرح ونقاش الأمور جانباً مهماً من جوانب العلاج، ومالم نعتد الاتزان والاعتدال في تفكيرنا وتناولنا لمشكلاتنا فلن يجدي حديثنا النظري في نقلنا خطوة لتجاوز مشكلاتنا.

لكن رفض المثالية يجب أن يحاط هو الآخر بسياج من الاعتدال يجنب المتحدث من تجاوز الحد الشرعي؛ فالإفراط في الرجاء أمن من مكر الله، ولايجوز أن يعالج به القنوط من رحمته.

والإفراط في الواقعية ربما يولد نفساً دنية الهمة، ضعيفة العزيمة، تستلم للأمر الواقع، وترفع شعار : (أن الواقع شيء والمفترض شيء آخر) في وجه كل من يدعوها لترتفع عن واقعها غير المرضي.

إنها سنة الله في الحياة الوسطية والاعتدال، فسبحان من جعل لكل شيء قدراً، وسبحان من أحسن خلقه ((الشمس والقمر بحسبان)) ((وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وماننزله إلا بقدر معلوم)).


---------------------------------------------

() رواه مسلم (2749)

() رواه مسلم (2748)

() رواه مسلم (2750)
=============================================
من مقلات الشيخ محمد الدويش حفضه الله



------------------
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:

" أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ما عشت - بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى، وأن لا أنام حتى أوتر ".

هذا لمن لا يغلب على ظنه أنه سيقوم آخر الليل لأن الوتر آخر الليل أفضل. قال صلى الله عليه وسلم : الوتر ركعة من آخر الليل ".
1
825

هذا الموضوع مغلق.

ام عمر
ام عمر
بارك الله في علمك يا شيخ ..
وبورك من سماك الجواب الكافي ..
واسأل الله سبحانه ان يرزقنا2% من النشاط الذي عندك ... بارك الله فيك وسدد خطاك ..