سؤال عن حديث فيه أن لمن تمسّك بالدين في آخر الزمان يكون له أجر خمسين من الصحابة .
هل هو صحيح ؟
وإذا كان صحيحا كيف يكون له أجر خمسين من الصحابة ؟
الجواب
الجواب :
الحديث رواه ابن نصر في كتاب السُّنة بلفظ :
إن من ورائكم أيام الصبر ، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم . قالوا : يا نبي الله أو منهم ؟ قال : بل منكم .
والحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله بمجموع طُرقه .
وأما كيف يكون له أجر خمسين من الصحابة فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، هذا أولاً .
وثانياً : قد يَفْضُل العمل باعتبار الزمان أو المكان – وفيه تفصيل - .
ثالثاً : لا يعني ذلك أن يكون المتّصف بذلك أفضل من الصحابة .
وبيان ذلك :
أنه من المعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء ، وهو خيرهم وخاتمهم .
وتفصيل ذلك سبق هنا :
http://www.*********.net/vb/showthread.php?s=&threadid=21843&highlight=
ومع ذلك فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضائل لبعض الأنبياء ، حيث ذكر أن إبراهيم خليل الرحمن ، وأن موسى أذي بأكثر مما أُوذي به النبي صلى الله عليه وسلم فصبر ، إلى غير ذلك مما ذُكر من فضائل الأنبياء ، ولا يعني ذلك تفضيلهم على نبينا صلى الله عليه وسلم .
ولأنبياء هو صفوة الله من خلقه .
ويُقال في فهم هذا الحديث أن العمل الصالح يكون فاضلا باعتبار الزمان ، وهنا وصف النبي صلى الله عليه وسلم أيام الشدّة بأيام الصبر ، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام : سبق درهم مائة ألف درهم . قالوا : وكيف ؟ قال : كان لرجل درهمان تصدّق بأحدهما ، وانطلق رجل إلى عرض ماله فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها . رواه الإمام أحمد والنسائي .
فصاحب الدرهمين لما تصدق بدرهم كأنه تصدّق بنصف ماله ، وإن كان الآخر الذي تصدّق بمائة ألف أنفع للمسلمين وأكبر أثراً .
وقد يكون العمل فاضلا ويفضل غيره بما يقع في قلب الشخص ، كما هو الحال في البغي الذي سَقَتْ كلباً فغفر الله لها . والقصة في الصحيحين .
وكحال الرجل الذي وجد غصن شوك في الطريق فأخّره ونحّاه ، فغفر الله له . والقصة في الصحيحين .
ثم إنه عليه الصلاة والسلام قال في هذا الحديث : للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم .
فخص الأيام بالصبر ، وخص الأجر بالمتمسّك ، وهذا اللفظ يدلّ على شدّة التمسّك ؛ لأن الإمساك يكون برفق بخلاف التمسّك .
هذا من ناحية
ومن ناحية أخرى فإنه ذكر التمسّك بما كان عليه الصحابة لا دين ملفّق من أديان ، ولا دين مرقع ، بل " بما أنتم عليه "
وقد ذكر رسول الله وصف الفرقة الناجية فقالوا : ومن هي يا رسول الله ؟ قال : ما أنا عليه وأصحابي .
ثم إن الصحابة كانوا يجدون على الخير أعوانا ، والمتمسّك في أيام الصبر قد لا يجد على الخير أعوانا ، بل ربما كان مُحارَبا مُطارداً مُتّهما لتمسّكه بِدِينه ، كما هو مشاهد في كثير من أصقاع الأرض .
والمجتمع كان يُعين على التمسّك لأن المخالف كان يُنبذ بخلاف زمان الصبر وأيام الشدائد ، فإنه قد يكون المتمسّك بدينه هو المنبوذ !
ولذا قال الإمام الذهبي في سيرة عمر بن عبد العزيز رحمه الله :
كان هذا الرجل حسن الخلق والخلق كامل العقل حسن السمت ... ناطقا بالحق مع قلّة المعين وكثرة الأمراء الظلمة الذين مَلُّوه وكرهوا محاققته لهم ونقصه أعطياتهم ، وأخذه كثيرا مما في أيديهم مما أخذوه بغير حق ، فما زالوا به حتى سقوه السمّ ، فحصلت له الشهادة والسعادة ، وعُـدّ عند أهل العلم من الخلفاء الراشدين والعلماء العاملين . اهـ .
وليس معنى هذا أنه أفضل من معاوية رضي الله عنه ، والذي عـدّه العلماء الخليفة الخامس ؛ إذ هو الخليفة الذي حكم مدة طويلة بعد الخلفاء الأربعة ، ولكن كان معاوية يجد على الخير أعواناً ، وعمر بن عبد العزيز قلّ مَن يُعينه ، كما ذكر الإمام الذهبي رحمه الله .
ثم إن تفضيل الصحابة رضي الله عنهم لا يعني تفضيل كل فرد من أفرادهم على كل فرد من أفراد من بعدهم ، فقد يفضل بعض الناس بِعلْم أو فضل وعدل ، ما يفوق به بعض أفراد الصحابة رضي الله عنهم في عظيم أثره في الأمة ، وإن كان لا يُداني كبارهم في المنـزلة ولا في الفضل .
فإن الصحابة منهم السابق ومنهم المهاجر ومنهم من تأخر إسلامه ، كالذين أسلموا بعد الفتح ، وتباينت مراتب الصحابة لذلك ، لذا قال عز وجل : ( لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى )
ومما ينبغي أن يُعلم أنه لا مَطمع في بلوغ مراتب الصحابة ولا فضلهم .
فالصحابة قد زكّاهم الله وشهد بفضلهم وأجمعت الأمة على أنهم خير الناس بعد نبيِّهم صلى الله عليه وسلم بشهادته صلى الله عليه وسلم لهم .
ويجب أن لا يغتر الإنسان بعمله فيظن أنه بلغ مراتب الصحابة أو أنه يُدانيها
فقد سمعت أنه قيل عن بعض الناس اليوم : صحابي يعيش في القرن الخامس عشر الهجري !
ألم يبلغهم قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله وقد قيل له : يا أمير المؤمنين لو أتيت المدينة فإن قَضى الله موتاً دُفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : والله لأن يعذبني الله بغير النار أحب إلي من أن يعلم من قلبي أني أراني لذلك أهلا .
قال ذلك أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الذي عدّه بعض العلماء خامس الخلفاء لمشابهته لسيرهم في العدل والزهد .
فماذا يقول غيره ؟
الذي ربما رأى أنه مثل الصحابة أو أنه يُمكن أن يبلغ ما بلغوا ، وربما كان موغلا في الموبقات ، أو كان مُنطرحا بين الشهوات والشُّبهات ، أو كان ممن لم يُقدّم لِدِينِه سوى فضلة وقته – إن قدّم – أو لم يتذكر أن له ديناً يحمله .
وهو مع ذلك يرجو أن ينال مراتب الصحابة !
هيهات هيهات !
ألم تـرَ أن السيف ينقص قدره *** إذا قيل أن السيف أمضى من العصى !!
المصدر شبكة المشكاة الإسلامية
ياصاحب الظل الطويل @yasahb_althl_altoyl
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الصفحة الأخيرة