
في بهم الليل .. والنسيم يتسلل من مخبئه لينطلق حرا في الفضاء الشاسع .. يتراقص ويتمايل تحت النجوم المتلألئة التي تنظر اليه بسعادة نظرة من رأى صديقا عزيزا غاب عنه لفترة ..
وفي وسط هذا السكون .. هذا النشيد السرمدي المتصل الذي له من الروعة في القلب والاثر في النفس ما لايكون مثله لتلك الموسيقى المتكلمة الهزيلة .. الصاخبة الضاوية .. التي تخرج من افواه ضيقة .. وآلات حقيرة جامدة ..
ولن تبلغ العظمة الا اذا خرجت من اغصان الدوح الذي يرتل ترتيلة العاصفة .. او السحاب الذي يغني اغنية الرعد .. او البركان الذي يزأر زئير الموت .. او الصمت .. اغنية الوجود كله ..
لكن .. لابد للصمت من انقطاع وان طال ..
وفي مشهدنا هذا .. نسمع فرقعة هائلة .. ودوي يصم الاذان .. فيمزق الصمت تمزيقا وينثر اشلاءه المرهقة عبر الافق الاسود وعلى اكتاف النسيم الهارب من عاصفة هوجاء ورياح شديدة قد تحطم خصره المهتز اذا لامسته باطراف اثوابها .. فيولي فارا .. يحمل معه صدى اصوات بعيدة عميقة .. كانها خارجة من اجواف الغيران .. او من بطون القبور ..
اهي من صنع الواقع ؟ ام من تزوير الخيال ؟
لا بل هي من جوف السماء .. قطرات ماء .. رذاذها ينعش القلوب الظمأى .. ويبلل اوراق الشجر العطشى المتمايلة على الاغصان ..
وتنظر الى السماء ..
فترى السحب قد غطت بكيانها الهائل نجومنا المرتاعة ..
وترى تلك الخطوط المتكسرة الناطقة بضوء يبهر الانظار ..
ذلك المشهد الذي لم يفقد روعته عبر التاريخ كله .. رغم تكرره لآلاف المرات .. الا اننا نجد انفسنا تتوق اليه ..
وكأن له مذاق الشهد الابيض ..
وننظر اليه بعينين تبرقان نشوة وسعادة .. وتتأملان هذا الحلم الممتع من احلام الحياة .. لتجد عظمة الله وقدرته قد تجسدت في هذه الصورة الباهرة الجمال ..
وكأن ريشة خفيفة قد مرت عليها ورسمتها في هدوء .. وكونت لنا جمالا خلابا لايفنى ابد الدهر وعلى مدى الايام ..
خرير الماء يستمر وصوته يعلو ثم يخفت ..
الارض المبللة الرطبة تنفث رائحة خاصة لطالما تباهت بها الامطار كونها المالكة الوحيدة لها من دون المخلوقات اجمعين ..
جذوع الاشجار متعانقة تهنيء بعضها بربيع جديد قد اقبل باثوابه الخضراء مع هذا المطر وتلك السحب التي تسري في السماء وتفجر ينابيع مياهها فوق رؤوس مخلوقات الارض الساكنة المستسلمة لجاذبيتها ..
ولولا انها تمنعها لحلقت في السماء العالية لتسير مع الغيوم المعبأة بالمياه الباردة .. ولكن هاهو الليل يتشقق بخيوط الفجر الندي ..
والشمس تطلع في هدوء معلنة نهارا ممطرا ..
وهي تغطي رأسها بمظلة من الاشعة الدافئة ..
فتحجب اشعتها عن التوجه والانطلاق نحو الارض حتى لاتجفف المياه الراكدة في الاراضي وتفقدنا متعة ليلة لامعة بقطرات الماء المتساقطة ..
وهي تعلم ان دورها لهذا اليوم لن يكون ذا اهمية .. بل على الاصح لن تؤدي دورها الساخن ..
وكل ما عليها هو ان تسبغ اضواءها الرقيقة على كائنات الله الارضية ..
برودة الامطار الفجرية تلامس برقة كل البشرات والاجساد .. كما يلمس الطفل بيده الصغيرة وجنة امه لمسة حانية ..
والنسيم الذي فر بالامس .. قد عاد على اطراف اصابعه يتربص في الفضاء عاصفة البارحة فلا يجدها ..
فيهرول سعيدا باوسع خطواته ..
ويعبر عن مدى سروره باصطدامه بكل ما يقابله وكانه يصافحه ويلقي عليه سلام الصباح ..
ومع اشراقة الفجر الجديد .. نحلم بليلة ممطرة اخرى
وليلة ثانية وثالثة ورابعة ........... الى اخر الزمان .
--------------------
قطرات المطر تلامس عطشي كأني لاول مره المس مفرده المطر انها جمال لا يفنى !
اخبريني قبل ان اخبرك لماذا جمال المطر لا يفنى؟
بلغت خاطرتك قمه روعتها في منتصفها،وان كنت استغرب كيف ان للنسيم مصافحه اكثر من اللمس!!
لي عوده فالمطر بنقر نافذتي!