مـن هدي النبي صل الله عليه وسلم في شعبان

ملتقى الإيمان

( بعضٌ من هديه وقبسٌ من نوره ﷺ ُ )
الحـمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وبعد:
شهر شعبان من الأشهُر القليلة التي يهتمُّ بها المسلمون، فكان سلفنا الصَّالح يهتمُّون بصوْمِه اقتداءً برسول الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ثمَّ درَج الخلف على الاهتِمام ببدع ما أنزل الله بها من سلطان، خاصَّة في ليلة النِّصْف من شعبان، ونحن نعرض لهذه السنن نرغِّب فيها، ولهذه البدع نحذِّر منها.
 
فائدة: سمِّي شعبان بهذا الاسم لأنَّهم كانوا يتشعَّبون في الغارات بعد أن يَخرج شهر رجب الحرام، أو لتشعُّبهم في طلب الماء، والأوَّل أوْلى وأرْجح.
 
1- صوم شعبان:
كان النبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يَحتفي بشعبان ويصوم فيه أكثرَ من غيره من الشُّهور، حتَّى يُقال: لا يفطر؛ كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم: "كان رسول اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يصومُ حتَّى نقول: لا يفطر، ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيتُ رسولَ اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - استكمل صيام شهر إلاَّ رمضان، وما رأيتُه أكثر صيامًا منْه في شعبان".
 
وعن عائشة أيضًا - رضي الله عنها - قالت: لَم يكُن النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يصومُ شهرًا أكثر من شعبان، وكان يصومُ شعبان كلَّه، وكان يقول: ((خذوا من العمل ما تطيقون فإنَّ الله لا يمَلُّ حتَّى تملُّوا))، وأحب الصَّلاة إلى النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ما دُووِم عليه وإن قلَّت، وكان إذا صلَّى صلاة داوم عليها؛ متَّفق عليه.
وفي رواية لمسلم: "كان لا يصوم من السَّنة شهرًا تامًّا إلاَّ شعبان يصِلُه برمضان".
 
قال بعض أهل العلم: إمَّا أن يُحمَل قولُ عائشة في صيام شعبان كلّه على المبالغة، والمراد أنَّه كان يصوم الأكثر، وإمَّا أن يجمع بين النُّصوص على أنَّ قولَها الثَّاني متأخِّر عن قولِها الأوَّل، فأخبرت عن أوَّل أمْرِه أنَّه كان يصوم أكثَر شعبان، وأخبرت ثانيًا عن آخِر أمره أنَّه كان يصومه كلَّه، وقيل: المراد أنَّه كان يصوم من أوَّله تارة، ومن آخِره أخرى، ومن أثنائِه طورًا فلا يُخلي شيئًا منه من صيام، ولا يخصُّ بعضَه بصيام دون بعض.
 
ونقل الترمذي عن ابن المبارك أنَّه قال: جائزٌ في كلام العرب إذا صام أكثر الشَّهر أن يقول: صام الشهر كلَّه، ويقال: فلان قام ليلته أجْمع، ولعلَّه قد تعشَّى واشتغل ببعض أمره.
 
2- صوم سرر شعبان:
السرر: هي الأيَّام الأواخِر من الشَّهر، سمِّيت بذلك لاستِسْرار القمر فيها، وهي ليلة ثمان وعشرين، وتسْع وعشرين، وثلاثين.
 
وقيل: سرَر الشَّهر أوله، وقيل: وسط الشَّهر لأنَّ السرر جمع سرة، وسرَّة الشيء أوسطه، ويؤيِّده الندب إلى صيام البيض وهي وسط الشَّهر، ولأنه لم يرِد في صيام آخر الشَّهر ندب، بل ورد فيه نَهي خاص، وهو صيام آخر شعْبان لمن صامه لأجل رمضان.
 

وفي الصَّحيحين: عن عمران بن حصين عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أنَّه سأله فقال: ((هل صُمْتَ من سرر هذا الشَّهر شيئًا؟))؛ يعني شعبان، فقال: لا، قال: ((فإذا أفطرت فصُم يومين))؛ اللَّفظ لمسلم.
 
ويتبيَّن من جَمع روايات هذا الحديث أنَّ السُّؤال وقع في رمضان، والمسؤول عنه سرر شعبان؛ ولهذا قال في آخِره: ((فإذا أفطرت))، يعني من رمضان، ((فصم يومين)) عوضًا عن سرر شعبان.
 
3- النهي عن تقدُّم رمضان بصوم يومٍ أو يومَين:
عن أبي هُرَيْرة - رضِي الله عنه - عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يتقدَّمنَّ أحدُكم رمضانَ بصومِ يومٍ أو يومَين، إلاَّ أن يكونَ رجُلٌ كان يصوم صوْمَه فليصم ذلك اليوم))؛ رواه البخاري.
 
قال العلماء: معنى الحديث: لا تستقْبلوا رمضان بصيام على نيَّة الاحتِياط لرمضان.
 
وقال الترمذي بعد أن أخرج الحديث: العمل على هذا عند أهل العلم، كرهوا أن يتعجَّل الرَّجُل بصيام قبل دخول رمضان لمعنى رمضان، ومثل هذا حديث عمَّار بن ياسر في صيام يوم الشَّكِّ ولفظه: "مَن صام اليوم الذي يشكُّ فيه فقد عصى أبا القاسم - صلَّى الله عليه وسلَّم"، وكذلك الحديث الَّذي أخرجه أصحاب السُّنن وصحَّحه ابن حبَّان وغيرُه عن أبي هريرة مرفوعًا: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)).
 
وقد قال بعض الشَّافعية: يحرم تقدُّم رمضان بصوم يوم أو يومين، ويُكْرَه

 
4- الحكمة من صيام شعبان:
ولكن ما الحكمة في إكْثار النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من صوْم شعبان؟
قيل: كان ينشغل عن صوْم الأيام الثَّلاثة من كلِّ شهرٍ لسفر أو غيره، فتجتمع فيقضيها في شعبان، وقد رُوِي في ذلك حديث ضعيف.
 
وقيل: كان يصنع ذلك لتعظيم رمضان، ورُوي في ذلك حديث ضعيف أيضًا، وقيل: كان يُكْثِر من الصَّوم في شعبان لما يفوتُه من التطوُّع في رمضان، فصيام رمضان فريضة، والنَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ما كان يُخلي شهرًا من الشُّهور من صيام تطوُّع، إلاَّ رمضان فلا تطوُّع فيه، فكان يكثِر من صوم شعبان لما يفوته من التطوُّع في رمضان.
 
وأصحُّ ما قيل في ذلك أنَّه شهر يغفل عنْه النَّاس بين رجب ورمضان؛ كما في حديث النَّسائي وأبي داود وابن خُزيمة عن أسامة بن زيد، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، لَم أرَكَ تصومُ من شهْرٍ من الشُّهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ((ذلك شهرٌ يغفل النَّاس عنْه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يُرفع عملي وأنا صائم)).
 
5- قضاء صوم رمضان في شعبان:
يَجوز تأخير القضاء لِمن أفطر في رمضان لعُذر إلى شعبان، ويحرُم تأخير القَضاء بعد ذلك لغير عذْر شرعي.
 
وقد كان نساء النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يؤخِّرْن صيام الأيَّام التي يُفْطِرْنَها من رمضان حتَّى يَجيء شعبان، فيقْضينها فيه؛ وذلك لحاجة رسول اللَّه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ففي الصَّحيحيْن من حديث عائشةَ - رضِي الله عنْها - قالت: "كان يكون عليَّ الصَّوم من رمضان، فما أستطيع أن أقضِيَه إلاَّ في شعبان".
 
وقد كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يكثر الصَّوم في شعبان؛ فلذلِك كان لا يتهيَّأ لها القضاء إلاَّ في شعبان لتصوم معَه - صلَّى الله عليه وسلَّم.
 
الـلهم أنفعنا بما علمتنا وزدنا علما، الـلهم صل على محمد وعلى أله وصحبه وسلم تسلمياً كثيرا.
4
701

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

لفني الصمت
لفني الصمت
بارك الله فيك ونفع بك أخيتي الحبيبة..

سبحان الله وبحمده ..سبحان الله العظيم..
عاطفية00 بعقل واعي
بارك الله فيك ونفع بك أخيتي الحبيبة.. سبحان الله وبحمده ..سبحان الله العظيم..
بارك الله فيك ونفع بك أخيتي الحبيبة.. سبحان الله وبحمده ..سبحان الله العظيم..
سبحـان الله وبحمـده سبحـان الله العظيـم

اللهـم صل وسلـم على محمـد
ذكرى الفجر
ذكرى الفجر
جزاكِ الله خيراً وجعله في ميزان حسناتك
معدن أصيل
معدن أصيل
جزاك الله خير

سبحان الله و بحمده