بارلا
بارلا
للقراءة
بارلا
بارلا
للقراءة
للقراءة
اخترت لكم لهذا اليوم مقال رائع للدكتور البكار

أرجو أن ينال إعجابكم


رُشْد منقوص
د. عبد الكريم بكار 17/10/1429
16/10/2008

الإنسان مجمع ضخم للمتناقضات، فهو كائن شديد الذكاء عظيم الوعي، مبدع ومخترع وقادر على التفكير في نفسه، وهو إلى جانب ذلك صانع للوهم و الخرافة ومستهلك لهما، وقابل للمتاجرة والتزييف في كل زمان ومكان. هناك سؤال جوهري من المهم أن نجيب عليه، وهو أن الإنسان الذي يخترع اليوم كل الأشياء الدقيقة، ويحسب بعض الأنشطة بواحدة على ألف من الثانية، ويقدِّر أعمار بعض المخلوقات بملايين السنين... هذا الإنسان شديد التخبط والارتباك في كثير من جوانب حياته، ومن السهل خداعه وإغراؤه بما فيه هلاكه وحتفه، ولا أ شعر أن هناك أي أمل في التخلص التام من هذه الأمور. فما أسباب هذه الوضعية؟ وكيف يمكن أن نتعامل معها؟
هذا ما أحاول الإجابة عنه في هذه المقالة وما بعدها.
إن العقل الإنساني غير مكتفٍ بنفسه، بمعنى أنه لا يستطيع صناعة الوعي بالعالم من حوله اعتماداً على قواه ومعطياته الذاتية، وإنما يحتاج إلى تثقيف مقصود، وإلى بيانات ومعلومات يشتغل عليها حتى يتمكن من بلورة مفاهيم ومقولات ومدركات تضيء طريقه، وتسدِّده في عمله، ودليل هذا ذلك الفارق الكبير بين المحاكمة العقلية التي نجدها عند المتعلم تعليماً عالياً وبين شخص بدائي أو أمي أو شخص نال القليل من المعرفة والخبرة. ولا بد من أن نلاحظ إلى جانب هذا أن كل الناس يفكرون وينظِّرون، ويُصدرون الأحكام، ويحاولون فهم أسباب وتداعيات الأحداث، ولا شك أن في الناس من هو غبيّ، ومنهم من هو مصاب بمرض عقلي أو نفسي، وفيهم المأزوم والذي يشعر بالظلم الشديد ومشبوب العاطفة وسوداويّ المزاج... وهؤلاء جميعاً قد يعجزون عن التفكير بطريقة صحيحة في كل الأحوال وكل المسائل، ولذا فإنهم يُساهمون على نحوٍ ما في تشويش الإدراك الإنساني العام، وفي تقديم أفكار ومعلومات مشوَّهة، والمشكل أن الذين عافاهم الله –تعالى- من هذه المشكلات لا يستطيعون إدراك تلك النقائص وآثارها على نحو جيد، وهذا يسهِّل انتشار الأفكار والأحكام الخاطئة. حدثني مرة أحد الأشخاص المتعلمين عن أنه رأى في ساحة كلية الطب في بلده شخصاً مقتولاً، وقد ألقاه من غدر به في بركة ماء هناك، وأن تلك الحادثة تكررت غير مرة. وأنه شاهد ذلك بأم عينه، وكنت أنا مندهشاً كيف يتكرر حادث عنيف كالذي يتحدَّث به الرجل دون أن تكون هناك محاسبة وتتبع لمن يفعل ذلك!! وحين فارقت الرجل قال لي أحد الأصدقاء الذين سمعوا ذلك: إن الكلام الذي قاله فلان غير صحيح، وهو يروي ما يرويه عن اعتقاد وجزم بسبب نوع من الاضطراب في التوهم لديه.
ولا شك في أن بعض من يسمعون ما قاله صاحبنا يصدقون به، وينشرونه بين الناس، وهناك طبعاً من هو مستعد للتصديق، ومستعد لإضافة شيء إلى ما سمعه والقيام بنشره وإعادة تصديره. وفي بعض الأحيان يهذي الإنسان بسبب ارتفاع درجة حرارة جسمه، ولا سيما إذا كان متقدماً في السن، وهناك من هو جاهز لتفسير الهذيان وإضفاء المنطقية عليه، وقد حدث في أحد البلدات العربية أن أُصيب أحد رعاة الغنم بحمى شديدة جعلته يهذي، ويقول كلاماً غير مفهوم ولا معقول، وقد قام بعض القادة الروحيين في بلد ذلك الراعي بالادّعاء بأن هذيان ذلك الشخص ما هو إلا ترجمة لما أوحي إليه به، وتضخمت المسألة، وتمّ استغلالها على نحو بشع، وكانت النتيجة ادّعاء ذلك الراعي للألوهية، وبعد مدة صار لديه أنبياء ينشرون كلامه بين الناس، وترتب على كل ذلك تشكّل طائفة دينية تعبد ذلك الراعي، وتقرِّب له القرابين، وقد حُكم على الرجل بالإعدام في أواسط القرن الماضي، لكن الطائفة التي تقدِّسه استمرت في الوجود! وهكذا يمكن للعقول غير المثقفة وغير المتعلمة أن تصنع من الهذيان ومن الأوهام قصَّة حسنة محبكة وذات صدق منطقي معقول لدى بعض الناس، ومع توالي الأيام والأجيال تكتسب الأوهام صلابة بسبب قِدَمها وعراقتها، وهذا أصلٌ لكثير من الخرافات السائدة في أماكن كثيرة من العالم اليوم.
من الواضح أن عقولنا مجهَّزة على نحو حسن لفهم العلاقات الخطية والمنظَّمة؛ فنحن ندرك بسهولة العلاقة بين المرض وارتفاع الحرارة، والعلاقة بين الفراغ والشعور بالملل، كما ندرك العلاقة بين تناول الطعام والشعور بالشبع، لكن فهم العلاقات المبعثرة والأفقية يظل أمراً يحتاج إلى بحث وتجربة، وستظل السيطرة عليه ناقصة، وعلى سبيل المثال، فقد يتفشى مرض في دولة إفريقية ويكون شفاؤه في عشبه موجودة في الصين، فكيف يمكن اكتشاف العشبة وتصنيعها من قبل أشخاص لم يسمعوا بالمرض الموجود في إفريقية؟ وكيف يمكن للمريض في إفريقية أن يعرف أن في الصين عشبة فيها علاجه وبرؤه من دائه؟!
ولهذا فإن من الممكن أن يجد ذلك المريض عشرات الأشخاص المشعوذين والمخادعين الذين يدّعون أن لديهم الدواء الناجح لعلته، وقد يجد نفسه مدفوعاً أو مضطراً لقبول ادّعاءاتهم، وقد يُشفى ذلك المريض لسبب مجهول، وينسب ما منَّ الله به عليه من العافية لدواء أحد المشعوذين، ويأخذ الناس عنه ذلك، وتتولد عن ذلك قصص وحكايات تتناقلها الأجيال...!
إنه ما دام هناك أجزاء من الواقع غير مكتشفة ولا مفهومة، فإن تلك الأجزاء ستظل مصدراً لإنتاج الأوهام والأحكام غير المختبرة ولا الممحِّصة، وهذا ما يحدث في كل مكان من العالم!
للحديث صلة.
بارلا
بارلا
للفائدة :)
بارلا
بارلا
للقراءة والفاااااااااائدة
عسل نجد
عسل نجد
شكرا


مقال رائع

وواصلي