بارلا
بارلا
جزاك الله الف خير
جزاك الله الف خير
شكرا لمروركم أخواتي ...بارك الله فيكم ونفعنا وإياكم
fraternity88
fraternity88
فكرة رائعة جزاك الله خيرا
fraternity88
fraternity88
إذا أردت أن ترسخ في نفسك أصول مسائل العلم فعليك بما يأتي...........
أبو الفهر السلفي
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاماً على عبده المصطفى وآله الطاهرين وصحبه المستوفين الشرفا...

على الرغم من الكثرة الكاثرة المتزرة بإزار العلم وطلبه=إلا أني وجدت أنه يسهل عليك أن ترد أصول هذه الكثرة إلى صنفين لا يخرج عنهما إلا القليل النادر....

الصنف الأول: أولئك النفر المبارك من طلاب العلم الذين هدوا إلى المنهجية الصحيحة في طلب العلم..فانطلقوا بعزم وهمة يصحبهما تأنٍ وتدرج،طلباً للمعالي وثنياً للركب بين يدي أهل العلم...حتى إذا قضى الواحد منهم وطره من متون العلم وأصوله فجأته حقيقة كونه سيقبل على مرحلة جديدة إعتاد أهل العلم في زماننا أن يتركوا الطالب فيها وشأنه وهمته ووعيه وعزمه....اللهم إلا إشارات قليلة وتوجيهات مجملة...فيشتغل بالبحث والتفتيش تارة....وأخرى بجرد المطولات...وبالمطاحنات الجدلية باقي التارات...

وبعد سنوات.............

يرجع الطالب بصره إلى محفوظه القديم وعلمه العتيق فلا يجد إلا جذاذات وفتات....لمحات ولفتات....ويصبح رأس ماله: على ما أظن وفيما أذكر...

الصنف الثاني: هم أولئك النفر غير المبارك من طلاب العلم...ممن طلبوا السهولة وآثروا الدعة...ورضوا بعلم مستنسخ لقيط...جماعه كلمة من هنا....وأخرى من هناك...فيتكلمون في المسائل الكبار وقضايا الساعة....وما سهل أمره وقرب مأخذه وخفت مؤنته...واعتبر بحالهم...تجدهم متدثرين بعباءة التحرير والتقرير إذا كان الحديث في مسائل الإيمان والكفر والجهاد...وذلك ليسر مناطاتها ووضوح رؤوس مسائلها...فإذا رمت من أحدهم أن يقف في وجه أشعري متكلم متفيهق بغيض فرَ منك طالب العلم المحرر منشدأً نفسه:

ليس هذا بعشك فادرجي

فما في هذه المجالات يظهر علمه وتلوح فطنته...فعلى السهل طبع...واليسر أراد....والتعالم رأٍس مناقبه...

فإن قلت: فما جماع آفة الصنفين(؟؟؟)

قلت لك: أما الصنف الثاني ففاقد لأدنى درجات القابلية للمعالجة فآفته من أ،واع الوباء والعياذ بالله...وأول درجات النجاة هو العود على بدء إلى أصالة الطلب بضبط المختصرات واستحضار الشروحات ثم الإفاضة إلى المطولات...

فإن فعل ووصل على مرتبة البحث والتفتيش فإنا نوصيه ونوصي أهل الصنف ألأول وكل طالب علم وداعية يريد رسوخ العلم في النفس،فيكون ضابطأ للعلم متقناً له فا يتفلت منه =أن يحرص على ما يلي...

1- أن يخلص لله تعالى النية في الطلب والتحصيل..
2- أن يعمل بعلمه فهذا من أهم عوامل تثبيت العلم..
3- الحرص على ضبط التعريفات والتقسيمات والفروق والضوابط وفرائد الفوائد...
4- مذاكرة العلم مع النفس ومع الغير ...
5- أن يحرص على استحضار الدرس عن ظهر قلب كأنما سيشرحه...
6- أن يحرص على حفظ متن واحد على الأقل في كل علم وليكن من المتون الجوامع وهي في نظري:

1- سلم الوصول
2- الواسطية
3- كشف الشبهات
4- ألفية ابن مالك،ولامية الأفعال.
5- قواعد الأصول ومعاقد الفصول.
6- نخبة الفكر.
7- السلم المنورق.
8- زاد المستقنع.
9- بلوغ المرام.
10- لجوهر المكنون.


7- أن يحرص الطالب على عدد معي نمن الكتب في كل فن يكرر النظر فيها كل فترة على امتداد عمره وحبذا لو اتكأ عليها في شروحه وتدريسه ،ومنها على سبيل المثال:

الاعتقاد

1- حاشية ابن قاسم على كتاب التوحيد أو الدر النضيد لسليمان بن حمدان.
2- شرح كشف الشبهات للهبدان.
3- شرح الواسطية لابن عثيمين.
4- شرح التدمرية للبراك.
5- شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز.


التفسير وأصوله وعلوم القرآن.
1- تفسير ابن كثير.
2- تفسير القرطبي.
3- تفسير الألوسي.
4- فصول في أصول التفسير لمساعد الطيار مع شرح مقدمة التفسير له.
5- المقدمات الأساسية في علوم القرآن للجديع.
6- التفسير والمفسرون للذهبي.


الحديث وعلومه

1- فتح الباري.
2- شرح مسلم للنووي.
3- التمهيد لابن عبد البر.
4- النكت على ابن الصلاح لابن حجر.
5- فتح المغيث.
6- تحرير علوم الحديث.


الفقه

1- المغني.
2-المجموع
3-المحلى
4-مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام.
5- حاشية الروض المربع(للحنابلة).


أصول الفقه.

1- البحر المحيط.
2- شرح الكوكب المنير.
3- إعلام الموقعين.
4- معالم أصول الفقه للجيزاني.
5- تفسير النصوص لمحمد أديب صالح.
6- المسائل المشتركة لمحمد العروسي عبد القادر.


القواعد الفقهية.

1-الفوائد الجنية للفاداني.
2- المدخل الفقهي العام للزرقا.
3- مصنفات الدكتور يعقوب الباحسين.


النحو.

1-شرح ابن عقيل.
2- مغني اللبيب.
3- النحو الوافي لعباس حسن.


الصرف.

1- شذا العرف.
2- المستقصى للدكتور عبد اللطيف الخطيب.


البلاغة.

1- الإيضاح للخطيب القزويني.
2- مصنفات الدكتور محمد أبي موسى.


المنطق:

1- توشيح عبد السلام على السلم مع شرحهما.
2- ضوابط المعرفة للميداني.


وصلِ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك ورسولك محمد...........
fraternity88
fraternity88
نصيحة الله (1/4)

يوسف إسماعيل سليمان من موقع الألوكة

النصيحةُ المخلصة من الحقوق التي يَنتظر المسلمُ أن يحصل عليها من الآخَرِين، حين يشعر بحاجته الماسَّة إليها، خاصَّة حين يقع في مَأْزِق، أو يُقبِل على أمر أو شأن لا دِرايةَ له به، أو لا يثق بقدرتِه على التعامُل معه؛ ولذا فإنَّه يَطلبُها أحيانًا، وأحيانًا لا يستطيع طلَبَها، أو يخشى طلبَها في بعض المواطن خجلاً، أو كِبرًا، أو لغَيرِ ذلك من الأسباب.

وفي المقابل، يُسرِف بعضُ الناس في ممارسة هذا الواجب عليه تُجاهَ الآخرين في كلِّ كبيرة وصغيرة، وقد يتعجَّب لضيق المنصوحين بذلك؛ لأنَّه يثق بأنَّه يُحسِن صُنعًا، وما هؤلاءِ المتبرِّمون بنصحه إلاَّ قوم يجهلون.

والحقُّ أنَّ هناك نصوصًا كثيرة جاءت في الشريعة تحثُّ على النصيحة وتوجبها ؛ بل إنَّها رَفعتِ الحرج عن كلٍّ مِن طَلَبِ النُّصح أو إسدائه من الأقلِّ شأنًا إلى الأعظم، ومِن الأعلى إلى الأدنى، مُعتبِرةً أنَّ النُّصح مِن تمام الدِّين، بل هو لبُّ الدين نفسه؛ فعن تميم الداري، قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الدين النصيحة)) ثلاثًا، قلنا: لِمَن يا رسول الله؟ قال: ((للهِ، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة، المسلمين وعامَّتِهم))؛ رواه مسلم.

وإذا كان البعضُ يراها تدخلاً في شؤون الآخرين بغير حق، وإحراجًا لهم، أو انتقاصًا من شأنهم، أو إظهارًا لفضْلِ الناصح على المنصوح، فإنَّا نراها - إذا استوفتْ شرائِطَها - برهانَ محبَّة، ودليلَ مودَّة.

كما نتفق مع القائلين عنها:
النصيحة أداةُ إصلاح، وأجرٌ ورباح، وصِدْقٌ وفلاح.
النصيحة باقةُ خير يُهديها الناصح، ونورٌ يتلألأ ليُنيرَ لك الطريق.
النصيحةُ قاربُ نجاةٍ يشقُّ عبابَ أمواج الفِتن الهائجة لتصلَ إلى بَرِّ الأمان.
النصيحة عبيرُ طهرٍ في خضم طوفان الشَّهوات.

فهل بعدَ كلِّ هذا نفسح للنصيحة مجالاً في صدورنا، ونعلم أنَّ الناصح ما دَعاه إلى نُصحِنا إلاَّ محبتُه وخوفُه علينا.

ولكنْ قبلَ الاستطراد في أمر النصيحة - التي غالبًا ما يفهمها الكثيرون في اتِّجاه واحد، خلافًا للحديث الذي نوَّع فُروعَها؛ لتصبَّ في النهاية في المصبِّ الأعظم، وهو صلاحُ النفس والمجتمع والدِّين - أذكِّر بأنَّ النصيحة في اللُّغة: هي الخلوص والصفاء، ونصحت الشيء خلصته وصفيته مِن شوائبه، وضدُّّ النُّصح - وهو إخلاص المشورة - الغِشُّ، أمَّا في الشَّرْع: فمِن معانيها التي ذَكَرها العلماء: أنَّها إرادةُ الخير للمنصوح قولاً وعملاً في دِينه، أو دُنياه، أو كليهما.

ومعنى آخر ذكره العلماء - وأحسبه أجودَ وأعمقَ - هو: أنَّ النصيحةَ هي عنايةُ القلْب بالمنصوح في دِينه ودنياه.

وهذه المعاني ستُساعدُ كثيرًا في فَهْم وإجابة بعضِ التساؤلات التي ستطرَحُ نفسَها بقوَّة في هذا السِّياق، مثل كيف ينصح المرءُ لله وهو ربُّ العالَمين؟ ولماذا كان البدء بالنُّصح لله؟ والانتهاء بالنُّصح للعامَّة؟ وكيف تفاعَلَ الصَّحابة مع النصيحة؟ وهل يمكن أن يرفضَ أجلاَّءُ الصحابة النصيحةَ، وإن استوفتْ أغلبَ شرائطها، وجاءت مِن أكثر الناس ورعًا وتقًى، ومِمَّن شهدَ لهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالفَضْل وبشَّرهم بالجنة؟ وما آثارُ النصح في الأمَّة؟ وكيف نَفيد من كلِّ ذلك في حاضرنا ومع مجتمعنا؟

وليس من غرضي في هذا المقال أن أتحدَّث عن وجوب النصيحة، أو كونها مندوبةً، أو شرائطها، أو أنسب الطُّرُق لتغليفها وإهدائها للمنصوح، وإنَّما هي محاولةٌ للإجابة عن الأسئلة التي طرحتُها سلفًا، وأحسب أنَّ الإجابة عنها ستقدِّم لنا نظرةً أكثر جِديَّةً وإيجابيَّة إلى النصيحة.

إنَّ التساؤل الأوَّل: كيف يَنصَح المسلم لله؟ وهو سؤال يسترعي الانتباهَ، ويُحفِّز الحواسَّ جميعًا؛ إذ كيف يمكن للعبد الضعيفِ الحقير الذليل، أن ينصح لله ربِّ العالَمين وهو خالق الكون، ومُدبِّر أمرَه، والمتصرِّف فيه بكامل الحِكمة؟

وإجابة مثل هذا السُّؤال مُهمَّة وضروريَّة جدًّا؛ إذ عليها مَدارُ قَبول الأعمال، وسعادة الدنيا والآخرة، وقد كفانا شُرَّاحُ الحديث - ولله الحمد- المعنى بأيسر العبارات، فالنصح لله: هو اتِّباعُ أمرِه، واجتنابُ نَهيِه.

ولكنَّنا في هذا المقام نحبُّ أن نتوسَّع في معناها؛ لنلجَ منه إلى موضع العظمة في الحديث، لئلاَّ تشتبهَ النصيحةُ بغيرها من المعاني التي لها ذات الدلالة، فمثلاً عرَّف الإمام الخطابيُّ وغيره من العلماء النصيحةَ لله بقولٍ أكثرَ تفصيلاً، وأحسن بيانًا، فقالوا: معناها مُنصَرِف إلى الإيمان به، ونفيِ الشَّريك عنه، وترْك الإلحاد وصفاته، ووصْفه بصِفات الكمال والجلال كلِّها، وتنزيهه عن جميعِ النقائص، والقِيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحبِّ فيه، والبغضِ فيه، وموالاةِ مَن أطاعه، ومعاداةِ مَن عصاه، وجهادِ مَن كفر به، والاعتراف بنعمته، والشُّكر عليها، والإخلاص في جميع الأمور..

ثم قال الخطابي مُعلِّقًا: وحقيقةُ هذه الأوصاف راجعةٌ إلى العبد في نُصْحِه نفسَه، فإنَّ الله - سبحانه - غنيٌّ عن نُصْح الناصح.

ومهما قلْنا في أهمية النصيحة وفائدتها، فإنَّنا لا يمكن أن ننكرَ أبدًا أنَّها كثيرًا ما تكون ثقيلة الوطء على المنصوح، وإن كانت لمصلحته ومنفعته؛ لأنَّ فيها - في غالب الأحيان - ملاحظةً لقصوره في جانبٍ من الجوانب، أو إلقاءً لاتِّهام بخطأ - لم يراعِ الناصحُ دوافعَه وظروفَه وملابساته - قبل إلقائه.

وعن طبيعةِ تفاعُلِ الصحابة مع النصيحة، وإمكانية رَفْضِها من أجلاَّء الصحابة، وإن استوفت أغلبَ شرائطها، وجاءتْ مِن أكثر الناس ورعًا وتقًى، وممَّن شهد لهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالفضل وبشَّرهم بالجنة.

فيكفي هنا أن نَذكُر ذلك النموذجَ الفذَّ، الذي تذكره لنا كتبُ السيرة، ونرى فيه عظمةَ الناصح، والمنصوح أعظم منه، وأدرَى بمحلِّ النصيحة، وكيف اختلفَا واتفقَا، ثم كان الانتصارُ للحقِّ قبلَ أيِّ شيء، وفوقَ كلِّ اعتبار.

إنَّه موقفُ الخليفة أبي بكر الصِّديق حين تُوفِّي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وارتدَّ مَن ارتد من العرب، زاعمين أنَّ الزكاة كانوا يؤدُّونها لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد مات رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعزَم أبو بكر على قتالهم دون مشورةِ الصحابة؛ ليُعيدَ المرتدين إلى حظيرة الإسلام بإرادة أَصْلبَ من شمِّ الجبال، فتَشاورَ الصحابة، ورأوا أنَّ أبا بكر يوشكُ أن يُغامِرَ بالبقية الباقية من المسلمين في المدينة لحرْب قبائل العرب التي ارتدَّت، والتي تَفوقُهم عددًا وعُدَّة فيما يشبه الانتحار، وكان مِن نتائج ذلك أن ذَهَب إليه الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكان أحبَّ الناس إلى قلْب أبي بكر بعد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: كيف تقاتل الناس وقد قالوا: لا إلهَ إلاَّ الله، وقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أُمرِتُ أن أقاتلَ الناس حتى يقولوا: لا إله إلاَّ الله.... )) الحديث، فقال أبو بكر - وقد اشتد غضبه -: إلاَّ بحقِّها، يا عمرُ.

فيقول عمر: فهل تُقاتِل العرب جميعًا؟! فيقول أبو بكر بحزم، ناصحًا لله ورافضًا لإشفاق عمرَ عليه، أو على المسلمين مِن جموع المرتدين المتكاثرة: أينقص الدِّين وأنا حيٌّ، والله لو منعوني عناقًا - وفي رواية: عقالاً- كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لقاتلتُهم على مَنْعِه.

ثم قال في تقريع لا مكانَ بعدَه لجدال أو نقاش للفاروق عمر: أجبَّارٌ في الجاهليَّة خوَّارٌ في الإسلام يا عمر؟! واللهِ لو ظننتُ أنَّ الطير تَخَطَّفني لقاتلتُهم وحْدي.

وهنا نرى عجبًا، إنَّ محبَّة أبي بكر لعمرَ لم تمنعه أنُ يقول ما قال، ولم تَمنعْه مكانةُ عمر في الإسلام، ولا سبقُه، ولا كونُه الفاروق، وما أدراك ما الفاروق؟! الذي شَهِد النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بفضلِه، وبشَّره بالجنة، وقال: ((لوكان بعدي نبيٌّ لكانَ عمر))، وقال: ((إنَّ الحقَّ على لسان عمر وقلْبِه))، والذي وافقَ القرآنُ قولَه في عدَّة مواضعَ.

بل والأعجبُ أن يَقْبَل عمرُ من أبي بكر ذلك، وينشرح صدرُه لقتال المرتدين، ولم تأخذْه العِزَّة برأيه، ويقول: كيف تقول لي هذا وأنا مَن يعلم الجميعُ قدري، وأنت أوَّلُهم يا أبا بكر؟!

لم يقلْ عمرُ هذا ولا غيره، بل انضوى تحتَ لواء هذا الرأي، وثبَّته وآزره أعظمَ المؤازرة.

أمرٌ آخر يظهر لنا في قول أبي بكر لعمر، وهو أنَّ أبا بكر حفَّز همَّة عمرَ بأقسى الكلمات، جبَّارٌ وخوَّار، وكأنَّه يقول له: كيف تقول ما قلتَ يا عمر، وأنت مَن كنتَ لا تهاب أحدًا في الجاهلية، وليس لك معين إلاَّ قوّتك، ومِن ورائها عشيرتُك، فكيف الحال بعد أن صار الله معنا وناصِرَنا؟! أتكون بعضلاتك جبَّارًا وأنت وحدَك، وحين يُكرمنا الله بالإسلام، ونَسْتلِهم منه العزَّة والنُّصْرة تخاف الناس وتخشاهم؟!

ورغم قسوةِ الكلمات إلاَّ أنَّ تَفتُّحَ قلْب عمر للحق، جعله يرى مواطنَ الحقِّ والحِكمة والعظمة فيها، ويَرى فيها - ونرى معه - أنَّ أبا بكر لم ينصحْ لله فقط مثل هذا النصح، بل إنَّه نَصَح لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين - أي: نفسه هنا - وعامَّتِهم، فيما قال وفعل.

وانظر إلى إخلاص أبي بكر في نُصحِه كيف كان له أعظم الأثرِ في نفوس الصحابة، إذ تنشرح نفوسُ جميع الصَّحابة بعدئذٍ للقتال، ليس ذلك فقط، وإنَّما أيضًا تفيض حماستُها وتتدفَّق، حتى أعادتِ الجزيرةَ كلَّها لحظيرة الإسلام، كما كانتْ في عهد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم يمنُّ الله بفضله ويَزيد، فهذا سُهيلُ بن عمرو الذي عقد مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - صُلحَ الحديبية، واغتاظ منه عمر بن الخطاب يومئذ، وودَّ لو ينزع ثنيتَيه حتى لا يقوم خطيبًا في قريش ثانية، حيث كان يُحرِّضهم على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمسلمين، فيقول له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ببصيرة الوحي الذي لا ينطق عن الهوى: ((لعلَّه يقف يا عمر موقفًا تحمدُه عليه)).

فإذا بأهل مكَّة حين ارتدَّتِ العربُ تريد أن تُتابِعَهم على الرِّدَّة، فيقوم سهيلٌ خطيبًا فيهم، وكان ما قاله - ممَّا تعجز السيوف عن فِعْله -: "يا أهلَ مكَّة، كنتم آخِرَ الناس إسلامًا، فلا تكونوا أوَّلَ مَن نكث وبدَّل"، فإذا بكلماته المخلِصة، ونصيحتِه الرائعة تُثبِّتُ الناس على دِينهم، فلم يُغيِّروا، أو يُبدِّلوا، ويعلم عمرُ والمسلمون بذلك، فيَحمدون الله مُمْتنِّين لسهيل ومقالته.

ولكن هل يمكن أن يتكرَّر مثلُ ذلك في عصرنا، أحسبُ أنَّه يمكن إن صحَّ العزم، وصدقتِ النوايا، وكلٌّ منَّا أدرى بقدراته وإمكاناته التي وهَبهَا الله له، ويُمكنه أن ينصحَ بها لله، وينفع بها الإسلام والأمَّة، وقد حَدَث بالفعل منذ مدَّة، وهي قصَّة وصلتني على البريد الإلكتروني، ولعلَّ الكثيرين قرؤوها، ولكنَّها تُمثِّل دلالة مهمَّة وجوهريَّة في موضوعنا؛ ولذا أذكرها هنا:
ركب الشابُّ محمدٌ من المحطَّة القريبة من منزله، يريد التنزُّه في إحدى حدائق مدينة لندن، وبعد أن دَفَع للسائق، وأخذ الباقي، اتَّجه إلى كرسي فارِغ في آخر الأتوبيس، ثم عدَّ ما أعطاه السائق، فوجد أنَّ السائق أخطأ وأعطاه خمسةَ عشر فِلسًا زائدة على حقِّه، فأراد أن يقومَ ويُعيدها إليه، لكنَّه فكَّر، وقال لنفسه: إنَّه مبلغ تافهٌ زهيد لا يستحقُّ أن أقومَ من مكاني لأجله، فمكث مكانَه ولم يقم، وحين وصل الأتوبيس إلى الحديقة، واقترب محمدٌ من سُلَّم النزول وجد نفسَه يخرج الخمسةَ عشر فلسًا، ويُقدِّمها للسائق قائلاً: إنَّها زيادة، يبدو أنَّك أخطأتَ في الحساب، فرد عليه السائق قائلاً: شكرًا لك، ألستَ أنت إمامَ المسجد الجديد في منطقتنا؟! لقد أحببتُ أن أختبِرَك قبلَ أن آتيَك أنا وأُسرتي لنسألَك عن الإسلام.

نزل محمدٌ من الأتوبيس وتنفَّس نفسًا طويلاً، ثم قال: الحمد لله، كنتُ سأبيعُ الإسلام بخمسةَ عشرَ فِلسًا.

وهكذا يتبين لنا كيف يمكن لكلٍّ منَّا أن يكون له دورٌ في حدود إمكاناته وقدراته لخِدمة الإسلام، والحِفاظ عليه، والارْتقاء بأمَّته، ولا يقولنَّ أحد: وماذا أفعل أنا؟ وما قيمتي ووزني في المجتمع، وأنا لست مثل فلان الداعية، ولا فلان القائد العسكري، ولا...؟ لأنَّ النُّصح للإسلام لا يقتصر على الدُّعاة والمجاهدين في ميدان المعركة والقادة السياسيِّين، وإنَّما يستطيع كلٌّ منَّا أن يكون ناصحًا للإسلام، إذا أحسن دورَه في الموقع الذي يتواجدُ فيه، إن كان طالبًا، أو عاملاً، أو ما شاء الله له أن يكونَ فيه من المواقع.
بارلا
بارلا
نصيحة الله (1/4) يوسف إسماعيل سليمان من موقع الألوكة النصيحةُ المخلصة من الحقوق التي يَنتظر المسلمُ أن يحصل عليها من الآخَرِين، حين يشعر بحاجته الماسَّة إليها، خاصَّة حين يقع في مَأْزِق، أو يُقبِل على أمر أو شأن لا دِرايةَ له به، أو لا يثق بقدرتِه على التعامُل معه؛ ولذا فإنَّه يَطلبُها أحيانًا، وأحيانًا لا يستطيع طلَبَها، أو يخشى طلبَها في بعض المواطن خجلاً، أو كِبرًا، أو لغَيرِ ذلك من الأسباب. وفي المقابل، يُسرِف بعضُ الناس في ممارسة هذا الواجب عليه تُجاهَ الآخرين في كلِّ كبيرة وصغيرة، وقد يتعجَّب لضيق المنصوحين بذلك؛ لأنَّه يثق بأنَّه يُحسِن صُنعًا، وما هؤلاءِ المتبرِّمون بنصحه إلاَّ قوم يجهلون. والحقُّ أنَّ هناك نصوصًا كثيرة جاءت في الشريعة تحثُّ على النصيحة وتوجبها ؛ بل إنَّها رَفعتِ الحرج عن كلٍّ مِن طَلَبِ النُّصح أو إسدائه من الأقلِّ شأنًا إلى الأعظم، ومِن الأعلى إلى الأدنى، مُعتبِرةً أنَّ النُّصح مِن تمام الدِّين، بل هو لبُّ الدين نفسه؛ فعن تميم الداري، قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الدين النصيحة)) ثلاثًا، قلنا: لِمَن يا رسول الله؟ قال: ((للهِ، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة، المسلمين وعامَّتِهم))؛ رواه مسلم. وإذا كان البعضُ يراها تدخلاً في شؤون الآخرين بغير حق، وإحراجًا لهم، أو انتقاصًا من شأنهم، أو إظهارًا لفضْلِ الناصح على المنصوح، فإنَّا نراها - إذا استوفتْ شرائِطَها - برهانَ محبَّة، ودليلَ مودَّة. كما نتفق مع القائلين عنها: النصيحة أداةُ إصلاح، وأجرٌ ورباح، وصِدْقٌ وفلاح. النصيحة باقةُ خير يُهديها الناصح، ونورٌ يتلألأ ليُنيرَ لك الطريق. النصيحةُ قاربُ نجاةٍ يشقُّ عبابَ أمواج الفِتن الهائجة لتصلَ إلى بَرِّ الأمان. النصيحة عبيرُ طهرٍ في خضم طوفان الشَّهوات. فهل بعدَ كلِّ هذا نفسح للنصيحة مجالاً في صدورنا، ونعلم أنَّ الناصح ما دَعاه إلى نُصحِنا إلاَّ محبتُه وخوفُه علينا. ولكنْ قبلَ الاستطراد في أمر النصيحة - التي غالبًا ما يفهمها الكثيرون في اتِّجاه واحد، خلافًا للحديث الذي نوَّع فُروعَها؛ لتصبَّ في النهاية في المصبِّ الأعظم، وهو صلاحُ النفس والمجتمع والدِّين - أذكِّر بأنَّ النصيحة في اللُّغة: هي الخلوص والصفاء، ونصحت الشيء خلصته وصفيته مِن شوائبه، وضدُّّ النُّصح - وهو إخلاص المشورة - الغِشُّ، أمَّا في الشَّرْع: فمِن معانيها التي ذَكَرها العلماء: أنَّها إرادةُ الخير للمنصوح قولاً وعملاً في دِينه، أو دُنياه، أو كليهما. ومعنى آخر ذكره العلماء - وأحسبه أجودَ وأعمقَ - هو: أنَّ النصيحةَ هي عنايةُ القلْب بالمنصوح في دِينه ودنياه. وهذه المعاني ستُساعدُ كثيرًا في فَهْم وإجابة بعضِ التساؤلات التي ستطرَحُ نفسَها بقوَّة في هذا السِّياق، مثل كيف ينصح المرءُ لله وهو ربُّ العالَمين؟ ولماذا كان البدء بالنُّصح لله؟ والانتهاء بالنُّصح للعامَّة؟ وكيف تفاعَلَ الصَّحابة مع النصيحة؟ وهل يمكن أن يرفضَ أجلاَّءُ الصحابة النصيحةَ، وإن استوفتْ أغلبَ شرائطها، وجاءت مِن أكثر الناس ورعًا وتقًى، ومِمَّن شهدَ لهم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالفَضْل وبشَّرهم بالجنة؟ وما آثارُ النصح في الأمَّة؟ وكيف نَفيد من كلِّ ذلك في حاضرنا ومع مجتمعنا؟ وليس من غرضي في هذا المقال أن أتحدَّث عن وجوب النصيحة، أو كونها مندوبةً، أو شرائطها، أو أنسب الطُّرُق لتغليفها وإهدائها للمنصوح، وإنَّما هي محاولةٌ للإجابة عن الأسئلة التي طرحتُها سلفًا، وأحسب أنَّ الإجابة عنها ستقدِّم لنا نظرةً أكثر جِديَّةً وإيجابيَّة إلى النصيحة. إنَّ التساؤل الأوَّل: كيف يَنصَح المسلم لله؟ وهو سؤال يسترعي الانتباهَ، ويُحفِّز الحواسَّ جميعًا؛ إذ كيف يمكن للعبد الضعيفِ الحقير الذليل، أن ينصح لله ربِّ العالَمين وهو خالق الكون، ومُدبِّر أمرَه، والمتصرِّف فيه بكامل الحِكمة؟ وإجابة مثل هذا السُّؤال مُهمَّة وضروريَّة جدًّا؛ إذ عليها مَدارُ قَبول الأعمال، وسعادة الدنيا والآخرة، وقد كفانا شُرَّاحُ الحديث - ولله الحمد- المعنى بأيسر العبارات، فالنصح لله: هو اتِّباعُ أمرِه، واجتنابُ نَهيِه. ولكنَّنا في هذا المقام نحبُّ أن نتوسَّع في معناها؛ لنلجَ منه إلى موضع العظمة في الحديث، لئلاَّ تشتبهَ النصيحةُ بغيرها من المعاني التي لها ذات الدلالة، فمثلاً عرَّف الإمام الخطابيُّ وغيره من العلماء النصيحةَ لله بقولٍ أكثرَ تفصيلاً، وأحسن بيانًا، فقالوا: معناها مُنصَرِف إلى الإيمان به، ونفيِ الشَّريك عنه، وترْك الإلحاد وصفاته، ووصْفه بصِفات الكمال والجلال كلِّها، وتنزيهه عن جميعِ النقائص، والقِيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحبِّ فيه، والبغضِ فيه، وموالاةِ مَن أطاعه، ومعاداةِ مَن عصاه، وجهادِ مَن كفر به، والاعتراف بنعمته، والشُّكر عليها، والإخلاص في جميع الأمور.. ثم قال الخطابي مُعلِّقًا: وحقيقةُ هذه الأوصاف راجعةٌ إلى العبد في نُصْحِه نفسَه، فإنَّ الله - سبحانه - غنيٌّ عن نُصْح الناصح. ومهما قلْنا في أهمية النصيحة وفائدتها، فإنَّنا لا يمكن أن ننكرَ أبدًا أنَّها كثيرًا ما تكون ثقيلة الوطء على المنصوح، وإن كانت لمصلحته ومنفعته؛ لأنَّ فيها - في غالب الأحيان - ملاحظةً لقصوره في جانبٍ من الجوانب، أو إلقاءً لاتِّهام بخطأ - لم يراعِ الناصحُ دوافعَه وظروفَه وملابساته - قبل إلقائه. وعن طبيعةِ تفاعُلِ الصحابة مع النصيحة، وإمكانية رَفْضِها من أجلاَّء الصحابة، وإن استوفت أغلبَ شرائطها، وجاءتْ مِن أكثر الناس ورعًا وتقًى، وممَّن شهد لهم النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالفضل وبشَّرهم بالجنة. فيكفي هنا أن نَذكُر ذلك النموذجَ الفذَّ، الذي تذكره لنا كتبُ السيرة، ونرى فيه عظمةَ الناصح، والمنصوح أعظم منه، وأدرَى بمحلِّ النصيحة، وكيف اختلفَا واتفقَا، ثم كان الانتصارُ للحقِّ قبلَ أيِّ شيء، وفوقَ كلِّ اعتبار. إنَّه موقفُ الخليفة أبي بكر الصِّديق حين تُوفِّي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وارتدَّ مَن ارتد من العرب، زاعمين أنَّ الزكاة كانوا يؤدُّونها لرسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد مات رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعزَم أبو بكر على قتالهم دون مشورةِ الصحابة؛ ليُعيدَ المرتدين إلى حظيرة الإسلام بإرادة أَصْلبَ من شمِّ الجبال، فتَشاورَ الصحابة، ورأوا أنَّ أبا بكر يوشكُ أن يُغامِرَ بالبقية الباقية من المسلمين في المدينة لحرْب قبائل العرب التي ارتدَّت، والتي تَفوقُهم عددًا وعُدَّة فيما يشبه الانتحار، وكان مِن نتائج ذلك أن ذَهَب إليه الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وكان أحبَّ الناس إلى قلْب أبي بكر بعد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقال: كيف تقاتل الناس وقد قالوا: لا إلهَ إلاَّ الله، وقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أُمرِتُ أن أقاتلَ الناس حتى يقولوا: لا إله إلاَّ الله.... )) الحديث، فقال أبو بكر - وقد اشتد غضبه -: إلاَّ بحقِّها، يا عمرُ. فيقول عمر: فهل تُقاتِل العرب جميعًا؟! فيقول أبو بكر بحزم، ناصحًا لله ورافضًا لإشفاق عمرَ عليه، أو على المسلمين مِن جموع المرتدين المتكاثرة: أينقص الدِّين وأنا حيٌّ، والله لو منعوني عناقًا - وفي رواية: عقالاً- كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - لقاتلتُهم على مَنْعِه. ثم قال في تقريع لا مكانَ بعدَه لجدال أو نقاش للفاروق عمر: أجبَّارٌ في الجاهليَّة خوَّارٌ في الإسلام يا عمر؟! واللهِ لو ظننتُ أنَّ الطير تَخَطَّفني لقاتلتُهم وحْدي. وهنا نرى عجبًا، إنَّ محبَّة أبي بكر لعمرَ لم تمنعه أنُ يقول ما قال، ولم تَمنعْه مكانةُ عمر في الإسلام، ولا سبقُه، ولا كونُه الفاروق، وما أدراك ما الفاروق؟! الذي شَهِد النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بفضلِه، وبشَّره بالجنة، وقال: ((لوكان بعدي نبيٌّ لكانَ عمر))، وقال: ((إنَّ الحقَّ على لسان عمر وقلْبِه))، والذي وافقَ القرآنُ قولَه في عدَّة مواضعَ. بل والأعجبُ أن يَقْبَل عمرُ من أبي بكر ذلك، وينشرح صدرُه لقتال المرتدين، ولم تأخذْه العِزَّة برأيه، ويقول: كيف تقول لي هذا وأنا مَن يعلم الجميعُ قدري، وأنت أوَّلُهم يا أبا بكر؟! لم يقلْ عمرُ هذا ولا غيره، بل انضوى تحتَ لواء هذا الرأي، وثبَّته وآزره أعظمَ المؤازرة. أمرٌ آخر يظهر لنا في قول أبي بكر لعمر، وهو أنَّ أبا بكر حفَّز همَّة عمرَ بأقسى الكلمات، جبَّارٌ وخوَّار، وكأنَّه يقول له: كيف تقول ما قلتَ يا عمر، وأنت مَن كنتَ لا تهاب أحدًا في الجاهلية، وليس لك معين إلاَّ قوّتك، ومِن ورائها عشيرتُك، فكيف الحال بعد أن صار الله معنا وناصِرَنا؟! أتكون بعضلاتك جبَّارًا وأنت وحدَك، وحين يُكرمنا الله بالإسلام، ونَسْتلِهم منه العزَّة والنُّصْرة تخاف الناس وتخشاهم؟! ورغم قسوةِ الكلمات إلاَّ أنَّ تَفتُّحَ قلْب عمر للحق، جعله يرى مواطنَ الحقِّ والحِكمة والعظمة فيها، ويَرى فيها - ونرى معه - أنَّ أبا بكر لم ينصحْ لله فقط مثل هذا النصح، بل إنَّه نَصَح لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمَّة المسلمين - أي: نفسه هنا - وعامَّتِهم، فيما قال وفعل. وانظر إلى إخلاص أبي بكر في نُصحِه كيف كان له أعظم الأثرِ في نفوس الصحابة، إذ تنشرح نفوسُ جميع الصَّحابة بعدئذٍ للقتال، ليس ذلك فقط، وإنَّما أيضًا تفيض حماستُها وتتدفَّق، حتى أعادتِ الجزيرةَ كلَّها لحظيرة الإسلام، كما كانتْ في عهد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم يمنُّ الله بفضله ويَزيد، فهذا سُهيلُ بن عمرو الذي عقد مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - صُلحَ الحديبية، واغتاظ منه عمر بن الخطاب يومئذ، وودَّ لو ينزع ثنيتَيه حتى لا يقوم خطيبًا في قريش ثانية، حيث كان يُحرِّضهم على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والمسلمين، فيقول له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ببصيرة الوحي الذي لا ينطق عن الهوى: ((لعلَّه يقف يا عمر موقفًا تحمدُه عليه)). فإذا بأهل مكَّة حين ارتدَّتِ العربُ تريد أن تُتابِعَهم على الرِّدَّة، فيقوم سهيلٌ خطيبًا فيهم، وكان ما قاله - ممَّا تعجز السيوف عن فِعْله -: "يا أهلَ مكَّة، كنتم آخِرَ الناس إسلامًا، فلا تكونوا أوَّلَ مَن نكث وبدَّل"، فإذا بكلماته المخلِصة، ونصيحتِه الرائعة تُثبِّتُ الناس على دِينهم، فلم يُغيِّروا، أو يُبدِّلوا، ويعلم عمرُ والمسلمون بذلك، فيَحمدون الله مُمْتنِّين لسهيل ومقالته. ولكن هل يمكن أن يتكرَّر مثلُ ذلك في عصرنا، أحسبُ أنَّه يمكن إن صحَّ العزم، وصدقتِ النوايا، وكلٌّ منَّا أدرى بقدراته وإمكاناته التي وهَبهَا الله له، ويُمكنه أن ينصحَ بها لله، وينفع بها الإسلام والأمَّة، وقد حَدَث بالفعل منذ مدَّة، وهي قصَّة وصلتني على البريد الإلكتروني، ولعلَّ الكثيرين قرؤوها، ولكنَّها تُمثِّل دلالة مهمَّة وجوهريَّة في موضوعنا؛ ولذا أذكرها هنا: ركب الشابُّ محمدٌ من المحطَّة القريبة من منزله، يريد التنزُّه في إحدى حدائق مدينة لندن، وبعد أن دَفَع للسائق، وأخذ الباقي، اتَّجه إلى كرسي فارِغ في آخر الأتوبيس، ثم عدَّ ما أعطاه السائق، فوجد أنَّ السائق أخطأ وأعطاه خمسةَ عشر فِلسًا زائدة على حقِّه، فأراد أن يقومَ ويُعيدها إليه، لكنَّه فكَّر، وقال لنفسه: إنَّه مبلغ تافهٌ زهيد لا يستحقُّ أن أقومَ من مكاني لأجله، فمكث مكانَه ولم يقم، وحين وصل الأتوبيس إلى الحديقة، واقترب محمدٌ من سُلَّم النزول وجد نفسَه يخرج الخمسةَ عشر فلسًا، ويُقدِّمها للسائق قائلاً: إنَّها زيادة، يبدو أنَّك أخطأتَ في الحساب، فرد عليه السائق قائلاً: شكرًا لك، ألستَ أنت إمامَ المسجد الجديد في منطقتنا؟! لقد أحببتُ أن أختبِرَك قبلَ أن آتيَك أنا وأُسرتي لنسألَك عن الإسلام. نزل محمدٌ من الأتوبيس وتنفَّس نفسًا طويلاً، ثم قال: الحمد لله، كنتُ سأبيعُ الإسلام بخمسةَ عشرَ فِلسًا. وهكذا يتبين لنا كيف يمكن لكلٍّ منَّا أن يكون له دورٌ في حدود إمكاناته وقدراته لخِدمة الإسلام، والحِفاظ عليه، والارْتقاء بأمَّته، ولا يقولنَّ أحد: وماذا أفعل أنا؟ وما قيمتي ووزني في المجتمع، وأنا لست مثل فلان الداعية، ولا فلان القائد العسكري، ولا...؟ لأنَّ النُّصح للإسلام لا يقتصر على الدُّعاة والمجاهدين في ميدان المعركة والقادة السياسيِّين، وإنَّما يستطيع كلٌّ منَّا أن يكون ناصحًا للإسلام، إذا أحسن دورَه في الموقع الذي يتواجدُ فيه، إن كان طالبًا، أو عاملاً، أو ما شاء الله له أن يكونَ فيه من المواقع.
نصيحة الله (1/4) يوسف إسماعيل سليمان من موقع الألوكة النصيحةُ المخلصة من الحقوق التي يَنتظر...
ولكن هل يمكن أن يتكرَّر مثلُ ذلك في عصرنا، أحسبُ أنَّه يمكن

إن صحَّ العزم،

وصدقتِ النوايا،

وكلٌّ منَّا أدرى بقدراته وإمكاناته التي وهَبهَا الله له، ويُمكنه أن ينصحَ بها لله، وينفع بها الإسلام والأمَّة، وقد حَدَث بالفعل منذ مدَّة، وهي قصَّة وصلتني على البريد الإلكتروني، ولعلَّ الكثيرين قرؤوها، ولكنَّها تُمثِّل دلالة مهمَّة وجوهريَّة في موضوعنا؛ ولذا أذكرها هنا:
ركب الشابُّ محمدٌ من المحطَّة القريبة من منزله، يريد التنزُّه في إحدى حدائق مدينة لندن، وبعد أن دَفَع للسائق، وأخذ الباقي، اتَّجه إلى كرسي فارِغ في آخر الأتوبيس، ثم عدَّ ما أعطاه السائق، فوجد أنَّ السائق أخطأ وأعطاه خمسةَ عشر فِلسًا زائدة على حقِّه، فأراد أن يقومَ ويُعيدها إليه، لكنَّه فكَّر، وقال لنفسه: إنَّه مبلغ تافهٌ زهيد لا يستحقُّ أن أقومَ من مكاني لأجله، فمكث مكانَه ولم يقم، وحين وصل الأتوبيس إلى الحديقة، واقترب محمدٌ من سُلَّم النزول وجد نفسَه يخرج الخمسةَ عشر فلسًا، ويُقدِّمها للسائق قائلاً: إنَّها زيادة، يبدو أنَّك أخطأتَ في الحساب، فرد عليه السائق قائلاً: شكرًا لك، ألستَ أنت إمامَ المسجد الجديد في منطقتنا؟! لقد أحببتُ أن أختبِرَك قبلَ أن آتيَك أنا وأُسرتي لنسألَك عن الإسلام.

نزل محمدٌ من الأتوبيس وتنفَّس نفسًا طويلاً، ثم قال:

الحمد لله، كنتُ سأبيعُ الإسلام بخمسةَ عشرَ فِلسًا.



أشكرك أختي الحبيبة

fraternity88


وجزاك الله عنا كل خير في انتقائك للمقالات هنا

وهذا المقال من أهم المقالات

وأكثرها ضرورة


وأذكر في هذا المقال حكمة تقول :


آفة النصح أن يكون جدالا

وأذاه أن يكون جهارا


بوركت أختي وتسعدني رؤيتك دائما