
%أمل المشاعر%
•
جزاكِ الله خيراً وبارك فيكِ

زملكاويه
•
باسمك نحيا
(اسم الله المُجيب)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قبل الحديث عن اسم اليوم.. نحن في العشر الأواخر، الأيام الغالية القليلة فكلنا مشتاقين لنسائم الرحمة والمغفرة واللطف والعفو عن ما مضى والعتق من النار، فالكريم إذا أعتق لا يأسر، وهذا كشخص في رقبته سلسلة ونهاية السلسلة تصل به إلى النار فيأتي رمضان وتأتي العشر الأواخر فتقطع السلسلة وتنفك الرقبة وتعتق من النار وإذا أعتقك لا يأسرك أبداً، فالعربي الأصيل إذا كان عنده عبد وقال له اذهب أنت حر مستحيل أن يرجعه مرة أخرى فما بالك بأكرم الأكرمين وأجود الأجودين سبحانه وتعالى.
نحن ندخل على ليلة خير من ألف شهر، العبادة في هذه الليلة أكثر ثواباً عند الله من عبادة ألف شهر، ألف شهر يساوى 84 سنة فثواب هذه الليلة يساوي ثواب 84 سنة عبادة، كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وشد المئزر وأيقظ أهله، والثمن كبير فالثمن هو العتق، هذه الليلة ليلة إجابة دعاء، فدعاؤك مقبول في هذه الليلة، دقائق غالية، فيجب أن تزيد من العبادة، إقبال على الله ودعاء واستغاثة بالله وإقبال على المساجد وقرآن، فركعتين في ليلة القدر كأنك تتعبد لله 84 سنة والدمعة من خشية الله في ليلة القدر كأنها بحار من الدموع في كفة الحسنات، إرضاء أمك في ليلة القدر كأنك ترضيها 84 سنة، صدقة في ليلة القدر كأنك تتصدق 84 سنة فكفة الحسنات في هذه الليلة تمتلئ وتمتلئ.
اسم اليوم كله أمل، وطمأنينة، وفرحة، واستبشار، كله مزيد من الحماسة والعبادة والإقبال خاصةً عبادة الدعاء، اسم اليوم اسم الله المجيب )...إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (هود:61)، كلمة (فاستجبنا) تتكرر في كثير من سور القرآن وهناك الكثير من الأدعية في القرآن ليعلمك الله أن تدعو بها وأن تسأله بها.
هذا الاسم مناسب في رمضان وفي العشر الأواخر، لأن للصائم عند فطره دعوة لا تُرد، المجيب له معك في رمضان علاقة خاصة، ولك مع المجيب في العشر الأواخر علاقة أخص، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (للصائم عند فطره دعوة لا ترد) فكلمة (لا ترد) تدل على أنها فعلا لا ترد، أيضاً إن أشهر آية في إجابة الدعاء جاءت في وسط آيات الصيام )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ...) (البقرة:186)، أيضا إن ليلة القدر دعاءها مستجاب فلك ثلاثة أشياء مع المجيب في رمضان وفي العشر الأواخر لذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يُعدون لرمضان وللحج دعوات محددة ويلحون عليها كل رمضان وكل ركعة وكل سجدة ويلحون عليها إلحاحاً شديداً، يقولون: فوالله لا يأتي رمضان القادم إلا وقد أجاب الله لنا ما دعوناه بها.
تعريف اسم المجيب:
الذي يقابل مسألة السائلين بالإجابة والعطاء، المجيب الذي يجيب دعوة السائلين. لولا أنه يريد أن يستجيب لك لما أنطق لسانك، إذا نطق اللسان بالدعاء فاعلم أن المجيب سبحانه وتعالى يريد أن يعطيك ومن هنا معنى أخر للمجيب وهو الذي يقذف في قلوب الداعين وألسنتهم الدعاء، الأولى يقابل طلبك بالإجابة والثانية هو الذي قذف في قلبك. المعنى الأول القريب السهل تدعي يستجب لك والمعنى الثاني الأجمل هو الذي يقذف في قلبك: ادعوني.
ولذلك سيدنا عمر بن الخطاب يقول (أنا لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء فمتى أُلهمت الدعاء عرفت أن الإجابة معه) فهو مطمئن للإجابة وسيدنا علي يقول (لو قيل لي يوم القيامة سنترك حسابك لأبيك وأمك لرفضت لأن الله سيكون أرحم بي من أبي وأمي) فهذا يعرف الرحيم يعرفه عن قرب ويقول شخص أخر(لأنا أشد خشية من أن أُحرم الدعاء من خشيتي أن أُحرم الإجابة) فالمجيب لو أنطق لساني بالدعاء عرفت أن الإجابة معه، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من فُتح له باب الدعاء فُتح له باب من أبواب الرحمة) فالمعنى الأول الذي يستجيب دعاء السائلين والمعنى الأجمل الذي يقذف في قلوب السائلين وألسنتهم أن يلجأوا إليه بالدعاء فيستجيب لهم فهو الذي ألهم وهو الذي يستجيب.
ملاحظات عن اسم الله المجيب:
المجيب لم يحدد موعد للدعاء، متى طلبتني وجدتني، فلو ميعاد الإجابة كان في وقت محدد من اليوم فسيكون هناك صعوبة، أيضا تخيل لو موعد الدعاء بين البشر كان بالترتيب فسيكون أيضاً هناك صعوبة فالمجيب سهل عليك الأمور، ترفع يديك تدعوه أو بدون أن ترفع يديك، بلسانك أو بدون لسانك، بدون أن تحرك شفاك، تدعوه من داخلك، بدون أن تنطق، المجيب معك في كل وقت وحين، المجيب يُعَرِّفك على باقي أسماء الله الحسنى، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) لأنك ربما أثناء الصلاة أن لا تشعر بالعبودية، أيضاً ربما وأنت تزكي لا تشعر بالعبودية، وكذلك وأنت صائم ربما لا تشعر بالعبودية لأنك اعتدت على الصيام ولكن لا يمكن أن ترفع يديك تدعوه وأنت لا تشعر أنك عبده، فمعنى أن رفعت يديك ودعوته فأنت أقررت بأسمائه الحسنى، وأقررت أنه العظيم وأنه القوي وأنه الذي بيده الأمر وأنه الملك وأنه السميع وأنه البصير، فمعنى أنك لجأت للمجيب فأنت أيقنت جميع أسمائه الحسنى.
أيضا أنت مع المجيب تعرف عظمة السميع البصير لأن المجيب يدعوه آلاف وملايين في نفس اللحظة فسبحانه الذي لا يشغله سمع عن سمع، فمثلا أحياناً يتحدث إليك شخص ثم يأتي شخص أخر يريد أن يتحدث معك فتقول له: أن ينتظر لأنك تسمع الشخص الأول، فلله المثل الأعلى يدعوه الآلاف والملايين في نفس اللحظة وكل شخص منهم يعلم أن الله يسمعه، لا يمكن أن يتضايق شخص من شخص أخر يدعوه لأنك موقن أن المجيب سميع بصير وأن المجيب لا يشغله سمع عن سمع فلا تختلط عليه الأصوات، فالحديث الجميل (يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) اسم يعرفك على باقي أسماء الله الحسنى ويحببك في باقي أسماء الله الحسنى ويعرفك عظمة الله وأنه سميع وبصير فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدعاء هو العبادة، المجيب ينفق على عباده بسخاء)... بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ...) (المائدة:64).
المجيب يحب الملحين، الإنسان لو ألححت عليه يمل فلله المثل الأعلى الله يحب الملحين في الدعاء فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يحب الملحين في الدعاء) لأنك كلما تلح تحقق العبودية أكثر وتؤكد أن ليس لك شخص أخر غيره، أيضا المجيب قد يضطرك للظروف لأنك لم تدعوه منذ فترة فيضطرالمريض إلى المرض لكي يرفع يديه ويقول يارب اشفيني ويضطر الناس إلى المصائب ليعودوا إليه ويعرفوه بعبوديته باسمه المجيب، يضطر السفينة إلى الغرق ليرفعوا أصواتهم فى قلب البحر ويقولوا أغثنا أغثنا، يضطر الإنسان في الصحراء ليتوه ويقول يارب أغثني أغثني، يضطر كل الأمة للضعف لترفع أيديها وتعلم أنها مأمورة لله وتقول يارب أغثنا أغثنا، المجيب يدعوك أن تذهب إليه.
المجيب في القرآن دائماًيأتي مع اسم القريب )... إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (هود:61)، أقرب ما يكون العبد لربه وهم ساجد فأكثروا الدعاء ) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ...) (البقرة:186) لماذا؟ أنت لا تدعو من هو بعيد عنك بل أنت تدعو القريب، فهو قريب لا يحتاج منك أن تشرح له مشكلتك أو ما تريده فهو يعلم ما تريد لأنه قريب، أيضا تدعوه بلا خجل وبلا شرح لأنه قريب فأنت لا تحتاج أن ترفع صوتك في الدعاء لأنه يعلم ما في الصدور، فالله أقرب لك من أي شخص في الدنيا فهو أقرب إليك من أمك ومن أبوك ومن أولادك فهو أقرب إليك من كل هؤلاء، )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (قّ:16)، )يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن:29) البذرة تدعو الله أن ينميها، الحوت في قاع المحيط يدعو الله أن يرزقه، النملة تدعو الله أن يعطيها فكل الكون يذهب إلى المجيب، ويحبك أن تسأله في كل الأمور حتى أصغر الأمور فالنبي صلي الله عليه وسلم يقول إذا ضاع شئ: (اللهم يا جامع الناس ليوم القيامة اجمعني على ضالتي) يحبك أن تسأله في كل شئ في حياتك، من عظائم الأمور إلى أقل الأمور، فمثلاً ذهب شخص غنى إلى شخص فقير وقال له: لا تذهب إلا إليَ ولا تذل نفسك لشخص أخر فأنا مسئول عنك ولله المثل الأعلى.
آيات وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في تعريف المجيب سبحانه وتعالى:
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أبعيد ربنا فنناديه أم قريب فنناجيه فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم ونزل قول الله تعالى )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ...) (البقرة:186) فهذا السؤال سهل على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجيبه ولكنه لم يجيب لأن هذا السؤال لا يجيب عنه إلا الله سبحانه وتعالى لكي تعرف أن العلاقة مباشرة منك إليه ومنه إليك.
كل الآيات الأخرى التي فيها (إذا سألك) يجب أن تكون فيها كلمة (قل) فمثلا )وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ ... ((البقرة:222)، )يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ ...) (البقرة:217)، )يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ ...) (البقرة:219) أما المرة الوحيدة التي لم تأتي بها كلمة (قل) ففي هذه الآية )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان) لأن العلاقة قريبة جداً، أيضا قال (الداع) ولم يقل المؤمن أو العابد وأيضا قال (إذا دعان) فالأمرعندك، وقال الله تعالى )وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60) فلم يقل (وقال ربكم ادعوه يستجب لكم) فالعلاقة مباشرة وقريبة والذي لا يدعو الله مستكبر لأنك ليس لديك سوى الله أن تدعوه، (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (لأعراف:55)، )وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (لأعراف:56).
حديث النبي (الدعاء هو العبادة) أيضاً (ليس شئ أكرم على الله من الدعاء) أيضاً (من لا يسأل الله يغضب عليه) أيضاً (لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد) فأنت معك سلاح خطير سلاح اسمه الدعاء لأن ربك اسمه المجيب فالحديث جميل (إن الله حيى كريم يستحي أن يرفع العبد يديه ثم يردهما صفراً خائبتين)، (يتنزل ربنا إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ينادي من يدعوني فاستجب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرنى فأغفر له) ، الكريم يعطي دون أن تسأله فكيف لو سألته وبكيت وتذللت وألححت عليه، كلما تستشعر باسم المجيب كلما تكون الإجابة قريبة.
العجيب أن إجابة الدعوات في القرآن دائما تأتي مع الدعوات المستحيلة لكي تطمئن، فتتبع كلمة (فاستجبنا له) لابد أن يكون قبلها دعوة صعبة جدا في وجهة نظر البشر فمثلا سيدنا إبراهيم جاء هذا المكان ولم يكن هناك أي شخص أو أي زرع فقال )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ...) (البقرة:126) وفي الآية الأخرى (...فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (ابراهيم:37) فهذا المكان يدل على المجيب سبحانه وتعالى فهل سيدنا إبراهيم كان يتخيل أن هذا المكان سيساق إليه الملايين صيفا وشتاءا والأرض كلها تتمنى وتحاول لكي تأتي إلى هذا المكان وبئر ذمذم لا يتوقف حتى الآن.
أيضا سيدنا زكريا )إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً) (مريم:3) يدعوه ويقول )قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً) (مريم:4) وفي آية أخرى يقول
)... وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً) (مريم:5) وفي آية أخرى (...إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) (ابراهيم:39) هذا يدل على الثقة بالله تعالى أنه سيستجيب له فبالرغم من أنه رجل عجوز وامرأته عاقر واشتعل الرأس شيب وبالرغم من ذلك يدعو الله ويجيب الله دعاءه بسرعة (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ...)(الانبياء:90) فحرف الفاء للسرعة.
أيضا سيدنا سليمان يقول )... وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ...) (صّ:35) فاستجيب له، أيضا من قاع البحار يدعو سيدنا يونس فتقول الملائكة: صوت معروف من مكان منكر، فيقول الله تعالى: ذلك عبدي يونس )فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الانبياء:88) فالله أجاب دعوة من أراد الذرية رغم الاستحالة وكذلك دعوة سيدنا إبراهيم الذي أراد الرزق رغم الاستحالة ودعوة سيدنا سليمان الذي أراد الملك رغم الاستحالة، أيضا دعوة سيدنا يونس الذي كان في هم وغم وكرب شديد، أيضا سيدنا نوح بعد 950 سنة )فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) (القمر13:11) أيضا الآية الجميلة )وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) (الصافات:75).
هذه الأيام هي أيام إجابة ولدينا رب قريب ورب مجيب، سيدنا أبو هريرة يقول: ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقول له: يا رسول الله أمي كلما ذهبت إليها تسمعني فيك كلاماً سيئاً وتقول فيك كفراً ادعوا الله يا رسول الله أن يهدي أم أبو هريرة، فرفع النبي يديه وقال: اللهم اهدي أم أبو هريرة فانصرفت مستبشراً بدعوة النبي فعدت الى البيت فطرقت الباب فقالت: يا أبا هريرة مكانك فقلت ستسمعني مرة أخرى في رسول الله ففتحت الباب فنظرت إلي وقالت: يا أبا هريرة اسمع، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول فبكيت من الفرحة، فعدت إلى رسول الله وأنا أبكي وأقول: يا رسول الله قد استجاب الله دعاءك وأسلمت أمي فقال النبي: صلى الله عليه وسلم الحمد لله، فقلت: يارسول ألا تدعو لي دعوة ؟ ادعو الله يا رسول الله أن يحببني أنا وأمي إلى المسلمين ويحبب المسلمين إلينا، فقال النبي: (اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى المؤمنين وحبب المؤمنين إليهم) يقول فما سمع بي مسلم إلا أحبني .
هل تتذكر كم من دعوات دعوتها واستجاب لك الله ولكن الشيطان ينسيك أن هذه الاجابة من الدعاء فتفرح بالموضوع وينسيك المجيب لأنك لو علمت أن المجيب استجاب لك ستعلم أن معك سلاح غير عادي وحبك للمجيب سيكون عظيم وفرحتك بربنا ستكون عظيمة وستكون حققت قمة العبودية لأن الدعاء هو العبادة فبالتالي ينسيك أن الإجابة بسبب الله.
سبحان الذي لا تختلط عليه الأصوات، سبحان الذي لا تشغله سمع عن سمع، سبحانه الذي سمى نفسه المجيب وقال قريب مجيب، سبحانه الذي يلهمك أن تدعوه فيستجب لك، يهمك فيعطيك، سبحانه سبحانه سبحانه...
يستجيب المجيب في كل الأوقات ولكن الأوقات التي يتجلى فيها أعظم وأعظم ويحب أن تدعوه فيها هي:
· الثلث الأخير من الليل (جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله أي الدعاء أسمع قال: ثلث الليل الآخر).
· بين الآذان والإقامة.
· يوم الجمعة (إن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله إلا استجيب له) خُبئت لتدعوا في كل الأوقات، والأوقات هي إما بعد الفجر مباشرة وإما ساعة الشروق وإما وقت صلاة الجمعة وإما بعد صلاة الجمعة مباشرة وإما بين العصر والمغرب إما وقت الغروب.
· يوم عرفة، ليلة القدر، شهر رمضان، ساعة الإفطار، عند الكعبة، عند الطواف، عند الملتزم، عند شرب ماء زمزم، عند السجود، عند ختم القرآن، عند التوبة، عند الإقلاع عن ذنب معين، عند الحجاب، دعوة أخ لأخيه بظهر الغيب فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيوكل له ملك كلما دعا يقول له آمين ولك بمثله).
أيضا لا يسألك المجيب أن تدعوه دعاءا منمقاً مخصوصاً ادعوه بأي لغة، ادعوه بالفصحى أو بالعامية جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إني لا أجيد دندنتك ولا دندنة معاذ بن جبل فقال له: ماذا تقول أنت يا رجل فقال أقول اللهم أدخلني الجنة، اللهم نجني من النار فقال له النبي: حولها ندندن أنا ومعاذ)، أيضاً بعد الدعاء تشعر براحة وتقول: الحمد لله وعقلك الباطن يكون اعتاد على الفكرة فهذا الأمر إيماني يقيني عقيدي لكن له بُعد مادي عند الماديين، فأحيانا تأخير الإجابة ليستقر الأمر في نفسك ويكون هذا رحمة من المجيب فيستجيب لك ولكن لابد أن تكون أنت مستعداً.
شروط استجابة الدعاء:
1) اليقين أنه يستجيب يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة) يقول النبي (لا يقل أحدكم وهو يدعو يارب لو شئت فعلت كذا ولكن ليعزم في المسألة)
2) الخشوع والتذلل أثناء الدعاء يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يستجيب من قلب غافل) يقول ابن عمر (أنا أعلم متي يستجاب دعائي فقالوا له: كيف تعلم قال إذا خشع القلب واهتزت الجوارح ودمعت العين أقول هذه ساعة إجابة فأبالغ في الدعاء)، يقول الإمام أحمد ابن حنبل: (أتدرون من الذي يستجاب دعاؤه قالوا: من ؟قال: تدرون رجل في قلب البحر قد تكسرت به السفينة فتعلق بخشبة سيموت والبحر هائج والأمواج من كل مكان يصرخ يقول: يا رب يارب إذا دعوتم كذلك الرجل يستجاب دعاؤكم).
3) عدم الإستعجال يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل قالوا كيف يستعجل قال: يقول دعوت ودعوت فلم يستجاب لي فيترك الدعاء فلا يستجاب له).
4) أكل الحلال فمن سنن إجابة الدعاء أن تخرج صدقة لكي تضمن أن أموالك طاهرة ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل يطيل السفر يدعو يقول يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام ومسكنه حرام فأنى يستجاب له).
آداب الدعاء
1) رفع اليدين
2) الوضوء
3) إستقبال القبلة
4) البدء بحمد الله ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى والإلحاح في الدعاء ثم صدقة بعد الدعاء.
يقول ابن القيم فمن استوفى الشروط الأربعة: اليقين في الإجابة والخشوع وعدم الاستعجال وأكل الحلال وتأدب بالآداب لا ترد دعوته أبدا ولو بعد حين، قد تؤخر فيقول الله تبارك وتعالى: ( يا جبريل أدعاني عبدي، نعم يا رب، يا جبريل أخِّر مسألة عبدي فإني أحب أن أسمع صوته).
(اسم الله المُجيب)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قبل الحديث عن اسم اليوم.. نحن في العشر الأواخر، الأيام الغالية القليلة فكلنا مشتاقين لنسائم الرحمة والمغفرة واللطف والعفو عن ما مضى والعتق من النار، فالكريم إذا أعتق لا يأسر، وهذا كشخص في رقبته سلسلة ونهاية السلسلة تصل به إلى النار فيأتي رمضان وتأتي العشر الأواخر فتقطع السلسلة وتنفك الرقبة وتعتق من النار وإذا أعتقك لا يأسرك أبداً، فالعربي الأصيل إذا كان عنده عبد وقال له اذهب أنت حر مستحيل أن يرجعه مرة أخرى فما بالك بأكرم الأكرمين وأجود الأجودين سبحانه وتعالى.
نحن ندخل على ليلة خير من ألف شهر، العبادة في هذه الليلة أكثر ثواباً عند الله من عبادة ألف شهر، ألف شهر يساوى 84 سنة فثواب هذه الليلة يساوي ثواب 84 سنة عبادة، كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وشد المئزر وأيقظ أهله، والثمن كبير فالثمن هو العتق، هذه الليلة ليلة إجابة دعاء، فدعاؤك مقبول في هذه الليلة، دقائق غالية، فيجب أن تزيد من العبادة، إقبال على الله ودعاء واستغاثة بالله وإقبال على المساجد وقرآن، فركعتين في ليلة القدر كأنك تتعبد لله 84 سنة والدمعة من خشية الله في ليلة القدر كأنها بحار من الدموع في كفة الحسنات، إرضاء أمك في ليلة القدر كأنك ترضيها 84 سنة، صدقة في ليلة القدر كأنك تتصدق 84 سنة فكفة الحسنات في هذه الليلة تمتلئ وتمتلئ.
اسم اليوم كله أمل، وطمأنينة، وفرحة، واستبشار، كله مزيد من الحماسة والعبادة والإقبال خاصةً عبادة الدعاء، اسم اليوم اسم الله المجيب )...إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (هود:61)، كلمة (فاستجبنا) تتكرر في كثير من سور القرآن وهناك الكثير من الأدعية في القرآن ليعلمك الله أن تدعو بها وأن تسأله بها.
هذا الاسم مناسب في رمضان وفي العشر الأواخر، لأن للصائم عند فطره دعوة لا تُرد، المجيب له معك في رمضان علاقة خاصة، ولك مع المجيب في العشر الأواخر علاقة أخص، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (للصائم عند فطره دعوة لا ترد) فكلمة (لا ترد) تدل على أنها فعلا لا ترد، أيضاً إن أشهر آية في إجابة الدعاء جاءت في وسط آيات الصيام )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ...) (البقرة:186)، أيضا إن ليلة القدر دعاءها مستجاب فلك ثلاثة أشياء مع المجيب في رمضان وفي العشر الأواخر لذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يُعدون لرمضان وللحج دعوات محددة ويلحون عليها كل رمضان وكل ركعة وكل سجدة ويلحون عليها إلحاحاً شديداً، يقولون: فوالله لا يأتي رمضان القادم إلا وقد أجاب الله لنا ما دعوناه بها.
تعريف اسم المجيب:
الذي يقابل مسألة السائلين بالإجابة والعطاء، المجيب الذي يجيب دعوة السائلين. لولا أنه يريد أن يستجيب لك لما أنطق لسانك، إذا نطق اللسان بالدعاء فاعلم أن المجيب سبحانه وتعالى يريد أن يعطيك ومن هنا معنى أخر للمجيب وهو الذي يقذف في قلوب الداعين وألسنتهم الدعاء، الأولى يقابل طلبك بالإجابة والثانية هو الذي قذف في قلبك. المعنى الأول القريب السهل تدعي يستجب لك والمعنى الثاني الأجمل هو الذي يقذف في قلبك: ادعوني.
ولذلك سيدنا عمر بن الخطاب يقول (أنا لا أحمل هم الإجابة ولكني أحمل هم الدعاء فمتى أُلهمت الدعاء عرفت أن الإجابة معه) فهو مطمئن للإجابة وسيدنا علي يقول (لو قيل لي يوم القيامة سنترك حسابك لأبيك وأمك لرفضت لأن الله سيكون أرحم بي من أبي وأمي) فهذا يعرف الرحيم يعرفه عن قرب ويقول شخص أخر(لأنا أشد خشية من أن أُحرم الدعاء من خشيتي أن أُحرم الإجابة) فالمجيب لو أنطق لساني بالدعاء عرفت أن الإجابة معه، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من فُتح له باب الدعاء فُتح له باب من أبواب الرحمة) فالمعنى الأول الذي يستجيب دعاء السائلين والمعنى الأجمل الذي يقذف في قلوب السائلين وألسنتهم أن يلجأوا إليه بالدعاء فيستجيب لهم فهو الذي ألهم وهو الذي يستجيب.
ملاحظات عن اسم الله المجيب:
المجيب لم يحدد موعد للدعاء، متى طلبتني وجدتني، فلو ميعاد الإجابة كان في وقت محدد من اليوم فسيكون هناك صعوبة، أيضا تخيل لو موعد الدعاء بين البشر كان بالترتيب فسيكون أيضاً هناك صعوبة فالمجيب سهل عليك الأمور، ترفع يديك تدعوه أو بدون أن ترفع يديك، بلسانك أو بدون لسانك، بدون أن تحرك شفاك، تدعوه من داخلك، بدون أن تنطق، المجيب معك في كل وقت وحين، المجيب يُعَرِّفك على باقي أسماء الله الحسنى، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء هو العبادة) لأنك ربما أثناء الصلاة أن لا تشعر بالعبودية، أيضاً ربما وأنت تزكي لا تشعر بالعبودية، وكذلك وأنت صائم ربما لا تشعر بالعبودية لأنك اعتدت على الصيام ولكن لا يمكن أن ترفع يديك تدعوه وأنت لا تشعر أنك عبده، فمعنى أن رفعت يديك ودعوته فأنت أقررت بأسمائه الحسنى، وأقررت أنه العظيم وأنه القوي وأنه الذي بيده الأمر وأنه الملك وأنه السميع وأنه البصير، فمعنى أنك لجأت للمجيب فأنت أيقنت جميع أسمائه الحسنى.
أيضا أنت مع المجيب تعرف عظمة السميع البصير لأن المجيب يدعوه آلاف وملايين في نفس اللحظة فسبحانه الذي لا يشغله سمع عن سمع، فمثلا أحياناً يتحدث إليك شخص ثم يأتي شخص أخر يريد أن يتحدث معك فتقول له: أن ينتظر لأنك تسمع الشخص الأول، فلله المثل الأعلى يدعوه الآلاف والملايين في نفس اللحظة وكل شخص منهم يعلم أن الله يسمعه، لا يمكن أن يتضايق شخص من شخص أخر يدعوه لأنك موقن أن المجيب سميع بصير وأن المجيب لا يشغله سمع عن سمع فلا تختلط عليه الأصوات، فالحديث الجميل (يا عبادي لو أن أولكم وأخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) اسم يعرفك على باقي أسماء الله الحسنى ويحببك في باقي أسماء الله الحسنى ويعرفك عظمة الله وأنه سميع وبصير فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدعاء هو العبادة، المجيب ينفق على عباده بسخاء)... بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ...) (المائدة:64).
المجيب يحب الملحين، الإنسان لو ألححت عليه يمل فلله المثل الأعلى الله يحب الملحين في الدعاء فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يحب الملحين في الدعاء) لأنك كلما تلح تحقق العبودية أكثر وتؤكد أن ليس لك شخص أخر غيره، أيضا المجيب قد يضطرك للظروف لأنك لم تدعوه منذ فترة فيضطرالمريض إلى المرض لكي يرفع يديه ويقول يارب اشفيني ويضطر الناس إلى المصائب ليعودوا إليه ويعرفوه بعبوديته باسمه المجيب، يضطر السفينة إلى الغرق ليرفعوا أصواتهم فى قلب البحر ويقولوا أغثنا أغثنا، يضطر الإنسان في الصحراء ليتوه ويقول يارب أغثني أغثني، يضطر كل الأمة للضعف لترفع أيديها وتعلم أنها مأمورة لله وتقول يارب أغثنا أغثنا، المجيب يدعوك أن تذهب إليه.
المجيب في القرآن دائماًيأتي مع اسم القريب )... إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ) (هود:61)، أقرب ما يكون العبد لربه وهم ساجد فأكثروا الدعاء ) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ...) (البقرة:186) لماذا؟ أنت لا تدعو من هو بعيد عنك بل أنت تدعو القريب، فهو قريب لا يحتاج منك أن تشرح له مشكلتك أو ما تريده فهو يعلم ما تريد لأنه قريب، أيضا تدعوه بلا خجل وبلا شرح لأنه قريب فأنت لا تحتاج أن ترفع صوتك في الدعاء لأنه يعلم ما في الصدور، فالله أقرب لك من أي شخص في الدنيا فهو أقرب إليك من أمك ومن أبوك ومن أولادك فهو أقرب إليك من كل هؤلاء، )وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (قّ:16)، )يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن:29) البذرة تدعو الله أن ينميها، الحوت في قاع المحيط يدعو الله أن يرزقه، النملة تدعو الله أن يعطيها فكل الكون يذهب إلى المجيب، ويحبك أن تسأله في كل الأمور حتى أصغر الأمور فالنبي صلي الله عليه وسلم يقول إذا ضاع شئ: (اللهم يا جامع الناس ليوم القيامة اجمعني على ضالتي) يحبك أن تسأله في كل شئ في حياتك، من عظائم الأمور إلى أقل الأمور، فمثلاً ذهب شخص غنى إلى شخص فقير وقال له: لا تذهب إلا إليَ ولا تذل نفسك لشخص أخر فأنا مسئول عنك ولله المثل الأعلى.
آيات وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في تعريف المجيب سبحانه وتعالى:
جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أبعيد ربنا فنناديه أم قريب فنناجيه فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم ونزل قول الله تعالى )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ...) (البقرة:186) فهذا السؤال سهل على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجيبه ولكنه لم يجيب لأن هذا السؤال لا يجيب عنه إلا الله سبحانه وتعالى لكي تعرف أن العلاقة مباشرة منك إليه ومنه إليك.
كل الآيات الأخرى التي فيها (إذا سألك) يجب أن تكون فيها كلمة (قل) فمثلا )وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ ... ((البقرة:222)، )يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ ...) (البقرة:217)، )يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ ...) (البقرة:219) أما المرة الوحيدة التي لم تأتي بها كلمة (قل) ففي هذه الآية )وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَان) لأن العلاقة قريبة جداً، أيضا قال (الداع) ولم يقل المؤمن أو العابد وأيضا قال (إذا دعان) فالأمرعندك، وقال الله تعالى )وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60) فلم يقل (وقال ربكم ادعوه يستجب لكم) فالعلاقة مباشرة وقريبة والذي لا يدعو الله مستكبر لأنك ليس لديك سوى الله أن تدعوه، (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (لأعراف:55)، )وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (لأعراف:56).
حديث النبي (الدعاء هو العبادة) أيضاً (ليس شئ أكرم على الله من الدعاء) أيضاً (من لا يسأل الله يغضب عليه) أيضاً (لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد) فأنت معك سلاح خطير سلاح اسمه الدعاء لأن ربك اسمه المجيب فالحديث جميل (إن الله حيى كريم يستحي أن يرفع العبد يديه ثم يردهما صفراً خائبتين)، (يتنزل ربنا إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل ينادي من يدعوني فاستجب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرنى فأغفر له) ، الكريم يعطي دون أن تسأله فكيف لو سألته وبكيت وتذللت وألححت عليه، كلما تستشعر باسم المجيب كلما تكون الإجابة قريبة.
العجيب أن إجابة الدعوات في القرآن دائما تأتي مع الدعوات المستحيلة لكي تطمئن، فتتبع كلمة (فاستجبنا له) لابد أن يكون قبلها دعوة صعبة جدا في وجهة نظر البشر فمثلا سيدنا إبراهيم جاء هذا المكان ولم يكن هناك أي شخص أو أي زرع فقال )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ ...) (البقرة:126) وفي الآية الأخرى (...فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (ابراهيم:37) فهذا المكان يدل على المجيب سبحانه وتعالى فهل سيدنا إبراهيم كان يتخيل أن هذا المكان سيساق إليه الملايين صيفا وشتاءا والأرض كلها تتمنى وتحاول لكي تأتي إلى هذا المكان وبئر ذمذم لا يتوقف حتى الآن.
أيضا سيدنا زكريا )إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً) (مريم:3) يدعوه ويقول )قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً) (مريم:4) وفي آية أخرى يقول
)... وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً) (مريم:5) وفي آية أخرى (...إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) (ابراهيم:39) هذا يدل على الثقة بالله تعالى أنه سيستجيب له فبالرغم من أنه رجل عجوز وامرأته عاقر واشتعل الرأس شيب وبالرغم من ذلك يدعو الله ويجيب الله دعاءه بسرعة (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ...)(الانبياء:90) فحرف الفاء للسرعة.
أيضا سيدنا سليمان يقول )... وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ...) (صّ:35) فاستجيب له، أيضا من قاع البحار يدعو سيدنا يونس فتقول الملائكة: صوت معروف من مكان منكر، فيقول الله تعالى: ذلك عبدي يونس )فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الانبياء:88) فالله أجاب دعوة من أراد الذرية رغم الاستحالة وكذلك دعوة سيدنا إبراهيم الذي أراد الرزق رغم الاستحالة ودعوة سيدنا سليمان الذي أراد الملك رغم الاستحالة، أيضا دعوة سيدنا يونس الذي كان في هم وغم وكرب شديد، أيضا سيدنا نوح بعد 950 سنة )فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ، وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ) (القمر13:11) أيضا الآية الجميلة )وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) (الصافات:75).
هذه الأيام هي أيام إجابة ولدينا رب قريب ورب مجيب، سيدنا أبو هريرة يقول: ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقول له: يا رسول الله أمي كلما ذهبت إليها تسمعني فيك كلاماً سيئاً وتقول فيك كفراً ادعوا الله يا رسول الله أن يهدي أم أبو هريرة، فرفع النبي يديه وقال: اللهم اهدي أم أبو هريرة فانصرفت مستبشراً بدعوة النبي فعدت الى البيت فطرقت الباب فقالت: يا أبا هريرة مكانك فقلت ستسمعني مرة أخرى في رسول الله ففتحت الباب فنظرت إلي وقالت: يا أبا هريرة اسمع، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول فبكيت من الفرحة، فعدت إلى رسول الله وأنا أبكي وأقول: يا رسول الله قد استجاب الله دعاءك وأسلمت أمي فقال النبي: صلى الله عليه وسلم الحمد لله، فقلت: يارسول ألا تدعو لي دعوة ؟ ادعو الله يا رسول الله أن يحببني أنا وأمي إلى المسلمين ويحبب المسلمين إلينا، فقال النبي: (اللهم حبب عبيدك هذا وأمه إلى المؤمنين وحبب المؤمنين إليهم) يقول فما سمع بي مسلم إلا أحبني .
هل تتذكر كم من دعوات دعوتها واستجاب لك الله ولكن الشيطان ينسيك أن هذه الاجابة من الدعاء فتفرح بالموضوع وينسيك المجيب لأنك لو علمت أن المجيب استجاب لك ستعلم أن معك سلاح غير عادي وحبك للمجيب سيكون عظيم وفرحتك بربنا ستكون عظيمة وستكون حققت قمة العبودية لأن الدعاء هو العبادة فبالتالي ينسيك أن الإجابة بسبب الله.
سبحان الذي لا تختلط عليه الأصوات، سبحان الذي لا تشغله سمع عن سمع، سبحانه الذي سمى نفسه المجيب وقال قريب مجيب، سبحانه الذي يلهمك أن تدعوه فيستجب لك، يهمك فيعطيك، سبحانه سبحانه سبحانه...
يستجيب المجيب في كل الأوقات ولكن الأوقات التي يتجلى فيها أعظم وأعظم ويحب أن تدعوه فيها هي:
· الثلث الأخير من الليل (جاء رجل إلى النبي فقال يا رسول الله أي الدعاء أسمع قال: ثلث الليل الآخر).
· بين الآذان والإقامة.
· يوم الجمعة (إن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله إلا استجيب له) خُبئت لتدعوا في كل الأوقات، والأوقات هي إما بعد الفجر مباشرة وإما ساعة الشروق وإما وقت صلاة الجمعة وإما بعد صلاة الجمعة مباشرة وإما بين العصر والمغرب إما وقت الغروب.
· يوم عرفة، ليلة القدر، شهر رمضان، ساعة الإفطار، عند الكعبة، عند الطواف، عند الملتزم، عند شرب ماء زمزم، عند السجود، عند ختم القرآن، عند التوبة، عند الإقلاع عن ذنب معين، عند الحجاب، دعوة أخ لأخيه بظهر الغيب فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيوكل له ملك كلما دعا يقول له آمين ولك بمثله).
أيضا لا يسألك المجيب أن تدعوه دعاءا منمقاً مخصوصاً ادعوه بأي لغة، ادعوه بالفصحى أو بالعامية جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله إني لا أجيد دندنتك ولا دندنة معاذ بن جبل فقال له: ماذا تقول أنت يا رجل فقال أقول اللهم أدخلني الجنة، اللهم نجني من النار فقال له النبي: حولها ندندن أنا ومعاذ)، أيضاً بعد الدعاء تشعر براحة وتقول: الحمد لله وعقلك الباطن يكون اعتاد على الفكرة فهذا الأمر إيماني يقيني عقيدي لكن له بُعد مادي عند الماديين، فأحيانا تأخير الإجابة ليستقر الأمر في نفسك ويكون هذا رحمة من المجيب فيستجيب لك ولكن لابد أن تكون أنت مستعداً.
شروط استجابة الدعاء:
1) اليقين أنه يستجيب يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة) يقول النبي (لا يقل أحدكم وهو يدعو يارب لو شئت فعلت كذا ولكن ليعزم في المسألة)
2) الخشوع والتذلل أثناء الدعاء يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يستجيب من قلب غافل) يقول ابن عمر (أنا أعلم متي يستجاب دعائي فقالوا له: كيف تعلم قال إذا خشع القلب واهتزت الجوارح ودمعت العين أقول هذه ساعة إجابة فأبالغ في الدعاء)، يقول الإمام أحمد ابن حنبل: (أتدرون من الذي يستجاب دعاؤه قالوا: من ؟قال: تدرون رجل في قلب البحر قد تكسرت به السفينة فتعلق بخشبة سيموت والبحر هائج والأمواج من كل مكان يصرخ يقول: يا رب يارب إذا دعوتم كذلك الرجل يستجاب دعاؤكم).
3) عدم الإستعجال يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل قالوا كيف يستعجل قال: يقول دعوت ودعوت فلم يستجاب لي فيترك الدعاء فلا يستجاب له).
4) أكل الحلال فمن سنن إجابة الدعاء أن تخرج صدقة لكي تضمن أن أموالك طاهرة ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: (الرجل يطيل السفر يدعو يقول يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام ومسكنه حرام فأنى يستجاب له).
آداب الدعاء
1) رفع اليدين
2) الوضوء
3) إستقبال القبلة
4) البدء بحمد الله ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم التوسل إلى الله بأسمائه الحسنى والإلحاح في الدعاء ثم صدقة بعد الدعاء.
يقول ابن القيم فمن استوفى الشروط الأربعة: اليقين في الإجابة والخشوع وعدم الاستعجال وأكل الحلال وتأدب بالآداب لا ترد دعوته أبدا ولو بعد حين، قد تؤخر فيقول الله تبارك وتعالى: ( يا جبريل أدعاني عبدي، نعم يا رب، يا جبريل أخِّر مسألة عبدي فإني أحب أن أسمع صوته).

زملكاويه
•
باسمك نحيا
(اسم الله العفو)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قبل البدء باسم اليوم أوصيكم بالاستعداد والعمل والطاعة وبذل المجهود للعشر الأواخر والليالي الجميلة والقرب من الله تبارك وتعالى، أعاننا الله وإياكم وفتح علينا وعليكم وتقبل منا ومنكم وبلغنا ليلة القدر.
حلقة اليوم لها علاقة بليلة القدر، نصفها الأول نعيش فيه مع ليلة القدر، ونصفها الثاني أن هذا الاسم في هذه الليلة له خصوصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.. اسم الله العفو. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.. دعاء ارتبط بالعشر الأواخر وبليلة القدر، علمه رسول الله للسيدة عائشة حين سألته: يا رسول الله، أرأيتَ إن أدركتُ هذه الليلة، فماذا أقول؟ قال: ( قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).
للحلقة أربعة محاور:
1. معنى اسم الله العفو، ومعنى كلمة العفو.
2. الفرق بين اسم الله العفو، والغفور، وباقي الأسماء المشابهة، وعلاقته بها.
3. علاقة اسم الله العفو بليلة القدر، وسر ارتباطه بها.
4. كيف نحيا ونُعمّر الأرض بهذا الاسم؟
اسم الله العفو في القرآن: اسم الله العفو جاء في القرآن خمس مرات، مرة مقترن باسم الله القادر "...إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً " (النساء:149)، فقد أعفو عنك وأنا غير قادر عليك، لكن الله سبحانه قدير، قادر عليك، ومع قدرته عليك عفا عنك.
و أربع مقترن باسم الله الغفور "...إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً " (النساء:43)، " فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً " (النساء:99) ليريك الكرم، وليقول لك: يمكنك أخذ هذه المغفرة، ويمكنك أخذ الأكبر منها والمنزلة الأعلى وهي العفو.
ما معنى اسم الله العفو؟ كلمة (عفا) لغوياً في المعجم لها معنيين:
1. أعطيتُه من مالي عفواً: أي أعطيته شيئاً طيباً من حلال مالي، عن رضا نفس، دون أن يسأل "...يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ..." (البقرة:219) وهذا أفضل ما تنفقون من مالكم.
2. العفو: الإزالة، يقولون: عَفَت الريح الآثار: أزالتها ومسحتها، ومنها ما ورد في السيرة في رحلة الهجرة، لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور ومعه أبو بكر، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام، فأمر أبو بكر غلامه أن يمر بالغنم على آثار أقدام أسماء حتى لا يعرف الكفار طريق النبي، فتجد الرواية في السيرة: (فأمر غلامه أن يعفو آثار أسماء بنت أبي بكر).
ثلاثة أمور في اسم الله العفو: يزيل ويمحو، ثم يرضى، ثم يعطي، فهو سبحانه أزال وطمس ومحا ذنوب عباده وآثارها، ثم رضي عنهم، ثم أعطاهم بعد الرضا عفواً دون سؤال منهم. لعلك بهذا فهمت المراد باسم الله العفو، والمراد من هذا البرنامج أن تفهم، وتعيش، وتحب.. أن ننتقل من الكلام إلى الوجدان، من منزلة اللسان إلى منزلة الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه).
الفرق بين العفو والغفار:
لكي تشعر باسم العفو حقاً، اعرف الفرق بينه وبين الغفار، أسماء الله كلها حُسنى، لكن العفو أبلغ من المغفرة.. كيف ؟ هناك من يتعامل معه الله تبارك وتعالى بالمغفرة، وهناك من يتعامل معه الله بمنزلة أعظم.. بالعفو، فأنت ماذا تستحق؟ أما هو فغفور وعفو.. المغفرة أنك إذا فعلت ذنباً فالله يسترك في الدنيا، ويسترك في الآخرة، ولا يعاقبك على هذا الذنب، لكن الذنب موجود! أما العفو فالذنب غير موجود أصلاً، كأنك لم ترتكب الخطأ، لأنه أزيل ولم تعد آثاره موجودة، لذلك فهو أبلغ.. فقد تكون عملت صغائر، ولم تتقرب من ربنا أو لم تدرك ليلة القدر أو... فتأتي يوم القيامة فتجد الغفور، وقد تكون عملت كبيرة، فتبت وعدت وأدركت ليلة القدر وعبدت الله فيها... فتجد يوم القيامة العفو. والعفو لا يذكرك بسيئاتك لأنه محا، أما الغفور فقد يذكرك بسيئاتك ثم لا يعاقبك، والغفور قد يغفر لك ولا يرضى عنك، أما العفو فراضٍ بالتأكيد.
تأملوا هذا المثال: سيدنا يوسف عليه السلام عندما التقى بإخوته وندموا على ما فعلوا في حقه، قال لهم: " قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ – ثم انظر لبقية الآية - يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ...." (يوسف:92) فهل سيدنا يوسف هنا غفر أم عفا ؟ بل غفر، لا تثريب: أي لا عقوبة، ولكن هل عفا ؟ ثم بعد ذلك بعدة آيات قال: "...وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ..." (يوسف:100) فلم يقل: إذ أخرجني من البئر، لأنها مُسِحَت وانتهى الأمر، فهنا قد عفا وزالت الآثار.
مثال للفرق بين العفو والغفور يوم القيامة: حديث: ( يأتي العبد يوم القيامة، فيقول له الله تبارك وتعالى: ادنُ عبدي، فيقترب العبد، فيرخي الله تبارك وتعالى عليه ستره، فيقول له الله: أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر ذنب كذا؟ - لاحظوا أن الذنوب موجودة في الصحيفة - فيقول: نعم يا رب، فيظن العبد أنه هالك، فيقول له الله: سترتها عليك في الدنيا وها أنا أغفرها لك اليوم) هذه مغفرة، لكن العفُوّ ماذا يقول لك يوم القيامة؟ ( يا فلان، إني راضٍ عنك لما فعلت في الدنيا، قد رضيت عنك وعفوت عنك، اذهب فادخل جنتي) أرأيت الفرق بين هذه وتلك؟ فأي منزلة تريد أنت؟ والعفُوّ تلقاه يوم القيامة فيقول لك: ( تمنَّ يا عبدي واشتهي، فإني قد عفوت عنك، فلن تتمنى اليوم شيئاً إلا أعطيتك إياه).
كيف يمحو ويعفو؟ ينسيك الذنب، وينسيه للملائكة وملَك الشمال، ويُمحَى من صحيفة السيئات، وتأتي يوم القيامة لا يذكّرك به ولا يسألك عنه.. أنت لم تخطئ.. " وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ " (ق:21)، فحتى الملَك لا يذكر هذا الذنب، وإن كان كبيراً وفاضحاً.. مادام الله عفاه عنك بليلة القدر فالكل سينساه " اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً " (الإسراء:14) فتجد ذنوباً موجودة في كتابك وقد غُفرت، لكن هذا الذنب غير موجود لأنه عُفي. أرأيت إن عفا كل ما مضى؟! كانت صفحة بيضاء وكأن صاحبها نقيّ منذ وُلِد إلى أن مات. " الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " (يس:65) يشهدون على ذنب قبله وذنب بعده، ولا ينطقون بهذا الذنب لأنه عُفي عنه، قد تذكره في الدنيا ويؤرقك لسنوات، لكن في رمضان سنة 2006 عُفي عنك! فحين نموت تفنى أجسادنا ورؤوسنا وتفنى معها الذاكرة، ثم نقوم يوم القيامة بذاكرة جديدة نقية محي منها ما قد عفي عنه فلا يذكره أحد (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).
الفُضيل بن عياض أحد التابعين، يوم عرفة وهو يوم عفو مثل ليلة القدر، وقف يدعو: يا رب اعفُ عني اعفُ عني، فلما غربت الشمس بكى، والأصل أن يُحسن الظن بالله ويستبشر، فسألوه: ألست من تُعلمنا حُسن الظن بالله؟ فقال: ( لست أبكي لذلك ولكن وا خجلاه! وا حيائي منه وإن عفا!) وهذه العشر الأواخر وفيها ليلة القدر، لعل أحد الشباب كان قد تناول المخدرات، أو غش أو أخذ مالاً ليس له، أو أغضب أمه وأبكاها، ثم تاب في هذه الليلة وعفا الله عنه، سيمحوها وسينسيه إياها، وحتى أمه التي أبكاها ستنسى ذلك.. هل الإحساس بالعفو بدأ يدخل إلى قلبك ؟
عفت الريح الآثار: تأمل هذا المثال ولكن تذكر صحيفة ذنوبك أثناء ذلك. العرب في الصحراء يحفرون الخنادق حول خيامهم لينزل فيها ماء المطر، فإذا رحلوا أخذوا الخيام وتركوا الحفر فترى الأرض مليئة بالخنادق، لكن انظر إليها بعد عام، تراها عادت صحراء كما كانت، كيف؟ تمر الرياح فتعفو حتى الخنادق العميقة وليس فقط آثار الأقدام.. أريدك أن تذكر ذنوبك الكبيرة مع هذا المثال، وتذكر العفو سبحانه وتعالى، إن الذي ضرب لك مثلاً من الكون كيف أن الرياح تعفو آثار الخنادق العميقة، قادر أن يعفو، فهو سبحانه وتعالى الذي يحرك الرياح فتعفو تلك الآثار، فأنت أعظم عنده من الرياح والخنادق.
بعد المحو.. الرضا: معنى جميل جداً للعفو، فالعفُو يرضى عنك بعد المحو، فليلة القدر العفو يمحو الذنب، ثم إنه لا يؤنبك عليه، وفي الدنيا قد يسامحك أحدهم ويظل يذكرك بخطئك من آن لأخر، لكن العفو لا يذكرك بذنبك لأنه محي أصلاً وأمره انتهى، ثم يرضى عنك، فأي كرم أكثر من هذا وأي رحمة؟! أفلا تذهب بهذا الاسم وتدعو به طوال الليل؟ اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.
تخلية وتحلية : العفو يشمل هذين المعنيين، فالعفو يخليك من الذنوب، ثم يحليك بالرضا والعطاء. تطهير ثم تعطير، تماماً كما لو أنك أخذت كوباً ملوثاً فنظفته جيداً، ثم ملأته عسلاً. لِمَ كل هذا ؟ لأنه يحبك، يتودد إليك، يريد أن يرحمك فأنت أغلى الخلق على الأرض "... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..." (البقرة:30) خلق الجنة من أجلك، يقول لك: ألا تستحي مني؟! أستحي أن أعذبك ولا تستحي أن تعصاني؟ أعفو عنك ولا تأتيني؟
ماذا لو عفا عنك؟ لو عفا عنك فلا بد أن يعطيك هذه الثلاثة: يمحو آثار الذنوب، ثم يرضى عنك، ثم يعطيك عطاء حلالاً يسعدك ويرضيك دون أن تسأل، وبالتالي فالليلة ليلة هذه الثلاثة، فاجتهدوا. يقول سفيان الثوري: أحب في ليلة القدر الدعاء بما أمر به النبي أكثر من أي شيء آخر، أكثِر فيه من: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني. سليمان الدارني أحد التابعين يقول: لئن سألني يوم القيامة عن ذنوبي لأسألنه عن عفوه، لأني لا أجد لي مخرَجاً إلا أن أسأله عن عفوه.
العلاقة بين العفو وليلة القدر: ولكي نعلم هذا، لابد أولاً أن نفهم العلاقة بين العفو والتواب.
العلاقة بين العفو والتواب: أنت قد تذنب، ثم تتوب وتقول: يا رب، لن أعيدها ثانية، ثم تعود فتذنب نفس الذنب، فتتوب وتقول: يا رب لن أعيدها، ثم تذنب وتتوب الثالثة والرابعة..... وبعدها تصعب عليك التوبة، لماذا؟ فقدت الثقة بنفسك، وتخجل أن تقولها مجدداً فلا تلتزم بها، فتصبح هناك فجوة بينك وبين الله، وتصعب عليك العودة، يصبح هناك حاجزاً ولا تعود تفكر في التوبة، لكن الله يحبك ويريدك أن ترجع، فكيف يزول هذا الحاجز لتتوب من جديد؟ يزول بأمر غير عادي، غير تقليدي، شيء ضخم، هدية كبيرة يتودد بها الله إليك ليكسر هذا الحاجز، هذه الهدية اسمها ليلة القدر، فهي ليلة عفو تمحو كل ما سبقها، فما عليك إلا أن تُقدِم وتُقبِل عليه في هذه الليلة لتبدأ من جديد، حتى وإن لم تكن قد تبت، تدخل عليه بعبادتك، فيقودك العفوّ للتواب، ثم في منتصف الليلة ستخجل وأنت في عبادتك وتقرر التوبة، لأن الجدار بينك وبين التوبة قد زال، فتكون هذه الليلة بداية جديدة لك مع التوبة.
لاحظوا أن اسم الله العفو لا يأتي في القرآن إلا مع الذنوب الكبيرة الرهيبة، كـ بنو إسرائيل لما عبدوا العجل، " وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ " (البقرة:51) هذه لا تكفيها توبة عادية، ولذلك قال بعدها: " ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " (البقرة:52)، وكذلك الذين تولوا عن رسول الله في معركة أحد " إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ..." (آل عمران:155)، فلو صار الحاجز كبيراً فأنت بحاجة لاسم الله العفو.. انظروا لهذه الآية ما أجملها! " وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ " (الشورى:30) انظروا لقوله: يعفو عن كثير! فلو حاسب الله الناس بما كسبت أيديهم لما بقوا في الدنيا يوماً واحداً، ولكنه سبحانه يعفو عن كثير، لأن الكثير بحاجة إلى عفو، فيقود إلى توبة.
وهناك علاقة أخرى بين العفو وليلة القدر، فقد سميت ليلة القدر لأن بها تقدّر أرزاق العباد للعام القادم، فما أجمل أن تكون ليلة تقدير وضعك للعام التالي هي ليلة عفو لتبدأ العام الجديد وأنت نقي.
إصلاح الأرض بحاجة إلى إنسان متجدد: فالأمر ليس فقط حب الله لنا ، فالغاية من وجودنا تعمير الأرض وإصلاحها. الإنسان الذي يعيش داخل ذنبه إنسان متعب ضعيف كئيب غير قادر على تجديد نشاطه، ولا على الإنتاج والنجاح والعمل، فتأتي ليلة القدر كل سنة لتجدد الأمة كلها نشاطها وهمتها وطاقتها، لتبدأ من جديد أمة محمد صلى الله عليه وسلم مع اسم الله العفو لتكون سنة خير على الأمة، فنقول: فاعف عنا جميعاً، ليعم الخير العام القادم على الأمة كلها.
نصوص.. في اسم الله العفو:
تأمل الآيات والأحاديث التي تتحدث عن اسم الله العفو، وتأمل حركة الكون: ( ما من يوم إلا ويستأذن البحر ربه، يقول: يا رب ائذن لي أن أهلك ابن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، وتقول الأرض: يا رب ائذن لي أن أبتلع ابن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، وتقول السماوات: يا رب ائذن لي أن أطبق على ابن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، فيقول لهم الله: دعوهم، لو خلقتموهم لرحمتموهم).
يقولون في الأثر أن العبد العاصي إذا جاء إلى الله تبارك وتعالى في ليلة القدر، وهو شديد العصيان، يناديه: يا رب اعف عني، يا رب اعف عني، يا رب اعف عني، ( فيقول الله تبارك وتعالى للملائكة: لا تحجبوا صوت عبدي عني، فيقولون: يا رب إنه لا يستحق عفوك لقد فعل وفعل وفعل، فيقول الله: ولكني أهل التقوى وأهل المغفرة، أشهدكم أني قد عفوت عن عبدي).
وفي الحديث القدسي: ( ابن آدم، خلقتك بيديّ وربيتك برحمتي وأنت تخالفني وتعصاني، فإن عدتَ إليّ قبِلتك، فمن أين تجد لك رباً مثلي وأنا الغفور الرحيم؟! ابن آدم خلقتك من العدم إلى الوجود وأوجدت لك السمع والبصر والقلب والفؤاد، أذكرك وأنت تنساني، أستحي منك ولا تستحي مني، من ذا الذي يقرع بابي فلا أفتح له؟ ومن ذا الذي يسألني فلا أعطيه؟ أبخيل أنا فيبخل عليّ عبدي؟).
(جاء رجل إلى النبي، فقال: يا رسول الله، إني شديد الذنوب، أرأيتَ إن تبتُ إلى الله الليلة يعفو عني؟ فقال له النبي: نعم، فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي؟ قال: يعفو عنك، وغدراتك وفجراتك، فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي؟ قال: يعفو عنك، وغدراتك وفجراتك، فمضى الرجل وهو يقول: الله أكبر! الذي يعفو عن الغدرات والفجرات). يا إخوتي يجب أن نتوب، فهو قد جعل لنا هذه الليلة لنتوب، " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ " (الحجر:49،50)
جاء أعرابي إلى النبي فقال: (يا رسول الله، من سيحاسب الناس يوم القيامة؟ فقال النبي: الله، فقال: بنفسه؟ فقال النبي: بنفسه، فقال الأعرابي: الله أكبر! وابتسم، فقال النبي: لِمَ يبتسم الأعرابي؟ قال: يا رسول الله، إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسب سامح، فابتسم النبي وقال: فَقِهَ الأعرابي – أي فهم - ألا لا كريم أكرم من الله عز وجل).
ومن عجيب عفوه يوم القيامة، أطفال المسلمين الذين ماتوا، ( فيأتون يوم القيامة فيقول لهم الله: اذهبوا فادخلوا الجنة، فيقولون: لا يا رب لا ندخل حتى يدخل معنا آباؤنا وأمهاتنا، فيقول الله للأطفال: قد عفوت عن آبائكم وأمهاتكم، خذوا بيدي آبائكم وأمهاتكم فادخلوا الجنة).
وعفو خاص لأمة مُحمّد. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( عرضت عليّ الأمم يوم القيامة، فرأيت النبي يأتي وليس معه أحد، ورأيت النبي يأتي ومعه الرجلين، ورأيت النبي يأتي ومعه الرهط، ثم رفع لي فرأيت سواداً عظيماً، فقلت: أمتي أمتي، فقيل لي: لا، هؤلاء موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق الآخر، فنظرت فإذا سواد يسد الأفق، فقيل لي: هؤلاء أمتك، ومعهم سبعون ألفاً عفا الله عنهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا سؤال، فاستزدتُ ربي، فزادني مع كل ألف سبعين ألف).
ثم عفو عجيب لأُناس بعدما استحقوا النار، ترى هل يكون بيننا أحد هؤلاء؟ ليتهم أدركوا ليلة القدر! رغم كل هذه المبشرات إلا أن هناك من سيدخل النار، فهل أولئك ليس لهم عفو؟ بلى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ينادي الله تبارك وتعالى يوم القيامة بعد أن دخل أهل الجنة الجنة، لكن بقي من أمتي أناس في جهنم، فينادي الله تبارك وتعالى: يا محمد، اذهب فأخرج من النار من كان في قلبه من أمتك ذرة من إيمان، فأخرج أناس، لكن يبقى أناس في النار، فأسجد تحت العرش، وأناجي الله في أمتي الذين مازالوا في جهنم، أقول: يا رب، أمتي أمتي.. فيقول الله تبارك وتعالى: اذهب يا محمد فأخرج من النار، ويحدّ لي حداً، فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، ثم أعود فأسجد تحت العرش، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيحد لي حداً، فأذهب فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، ثم أعود فأسجد تحت العرش، فيحد لي حداً، فأذهب فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، ثم أعود الرابعة، فيحد لي حداً، فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، لكن يبقى من أمتي ما زال في النار، فأستحي من ربي، فينادي الله تبارك وتعالى: شفع الأنبياء، شفع المرسلون، شفعت الملائكة، شفع المؤمنون، شفع حبيبي مُحمّد، أفلا أعفو أنا ؟! فيخرج الله تبارك وتعالى من بقي من أهل لا إله إلا الله، فيخرجهم من النار وقد تفحموا من النار، فيضعهم في نهر يسمى نهر الحياة، فكأنما ينبتون نباتاً، مكتوب على جبائنهم: هؤلاء عتقاء الله من النار، فيقول لهم: اذهبوا فادخلوا الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء الجهنميون - الخارجون من جهنم - فيقول لهم الله: لا، هؤلاء عتقاء الجبار من النار هؤلاء عتقاء الرحمن من النار).
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.. هل أنت مستعد لليلة القدر؟ هل ستذهب بكل كيانك؟ هل عرفت قيمة هذا الدعاء البسيط؟ هذا الاسم العظيم الجليل من أسماء الله الحسنى، الاسم الذي يجعلك تتساقط خجلاً. عيشوا مع هذا الاسم هذه الليالي وأبلغوه للناس.
كيف نحيا بهذا الاسم:
كلمة واحدة.. اعف عن الناس كي يعفو الله عنك. اجعلوها ليلة عفو، لأن هذه الليلة أغلى من الدنيا بما فيها، وقل له: يا رب اشهد، فأنت الكريم العظيم العفو، أنا المخلوق الضعيف عفوت عن الناس يا رب، فاعف عن هذا المسكين الذي عفا.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( رجلان من أمتي جثيا تحت العرش يوم القيامة، فقال المظلوم: يا رب، خذ لي مظلمتي من أخي، فيقول الله لمن ظلم: أعطِ أخاك مظلمته، فيقول: كيف يا رب؟ فيقول: أعطه من حسناتك، فيقول: يا رب فنيَت حسناتي! فيقول الله للمظلوم: فنيت حسناته، فيقول: يا رب فخُذ من سيئاتي فاطرحها عليه، فيقول الله للمظلوم: هل لك في خير من ذلك؟ فيقول: وما خير من ذلك يا رب؟ فيقول له الله: انظر إلى ذلك القصر، فينظر فإذا قصر في الجنة لم ير مثله، فيقول يا رب لمن هذا القصر؟! لأي نبي هذا؟ لأي شهيد هذا؟ فيقول له الله: لمن يملك الثمن! فيقول: يا رب ومن يملك هذا الثمن؟ فيقول له الله: أنت تملكه، فيقول: كيف يا رب؟ فيقول: بعفوك عن أخيك، فيقول: عفوت يا رب عفوت يا رب، فيقول العفو: خذ بيد أخيك فادخلا الجنة سوياً).. أهذا هو إلهنا؟! خالقنا؟ أيحب العفو بين العباد هكذا؟ أهذا ما يأمرنا به؟ هل عندك استعداد للعفو؟ هل يمكنك أن تعفو لو تكلم أحدهم في عرض ابنتك؟
أبو بكر الصديق يوم حادثة الإفك، بعدما برّأ الله السيدة عائشة، أقسم أن يقطع نفقة كان يجريها على مُسطح بن أثاثة، فأنزل الله تبارك وتعالى: " وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ..." (النور:22)، فقال أبو بكر: بلى، أحب أن يغفر الله لي، والله لا أقطع عنه المال ما حييت، وأعاد له النفقة.
يا إخواني، لو تقطعت العائلة واختلف الإخوة، فهذه ليلة عفو، لو ظلمكَ شريكك، لو ظلمكِ زوجك، فهذه ليلة عفو، بالله عليكم لا تبيتوا الليلة إلا وقد عفوتم عن الناس. سيدنا عمر بن الخطاب وقف بين الناس في ليلة القدر، فقال: أيها الناس، كل الناس الليلة مني في حِلّ، ثم التفت وقال: قد عفوت يا رب، فاعف عني.
نخرج من هذه الحلقة بثلاثة أمور: العفو يمحو آثار الذنوب كأن لم تكن وينسيك إياها والملائكة يوم القيامة، ثم يرضى عنك، ثم يعطيك عطاءً حلالاً طيباً يوم عفا عنك.
دعاء ليلة القدر: ولنحرص أن لا تفتر عنه ألسنتنا.. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.. اعف عن الناس بالنهار، يعفُ العفو عنك بالليل.
(اسم الله العفو)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قبل البدء باسم اليوم أوصيكم بالاستعداد والعمل والطاعة وبذل المجهود للعشر الأواخر والليالي الجميلة والقرب من الله تبارك وتعالى، أعاننا الله وإياكم وفتح علينا وعليكم وتقبل منا ومنكم وبلغنا ليلة القدر.
حلقة اليوم لها علاقة بليلة القدر، نصفها الأول نعيش فيه مع ليلة القدر، ونصفها الثاني أن هذا الاسم في هذه الليلة له خصوصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.. اسم الله العفو. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.. دعاء ارتبط بالعشر الأواخر وبليلة القدر، علمه رسول الله للسيدة عائشة حين سألته: يا رسول الله، أرأيتَ إن أدركتُ هذه الليلة، فماذا أقول؟ قال: ( قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).
للحلقة أربعة محاور:
1. معنى اسم الله العفو، ومعنى كلمة العفو.
2. الفرق بين اسم الله العفو، والغفور، وباقي الأسماء المشابهة، وعلاقته بها.
3. علاقة اسم الله العفو بليلة القدر، وسر ارتباطه بها.
4. كيف نحيا ونُعمّر الأرض بهذا الاسم؟
اسم الله العفو في القرآن: اسم الله العفو جاء في القرآن خمس مرات، مرة مقترن باسم الله القادر "...إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً " (النساء:149)، فقد أعفو عنك وأنا غير قادر عليك، لكن الله سبحانه قدير، قادر عليك، ومع قدرته عليك عفا عنك.
و أربع مقترن باسم الله الغفور "...إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً " (النساء:43)، " فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً " (النساء:99) ليريك الكرم، وليقول لك: يمكنك أخذ هذه المغفرة، ويمكنك أخذ الأكبر منها والمنزلة الأعلى وهي العفو.
ما معنى اسم الله العفو؟ كلمة (عفا) لغوياً في المعجم لها معنيين:
1. أعطيتُه من مالي عفواً: أي أعطيته شيئاً طيباً من حلال مالي، عن رضا نفس، دون أن يسأل "...يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ..." (البقرة:219) وهذا أفضل ما تنفقون من مالكم.
2. العفو: الإزالة، يقولون: عَفَت الريح الآثار: أزالتها ومسحتها، ومنها ما ورد في السيرة في رحلة الهجرة، لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور ومعه أبو بكر، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام، فأمر أبو بكر غلامه أن يمر بالغنم على آثار أقدام أسماء حتى لا يعرف الكفار طريق النبي، فتجد الرواية في السيرة: (فأمر غلامه أن يعفو آثار أسماء بنت أبي بكر).
ثلاثة أمور في اسم الله العفو: يزيل ويمحو، ثم يرضى، ثم يعطي، فهو سبحانه أزال وطمس ومحا ذنوب عباده وآثارها، ثم رضي عنهم، ثم أعطاهم بعد الرضا عفواً دون سؤال منهم. لعلك بهذا فهمت المراد باسم الله العفو، والمراد من هذا البرنامج أن تفهم، وتعيش، وتحب.. أن ننتقل من الكلام إلى الوجدان، من منزلة اللسان إلى منزلة الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه).
الفرق بين العفو والغفار:
لكي تشعر باسم العفو حقاً، اعرف الفرق بينه وبين الغفار، أسماء الله كلها حُسنى، لكن العفو أبلغ من المغفرة.. كيف ؟ هناك من يتعامل معه الله تبارك وتعالى بالمغفرة، وهناك من يتعامل معه الله بمنزلة أعظم.. بالعفو، فأنت ماذا تستحق؟ أما هو فغفور وعفو.. المغفرة أنك إذا فعلت ذنباً فالله يسترك في الدنيا، ويسترك في الآخرة، ولا يعاقبك على هذا الذنب، لكن الذنب موجود! أما العفو فالذنب غير موجود أصلاً، كأنك لم ترتكب الخطأ، لأنه أزيل ولم تعد آثاره موجودة، لذلك فهو أبلغ.. فقد تكون عملت صغائر، ولم تتقرب من ربنا أو لم تدرك ليلة القدر أو... فتأتي يوم القيامة فتجد الغفور، وقد تكون عملت كبيرة، فتبت وعدت وأدركت ليلة القدر وعبدت الله فيها... فتجد يوم القيامة العفو. والعفو لا يذكرك بسيئاتك لأنه محا، أما الغفور فقد يذكرك بسيئاتك ثم لا يعاقبك، والغفور قد يغفر لك ولا يرضى عنك، أما العفو فراضٍ بالتأكيد.
تأملوا هذا المثال: سيدنا يوسف عليه السلام عندما التقى بإخوته وندموا على ما فعلوا في حقه، قال لهم: " قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ – ثم انظر لبقية الآية - يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ...." (يوسف:92) فهل سيدنا يوسف هنا غفر أم عفا ؟ بل غفر، لا تثريب: أي لا عقوبة، ولكن هل عفا ؟ ثم بعد ذلك بعدة آيات قال: "...وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ..." (يوسف:100) فلم يقل: إذ أخرجني من البئر، لأنها مُسِحَت وانتهى الأمر، فهنا قد عفا وزالت الآثار.
مثال للفرق بين العفو والغفور يوم القيامة: حديث: ( يأتي العبد يوم القيامة، فيقول له الله تبارك وتعالى: ادنُ عبدي، فيقترب العبد، فيرخي الله تبارك وتعالى عليه ستره، فيقول له الله: أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر ذنب كذا؟ - لاحظوا أن الذنوب موجودة في الصحيفة - فيقول: نعم يا رب، فيظن العبد أنه هالك، فيقول له الله: سترتها عليك في الدنيا وها أنا أغفرها لك اليوم) هذه مغفرة، لكن العفُوّ ماذا يقول لك يوم القيامة؟ ( يا فلان، إني راضٍ عنك لما فعلت في الدنيا، قد رضيت عنك وعفوت عنك، اذهب فادخل جنتي) أرأيت الفرق بين هذه وتلك؟ فأي منزلة تريد أنت؟ والعفُوّ تلقاه يوم القيامة فيقول لك: ( تمنَّ يا عبدي واشتهي، فإني قد عفوت عنك، فلن تتمنى اليوم شيئاً إلا أعطيتك إياه).
كيف يمحو ويعفو؟ ينسيك الذنب، وينسيه للملائكة وملَك الشمال، ويُمحَى من صحيفة السيئات، وتأتي يوم القيامة لا يذكّرك به ولا يسألك عنه.. أنت لم تخطئ.. " وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ " (ق:21)، فحتى الملَك لا يذكر هذا الذنب، وإن كان كبيراً وفاضحاً.. مادام الله عفاه عنك بليلة القدر فالكل سينساه " اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً " (الإسراء:14) فتجد ذنوباً موجودة في كتابك وقد غُفرت، لكن هذا الذنب غير موجود لأنه عُفي. أرأيت إن عفا كل ما مضى؟! كانت صفحة بيضاء وكأن صاحبها نقيّ منذ وُلِد إلى أن مات. " الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " (يس:65) يشهدون على ذنب قبله وذنب بعده، ولا ينطقون بهذا الذنب لأنه عُفي عنه، قد تذكره في الدنيا ويؤرقك لسنوات، لكن في رمضان سنة 2006 عُفي عنك! فحين نموت تفنى أجسادنا ورؤوسنا وتفنى معها الذاكرة، ثم نقوم يوم القيامة بذاكرة جديدة نقية محي منها ما قد عفي عنه فلا يذكره أحد (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني).
الفُضيل بن عياض أحد التابعين، يوم عرفة وهو يوم عفو مثل ليلة القدر، وقف يدعو: يا رب اعفُ عني اعفُ عني، فلما غربت الشمس بكى، والأصل أن يُحسن الظن بالله ويستبشر، فسألوه: ألست من تُعلمنا حُسن الظن بالله؟ فقال: ( لست أبكي لذلك ولكن وا خجلاه! وا حيائي منه وإن عفا!) وهذه العشر الأواخر وفيها ليلة القدر، لعل أحد الشباب كان قد تناول المخدرات، أو غش أو أخذ مالاً ليس له، أو أغضب أمه وأبكاها، ثم تاب في هذه الليلة وعفا الله عنه، سيمحوها وسينسيه إياها، وحتى أمه التي أبكاها ستنسى ذلك.. هل الإحساس بالعفو بدأ يدخل إلى قلبك ؟
عفت الريح الآثار: تأمل هذا المثال ولكن تذكر صحيفة ذنوبك أثناء ذلك. العرب في الصحراء يحفرون الخنادق حول خيامهم لينزل فيها ماء المطر، فإذا رحلوا أخذوا الخيام وتركوا الحفر فترى الأرض مليئة بالخنادق، لكن انظر إليها بعد عام، تراها عادت صحراء كما كانت، كيف؟ تمر الرياح فتعفو حتى الخنادق العميقة وليس فقط آثار الأقدام.. أريدك أن تذكر ذنوبك الكبيرة مع هذا المثال، وتذكر العفو سبحانه وتعالى، إن الذي ضرب لك مثلاً من الكون كيف أن الرياح تعفو آثار الخنادق العميقة، قادر أن يعفو، فهو سبحانه وتعالى الذي يحرك الرياح فتعفو تلك الآثار، فأنت أعظم عنده من الرياح والخنادق.
بعد المحو.. الرضا: معنى جميل جداً للعفو، فالعفُو يرضى عنك بعد المحو، فليلة القدر العفو يمحو الذنب، ثم إنه لا يؤنبك عليه، وفي الدنيا قد يسامحك أحدهم ويظل يذكرك بخطئك من آن لأخر، لكن العفو لا يذكرك بذنبك لأنه محي أصلاً وأمره انتهى، ثم يرضى عنك، فأي كرم أكثر من هذا وأي رحمة؟! أفلا تذهب بهذا الاسم وتدعو به طوال الليل؟ اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.
تخلية وتحلية : العفو يشمل هذين المعنيين، فالعفو يخليك من الذنوب، ثم يحليك بالرضا والعطاء. تطهير ثم تعطير، تماماً كما لو أنك أخذت كوباً ملوثاً فنظفته جيداً، ثم ملأته عسلاً. لِمَ كل هذا ؟ لأنه يحبك، يتودد إليك، يريد أن يرحمك فأنت أغلى الخلق على الأرض "... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً..." (البقرة:30) خلق الجنة من أجلك، يقول لك: ألا تستحي مني؟! أستحي أن أعذبك ولا تستحي أن تعصاني؟ أعفو عنك ولا تأتيني؟
ماذا لو عفا عنك؟ لو عفا عنك فلا بد أن يعطيك هذه الثلاثة: يمحو آثار الذنوب، ثم يرضى عنك، ثم يعطيك عطاء حلالاً يسعدك ويرضيك دون أن تسأل، وبالتالي فالليلة ليلة هذه الثلاثة، فاجتهدوا. يقول سفيان الثوري: أحب في ليلة القدر الدعاء بما أمر به النبي أكثر من أي شيء آخر، أكثِر فيه من: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني. سليمان الدارني أحد التابعين يقول: لئن سألني يوم القيامة عن ذنوبي لأسألنه عن عفوه، لأني لا أجد لي مخرَجاً إلا أن أسأله عن عفوه.
العلاقة بين العفو وليلة القدر: ولكي نعلم هذا، لابد أولاً أن نفهم العلاقة بين العفو والتواب.
العلاقة بين العفو والتواب: أنت قد تذنب، ثم تتوب وتقول: يا رب، لن أعيدها ثانية، ثم تعود فتذنب نفس الذنب، فتتوب وتقول: يا رب لن أعيدها، ثم تذنب وتتوب الثالثة والرابعة..... وبعدها تصعب عليك التوبة، لماذا؟ فقدت الثقة بنفسك، وتخجل أن تقولها مجدداً فلا تلتزم بها، فتصبح هناك فجوة بينك وبين الله، وتصعب عليك العودة، يصبح هناك حاجزاً ولا تعود تفكر في التوبة، لكن الله يحبك ويريدك أن ترجع، فكيف يزول هذا الحاجز لتتوب من جديد؟ يزول بأمر غير عادي، غير تقليدي، شيء ضخم، هدية كبيرة يتودد بها الله إليك ليكسر هذا الحاجز، هذه الهدية اسمها ليلة القدر، فهي ليلة عفو تمحو كل ما سبقها، فما عليك إلا أن تُقدِم وتُقبِل عليه في هذه الليلة لتبدأ من جديد، حتى وإن لم تكن قد تبت، تدخل عليه بعبادتك، فيقودك العفوّ للتواب، ثم في منتصف الليلة ستخجل وأنت في عبادتك وتقرر التوبة، لأن الجدار بينك وبين التوبة قد زال، فتكون هذه الليلة بداية جديدة لك مع التوبة.
لاحظوا أن اسم الله العفو لا يأتي في القرآن إلا مع الذنوب الكبيرة الرهيبة، كـ بنو إسرائيل لما عبدوا العجل، " وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ " (البقرة:51) هذه لا تكفيها توبة عادية، ولذلك قال بعدها: " ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ " (البقرة:52)، وكذلك الذين تولوا عن رسول الله في معركة أحد " إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ..." (آل عمران:155)، فلو صار الحاجز كبيراً فأنت بحاجة لاسم الله العفو.. انظروا لهذه الآية ما أجملها! " وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ " (الشورى:30) انظروا لقوله: يعفو عن كثير! فلو حاسب الله الناس بما كسبت أيديهم لما بقوا في الدنيا يوماً واحداً، ولكنه سبحانه يعفو عن كثير، لأن الكثير بحاجة إلى عفو، فيقود إلى توبة.
وهناك علاقة أخرى بين العفو وليلة القدر، فقد سميت ليلة القدر لأن بها تقدّر أرزاق العباد للعام القادم، فما أجمل أن تكون ليلة تقدير وضعك للعام التالي هي ليلة عفو لتبدأ العام الجديد وأنت نقي.
إصلاح الأرض بحاجة إلى إنسان متجدد: فالأمر ليس فقط حب الله لنا ، فالغاية من وجودنا تعمير الأرض وإصلاحها. الإنسان الذي يعيش داخل ذنبه إنسان متعب ضعيف كئيب غير قادر على تجديد نشاطه، ولا على الإنتاج والنجاح والعمل، فتأتي ليلة القدر كل سنة لتجدد الأمة كلها نشاطها وهمتها وطاقتها، لتبدأ من جديد أمة محمد صلى الله عليه وسلم مع اسم الله العفو لتكون سنة خير على الأمة، فنقول: فاعف عنا جميعاً، ليعم الخير العام القادم على الأمة كلها.
نصوص.. في اسم الله العفو:
تأمل الآيات والأحاديث التي تتحدث عن اسم الله العفو، وتأمل حركة الكون: ( ما من يوم إلا ويستأذن البحر ربه، يقول: يا رب ائذن لي أن أهلك ابن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، وتقول الأرض: يا رب ائذن لي أن أبتلع ابن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، وتقول السماوات: يا رب ائذن لي أن أطبق على ابن آدم فإنه أكل رزقك وعبد غيرك، فيقول لهم الله: دعوهم، لو خلقتموهم لرحمتموهم).
يقولون في الأثر أن العبد العاصي إذا جاء إلى الله تبارك وتعالى في ليلة القدر، وهو شديد العصيان، يناديه: يا رب اعف عني، يا رب اعف عني، يا رب اعف عني، ( فيقول الله تبارك وتعالى للملائكة: لا تحجبوا صوت عبدي عني، فيقولون: يا رب إنه لا يستحق عفوك لقد فعل وفعل وفعل، فيقول الله: ولكني أهل التقوى وأهل المغفرة، أشهدكم أني قد عفوت عن عبدي).
وفي الحديث القدسي: ( ابن آدم، خلقتك بيديّ وربيتك برحمتي وأنت تخالفني وتعصاني، فإن عدتَ إليّ قبِلتك، فمن أين تجد لك رباً مثلي وأنا الغفور الرحيم؟! ابن آدم خلقتك من العدم إلى الوجود وأوجدت لك السمع والبصر والقلب والفؤاد، أذكرك وأنت تنساني، أستحي منك ولا تستحي مني، من ذا الذي يقرع بابي فلا أفتح له؟ ومن ذا الذي يسألني فلا أعطيه؟ أبخيل أنا فيبخل عليّ عبدي؟).
(جاء رجل إلى النبي، فقال: يا رسول الله، إني شديد الذنوب، أرأيتَ إن تبتُ إلى الله الليلة يعفو عني؟ فقال له النبي: نعم، فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي؟ قال: يعفو عنك، وغدراتك وفجراتك، فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي؟ قال: يعفو عنك، وغدراتك وفجراتك، فمضى الرجل وهو يقول: الله أكبر! الذي يعفو عن الغدرات والفجرات). يا إخوتي يجب أن نتوب، فهو قد جعل لنا هذه الليلة لنتوب، " نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ " (الحجر:49،50)
جاء أعرابي إلى النبي فقال: (يا رسول الله، من سيحاسب الناس يوم القيامة؟ فقال النبي: الله، فقال: بنفسه؟ فقال النبي: بنفسه، فقال الأعرابي: الله أكبر! وابتسم، فقال النبي: لِمَ يبتسم الأعرابي؟ قال: يا رسول الله، إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسب سامح، فابتسم النبي وقال: فَقِهَ الأعرابي – أي فهم - ألا لا كريم أكرم من الله عز وجل).
ومن عجيب عفوه يوم القيامة، أطفال المسلمين الذين ماتوا، ( فيأتون يوم القيامة فيقول لهم الله: اذهبوا فادخلوا الجنة، فيقولون: لا يا رب لا ندخل حتى يدخل معنا آباؤنا وأمهاتنا، فيقول الله للأطفال: قد عفوت عن آبائكم وأمهاتكم، خذوا بيدي آبائكم وأمهاتكم فادخلوا الجنة).
وعفو خاص لأمة مُحمّد. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( عرضت عليّ الأمم يوم القيامة، فرأيت النبي يأتي وليس معه أحد، ورأيت النبي يأتي ومعه الرجلين، ورأيت النبي يأتي ومعه الرهط، ثم رفع لي فرأيت سواداً عظيماً، فقلت: أمتي أمتي، فقيل لي: لا، هؤلاء موسى وقومه، ولكن انظر إلى الأفق الآخر، فنظرت فإذا سواد يسد الأفق، فقيل لي: هؤلاء أمتك، ومعهم سبعون ألفاً عفا الله عنهم يدخلون الجنة بغير حساب ولا سؤال، فاستزدتُ ربي، فزادني مع كل ألف سبعين ألف).
ثم عفو عجيب لأُناس بعدما استحقوا النار، ترى هل يكون بيننا أحد هؤلاء؟ ليتهم أدركوا ليلة القدر! رغم كل هذه المبشرات إلا أن هناك من سيدخل النار، فهل أولئك ليس لهم عفو؟ بلى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ينادي الله تبارك وتعالى يوم القيامة بعد أن دخل أهل الجنة الجنة، لكن بقي من أمتي أناس في جهنم، فينادي الله تبارك وتعالى: يا محمد، اذهب فأخرج من النار من كان في قلبه من أمتك ذرة من إيمان، فأخرج أناس، لكن يبقى أناس في النار، فأسجد تحت العرش، وأناجي الله في أمتي الذين مازالوا في جهنم، أقول: يا رب، أمتي أمتي.. فيقول الله تبارك وتعالى: اذهب يا محمد فأخرج من النار، ويحدّ لي حداً، فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، ثم أعود فأسجد تحت العرش، فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيحد لي حداً، فأذهب فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، ثم أعود فأسجد تحت العرش، فيحد لي حداً، فأذهب فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، ثم أعود الرابعة، فيحد لي حداً، فأخرجهم من النار فأدخلهم الجنة، لكن يبقى من أمتي ما زال في النار، فأستحي من ربي، فينادي الله تبارك وتعالى: شفع الأنبياء، شفع المرسلون، شفعت الملائكة، شفع المؤمنون، شفع حبيبي مُحمّد، أفلا أعفو أنا ؟! فيخرج الله تبارك وتعالى من بقي من أهل لا إله إلا الله، فيخرجهم من النار وقد تفحموا من النار، فيضعهم في نهر يسمى نهر الحياة، فكأنما ينبتون نباتاً، مكتوب على جبائنهم: هؤلاء عتقاء الله من النار، فيقول لهم: اذهبوا فادخلوا الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء الجهنميون - الخارجون من جهنم - فيقول لهم الله: لا، هؤلاء عتقاء الجبار من النار هؤلاء عتقاء الرحمن من النار).
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.. هل أنت مستعد لليلة القدر؟ هل ستذهب بكل كيانك؟ هل عرفت قيمة هذا الدعاء البسيط؟ هذا الاسم العظيم الجليل من أسماء الله الحسنى، الاسم الذي يجعلك تتساقط خجلاً. عيشوا مع هذا الاسم هذه الليالي وأبلغوه للناس.
كيف نحيا بهذا الاسم:
كلمة واحدة.. اعف عن الناس كي يعفو الله عنك. اجعلوها ليلة عفو، لأن هذه الليلة أغلى من الدنيا بما فيها، وقل له: يا رب اشهد، فأنت الكريم العظيم العفو، أنا المخلوق الضعيف عفوت عن الناس يا رب، فاعف عن هذا المسكين الذي عفا.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( رجلان من أمتي جثيا تحت العرش يوم القيامة، فقال المظلوم: يا رب، خذ لي مظلمتي من أخي، فيقول الله لمن ظلم: أعطِ أخاك مظلمته، فيقول: كيف يا رب؟ فيقول: أعطه من حسناتك، فيقول: يا رب فنيَت حسناتي! فيقول الله للمظلوم: فنيت حسناته، فيقول: يا رب فخُذ من سيئاتي فاطرحها عليه، فيقول الله للمظلوم: هل لك في خير من ذلك؟ فيقول: وما خير من ذلك يا رب؟ فيقول له الله: انظر إلى ذلك القصر، فينظر فإذا قصر في الجنة لم ير مثله، فيقول يا رب لمن هذا القصر؟! لأي نبي هذا؟ لأي شهيد هذا؟ فيقول له الله: لمن يملك الثمن! فيقول: يا رب ومن يملك هذا الثمن؟ فيقول له الله: أنت تملكه، فيقول: كيف يا رب؟ فيقول: بعفوك عن أخيك، فيقول: عفوت يا رب عفوت يا رب، فيقول العفو: خذ بيد أخيك فادخلا الجنة سوياً).. أهذا هو إلهنا؟! خالقنا؟ أيحب العفو بين العباد هكذا؟ أهذا ما يأمرنا به؟ هل عندك استعداد للعفو؟ هل يمكنك أن تعفو لو تكلم أحدهم في عرض ابنتك؟
أبو بكر الصديق يوم حادثة الإفك، بعدما برّأ الله السيدة عائشة، أقسم أن يقطع نفقة كان يجريها على مُسطح بن أثاثة، فأنزل الله تبارك وتعالى: " وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ..." (النور:22)، فقال أبو بكر: بلى، أحب أن يغفر الله لي، والله لا أقطع عنه المال ما حييت، وأعاد له النفقة.
يا إخواني، لو تقطعت العائلة واختلف الإخوة، فهذه ليلة عفو، لو ظلمكَ شريكك، لو ظلمكِ زوجك، فهذه ليلة عفو، بالله عليكم لا تبيتوا الليلة إلا وقد عفوتم عن الناس. سيدنا عمر بن الخطاب وقف بين الناس في ليلة القدر، فقال: أيها الناس، كل الناس الليلة مني في حِلّ، ثم التفت وقال: قد عفوت يا رب، فاعف عني.
نخرج من هذه الحلقة بثلاثة أمور: العفو يمحو آثار الذنوب كأن لم تكن وينسيك إياها والملائكة يوم القيامة، ثم يرضى عنك، ثم يعطيك عطاءً حلالاً طيباً يوم عفا عنك.
دعاء ليلة القدر: ولنحرص أن لا تفتر عنه ألسنتنا.. اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني.. اعف عن الناس بالنهار، يعفُ العفو عنك بالليل.

زملكاويه
•
باسمك نحيا
اسم الله الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلا بكم واليوم نعيش مع اسم الله الكريم ونحيا بالكريم.
رسالة الحلقة:
كانت رسالة حلقة العزيز ألا تُذل نفسك – فالذل يأتي من خارجك- أما في اسم الله الكريم فالرسالة ألا تُهن نفسك بنفسك، فلا تُهنها بمعصية أو نفاق أو بشيء يخدش حياءك.
معنى الكريم:
1.المعني العام:
جاء اسم الكريم في القرآن ثلاث مرات: مرتان منهما بمعني ( كريم) في قوله تعالى:" يا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ" (الانفطار: 6)، " ...وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" (النمل:40)، والمرة الثالثة " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}" (العلق: 1-5)
ما معنى الكرم؟ مفهوم الناس عن الكرم محدود ومختزل في مفهوم العطاء المادي، فعندما تصف الفتاة خطيبها بالكرم فهي تقصد أنه ليس بخيلا، لكن الكرم في اللغة العربية أكبر وأشمل في مفهومه من ذلك، فهو اسم جامع لكل ما يُحمد الله عليه.
فكل الصفات الحميدة تقع تحت لواء الكريم، فقد سميت الأخلاق في الإسلام بمكارم الأخلاق.
فكل صفة جامعة للخير والنفع المتعدد تسمى في اللغة: كرم، فعلى سبيل المثال: الشهامة كرم والشجاعة كرم، والعنب لما به من العديد من المنافع يسمى كَرْم، كذا القرآن سمي بالكريم لما به من خير، أي أنه اسم جامع لكل ما يُحمد الله عليه لكل الخير بمعنى أن اسم الكريم يشمل كل أسماء الله الحسنى، فمن كرمه أنه رزاق ووهاب يعطيك الهدايا دون طلب ففي الحديث النبوي: ( إن الله حييٌ كريم يستحي أن يرفع العبد يديه ثم يردهما صفرا خائبتين)، جاء إلى النبي أعرابي يسأله: من سيحاسب الخلق يوم القيامة؟ فقال النبي: الله. فقال الرجل: إن الكريم ذا قبل عفا، فهو كريم في عفوه.
الفرق بين الأكرم والكريم:
الله هو الأكرم والفرق بين الكريم والأكرم أنه ما من أحد مثله، كريم في ذاته وعطائه ( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس دونك شيء) فباسم الكريم تتذكر كل أسماء الله الحسنى.
كما أن الكريم يبدأ بالإحسان إليك وهو لا يمن عليك بعد العطاء ولا يخيب أملك، فمن الممكن أن تلجأ لرجل كريم إلا إنه يعتذر عن مساعدتك ولكن الكريم لا يخيب رجاك ولا يُذلك، فقد سأل أحدهم سيدنا عليّ مسألة فأمر عليّ غلامه بإطفاء السراج وأعطى الرجل مسألته، ولما سأله الغلام عن سبب إطفاء السراج قال عليّ: حتى لا أرى على وجهه ذل السؤال. ما هذه الذوقيات؟! فلأن الله كريم فهو الذي قدم إليك ليلة القدر بينما لم تطلبها أنت منه. هل بدأ اسم الكريم يصل إلى قلبك؟ فالكريم إذا اعتُذر له يقبل فهذا من صفات الكريم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس أحد أحب إليه العذر من الله) فهو يقبل أعذارك حتى لو استسخفتها أنت. فهو كريم في جلاله، هل اشتقت إلى حبه ؟ كل ما ذكرته للآن هو المعنى العام.
2.المعنى الخاص:
لمن هذا الكرم الخاص؟
لك أنت، فأنت أغلى مخلوق، قال تعالى: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ..." (الاسراء:70)، فقد كرمك بأن سوَّاك، وقال: " يا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ" (الانفطار:6)
فعدل جسدك وجعله غير منحني كبقية المخلوقات لذلك فنحن نقول ( ربنا ولك الحمد) عند الرفع من الركوع، فلولا أن الله عدل لك ظهرك، لكنت تشرب اللبن والماء كالقطة فتكوين مفاصلك وتكوين يديك يسمح لك بالاعتدال وأن تمسك بكوب الماء بيديك فقد خُلقت على أحسن صورة. لذلك جعلك آخر المخلوقات فقد خلق القلم أولا ثم باقي المخلوقات، وعندما أُعدت الأرض لاستقبالك خلقك لتخلفه فيها وتصلح فأنت غالٍ عند الله، فلا تُهن نفسك فقد قال تعالى على لسان الملائكة: "... أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ" (البقرة: 30)
فقال تعالى: "... إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ " فالعبرة ليست بالكَمّ - كم المؤمنين- ولكن بالكيف. فالأنبياء ومن يريدون التقرب إلى الله والشباب الذي يريد الإصلاح مهما كانوا قلة ففيهم الخير فهم أغلى وأكرم البرية "... أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ" (البينة: 7)
ومن دلائل غلوك على الله أنه أسجد لك ملائكته، وطرد إبليس من الجنة لرفضه السجود لك، فقد كرمك بأن نفخ فيك من روحه، وسواك، وأسجد لك الملائكة.
عندما أقسم الله بأطهر ثلاث أماكن في الأرض " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ{1} وَطُورِ سِينِينَ{2} وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ{3} لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ{4} ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ{5}(التين:1- 5) " ما معنى هذا الدعاء؟ وما علاقة التين والزيتون بجبل الطور الذي نزل عليه الوحي على سيدنا موسى وعلاقة ذلك بمكة؟! فالتين والزيتون ليس المقصود بهما الطعام ولكنهما رمز لمكان. فقد أقسم بفلسطين والطور ومكة فهو يقسم بأطهر ثلاثة أماكن على وجه الأرض بأنه خلقنا في أحسن خلقة - كرمك بخلقك في هيئة جميلة- ولكن عندما أهنت نفسك "...ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ " سورة التين.
كما كرمك الله بأ خلقك من ماء وتراب، لماذا لأنهما أطهر عنصري الكون، والمعنى أنك أنقى وأطهر مخلوق يا بني آدم فلا تُنجس نظافتك بالمعاصي ونفاق رؤسائك. لا تُهن نفسك. ذلك هو المعنى الخاص للكريم.
فأنت خلاصة الخلق، فالله قد اختصر الكون فيك كما اختصر القرآن في الفاتحة. هذه الحلقة مهما لما بعد رمضان، فمن المعاني الخاصة بالكريم – أيضا- أنه خلق فيك – كما يقول علماء النفس- ثلاث غرائز :
الطعام والشراب- الجنس – تقدير الذات
فغريزة ( تقدير الذات) جعلها الله سياجا لك يحميك به من شهوتي الطعام والجنس حتى تحتفظ باحترامك لذاتك " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " ولما أهان نفسه " ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ".
لأننا خلفاء الله في الأرض، لابد أن نكون مترفعين عن الصغائر والشهوات. هل وصل المعنى؟ هل تحب الكريم الذي غرز فيك تقدير الذات؟
أقول لك ذلك لأنك عندما تقع في الخطأ تسقط نفسك من عينيك، لذلك سُميت الكبائر كذلك – في بعض الأقوال- لأنها أكثر الأشياء فيها إهانة لنفسك، فمثلا عندما كنت في أوروبا كان كل الناس في أيام السبت سكارى فترى من يتقيأ في الشارع، أو من يتبول في الطريق دون أن يشعر، فهذا الوضع مهين، من هنا تشعر أن الكريم قد كرمك بألا تفعل هذه الكبيرة حتى لا تهين نفسك.
فبالله عليكم، أقسمت عليكم أن من يعيش على إهانة يوقفها فورا، فلا تقبل إهانة نفسك لأنك محترم يا عبد الكريم، هذا هو هدف الحلقة لا تُهن نفسك بمعصية أو نفاق حتى لو لم يعلم أحد بمعصيتك فكفى بك عليك شهيدا، فتسقط من نظر نفسك، فتقع أسير التشكك في أي نظرة من الآخرين خوفا من الفضيحة فيصدق عليك قوله تعالى واصفا المنافقين: "... يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَة عليهمٍ..." (المنافقون:4)...لا تُهن نفسك.
هل نتواعد على هذا المعنى؟ فحلقة اليوم لا تخاطب العاطفة، ولكنها ترجوك أن ( تحترم ذاتك).
ولقد جعل الله لك التوبة ليكرمك بها، وجعل لك اسمه الغفور ليحافظ لك على سياج تقدير الذات يا عبد الكريم.
وإذا وجدك لا تأبه فضَحَكَ فضحا يسيرا، وكلٌّ منا يخشى الفضيحة ، ولأقُرّب المعنى لكم نضرب مثالا بالدواء ، فالطبيب يصف من الدواء مئة جرام فإن لم يستجب الجسم يزيد خمسمائة إلخ، وهكذا يفعل الكريم فإن لم تأبه بالفضيحة اليسيرة ولم ترجع زاد عليك نسبة أخرى لعلك تعود إليه وترجع عن إهانة ذاتك.
أريدك أن تنتبه إلى أن الإهانة هي معركتك مع الشيطان الذي قال لله عز وجل: "... أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" (صّ: 76)، " قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً..." (الأعراف:18) .
فالشيطان يريد أن يثبت أنه خير منك، فقال: " ...لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً" (الاسراء:62)
وأحتنكن جاءت من الحنك أي أن الشيطان سيلجمك ويسوقك كالبهائم ، وبالتالي ستهان أمام نفسك، فقد كرمك الله بإخلافك إياه في الأرض والإصلاح فيها وأنت لا تُصلح ولكن تهين نفسك أيضا!
فأنت عندما تعصي بمجرد إشارة من الشيطان لتفعل، فيقول تعالى "وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" (سـبأ:20) أترضى ذلك لنفسك؟ فعندما تنظر لشيء محرّم تذكر اسم الله الكريم.
أريد أن أنبهك بألا تهين نفسك ولا تهين غيرك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:( من عيَّرَ أخاه بذنبٍ لم يمت حتى يفعل) استروا الناس حتى لا يفقدوا كرامتهم أمام أنفسهم وأمامكم، فمن يُهين نفسه له عذاب مهين، فقد حكى عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ( يحشرون في أمثال الذر – أي النمل- يدوسهم الناس بأقدامهم يوم القيامة) فهو أهان نفسه في الدنيا فأهانه الله يوم القيامة.
فكل أسماء الله الحسنى من كرمه. لا تُهن نفسك – خاصة بعد رمضان- تُرى هل سيصدق عليك قول إبليس أم خلعت اللجام؟
الواجب العملي إذاً: لا تُهن نفسك، أكرِم الناس بالعطاء والكرم.
اسم الله الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلا بكم واليوم نعيش مع اسم الله الكريم ونحيا بالكريم.
رسالة الحلقة:
كانت رسالة حلقة العزيز ألا تُذل نفسك – فالذل يأتي من خارجك- أما في اسم الله الكريم فالرسالة ألا تُهن نفسك بنفسك، فلا تُهنها بمعصية أو نفاق أو بشيء يخدش حياءك.
معنى الكريم:
1.المعني العام:
جاء اسم الكريم في القرآن ثلاث مرات: مرتان منهما بمعني ( كريم) في قوله تعالى:" يا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ" (الانفطار: 6)، " ...وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" (النمل:40)، والمرة الثالثة " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{1} خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ{2} اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ{3} الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ{4} عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ{5}" (العلق: 1-5)
ما معنى الكرم؟ مفهوم الناس عن الكرم محدود ومختزل في مفهوم العطاء المادي، فعندما تصف الفتاة خطيبها بالكرم فهي تقصد أنه ليس بخيلا، لكن الكرم في اللغة العربية أكبر وأشمل في مفهومه من ذلك، فهو اسم جامع لكل ما يُحمد الله عليه.
فكل الصفات الحميدة تقع تحت لواء الكريم، فقد سميت الأخلاق في الإسلام بمكارم الأخلاق.
فكل صفة جامعة للخير والنفع المتعدد تسمى في اللغة: كرم، فعلى سبيل المثال: الشهامة كرم والشجاعة كرم، والعنب لما به من العديد من المنافع يسمى كَرْم، كذا القرآن سمي بالكريم لما به من خير، أي أنه اسم جامع لكل ما يُحمد الله عليه لكل الخير بمعنى أن اسم الكريم يشمل كل أسماء الله الحسنى، فمن كرمه أنه رزاق ووهاب يعطيك الهدايا دون طلب ففي الحديث النبوي: ( إن الله حييٌ كريم يستحي أن يرفع العبد يديه ثم يردهما صفرا خائبتين)، جاء إلى النبي أعرابي يسأله: من سيحاسب الخلق يوم القيامة؟ فقال النبي: الله. فقال الرجل: إن الكريم ذا قبل عفا، فهو كريم في عفوه.
الفرق بين الأكرم والكريم:
الله هو الأكرم والفرق بين الكريم والأكرم أنه ما من أحد مثله، كريم في ذاته وعطائه ( اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس دونك شيء) فباسم الكريم تتذكر كل أسماء الله الحسنى.
كما أن الكريم يبدأ بالإحسان إليك وهو لا يمن عليك بعد العطاء ولا يخيب أملك، فمن الممكن أن تلجأ لرجل كريم إلا إنه يعتذر عن مساعدتك ولكن الكريم لا يخيب رجاك ولا يُذلك، فقد سأل أحدهم سيدنا عليّ مسألة فأمر عليّ غلامه بإطفاء السراج وأعطى الرجل مسألته، ولما سأله الغلام عن سبب إطفاء السراج قال عليّ: حتى لا أرى على وجهه ذل السؤال. ما هذه الذوقيات؟! فلأن الله كريم فهو الذي قدم إليك ليلة القدر بينما لم تطلبها أنت منه. هل بدأ اسم الكريم يصل إلى قلبك؟ فالكريم إذا اعتُذر له يقبل فهذا من صفات الكريم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس أحد أحب إليه العذر من الله) فهو يقبل أعذارك حتى لو استسخفتها أنت. فهو كريم في جلاله، هل اشتقت إلى حبه ؟ كل ما ذكرته للآن هو المعنى العام.
2.المعنى الخاص:
لمن هذا الكرم الخاص؟
لك أنت، فأنت أغلى مخلوق، قال تعالى: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ..." (الاسراء:70)، فقد كرمك بأن سوَّاك، وقال: " يا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ" (الانفطار:6)
فعدل جسدك وجعله غير منحني كبقية المخلوقات لذلك فنحن نقول ( ربنا ولك الحمد) عند الرفع من الركوع، فلولا أن الله عدل لك ظهرك، لكنت تشرب اللبن والماء كالقطة فتكوين مفاصلك وتكوين يديك يسمح لك بالاعتدال وأن تمسك بكوب الماء بيديك فقد خُلقت على أحسن صورة. لذلك جعلك آخر المخلوقات فقد خلق القلم أولا ثم باقي المخلوقات، وعندما أُعدت الأرض لاستقبالك خلقك لتخلفه فيها وتصلح فأنت غالٍ عند الله، فلا تُهن نفسك فقد قال تعالى على لسان الملائكة: "... أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ" (البقرة: 30)
فقال تعالى: "... إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ " فالعبرة ليست بالكَمّ - كم المؤمنين- ولكن بالكيف. فالأنبياء ومن يريدون التقرب إلى الله والشباب الذي يريد الإصلاح مهما كانوا قلة ففيهم الخير فهم أغلى وأكرم البرية "... أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ" (البينة: 7)
ومن دلائل غلوك على الله أنه أسجد لك ملائكته، وطرد إبليس من الجنة لرفضه السجود لك، فقد كرمك بأن نفخ فيك من روحه، وسواك، وأسجد لك الملائكة.
عندما أقسم الله بأطهر ثلاث أماكن في الأرض " وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ{1} وَطُورِ سِينِينَ{2} وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ{3} لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ{4} ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ{5}(التين:1- 5) " ما معنى هذا الدعاء؟ وما علاقة التين والزيتون بجبل الطور الذي نزل عليه الوحي على سيدنا موسى وعلاقة ذلك بمكة؟! فالتين والزيتون ليس المقصود بهما الطعام ولكنهما رمز لمكان. فقد أقسم بفلسطين والطور ومكة فهو يقسم بأطهر ثلاثة أماكن على وجه الأرض بأنه خلقنا في أحسن خلقة - كرمك بخلقك في هيئة جميلة- ولكن عندما أهنت نفسك "...ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ " سورة التين.
كما كرمك الله بأ خلقك من ماء وتراب، لماذا لأنهما أطهر عنصري الكون، والمعنى أنك أنقى وأطهر مخلوق يا بني آدم فلا تُنجس نظافتك بالمعاصي ونفاق رؤسائك. لا تُهن نفسك. ذلك هو المعنى الخاص للكريم.
فأنت خلاصة الخلق، فالله قد اختصر الكون فيك كما اختصر القرآن في الفاتحة. هذه الحلقة مهما لما بعد رمضان، فمن المعاني الخاصة بالكريم – أيضا- أنه خلق فيك – كما يقول علماء النفس- ثلاث غرائز :
الطعام والشراب- الجنس – تقدير الذات
فغريزة ( تقدير الذات) جعلها الله سياجا لك يحميك به من شهوتي الطعام والجنس حتى تحتفظ باحترامك لذاتك " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " ولما أهان نفسه " ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ ".
لأننا خلفاء الله في الأرض، لابد أن نكون مترفعين عن الصغائر والشهوات. هل وصل المعنى؟ هل تحب الكريم الذي غرز فيك تقدير الذات؟
أقول لك ذلك لأنك عندما تقع في الخطأ تسقط نفسك من عينيك، لذلك سُميت الكبائر كذلك – في بعض الأقوال- لأنها أكثر الأشياء فيها إهانة لنفسك، فمثلا عندما كنت في أوروبا كان كل الناس في أيام السبت سكارى فترى من يتقيأ في الشارع، أو من يتبول في الطريق دون أن يشعر، فهذا الوضع مهين، من هنا تشعر أن الكريم قد كرمك بألا تفعل هذه الكبيرة حتى لا تهين نفسك.
فبالله عليكم، أقسمت عليكم أن من يعيش على إهانة يوقفها فورا، فلا تقبل إهانة نفسك لأنك محترم يا عبد الكريم، هذا هو هدف الحلقة لا تُهن نفسك بمعصية أو نفاق حتى لو لم يعلم أحد بمعصيتك فكفى بك عليك شهيدا، فتسقط من نظر نفسك، فتقع أسير التشكك في أي نظرة من الآخرين خوفا من الفضيحة فيصدق عليك قوله تعالى واصفا المنافقين: "... يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَة عليهمٍ..." (المنافقون:4)...لا تُهن نفسك.
هل نتواعد على هذا المعنى؟ فحلقة اليوم لا تخاطب العاطفة، ولكنها ترجوك أن ( تحترم ذاتك).
ولقد جعل الله لك التوبة ليكرمك بها، وجعل لك اسمه الغفور ليحافظ لك على سياج تقدير الذات يا عبد الكريم.
وإذا وجدك لا تأبه فضَحَكَ فضحا يسيرا، وكلٌّ منا يخشى الفضيحة ، ولأقُرّب المعنى لكم نضرب مثالا بالدواء ، فالطبيب يصف من الدواء مئة جرام فإن لم يستجب الجسم يزيد خمسمائة إلخ، وهكذا يفعل الكريم فإن لم تأبه بالفضيحة اليسيرة ولم ترجع زاد عليك نسبة أخرى لعلك تعود إليه وترجع عن إهانة ذاتك.
أريدك أن تنتبه إلى أن الإهانة هي معركتك مع الشيطان الذي قال لله عز وجل: "... أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ" (صّ: 76)، " قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً..." (الأعراف:18) .
فالشيطان يريد أن يثبت أنه خير منك، فقال: " ...لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً" (الاسراء:62)
وأحتنكن جاءت من الحنك أي أن الشيطان سيلجمك ويسوقك كالبهائم ، وبالتالي ستهان أمام نفسك، فقد كرمك الله بإخلافك إياه في الأرض والإصلاح فيها وأنت لا تُصلح ولكن تهين نفسك أيضا!
فأنت عندما تعصي بمجرد إشارة من الشيطان لتفعل، فيقول تعالى "وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" (سـبأ:20) أترضى ذلك لنفسك؟ فعندما تنظر لشيء محرّم تذكر اسم الله الكريم.
أريد أن أنبهك بألا تهين نفسك ولا تهين غيرك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:( من عيَّرَ أخاه بذنبٍ لم يمت حتى يفعل) استروا الناس حتى لا يفقدوا كرامتهم أمام أنفسهم وأمامكم، فمن يُهين نفسه له عذاب مهين، فقد حكى عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ( يحشرون في أمثال الذر – أي النمل- يدوسهم الناس بأقدامهم يوم القيامة) فهو أهان نفسه في الدنيا فأهانه الله يوم القيامة.
فكل أسماء الله الحسنى من كرمه. لا تُهن نفسك – خاصة بعد رمضان- تُرى هل سيصدق عليك قول إبليس أم خلعت اللجام؟
الواجب العملي إذاً: لا تُهن نفسك، أكرِم الناس بالعطاء والكرم.

زملكاويه
•
باسمك نحيا
(الحلقة الختامية)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. نعيش اليوم مع آخر حلقة من حلقات باسمك نحيا. الحمد لله على تفضله علينا بهذا البرنامج والشكر لكل من ساهم فيه. حلقة اليوم هى تجميع للمادة كلها بشكل مختصر، فاحتفظ بهذه الورقة وقل أنا طلعت من رمضان 2006 بهذه الورقة، وعلقها فى غرفتك وعش معها. النقطة التالية هى التواصل، فـ إن شاء الله سنتواصل بعد رمضان فى برامج جديدة، كما يمكننا التواصل من خلال الموقع. وأما النقطة الأخيرة فهى عاطفة ظاهرة على الوجه من بداية الحلقة، فـ سنشتاق إليكم وإلى هذا اللقاء وإلى هذا المكان الجليل.. أمام الحرم والكعبة ومكة والأراضى المقدسة، دعاء الملايين فى ختام أسماء الله الحسنى، وأنا أشعر بعاطفة تجاهكم جميعاً كأنى أعرفكم فرد فرد وادعوا الله أن يثبتنا وأن نعيش بأسماءه الحسنى.
حلقة اليوم هى ملخص لكل ما سبق وتأكيد لكل ما سبق. أتذكرون عندما قلنا أنه إذا كنت تريد أن تعيش باسم الله العظيم فتأمل عظمته فى كونه، وإذا كنت تريد أن تشعر بالعزة والكرامة فـ باسمك يا عزيز نحيا، وإذا كنت تريد أن تشعر بالحنان والعطف فقل باسمك يا ودود نحيا، وإذا كنت تخاف على رزقك ورزق أولادك فقل باسمك يا رزاق نحيا، وللشباب والبنات الذين يخافون على مستقبلهم فقولوا باسمك يا وكيل نحيا، وإذا وضعت كاميرات مراقبة واصطف ضباط الشرطة لمراقبة الناس فأنت يكفيك الرقيب فـ باسمك يا رقيب نحيا، ولو أن الدنيا كلها قبلت أن تهين نفسها من أجل لقمة العيش فأنت لن تُهين نفسك لأن باسمك يا كريم نحيا. باسمك نحيا ثم نرتبط بأسماء الله الحسنى.
ولنأخذ الآن اسم اسم ونتذكره. هل تتذكرون باسمك يا ولي نحيا؟ هل تتذكرون الله ولي الذين آمنوا؟ هل تتذكر معناها؟ هل تتذكر عندما كانوا يقولون لك فى المدرسة هات ولي أمرك؟ وهل تتذكر ولي العروس؟ وهل تتذكر الطفل الذي تاه وجلس يبكى لآن ليس له ولي أمر؟ وأنت مسكين إن لم يكن ولي أمرك هو الله. وولي الأمر هو من يرعاك ويتعهدك. وهل تتذكر عندما طلبنا منك أن تعرض نفسك على الله حتى يكون ولي أمرك لأنه إذا أصبح وليك سيُعطيك ثلاثة أشياء:
1. (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس:62)
2. (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور..) (البقرة:257)
3. (بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) (آل عمران:150) ومن عاد لى ولياً آذنته بالحرب.
وكيف أكون وليا لله؟ يقول الله تعالى : "ما تقرب لى عبدى بشىء أحب إلىَّ مما إفترضته عليه ولا يزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فاذا أحبتته كنت سمعه الذى يسمع به وكنت بصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها، ولإن سألنى لأعطينه ولإن إستعاذ بى لأعيذنه " وكيف نحيا باسم الله الولى؟ تولوا أمور الناس، يا أغنياء تولوا أمور الفقراء فلتتولوا فقير أو ضعيف أو مسكين.
وباسمك يا جبار نحيا، والجبار هو من يجبر عباده المنكسرين فهو الذى تلجأ إليه إذا انكسر قلبك وتقول له يا جبار اجبر بخاطرى، فيجبرك.. وجبر الخواطر على الله، والجبار من الجبيرة التى تجبر الكسور، ومن جبره لك أنه إذا ظلمك أحد فإنه ينتصر لك فهو جبار للمساكين جبار للمظلومين، وجبار على الظالمين. كيف نحيا باسم الله الجبار؟ اجبر المنكسرين أنت أيضا ولا تظلم أحداً أبداً حتى لا يقصمك الجبار.
وباسمك يا وكيل نحيا. هل ذهبت يوما ما إلى الشهر العقارى وقلت أنك تريد أن توكل فلان فطلب منك أن تمضى على أن توكله في أن يتصرف فى كل أموالك؟ فهل ترضى أن توكل الله؟ لاحظ أن الذى توكله يجب أن يكون أمين وأن يهتم بأمرك وأن يكون أهل لثقتك (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) (المزمل:9) ،(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (الشعراء:217) ، (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ) (الشعراء:218) (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء:219) وكيف توكل الله؟ أن تقول حسبى الله ونعم الوكيل بلسانك وقلبك وكل كيانك.. وما شرط قبوله لتوكيلك؟ هو أن تعمل ما تستطيع عمله. انظر إلى هذه الآية الجميلة: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل:79) حسبى الله ونعم الوكيل.. قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي فى النار، وقالها موسى عليه السلام حين قال أصحابه إنا لمدركون، وقالها مُحمد صلى الله عليه وسلم حين قيل لهم (... إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173)
أتذكرون باسمك يا عزيز نحيا؟.. إياك أن تذل نفسك، هل أنت عبد العزيز؟ والعزيز هو الغالب الذى لا يُغلب.. العزيز هو الذى ليس كمثله شىء.. العزيز هو الذي يُعززك ليُعزك. يقول النبى صلى الله عليه وسلم: "من تضعضع لغني لغناه فقد ذهب ثلث دينه " فاطلبوا الحاجات بعزة أنفس.
أتذكرون باسمك يا عفو نحيا؟ العفو هو الذى يمسح أثار الذنوب ويمحوها فكأنك لم تخطىء من قبل، والغفار هو أنه لا عقوبة عليك بينما العفو فهو فليس هناك ذنوب في صحيفتك. الغفور هو أن تأتى بصحيفة مكتوب فيها ذنوبك وأمام كل ذنب العقوبة وفى نهاية الصحيفة مكتوب اسمك وأنك لن تعاقب وأنه قد غفر لك، أما العفو فهو أن تُمزق الصحيفة فليس هناك صحيفة من الأصل فيُنسيك الله تعالى الذنب ويُنسى الملائكة وكل من فى الكون الذنب، ولذلك من عظمة ليلة القدر هو أنك عفو تحب العفو فاعفوا عنا، وباسمك يا عفو نحيا.. فاعفوا يا عبد الله عن الناس حتى يعفوا الله عنك.
باسمك يا شكور نحيا.. فمهما يكن ما قدمته وإن كان قليلاً فهو يشكرك عليه أضعافا مضاعفة والله سبحانه وتعالى يقول: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ...) (يونس:26) ) ويقول أيضا: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (قّ:35) كأن الأصل هو الزيادة فالله تبارك وتعالى يقول: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:40)، (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ...) (البقرة:245) . إن الشكور يشكر العمل مهما كان صغيراً ويجازيك عليه أضعافاً مضاعفة، ولذلك فإن الحديث الآتى هو حديث جميل جدا: " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب فإن الله يُربيها لصاحبها كما يُربى أحدكم فُلوة – المُهر - حتى يلقى الله يوم القيامة واللقمة كجبل أحد " وهناك أيضا المرأة البغى التى سقت كلباً فشكر الله لها فغفر لها فأدخلها الجنة. باسمك يا شكور نحيا فاعملوا الخير وانشروا الخير فى الأرض.
باسمك يا مجيب نحيا والله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ....َ) (البقرة:186) أى أن كل المطلوب منك هو أن ترفع يديك وتقول أريد كذا وكذا، وفى هذا يقول عمر بن الخطاب: " أنا لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء لأن الله قد وعد من دعاه أن يستجيب له". هل تستطيع أن تدعي وأنت تعلم أن المجيب قريب يستجيب لدعائك؟
ومن أسمائه الحسنى القريب، من هو أقرب إنسان لك فى الوجود؟ هل هى أمك، أختك، زوجتك، إبنتك؟ لا والله، الله أقرب إليك ، فالتجرب واضمم ابنك إلى صدرك واحتضنه، من الأقرب إليك الآن؟ هل هو إبنك أم الله؟ لا والله، إنه الله فالله سبحانه وتعالى يقول: (... وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (قّ:16) .
باسمك يا ودود نحيى، سمى الله سبحانه وتعالى نفسه الودود ولم يسمي تفسه الحبيب لأن الود أعظم وأعلى من الحب؛ فالحب مشاعر داخلية ولكن الود هو أن تحول هذا الحب إلى تصرفات: "إن الله إذا أحب عبداً نادى يا جبريل إنى أحب فلان فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادى جبريل فى أهل السماء إن الله يحب فلان فأحبوه ثم يوضع له القبول فى الأرض."
باسمك يا رقيب نحيى، الله شاهدي.. الله ناظري.. الله رقيباً علىَّ. من ذا الذي يراقبك فيجعلك تُحسن وتتقن فى عملك أكثر من شعورك أن الله سبحانه وتعالى معك فى كل مكان؟
عشنا الثلاثين يوما من رمضان مع أسماء الله الحسنى لكني أحب اليوم أن أختم بأشياء مختلفة ألا وهى قراءة قصيدة جميلة جداً وهذه القصيدة بها ذكر لعظمة الله سبحانه وتعالى فى الكون، وبها ذكر لكل ما قلناه فى الحلقات السابقة، ثم نتبع هذا الكلام عن الجنة وكلام الله سبحانه وتعالى فيها لنا فاسمع ما الذى تقوله القصيدة:
لله فى الآفاق آياتٌ لعل أقلها هو ما إليه هداكَ
ولعل ما فى النفس من آياته عجبٌ عُجاب لو ترى عيناكَ
والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيراً لها أعياكَ
قل للطبيب تخطفته يد الردى.. من يا طبيب بطبه أرداكَ؟
قل للمريض نجى وعوفيَّ بعدما عجزت فنون الطب.. من عفاكَ؟
قل للصحيح يموت لا من علة.. من بالمنايا يا صحيح دهاكَ؟
قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها.. من الذى أهواكَ؟
بل سائل الأعمى خطى بين الزحام بلا إصطدام.. من يقود خطاكَ؟
قل للجنين يعيش معزولاً بلا راع ومرعى.. من الذى يرعاكَ؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء لدى الولادة.. ما الذى أبكاكَ؟
وإذا ترى الثعبان ينفُث سمه فسأله.. من ذا الذى بالسموم حشاكَ؟
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكَ؟
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهدا، وقل للشهد من حلاكَ؟
بل سائل اللبن المُصفى كان بين دمٍ وفرثٍ.. من الذى صفاكَ؟
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا ميت فاسأله من يا حي قد أحياكَ؟
قل للنبات يجف بعد تعهُد ورعاية.. من الذى بالجفاف رماكَ؟
وإذا رأيت النبت يربوا فى الصحراء وحده فاسأله من أرباكَ؟
وإذا رأيت البدر يسري سارياً أنواره فسأله من أسراكَ؟
وإذا رأيت شعاع الشمس يدنو وهى أبعد كل شىء.. من الذى أدناكَ؟
سيجيب ما فى الكون من آياته عجبٌ عُجاب لو ترى عيناكَ..
يا أيها الإنسان مهلاً ما الذى بالله جل جلاله أغراكَ؟
الله يا إخوانا.. الله سبحانه وتعالى. وأريد أيضاً أن أختم بهذا الحديث الجميل ألا وهو: يقول النبى صلى الله عليه وسلم –والحديث يرويه ابن القيم بلسان الحال من تجميع أحاديث عند لحظة لقاء الله عز وجل- فيا من ستحيوا بأسماء الله تعالوا نتخيل ونحن نقف بين يدى الله تبارك وتعالى وقد غفر لنا ورضى عنا ودخلنا الجنة، ينادي الله تبارك وتعالى أهل الجنة: يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد بيضت وجوهنا وأدخلتنا الجنة؟! فيقول الله تبارك وتعالى: بقى شيء يا أهل الجنة، فيقولون وما هو يا رب، فيقول الله تبارك وتعالى: أرضى عنكم فلا أسخط عليكم بعدها أبدا، قد رضيت عنكم يا أهل الجنة. فيناد مناد فى أهل الجنة: حى على زيارة الرحمن، فتعد لهم النجائب حتى إذا وصلوا إلى مكان ينصب لهم منابر من فضة ومنابر من ذهب ومنابر من نور ومنابر من لؤلؤ، كل على قدر عمله، فيجلسون على هذه المنابر فبينما هم كذلك يشرق لهم نور من فوقهم فيظنون أنه الله سبحان الله وتعالى، فيناديهم الله تبارك الله وتعالى: يا أهل الجنة سلام عليكم فيردون: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام -ومن أجل هذا نقول فى ختام الصلاة مثل هذا القول لأننا كنا فى لقاء مع الله ونحن نصلى فيذكرنا فى ختام الصلاة بما سنقوله يوم نلقاه- فيناديهم الله تبارك وتعالى: "يا أهل الجنة -تخيل نفسك وأنت تقف هناك بعدما تعبت فى الدنيا وبذلت وعملت وعبدت وتحريت ليلة القدر- فبينما هم كذلك فيناديهم الله تبارك وتعالى: يا أهل الجنة أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يرونى -وتخيل نفسك وأنت ترفع يديك وتقول: أنا يارب.. أنا اطعتك بالغيب ولم أكن أراك – فيقول الله تبارك وتعالى: اليوم يوم المزيد فسألوني يا أهل الجنة.. ما الذى تشتهيه أنفسكم، فيجتمعون على كلمة واحدة أن ارضى عنا يا رب، فيقول لهم الله يا أهل الجنة إني لو لم أرضى عنكم لما أسكنتكم جنتي ولكن إسالوا شيئا آخر، فيتفقون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليك - تخيل هذه اللحظة العظيمة (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) (القيامة:22)، (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:23)، تخيل قول النبى صلى الله عليه وسلم "إنكم سترون ربكم كما ترون البدر فى ليلة التمام". أرنا وجهك ننظر إليك فتُكشف الحجب فينظرون إلى الله عز وجل.. فما أعطوا لذة منذ خلقوا أحب إليهم من النظر لوجه الله الكريم حتى يذهلوا عن الجنة، وما منهم من أحد إلا ويحاضره ربه محاضرة -وكلمة محاضرة تدل على أنه كلام طويل- يقول له يا فلان اتذكر ذنب كذا وذنب كذا فيقول العبد يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول له الله بلى فبمغفرتى بلغت منزلتك هذه.. ثم يقول الله تبارك وتعالى يا فلان - تخيل الله تبارك وتعالى يناديك باسمك يا فلان- تمنى واشتهى فلن تتمنى اليوم شيئاً إلا واعطيتك إياه فيتمنى العبد ويقول يا رب أريد كذا وكذا حتى إذا انقطعت به الأمانى يقول الله تبارك وتعالى له أنك نسيت أن تتمنى كذا فيذكره بأمنيات لم يتذكرها العبد، ويسأله أفلا تشتهى كذا؟ أفلا تحب كذا؟ حتى يستحي العبد من الخجل لكثرة العطاء فيقول له الله تبارك وتعالى يا فلان: إنى راض ٍعنك فهل أنت راضٍ عني؟ والآن هل علمتم معنى قول الله تبارك وتعالى: (... رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ...ُ) (البينة:8). اذهب يا عبدي وخذ ما تشتهي من الجنة. تخيل وأنت تنظر إلى ربك بالغداة والعشى وتعيش كذلك حياة أبدية لا نهائية، وسقف بيتك عرش الرحمن، وجارك النبى، وأصحابك أبو بكر وعمر وعثمان والأنبياء، وتعيش منعماً خالداً مخلداً وأنت فى الثلاثة والثلاثين من عمرك، وتعيش وسط أهلك وأحبائك فى جوار رب العالمين سبحانه وتعالى، تخيلوا يا جماعة أنكم ستسمعون بينما أنتم داخلين إلى الجنة على بابها: "إن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تحزنوا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا" هل رضيتم يا أهل الجنة؟ (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (قّ:35).
يا إخوانا ختام البرنامج هو أنه إذا عُرف الآمر سهلت الأوامر، لو أنك احببت الله وأطعته وعشت من أجله ستصبح كل الدنيا سهلة، فاذهبوا إلى الله وعيشوا له وقولوا باسمك نحيى وأحيوا الناس بأسماء الله الحسنى. لو أنك عرفت الودود فتودد له، ولو أنك عرفت العزيز فلا تذل نفسك لأحد وساعد المذلول أن يصبح عزيزا مرة أخرى، ولو أنك عرفت اسم الله الرقيب تكفيك رقابته عليك حتى تتقن عملك وتحسنه، ولو أنك عرفت اسم الله الشكور ستملأ الأرض عطاءً وخيراً، ولو أنك عرفت اسم الله الولى ستتولى قريتك أو فقير أو يتيم أو محتاج، ولو أنك عرفت اسم الله الجبار لن يمكنك أن تتكبر على بنى آدم، ولو أنك عرفت اسم الله القهار (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (الضحى:9).
باسمك نحيا.. بعد أن انتهى البرنامج نريد أن نحيى فى الأرض، نريد أن لا تغادر أسماء الله الحسنى قلوبنا ولا تغادر حياتنا، نريد أن نعيش بها ونموت بها ونحشر على لا إله إلا الله وندخل الجنة ممسكين بأيد بعضنا البعض.. عرفناك بأسمائك الحسنى وعشنا بها يا رب العالمين.. ونسعد برؤية الله عز وجل.. وقد كان هذا برنامج باسمك نحيا.
تمت حلقات عمرو خالد
وكل عام وانتم بخير
(الحلقة الختامية)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. نعيش اليوم مع آخر حلقة من حلقات باسمك نحيا. الحمد لله على تفضله علينا بهذا البرنامج والشكر لكل من ساهم فيه. حلقة اليوم هى تجميع للمادة كلها بشكل مختصر، فاحتفظ بهذه الورقة وقل أنا طلعت من رمضان 2006 بهذه الورقة، وعلقها فى غرفتك وعش معها. النقطة التالية هى التواصل، فـ إن شاء الله سنتواصل بعد رمضان فى برامج جديدة، كما يمكننا التواصل من خلال الموقع. وأما النقطة الأخيرة فهى عاطفة ظاهرة على الوجه من بداية الحلقة، فـ سنشتاق إليكم وإلى هذا اللقاء وإلى هذا المكان الجليل.. أمام الحرم والكعبة ومكة والأراضى المقدسة، دعاء الملايين فى ختام أسماء الله الحسنى، وأنا أشعر بعاطفة تجاهكم جميعاً كأنى أعرفكم فرد فرد وادعوا الله أن يثبتنا وأن نعيش بأسماءه الحسنى.
حلقة اليوم هى ملخص لكل ما سبق وتأكيد لكل ما سبق. أتذكرون عندما قلنا أنه إذا كنت تريد أن تعيش باسم الله العظيم فتأمل عظمته فى كونه، وإذا كنت تريد أن تشعر بالعزة والكرامة فـ باسمك يا عزيز نحيا، وإذا كنت تريد أن تشعر بالحنان والعطف فقل باسمك يا ودود نحيا، وإذا كنت تخاف على رزقك ورزق أولادك فقل باسمك يا رزاق نحيا، وللشباب والبنات الذين يخافون على مستقبلهم فقولوا باسمك يا وكيل نحيا، وإذا وضعت كاميرات مراقبة واصطف ضباط الشرطة لمراقبة الناس فأنت يكفيك الرقيب فـ باسمك يا رقيب نحيا، ولو أن الدنيا كلها قبلت أن تهين نفسها من أجل لقمة العيش فأنت لن تُهين نفسك لأن باسمك يا كريم نحيا. باسمك نحيا ثم نرتبط بأسماء الله الحسنى.
ولنأخذ الآن اسم اسم ونتذكره. هل تتذكرون باسمك يا ولي نحيا؟ هل تتذكرون الله ولي الذين آمنوا؟ هل تتذكر معناها؟ هل تتذكر عندما كانوا يقولون لك فى المدرسة هات ولي أمرك؟ وهل تتذكر ولي العروس؟ وهل تتذكر الطفل الذي تاه وجلس يبكى لآن ليس له ولي أمر؟ وأنت مسكين إن لم يكن ولي أمرك هو الله. وولي الأمر هو من يرعاك ويتعهدك. وهل تتذكر عندما طلبنا منك أن تعرض نفسك على الله حتى يكون ولي أمرك لأنه إذا أصبح وليك سيُعطيك ثلاثة أشياء:
1. (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس:62)
2. (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّور..) (البقرة:257)
3. (بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) (آل عمران:150) ومن عاد لى ولياً آذنته بالحرب.
وكيف أكون وليا لله؟ يقول الله تعالى : "ما تقرب لى عبدى بشىء أحب إلىَّ مما إفترضته عليه ولا يزال عبدى يتقرب إلىَّ بالنوافل حتى أحبه، فاذا أحبتته كنت سمعه الذى يسمع به وكنت بصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها، ولإن سألنى لأعطينه ولإن إستعاذ بى لأعيذنه " وكيف نحيا باسم الله الولى؟ تولوا أمور الناس، يا أغنياء تولوا أمور الفقراء فلتتولوا فقير أو ضعيف أو مسكين.
وباسمك يا جبار نحيا، والجبار هو من يجبر عباده المنكسرين فهو الذى تلجأ إليه إذا انكسر قلبك وتقول له يا جبار اجبر بخاطرى، فيجبرك.. وجبر الخواطر على الله، والجبار من الجبيرة التى تجبر الكسور، ومن جبره لك أنه إذا ظلمك أحد فإنه ينتصر لك فهو جبار للمساكين جبار للمظلومين، وجبار على الظالمين. كيف نحيا باسم الله الجبار؟ اجبر المنكسرين أنت أيضا ولا تظلم أحداً أبداً حتى لا يقصمك الجبار.
وباسمك يا وكيل نحيا. هل ذهبت يوما ما إلى الشهر العقارى وقلت أنك تريد أن توكل فلان فطلب منك أن تمضى على أن توكله في أن يتصرف فى كل أموالك؟ فهل ترضى أن توكل الله؟ لاحظ أن الذى توكله يجب أن يكون أمين وأن يهتم بأمرك وأن يكون أهل لثقتك (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) (المزمل:9) ،(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (الشعراء:217) ، (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ) (الشعراء:218) (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) (الشعراء:219) وكيف توكل الله؟ أن تقول حسبى الله ونعم الوكيل بلسانك وقلبك وكل كيانك.. وما شرط قبوله لتوكيلك؟ هو أن تعمل ما تستطيع عمله. انظر إلى هذه الآية الجميلة: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل:79) حسبى الله ونعم الوكيل.. قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي فى النار، وقالها موسى عليه السلام حين قال أصحابه إنا لمدركون، وقالها مُحمد صلى الله عليه وسلم حين قيل لهم (... إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173)
أتذكرون باسمك يا عزيز نحيا؟.. إياك أن تذل نفسك، هل أنت عبد العزيز؟ والعزيز هو الغالب الذى لا يُغلب.. العزيز هو الذى ليس كمثله شىء.. العزيز هو الذي يُعززك ليُعزك. يقول النبى صلى الله عليه وسلم: "من تضعضع لغني لغناه فقد ذهب ثلث دينه " فاطلبوا الحاجات بعزة أنفس.
أتذكرون باسمك يا عفو نحيا؟ العفو هو الذى يمسح أثار الذنوب ويمحوها فكأنك لم تخطىء من قبل، والغفار هو أنه لا عقوبة عليك بينما العفو فهو فليس هناك ذنوب في صحيفتك. الغفور هو أن تأتى بصحيفة مكتوب فيها ذنوبك وأمام كل ذنب العقوبة وفى نهاية الصحيفة مكتوب اسمك وأنك لن تعاقب وأنه قد غفر لك، أما العفو فهو أن تُمزق الصحيفة فليس هناك صحيفة من الأصل فيُنسيك الله تعالى الذنب ويُنسى الملائكة وكل من فى الكون الذنب، ولذلك من عظمة ليلة القدر هو أنك عفو تحب العفو فاعفوا عنا، وباسمك يا عفو نحيا.. فاعفوا يا عبد الله عن الناس حتى يعفوا الله عنك.
باسمك يا شكور نحيا.. فمهما يكن ما قدمته وإن كان قليلاً فهو يشكرك عليه أضعافا مضاعفة والله سبحانه وتعالى يقول: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ...) (يونس:26) ) ويقول أيضا: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (قّ:35) كأن الأصل هو الزيادة فالله تبارك وتعالى يقول: (إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:40)، (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً ...) (البقرة:245) . إن الشكور يشكر العمل مهما كان صغيراً ويجازيك عليه أضعافاً مضاعفة، ولذلك فإن الحديث الآتى هو حديث جميل جدا: " من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب فإن الله يُربيها لصاحبها كما يُربى أحدكم فُلوة – المُهر - حتى يلقى الله يوم القيامة واللقمة كجبل أحد " وهناك أيضا المرأة البغى التى سقت كلباً فشكر الله لها فغفر لها فأدخلها الجنة. باسمك يا شكور نحيا فاعملوا الخير وانشروا الخير فى الأرض.
باسمك يا مجيب نحيا والله سبحانه وتعالى يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ....َ) (البقرة:186) أى أن كل المطلوب منك هو أن ترفع يديك وتقول أريد كذا وكذا، وفى هذا يقول عمر بن الخطاب: " أنا لا أحمل هم الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء لأن الله قد وعد من دعاه أن يستجيب له". هل تستطيع أن تدعي وأنت تعلم أن المجيب قريب يستجيب لدعائك؟
ومن أسمائه الحسنى القريب، من هو أقرب إنسان لك فى الوجود؟ هل هى أمك، أختك، زوجتك، إبنتك؟ لا والله، الله أقرب إليك ، فالتجرب واضمم ابنك إلى صدرك واحتضنه، من الأقرب إليك الآن؟ هل هو إبنك أم الله؟ لا والله، إنه الله فالله سبحانه وتعالى يقول: (... وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (قّ:16) .
باسمك يا ودود نحيى، سمى الله سبحانه وتعالى نفسه الودود ولم يسمي تفسه الحبيب لأن الود أعظم وأعلى من الحب؛ فالحب مشاعر داخلية ولكن الود هو أن تحول هذا الحب إلى تصرفات: "إن الله إذا أحب عبداً نادى يا جبريل إنى أحب فلان فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادى جبريل فى أهل السماء إن الله يحب فلان فأحبوه ثم يوضع له القبول فى الأرض."
باسمك يا رقيب نحيى، الله شاهدي.. الله ناظري.. الله رقيباً علىَّ. من ذا الذي يراقبك فيجعلك تُحسن وتتقن فى عملك أكثر من شعورك أن الله سبحانه وتعالى معك فى كل مكان؟
عشنا الثلاثين يوما من رمضان مع أسماء الله الحسنى لكني أحب اليوم أن أختم بأشياء مختلفة ألا وهى قراءة قصيدة جميلة جداً وهذه القصيدة بها ذكر لعظمة الله سبحانه وتعالى فى الكون، وبها ذكر لكل ما قلناه فى الحلقات السابقة، ثم نتبع هذا الكلام عن الجنة وكلام الله سبحانه وتعالى فيها لنا فاسمع ما الذى تقوله القصيدة:
لله فى الآفاق آياتٌ لعل أقلها هو ما إليه هداكَ
ولعل ما فى النفس من آياته عجبٌ عُجاب لو ترى عيناكَ
والكون مشحون بأسرار إذا حاولت تفسيراً لها أعياكَ
قل للطبيب تخطفته يد الردى.. من يا طبيب بطبه أرداكَ؟
قل للمريض نجى وعوفيَّ بعدما عجزت فنون الطب.. من عفاكَ؟
قل للصحيح يموت لا من علة.. من بالمنايا يا صحيح دهاكَ؟
قل للبصير وكان يحذر حفرة فهوى بها.. من الذى أهواكَ؟
بل سائل الأعمى خطى بين الزحام بلا إصطدام.. من يقود خطاكَ؟
قل للجنين يعيش معزولاً بلا راع ومرعى.. من الذى يرعاكَ؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء لدى الولادة.. ما الذى أبكاكَ؟
وإذا ترى الثعبان ينفُث سمه فسأله.. من ذا الذى بالسموم حشاكَ؟
واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو تحيا وهذا السم يملأ فاكَ؟
واسأل بطون النحل كيف تقاطرت شهدا، وقل للشهد من حلاكَ؟
بل سائل اللبن المُصفى كان بين دمٍ وفرثٍ.. من الذى صفاكَ؟
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا ميت فاسأله من يا حي قد أحياكَ؟
قل للنبات يجف بعد تعهُد ورعاية.. من الذى بالجفاف رماكَ؟
وإذا رأيت النبت يربوا فى الصحراء وحده فاسأله من أرباكَ؟
وإذا رأيت البدر يسري سارياً أنواره فسأله من أسراكَ؟
وإذا رأيت شعاع الشمس يدنو وهى أبعد كل شىء.. من الذى أدناكَ؟
سيجيب ما فى الكون من آياته عجبٌ عُجاب لو ترى عيناكَ..
يا أيها الإنسان مهلاً ما الذى بالله جل جلاله أغراكَ؟
الله يا إخوانا.. الله سبحانه وتعالى. وأريد أيضاً أن أختم بهذا الحديث الجميل ألا وهو: يقول النبى صلى الله عليه وسلم –والحديث يرويه ابن القيم بلسان الحال من تجميع أحاديث عند لحظة لقاء الله عز وجل- فيا من ستحيوا بأسماء الله تعالوا نتخيل ونحن نقف بين يدى الله تبارك وتعالى وقد غفر لنا ورضى عنا ودخلنا الجنة، ينادي الله تبارك وتعالى أهل الجنة: يا أهل الجنة هل رضيتم؟ فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد بيضت وجوهنا وأدخلتنا الجنة؟! فيقول الله تبارك وتعالى: بقى شيء يا أهل الجنة، فيقولون وما هو يا رب، فيقول الله تبارك وتعالى: أرضى عنكم فلا أسخط عليكم بعدها أبدا، قد رضيت عنكم يا أهل الجنة. فيناد مناد فى أهل الجنة: حى على زيارة الرحمن، فتعد لهم النجائب حتى إذا وصلوا إلى مكان ينصب لهم منابر من فضة ومنابر من ذهب ومنابر من نور ومنابر من لؤلؤ، كل على قدر عمله، فيجلسون على هذه المنابر فبينما هم كذلك يشرق لهم نور من فوقهم فيظنون أنه الله سبحان الله وتعالى، فيناديهم الله تبارك الله وتعالى: يا أهل الجنة سلام عليكم فيردون: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام -ومن أجل هذا نقول فى ختام الصلاة مثل هذا القول لأننا كنا فى لقاء مع الله ونحن نصلى فيذكرنا فى ختام الصلاة بما سنقوله يوم نلقاه- فيناديهم الله تبارك وتعالى: "يا أهل الجنة -تخيل نفسك وأنت تقف هناك بعدما تعبت فى الدنيا وبذلت وعملت وعبدت وتحريت ليلة القدر- فبينما هم كذلك فيناديهم الله تبارك وتعالى: يا أهل الجنة أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يرونى -وتخيل نفسك وأنت ترفع يديك وتقول: أنا يارب.. أنا اطعتك بالغيب ولم أكن أراك – فيقول الله تبارك وتعالى: اليوم يوم المزيد فسألوني يا أهل الجنة.. ما الذى تشتهيه أنفسكم، فيجتمعون على كلمة واحدة أن ارضى عنا يا رب، فيقول لهم الله يا أهل الجنة إني لو لم أرضى عنكم لما أسكنتكم جنتي ولكن إسالوا شيئا آخر، فيتفقون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليك - تخيل هذه اللحظة العظيمة (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) (القيامة:22)، (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) (القيامة:23)، تخيل قول النبى صلى الله عليه وسلم "إنكم سترون ربكم كما ترون البدر فى ليلة التمام". أرنا وجهك ننظر إليك فتُكشف الحجب فينظرون إلى الله عز وجل.. فما أعطوا لذة منذ خلقوا أحب إليهم من النظر لوجه الله الكريم حتى يذهلوا عن الجنة، وما منهم من أحد إلا ويحاضره ربه محاضرة -وكلمة محاضرة تدل على أنه كلام طويل- يقول له يا فلان اتذكر ذنب كذا وذنب كذا فيقول العبد يا رب ألم تغفر لي؟ فيقول له الله بلى فبمغفرتى بلغت منزلتك هذه.. ثم يقول الله تبارك وتعالى يا فلان - تخيل الله تبارك وتعالى يناديك باسمك يا فلان- تمنى واشتهى فلن تتمنى اليوم شيئاً إلا واعطيتك إياه فيتمنى العبد ويقول يا رب أريد كذا وكذا حتى إذا انقطعت به الأمانى يقول الله تبارك وتعالى له أنك نسيت أن تتمنى كذا فيذكره بأمنيات لم يتذكرها العبد، ويسأله أفلا تشتهى كذا؟ أفلا تحب كذا؟ حتى يستحي العبد من الخجل لكثرة العطاء فيقول له الله تبارك وتعالى يا فلان: إنى راض ٍعنك فهل أنت راضٍ عني؟ والآن هل علمتم معنى قول الله تبارك وتعالى: (... رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ...ُ) (البينة:8). اذهب يا عبدي وخذ ما تشتهي من الجنة. تخيل وأنت تنظر إلى ربك بالغداة والعشى وتعيش كذلك حياة أبدية لا نهائية، وسقف بيتك عرش الرحمن، وجارك النبى، وأصحابك أبو بكر وعمر وعثمان والأنبياء، وتعيش منعماً خالداً مخلداً وأنت فى الثلاثة والثلاثين من عمرك، وتعيش وسط أهلك وأحبائك فى جوار رب العالمين سبحانه وتعالى، تخيلوا يا جماعة أنكم ستسمعون بينما أنتم داخلين إلى الجنة على بابها: "إن لكم أن تصحوا فلا تمرضوا أبدا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تنعموا فلا تحزنوا أبدا، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا" هل رضيتم يا أهل الجنة؟ (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) (قّ:35).
يا إخوانا ختام البرنامج هو أنه إذا عُرف الآمر سهلت الأوامر، لو أنك احببت الله وأطعته وعشت من أجله ستصبح كل الدنيا سهلة، فاذهبوا إلى الله وعيشوا له وقولوا باسمك نحيى وأحيوا الناس بأسماء الله الحسنى. لو أنك عرفت الودود فتودد له، ولو أنك عرفت العزيز فلا تذل نفسك لأحد وساعد المذلول أن يصبح عزيزا مرة أخرى، ولو أنك عرفت اسم الله الرقيب تكفيك رقابته عليك حتى تتقن عملك وتحسنه، ولو أنك عرفت اسم الله الشكور ستملأ الأرض عطاءً وخيراً، ولو أنك عرفت اسم الله الولى ستتولى قريتك أو فقير أو يتيم أو محتاج، ولو أنك عرفت اسم الله الجبار لن يمكنك أن تتكبر على بنى آدم، ولو أنك عرفت اسم الله القهار (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) (الضحى:9).
باسمك نحيا.. بعد أن انتهى البرنامج نريد أن نحيى فى الأرض، نريد أن لا تغادر أسماء الله الحسنى قلوبنا ولا تغادر حياتنا، نريد أن نعيش بها ونموت بها ونحشر على لا إله إلا الله وندخل الجنة ممسكين بأيد بعضنا البعض.. عرفناك بأسمائك الحسنى وعشنا بها يا رب العالمين.. ونسعد برؤية الله عز وجل.. وقد كان هذا برنامج باسمك نحيا.
تمت حلقات عمرو خالد
وكل عام وانتم بخير
الصفحة الأخيرة