الحلقه الخامسه(اسم الله الرزاق_الجزء الاول)
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نحن اليوم نحيا مع اسم آخر من أسماء الله الحسنى فنقول باسمك نحيا يا رزاق. يقول الله تبارك وتعالى"إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ" ( سورة الذاريات، آية 58) وأبدأ بالقول أن الهدف من هذه الحلقة أن تثق ثقة شديدة أن الرزق بيد الله؛ لذلك سنتفق على أمرين في نهاية هذه الحلقة، أولاً أن لا نأكل مالاً حراماً، وثانياً أن لا نذل أنفسنا لأي مخلوق من أجل لقمة العيش لأن الزرق ضمنهُ الرزاق.
محاور الحلقة:
v معنى اسم الله الرزاق.
v اسم الله الرزاق في الكون.
v اسم الله الرزاق في القرآن.
v هل الرزق مادي فقط.. مال فقط؟!
v ماذا يريد منا الرزاق؟
v معني اسم الله الرزاق: الرزق في اللغة هو النصيب والقسمة فما قُسم لنا هو رزق. والرزاق هو خالق الأرزاق والمتكفل بإيصالها فالكل يأخذ نصيبه من هذه الأرزاق.
الفرق بين الرازق والرزاق:
لم يُذكر الرازق في القرآن أبدا بل ذُكر اسم الله الرزاق.. فما الفرق بينهما؟ الرازق الذي يعطي ويمنع ويعطي بعض الناس ويمنع البعض الآخر، ولكن الرزاق تتضمن الشمول فالجميع يصله الرزق.. التقي والعاصي على حد سواء.. المؤمن والكافر والمسلم والمسيحي والبوذي. ليس لكل البشر فقط بكل للكائنات جميعا، يقول الله تبارك وتعالى" وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (سورة هود ، آية 6). أما سيدنا إبراهيم فظن أن من يستحق الرزق هم المؤمنين فقط، فعندما دعا قال عليه السلام " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ " (سورة البقرة، آية 126). فرد عليه الله الرزاق تبارك وتعالى أن الرزق للجميع في الدنيا أما الحساب يوم القيامة فقال" قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (سورة البقرة، آية 126).
ففي الأثر أن دعا سيدنا إبراهيم أحد الأشخاص فبدأ الرجل يأكل فرآه سيدنا إبراهيم يسجد للنار فقال له سيدنا إبراهيم: قم لا يجلس على مائدتي كافر فأوحى إليه الله تبارك وتعالى: يا إبراهيم مللت من إطعامه ساعة وأنا أصبر عليه وأرزقه وأُطعمه سبعين عاما.
سر قوله تبارك وتعالى" عَلَى اللّهِ "
لو فكر الجميع بهذا القول ملياً لسعدت البشرية جمعاء. ستسعد بها النملة، الحمامة.. لماذا؟ لأن كلمة إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا تفيد الإلزام فالله ألزم نفسه تبارك وتعالى برزق جميع الكائنات الحية وهذا مقتصر على الله وحدة، أما البشر فيمكن لأحد أن يعطيك وينذرك ويقول لك أنها أخر مرة أو يحدد توزيع الرزق. أما الله الرزاق فكل دابة رزقُها على الله. هذه الآية تُسعد النملة في جحرها.. تُسعد الحوت في بطن الأرض، أفلا يسعد بها الإنسان وهو خليفة الله في الأرض؟! يقول الله تبارك وتعالى إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً " (سورة البقرة،آية 30). فكل ما في الكون خلقه وسخره الله لك.. للإنسان.. للخليفة.. فهل تقبل على نفسك أيها الإنسان بعد ذلك أن تأكل الحرام؟ تكمن أهمية هذه الحلقة في أن الكثير في بلادنا للأسف يأكل الحرام وآخرين يتذللوا للبشر ليحصلوا على رزقهم. أقول لهم جميها انظروا الى اسم الله الرزاق في القرآن.
v اسم الله الرزاق في القرآن.
يقول الله تبارك وتعالى بعد خلق الأرض " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (سورة فصلت، آية9،10،11). ومعني قدر فيها أقواتها أي كتب الله تبارك وتعالى الأرزاق كمقدار كل ما تحتاجه الأرض من ماء، الزرع... هذه الآية دليل يطمئن العبد على رزقه. يقول الله تبارك وتعالى "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ..."(سورة الروم، آية40) فاستعمل الله تبارك وتعالى فعل "رزقكم" بالماضي أي أنه بالفعل تم تقدير الرزق. يقول النبي صلى الله عليه وسلم "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِيْ بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِيْنَ يَوْمَاً نُطْفَةً؛ ثُمَّ يَكُوْنُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُوْنُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إِلَيْهِ المَلَكُ فَيَنفُخُ فِيْهِ الرٌّوْحَ، وَيَؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيْدٌ...) رواه البخاري ومسلم. كمن يرسل ابنه في سفر وأعطاه كل ما يحتاج فيسافر الإبن مطمئن ولله المثل الأعلى.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم "إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت روح حتى تستكمل رزقها وأجلها" أتؤمن بذلك أم لا؟ فلن تموت ناقص نَفسْ.. لذلك أقول لكم مهما زاد عدد من يأكل الحرام فلا تكن منهم، وإذا كثر عدد من يؤمن بالله الرزاق بالظاهر فقط، فكن أنت من يتغلغل اسم الله الرزاق في خلايا جسدك، لأن الله لن يتركك فهو قد تكفل برزقك. فقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم هَدَفي هذه الحلقة من عدم أكل الحرام وعدم التذلل للناس بدعائه بقوله "اللهم اغنني بحلالك عن حرامك واغنني بفضلك عمن سواك" فالرزق سيأتي حتما إما أن تستعجل فتأخذه بالحرام فيكون جزاؤك النار وإما أن تسعى له وتحصل عليه فتدخل الجنة.
قصة الأعرابي مع الآية
اسمع قول الله تبارك وتعالى " وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ "
فالرزق مكتوب لكل كائن حي فنزلت هذه الآية على جزئين الجزء الأول" وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ" (سورة الذاريات، آية 22) فلما سمعها الأعرابي قال: صدق الله، ومن ثم عاد نفس الأعرابي بعد عدة شهور فكان حينها قد نزل الجزء الثاني من الآية وهو" فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُم ْتَنطِقُونَ " (سورة سورة الذاريات، آية 23) فبكى الأعرابي عندما سمعها وقال: ماذا فعلتم ليٌقسم الله سبحانه وتعالى أن الرزق حق؟! فنحن صدقناه من الآية الأولى.
يقول الله تبارك وتعالى" أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ" (سورة الملك، آية 21) فمن تذلل لغير الله وهذا على خلاف طلب الحاجات بعزة نفس فيقول عليه الصلاة والسلام " اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس، فإن الأمور تجري بالمقادير". ويقول الله تبارك وتعالى "قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْض" (سورة يونس، 31) فكما سبحانه وتعالى لا شريك له في ملكه فسبحانه لا شريك له في رزقه. ويتزامن اسم الله الرزاق مع اسم الله الخالق فيقول الله تبارك وتعالى" اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ "(سورة الروم، آية 40) ويقول الله سبحانه وتعالى "... هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم...(سورة فاطر، آية 3).
v اسم الله الرزاق في الكون
كنت قد ذكرت سابقاً أن الله تبارك وتعالى يُعرفنا باسمه بطريقتين بكتاب يُقرأ وهو القرآن الكريم أو بكتاب يُنظر وهو صفحة الكون، وهو معجزة من الله تعالى. فقد عرفنا اسم الله الرزاق من القرآن.. الآن سنعرفه من الكون؛ كي لا نتذلل لأحد. سأبدأ لكم بمثال قد مر علينا كثيرا بالمدرسة ولكننا لم نفهمه أو نربطه باسم الله الرزاق، فلو فهمناه باسم الله الرزاق لاستحال أكل الحرام، والمثال هو دورة الماء. سنفهم الآن دورة الماء باسم الله الرزاق. فالماء سر الحياة.. يقول الله تبارك وتعالى" وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ "(سورة الأنبياء، آية 30). بدايةً إن اتساع مساحة البحار بفضل اسم الله الرزاق لأنه عصب الحياة ونحتاجها كثيرا فتكون نسبة الماء 71% من مساحة الأرض ثم يأمر الرزاق البحار أن تكون مالحة كي لا تأسن وتظل صالحة، ومن ثم يأمر الله الرزاق الشمس أن تُسخن هذه البحار، فالشمس تُسخن 16 مليون طن في الثانية، وتُسخن في السنة 505 تريليون طن ماء تتبخر من البحار كي تُروى الكائنات الحية. فيربط الله تبارك وتعالى الرزاق بين الشمس التي تُسخن الماء وبين نزول الماء فيقول الله تبارك وتعالى" وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا، وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا " (سورة النبأ، آية 13،14) ثم يأتي دور الرياح لتحمل ما تبخر على سطح الماء الى أعلى ليبرد وتُنزل الهواء الجاف الى أسفل فيقول الله تبارك وتعالى" اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء " (سورة الروم، آية 48) فمن يقوم بذلك؟ الله الرزاق.
ومن ثم يأمر الله الرزاق السحاب أن يقترب من بعضه البعض حتى يثقل فيقول الله تبارك وتعالى" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا (سورة النور، آية 43) ثم يأتي دور الجاذبية بجذب المياه الى أسفل، ثم ينزل الماء في المكان الذي حدده الله تبارك وتعالى " حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ... " (سورة الأعراف، آية 57). فهذه معجزة الرزاق في إنزال الماء. يقول الله تبارك وتعالى" أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ، لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ "(سورة الواقعة، آية 69،70). لذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما ينزل المطر يُعرض نفسه له ويمسح به وجهه وجسده، لأنها معجزة من الله الرزاق. ولذلك يقول النبي أن دعاء المطر مُستجاب. وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندما يشرب الماء يقول " الحمد لله الذى جعله عذباً فراتاً برحمته ولم يجعلهُ مِلحاً أُجاجا بمعاصينا " فكل نقطة ماء دليل حي على اسم الله الرزاق، وتستمر المعجزة بأن تعرف أن كمية الماء التي تتبخر كل سنة هي نفسها الكمية التي تنزل على الأرض.
كم أنفق الله تبارك وتعالى على الأرض؟
لو سألتكم جميعاً كم أنفق الله سبحانه وتعالى على الأرض لستتمر الحياة على الأرض منذ خلقها حتى اليوم؟ يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي" خلقت السماوات والأرض ولم أعيَّ بخلقهن، أفيُعيني رغيف أسوقه الى عبدي؟ عبدي.. لي عليك فريضة ولك علي رزق فإن خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك..". عرفت كل الكائنات الله الرزاق من طير وسمك إلا أنت أيها الإنسان أيها الخليفة أيها المسلم أيها المؤمن ، فماذا ستقول له يوم القيامة عندما يسألك عن أكل المال الحرام وعن التذلل لغير الله؟ فبماذا سترد على الله تبارك وتعالى؟!!.
عاصم بن جبر واسم الله الرزاق
عاصم بن جبر صحابي أفقر منا جميعا، يوم غزوة خيبر كان جائعا جدا فوجد سُرة فيها شحم فأخذها ومن شدة جوعه قال: والله لا أعطى منها أحد أبداً. فكان النبي صلى الله عليه وسلم خلفه، فسمعه ونظر اليه النبي وابتسم إليه إبتسامة الغضبان، لأنه هذه ليست أخلاق المسلم. يقول عاصم بن جبر: فاستحييت من نفسي فقال: استغفر لي يا رسول الله فابتسم النبي وانصرف. أقول لكم في هذا الزمن الذي يزيد فيه أكل الحرام لرداءة الظروف الإقتصادية أن تؤمن بالرزاق.. أن تسجد للرزاق ولا تقم بما قام به الآخرين، فنحن ليس هدفنا الكلام.. كلاماً فقط، بل نريد فعلاً وعملاً وتطبيقاً. لذلك أطلقنا على البرنامج اسم "باسمك نحيا" لكي نحيا بحق بأسماء الله.
أدلة حية تشهد على الله الرزاق:
قبل سرد عدة قصص تشهد على الله الرزاق أقول لكم جميعا أن يسأل كل منكم والده عن أحواله الإقتصادية عندما تخرج من الجامعة، فسترى في القصص جميعها فعل الله الرزاق. أما الشاهد الأول فهو عندما مرت على النبي أيام يربط الحجر والحجرين على بطنه من شدة الجوع ومر عليه يوم بعد غزوة خيبر نصيبه من الغنائم غنم بين جبلين أنفقها في سبيل الله، فيقول فيه الرجل: إن محمداً يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر أبدا. الشاهد الثاني سيدنا أنس بن مالك من خادم للنبي إلى أكثر الصحابة مالاً. الشاهد الثالث سيدنا سلمان الفارسي بيع عبداً وبعد سنوات قليلة أصبح حاكم فارس. الشاهد الرابع شاب محاسب بسيط قدم للسعودية ليعمل فقرأ قول الله " لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ " (سورة الحج، آية28) فقال في هذه الآية سر، فبدأ يبيع بضائع يحتاجها الحجاج وبعد خمس سنين أصبح معه ملايين. أما الشاهد الخامس فهي قصة شاب كان يفرح عندما يهديه أحدهم كرتونة بيض يذهب فرحاً لزوجته يقول رزق ساقه الله إلينا، وبعد سنوات قليلة تصدق هذا الرجل بسيارته القديمة لأن الله رزقه سيارة جديدة.. فمن غيّر حال هؤلاء؟ الرزاق والشواهد كثيرة.
v هل الرزق مادي فقط.. مال فقط؟!!
أشكال الرزق:
ليس كل الرزق مال فقط فأشعة الشمس رزق، والجار الصالح رزق والروح التي في جسدك هي رزق، والزوجة الصالحة رزق والدعاء رزق وركعتين في آخر الليل رزق. فأيهما أحب إليك؟ رزق الجسد - رزق مادي - أم رزق الروح؟ إن الله عندما يغضب على عبد يمنع عنه الرزق. يقول النبي "إن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه" ففي الأثر أن رجلا قد ارتكب ذنباً فظن أن الله لم يحرمه الرزق فأوحى إليه الله أنه قد عاقبه فقال له: بلى قد عاقبتك، ألم أحرمك لذة مناجاتي؟ فأرزاق الأرواح أحلى بكثير من أرزاق الأجساد.
v ماذا يريد منا الرزاق؟
1. إياك أن نأكل الحرام، لكي يبقى الأمل في قلوبنا، فأكل الحرام يحرمنا استجابة الدعاء ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم "الرجل يطيل السفر، يقول يا رب يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وغُذي من حرام ، فأنى يستجاب له؟!". وهنا أذكر قصة إمرأة عُرض على زوجها رشوة لكي يشهد زورا فرفض فعندما هُدد بطرده ذهبوا لزوجته كي تحثه على أخذ الرشوة مقابل شهادة الزور فقالت لهم: لقد عرفت زوجي أكالاً ولم أعرفه رزاقاً. وأذكر أيضا في هذا الباب قصة شهيرة في التاريخ عن عامل وحاكم في تاريخ المسلمين، فأراد الحاكم أن يُطوع العالم له فذهب الحاكم الى العالم فوجده في المسجد فسأله: ألك حاجة؟ فقال العالم: إني أستحي أن أكون في بيته وأسأل غيره، فانتظره الحاكم حتى خرج العالم من المسجد فلما خرج من المسجد سأله ثانية: ألك حاجة؟ فقال العالم: أحاجة من حوائج الدنيا أم حاجة من حوائج الآخرة؟ فقال قال الحاكم: أنا لا أملك الآخرة ولكن حاجة من حوائج الدنيا فقال العالم: أنا لا أسألها من يملكها أفأسألها من لا يملكها؟!!. انظروا إلى سيدنا علي بن أبي طالب وهو يقول: والله والله لَحفرُ بئرين بإبرتين ولكنسُ الجزيرة بريشتين أهون علي من أقف باب إنسان أسأله بذلِ نفسي والرازق موجود.
2. السعي: لكي تحصل على الزرق المكتوب لك يطلب منك الرزاق أن تسعى لأنه يغضب عليك إن لم تفعل. وهنا أشير للسعي الذي يقوم به المعتمر والحاج، فأصل السعي ورمزها السيدة هاجر التي كانت تبحث عن شيء دنيوي.. تبحث لابنها.. لسيدنا إسماعيل عن ماء فأصبح السعي عبادة لكي يذكرك بالسيدة هاجر التي سعت بالصفا والمروة سبع مرات، الأمر الذي يرهق الشباب، ولكن ماذا كانت نتيجة السعي؟ فينزل جبريل ويضرب بجناحه عند قدم اسماعيل فيخرج نبع ماء يشرب منها المسلمين من آلاف السنين وإلى الآن. يقول لله تبارك وتعالى " وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم " (سورة الأنعام، آية38) أي لا تقولوا عن النحل والنمل هذه أمم حقيرة.. ولكن تعلموا منها.. تعلموا من النحل النشاط والعمل الدؤوب، فالنحلة تتحرك 400 كيلوا أي تلف الأرض سبع مرات لتعمل كيلو عسل ولا تنتظر لتصل الى الخلية بل في طريقها، والنحل في بطنها تحول الرحيق الى عسل، فأخذت اليابان هذه الفكرة فأصبحت تصنع المنتجات على الناقلات في عرض البحر. يُحكي في الأثر أن أحد الأشخاص كان مسافرا في تجارته فرأى طائراً كسيحاً لا يجد من يطعمه فقال مسكين، فأثناء ذلك جاء طائر صحيح وأطعم الطائر الكسيح فرجع هذا التاجر الى بلده وقابل عالماً صديقا له فقال له: لا داعي للسعي فالرزاق موجود وأخبره بقصة الطائر الصحيح والطائر الكسيح فنظر إليه العالم وقال له: أرضيت أن تكون مكان الطائر الكسيح ولم ترضى أن تكون مكان الطائر المعطاء؟
3. أن لا تذل نفسك أبدا.
كلمة للأغنياء:
أخيرا، أقول للأغنياء أمواكم التي معكم ليست لكم بل أنتم مستخلفين عليها. يقول الله" وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ" (سورة الحديد، آية 7). أقول للأغنياء عندما قسّم ربنا الأرزاق أعطاكم زيادة لتنفقوها في الزكاة والصدقة على الفقراء " وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ، لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"(سورة المعارج، آية 24، 25). أقول للأغنياء لو أديتم زكاة أموالكم لما وصل عدد الفقراء في الأرض الى هذا العدد، وأقول للأغنياء أن الله أعطاكم هذه الأموال الزائدة لتأخذ ثواباً عندما تنفقها على الفقراء. أقول للأغنياء أن هناك حاجزاً بين الأغنياء والفقراء.. أقول لهم أن هناك أمواتاً تحت الأرض وأموتاً فوق الأرض فمن يعيش في العشوائيات هم أموات فوق الأرض. أقول للأغنياء أنكم المسؤولين عن اهتزاز ثقة الفقراء في الرزاق.. لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعي" اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر" فالفقر يؤدي الى الكفر فبعدم إعطائكم للفقراء حقهم في أموالكم سقتموهم للكفر. أقول للأغنياء تصدقوا بنية جديدة.. إحياء اسم الله الرزاق في قلوب الفقراء فتقابل الله بها يوم القيامة.
الواجب العملي:
إطعام فقير بنية إحياء اسم الله الرزاق بين الفقراء وتحبب الفقراء في الرزاق.
تعريف الناس بأسماء الله الحسنى بنشر هذا الحلقة أو نقل ما قيل فيها للناس لإحياء أسماء الله الحسنى.

زملكاويه
•

زملكاويه
•
الحلقه السادسه
(اسم الله الرزاق - الجزء الثاني)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم. أود أن أذكر كمقدمة أننا في نعمة هائلة لنتكلم عن الله من أمام بيته، نعمة أن يمكننا الله سبحانه وتعالي من هذا. سمعت هذه الآية في صلاة التراويح منذ يومين:
" إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إبْرَاهِيمَ ومَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ..."( آل عمران: 96- 97)
هذه الآية تجعلنا نشعر بنعمة وفرحة وهيبة.
· النقطة الثانية في المقدمة هي أن هدف هذا البرنامج هو معرفة الله سبحانه وتعالي، وأنا أعلم أن بعض الناس يتخوفون من اختلاط الأسماء ومعانيها عليهم. أقول لهم حتى وإذا نسيت ولكن تراكم في داخلك المعنى الحقيقي لمعرفة الله تبارك وتعالي فهذا هو الهدف: أن تتراكم المعاني إلي أن تقودك معرفة الله إلي طاعته فتسعد في الدنيا والآخرة، فملخص الدين حسب فهمي: هو معرفة تؤدي إلي طاعة تؤدي إلي سعادة.
· النقطة الثالثة هي أننا عندما نتحدث عن أسماء الله لن نستطيع أن نذكر كل شئ فمن نحن؟ لو جمعنا علماء الأرض وواعظيها ودعاتها وطلبت منهم أن يتكلموا في عدة أشهر عن اسم واحد من أسماء الله الحسني فيتمّوه فلن يملكوا.
"...ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِمَا شَاءَ..." (البقرة: 255)
"قُل لَّوْ كَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي..." (الكهف: 109)
ولذلك قد يكون من أجمل ما نتمناه في الجنة أن يُظهر الله علينا تجليات أسمائه الحسنى تخيل كم سنة ستأخذ؟ ما نقوله في هذا البرنامج هو وضع منهجية تفكير – فهو ليس برنامج وعظي كبقية البرامج – ولكنا نتكلم لكي نفتح للناس أبواباً لتتعرف على الله ثم يقولون لله "يا رب إنا حيينا باسمك هذا وأحيينا الناس باسمك هذا".
هذا البرنامج ليس للمسلمين فقط، فهو للمسلمين والمسيحيين، للمؤمنين والملحدين... فنحن نخاطب الأرض متكلمين عن الله سبحانه وتعالي.
اليوم نستكمل الحديث عن اسم الله الرزاق
اليوم يدور كلامنا في محورين:
1. المحور الأول تذكرة بحلقة الأمس مع بعض الأمثلة الجديدة. فلن نستطيع الدخول في موضوع حلقة اليوم دون تلخيص سريع لما قلناه بالأمس.
2. المحور الثاني هو كلام عن شئ مريح للفقراء وللطبقة المتوسطة. هو الكلام عن جزء من الواجب العملي لاسم الله الرزاق لم نتكلم عنه بالأمس... سأترككم تفكرون فيها للتشويق!
ما هو هدف حلقة الأمس؟ كان ببساطة: الرزق مضمون، فإياك أن تذل نفسك لإنسان، وإياك وأكل المال الحرام لأن الرزق مكتوب.
"... وقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ..." (فصلت: 10)
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها". إياك وأن تظن أنك ستموت دون شربة ماء أو دون أكل تمرة كانت مقدرة لك.
"وفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ومَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ والأَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ( الذاريات: 22-23)أتصدقون الله بعد هذا القسم؟
أتعلمون كم طناً من الماء تحمله كل سحابة تمر فوق رؤوسنا؟ يقول العلماء الألآف من الأطنان! فالله مُعلق لنا أرزاقنا فوق رؤوسنا! تخيل لو نزل السحاب لينطبق على الأرض كم من حادثة وصاعقة ستحدثان؟ الرزاق يُنزل لنا الماء علي هيئة مطر رقيق خفيف.
إياك وأكل المال الحرام. إياك والذل للناس "اطلبوا الحاجات بعزة أنفس فإن الأمور تجري بالمقادير"
وقد عاش الصحابة هذه المعاني فسيدنا بلال – بعد وفاة النبي – كان ماشياً في الطريق، وكان هناك سباقاً للخيل الهى الناس عن العمل. مر بجانبه شاب لا يعرفه.
قال الشاب: من سبق؟
فقال بلال: سبق من عرف الكريم الرزاق؟
فقال الشاب: إنما أسألك عن الخيل!
فقال له: وأنا أدلك علي الخير!
نحن هنا يا سيدنا بلال لكي نعرف الكريم الرزاق بإذن الله.
· كان هناك رجل عجوز يعيش وحيداً وكان دائماً ما يقول : اللهم ارزقنا كما ترزق البُغاث. البُغاث هو فرخ الغراب أول ما يولد يكون في صورة شحمة بيضاء ليس له ريش أسود كالغراب الناضج فينكره أبوه وأمه ولا يطعمانه. هو لا يستطيع الطيران لجلب الرزق، لكن يوجد الرزاق. فرائحة البُغاث تجذب نوعاً من الديدان إلي مكانه فيأكلها حتى ينمو ريشه أسوداً فتعرفه أمه فتبدأ في إطعامه فتختفي الديدان!!! اللهم ارزقنا كما ترزق البُغاث.
لكن احذروا هذه ليست دعوة لترك السعي، فأنا لا افهم من أين أتى المسلمون بأن الإسلام يحث علي عدم الحركة، هذا ليس من الإسلام علي الإطلاق. الإسلام كله حركة وسعي وبحث.
هناك قصة لم أصدقها إلي أن رأيتها. هناك تيارات تجري تحت مياه المحيطات بداية من الدول الاسكندنافية – كفنلندا والسويد – إلي سواحل شيلي في أمريكا الجنوبية. تصل سرعة هذه التيارات إلي 80 كيلو في الساعة فهي سريعة جداً لدرجة أنه حينما تمر بها المراكب تطفئ محركاتها لتحركها هذه التيارات. هذه التيارات تحرك معها أعداد هائلة من الأعشاب البحرية مما يدفع أسماك السردين إلى السعي وراء هذه الأعشاب لتأكلها كل هذه المسافة. يكون في انتظارها في سواحل أمريكا الجنوبية أسماك الدولفين والقرش لأنها هى الوجبة الأساسية لها، بالإضافة إلي مئات الألآف من الطيور. بعد أن تأكل الطيور هذه الأسماك، تتخلص من مخلفاتها والتي تعتبر من أجود أنواع السماد في العالم الذي يستخدمه أهل هذه المنطقة فيبيعونه ويستخدمونه في الزراعة لضمان البقاء!!! أريد منكم أن تقولوا لأنفسكم "عيب أن نشك في الرزاق، عيب ألا تسعى".. تعالوا ننظر للكون نظرة جديدة: الكون مسجد كبير يسجد كل من فيه لله عز وجل:
" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ..." (الحج: 18)
أتذكرون الحديث القدسي الذي ذكرناه بالأمس: يابن آدم خلقتُ السماوات والأرض ولم أعي بخلقهن، أفيعييني رغيف أسوقه إلي عبدي؟ ابن آدم لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق فإن خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك.
تعالوا الآن نتكلم في المحور الثاني:
أهدي الكلام القادم للضعفاء والمبتلين، لأصحاب الطبقة المتوسطة التي ضاقت عليهم الدنيا ولم يعيشوا كما تمنوا، للذين قرروا بعد سماع اسم الله الرزاق أن يسعوا، وألا يأكلوا المال الحرام، وألا يذلوا أنفسهم لبشر، ولكنهم يعيشون في ضيق شديد ومستقبل قاتم.
أقول لهم: عندما تفعل الثلاث أشياء التي اتفقنا عليها، أيضيعك الرزاق؟؟ الرزاق الذي أطعم هذه الطيور والأسماك أيضيعك؟؟
تنقسم العبادة إلي نوعين: عبادة بالجوارح كالصلاة والصوم والعمرة، وعبادة القلب كالتوبة والعفو عن الناس. أتلاحظ أن هذه الأشياء الثلاثة التي تكلمنا عنها من عبادات الجوارح؟ أما الشئ الرابع فهو من عبادات القلوب. الجزء الرابع من ماذا يريد مني الرزاق هو كيف يرضي عني الرزاق؟
الرضا
هل أنت راضٍ عن الرزاق؟ اعلموا أن عبادات الجوارح يتوقف ثوابها بمجرد انتهائها، أما عبادات القلب فثوابها ممتد حتى في منامنا. لماذا؟ لأن قلبك لو امتلأ بهذا المعني فهو مستمر معك طوال حياتك. هل أنت راضٍ عن هذه الأرزاق: هل أنت راضٍ عن زوجتك؟ عن مكان سكنك؟ عن أثاث بيتك؟ شكلك؟ هل أنت راضٍ عن وضعك المالي؟ عن وظيفتك؟ هل أنتِ راضية عن تأخر زواج ابنتك؟ عن البطالة؟ هل أنت راضٍ عن الغربة عن بلدك؟ هل أنت راضٍ عن حياتك؟ هل أنت راضٍ عن ربك؟
ما هو الرضا؟
تعريف الرضا: "الطموح والسعي للأفضل مع رضا القلب عن الحال".
بعض الناس يفهمون الرضا علي أنه توقف للسعي للرضا بالحال وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق. فللرضا لابد من السعي مع الرضاء بالحال. ببساطة شديدة: نبينا كان يسعي لتحسين الوضع في المدينة مع رضاءه بالحال في مكة.
هل أنت راضٍ عن ملبسك أيها الشاب أم أنك في ضيق لأنك تريد أن تقلد الشباب في ملبسهم الغالي ولا تستطيع؟ هل أنت راضٍ عن سيارتك المنهكة؟ عن مسكنك السيئ؟ هل أنت راضٍ أم لا؟ هل تشعر بمرارة في القلب؟
يقول الله تبارك وتعالي في حديث قدسي: ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وضمنت لك رزقك فلا تحزن، إن قل فلا تحزن، وإن كثر فلا تفرح، إن أنت رضيت بما قسمته لك أرحت بدنك وعقلك وكنت عندي محمودا، وان لم ترض بما قسمته لك أتعبت بدنك وعقلك وكنت عندي مذموما. لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في الفلاة ثم لا يصيبك منها إلا ما كتبتُ لك.
ليس معنى هذا ألا نسعى، ولكن الاستمرار في عدم الرضا لا يـأتي بشئ سوي المزيد من التعب. هناك كلمة جميلة جدا: أرح نفسك من الهم بعد التدبير، فما قام به الله عنك لا تقم به أنت لنفسك! ألم تري كيف يرزق الرزاق المخلوقات الضعيفة؟ أفلا يرزقك أنت وأنت الخليفة في الأرض؟ أفلا يرزقك وهو جعل الملائكة تسجد لأبوك؟ أفلا يرزقك وقد كرمك كل هذا التكريم؟ اسع كما اتفقنا كسعي السيدة هاجر واترك الباقي لله، لا ترض بالجلوس في المقاهي لقتل الوقت، اجعل الجلوس فيها للتخطيط للمستقبل. أود أن أخاطب أصحاب المقاهي وأقول لهم شئ عظيم أن تجعلوا مقاهيكم للتخطيط والتدبير بدلاً من إضاعه وقت الشباب دون فائدة، حتى يرضي عنكم الرزاق. أرح نفسك من الهم بعد التدبير، فما قام به الله عنك لا تقم به أنت لنفسك! يقول الله تبارك وتعالي في حديث قدسي آخر: يابن آدم عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يضغيك ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض بغير الحق. لا بقليل تشبع ولا بكثير تقنع إن أنت أصبحت معافا في بدنك، آمناً في سربك، وعندك قوت يومك فقل علي الدنيا العفاء.
إذا كنت تتمتع بالصحة وببيت خاص لك فأنت في نعمة محروم منها غيرك. هناك أناس لا يعلمون أين سيعيشون بعد شهرين، هناك أناس لا يعلمون في أي بلد يدخل أولادهم المدارس من كثرة تنقلهم في البلاد وعدم استقرارهم. إذا كان لك بيت تدخله كل ليلة وتنام فيه فأنت في نعمة كبيرة جداً. إذا كان عندك قوت يومك – يومك فقط – فأنت في نعمة. هناك شباب يتأزم حين لا يجد صنف الجبن الذي يحبه مع وجود الكثير والكثير من أصناف الأكل الأخر!
يقول النبي صلي الله عليه وسلم "لو كان لابن آدم وادياً من ذهب لتمنى أن يكون له واديان ولن يملأ فم ابن آدم إلا التراب". يقول ابن القيم "الرضا باب الله الأعظم ومستراح العاملين، وجنة الدنيا". لا تكف عن السعي والرضا فهما متلازمان.
وقد قال الله" وعندك قوت يومك" ولم يقل قوت إسبوعك فنحن لا نعلم متي نموت؟ أيضمن أحدنا أن يعيش للغد؟ نحن نعمل باليومية يا إخواننا!
يقول الله تعالي: " اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا والَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ ويُرْسِلُ الأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُّسْمًّى..." (الزمر: 42)
ينام الناس فتُرفع الأرواح إلي السماء، ثم يمسك الله الأرواح التي تمت ويرسل الأخرى فنستيقظ. كيف ننام علي معصية ونحن نعمل باليومية؟!!!
إن أنت أصبحت معافاً في بدنك، آمناً في سربك، وعندك قوت يومك فقل على الدنيا العفاء.
حتى وإن لم يكن عندك قوت يومك فإرض بما كتبه الله لك.
يعلمنا النبي صلي الله عليه وسلم هذا المعنى فيقول: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا".
يقول النبي صلي الله عليه وسلم" من قال حين يصبح – أو يمسي – رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا وجب على الله أن يرضيه في هذا اليوم".
يقول النبي – صلي الله عليه وسلم - في حديث آخر: "من قال حين يسمع الآذان رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا غُفر له".
يحثنا الرسول على التدريب على الرضا. انظروا إلى أدعية النبي: "اللهم رضني بقضائك حتى لا أحب تأخير ما عجلّتَ ولا تعجيل ما أخرتَ".
هل أنت راضٍ عن الرزاق؟ انظر إلى دعاء النبي: اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء. لما قال النبي "بعد القضاء"؟ لأن الرضا قبل القضاء سهل فالكل راضٍ قبل القضاء.
يقول العلماء: علامات الرضا ثلاث:
1. ترك الاختيار قبل القضاء بالاستخارة.
2. فقد المرارة عند القضاء.
3. دوام حب الله في القلب بعد القضاء.
بعض الناس تقلل عبادتها بعد وقوع المصيبة فيتوقف عن الصلاة مثلاً.
يقول الله تبارك وتعالي: " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ.." (الحج: 11)
تعالوا نعيش مع أمثلة للراضين:
· كان النبي في شدة السعادة عند ولادة ابنه إبراهيم فكان يحمله ويمر علي بيوت الصحابة ويقول لكل منهم :"انظر إلى ابني إبراهيم". توفي إبراهيم في سن يتعلق فيه الآباء تعلق شديد بأبنائهم وهو سن الفطام فيبكى النبي صلى الله عليه وسلم - فالبكاء رحمة في القلب وهى لا تتعارض مع الرضا بقضاء الله – ويقول: "إن العين تدمع وإن القلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونين". ثم يدخل النبي بيته ويقول لله: "لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك". هل أنت راضٍ عن الرزاق؟ هل أنت راضٍ عن الرزاق؟
يُحكى أن الفضيل بن عياض – وهو كان من العباد قليلي الابتسام – مات له ابن فابتسم. فقالوا له: لما تبتسم؟ فقال "شئ أحبه الله فأحببته". ثم قال "أجبرت نفسي على الابتسام لكي أرضى عن الله سبحانه وتعالي".
ناقش العلماء أن النبي بكى والفضيل ابتسم، ومعاذ الله أن يكون الفضيل أعلى مقاماً من النبي. ولكن التفسير هو أنه لحظة الموت يشعر القلب بشعورين: الرحمة والرضا. لا يستطيع كل الناس التوفيق بين الشعورين. الفضيل لم يستطع التوفيق فوجد نفسه إما يبتسم رضاءً وإما يبكي بكاءً شديدا، أما النبي صلي الله عليه وسلم يسهل عليه التوفيق بين الشعور بالرضا والبكاء – أي الشعور بالرحمة.
· يقول سيدنا عمر بن الخطاب: "ما أصابتني مصيبة في حياتي إلا رضيت عن الله فيها وحمدته فيها لأربعة أشياء: أنها لم تكن أكبر منها، وأنها لم تكن في ديني، وأن الله سيرزقني عليها ثوابا عظيماً، وأني تذكرت أعظم مصيبة في حياتي وهي فقد النبي صلي الله عليه وسلم.
· يقول سيدنا عمر: "والله لا أبالي على أي حال من أحوال الدنيا أصبحت أو أمسيت، من غِنى أو فقر، فرح أو حزن مادمت قد أصبحت وأمسيت مسلماً لله عز وجل".
أعيد عليكم السؤال: هل أنت راضٍ عن أفعال الله في حياتك؟ هل أنت راضٍ عن زوجتك؟ عن مكان سكنك؟ عن أثاث بيتك؟ شكلك؟ هل أنت راضٍ عن وضعك المالي؟ عن وظيفتك؟ هل أنتِ راضية عن تأخر زواج ابنتك؟ عن البطالة؟ هل أنت راضٍ عن الغربة عن بلدك؟ هل أنت راضٍ عن حياتك؟ هل أنت راضٍ عن ربك؟
· عروة بن الزبير، هو ابن أخت السيدة عائشة رضي الله عنهم ذهب ذات يوم هو وابنه لأمير المؤمنين في دمشق فذهب الصبي ليلعب مع الخيل فدهسته فمات. وعندما أرادوا إخباره بما حدث ذهبوا ليلقوه وقد أصابته الآم شديدة في ساقه وأخبره الأطباء عن وجود ورم فيها ولابد من بترها. فما علم الناس فيما يعزونه: فقد ابنه أم بتر ساقه.
قال عروة بن الزبير: اللهم لك الحمد كان لي سبعة أبناء أخذت واحداً وأبقيت ستة، وكان لي أربعة أعضاء أخذت واحداً وأبقيت ثلاثة، فإن كنت قد أخذت فقد أبقيت، وإن كنت قد منعت فقد أعطيت، فلك الحمد على ما أخذت ولك الحمد علي ما أبقيت ولك الحمد علي ما منعت ولك الحمد علي ما أعطيت.
ثم قال: أين قدمي التي قطعت؟ فأتوا إليه بها فقال: الله يعلم أني لم أمش بك علي حرام أبداً. فقال له أحد الجالسين: أبشر يا عروة شئ من جسدك وولدك سبقك إلي الجنة.
· أعرف عائلة مؤمنة – ما شاء الله لا قوة إلا بالله – مات لهم ابن في سن الثامنة عشر، وكان لهم ابنة اسمها سلمى، كنت جالساً ذات مرة وقد قلت للشباب أخبروني بنعم الله عليكم. فقالت سلمي – ذات الخمسة عشر ربيعا: من نعم الله علىَّ أنه متعني بأخي خمسة عشر عاما!
· عمران بن حصي، من الصحابة الذين جاهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم. أصابه في آخر عمره مرض مقعد ألزمه الفراش حتى أنهم اضطروا إلى اقتلاع جزء من الفراش حتى يستطيع التبول. فكان يدخل عليه الناس فيجدونه مبتسما يقول: شئ أحبه الله أحببته، ما يحبه الله أحبه.
· السيدة صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في غزوة أحد تسقي الجرحى. عندما قُتل سيدنا حمزة ومُثل به وأخرجت هند بنت عتبه أحشاءه، قال النبي للزبير بن العوام ابنها: يا زبير خذ صفية وعد بها إلى المدينة كي لا ترى حمزة.
فذهب لها ابنها وقال لها يا أماه يقول لك النبى عودي إلي المدينة.
فقالت: يا بني أتفعلون ذلك كي لا أري حمزة؟
فقال: نعم يا أمي.
فقالت: يا بني ما حدث لحمزة في جوار نعم الله علينا قليل. ما ابتلانا الله في حمزة إلا ليرانا أنرضى أو لا نرضى. اذهب إلى رسول الله وقل له أن صفية تقول لك يا رسول الله إنما ابتلينا بحمزة لنُختبر في الرضا.
فعاد إلي النبى فقال النبى: أأذن لها أن تراه. فذهبت فبكت وقالت: "... إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ" (البقرة: 156) وصلت عليه.
· أعرف شاباً كان يحب فتاة حباً شديداً وكان يدعو الله ليل نهار أن يتزوجها لكنها تزوجت من شخص آخر. فحزن وبكى ثم قال: ندعو الله فيما نحب، فإذا أراد غير ما نحب، لم نخالفه فيما يحب.
· يقول سيدنا عبد الله بن مسعود: منذ ثلاثين سنة لم يخالف هوايا ما يرضي به الله سبحانه وتعالي.
· يقول الشاعر:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأناس غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
يساعدك علي الرضا عدل ربنا في توزيع الأرزاق. هناك نظرية أننا لو حسبنا ماذا أعطى الله لكل منا مقارنة بالأخر لتساوينا جميعا. لو افترضنا أن الرزق مئة قطعة: للولد عشرين وللزوج عشرين وللمال عشرين وهكذا. هناك من لديه المال فيحصل علي العشرين قطعة كاملة ولكن ليس له ولد فلا يحصل علي درجة الأبناء، وهذا لديه صحة فيأخذ درجة الصحة كاملة لكن ليس لديه مال وهكذا. إذا جمعنا المجوع يتساوي الكل.
أحيانا ينشغل الغني بمشاهدة الأرزاق، وينشغل الفقير بمشاهدة الرزاق.
هناك مفاتيح للأرزاق:
1. تقوي الله.
" ولَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ ..." (الأعراف: 96)
2. كثرة الاستغفار.
" من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب".
3. السعي.
الواجب العملي لحلقة اليوم:
1. الاستمرار في مراجعة القلب في الرضا عن الله عز وجل، والإكثار من دعاء
"رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا".
2. تعريف الناس بالرزاق.
(اسم الله الرزاق - الجزء الثاني)
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم. أود أن أذكر كمقدمة أننا في نعمة هائلة لنتكلم عن الله من أمام بيته، نعمة أن يمكننا الله سبحانه وتعالي من هذا. سمعت هذه الآية في صلاة التراويح منذ يومين:
" إنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إبْرَاهِيمَ ومَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ..."( آل عمران: 96- 97)
هذه الآية تجعلنا نشعر بنعمة وفرحة وهيبة.
· النقطة الثانية في المقدمة هي أن هدف هذا البرنامج هو معرفة الله سبحانه وتعالي، وأنا أعلم أن بعض الناس يتخوفون من اختلاط الأسماء ومعانيها عليهم. أقول لهم حتى وإذا نسيت ولكن تراكم في داخلك المعنى الحقيقي لمعرفة الله تبارك وتعالي فهذا هو الهدف: أن تتراكم المعاني إلي أن تقودك معرفة الله إلي طاعته فتسعد في الدنيا والآخرة، فملخص الدين حسب فهمي: هو معرفة تؤدي إلي طاعة تؤدي إلي سعادة.
· النقطة الثالثة هي أننا عندما نتحدث عن أسماء الله لن نستطيع أن نذكر كل شئ فمن نحن؟ لو جمعنا علماء الأرض وواعظيها ودعاتها وطلبت منهم أن يتكلموا في عدة أشهر عن اسم واحد من أسماء الله الحسني فيتمّوه فلن يملكوا.
"...ولا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إلاَّ بِمَا شَاءَ..." (البقرة: 255)
"قُل لَّوْ كَانَ البَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي..." (الكهف: 109)
ولذلك قد يكون من أجمل ما نتمناه في الجنة أن يُظهر الله علينا تجليات أسمائه الحسنى تخيل كم سنة ستأخذ؟ ما نقوله في هذا البرنامج هو وضع منهجية تفكير – فهو ليس برنامج وعظي كبقية البرامج – ولكنا نتكلم لكي نفتح للناس أبواباً لتتعرف على الله ثم يقولون لله "يا رب إنا حيينا باسمك هذا وأحيينا الناس باسمك هذا".
هذا البرنامج ليس للمسلمين فقط، فهو للمسلمين والمسيحيين، للمؤمنين والملحدين... فنحن نخاطب الأرض متكلمين عن الله سبحانه وتعالي.
اليوم نستكمل الحديث عن اسم الله الرزاق
اليوم يدور كلامنا في محورين:
1. المحور الأول تذكرة بحلقة الأمس مع بعض الأمثلة الجديدة. فلن نستطيع الدخول في موضوع حلقة اليوم دون تلخيص سريع لما قلناه بالأمس.
2. المحور الثاني هو كلام عن شئ مريح للفقراء وللطبقة المتوسطة. هو الكلام عن جزء من الواجب العملي لاسم الله الرزاق لم نتكلم عنه بالأمس... سأترككم تفكرون فيها للتشويق!
ما هو هدف حلقة الأمس؟ كان ببساطة: الرزق مضمون، فإياك أن تذل نفسك لإنسان، وإياك وأكل المال الحرام لأن الرزق مكتوب.
"... وقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ..." (فصلت: 10)
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " إن روح القدس نفث في روعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها". إياك وأن تظن أنك ستموت دون شربة ماء أو دون أكل تمرة كانت مقدرة لك.
"وفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ ومَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ والأَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ( الذاريات: 22-23)أتصدقون الله بعد هذا القسم؟
أتعلمون كم طناً من الماء تحمله كل سحابة تمر فوق رؤوسنا؟ يقول العلماء الألآف من الأطنان! فالله مُعلق لنا أرزاقنا فوق رؤوسنا! تخيل لو نزل السحاب لينطبق على الأرض كم من حادثة وصاعقة ستحدثان؟ الرزاق يُنزل لنا الماء علي هيئة مطر رقيق خفيف.
إياك وأكل المال الحرام. إياك والذل للناس "اطلبوا الحاجات بعزة أنفس فإن الأمور تجري بالمقادير"
وقد عاش الصحابة هذه المعاني فسيدنا بلال – بعد وفاة النبي – كان ماشياً في الطريق، وكان هناك سباقاً للخيل الهى الناس عن العمل. مر بجانبه شاب لا يعرفه.
قال الشاب: من سبق؟
فقال بلال: سبق من عرف الكريم الرزاق؟
فقال الشاب: إنما أسألك عن الخيل!
فقال له: وأنا أدلك علي الخير!
نحن هنا يا سيدنا بلال لكي نعرف الكريم الرزاق بإذن الله.
· كان هناك رجل عجوز يعيش وحيداً وكان دائماً ما يقول : اللهم ارزقنا كما ترزق البُغاث. البُغاث هو فرخ الغراب أول ما يولد يكون في صورة شحمة بيضاء ليس له ريش أسود كالغراب الناضج فينكره أبوه وأمه ولا يطعمانه. هو لا يستطيع الطيران لجلب الرزق، لكن يوجد الرزاق. فرائحة البُغاث تجذب نوعاً من الديدان إلي مكانه فيأكلها حتى ينمو ريشه أسوداً فتعرفه أمه فتبدأ في إطعامه فتختفي الديدان!!! اللهم ارزقنا كما ترزق البُغاث.
لكن احذروا هذه ليست دعوة لترك السعي، فأنا لا افهم من أين أتى المسلمون بأن الإسلام يحث علي عدم الحركة، هذا ليس من الإسلام علي الإطلاق. الإسلام كله حركة وسعي وبحث.
هناك قصة لم أصدقها إلي أن رأيتها. هناك تيارات تجري تحت مياه المحيطات بداية من الدول الاسكندنافية – كفنلندا والسويد – إلي سواحل شيلي في أمريكا الجنوبية. تصل سرعة هذه التيارات إلي 80 كيلو في الساعة فهي سريعة جداً لدرجة أنه حينما تمر بها المراكب تطفئ محركاتها لتحركها هذه التيارات. هذه التيارات تحرك معها أعداد هائلة من الأعشاب البحرية مما يدفع أسماك السردين إلى السعي وراء هذه الأعشاب لتأكلها كل هذه المسافة. يكون في انتظارها في سواحل أمريكا الجنوبية أسماك الدولفين والقرش لأنها هى الوجبة الأساسية لها، بالإضافة إلي مئات الألآف من الطيور. بعد أن تأكل الطيور هذه الأسماك، تتخلص من مخلفاتها والتي تعتبر من أجود أنواع السماد في العالم الذي يستخدمه أهل هذه المنطقة فيبيعونه ويستخدمونه في الزراعة لضمان البقاء!!! أريد منكم أن تقولوا لأنفسكم "عيب أن نشك في الرزاق، عيب ألا تسعى".. تعالوا ننظر للكون نظرة جديدة: الكون مسجد كبير يسجد كل من فيه لله عز وجل:
" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ..." (الحج: 18)
أتذكرون الحديث القدسي الذي ذكرناه بالأمس: يابن آدم خلقتُ السماوات والأرض ولم أعي بخلقهن، أفيعييني رغيف أسوقه إلي عبدي؟ ابن آدم لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق فإن خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك.
تعالوا الآن نتكلم في المحور الثاني:
أهدي الكلام القادم للضعفاء والمبتلين، لأصحاب الطبقة المتوسطة التي ضاقت عليهم الدنيا ولم يعيشوا كما تمنوا، للذين قرروا بعد سماع اسم الله الرزاق أن يسعوا، وألا يأكلوا المال الحرام، وألا يذلوا أنفسهم لبشر، ولكنهم يعيشون في ضيق شديد ومستقبل قاتم.
أقول لهم: عندما تفعل الثلاث أشياء التي اتفقنا عليها، أيضيعك الرزاق؟؟ الرزاق الذي أطعم هذه الطيور والأسماك أيضيعك؟؟
تنقسم العبادة إلي نوعين: عبادة بالجوارح كالصلاة والصوم والعمرة، وعبادة القلب كالتوبة والعفو عن الناس. أتلاحظ أن هذه الأشياء الثلاثة التي تكلمنا عنها من عبادات الجوارح؟ أما الشئ الرابع فهو من عبادات القلوب. الجزء الرابع من ماذا يريد مني الرزاق هو كيف يرضي عني الرزاق؟
الرضا
هل أنت راضٍ عن الرزاق؟ اعلموا أن عبادات الجوارح يتوقف ثوابها بمجرد انتهائها، أما عبادات القلب فثوابها ممتد حتى في منامنا. لماذا؟ لأن قلبك لو امتلأ بهذا المعني فهو مستمر معك طوال حياتك. هل أنت راضٍ عن هذه الأرزاق: هل أنت راضٍ عن زوجتك؟ عن مكان سكنك؟ عن أثاث بيتك؟ شكلك؟ هل أنت راضٍ عن وضعك المالي؟ عن وظيفتك؟ هل أنتِ راضية عن تأخر زواج ابنتك؟ عن البطالة؟ هل أنت راضٍ عن الغربة عن بلدك؟ هل أنت راضٍ عن حياتك؟ هل أنت راضٍ عن ربك؟
ما هو الرضا؟
تعريف الرضا: "الطموح والسعي للأفضل مع رضا القلب عن الحال".
بعض الناس يفهمون الرضا علي أنه توقف للسعي للرضا بالحال وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق. فللرضا لابد من السعي مع الرضاء بالحال. ببساطة شديدة: نبينا كان يسعي لتحسين الوضع في المدينة مع رضاءه بالحال في مكة.
هل أنت راضٍ عن ملبسك أيها الشاب أم أنك في ضيق لأنك تريد أن تقلد الشباب في ملبسهم الغالي ولا تستطيع؟ هل أنت راضٍ عن سيارتك المنهكة؟ عن مسكنك السيئ؟ هل أنت راضٍ أم لا؟ هل تشعر بمرارة في القلب؟
يقول الله تبارك وتعالي في حديث قدسي: ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وضمنت لك رزقك فلا تحزن، إن قل فلا تحزن، وإن كثر فلا تفرح، إن أنت رضيت بما قسمته لك أرحت بدنك وعقلك وكنت عندي محمودا، وان لم ترض بما قسمته لك أتعبت بدنك وعقلك وكنت عندي مذموما. لأسلطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في الفلاة ثم لا يصيبك منها إلا ما كتبتُ لك.
ليس معنى هذا ألا نسعى، ولكن الاستمرار في عدم الرضا لا يـأتي بشئ سوي المزيد من التعب. هناك كلمة جميلة جدا: أرح نفسك من الهم بعد التدبير، فما قام به الله عنك لا تقم به أنت لنفسك! ألم تري كيف يرزق الرزاق المخلوقات الضعيفة؟ أفلا يرزقك أنت وأنت الخليفة في الأرض؟ أفلا يرزقك وهو جعل الملائكة تسجد لأبوك؟ أفلا يرزقك وقد كرمك كل هذا التكريم؟ اسع كما اتفقنا كسعي السيدة هاجر واترك الباقي لله، لا ترض بالجلوس في المقاهي لقتل الوقت، اجعل الجلوس فيها للتخطيط للمستقبل. أود أن أخاطب أصحاب المقاهي وأقول لهم شئ عظيم أن تجعلوا مقاهيكم للتخطيط والتدبير بدلاً من إضاعه وقت الشباب دون فائدة، حتى يرضي عنكم الرزاق. أرح نفسك من الهم بعد التدبير، فما قام به الله عنك لا تقم به أنت لنفسك! يقول الله تبارك وتعالي في حديث قدسي آخر: يابن آدم عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يضغيك ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض بغير الحق. لا بقليل تشبع ولا بكثير تقنع إن أنت أصبحت معافا في بدنك، آمناً في سربك، وعندك قوت يومك فقل علي الدنيا العفاء.
إذا كنت تتمتع بالصحة وببيت خاص لك فأنت في نعمة محروم منها غيرك. هناك أناس لا يعلمون أين سيعيشون بعد شهرين، هناك أناس لا يعلمون في أي بلد يدخل أولادهم المدارس من كثرة تنقلهم في البلاد وعدم استقرارهم. إذا كان لك بيت تدخله كل ليلة وتنام فيه فأنت في نعمة كبيرة جداً. إذا كان عندك قوت يومك – يومك فقط – فأنت في نعمة. هناك شباب يتأزم حين لا يجد صنف الجبن الذي يحبه مع وجود الكثير والكثير من أصناف الأكل الأخر!
يقول النبي صلي الله عليه وسلم "لو كان لابن آدم وادياً من ذهب لتمنى أن يكون له واديان ولن يملأ فم ابن آدم إلا التراب". يقول ابن القيم "الرضا باب الله الأعظم ومستراح العاملين، وجنة الدنيا". لا تكف عن السعي والرضا فهما متلازمان.
وقد قال الله" وعندك قوت يومك" ولم يقل قوت إسبوعك فنحن لا نعلم متي نموت؟ أيضمن أحدنا أن يعيش للغد؟ نحن نعمل باليومية يا إخواننا!
يقول الله تعالي: " اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا والَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَتِي قَضَى عَلَيْهَا المَوْتَ ويُرْسِلُ الأُخْرَى إلَى أَجَلٍ مُّسْمًّى..." (الزمر: 42)
ينام الناس فتُرفع الأرواح إلي السماء، ثم يمسك الله الأرواح التي تمت ويرسل الأخرى فنستيقظ. كيف ننام علي معصية ونحن نعمل باليومية؟!!!
إن أنت أصبحت معافاً في بدنك، آمناً في سربك، وعندك قوت يومك فقل على الدنيا العفاء.
حتى وإن لم يكن عندك قوت يومك فإرض بما كتبه الله لك.
يعلمنا النبي صلي الله عليه وسلم هذا المعنى فيقول: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا".
يقول النبي صلي الله عليه وسلم" من قال حين يصبح – أو يمسي – رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا وجب على الله أن يرضيه في هذا اليوم".
يقول النبي – صلي الله عليه وسلم - في حديث آخر: "من قال حين يسمع الآذان رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا غُفر له".
يحثنا الرسول على التدريب على الرضا. انظروا إلى أدعية النبي: "اللهم رضني بقضائك حتى لا أحب تأخير ما عجلّتَ ولا تعجيل ما أخرتَ".
هل أنت راضٍ عن الرزاق؟ انظر إلى دعاء النبي: اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء. لما قال النبي "بعد القضاء"؟ لأن الرضا قبل القضاء سهل فالكل راضٍ قبل القضاء.
يقول العلماء: علامات الرضا ثلاث:
1. ترك الاختيار قبل القضاء بالاستخارة.
2. فقد المرارة عند القضاء.
3. دوام حب الله في القلب بعد القضاء.
بعض الناس تقلل عبادتها بعد وقوع المصيبة فيتوقف عن الصلاة مثلاً.
يقول الله تبارك وتعالي: " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ.." (الحج: 11)
تعالوا نعيش مع أمثلة للراضين:
· كان النبي في شدة السعادة عند ولادة ابنه إبراهيم فكان يحمله ويمر علي بيوت الصحابة ويقول لكل منهم :"انظر إلى ابني إبراهيم". توفي إبراهيم في سن يتعلق فيه الآباء تعلق شديد بأبنائهم وهو سن الفطام فيبكى النبي صلى الله عليه وسلم - فالبكاء رحمة في القلب وهى لا تتعارض مع الرضا بقضاء الله – ويقول: "إن العين تدمع وإن القلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونين". ثم يدخل النبي بيته ويقول لله: "لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس إليك". هل أنت راضٍ عن الرزاق؟ هل أنت راضٍ عن الرزاق؟
يُحكى أن الفضيل بن عياض – وهو كان من العباد قليلي الابتسام – مات له ابن فابتسم. فقالوا له: لما تبتسم؟ فقال "شئ أحبه الله فأحببته". ثم قال "أجبرت نفسي على الابتسام لكي أرضى عن الله سبحانه وتعالي".
ناقش العلماء أن النبي بكى والفضيل ابتسم، ومعاذ الله أن يكون الفضيل أعلى مقاماً من النبي. ولكن التفسير هو أنه لحظة الموت يشعر القلب بشعورين: الرحمة والرضا. لا يستطيع كل الناس التوفيق بين الشعورين. الفضيل لم يستطع التوفيق فوجد نفسه إما يبتسم رضاءً وإما يبكي بكاءً شديدا، أما النبي صلي الله عليه وسلم يسهل عليه التوفيق بين الشعور بالرضا والبكاء – أي الشعور بالرحمة.
· يقول سيدنا عمر بن الخطاب: "ما أصابتني مصيبة في حياتي إلا رضيت عن الله فيها وحمدته فيها لأربعة أشياء: أنها لم تكن أكبر منها، وأنها لم تكن في ديني، وأن الله سيرزقني عليها ثوابا عظيماً، وأني تذكرت أعظم مصيبة في حياتي وهي فقد النبي صلي الله عليه وسلم.
· يقول سيدنا عمر: "والله لا أبالي على أي حال من أحوال الدنيا أصبحت أو أمسيت، من غِنى أو فقر، فرح أو حزن مادمت قد أصبحت وأمسيت مسلماً لله عز وجل".
أعيد عليكم السؤال: هل أنت راضٍ عن أفعال الله في حياتك؟ هل أنت راضٍ عن زوجتك؟ عن مكان سكنك؟ عن أثاث بيتك؟ شكلك؟ هل أنت راضٍ عن وضعك المالي؟ عن وظيفتك؟ هل أنتِ راضية عن تأخر زواج ابنتك؟ عن البطالة؟ هل أنت راضٍ عن الغربة عن بلدك؟ هل أنت راضٍ عن حياتك؟ هل أنت راضٍ عن ربك؟
· عروة بن الزبير، هو ابن أخت السيدة عائشة رضي الله عنهم ذهب ذات يوم هو وابنه لأمير المؤمنين في دمشق فذهب الصبي ليلعب مع الخيل فدهسته فمات. وعندما أرادوا إخباره بما حدث ذهبوا ليلقوه وقد أصابته الآم شديدة في ساقه وأخبره الأطباء عن وجود ورم فيها ولابد من بترها. فما علم الناس فيما يعزونه: فقد ابنه أم بتر ساقه.
قال عروة بن الزبير: اللهم لك الحمد كان لي سبعة أبناء أخذت واحداً وأبقيت ستة، وكان لي أربعة أعضاء أخذت واحداً وأبقيت ثلاثة، فإن كنت قد أخذت فقد أبقيت، وإن كنت قد منعت فقد أعطيت، فلك الحمد على ما أخذت ولك الحمد علي ما أبقيت ولك الحمد علي ما منعت ولك الحمد علي ما أعطيت.
ثم قال: أين قدمي التي قطعت؟ فأتوا إليه بها فقال: الله يعلم أني لم أمش بك علي حرام أبداً. فقال له أحد الجالسين: أبشر يا عروة شئ من جسدك وولدك سبقك إلي الجنة.
· أعرف عائلة مؤمنة – ما شاء الله لا قوة إلا بالله – مات لهم ابن في سن الثامنة عشر، وكان لهم ابنة اسمها سلمى، كنت جالساً ذات مرة وقد قلت للشباب أخبروني بنعم الله عليكم. فقالت سلمي – ذات الخمسة عشر ربيعا: من نعم الله علىَّ أنه متعني بأخي خمسة عشر عاما!
· عمران بن حصي، من الصحابة الذين جاهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم. أصابه في آخر عمره مرض مقعد ألزمه الفراش حتى أنهم اضطروا إلى اقتلاع جزء من الفراش حتى يستطيع التبول. فكان يدخل عليه الناس فيجدونه مبتسما يقول: شئ أحبه الله أحببته، ما يحبه الله أحبه.
· السيدة صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في غزوة أحد تسقي الجرحى. عندما قُتل سيدنا حمزة ومُثل به وأخرجت هند بنت عتبه أحشاءه، قال النبي للزبير بن العوام ابنها: يا زبير خذ صفية وعد بها إلى المدينة كي لا ترى حمزة.
فذهب لها ابنها وقال لها يا أماه يقول لك النبى عودي إلي المدينة.
فقالت: يا بني أتفعلون ذلك كي لا أري حمزة؟
فقال: نعم يا أمي.
فقالت: يا بني ما حدث لحمزة في جوار نعم الله علينا قليل. ما ابتلانا الله في حمزة إلا ليرانا أنرضى أو لا نرضى. اذهب إلى رسول الله وقل له أن صفية تقول لك يا رسول الله إنما ابتلينا بحمزة لنُختبر في الرضا.
فعاد إلي النبى فقال النبى: أأذن لها أن تراه. فذهبت فبكت وقالت: "... إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ" (البقرة: 156) وصلت عليه.
· أعرف شاباً كان يحب فتاة حباً شديداً وكان يدعو الله ليل نهار أن يتزوجها لكنها تزوجت من شخص آخر. فحزن وبكى ثم قال: ندعو الله فيما نحب، فإذا أراد غير ما نحب، لم نخالفه فيما يحب.
· يقول سيدنا عبد الله بن مسعود: منذ ثلاثين سنة لم يخالف هوايا ما يرضي به الله سبحانه وتعالي.
· يقول الشاعر:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأناس غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
يساعدك علي الرضا عدل ربنا في توزيع الأرزاق. هناك نظرية أننا لو حسبنا ماذا أعطى الله لكل منا مقارنة بالأخر لتساوينا جميعا. لو افترضنا أن الرزق مئة قطعة: للولد عشرين وللزوج عشرين وللمال عشرين وهكذا. هناك من لديه المال فيحصل علي العشرين قطعة كاملة ولكن ليس له ولد فلا يحصل علي درجة الأبناء، وهذا لديه صحة فيأخذ درجة الصحة كاملة لكن ليس لديه مال وهكذا. إذا جمعنا المجوع يتساوي الكل.
أحيانا ينشغل الغني بمشاهدة الأرزاق، وينشغل الفقير بمشاهدة الرزاق.
هناك مفاتيح للأرزاق:
1. تقوي الله.
" ولَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ ..." (الأعراف: 96)
2. كثرة الاستغفار.
" من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا ومن كل هم فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب".
3. السعي.
الواجب العملي لحلقة اليوم:
1. الاستمرار في مراجعة القلب في الرضا عن الله عز وجل، والإكثار من دعاء
"رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا".
2. تعريف الناس بالرزاق.

زملكاويه
•
الحلقه السابعه
(اسم الله الرقيب)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلاً بكم ونُكمل إن شاء الله برنامجنا ونعيش كل يوم مع أسماء الله الحسنى، وكلنا أمل أن لا ينتهي رمضان إلاّ ونكون قد أحسسنا بمعرفة الله عزّ وجل، وهذا هو هدف البرنامج، معرفة الله عزّ وجل، معرفة تؤدي إلى طاعة، معرفة تؤدي إلى سعادة في الدنيا والآخرة، وذلك عن طريق أن نعيش كل يوم مع اسم من أسمائه، نحسه، وعند انتهاء الحلقة، لا تنته علاقتنا بالاسم، بل نكمل باقي يومنا واليوم التالي ونحن نعيش بهذا الاسم، ونعيش مع الأسماء التي ذكرناها من قبل، وتستمر هذه العملية تتراكم على قلوبنا وعقولنا إلى أن نخرج إن شاء الله ونحن شعارنا: باسمك نحيا بقية حياتنا وليس في رمضان فقط.
قبل الدخول في اسم اليوم، أحب أن أطرح سؤالاً: كيف نحن في رمضان؟ أياماً معدودات! وها قد مضى أسبوع، هل نرى كيف الأيام تجري؟ لابد من الاجتهاد، وهل أعتقنا؟ توسل إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وادعوا الله أن يعتقك فهو لو أعتقك لن يأسرك. الأيام قليلة فابذلوا أقصى طاقاتكم.
حلقة اليوم عن اسم الله الرقيب، وقد ورد في القرآن ثلاث مرات، ولكن معانيه سنجدها في كل صفحة من صفحات القرآن، فاسم الله الرقيب جاء مرة في سورة النساء: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1)
والمرة الثانية على لسان سيدنا عيسى:((... فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) (المائدة: من الآية117)
ولكن قبل الدخول في معنى الرقيب أريد أن أبدأ بالهدف من هذه الحلقة، ما هو الهدف؟ ما هو الهدف أن تعيش مع اسم الله الرقيب؟ الهدف: أنا معك يارقيب! لما لا نعقد هذه النية؟ أنا معك يا رقيب في رمضان في كل خطوة حتى نهاية رمضان.. أنا مع الرقيب وهو ينظر إليّ، وأن أضع هذه الآية أمام عيني: ((...وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)) (الحديد: الآية4)
الهدف من الحلقة أن نُصلح ما بداخلنا، فالرقيب ينظر إلينا. كن سواءً ما اختفى وما علن. فنحن لو نوينا هذه النية نخرج من رمضان بشكل آخر، فهذه الحلقة محورية في حلقات أسماء الله الحسنى، وتم تأخيرها حتى نستعد لها ونستوعبها وهي تحتاج إلى تركيز: الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد عليّ في كل خطوة من خطوات حياتي، في طعامي وشرابي، وضحكي، حتى وأنا مستلقي على سريري. نحن نعرف هذا المعنى، ولكن نريد أن نعيش به فلا يكفي أن تعرف المعنى ولكن لا بد أن نعيش المعنى في كل ذرة، وكل نفس، وكل حركة في حياتك فتكون النتيجة أن يصبح الظاهر كالباطن لأن الرقيب معك.
كل الناس تتجمل، وهناك نظرية اسمها جبل الجليد، الظاهر منه فوق الأرض 20% وتحت الأرض 80%، والناس كلها تحرص أن تركز على نسبة الـ 20% التي هي الظاهر، ولكن نحن نريد أن نعمل على تجميل الداخل ولن يتحقق ذلك إلاّ مع اسم الله الرقيب. هل أنا سواء ما اختفى وما علن؟ ((أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)) (العلق:14)
فلو عشنا مع اسم الرقيب سيصلح داخلنا ويكون مثل ظاهرنا، فأنا إن أخطأت أعلم بأن الله يراني، وإن فعلت حسنة سأفرح لأنه أيضاً يراني.
فالرقيب ليس فقط في السيئات، وإنما أيضاً في الحسنات، وليس كله يعني الخوف، فالأهل الذين يربون أولادهم فقط على الخوف من الله إن هو أخطأ، لا بد أن نعلمهم أيضاً بأن الله ينظر إليه عندما يقوم بفعل حَسن. فلو عشنا مع هذا الإسم لا بد أن نعيش في سعادة أبدية، وهو أكثر أسماء الله الذي يجعلك تعيش مع الله في كل لحظة من لحظات حياتك ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ....))(الحديد:الآية4)
حلقة اليوم مكونة من أربع محاور، ونحن كنا قبل ذلك في كل حلقة نقول معنى الاسم، ولكن هذه المرة نريد أن نعيش مع المعنى.
· المحور الأول: كيف تعيش مع الرقيب؟
· المحور الثاني: ما هي وسائل هذه الرقابة؟
· المحور الثالث : رقابة لطيفة جميلة
· المحور الرابع: كيف نحيا وتحيا بلادنا لو عاشت الأمة هذا المعنى؟
كيف تعيش مع الرقيب؟
ما هو معنى أن الله رقيب عليك؟ لن أبدأ بكلام نظري ولكن سأبدأ بثلاث قصص حدثت مع سيدنا عمر بن الخطاب، القصة الأولى: سيدنا عمر بن الخطاب يمشي في الطريق فيجد راعي غنم، فأحب سيدنا عمر أن يختبره، ويريد من خلال هذا الراعي أن يختبر أحوال أمته. فيقول له: يا غلام أريد أن أبتاع منك هذه الشاه، فيقول الغلام: إنها ليست لي، إنها ملك سيدي، فقال له سيدنا عمر رضي الله عنه: إذن بِعني إياها فإذا سألك سيدك فقل له أكلها الذئب. فنظر إليه الغلام راعي الغنم محدود الثقافة، البسيط، وقال له: الله أكبر فأين الله؟!! فبكى عمر وقال إي والله فأين الله؟!!
أهدي هذه القصة لكل واحد في مجتمعنا غش في بضاعة، أو خان، فأين الله؟ الله رقيب عليك.
فراعي الغنم لخص جوهر الدين، وهناك أناس تتجمل في العبادات، الظاهر عبادة وقرآن وحفظ ودعاء، ولكن الباطن فاسد.
القصة الثانية مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما كان يتجول ليلاً كعادته للاطمئنان على رعيته، فسمع صوت بائعة اللبن وهي تقول لابنتها: يا بُنيتي ضعي الماء على اللبن، فقالت الفتاة: يا أماه ألم تعلمي أن أمير المؤمنين قد نهى عن خلط اللبن بالماء؟ قالت: يا بنيتي عمر بن الخطاب لا يرانا الآن فقالت الفتاة: يا أماه إن كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا.. فوضع علامة على البيت وذهب لأولاده، وقال لهم: في هذا البيت فتاة أيكم يجب أن يتزوج هذه الفتاة، والله لا تخرج هذه الفتاة من بيت ابن الخطاب، وإن لم ترضوا أن تتزوجوها أنتم فسأتزوجها أنا.. ثم تزوجها عاصم بن عمر بن الخطاب، تزوج بائعة لبن. وتشاء الأقدار أن يأتي من نسلها عمر بن عبد العزيز ويكون بركة مقولتها: إن كان عمر لا يرانا فإن الله يرانا ويكون الخليفة الخامس وصاحب الأفضال العظيمة وينتشر العدل بامرأة راقبت الله في تصرف لها.
القصة الثالثة وكانت تُحكى في قصص التاريخ الإسلامي لشاب كان أيام التتار وكان يريد أن يستقيم ولا يستطيع.. فيذهب إلى عالم ويقول له: أنا سمعت حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إليه رجل وقال دلني على قول في الإسلام لا أسأل عنه أحد بعدك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " قل آمنت بالله ثم استقم " فالشاب سأل العالم: كيف أفعلها؟ فالعالم لم يقل له كلام نظري، بل أعطاه وصفة عملية. قال له: إذا أويت إلى فراشك قبل أن تنام فردد في نفسك مراراً حتى يأخذك النوم: الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد علي، ورددها حتى تنام، فإذا استيقظت من نومك لتبدأ يومك فرددها حتى تخرج من بيتك. هذا العالم كان يريد من هذا الشاب أن يستقر هذا المعنى في ذهنه ليلاً ونهاراً، ثم قال له العالم: رددها في يومك ما استطعت، وائتني بعد سنة لتقول لي ماذا فعلت. الشاب لم يعد لهذا العالم بعد سنة، ولكنه بعد لقائه بهذا العالم تغيرت أحواله. يقول: فكنت إذا هممت بمعصية أُردد الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد علي، وكنت إذا فعلت خيراً أقول الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد عليّ، فكنت أتغير يوماً بعد يوم، ومضت سنة ولم يرجع إلى العالم، ودخل الجيش وبدأ يتدرج في الجيش، ورأى رؤية أنه تاه في الصحراء وجلس على صخرة يبكي فإذا بكوكبة من الفرسان يتقدمهم رجل أبيض جميل، فلما رآه يبكي نزل عن فرسه وأخذه واسنتهضه وضغط على صدره وقال: قم يا محمود طريقك إلى مصر من هاهنا ستملكها وستهزم التتار. فكان الشاب هو قطز الذي استيقظ بعد هذه الرؤية وذهب إلى العالم الجليل عز بن عبد السلام الذي قال له: ستكون رؤية خير، وتحققت الرؤية بـ واإسلاماه، وكانت بداية هذا الشاب بـ :الله راقبي الله ناظري الله شهيد علي.
فهل عرفتم عن ماذا نتحدث اليوم؟ الرقيب المطلع على أنفاس عباده ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)) (غافر:19)
الرقيب الذي يعلم حركاتك وسكناتك: ((وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) (الملك:13)
((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) (الملك:14)
الرقيب الذي يقول:((وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)) (طـه:7)
((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) (المجادلة:7)
نحن مكشوفين أمام الله، فأنت تستطيع أن تخبئ ألف سر عن زوجتك، أو ألف فكرة عن مديرك، ولكن الله مطلع عليك، والسر والجهر عنده سواء، سواء نطقت به أم لم تنطق، فأنت ممكن أن تبتسم في وجه فلان وأنت تكرهه، ولكن الله مطلع عليك. انظر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ".
ودعاء السفر لم نفكر فيه، لا أحد إلاّ الله صاحبك في سفرك وخليفتك في أهلك. ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ...)) (الأنعام:59)
فسبحانه الذي كتب مقادير أدق الأشياء، أو حبة رمل تحركت في صحراء. إذا كانت الورقة روقبت من الله، أفلا تكون أنت مراقب في كل لحظة؟ وهناك من يفعل المعاصي.. ألا يعلم بأن الله رقيب عليه؟ الطبيب الذي يدفع بمريض إلى عملية لا يحتاجها، وصاحب المصنع الذي يبيع مواد مضرة بالأطفال، والفتاة التي تكلم شاب دون علم والديها، والشاب الذي له علاقة مع فتاة، والآية تقول: ((...وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا)) (البقرة: من الآية189)، فحلقة اليوم تقول لك بأن الله معك في كل لحظة. فهل نستطيع أن نعيش هذا الشهر بهذا المعنى؟
فنحن لو تربينا على هذا المعنى لا بد أن تتغير أحوالنا ومجتمعاتنا. ويكون اسم الرقيب أفضل وأقوى للمجتمع من ألف شرطي يراقب الناس، من ألف كاميرا تراقب الناس في المصانع والطرق وغيره. فـ يا أباء وأمهات لو أننا حرصنا على أن نربي أولادنا في مدارسنا وفي بيوتنا على اسم الله الرقيب، وكذلك لو أن حكامنا، والمسؤولين في بلادنا، والمدرسين.. هل نتفق على أن نربي أنفسنا على اسم الله الرقيب؟ يا دكاترة، يا مهندسين، يا طلاب، يا حرفيين، ماذا سيحدث في مجتمعاتنا إن نحن عشنا مع الرقيب؟ يا إعلام، يا شباب فلننوي أن نحيا بهذا الاسم: سأعيش بهذا الاسم.. لن أغش لن أخدع.
هل بدأ المعنى يدخل في قلوبنا؟ الهدف أن يكون داخلك مثل ظاهرك. سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما أراد أن يولي عمر بن الخطاب، فقال له الناس أتوليه علينا وهو شديد؟ فقال: ذلك رجل أعلم أن سره أفضل من علانيته.
هناك قصة لرجل وقصته كتبت في عدة كتب، كان قد ظُلم في مال وكان مالاً كثيراً، والرجل لم يتحمل هذه الصدمة فمرض ويبدو إنه كان مرض الموت، فنادى على ابنه الكبير وقال له إن أنا مت مُر بجنازتي من أمام دكان الرجل الذي ظلمني وأكل مالي، وأعطه هذه الرسالة، واقرأها أمامه وأنت تسير بجنازتي، ومات الرجل ونفذ ابنه الوصية بأن مَرَّ من أمام دكان هذا الرجل وقال له: أرسل لك الميت هذه الرسالة، كتبها قبل أن يموت، ففتح الرسالة وقرأ " إني قد ذهبت إلى الله وهو يعلم ما فعلته أنت بي فهو يراني ويراك، وأنت ستأتي عن قريب. موعدنا يوم القيامة لأسترد حقي ".
فيا من ظلمتم الناس، الرقيب موجود. الرقيب ليس فقط عند الخطأ، ولكنه رقيب عليك في الأشياء الجميلة أيضاً. أنت ممكن أن يمر في ذهنك خاطر من غير أن تبوح به والرقيب سبحانه وتعالى معك. ليس فيما تخاف ولكن في كل شيء جميل، فأنت ستخطئ ولكن إن أخطأت عُد إلى الله واستغفره. إذا أردت أن تعرف صلتك الحقيقية مع الله، فلن تكون في صلاتك ولا في عمرتك، إنما تكون في علاقتك ومعاملاتك مع زوجتك، عائلتك، أقربائك.. فلنعيش في كل لحظة وكل خطوة في هذه الأيام الباقية من هذا الشهر مع اسم الله الرقيب. سأعطيك مثل آخر هل تذكر قصة سيدنا يونس ((..فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) (الانبياء: من الآية87) ضع نفسك مكان سيدنا يونس ليس في ظُلمة قاع المحيط ولكن في غرفة مغلقة سجنك بها أحدهم ولا تستطيع الخروج منها، كيف سيكون شعورك؟
الأثر الجميل عندما سمعت الملائكة صوت سيدنا يونس: فقالت يارب صوت معروف من مكان منكر، فقال لهم الله أولا تعرفونه؟ ذلك عبدي يونس. هل هزتك قصة سيدنا يونس؟ هل تستطيع أن تتكلم مع الله (حديث النفس) وتقول له يا الله يا رقيب.. هل أنت راضٍ عني؟ أتمنى أن يكون قد وصل هذا المعنى إلى قلبك.
وسائل هذه الرقابة
الرقابة الأولى: الله ((..إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء: الآية1)
الرقابة الثانية: الملائكة:((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) (قّ:18)
ملك يمين وملك شمال، يراقبونك خطوة بخطوة، هل سبق لك أن عملت حسنة، فقلت لملك اليمين اكتب فهذه حسنة؟ أو عملت سيئة فقلت لملك اليسار سأتوب وأستغفر؟ هل أحسست بالعلاقة مع الملكين؟
هناك من ذهب إلى عالم يطلب منه أن يرخص له في المعصية، فالعالم أراد أن يفكره بمعنى الرقابة، فقال له: نعم تعصي ولكن بأربع شروط: فقال وما هي؟ فقال: أما الأولى فلا تعصاه على أرضه، فقال الشاب: فأين أذهب والكون كله أرضه؟ فقال: أما تستحي أن تكون على أرضه وتعصاه؟! فقال له الثانية: قال: إن أصررت أن تعصاه فاعصاه في مكان لا يراك فيه، فقال: أين أذهب وهو يراني في كل مكان؟ قال: ألا تستحي أن يكون ينظر إليك وأنت تعصي؟ قال والثالثة فقال: إذا أبيت إلاّ أن تعصاه فلا تأكل من رزقه، فقال: ومن أين آكل؟ قال: أما تستحي؟ ثم قال له والرابعة، قال إن أبيت إلاّ أن تعصاه فقل لملك اليمين والشمال: اتركوني الآن حتى أعصي ثم ائتوني بعد ذلك. قال الشاب: أتسخر مني؟ فردّ عليه العالم: أنت سخرت من نفسك؟
الرقابة الثالثة: ضميرك.. الله خلقك وخلق داخلك جهاز إنذار شديد الحساسية، وأنت عندما تفعل معصية يحمرّ وجهك خجلاً، وينقبض قلبك، وعندما تقوم بعمل حسن تتهلل أسارير وجهك.
فالله يراقبك، والملائكة تراقبك وداخلك جهاز إنذار يتحرك فوراً يراقب حركاتك. انظر إلى الآية التي تتحدث عن قوم صالح عندما قتلوا الناقة ((...فَتَعَاطَى فَعَقَرَ)) (القمر:الآية29) شرب الخمر حتى يُغيب ضميره، وهناك من يؤكد أن من يريد أن يقدم على جريمة يغيب ضميره حتى يجترئ على فعلته، فيشرب أو يتعاطى أنواع من المخدرات، والعجيب أن الله جعل فيك رقيبك ضميرك وازع داخلي الذي هو أقوى من ألف قانون.
وهناك من أمات ضميره. لكن إن أنت عشت في الدنيا وأنت تصر أن لا تعيش مع الرقيب، فلا بد أن تعلم أن هناك يوم قيامة : ((...وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ )) (الأنعام: من الآية31) ((وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً ... )) (الكهف: من الآية49)
هل تتخيل حتى الغمز بالعين والسخرية من الآخرين تكون في كفة السيئات؟ كل هذا يأتي مجسماً يوم القيامة، مجسماً أي بالصوت والصورة: ((..إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) (الجاثـية: الآية29) فاليوم من يكسر إشارة المرور يؤتى به لأن هناك كاميرا قامت بتسجيل ما فعل، فكيف بك يوم القيامة تجد كل أعمالك بالتفصيل مجسدة باليوم والوقت: ((اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)) (الاسراء:14) ليس هذا فحسب: ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) (يّـس:65) ((وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ )) (فصلت: الآية21) فيدك ستشهد عليك ولن تستطيع أن تنطق.
لا أريدك أن تنظر على الرقيب بنية الخوف فقط، ولكن انظر للرقيب على الأشياء الجميلة أيضاً، الرقيب على نية بنت شابة حدثتها نفسها: إن شاء الله إن تزوجت وأنجبت، أريد ابني أن يكون مثل صلاح الدين ليُعز الأمة، ويحدث أنها لم تنجب في الدنيا، فتأتي نيتها يوم القيامة مجسدة أمامها.
فهل نرى الرقيب في الدنيا؟ وبعد هذه الرقابة في الدنيا، كيف ستكون نتيجتها يوم القيامة والصحف تتطاير أمامك وتأخذ كتابك بيمينك؟ كيف هي فرحتك وأنت تقول: ((... هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ)) (الحاقة: الآية19) كتابك الذي كتبت فيه الملائكة كل أعمالك وكلمة هاؤم تعني أنك تنادي وبصوت عال على أهلك والناس أن يقرأوا كتابك وما جاء فيه من أفعالك الحسنة..
لا بد أن نعيش مع الرقيب وفي هذا الشهر، لأنه إن أنت بدأت فالنتيجة أنك ستخرج بعد هذا الشهر إنسان آخر. وهذه الحلقة لو استطعنا تنفيذها نخرج من رمضان على مقام جديد من العبودية وهو مقام الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أخبرني عن الإسلام، فقال النبي: أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة.. فقال أخبرني عن الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله. قال فأخبرني عن الإحسان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
فأنت لو عشت مع الرقيب لا بد أنك ستصل إلى مقام الإحسان في عملك، في كل حياتك، فالرقابة ستتجلى يوم القيامة ساعة الميزان وساعة تطاير الكتب.
رقابة لطيفة
أحياناً الرقابة تكون مصدر إزعاج، لكن الله تبارك وتعالى معك في سرك، معك في بيتك، في عملك، في كل مكان، لكنها رقابة لطيفة، تخيل لو أن السماء كلها كاميرات، ولكن من لطف الله بنا أن الملائكة أنت لا تراها وخفاءها رقابة لطيفة، رقابة لاتراها، رقابة لا تشعرك بأنك مراقب، فكاميرات الطرق تجعلك تشعر بالقلق، أحياناً أب يكون رقيب على أولاده، أو زوج على زوجته فهذه رقابة مزعجة، لكن الله سبحانه لطيف في رقابته لنا، وما يبعث السرور أنها ليست رقابة فقط للسيئات، ولكنها رقابة أيضاً للحسنات، فأنت مراقب لتدخل الجنة، مثل الذي سيتعين في سلك دبلوماسي أو منصب رفيع المستوى، يراقب حتى يُرى إذا كان مؤهلاً لهذا المنصب، ولكن أنت مراقب من الله لترشيحك لدخول الجنة، لذلك أنت تكون سعيداً بأن ترى الملائكة أفعالك وحسناتك.
ولكن هذه الرقابة أيضاً فيها نقطة جميلة أخرى. أنت مع الناس تحاول أن تشرح لهم قصدك أو نيتك إن كان لك عندهم حاجة، لكن مع الرقيب الذي يعرف عنك كل شيء لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل، لكن مع الله الرقيب يجعلك في غنى عن الشرح فهو يعرف سرك وحالك، وأنت أحياناً ممكن أن تبكي أثناء دعائك فيستجيب الله لك بدمعة ذرفتها دون أن تطلب منه مسألتك، فهو معك ومطلع عليك. هذه رقابة جميلة تجعلك سعيداً وتحميك يوم القيامة وتنجيك: الله راقبي، الله ناظري، الله شهيد عليّ.
كيف تعيش بلادنا بهذا المعنى؟
البلاد تلجأ للقوانين من أجل مراقبة الناس وتصحح من أفعالهم وحركاتهم، ولكن لو استطعنا أن نجعل الوازع الداخلي يعلو عند الناس باسم الله الرقيب سيتغير الأمر. هل تتخيل كم سنوفر من المال؟ المدارس وما يحدث فيها، العلاقات الاجتماعية، المشاكل الزوجية، فلو أن كل هؤلاء أدركوا العيش باسم الله الرقيب ماذا سيحدث للمجتمع؟ أنا أتمنى من كل من يسمعني أن يجلس مع نفسه وأن يتوجه إلى الله ويقول: يارب ياراقبي يا ناظري سأعيش معك يا رقيب في كل لمحة في هذا الشهر، سأركز في كل خطوة وكل ثانية. فهل نتواعد على ذلك ونستطيع أن ننفذ هذا ونرى كيف ستكون النتيجة؟
سأحكي قصة قصيرة. رجل تزوج سراً على امرأته، وحدث أن علمت هذه المرأة أن زوجها قد تزوج عليها، فلم تواجهه وكتمت معرفتها بسره، وكانت قد تيقنت من هذا الأمر. ومات هذا الرجل وترك ميراثاً ضخماً، فالمرأة أرسلت لضرتها نصيبها في الميراث، ولكن الأصعب من ذلك أن الزوجة الثانية رفضت أن تأخذ هذا المال لأن زوجها كان قد طلقها قبل وفاته.
هل نستطيع أن نعيش مع الرقيب هكذا؟ أنا لا أتكلم عن المعاصي فقط، أنا أتكلم عن الغش، على كذا.. وكذا.. هل تستطيع أن تراجع نفسك وترى أين هي نقاط الضعف؟
هل تستطيع أن تعود نظيفاً.. داخلك وخارجك نفس الشيء؟
أسأل الله أن يعينا، وأن نتعلم من هذه القصص :الله راقبي.. الله ناظري.. الله شهيد علي
الواجب العملي لهذا اليوم: سنعيش مع الرقيب سبحانه وتعالى ما بقي من هذا الشهر.
________________________________________________
(اسم الله الرقيب)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. أهلاً بكم ونُكمل إن شاء الله برنامجنا ونعيش كل يوم مع أسماء الله الحسنى، وكلنا أمل أن لا ينتهي رمضان إلاّ ونكون قد أحسسنا بمعرفة الله عزّ وجل، وهذا هو هدف البرنامج، معرفة الله عزّ وجل، معرفة تؤدي إلى طاعة، معرفة تؤدي إلى سعادة في الدنيا والآخرة، وذلك عن طريق أن نعيش كل يوم مع اسم من أسمائه، نحسه، وعند انتهاء الحلقة، لا تنته علاقتنا بالاسم، بل نكمل باقي يومنا واليوم التالي ونحن نعيش بهذا الاسم، ونعيش مع الأسماء التي ذكرناها من قبل، وتستمر هذه العملية تتراكم على قلوبنا وعقولنا إلى أن نخرج إن شاء الله ونحن شعارنا: باسمك نحيا بقية حياتنا وليس في رمضان فقط.
قبل الدخول في اسم اليوم، أحب أن أطرح سؤالاً: كيف نحن في رمضان؟ أياماً معدودات! وها قد مضى أسبوع، هل نرى كيف الأيام تجري؟ لابد من الاجتهاد، وهل أعتقنا؟ توسل إلى الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وادعوا الله أن يعتقك فهو لو أعتقك لن يأسرك. الأيام قليلة فابذلوا أقصى طاقاتكم.
حلقة اليوم عن اسم الله الرقيب، وقد ورد في القرآن ثلاث مرات، ولكن معانيه سنجدها في كل صفحة من صفحات القرآن، فاسم الله الرقيب جاء مرة في سورة النساء: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء:1)
والمرة الثانية على لسان سيدنا عيسى:((... فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)) (المائدة: من الآية117)
ولكن قبل الدخول في معنى الرقيب أريد أن أبدأ بالهدف من هذه الحلقة، ما هو الهدف؟ ما هو الهدف أن تعيش مع اسم الله الرقيب؟ الهدف: أنا معك يارقيب! لما لا نعقد هذه النية؟ أنا معك يا رقيب في رمضان في كل خطوة حتى نهاية رمضان.. أنا مع الرقيب وهو ينظر إليّ، وأن أضع هذه الآية أمام عيني: ((...وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)) (الحديد: الآية4)
الهدف من الحلقة أن نُصلح ما بداخلنا، فالرقيب ينظر إلينا. كن سواءً ما اختفى وما علن. فنحن لو نوينا هذه النية نخرج من رمضان بشكل آخر، فهذه الحلقة محورية في حلقات أسماء الله الحسنى، وتم تأخيرها حتى نستعد لها ونستوعبها وهي تحتاج إلى تركيز: الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد عليّ في كل خطوة من خطوات حياتي، في طعامي وشرابي، وضحكي، حتى وأنا مستلقي على سريري. نحن نعرف هذا المعنى، ولكن نريد أن نعيش به فلا يكفي أن تعرف المعنى ولكن لا بد أن نعيش المعنى في كل ذرة، وكل نفس، وكل حركة في حياتك فتكون النتيجة أن يصبح الظاهر كالباطن لأن الرقيب معك.
كل الناس تتجمل، وهناك نظرية اسمها جبل الجليد، الظاهر منه فوق الأرض 20% وتحت الأرض 80%، والناس كلها تحرص أن تركز على نسبة الـ 20% التي هي الظاهر، ولكن نحن نريد أن نعمل على تجميل الداخل ولن يتحقق ذلك إلاّ مع اسم الله الرقيب. هل أنا سواء ما اختفى وما علن؟ ((أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)) (العلق:14)
فلو عشنا مع اسم الرقيب سيصلح داخلنا ويكون مثل ظاهرنا، فأنا إن أخطأت أعلم بأن الله يراني، وإن فعلت حسنة سأفرح لأنه أيضاً يراني.
فالرقيب ليس فقط في السيئات، وإنما أيضاً في الحسنات، وليس كله يعني الخوف، فالأهل الذين يربون أولادهم فقط على الخوف من الله إن هو أخطأ، لا بد أن نعلمهم أيضاً بأن الله ينظر إليه عندما يقوم بفعل حَسن. فلو عشنا مع هذا الإسم لا بد أن نعيش في سعادة أبدية، وهو أكثر أسماء الله الذي يجعلك تعيش مع الله في كل لحظة من لحظات حياتك ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ....))(الحديد:الآية4)
حلقة اليوم مكونة من أربع محاور، ونحن كنا قبل ذلك في كل حلقة نقول معنى الاسم، ولكن هذه المرة نريد أن نعيش مع المعنى.
· المحور الأول: كيف تعيش مع الرقيب؟
· المحور الثاني: ما هي وسائل هذه الرقابة؟
· المحور الثالث : رقابة لطيفة جميلة
· المحور الرابع: كيف نحيا وتحيا بلادنا لو عاشت الأمة هذا المعنى؟
كيف تعيش مع الرقيب؟
ما هو معنى أن الله رقيب عليك؟ لن أبدأ بكلام نظري ولكن سأبدأ بثلاث قصص حدثت مع سيدنا عمر بن الخطاب، القصة الأولى: سيدنا عمر بن الخطاب يمشي في الطريق فيجد راعي غنم، فأحب سيدنا عمر أن يختبره، ويريد من خلال هذا الراعي أن يختبر أحوال أمته. فيقول له: يا غلام أريد أن أبتاع منك هذه الشاه، فيقول الغلام: إنها ليست لي، إنها ملك سيدي، فقال له سيدنا عمر رضي الله عنه: إذن بِعني إياها فإذا سألك سيدك فقل له أكلها الذئب. فنظر إليه الغلام راعي الغنم محدود الثقافة، البسيط، وقال له: الله أكبر فأين الله؟!! فبكى عمر وقال إي والله فأين الله؟!!
أهدي هذه القصة لكل واحد في مجتمعنا غش في بضاعة، أو خان، فأين الله؟ الله رقيب عليك.
فراعي الغنم لخص جوهر الدين، وهناك أناس تتجمل في العبادات، الظاهر عبادة وقرآن وحفظ ودعاء، ولكن الباطن فاسد.
القصة الثانية مع سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عندما كان يتجول ليلاً كعادته للاطمئنان على رعيته، فسمع صوت بائعة اللبن وهي تقول لابنتها: يا بُنيتي ضعي الماء على اللبن، فقالت الفتاة: يا أماه ألم تعلمي أن أمير المؤمنين قد نهى عن خلط اللبن بالماء؟ قالت: يا بنيتي عمر بن الخطاب لا يرانا الآن فقالت الفتاة: يا أماه إن كان عمر لا يرانا فرب عمر يرانا.. فوضع علامة على البيت وذهب لأولاده، وقال لهم: في هذا البيت فتاة أيكم يجب أن يتزوج هذه الفتاة، والله لا تخرج هذه الفتاة من بيت ابن الخطاب، وإن لم ترضوا أن تتزوجوها أنتم فسأتزوجها أنا.. ثم تزوجها عاصم بن عمر بن الخطاب، تزوج بائعة لبن. وتشاء الأقدار أن يأتي من نسلها عمر بن عبد العزيز ويكون بركة مقولتها: إن كان عمر لا يرانا فإن الله يرانا ويكون الخليفة الخامس وصاحب الأفضال العظيمة وينتشر العدل بامرأة راقبت الله في تصرف لها.
القصة الثالثة وكانت تُحكى في قصص التاريخ الإسلامي لشاب كان أيام التتار وكان يريد أن يستقيم ولا يستطيع.. فيذهب إلى عالم ويقول له: أنا سمعت حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إليه رجل وقال دلني على قول في الإسلام لا أسأل عنه أحد بعدك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " قل آمنت بالله ثم استقم " فالشاب سأل العالم: كيف أفعلها؟ فالعالم لم يقل له كلام نظري، بل أعطاه وصفة عملية. قال له: إذا أويت إلى فراشك قبل أن تنام فردد في نفسك مراراً حتى يأخذك النوم: الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد علي، ورددها حتى تنام، فإذا استيقظت من نومك لتبدأ يومك فرددها حتى تخرج من بيتك. هذا العالم كان يريد من هذا الشاب أن يستقر هذا المعنى في ذهنه ليلاً ونهاراً، ثم قال له العالم: رددها في يومك ما استطعت، وائتني بعد سنة لتقول لي ماذا فعلت. الشاب لم يعد لهذا العالم بعد سنة، ولكنه بعد لقائه بهذا العالم تغيرت أحواله. يقول: فكنت إذا هممت بمعصية أُردد الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد علي، وكنت إذا فعلت خيراً أقول الله ناظري، الله راقبي، الله شهيد عليّ، فكنت أتغير يوماً بعد يوم، ومضت سنة ولم يرجع إلى العالم، ودخل الجيش وبدأ يتدرج في الجيش، ورأى رؤية أنه تاه في الصحراء وجلس على صخرة يبكي فإذا بكوكبة من الفرسان يتقدمهم رجل أبيض جميل، فلما رآه يبكي نزل عن فرسه وأخذه واسنتهضه وضغط على صدره وقال: قم يا محمود طريقك إلى مصر من هاهنا ستملكها وستهزم التتار. فكان الشاب هو قطز الذي استيقظ بعد هذه الرؤية وذهب إلى العالم الجليل عز بن عبد السلام الذي قال له: ستكون رؤية خير، وتحققت الرؤية بـ واإسلاماه، وكانت بداية هذا الشاب بـ :الله راقبي الله ناظري الله شهيد علي.
فهل عرفتم عن ماذا نتحدث اليوم؟ الرقيب المطلع على أنفاس عباده ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)) (غافر:19)
الرقيب الذي يعلم حركاتك وسكناتك: ((وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) (الملك:13)
((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)) (الملك:14)
الرقيب الذي يقول:((وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى)) (طـه:7)
((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)) (المجادلة:7)
نحن مكشوفين أمام الله، فأنت تستطيع أن تخبئ ألف سر عن زوجتك، أو ألف فكرة عن مديرك، ولكن الله مطلع عليك، والسر والجهر عنده سواء، سواء نطقت به أم لم تنطق، فأنت ممكن أن تبتسم في وجه فلان وأنت تكرهه، ولكن الله مطلع عليك. انظر إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل ".
ودعاء السفر لم نفكر فيه، لا أحد إلاّ الله صاحبك في سفرك وخليفتك في أهلك. ((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا ...)) (الأنعام:59)
فسبحانه الذي كتب مقادير أدق الأشياء، أو حبة رمل تحركت في صحراء. إذا كانت الورقة روقبت من الله، أفلا تكون أنت مراقب في كل لحظة؟ وهناك من يفعل المعاصي.. ألا يعلم بأن الله رقيب عليه؟ الطبيب الذي يدفع بمريض إلى عملية لا يحتاجها، وصاحب المصنع الذي يبيع مواد مضرة بالأطفال، والفتاة التي تكلم شاب دون علم والديها، والشاب الذي له علاقة مع فتاة، والآية تقول: ((...وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا)) (البقرة: من الآية189)، فحلقة اليوم تقول لك بأن الله معك في كل لحظة. فهل نستطيع أن نعيش هذا الشهر بهذا المعنى؟
فنحن لو تربينا على هذا المعنى لا بد أن تتغير أحوالنا ومجتمعاتنا. ويكون اسم الرقيب أفضل وأقوى للمجتمع من ألف شرطي يراقب الناس، من ألف كاميرا تراقب الناس في المصانع والطرق وغيره. فـ يا أباء وأمهات لو أننا حرصنا على أن نربي أولادنا في مدارسنا وفي بيوتنا على اسم الله الرقيب، وكذلك لو أن حكامنا، والمسؤولين في بلادنا، والمدرسين.. هل نتفق على أن نربي أنفسنا على اسم الله الرقيب؟ يا دكاترة، يا مهندسين، يا طلاب، يا حرفيين، ماذا سيحدث في مجتمعاتنا إن نحن عشنا مع الرقيب؟ يا إعلام، يا شباب فلننوي أن نحيا بهذا الاسم: سأعيش بهذا الاسم.. لن أغش لن أخدع.
هل بدأ المعنى يدخل في قلوبنا؟ الهدف أن يكون داخلك مثل ظاهرك. سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما أراد أن يولي عمر بن الخطاب، فقال له الناس أتوليه علينا وهو شديد؟ فقال: ذلك رجل أعلم أن سره أفضل من علانيته.
هناك قصة لرجل وقصته كتبت في عدة كتب، كان قد ظُلم في مال وكان مالاً كثيراً، والرجل لم يتحمل هذه الصدمة فمرض ويبدو إنه كان مرض الموت، فنادى على ابنه الكبير وقال له إن أنا مت مُر بجنازتي من أمام دكان الرجل الذي ظلمني وأكل مالي، وأعطه هذه الرسالة، واقرأها أمامه وأنت تسير بجنازتي، ومات الرجل ونفذ ابنه الوصية بأن مَرَّ من أمام دكان هذا الرجل وقال له: أرسل لك الميت هذه الرسالة، كتبها قبل أن يموت، ففتح الرسالة وقرأ " إني قد ذهبت إلى الله وهو يعلم ما فعلته أنت بي فهو يراني ويراك، وأنت ستأتي عن قريب. موعدنا يوم القيامة لأسترد حقي ".
فيا من ظلمتم الناس، الرقيب موجود. الرقيب ليس فقط عند الخطأ، ولكنه رقيب عليك في الأشياء الجميلة أيضاً. أنت ممكن أن يمر في ذهنك خاطر من غير أن تبوح به والرقيب سبحانه وتعالى معك. ليس فيما تخاف ولكن في كل شيء جميل، فأنت ستخطئ ولكن إن أخطأت عُد إلى الله واستغفره. إذا أردت أن تعرف صلتك الحقيقية مع الله، فلن تكون في صلاتك ولا في عمرتك، إنما تكون في علاقتك ومعاملاتك مع زوجتك، عائلتك، أقربائك.. فلنعيش في كل لحظة وكل خطوة في هذه الأيام الباقية من هذا الشهر مع اسم الله الرقيب. سأعطيك مثل آخر هل تذكر قصة سيدنا يونس ((..فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) (الانبياء: من الآية87) ضع نفسك مكان سيدنا يونس ليس في ظُلمة قاع المحيط ولكن في غرفة مغلقة سجنك بها أحدهم ولا تستطيع الخروج منها، كيف سيكون شعورك؟
الأثر الجميل عندما سمعت الملائكة صوت سيدنا يونس: فقالت يارب صوت معروف من مكان منكر، فقال لهم الله أولا تعرفونه؟ ذلك عبدي يونس. هل هزتك قصة سيدنا يونس؟ هل تستطيع أن تتكلم مع الله (حديث النفس) وتقول له يا الله يا رقيب.. هل أنت راضٍ عني؟ أتمنى أن يكون قد وصل هذا المعنى إلى قلبك.
وسائل هذه الرقابة
الرقابة الأولى: الله ((..إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)) (النساء: الآية1)
الرقابة الثانية: الملائكة:((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)) (قّ:18)
ملك يمين وملك شمال، يراقبونك خطوة بخطوة، هل سبق لك أن عملت حسنة، فقلت لملك اليمين اكتب فهذه حسنة؟ أو عملت سيئة فقلت لملك اليسار سأتوب وأستغفر؟ هل أحسست بالعلاقة مع الملكين؟
هناك من ذهب إلى عالم يطلب منه أن يرخص له في المعصية، فالعالم أراد أن يفكره بمعنى الرقابة، فقال له: نعم تعصي ولكن بأربع شروط: فقال وما هي؟ فقال: أما الأولى فلا تعصاه على أرضه، فقال الشاب: فأين أذهب والكون كله أرضه؟ فقال: أما تستحي أن تكون على أرضه وتعصاه؟! فقال له الثانية: قال: إن أصررت أن تعصاه فاعصاه في مكان لا يراك فيه، فقال: أين أذهب وهو يراني في كل مكان؟ قال: ألا تستحي أن يكون ينظر إليك وأنت تعصي؟ قال والثالثة فقال: إذا أبيت إلاّ أن تعصاه فلا تأكل من رزقه، فقال: ومن أين آكل؟ قال: أما تستحي؟ ثم قال له والرابعة، قال إن أبيت إلاّ أن تعصاه فقل لملك اليمين والشمال: اتركوني الآن حتى أعصي ثم ائتوني بعد ذلك. قال الشاب: أتسخر مني؟ فردّ عليه العالم: أنت سخرت من نفسك؟
الرقابة الثالثة: ضميرك.. الله خلقك وخلق داخلك جهاز إنذار شديد الحساسية، وأنت عندما تفعل معصية يحمرّ وجهك خجلاً، وينقبض قلبك، وعندما تقوم بعمل حسن تتهلل أسارير وجهك.
فالله يراقبك، والملائكة تراقبك وداخلك جهاز إنذار يتحرك فوراً يراقب حركاتك. انظر إلى الآية التي تتحدث عن قوم صالح عندما قتلوا الناقة ((...فَتَعَاطَى فَعَقَرَ)) (القمر:الآية29) شرب الخمر حتى يُغيب ضميره، وهناك من يؤكد أن من يريد أن يقدم على جريمة يغيب ضميره حتى يجترئ على فعلته، فيشرب أو يتعاطى أنواع من المخدرات، والعجيب أن الله جعل فيك رقيبك ضميرك وازع داخلي الذي هو أقوى من ألف قانون.
وهناك من أمات ضميره. لكن إن أنت عشت في الدنيا وأنت تصر أن لا تعيش مع الرقيب، فلا بد أن تعلم أن هناك يوم قيامة : ((...وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ )) (الأنعام: من الآية31) ((وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً ... )) (الكهف: من الآية49)
هل تتخيل حتى الغمز بالعين والسخرية من الآخرين تكون في كفة السيئات؟ كل هذا يأتي مجسماً يوم القيامة، مجسماً أي بالصوت والصورة: ((..إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)) (الجاثـية: الآية29) فاليوم من يكسر إشارة المرور يؤتى به لأن هناك كاميرا قامت بتسجيل ما فعل، فكيف بك يوم القيامة تجد كل أعمالك بالتفصيل مجسدة باليوم والوقت: ((اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً)) (الاسراء:14) ليس هذا فحسب: ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) (يّـس:65) ((وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ )) (فصلت: الآية21) فيدك ستشهد عليك ولن تستطيع أن تنطق.
لا أريدك أن تنظر على الرقيب بنية الخوف فقط، ولكن انظر للرقيب على الأشياء الجميلة أيضاً، الرقيب على نية بنت شابة حدثتها نفسها: إن شاء الله إن تزوجت وأنجبت، أريد ابني أن يكون مثل صلاح الدين ليُعز الأمة، ويحدث أنها لم تنجب في الدنيا، فتأتي نيتها يوم القيامة مجسدة أمامها.
فهل نرى الرقيب في الدنيا؟ وبعد هذه الرقابة في الدنيا، كيف ستكون نتيجتها يوم القيامة والصحف تتطاير أمامك وتأخذ كتابك بيمينك؟ كيف هي فرحتك وأنت تقول: ((... هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ)) (الحاقة: الآية19) كتابك الذي كتبت فيه الملائكة كل أعمالك وكلمة هاؤم تعني أنك تنادي وبصوت عال على أهلك والناس أن يقرأوا كتابك وما جاء فيه من أفعالك الحسنة..
لا بد أن نعيش مع الرقيب وفي هذا الشهر، لأنه إن أنت بدأت فالنتيجة أنك ستخرج بعد هذا الشهر إنسان آخر. وهذه الحلقة لو استطعنا تنفيذها نخرج من رمضان على مقام جديد من العبودية وهو مقام الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
حديث النبي صلى الله عليه وسلم: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أخبرني عن الإسلام، فقال النبي: أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة.. فقال أخبرني عن الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله. قال فأخبرني عن الإحسان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
فأنت لو عشت مع الرقيب لا بد أنك ستصل إلى مقام الإحسان في عملك، في كل حياتك، فالرقابة ستتجلى يوم القيامة ساعة الميزان وساعة تطاير الكتب.
رقابة لطيفة
أحياناً الرقابة تكون مصدر إزعاج، لكن الله تبارك وتعالى معك في سرك، معك في بيتك، في عملك، في كل مكان، لكنها رقابة لطيفة، تخيل لو أن السماء كلها كاميرات، ولكن من لطف الله بنا أن الملائكة أنت لا تراها وخفاءها رقابة لطيفة، رقابة لاتراها، رقابة لا تشعرك بأنك مراقب، فكاميرات الطرق تجعلك تشعر بالقلق، أحياناً أب يكون رقيب على أولاده، أو زوج على زوجته فهذه رقابة مزعجة، لكن الله سبحانه لطيف في رقابته لنا، وما يبعث السرور أنها ليست رقابة فقط للسيئات، ولكنها رقابة أيضاً للحسنات، فأنت مراقب لتدخل الجنة، مثل الذي سيتعين في سلك دبلوماسي أو منصب رفيع المستوى، يراقب حتى يُرى إذا كان مؤهلاً لهذا المنصب، ولكن أنت مراقب من الله لترشيحك لدخول الجنة، لذلك أنت تكون سعيداً بأن ترى الملائكة أفعالك وحسناتك.
ولكن هذه الرقابة أيضاً فيها نقطة جميلة أخرى. أنت مع الناس تحاول أن تشرح لهم قصدك أو نيتك إن كان لك عندهم حاجة، لكن مع الرقيب الذي يعرف عنك كل شيء لا تحتاج إلى شرح أو تفصيل، لكن مع الله الرقيب يجعلك في غنى عن الشرح فهو يعرف سرك وحالك، وأنت أحياناً ممكن أن تبكي أثناء دعائك فيستجيب الله لك بدمعة ذرفتها دون أن تطلب منه مسألتك، فهو معك ومطلع عليك. هذه رقابة جميلة تجعلك سعيداً وتحميك يوم القيامة وتنجيك: الله راقبي، الله ناظري، الله شهيد عليّ.
كيف تعيش بلادنا بهذا المعنى؟
البلاد تلجأ للقوانين من أجل مراقبة الناس وتصحح من أفعالهم وحركاتهم، ولكن لو استطعنا أن نجعل الوازع الداخلي يعلو عند الناس باسم الله الرقيب سيتغير الأمر. هل تتخيل كم سنوفر من المال؟ المدارس وما يحدث فيها، العلاقات الاجتماعية، المشاكل الزوجية، فلو أن كل هؤلاء أدركوا العيش باسم الله الرقيب ماذا سيحدث للمجتمع؟ أنا أتمنى من كل من يسمعني أن يجلس مع نفسه وأن يتوجه إلى الله ويقول: يارب ياراقبي يا ناظري سأعيش معك يا رقيب في كل لمحة في هذا الشهر، سأركز في كل خطوة وكل ثانية. فهل نتواعد على ذلك ونستطيع أن ننفذ هذا ونرى كيف ستكون النتيجة؟
سأحكي قصة قصيرة. رجل تزوج سراً على امرأته، وحدث أن علمت هذه المرأة أن زوجها قد تزوج عليها، فلم تواجهه وكتمت معرفتها بسره، وكانت قد تيقنت من هذا الأمر. ومات هذا الرجل وترك ميراثاً ضخماً، فالمرأة أرسلت لضرتها نصيبها في الميراث، ولكن الأصعب من ذلك أن الزوجة الثانية رفضت أن تأخذ هذا المال لأن زوجها كان قد طلقها قبل وفاته.
هل نستطيع أن نعيش مع الرقيب هكذا؟ أنا لا أتكلم عن المعاصي فقط، أنا أتكلم عن الغش، على كذا.. وكذا.. هل تستطيع أن تراجع نفسك وترى أين هي نقاط الضعف؟
هل تستطيع أن تعود نظيفاً.. داخلك وخارجك نفس الشيء؟
أسأل الله أن يعينا، وأن نتعلم من هذه القصص :الله راقبي.. الله ناظري.. الله شهيد علي
الواجب العملي لهذا اليوم: سنعيش مع الرقيب سبحانه وتعالى ما بقي من هذا الشهر.
________________________________________________

زملكاويه
•
الحلقه الثامنه
(اسم الله الجبار)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وأهلاً بكم، ومعاً سوياً مع "باسمك نحيا".
أتمنى أن يضيف هذا البرنامج لكل من يشاهده تَعَلُم كيفية أن يحيا رمضان مع أسماء الله الحسنى. لقد أطلقنا على البرنامج اسم "باسمك نحيا" كي تنصلح أمور حياتنا بأسماء الله الحسنى فلا نكتفي بالبكاء عند سماعها والتأثر بها فحسب.
اسم الله "الجبار":
اسم اليوم في منتهى الرحمة والرقة والعطف واللطف والرأفة والحنين؛ اسم اليوم هو "الجبار". قد يتخيل البعض أن أسماء مثل "الجبار" و"المنتقم" و"القهار" هي أسماء لقصم الظالمين والانتقام من الجبابرة. المشكلة هي أنك قد تكون عشت عمراً طويلاً ولكنك لم تشعر أبداً بأسماء الله الحسنى، كمثل قرآءتك ل"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ"(1) سورة الإخلاص، لسنوات عدة دون أن تشعر بها أو تتذوق معنى اسم "الصمد" وتحيا معه.
ورد اسم الله "الجبار" في القرآن مرة واحدة فقط في "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ" سورة الحشر الآية رقم 23.
"الجبار" هو الذي يجبر المنكسرين. هذا الاسم يراد به الحزانى، لمن ظُلِم، لليتامى، لكل من أُهين أو كُسر وهو مظلوم. "الجبار" هو الذي يجبرك عندما تلجأ إليه بكسرِك فهو الذي يُجبِر المنكسرين. وأصل كلمة "الجبار" هو كلمة "جبيرة" وهي التي يستخدمها من كُسِرَت يداه لتصليح الكسر. يا سيدة يا من ظُلِمتي، يا فتاة يا من تَقَوَّل عليك البعض بكلامٍ وأنتِ مظلومة وبريئة منه، من لك سوى "الجبار"؟ يا يتيم يا من أنهكتك الدنيا، يا أرملة، يا مطلقة يا من تنكر لك الكل حتى جيرانك، من لك سوى "الجبار"؟ يا شريك يا من شاركت شخصاً ما في شركة ثم خدعك واستولى على مالك، من لك سوى "الجبار"؟ يا من ظلمها زوجها ظلم شديد وألحق بها الأذى، من لها سوى "الجبار"؟ اليتامى، الحزانى، كل من ظُلِم في هذة الدنيا، من لهم سوى "الجبار"؟ لن تلجأ إليه بكسرِك إلا وينصرك لأنه سمى نفسه بـ "الجبار". إذا انكسرت، الجأ إليه وتذلل بين يديه وابكي له وقل له، "أنا كُسِرت. فلان كَسَرَني". هذا الاسم يقصد به للمنكسرين، للحزانى، للضعفاء، للمقهورين.
هناك نوعان من الكسر: كسر للأبدان وكسر للقلوب. وإذا كان الأطباء يُجبرون كسر الأبدان فإن الله سبحانه وتعالى يُجبر كسر القلوب. بل حتى إن كسر الأبدان يُجبره "الجبار"! إذا كسِرت يداك، فما على الطبيب إلا إنه يعيد العظم المكسور إلى مكانه ثم يضع الجبيرة ولكن يلتئم العظم ب"الجبار" حيث يأمر الخلايا العظمية بالنشاط بعد أن كانت قد سكنت حتى يلتئم الكسر ثم يأمرها الله بالسكون مجدداً. هذا مثل "الجبار" في الأبدان، فما بالك ب"الجبار" في القلوب؟
من دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم)، "يا جابر كل كسير". وحديث النبي: "الضعفاء والخائفين في كنف الله عز وجل". ولذلك يقول النبي (صلى الله عليه وسلم)، "اللهم ارزقني حب المساكين" لأنهم في كنف الجبار. يقول المثل الشعبي، "جبر الخواطر على الله". الجأ إليه إذا كُسِرت وقل له، "يا رب، اجبر بخاطري". يا حسرة على ما فات ما عمرك دون أن تعرف الجبار! إذا طلب شخص من أحدٍ ما شيئاً فيقول له: "لأجل خاطري،..." وتلين له كي يلين لك. نحن نفعل هذا الفعل مع البشر، فما بالك بأكرم الأكرمين؟
"جابر" أم "جبار"؟
والفرق بينهما هو أن "الجابر" قد يُجبرك مرة أو مرتان ولكن "الجبار" يُجبرك كلما لجأت إليه. وقد يسمى شخص بـ "جابر" ولكن لا أحد يسمى بـ "الجبار" إلا الله سبحانه وتعالى. من صور جبر الله لك أن يُنسيك الإساءة التي تعرضت لها من أحد الأشخاص مثلاً. بعد هذا، أتلجأ للجبار أم لغيره؟ أنلجأ للناس طالبين منهم أن يُجبروا بخواطرنا والجبار يعرض علينا أن يُجبر هو بنا؟! إن اسم "الجبار" اقتضى أن يكون هناك منكسِراً، كما اقتضى اسم "الرزاق" مرزوقاً، واقتضى اسم "الرحيم" مرحوماً، واقتضى اسم "التواب" مذنباً. لذلك، لن يحول الأمر بك إلا أن تكون منكسراً في الدنيا حتى تلجأ "للجبار" وحينها ستشعر بحلاوة عبادة لم تشعر بها من قبل مثل أن تصلي ركعتين وأنت منكسراً للجبار. أما الكارثة الحقيقية فهي أن تنكسِر ولا تلجأ للجبار! سوف يوسوس لك الشيطان بأنك منافق إذا لجأت للجبار في حينها، وبأن تلجأ إليه بعد حل مشكلتك، وذلك لأن الشيطان على علم بأنك سوف تشعر بأحلى لحظة عبودية عندما تلجأ إليه منكسراً وهي منتهى القرب ومنتهى الحنان من الله سبحانه تعالى.
قاعدة يجب أن تعتقد فيها:
"إذا انكسرت ولجأت لله، فلن يُرجِعَك". قد يؤخر الله الجبر لحكمة يعلمها، لكنه لن يرجعك. ومثال على ذلك أن تعرض أحد الأشخاص لمشكلة ما في بلده واضطر إلى مغادرته وكان ذلك في شهر رمضان، فخرج هائم على وجهه لا يدري وجهته أو البلد التي سوف يقيم به وقد جآءته فرصة أداء مناسك العمرة مع انتهاء تأشيرة العمرة في اليوم الثلاثون من رمضان. فكان يمشي بين الناس عند الحرم المكي دون أن يراهم من هول الكارثة التي لحقت به. وفي اليوم السابع والعشرون من هذا الشهر، بدأ الطواف بالبيت وبالرغم من درايته بالكثير من الأدعية إلا أن لسانه قد انعقد ولم يقل أثناء طوافه بالبيت سوى، "يا رب، اجبر بخاطرى! يا رب، أجبر بخاطرى!" وكأن الله قد أنطقه بهذة الكلمة. وفي شوط من الأشواط أوقفه شخص قائلاً له أنه يبحث عنه منذ ثلاثة أيام ليبلغه أنه قد رأى الرسول (صلى الله عليه وسلم) في رؤيا في المنام قائلاً له أن يبلغ فلان أنه على الحق وأن يصبر قليلاً، فسوف يُنهك لمدة عام ثم يفتح الله عليه. فأصبح يبكي الرجل من سرعة جبر الله له وحنانه عليه وإرسال هذه البشرى له. ثم يخرج من الحرم ليتلقى اتصالاً تليفونياً من رجل فاضل يبشره بحصوله على تأشيرة إقامة في بلد ما. لن تلجأ إلى الجبار منكسراً طالبا منه أن يَجبر بخاطرك، فيُضيعك.
ومثال آخر، وهو مثال أم سيدنا موسى. فقد كان فرعون يقتل الذكور من المواليد، وقد وضعت أم موسى سيدنا موسى وأوحى الله لها: "...أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ..." وبعدها قال الله تعالى: "...وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ" سورة القصص الآية رقم 7. وقد وردت هذة القصة بعد ذكر قصة فرعون وبني إسرائيل (قضية أُمة) أي أن الله ذكر قصة سيدة ما كُسِر قلبها بعد هذة القضية الكبيرة. كم أن قلباً مكسوراً مثل هذا غالٍ عند الله! ثم يقول الله تعالى، "فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ..." سورة القصص الآية رقم 13. يا مكسورين، يا حزانى، يا ضعفاء، يا يتامى، يا أُمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، يا أهلنا في العراق، يا أهلنا في لبنان، يا أهلنا في فلسطين، "إذا كنا مكسورين، فليس لنا إلا "الجبار". "...وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" سورة القصص الآية رقم 13، "لن يُرجعك الجبار أبداً".
لجوء النبي (صلى الله عليه وسلم) للجبار:
ضُرِبَ النبي بالحجارة يوم الطائف وقد كان يبلغ من العمر خمسون عاماً، وكان يبحث عن مكان يأوي إليه مع زيد بن حارثة، فدعى النبي شاكياً إلى الله دون أن يطلب منه شيئاً قائلاً، "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. أنت رب العالمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي. إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني؟ - حال الأُمة حالياً - أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي". تعلموا من نبيكم (صلى الله عليه وسلم) كيف تلجأوا إلى الله. ثم يأتي طفل صغير يسمى عدَّاس يقدم عنب للنبي ويجري حوار معه يعرف منه أنه رسول الله، فينزل عدَّاس مُقبِلاً قدما النبي. لابد أن يجبُرك! قد يجبُرك الله تدريجياً لحكمةٍ يعلمها، ولكن لابد وأن يُجبر خاطرك ولو بإشارة. ثم يأتي الجبر الكامل وهي رحلة الإسراء والمعراج. وبالنسبة لأمتنا، فهذا هو أنسب وقت تحتاج الأمة فيه إلى أن يجبُرنا الجبار!
كي يجبرك، يأخذ الحق ممن ظلمك:
يقصم الله من ظلمك، ليُجبرك. فهو جبار للمظلومين، جبار على الظالمين. إذا كنت منكسراً، ومن كسرك لم يتب ومُصِراً على ما فعله بك، فسيجبرك الله ويأخذ لك الحق ممن كسرك. لاحظ أن كلمة "جبار" في حياة الناس هي كلمة مذمومة، لكن "الجبار" سبحانه وتعالى هي كلمة كلها خير ومصلحة لأنه يرد للظالمين حقوقهم. فهو جبار للمنكسرين، جبار على الكاسرين. لابد أن يقصم الله من ظلمك. وكأن اسم الله "جبار" له شقان: شق إذا كان ظالم وشق إذا كان مظلوم.
الفرق بين "الجبار" و"المنتقم":
"المنتقم" علاقة بالظالمين فقط ولكن "الجبار" الأصل فيها للمظلومين، لكن ليتم حق المظلومين فلابد أن يُؤخذ من الظالمين. ونتعلم من هذا الآتي: "إياك أن تنام ليلتك وأنت ظالم". هناك مثل عامي نَصُّه، "يا بخت من بات مظلوم، ولم يبت ظالم". يا من ظلمتم الناس، احذروا! يا من ظلمت وتحترق شوقاً لتنتقم ممن ظلمك، احذر فإن الله معك في اللحظة التي ظُلِمت فيها. أنت في كنف الجبار.
فإياكِ وظلم خادمتك، فقد تلجأ للجبار ليلاً باكية له من ظُلمِك. إياك يا صاحب العمل وقهر أو ظلم موظف أو ساعي بسيط عندك، فقد يلجأ إلى الله ليلاً باكياً له من ظلمك وطالباً منه أن يجبر بخاطره، فيقصمك الله من أجل هذا البسيط. إن أنت حييت باسماء الله الحسنى، فما بالك بإصلاح الأرض؟ يا من تقومون بتعيين أشحاص في مناصب بالمحسوبية ويكون غيرهم أحق بهذة المناصب، فيلجأ كل من هو أحق بالمنصب مقهوراً إلى الجبار شاكياً له أنه كان مؤهلاً لهذا المنصب ولكن المحسوبية فَضَلَت فلان! إياك وأن تقوم بتعيين أحد بالمحسوبية فالجبار يقصمك من أجل هذا المظلوم الذي فُقِد مكانه. هل لاحظت كم أن هذا الاسم متوغل في حياتنا؟
يجعل ما قصمت به نعمة:
أحياناً تظلم شخصاً ما فيقصمك الله لأنك ظالم وليُجبر هذا المنكسِر، فتتوجع وتبكي وتلجأ للجبار، فيجعل ما قصمك به نعمة تفرح بها وتنصلح بها حياتك، أي يُحوِّل ما كُسِرت به إلى نعمة. ومثال على ذلك، عندما وكز سيدنا موسى الرجل فقضى عليه فقتله وكان نتيجة ذلك أن خرج من مصر، وهذة كَسرَة شديدة تحولت إلى قمة النعمة، حيث أن العشر سنوات تلك هي التي أهلته للنبوة. ومثال آخر، أنه كان هناك رجلاً ليس متديناً وله من الأولاد اثنان، وكانت تملأ حياته السخرية من الناس والضحك والنكات والهزار. كان يذهب لعمله وكان يحب أولاده ولكنه لم يكن مهتماً بهم إلى درجة كبيرة. وذات يوم وجد رجلاً كفيفاً يمشي في الشارع، فسخر منه وسار بجانبه يقلده لِيُضحِكَ الناس عليه. من المؤكد أن هذا الكفيف قد كُسِر. وبعد عدة أشهر من هذا الموقف، أنجب طفلاً كفيفاً وكُسِر هذا الرجل! يُجبر الله كَسر من ظلمته، فيقصمك وربما بنفس ما اقترفت! ولاحظ أنه قد يتحول إلى نعمة! بعدما أنجب هذا الرجل الطفل الكفيف، اكتئب لشهورٍ عدة، ثم انتهت علاقته بهذا الطفل! اهتم بطفلاه الآخران وترك تربية هذا الطفل الكفيف لأمه مع إعطائها نفقاته، فلم يرد أن يشغل باله به ولكنه كان يشعر بالإنكسار داخله وأن هذا الطفل بمثابة عذاب بالنسبة له، فكان يتجاهل هذا الأمر. ومع نمو الطفل، لم يرد الرجل الإحتكاك به وأصبح بينهما حاجز نفسي شديد حتى بلغ الطفل ست سنوات.
وفي يوم من الأيام، خرجت الأم مع أبنائها الكبار ووجد الأب نفسه وحده بالبيت مع هذا الطفل الكفيف. وقال الطفل لأبيه، "يا أبي، اليوم هو يوم الجمعة. هلا اصطحبتني إلى المسجد؟"
اندهش الرجل عندما علم أن ابنه ذو الست سنوات يصلي ويريد أن يذهب إلى المسجد. فقال له الرجل، "من أخبرك أن عليك الذهاب إلى المسجد؟ "قال له الولد، "أمي تصحبني أحياناً إلى هناك". فقد كانت أمه سيدة متدينة. وأخذ الأب الطفل قال الرجل لابنه، "سأصطحبك إلى المسجد". شعر الرجل أن معه شيخ كبير يعلمه. قال الطفل لأبيه، "يا أبي، سأتلو عليك سورة الكهف". فبدأ الولد في القرآءة وبدأ الأب في البكاء فعرف الله! فتحول ما كُسِر به إلى قمة النعمة. تَظلم فيقصمك فتنكسِر فتلجأ إليه فيحول ما كُسِرت به إلى نعمة.
دعاء:
يقول أحدهم: "يا رب، عَجِبت لمن يعرفك، كيف يخاف من عبادك وأنت الجبار؟! ويا رب، عَجِبت لمن يعرفك، كيف يُخيف عبادك وأنت الجبار؟!" لو كُسِرت، اسجد بين يديه وقل له: "يا جبار، أجبر بخاطري". ولو ظَلِمت، اطلب السماح ممن ظلمته واطلب منه ألا يدعو عليك واجبر بخاطره.
الجبار يوم القيامة:
أصعب موقف يوم القيامة هو يوم ينادى على البشر للعرض على الله سبحانه وتعالى. تخيل أنه ينادى على كل شخص يومئذٍ: "فلان بن فلان" وأن الملائكة ستأخذك الآن وأنك ستقف بين يدي الله، ليس بينك وبينه ترجمان وستتعرف عليك الملائكة من شدة قلقك وخوفك، وينادى، "فلان بن فلان، هلم للعرض على الجبار!" ينادى باسم الله "الجبار" هنا لأنك في الدنيا كنت إما منكسِر أو ظالم. وتخيل وقفتك بين يدي الله وحقوق الناس! يا من ظلمتم الناس، هل سوف تستطيعون الخلود إلى النوم الليلة؟ يا من ظلمتِ سيدة ما وشهرتِ بها، يا من تضربين خادمتِك كل يوم، يا من استوليت على حق فلان، هل سوف تستطيع الخلود إلى النوم الليلة؟ أريدك أن تتذكر ورأسك على الوسادة اليوم، "فلان بن فلان، هلم للعرض على الجبار!" وتخيل أنك تقول لله، "يا رب، كما جبرت بخاطري في الدنيا، اجبر بخاطري في الجنة، اجبر بخاطري يوم القيامة" فيجبرك، أو تقول له، "يا رب، لقد ظلمت في الدنيا ولكنني علمت أنك الجبار فذهبت يوم السادس من رمضان وجبرت بخاطر فلان، اجبر بخاطري اليوم يا رب".
نوع آخر من الجبر:
وهو "جبر العُبَّاد" أي أن يكون شخص متحمس للعبادة في رمضان مثلاً وينوي ختم القرآن مرتين وأداء صلاة التراويح في صلاة الجماعة في الصف الأول، وفجأة يثقل بعمله أو يصاب بمرض، فيحزن ويبكي ولكن يجبر الله بخاطره ويعوضه. ومثال آخر، حيث قال سيدنا موسى، "...قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ" سورة الأعراف رقم الآيات 143، فقد طلب سيدنا موسى نوع من العبودية ولكنه لم ينفذ. وتليها الآية، "قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ" الآية رقم 144. إن لم تحصل على هذا الطلب فسوف تحصل على شيء آخر وهو أن تكون "كليم الرحمن". إن حُرمت من عبادة، فسوف يجبر الله العُبَّاد بمنحهم عبادة أخرى.
أكثر الناس جبراً لخواطرهم من الله:
هم الوالدين، فإياك أن تكسِر بخاطر أبيك أو أمك أو تدمع أعينهم أو تحمر وجوههم أو تنكسِر قلوبهم! ولذلك وردت كلمة "جبار" مرتين في القرآن على الوالدين على الحذر من أن تكون جباراً عليهم؛ مرة على لسان سيدنا يحيى في قوله، "وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً" سورة مريم الآية رقم 14، ومرة على لسان سيدنا عيسى في قوله، "وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً" سورة مريم الآية رقم 32. إياك أن تشعر بالعار من أبيك أو أمك أو تَكسِر بخواطرهم مثل ألا تريدهم أن يظهروا أمام أصدقاءك!
صور عديدة لجبر الله لخاطرك:
يجبُر بخاطرك بأن يقبل توبتك، يجبر بسنن الصلوات عن النقص في الفرائض، يجبر عثرات المؤمنين عندما يخطئوا فيسامحهم ويعفوا عنهم لسابق إحسانهم، يجبر بخاطر الأمة عندما كسرها التتار ويدخل التتار في الإسلام، يجبر بخاطر العبيد ويجعل كل شخص يخطىء يُحَرِر عبد حتى يتحرر العبيد، يُجبر بخاطر الخدم فيقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "أطعموهم مما تطعمون ولا تكلفوهم ما لا يطيقون"، يجبر بخاطر المرآة: "رفقاً بالقوارير" ويجعل لهن نصيب في الميراث لم يكن لهن إياه قبل الإسلام، يُجبر بخاطر اليتامى: "إخوانكم في الدين"، ويُجبر بخاطر من يُجبر بخاطر اليتامى ويقول النبي: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة".
الواجب العملي:
1. إذا كنت مظلوماً، الجأ للجبار واسجد بين يديه وقل له، "اجبر بخاطري يا رب". عهد على كل من سمع هذة الحلقة أن يرويها لغيره. اجعلوا الناس يتعرفون على الله.
2. إذا كنت ظالماً، أقسمت عليك أن تذهب الليلة لمن ظلمته حتى يرضى عنك قبل أن يقصمك الله سبحانه وتعالى سواء كان خادم أو ساعي أو زوجة.
3. اجبر بخاطر شخص حتى يوم غد، ابحث عن مسكين أو اذهب لملجأ أو مستشفى، اجلب معك هدية، ابن خالك محتاج رعاية، ابتسم في وجه فقير، امسح على رأس يتيم، إلخ... لكي تقول لله يوم القيامة، "جبرت بخاطر فلان، فاجبر بخاطري" ولكي يعرف كل الناس أن هذا الدين لإصلاح الدنيا وليس عبارة عن روحانيات فقط.
(اسم الله الجبار)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم). وأهلاً بكم، ومعاً سوياً مع "باسمك نحيا".
أتمنى أن يضيف هذا البرنامج لكل من يشاهده تَعَلُم كيفية أن يحيا رمضان مع أسماء الله الحسنى. لقد أطلقنا على البرنامج اسم "باسمك نحيا" كي تنصلح أمور حياتنا بأسماء الله الحسنى فلا نكتفي بالبكاء عند سماعها والتأثر بها فحسب.
اسم الله "الجبار":
اسم اليوم في منتهى الرحمة والرقة والعطف واللطف والرأفة والحنين؛ اسم اليوم هو "الجبار". قد يتخيل البعض أن أسماء مثل "الجبار" و"المنتقم" و"القهار" هي أسماء لقصم الظالمين والانتقام من الجبابرة. المشكلة هي أنك قد تكون عشت عمراً طويلاً ولكنك لم تشعر أبداً بأسماء الله الحسنى، كمثل قرآءتك ل"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ"(1) سورة الإخلاص، لسنوات عدة دون أن تشعر بها أو تتذوق معنى اسم "الصمد" وتحيا معه.
ورد اسم الله "الجبار" في القرآن مرة واحدة فقط في "هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ" سورة الحشر الآية رقم 23.
"الجبار" هو الذي يجبر المنكسرين. هذا الاسم يراد به الحزانى، لمن ظُلِم، لليتامى، لكل من أُهين أو كُسر وهو مظلوم. "الجبار" هو الذي يجبرك عندما تلجأ إليه بكسرِك فهو الذي يُجبِر المنكسرين. وأصل كلمة "الجبار" هو كلمة "جبيرة" وهي التي يستخدمها من كُسِرَت يداه لتصليح الكسر. يا سيدة يا من ظُلِمتي، يا فتاة يا من تَقَوَّل عليك البعض بكلامٍ وأنتِ مظلومة وبريئة منه، من لك سوى "الجبار"؟ يا يتيم يا من أنهكتك الدنيا، يا أرملة، يا مطلقة يا من تنكر لك الكل حتى جيرانك، من لك سوى "الجبار"؟ يا شريك يا من شاركت شخصاً ما في شركة ثم خدعك واستولى على مالك، من لك سوى "الجبار"؟ يا من ظلمها زوجها ظلم شديد وألحق بها الأذى، من لها سوى "الجبار"؟ اليتامى، الحزانى، كل من ظُلِم في هذة الدنيا، من لهم سوى "الجبار"؟ لن تلجأ إليه بكسرِك إلا وينصرك لأنه سمى نفسه بـ "الجبار". إذا انكسرت، الجأ إليه وتذلل بين يديه وابكي له وقل له، "أنا كُسِرت. فلان كَسَرَني". هذا الاسم يقصد به للمنكسرين، للحزانى، للضعفاء، للمقهورين.
هناك نوعان من الكسر: كسر للأبدان وكسر للقلوب. وإذا كان الأطباء يُجبرون كسر الأبدان فإن الله سبحانه وتعالى يُجبر كسر القلوب. بل حتى إن كسر الأبدان يُجبره "الجبار"! إذا كسِرت يداك، فما على الطبيب إلا إنه يعيد العظم المكسور إلى مكانه ثم يضع الجبيرة ولكن يلتئم العظم ب"الجبار" حيث يأمر الخلايا العظمية بالنشاط بعد أن كانت قد سكنت حتى يلتئم الكسر ثم يأمرها الله بالسكون مجدداً. هذا مثل "الجبار" في الأبدان، فما بالك ب"الجبار" في القلوب؟
من دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم)، "يا جابر كل كسير". وحديث النبي: "الضعفاء والخائفين في كنف الله عز وجل". ولذلك يقول النبي (صلى الله عليه وسلم)، "اللهم ارزقني حب المساكين" لأنهم في كنف الجبار. يقول المثل الشعبي، "جبر الخواطر على الله". الجأ إليه إذا كُسِرت وقل له، "يا رب، اجبر بخاطري". يا حسرة على ما فات ما عمرك دون أن تعرف الجبار! إذا طلب شخص من أحدٍ ما شيئاً فيقول له: "لأجل خاطري،..." وتلين له كي يلين لك. نحن نفعل هذا الفعل مع البشر، فما بالك بأكرم الأكرمين؟
"جابر" أم "جبار"؟
والفرق بينهما هو أن "الجابر" قد يُجبرك مرة أو مرتان ولكن "الجبار" يُجبرك كلما لجأت إليه. وقد يسمى شخص بـ "جابر" ولكن لا أحد يسمى بـ "الجبار" إلا الله سبحانه وتعالى. من صور جبر الله لك أن يُنسيك الإساءة التي تعرضت لها من أحد الأشخاص مثلاً. بعد هذا، أتلجأ للجبار أم لغيره؟ أنلجأ للناس طالبين منهم أن يُجبروا بخواطرنا والجبار يعرض علينا أن يُجبر هو بنا؟! إن اسم "الجبار" اقتضى أن يكون هناك منكسِراً، كما اقتضى اسم "الرزاق" مرزوقاً، واقتضى اسم "الرحيم" مرحوماً، واقتضى اسم "التواب" مذنباً. لذلك، لن يحول الأمر بك إلا أن تكون منكسراً في الدنيا حتى تلجأ "للجبار" وحينها ستشعر بحلاوة عبادة لم تشعر بها من قبل مثل أن تصلي ركعتين وأنت منكسراً للجبار. أما الكارثة الحقيقية فهي أن تنكسِر ولا تلجأ للجبار! سوف يوسوس لك الشيطان بأنك منافق إذا لجأت للجبار في حينها، وبأن تلجأ إليه بعد حل مشكلتك، وذلك لأن الشيطان على علم بأنك سوف تشعر بأحلى لحظة عبودية عندما تلجأ إليه منكسراً وهي منتهى القرب ومنتهى الحنان من الله سبحانه تعالى.
قاعدة يجب أن تعتقد فيها:
"إذا انكسرت ولجأت لله، فلن يُرجِعَك". قد يؤخر الله الجبر لحكمة يعلمها، لكنه لن يرجعك. ومثال على ذلك أن تعرض أحد الأشخاص لمشكلة ما في بلده واضطر إلى مغادرته وكان ذلك في شهر رمضان، فخرج هائم على وجهه لا يدري وجهته أو البلد التي سوف يقيم به وقد جآءته فرصة أداء مناسك العمرة مع انتهاء تأشيرة العمرة في اليوم الثلاثون من رمضان. فكان يمشي بين الناس عند الحرم المكي دون أن يراهم من هول الكارثة التي لحقت به. وفي اليوم السابع والعشرون من هذا الشهر، بدأ الطواف بالبيت وبالرغم من درايته بالكثير من الأدعية إلا أن لسانه قد انعقد ولم يقل أثناء طوافه بالبيت سوى، "يا رب، اجبر بخاطرى! يا رب، أجبر بخاطرى!" وكأن الله قد أنطقه بهذة الكلمة. وفي شوط من الأشواط أوقفه شخص قائلاً له أنه يبحث عنه منذ ثلاثة أيام ليبلغه أنه قد رأى الرسول (صلى الله عليه وسلم) في رؤيا في المنام قائلاً له أن يبلغ فلان أنه على الحق وأن يصبر قليلاً، فسوف يُنهك لمدة عام ثم يفتح الله عليه. فأصبح يبكي الرجل من سرعة جبر الله له وحنانه عليه وإرسال هذه البشرى له. ثم يخرج من الحرم ليتلقى اتصالاً تليفونياً من رجل فاضل يبشره بحصوله على تأشيرة إقامة في بلد ما. لن تلجأ إلى الجبار منكسراً طالبا منه أن يَجبر بخاطرك، فيُضيعك.
ومثال آخر، وهو مثال أم سيدنا موسى. فقد كان فرعون يقتل الذكور من المواليد، وقد وضعت أم موسى سيدنا موسى وأوحى الله لها: "...أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ..." وبعدها قال الله تعالى: "...وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ" سورة القصص الآية رقم 7. وقد وردت هذة القصة بعد ذكر قصة فرعون وبني إسرائيل (قضية أُمة) أي أن الله ذكر قصة سيدة ما كُسِر قلبها بعد هذة القضية الكبيرة. كم أن قلباً مكسوراً مثل هذا غالٍ عند الله! ثم يقول الله تعالى، "فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ..." سورة القصص الآية رقم 13. يا مكسورين، يا حزانى، يا ضعفاء، يا يتامى، يا أُمة محمد (صلى الله عليه وسلم)، يا أهلنا في العراق، يا أهلنا في لبنان، يا أهلنا في فلسطين، "إذا كنا مكسورين، فليس لنا إلا "الجبار". "...وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" سورة القصص الآية رقم 13، "لن يُرجعك الجبار أبداً".
لجوء النبي (صلى الله عليه وسلم) للجبار:
ضُرِبَ النبي بالحجارة يوم الطائف وقد كان يبلغ من العمر خمسون عاماً، وكان يبحث عن مكان يأوي إليه مع زيد بن حارثة، فدعى النبي شاكياً إلى الله دون أن يطلب منه شيئاً قائلاً، "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس. أنت رب العالمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي. إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني؟ - حال الأُمة حالياً - أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي". تعلموا من نبيكم (صلى الله عليه وسلم) كيف تلجأوا إلى الله. ثم يأتي طفل صغير يسمى عدَّاس يقدم عنب للنبي ويجري حوار معه يعرف منه أنه رسول الله، فينزل عدَّاس مُقبِلاً قدما النبي. لابد أن يجبُرك! قد يجبُرك الله تدريجياً لحكمةٍ يعلمها، ولكن لابد وأن يُجبر خاطرك ولو بإشارة. ثم يأتي الجبر الكامل وهي رحلة الإسراء والمعراج. وبالنسبة لأمتنا، فهذا هو أنسب وقت تحتاج الأمة فيه إلى أن يجبُرنا الجبار!
كي يجبرك، يأخذ الحق ممن ظلمك:
يقصم الله من ظلمك، ليُجبرك. فهو جبار للمظلومين، جبار على الظالمين. إذا كنت منكسراً، ومن كسرك لم يتب ومُصِراً على ما فعله بك، فسيجبرك الله ويأخذ لك الحق ممن كسرك. لاحظ أن كلمة "جبار" في حياة الناس هي كلمة مذمومة، لكن "الجبار" سبحانه وتعالى هي كلمة كلها خير ومصلحة لأنه يرد للظالمين حقوقهم. فهو جبار للمنكسرين، جبار على الكاسرين. لابد أن يقصم الله من ظلمك. وكأن اسم الله "جبار" له شقان: شق إذا كان ظالم وشق إذا كان مظلوم.
الفرق بين "الجبار" و"المنتقم":
"المنتقم" علاقة بالظالمين فقط ولكن "الجبار" الأصل فيها للمظلومين، لكن ليتم حق المظلومين فلابد أن يُؤخذ من الظالمين. ونتعلم من هذا الآتي: "إياك أن تنام ليلتك وأنت ظالم". هناك مثل عامي نَصُّه، "يا بخت من بات مظلوم، ولم يبت ظالم". يا من ظلمتم الناس، احذروا! يا من ظلمت وتحترق شوقاً لتنتقم ممن ظلمك، احذر فإن الله معك في اللحظة التي ظُلِمت فيها. أنت في كنف الجبار.
فإياكِ وظلم خادمتك، فقد تلجأ للجبار ليلاً باكية له من ظُلمِك. إياك يا صاحب العمل وقهر أو ظلم موظف أو ساعي بسيط عندك، فقد يلجأ إلى الله ليلاً باكياً له من ظلمك وطالباً منه أن يجبر بخاطره، فيقصمك الله من أجل هذا البسيط. إن أنت حييت باسماء الله الحسنى، فما بالك بإصلاح الأرض؟ يا من تقومون بتعيين أشحاص في مناصب بالمحسوبية ويكون غيرهم أحق بهذة المناصب، فيلجأ كل من هو أحق بالمنصب مقهوراً إلى الجبار شاكياً له أنه كان مؤهلاً لهذا المنصب ولكن المحسوبية فَضَلَت فلان! إياك وأن تقوم بتعيين أحد بالمحسوبية فالجبار يقصمك من أجل هذا المظلوم الذي فُقِد مكانه. هل لاحظت كم أن هذا الاسم متوغل في حياتنا؟
يجعل ما قصمت به نعمة:
أحياناً تظلم شخصاً ما فيقصمك الله لأنك ظالم وليُجبر هذا المنكسِر، فتتوجع وتبكي وتلجأ للجبار، فيجعل ما قصمك به نعمة تفرح بها وتنصلح بها حياتك، أي يُحوِّل ما كُسِرت به إلى نعمة. ومثال على ذلك، عندما وكز سيدنا موسى الرجل فقضى عليه فقتله وكان نتيجة ذلك أن خرج من مصر، وهذة كَسرَة شديدة تحولت إلى قمة النعمة، حيث أن العشر سنوات تلك هي التي أهلته للنبوة. ومثال آخر، أنه كان هناك رجلاً ليس متديناً وله من الأولاد اثنان، وكانت تملأ حياته السخرية من الناس والضحك والنكات والهزار. كان يذهب لعمله وكان يحب أولاده ولكنه لم يكن مهتماً بهم إلى درجة كبيرة. وذات يوم وجد رجلاً كفيفاً يمشي في الشارع، فسخر منه وسار بجانبه يقلده لِيُضحِكَ الناس عليه. من المؤكد أن هذا الكفيف قد كُسِر. وبعد عدة أشهر من هذا الموقف، أنجب طفلاً كفيفاً وكُسِر هذا الرجل! يُجبر الله كَسر من ظلمته، فيقصمك وربما بنفس ما اقترفت! ولاحظ أنه قد يتحول إلى نعمة! بعدما أنجب هذا الرجل الطفل الكفيف، اكتئب لشهورٍ عدة، ثم انتهت علاقته بهذا الطفل! اهتم بطفلاه الآخران وترك تربية هذا الطفل الكفيف لأمه مع إعطائها نفقاته، فلم يرد أن يشغل باله به ولكنه كان يشعر بالإنكسار داخله وأن هذا الطفل بمثابة عذاب بالنسبة له، فكان يتجاهل هذا الأمر. ومع نمو الطفل، لم يرد الرجل الإحتكاك به وأصبح بينهما حاجز نفسي شديد حتى بلغ الطفل ست سنوات.
وفي يوم من الأيام، خرجت الأم مع أبنائها الكبار ووجد الأب نفسه وحده بالبيت مع هذا الطفل الكفيف. وقال الطفل لأبيه، "يا أبي، اليوم هو يوم الجمعة. هلا اصطحبتني إلى المسجد؟"
اندهش الرجل عندما علم أن ابنه ذو الست سنوات يصلي ويريد أن يذهب إلى المسجد. فقال له الرجل، "من أخبرك أن عليك الذهاب إلى المسجد؟ "قال له الولد، "أمي تصحبني أحياناً إلى هناك". فقد كانت أمه سيدة متدينة. وأخذ الأب الطفل قال الرجل لابنه، "سأصطحبك إلى المسجد". شعر الرجل أن معه شيخ كبير يعلمه. قال الطفل لأبيه، "يا أبي، سأتلو عليك سورة الكهف". فبدأ الولد في القرآءة وبدأ الأب في البكاء فعرف الله! فتحول ما كُسِر به إلى قمة النعمة. تَظلم فيقصمك فتنكسِر فتلجأ إليه فيحول ما كُسِرت به إلى نعمة.
دعاء:
يقول أحدهم: "يا رب، عَجِبت لمن يعرفك، كيف يخاف من عبادك وأنت الجبار؟! ويا رب، عَجِبت لمن يعرفك، كيف يُخيف عبادك وأنت الجبار؟!" لو كُسِرت، اسجد بين يديه وقل له: "يا جبار، أجبر بخاطري". ولو ظَلِمت، اطلب السماح ممن ظلمته واطلب منه ألا يدعو عليك واجبر بخاطره.
الجبار يوم القيامة:
أصعب موقف يوم القيامة هو يوم ينادى على البشر للعرض على الله سبحانه وتعالى. تخيل أنه ينادى على كل شخص يومئذٍ: "فلان بن فلان" وأن الملائكة ستأخذك الآن وأنك ستقف بين يدي الله، ليس بينك وبينه ترجمان وستتعرف عليك الملائكة من شدة قلقك وخوفك، وينادى، "فلان بن فلان، هلم للعرض على الجبار!" ينادى باسم الله "الجبار" هنا لأنك في الدنيا كنت إما منكسِر أو ظالم. وتخيل وقفتك بين يدي الله وحقوق الناس! يا من ظلمتم الناس، هل سوف تستطيعون الخلود إلى النوم الليلة؟ يا من ظلمتِ سيدة ما وشهرتِ بها، يا من تضربين خادمتِك كل يوم، يا من استوليت على حق فلان، هل سوف تستطيع الخلود إلى النوم الليلة؟ أريدك أن تتذكر ورأسك على الوسادة اليوم، "فلان بن فلان، هلم للعرض على الجبار!" وتخيل أنك تقول لله، "يا رب، كما جبرت بخاطري في الدنيا، اجبر بخاطري في الجنة، اجبر بخاطري يوم القيامة" فيجبرك، أو تقول له، "يا رب، لقد ظلمت في الدنيا ولكنني علمت أنك الجبار فذهبت يوم السادس من رمضان وجبرت بخاطر فلان، اجبر بخاطري اليوم يا رب".
نوع آخر من الجبر:
وهو "جبر العُبَّاد" أي أن يكون شخص متحمس للعبادة في رمضان مثلاً وينوي ختم القرآن مرتين وأداء صلاة التراويح في صلاة الجماعة في الصف الأول، وفجأة يثقل بعمله أو يصاب بمرض، فيحزن ويبكي ولكن يجبر الله بخاطره ويعوضه. ومثال آخر، حيث قال سيدنا موسى، "...قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ" سورة الأعراف رقم الآيات 143، فقد طلب سيدنا موسى نوع من العبودية ولكنه لم ينفذ. وتليها الآية، "قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ" الآية رقم 144. إن لم تحصل على هذا الطلب فسوف تحصل على شيء آخر وهو أن تكون "كليم الرحمن". إن حُرمت من عبادة، فسوف يجبر الله العُبَّاد بمنحهم عبادة أخرى.
أكثر الناس جبراً لخواطرهم من الله:
هم الوالدين، فإياك أن تكسِر بخاطر أبيك أو أمك أو تدمع أعينهم أو تحمر وجوههم أو تنكسِر قلوبهم! ولذلك وردت كلمة "جبار" مرتين في القرآن على الوالدين على الحذر من أن تكون جباراً عليهم؛ مرة على لسان سيدنا يحيى في قوله، "وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً" سورة مريم الآية رقم 14، ومرة على لسان سيدنا عيسى في قوله، "وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً" سورة مريم الآية رقم 32. إياك أن تشعر بالعار من أبيك أو أمك أو تَكسِر بخواطرهم مثل ألا تريدهم أن يظهروا أمام أصدقاءك!
صور عديدة لجبر الله لخاطرك:
يجبُر بخاطرك بأن يقبل توبتك، يجبر بسنن الصلوات عن النقص في الفرائض، يجبر عثرات المؤمنين عندما يخطئوا فيسامحهم ويعفوا عنهم لسابق إحسانهم، يجبر بخاطر الأمة عندما كسرها التتار ويدخل التتار في الإسلام، يجبر بخاطر العبيد ويجعل كل شخص يخطىء يُحَرِر عبد حتى يتحرر العبيد، يُجبر بخاطر الخدم فيقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "أطعموهم مما تطعمون ولا تكلفوهم ما لا يطيقون"، يجبر بخاطر المرآة: "رفقاً بالقوارير" ويجعل لهن نصيب في الميراث لم يكن لهن إياه قبل الإسلام، يُجبر بخاطر اليتامى: "إخوانكم في الدين"، ويُجبر بخاطر من يُجبر بخاطر اليتامى ويقول النبي: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة".
الواجب العملي:
1. إذا كنت مظلوماً، الجأ للجبار واسجد بين يديه وقل له، "اجبر بخاطري يا رب". عهد على كل من سمع هذة الحلقة أن يرويها لغيره. اجعلوا الناس يتعرفون على الله.
2. إذا كنت ظالماً، أقسمت عليك أن تذهب الليلة لمن ظلمته حتى يرضى عنك قبل أن يقصمك الله سبحانه وتعالى سواء كان خادم أو ساعي أو زوجة.
3. اجبر بخاطر شخص حتى يوم غد، ابحث عن مسكين أو اذهب لملجأ أو مستشفى، اجلب معك هدية، ابن خالك محتاج رعاية، ابتسم في وجه فقير، امسح على رأس يتيم، إلخ... لكي تقول لله يوم القيامة، "جبرت بخاطر فلان، فاجبر بخاطري" ولكي يعرف كل الناس أن هذا الدين لإصلاح الدنيا وليس عبارة عن روحانيات فقط.
الصفحة الأخيرة
وجزاكى الله كل خير