(اسم الله الحق)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم. اسم اليوم عندما أتحدث عنه أشعر بالهيبة الشديدة، لأن به تنصلح الأرض، بل الكون كله، حياتنا الاجتماعية جميعها مرتبطة بهذا الاسم.... اسم اليوم إذا غاب تطبيقه بين الناس في حياتهم تكون النتيجه فساد الأرض، وضياعها، وانهيارها، وحياة إجتماعية مليئة بالتعاسة، والكآبة، والانهيار، والظلم، والضياع.....اسم اليوم هو اسم الله الحق.
(الحق) كلمة حروفها قليلة جداً، ولكنها تزن السماء والأرض، وعليها قامت السموات والأرض قال تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ... )(التغابن:3)، كل شئ في كونه قائم بالحق، وقد أنزلنا الأرض وقال لنا عيشوا بالحق، وأكملوا في هذا الكون الصغير المسمى بالأرض بالحق.
إنه حقاً اسمٌ عظيمٌ،.... قال تعالى: (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ... )(يونس: 32)، قال تعالى: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ... )(المؤمنون:116)، قال تعالى:(... فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ...)(يونس:32)، قال تعالى: (..ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ... )(الحج:6)، قال تعالى: (...وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ... )(يونس:30)، اسم الله الحق ذكر في القرآن سبع مرات، وكلمة الحق جاءت في القرآن مئتان وثماني وسبعون مرة، ولاتأتي كلمة الحق في القرآن إلا مع عظائم الأمور، مثل ماذكرت لك في قوله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ... )(التغابن:3)، أي أنه كون قائم على الحق.
*هدف الحلقه:
باسمك يا حق نحيا، هدفنا أن نحيا بالحق، ونقول الحق، ولانكتم الحق، ونموت على الحق، وإياك أن تضع منفعتك الشخصية في كفة, والحق في كفة ثم ترجح كفة منفعتك الشخصية، هدف الحلقة أيضاً أن تحب الحق؛ والحق صعب على النفس الإنسانية، ولذلك لابد أن تحبه لأن الله تبارك وتعالى هو الحق، ولأنك لو أحببت الحق كأنك أحببت الله تبارك وتعالى، والله تبارك وتعالى جعل من أسمائه الحسنى ((الحق)).
هل أنت تحب الحق؟ هل أنت تقول الحق؟ هل أنت تحيا بالحق؟،، أم إنك تحيا بالزيف والباطل، فإذا كنت تحيا كذلك فإنك تحيا بعيداً عن الحق سبحانه وتعالى، اعتمر كما تريد، وابكي كما تريد، واحفظ القرآن كما تريد،...أنت تخدع نفسك إذا قلت أُحب الله، لأنك على هذه الحالة لاتعرف الحق سبحانه وتعالى.
ربما لاتسطيع أن تنام ليلاً، إذ لم تكن في طريق الحق سبحانه وتعالى، لأن اسمه (الحق) وأنت حياتك باطل، إذن كيف تعيش؟؟... هذا الاسم يجعل الصعب سهلاً، الحق صعب علينا جميعاً، هو سبحانه يجعله سهلاً، لأنك في طريقه، وتلقاه يوم القيامة وتقول له باسمك يا حق حييت.
حلقة اليوم تنقسم إلى محاور رئيسية، المحور الأول هو "معنى الحق وماهو الفرق بين الحق والعدل"، والمحور الثاني "حقائق كبرى في حياتنا إذا حييت بها وأحسست بها إذن فأنت تحيا مع الحق وهم ثماني حقائق"، المحور الثالث "نماذج من عاشوا بالحق ولوعلى أنفسهم، المحور الرابع والأخير "الحق منتصر لامحالة".
*معنى الحق والفرق بينه وبين العدل:
الحق نقيض لكلمة الباطل، وبضدها تعرف الأشياء، وهو ماتيقنت منه يقيناً دامغاً تاماً فثبت في يقينك مئه بالمئه أنه موجود وأنه ثابت وأنه حقيقة...وبالتالي فإنه لابد أن يكون من أسماءه الحسنى (الحق) لأنه هو أول الحقائق، وأعظم الحقائق هي وجود الله تعالى، لأن أمره حق، ونهيه حق، وفعله حق. انظر إلى قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي...)(يونس:35)، بمعنى إذا كان هو الحق، وقوله حق، ويهدي إلى الحق فكيف تبحث على الحق عند غيره، إذن الحقائق الكاملة في كتابه، وقوله، ووعوده، ولقائه، وجنته، وأن تكون مع الحق سبحانه وتعالى...
أصعب شئ في الحياة، أن تسير عكس اتجاه الكون، ويحدث تصادم، وإياكم أن تصطدموا بقوانين الكون، لأن الكون يسير بالحق، وأنت تسير بعكس الأتجاه، فالنتيجه أنك ستصطدم، فتتعب، وتموت، وتحيا تعيس، وتحيا بدون إستقرار، هذا الكلام كلام بديهي وعقلي. إذن ماهو الفرق بين الحق والعدل، العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه، إذن فإن العدل هو تطبيق للحق، أي إن الحق قيمة والعدل تنفيذها، وإثباتاً لذلك تجده في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ...)(النحل:90)، ولكن الله تعالى سمى نفسه الحق، لأن الحق أعظم.
إذا تخيلنا أنه لم يكن في الكون اسم الله (الحق)، ما الذي كان سوف يحدث؟؟، ما الذي كان سيحدث للحياة؟؟، دعونا نتخيل أن هناك شخص ما يريد أن تشرق الشمس الآن...ويمنع المطر في بلد معين، لأنه غاضب منها... أو يمنع الهواء في بلد معين...قال تعالى على غرار ذلك: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ...)(المؤمنون:71)، الله سبحانه وتعالى هو الحق الذي لايفضل جنس عن جنس، ولا أمة على أمة، ولا بلد على بلد، ولا شعب على شعب، ولا لون على لون، ولا رجل على امرأه، كله بالحق، ولذلك انظروا إلى دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الجميل يقول فيه: (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا أتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه)، لأن الحق صعب والشيطان دوره أن يغمي عليك الحق بمعنى أن يريك الباطل حق والحق باطل، وقد ذكر رسول الله في هذا الدعاء اللهم ارزقنا أتباعه، لأنه رزق، لأنك ممكن ان ترى الحق ولا تتبعه، أو ترى الباطل ولا تجتنبه.
الحق يخاطب أُناس كثيريين، يخاطب رجل الأعمال الذي فضل منفعته الشخصية، على احتياجات وطنه، يخاطب الزوج الذي فضل أن يقضي الوقت مع أصدقائه، ويرجح منفعته الشخصيه على حساب أبناؤه، وزوجته، وبيته، يخاطب الطالب الذي يغش في الامتحان، ويأخذ حق غيره، يخاطب الغرب الذين وضعوا مصالحهم الشخصية في كفة، والعراق في كفة، واختاروا مصلحتهم الشخصية، تخاطب المنتج السينمائي، الذي يفضل مكسبه المادي على ما يراه، أبنائنا وشبابنا في التلفاز, وفي الفاضائيات، تخاطب المرأه التي تُحَرِض زوجها على أكل مال الغير، وهي تعلم أنه حرام، تخاطب الرجل الذي وظف شخصاً في عمل ما وهناك من هو أكفأ منه، وهذه كفاءات علمية وأُخذ حقها، فإذن ستسافر وتهاجر إلى الغرب، وتكون النتيجة هم يزدادوا كفاءة ويستفيدوا من شبابنا وأولادنا، ونحن نزداد ضعف لأن الحق ليس موجود، تخاطب وتخاطب ملايين القصص...
أقول هذا الكلام لأن الله سبحانه وتعالى خلق السموات والأرض بميزان دقيق، وأنزلنا للأرض، وقال لنا نحن المسؤلون عن الأرض، ورسم لنا فيها كيف نحيا بالحق، وأرسل لنا الأنبياء، وأرسل لنا الكتب، وقال هذا هو الحق، وقال لنا عمروا الأرض بالحق...إذن عندما تخالفوا الحق فإنكم تخالفوا قوانين الله في الكون.
*كيف إذا ضاع الحق ضاعت الأرض:
سأضرب لكم مثلين صغريين يوضح هذا المعنى..
*المثال الأول: كان هناك حي في غاية الجمال يسمى "المهندسين" هذا الحي كانت منازله مبنية على أربع طوابق لأن بنيته التحتية مناسبة للأربع طوابق، وسكانه كانوا سعداء بذلك كثيراً، ورغم أن القانون يمنع الزيادة في عدد الطوابق، جاء هناك من زاد في عدد الطوابق من أجل منفعته الشخصية، فأصبح عشرون وثلاثون طابقاً، ففسدت الحياة في الحي وترك الناس الحي.
*المثال الثاني: الطالب الذي يغش في الإمتحان ويأخذ حق شخص أخر، انظروا إلى هذا الحديث، بينما رسول الله "صلى الله عليه وسلم" يحدث الصحابة، جاء رجل فقال: (يا رسول الله متى الساعة؟) –قاطع النبي وهو يتحدث-فلم يرد عليه وأكمل النبي حديثه، فقال بعضنا "سمعه ولم يعجبه ما قال" وقال بعضنا " بل لم يسمعه" فلما انتهى النبي "صلى الله عليه وسلم" من حديثه قال: (من السائل عن الساعة؟)، فقال: (أنا يارسول الله)، فقال له النبي: (إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)، فقال: (وما ضياعها يا رسول الله؟)، قال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
*أشكال الناس مع الحق:
للناس أشكال شتى مع الحق، منهم من يكتمه، ومنهم من يخشى على نفسه أن يقوله، ومنهم من يلبسه على الباطل، كما في قوله تعالى: (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:42) ، ومنهم من لايعرف أين الحق وأين الباطل، ومنهم من يعلم الحق وهو على باطل ويصر على الباطل، وأنت أيضاً يوجد في حياتك أشياء مثل ذلك، وتقول لنفسك، هل أنا كنت على حق في الموقف كذا، هل موقفي كذا كان على حق أم على باطل؟؟؟
*الحقائق الثمانية الكبرى:
انظر إلى حبيبك "صلى الله عليه وسلم"، أعطى لك ثماني حقائق، إذا حييت بهم سوف تحل لك كل الألغاز الأخرى في حياتك وبالإضافة إلى ذلك أنه "عليه الصلاة والسلام" علمنا أن ندعوا بهذا الدعاء كل ليلة، وهو كان يفعل ذلك "صلى الله عليه وسلم" في قيام الليل، كان يبكي ويبتهل بها إلى الله عز وجل، بعيداً عن مشاكل الحياة، والضوضاء، والحقائق مستقرة وهادئة، ولو هذه الحقائق استقرت في ذهنك، سوف تكون هذه نقطة البداية لترتيب وتوضيح الحقائق الغير واضحة في حياتك، ولكن بقلبك ووجدانك، وأعماقك، وإذا تعرض لك الباطل أمامك، بكل ألوانه وصوره، من مال، من دنيا.....لاتخف أبدأ لأنك على الحق، والحق يريد منك شجاعه ورؤية، في كل الأحيان.
أما عن هؤلاء الحقائق الثمانية فهي، كان صلى الله عليه وسلم يقول كل ليلة: (( اللهم لك الحمد أنت ملك السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، وقولك حق، ووعدك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد "صلى الله عليه وسلم" حق، اللهم بك خاصمت، وإليك حاكمت، وعليك توكلت..)) وهؤلاء الثمانية ليست بالقول فحسب، ولكن بالقلب والوجدان، والدليل على ذلك، حديث النبي "صلى الله عليه وسلم" عندما ذهب إليه حارثة فقال له النبي: (كيف أصبحت يا حارثة؟)، قال: (أصبحت مؤمناً حقاً يارسول الله)،قال له النبي: (لكل قول حقيقه فما حقيقة إيمانك؟)، قال: (أصبحت وكأن عرش ربي بارزاً-اللهم أنت الحق-وكأني أرى أهل الجنه يتنعمون في الجنة-الجنة حق-وكأني أرى أهل النار يصطرخون في النار-النار حق-فعزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري) فقال له النبي: (ياحارثه عرفت فالزم)، إن هذا الحديث يبتن كيف أن الحقائق استقرت في قلب حارثة، وأنت أيضاً إذا أحييت هذه الحقوق سوف يفتح عليك في حقوق أخرى.
ترتيب الحقائق الثمانية:
الحقيقه الأولى تقول أن الله حق، إذن وبكل تأكيد أن قوله حق، وإذا كان قوله حق فبكل تأكيد أن لقاؤه حق، وإذا كان لقاؤه حق وبكل تأكيد إذن فالجنه حق، وإذا كانت الجنة حق فالنار حق، إذن فالذي دل على هذا وهم النبيون فهم حق، وإذا النبيون حق، فإن النبي "صلى الله عليه وسلم" حق، والإضافه التي كانت في أخر الدعاء تدل على أن بعدما استقرت هذه الحقائق في ذهني، أنا على أتم أستعداد لكي أدخل غمار الحياه،، وقد فرشت لك البنية الأساسية التي تنطلق منها لكي تخاصم وتحاكم، وتتعامل، وتتوكل، وتُعامل الناس، لذلك لاتخشى شيء إذا اغترست تلك الحقائق في نفسك.
تحليل الثماني حقائق:
الأولى: اللهم أنت الحق...
انظر إلى قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (لقمان:29)، الذي فعل كل هذا لابد أن يكون حق، قال تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ...)(فصلت:53). قال تعالى (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ...)(التغابن:3). تعني أن الله يريد أن تحيوا في الأرض بالحق، ويقول لكم انظروا في كل شئ من حولكم ستجدونها تسير بميزان دقيق، مثلاً الفصول الأربعة وكمية الأمطار التي تمطر وعدد الثمار التي تخرج من الأرض خلقت كلها لحقوق الكائنات في الحق. أيضاً بُعد مسافة الشمس عن الأرض.. إذا اقتربت بمقدار ملم واحد تتحول الأرض إلى كتلة من النار، وإذا بعدت ملم واحد تجمدت الأرض، وهذا معنى الآية السابقة. إن رأيت الحق فلتسير فيه واعلم أنك ستكون قريباً من الله الحق، أما إذا بعدت عنه فإن الأرض سوف تُدمر لأنك تسير في الباطل.
الثانية: وقولك حق...
الذي هو كلام الله تبارك وتعالى.. قال تعالى: (... وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ)(الأحزاب: من الآية4). هل من الممكن أن تحيا مع قراءة القرآن؟ أن كل كلمة تقرؤها في كتاب الله حق مثل قوله تعالى: (... وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ )(الأعراف: من الآية85) حق.. لا يمكن أن أفعل ذلك لأن ذلك سوف يكون عكس الحق. مثال أخر: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ)(المطففين:1) حق.. فالذي يطفف في علاقته مع زوجته، أو الذي يطفف في تجارته وفي الميزان، والذي يطفف في الحقوق، وكيف أن القرآن هو قوله الحق وأنا أحيا بعكسه؟؟
الثالثة: ووعدك حق...
كل وعود الله تبارك وتعالى حق كما قال في قوله تعالى: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ... )(القصص: من الآية13). ومن وعود الله أيضاً أنه قال من أجل الإسلام: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً... )(النور: من الآية55). ووعد أخر كما في قوله تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ...)(الذريات:22/23) إذاً لم أنت خائف على رزقك؟ وكيف يكون وعدني بهذه الوعود وأنا لست بمصدقه وأكون على غير هذه الوعود؟
رابعاً: لقاءك حق...
أي أنك إذا حييت بالباطل تذكر أنه لقائه حق كما قال في قوله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا...)(الأنعام: من الآية30). قال تعالى: (الْحَاقَّةُ *مَا الْحَاقَّةُ)(الحاقة:1/2)، سميت القيامة هنا الحاقة أي أنها حق وسوف تقع وسيحق فيها الحق ويظهر فيها الباطل، تخيل قوله تعالى: (ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ...)(النبأ: من الآية39) ماذا تفعل يومئذ يا من تحيا بالباطل؟ إنها دنيا قصيرة.
خامساً: والجنة حق...
أي حق وقد انتهى، يا أيها المشتاقون للجنة أحيوا من أجل الحق، انظروا إلى قول الله تعالى: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ)(لأعراف:44)، وجاءت "نادى" فعل ماضي لأنه حق وانتهى.. والظالمين هنا الذين غشوا وسرقوا وزوروا وضيعوا الحقوق.
سادسا: النار حق...
عندمنا قال إبليس (... فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)(صّ: من الآية82) انظر ماذا قال الله تعالى له: (قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ )( ص: 84/ 85). انظر إلى قوله تعالى: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ...)(الأحقاف: 34).
سابعاً: والنبيون حق...
عيسى حق، وإبراهيم حق، وموسى حق، وسليمان حق، وآدم حق.. عليهم السلام كانت رسالتهم إظهار الحق على الباطل؛ لذلك وضع النبيون في الدعاء.
ثامناً: ومحمد صلى الله عليه وسلم حق...
(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً)(الفتح:8). ثلاثة وعشرون عاماً ورسالته كلها هي إحقاق الحق، وقريش كانت لا تريد أن تؤمن لأن تجارتها مع الأصنام التي حول الكعبة، وأبو لهب كان لا يريد الوقوف بجانب ابن أخيه صلى الله عليه وسلم لأنه كان يخشى على ماله من رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)(المسد: 1/2). ونرى أيضاً الكلمة التي دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم مكه عند فتحها وبعد 23 عاماً من فراقها فلقد قال وهو يطوف بالكعبة: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)(الاسراء:81).
لماذا خُلقت؟
إذا ايقنت تمام اليقين بالثماني حقائق التي ذكرناها سابقاً سوف تظهر لك حقيقة جديدة وهى لماذا خُلقت؛ لأن أنت المطلوب منك أن تقوم برسالة حق.. أن تصلح وتُعمِر في الأرض بالحق، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ...) (المؤمنون: 115/ 116). وقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ...) (الدخان:38/39). انظر إلى قوله تعالى: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ*وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً)(صّ:26 /27). أتدرون لمَ ربط الله سبحانه وتعالى ما قاله لداوود في الآية الأولى بالآية الثانية التي تتحدث عن السماء والأرض؟ لأنه لا يوجد إلا حق واحد كبير في الكون كله، وأنت تؤدي جزء من هذا الحق لأنه سبحانه وتعالى أكمل الحق في باقي الكون وطلب منك أن تكمله أنت في جزء من هذا الكون الذي يسمى بالأرض. قال تعالى: (...إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً...)(البقرة: من الآية30) لذلك كان لابد أن يُذكر سيدنا داوود بأنه خلق السماوات والأرض بالحق.
الحق عريق.. الحق أصيل.. الحق في صميم الكون.. هذا لا يدل على أن إذا نسى المسلمون الحق في هذه الأرض أن الحق غير موجود، إذا كنتِ أنتِ على الحق وباقي المسلمين باعوا الحق فأنت قريبة من الحق عز وجل والباقي باطل، يا رجال الأعمال.. يا ربات البيوت.. يا شباب.. يا بنات أرجوكم أحيوا بالحق.
نماذج عاشت بالحق:
سوف أسرد لكم نماذج عاشت بالحق ولو على أنفسهم، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا...)(النساء: من الآية135). وقوله تعالى: (... وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ – خلاف أو غضب مع قوم- قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى...)(المائدة: من الآية8).
النموذج الأول: النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق عندما سُرق درع سيدنا قتادة وحامت الشبهات حول أحد الأنصار قام هذا الأنصاري وهو السارق الحقيقي بالتخلص من الدرع وإلقاؤه في بيت اليهودي ليُتهم بدلاً منه. وعندما وجد المسلمون الدرع المسروق في بيت اليهودي برأ الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأنصاري إلى أن نزل قول الله الحق (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً * وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً*وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً)(النساء:105/106/107)، فعاد النبي وأعلن براءة اليهودي مما نُسب إليه.
النموذج الثاني: عندما فتح جيش المسلمين سمرقند في عهد عمر بن عبد العزيز بعث له قائد سمرقند وقال له أن جيشك لم ينفذ ما قاله نبيكم، ودخلوا دون إنتهاء المهلة وهي ثلاثة أيام، فأمر عمر بن عبد العزيز أن يخرج الجيش كله من سمرقند، وهذا أمر شاق على أي قائد ولكن الحق أقوى، فعندما أمر عمر بن العزيز جيشه بالخروج أثر ذلك في نفوس أهل سمرقند ودخلوا في الإسلام، وخرج منهم العلماء المسلمين.. وكل هذا من أجل كلمه حق.
النموذج الثالث: عندما سرقت امرأه مخزومية بعثوا للنبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة لكي لا تُقطع يدها لأنها شريفة، احمر وجه النبي غضباً حتى تمنى زيد أنه لم يسلم قبل هذه اللحظة، وقال له النبي: (والله لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها، إنما أهلك من كان قبلكم، إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد).
النموذج الرابع: عندما طلب أبو طالب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك الدعوة من أجل قريش قال له: (والله ياعم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أموت في سبيله).
النموذج الخامس: عندما أوذي أحمد ابن حنبل في قضية ظلم وهو على الحق، أخذوه إلى السجن وكان يخشى فتنة السوط ولكن الله ثبته على الحق، باللص الذي قال له: (يا إمام اثبت على الحق فإن عشت عشت سعيداً، وإن مت مت شهيداً)، فقال أبن حنبل: (فكأنها بُعث في نفسي روح من جديد).
النموذج السادس: تشرشل في الحرب العالمية كانت انجلترا دماراً وخراباً، وكان يسأل الوزراء عن أخبار كل مجال بها، ولكن دون جدوى، لا يوجد ماهو جيد لكي يقال عليه، إلا أن سأل وزير العدل فقال له: (العدل بخير) فأجابه تشرشل: (إذن سننتصر)، وقد انتصروا.
الحق منتصر:
لأن الله تبارك وتعالى هو الحق وأوكل إلينا إصلاح الأرض بالحق، أرأيتم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر عندما قال للمشركين القتلى :(ياعتبة ابن ربيعة، ياشيبة ابن ربيعة، ياوليد، ياعمرو ابن هشام، أنا قد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟؟)، قال تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ...)(الانبياء:18). ضرب الله تعالى لنا مثلين في القرآن الكريم عن الحق، أحداهما ناري، والأخر مادي، وكلامها يؤدي إلى نفس الاتجاه قال تعالى: ( أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً-الماء وهو رمز الخير والحق- فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ-الحق يسير ثم يأتي القش على وجه المياه، وهذا القش رمز الباطل، ومما يوقدون أي إذا كنت تريد الذهب خالصاً لابد أن يتخلص من الشوائب العالقة به وهي أيضاً تظهر على السطح- كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) (الرعد:17)، أتدرون أن هذه الآية الكريمة وضحت لنا مدى قيمة الحق، وأنه لن يزول حتى وإن كان ضعيفاً، ومختفياً، ويظن البعض أنه ميتاً، والباطل قوياً، ومتفشياً،....ولو زال الحق تقوم القيامة، والحق باقٍ إلا أن تقوم الساعة لأن هناك حساب يوم القيامة.
الاتفاق الأخير:
نتفق على ماقد أخبرتكم به في أول الحلقة وهو أن تحبوا الحق، وتعيشوا بالحق، وتقولوا الحق، ولاتكتموا الحق، وتموتوا على الحق، احيوا باسمك ياحق نحيا، أحبوا الحق من كل قلوبكم، لأن الحق هو الله، وأرجوكم يا من تعيشوا في هذه الأرض لا تفسدوا فيها، ويا من تعيشوا على الحق فإنكم منتصرين منتصرين لامحالة، قال تعالى: (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) (سـبأ:49) .

زملكاويه
•

زملكاويه
•
زملكاويه :
المقدمه أعوذ بالله العلي العظيم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً . سنشرع في بداية سلسلة الأخلاق ، في كل مرة نتعرض لخلق من الأخلاق هو كيف نرسخه في أنفسنا ؟ وكيف نتعامل به ؟ وكيف نتخلق به ؟ كيف ننميه ليكون خلقا من أخلاقنا وسلوكا من سلوكياتنا في الحياة ؟ وأنا أعلم أن الكثيرين سيتساءلون لماذا الأخلاق بالذات ؟ ولمَ لا نتحدث عن السيرة أو حكايات الصحابة ؟ لماذا الأخلاق وما هي القيمة التي ستعود علينا من دراستها ؟ لذلك أنا جعلت الشريط الأول مقدمة في الأخلاق أتحدث فيها عن أهمية الأخلاق وما هو هدفنا منها ؟ في الحقيقة هناك أربعة أهداف من دراستنا لهذه السلسلة : - الهدف الأول : أن هذه الأخلاق هي الهدف الأول من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم... نعم... ، إن أول هدف من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم : ضبط الأخلاق أتتعجب ؟ ؟؟؟?!!!اسمع هذا الحديث " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " وفكر فيه . الرسول صلى الله عليه وسلم بعث لماذا ؟ لرحمة البشر ، لخير البشر ، لصلاح البشر ، لهداية البشر ، ألم يقل الله تعالى : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " فكر معي في هذه الآية . تخيل لو أن مجتمعا يسوده الغش ، تسوده الكراهية ، تسوده خيانة الأمانة ، تسوده الفواحش ...، هل يكون في هذا المجتمع مكان للرحمة ؟ هل هذا مجتمع آمن ؟ هل هو مجتمع راضٍ؟ لو أن هذا المجتمع كان أفراد شركة واحدة هل ستنجح ؟ لو كان هذا المجتمع عائلة واحدة هل ستسودها الرحمة وتكون متحابة ومترابطة فيما بينها ؟ إذن هل رأيت العلاقة بين : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ، و "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " يعني أنه لا رحمة بين العالمين " لا هداية ، لا صلاح ، لا اطمئنان بين مجتمع من المجتمعات إلا بشيء واحد ألا و هو " الأخلاق " . نقطة أخرى : قد تظن أن العبادات من صلاة ، صوم ، حج ، ذكر دعاء أهم من الأخلاق لكني أقول لك :- لا !!!! الأخلاق أهم . وكيف ذلك ؟ يا جماعة كل هذه العبادات هدفها الأسمى ضبط الأخلاق … فيصبح خُلُق حضرتك سوياً ومنضبطاً ، ولو فقدت عبادة من هذه العبادات ضبط الأخلاق تصبح تمارينا رياضية ليس إلا . ولنبدأ . 1. بالصلاة: يقول الله عز وجل " وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " . إذن من لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر أيكون قد أدى صلاته أم لا ؟ إنه لم يؤد إلا تمارينا رياضية ، ما هي قيمة الصلاة الأساسية؟؟ ما هو انعكاسها على خلقك . يقول الله عز وجل في الحديث القدسي : " إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ولم يستطل بها على خَلقي ولم يبت قصراً على معصيتي وقطع النهار في ذكري ، ورحم المسكين وابن السبيل ورحم الأرملة ورحم المصاب " . تمعن معي ؟ ما هي العلاقة بين آداء الصلاة وتقبلها والرحمة بالأرملة ؟ هناك علاقة... إذا لم تجعلك صلاتك رحيما بالناس فأنت إذن لم تصل . ألاحظتم المعنى والعلاقة ؟؟؟ 2. الصدقة: يقول الله عز وجل " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " . هدف الصدقة والزكاة هو التزكية ، فما معنى التزكية ؟ هي التربية العميقة على حسن الخُلق ، أرأيت إذن كل آية من آيات الفرائض تجدها تخدم خُلقا معينا وتحث عليه. و أين يكمن معنى التزكية إذا تصدقت ؟ ، أنت إذا تصدقت ستتعلم الرحمة ، سترحم الضعيف ، ستتعلم الكرم ، ستكره الكــبْر. النبي أيضاً يعلمنا أن هناك صدقات أخلاقية تفوق صدقات الأموال . يقول النبي صلى الله عليه وسلم :- تبسمك في وجه أخيك صدقة " ، تخيل ، إذا أردت أن تتصدق وليس في جيبك مال ، تستطيع أن تبتسم في وجه أخيك وتكون بذلك قد تصدقت . " تبسمك في وجه أخيك وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة ، وإرشادك الرجل في أرض الضلال صدقة ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة ، وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق صدقة ، وإرشادك للرجل الضرير صدقة ، وأعظم الصدقة لقمة يضعها الرجل في فم زوجته " . أرأيتم مفهوم الصدقات ؟؟؟؟ كيف أن إرشاد الرجل لطريق يجهله صدقة ، وأن تفرغ من إنائك في إناء أخيك صدقة ، وأن تنظر لوجه أخيك المؤمن كفيفا كان أم بصيرا صدقة وهكذا . ... وأنا هدفي يا جماعة من درس اليوم أن أجعل كل واحد منكم يستشعر إرادة اغيير ما بنفسه من أعماقه ويريد أن يحسن خُلقه ، وهذه أصبحت قضية مهمة ، لم تعد القضية أن أرتدي الحجاب فقط ، وأنني عندما أرتديه أكون قد أديت كل ما علي من أوامر الدين ، لا أبداً .. إن المعنى الحقيقي لهذا الدين يكون في يندرج تحت : " أين أخلاقك من الإسلام ؟ " 3. الصيام : يقول النبي صلى الله عليه وسلم " فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ، ولا يفسق ، ولا يجهل ، وإن شاتمه أحدكم أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم إني امرؤ صائم " . تخيل ، أصبح يوم صيامك يوم تتجسد فيه أخلاقك ، أصبح يوما لتبيان الأخلاق ، لأنه لا يصح أن أشتم أو أتشاجر أو أفسق أو أجهل أو أن أرفع صوتي أو أجادل لأني صائم ، وصيامي هذا يجعلني مسلما على خلق. أرأيتم : إذن اكتشفنا أن الهدف من الصلاة التحلي بالأخلاق ، و الهدف من الصيام أيضا كذلك 4. الحج : يقول الله تبارك وتعالى :- " الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " . الحج يا جماعة تدريب قاس على انضباط الأخلاق ، فعندما تكون قاصد الحج وأنت مستحضر النية ، صار لزاما عليك ألا تزاحم حتى و إن زاحمك أحدهم عند الطواف ، إذا شاتمك أحد فلا ترد عليه ، والمقصود هنا أقل ما يصدر من الكلام غير المقبول ، مثل " أفُ لك " مثلاً قد تحتاج منك الاستغفار وتوبة في الحج ... إنه تدريب قاس لك على مدار عشرين يوماً لضبط نفسك و ترسيخ الأخلاق فيها يتساءل الكثيرون ترى لم كان موسم الحج موسما واحد يجتمع فيه كل المسلمين ، ترى لمَ لا يحج المصريون في شهر رجب مثلاً ، واليمنيون في شهر آخر... أي أن يحج الناس كل من بلده في أوقات متفرقة فجبل عرفات راسخ بمكانه لا يتزحزح عنه ما الداعي لاجتماع الكل عليه في وقت واحد أتراه سيغير مكانه بعد هذا الموسم المحدد ؟؟؟ طبعا لا !!!! الهدف أن يجتمع الكل بتعداد الملايين من مسلمي العالم في وقت واحد و في أوج الزحام و تداعياته ، عليك أن تبرهن على تحكمك بضبط نفسك و تحليك بحسن الأخلاق ... أرأيت ما هو الهدف من الحج وأن يكون ملايين المسلمين معاً على جبل عرفات في وقت واحد ، و جميعهم يرمون الجمرات في وقت واحد ، وجميعهم في منى وجميعهم في المزدلفة... لماذا ؟ إنها رسالة تربوية مفادها : عيشوا معاً واحتكوا ببعضكم و اجعلوا الأخلاق سمتكم ستستطيعون ضبط أخلاقكم في وسط هذا المكان الضيق خلال عشرين يوما ، هل ستعود بعد ذلك وتعجز عن ضبط أخلاقك مع أبيك وأمك ويعلو صوتك ؟ مع جيرانك وفي بيتك ؟ أرأيتم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ما معناها ؟ وإن ضبط الأخلاق أول وأهم هدف من البعثة المحمدية . - بعض الناس تظن أن أهم شيء في الدين أن يتعلم المسلم ، يحفظ القرآن يتعلم أمور الفقه وعلم المواريث و … و … و لكن و لكن أين أخلاقك ؟ يقول إنها في المقام الثاني ، لا ...أبداً ، اقرؤوا معي هذه الآية والتي وردت على لسان سيدنا إبراهيم " ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم" . البقرة الآية 129ولاحظ معي هنا الترتيب :- أن يأتي رسول من هذه الأمة : ليتلو عليهم الوحي ويعلمهم ، ويحسن أخلاقهم ( يزكيهم ) . هذه الآية أتت في القرآن 4 مرات ، مرة على لسان سيدنا إبراهيم وثلاث مرات على لسان الله عز وجل ، وهذه المرات الثلاث على لسان الله كان الترتيب فيها مختلفا ، يقول الله عز وجل :" كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ "البقرة(151) لاحظت الترتيب هنا : سيدنا إبراهيم عندما دعا طلب العلم أولاً ثم التزكية لكن الله عز وجل ذكر التزكية أولاً أي أن الأخلاق هي التي تتصدر الأمر . ما هي قيمة مسلم حفظ القرآن وليس بصادق ، ما هي قيمة علم دون خلق كل هذا لا يساوي شيئا . إذن هل ندرك قيمة الخلق هل نتحلى بها و نعيش بها و هل هدفنا الأول من دراستنا لهذه السلسلة " هو ضبط الأخلاق " . الهدف الثاني : - إن هناك انفصالا شديدا لدينا بين الأخلاق والعبادات ، بين الدين والحياة ، داخل المسجد يكون منضبطا ...الحجاب الشرعي والصلاة يؤديان على أكمل وجه ، خارج المسجد تصبح شخصا آخرا ...إذن أين الأخلاق ؟ ستجيب : مادامت العبادات منتظمة فلا أهمية للأخلاق !!!! الحياة شيء ، والدين و تأدية العبادات شيء آخر ، خطأ يا جماعة ، هذا الفصل ليس من الإسلام في شيء الإسلام وحدة واحدة ، كل متكامل ، وينتج عن هذا الفصل الصارخ نوعان من البشر : الأول : عابد سيئ الخلق ، والثاني : حسن الخلق سيئ العبادة . نموذجان مشوهان ليسا من الإسلام في شيء إذن هدفنا من هذه السلسلة يا جماعة أن نكون عباد ذوي أخلاق حسنة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم :- والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن ، قيل من يا رسول الله ، قال : من لا يأمن جاره بوائقه " . لاحظوا كم أنّ الإيمان مرتبط بالأخلاق ، مثال : المرأة التي نشرت ثيابها المغسولة مبتلة فوق ثياب جارتها و هي جافة ، كتب عليها ملك الشمال سيئة . نعم سيئة كتبت عليك ، هل فكرت فيها من قبل ؟ هل خطرت على بالك من قبل من ترك سيارته أمام مستودع جيرانه وذهب ليصلي ركعتين أتراها قد قبلت صلاته ؟ نحن هنا وقعنا في خطأ يقلل من ثواب حضورنا لهذا الدرس ، جميعنا هنا ترك سيارته أمام باب المسجد لأنه يريد أن يوفر على نفسه عناء المسير إلى سيارته التي أودعها مكانا يبعد عن المسجد بعد خروجه ، ما ذنب الجيران و أهل المنطقة هنا ؟؟؟، كلنا يحسب أنه على صواب فنحن في بيت الله نتدارس ونتعبد ، كلا أبداً نحن مخطئون أرأيتم إننا نفعل أشياء كثيرة خاطئة ونظن أن ليس لها علاقة بالإسلام ...لا ،أبدا الإيمان والأخلاق شيء واحد . .. كل لا يتجزأ جاء أناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : فلانة تذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها تؤذي جيرانها ، قال : هي في النار ، تخيل يقال أنها تذكر : أي انتشر صيتها من كثرة الصيام والصلاة والصدقة وفي مدينة النبي ، ولكنه قال : هي في النار . ثم ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن فلانة تذكر من قلة صلاتها وصيامها وصدقتها غير أنها لا تؤذي جيرانها ، قال : هي في الجنة . بالمناسبة هي ليست دعوة للإقلال من الصلاة نحن لا نريد إصلاح شيء على حساب الآخر ، نحن نريد الانضباط في الاثنين معا نريد الموازنة . حديث آخر للنبي صلى الله عليه وسلم :- " إن شر الناس منزلة يوم القيامة من يتركه الناس اتقاء شره " تخيل !!!! نجد الأب يحذر ابنه إياك أن تلمس أو تضرب ابن هذه الجارة لأنها " ستجمع علينا أهل البناية إذا ما فعلت " و تتسبب في مشكلة نحن في غنى عنها . أما عن حجابها فهو شرعي ما شاء الله ، ما قيمة هذا الحجاب و الناس تتجنبك اتقاء لشرك . يقول النبي صلى الله عليه وسلم :- " الإيمان بضع وسبعون شعبة – أو وستون شعبة – أعلاها " لا إله إلا الله " ، وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق " إذن إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان ، فما قولك فيمن فتح شباك سيارته وأخرج بقايا ما كان يأكله وألقى بها في الشارع ، ومن أخرجت لبانة من فمها وألقت بها على الأرض في الشارع ، هل تصدق أنك بذلك قد فقدت شعبة من إيمانك ، فعلا قد فقدتها ... أنت مطالب بإماطة الأذى عن الطريق ويكون ذلك من دلائل إيمانك ، فماذا عمن يفعل العكس...ما بالك بمن تطلب من ابنها أن ينزل مبكراً ليلقي بالقمامة في الشارع قبل أن يستيقظ الجيران ، ترى هل صلت الفجر ؟ و إن صلته أين صلاتها مما فعلت ...؟؟ إننا نريد أن نسترجع العلاقة بين الإيمان والأخلاق ، و نرسخها فتعتبر آثما إذا ما ارتكبت خطأ أخلاقيا ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء والإيمان قرناء جميعاً ، إذا رفع أحدهما ، رفع الآخر " . الحياء والإيمان يا جماعة ، ما أوطد العلاقة بينهما مثلا : طالبة بالجامعة تقهقه ضاحكة بأعلى صوتها " أين حياؤها ؟ " و إذا ما أذن لصلاة الظهر تدخل المسجد لتصلي و قد تبكي من فرط الخشوع في صلاتها . الحياء والإيمان قرناء جميعاً . إذن تريد أن تعرف مستوى قوة إيمانك ، أخبرني ما مستوى تخلقك أخبرك إن كنت قريبا من الله أو بعيدا عنه ؟ وهذا ما نريد أن نؤصله بداخلنا ونخرج به من هذه السلسلة . مثال : من خرج بسيارته ويعلم أن ليس بها بنزين كاف وصعد بها الجسر فتعطلت لاستنفاذها ما كان بها من وقود فكان سببا في توقف الكثيرين وسط الطريق هل هو ( آثم ) نعم هو آثم. ولا تقل لي أن ليس لذلك علاقة بالدين ، لا ، إنه لب الدين ، أرأيتم إلى أي درجة نحن بحاجة لتصحيح مفاهيمنا ؟ كما أننا بحاجة لتغيير سلوكيات كثيرة هي من صحيح الإيمان . يقول النبي صلى الله عليه وسلم في تصحيحه لمفهوم خاطئ لدينا عن الإفلاس . أتدرون ما المفلس ، قالوا : من لا درهم له ولا متاع قال : المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا فيأخذ هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، حتى إذا فنيت حسناته ، أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار " . - أرأيتم ؟؟؟ أتمعنتم المقصود ؟؟؟ ، لذلك إذا دققنا في القرآن اكتشفنا شيء عجيب ، كلما تحدث الله عن صفات المؤمنين ، وجدت أن ترتيب الصفات في سياق الحديث صفة أخلاقية بعدها صفة عبادية ، أخلاق = عبادة = أخلاق = عبادة . مثال : في سورة –المؤمنون- قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2)وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ(3)وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ(4)وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5)إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6)فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ(7)وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ(8) أرأيتم كيف تكون صفات المؤمنين خلق وعبادة وتأمل الآية جيداً وبالاثنين معاً يكون المؤمنون . مثال آخر تأمل الآيات التالية من سورة الفرقان: " وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا(63)" -(خُلُق)- "وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) "-( عبادة )-"وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا(65)" "إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا(66)" -( عبادة )- "وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا(67)" وفي سورة الماعون : " فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4)الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5)الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ(6)وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ(7) " ما الذي أتى بـ " الماعون " بعد ترك الصلاة ؟ إنه التكامل في فهم الإيمان ونحن نريد أن نكون كذلك وهدفنا كل مرة سيكون كذلك . إذن ما هي الأخلاق التي سنتناولها ؟ التواضع: كيف أكون متواضعا ، وما هي صفات المتواضعين ، سيد المتواضعين صلى الله عليه وسلم " كيف كان ؟ الحـــلم: كيف نتعلمه ونتدرب عليه ؟ الهدف الثالث : أن نكون قوما عمليين ، ماذا يعني هذا ؟ هناك أناس مدمنو دروس ، طوال الأسبوع يحضر يوما هنا و يوما هناك وهكذا .لكن ماذا استفدت ؟ نحن نحفظ الدروس بطريقة ممتازة...و لكن اعلموا ما شئتم أن تعلموا فلن تؤجروا حتى تعملوا بما علمتم . كفانا سماع ولنبدأ في التطبيق ، كل أسبوع سنتواصى بخلق معين نأخذه معاً ثم نطبقه طوال الأسبوع . الهدف الرابع : إننا نريد أن نخرج لمجتمعنا وبلدنا أناس متميزين حسني الأخلاق ونريد أن نبلغ رسالة : من أين يأتي المميزون ؟ من المسجد؟ ، من أين تستفيد المجتمعات والدول ؟ من نماذج خرجوا من المساجد صالحين – أمناء – مخلصين – عباد – يتقنون أعمالهم – صادقون – يحبون بلادهم. إذا ظهرت هذه النماذج سيختفي النموذج المشوه الذي ذكرناه قبل قليل " عابد سيئ الخلق ، نفتن الناس ونغريهم بعبادتنا ثم نفتنهم بسوء أخلاقنا ، فيسألون قائلين ، أنت تريدني أن أكون مثل هذا المتدين الذي يصلي لكنه ينام طوال النهار بالعمل؟؟ لا ، لا أريد أن أكون مثله . كلنا لدينا أخطاء في السلوك نريد أن نضبطها معاً من خلال هذه السلسلة . و كانت هذه أهداف دراستنا لهذه السلسلة . والآن دعونا نعلم فضل حسن الخلق : وستستغربون كثيرا و تتعجبون .ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من شيء أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق " . أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة ليست الصلاة ولا الزكاة ولكنه حسن الخلق – ألا تتشوق لتحسين خلقك بعد كل ما سمعت و بعد هذا الثواب العظيم . يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" إن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم خلقاً " . ويقول " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً " أترون كيف تسير الأحاديث تمعنوا العبارات " أثقل – أحسن – أكمل " . أكملهم إيماناً أحسنهم خلقاً حتى ولو كانت معلوماته الدينية أقل حتى و إن كانت عباداته ما تزال محتاجة لضبط . يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم خلقاً ".يقول أيضاً : " أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق " . جاء وفد لنبي الله صلى الله عليه وسلم : " وسألوا النبي : من أحب عباد الله إلى الله ؟ قال : أحسنه خلقاً " . أرأيت أهمية أن تحسن أخلاقك ، وإن لم تدرك ذلك فاعلم أنك تسير في اتجاه آخر ...تريد أن تحفظ القرآن ، وأن تدرس علوم الدين .. كل هذا مهم وسنتدارسه سوياً ، لكن أيــــن أنت من تحسين أخلاقك؟؟؟و قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث له: " ألا أخبركم بأحبكم إليّ : قالوا بلى يا رسول الله ، ألا أخبركم بأحبكم إليّ : قالوا بلى يا رسول الله ألا أخبركم بأحبكم إليّ : قالوا بلى يا رسول الله : قال أحسنكم خلقاً " . ويقول أيضاً : " إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم " ولذلك من دعاء النبي صلى الله عليه و سلم : " اللهم اهدني بأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت " . أرأيتم حرص النبي ، وهو الذي قال عنه الله عز وجل " وإنك لعلى خلق عظيم " فإذا نظر للمرآة قال : " اللهم كما حسنت خَلقي فأحسن خُلُقي " ، أرأيت حرصه وإصراره ، هل أنت على سنته سائر و تدعو بهذا الدعاء ، لا أنت حينما تنظر للمرآة تنشغل بشيء آخر بجمالك فترى أن ليس هناك من يضاهيك جمالا و أناقة … يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا زعيم – أي ضامن – ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه " تخيل !!! النبي صلى الله عليه وسلم يضمن لك بنفسه بيتا في أعلى الجنة ، ألن تبحث عما سيكون لك سببا في حصولك عليه ؟ سأخبركم بشيء و لا تغضبوا مني؟؟ ، إننا نستسهل الأمور – نبحث عما يكون سهلا لنفعله (نصلي – نقرأ القرآن – نلقي السلام بعبارة - السلام عليكم- في الهاتف) و نشكر بعضنا بعبارة -جزاكم الله خيرا-ً ، نلبس الحجاب .. وأصبحنا متدينين بسهولة ، لكن من الصعب علينا أن نضبط أخلاقنا من الصميم . إننا نبحث عن أسهل الطرق لنكون ملتزمين ولكن أين الأخلاق ؟ أين أخلاق الملتزمين . يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، فسعوهم ببسطة الوجه وحسن الخلق .تريد أن تفوز بحب الناس ؟؟ ، اجعل وجهك بشوشا وحسن أخلاقك .هل ترسخ بأنفسنا و تجسد بأعمالنا حسن الخلق ؟. أريد أن أطرح عليكم سؤالا : هل أن الأخلاق قابلة للتغيير أم أن هذا مستحيل ؟؟ هل من الممكن أن يصبح البخيل كريما؟؟ ، أم أن ذلك شيئ غير قابل للتغيير ؟؟هل كتب بجيناته الوراثية ، أنه بخيل و لن يكون إلا كذلك ؟؟هل من الممكن أن يصبح العصبي حليماً بالناس ؟؟، هل يمكن أن تتحول فتاة لا تستحي في تعاملاتها إلى فتاة حييّة ؟ هل التغيير ممكن أم لا ؟. يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم قائلا : " إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلّم ، وإنما الصبر بالتصبّر " . يريد صلى الله عليه وسلم أن يعلمنا أن الأخلاق قابلة للتغيير ، وإياك أن تحسب أنك غير مؤهل للتغيير ... أبداً والله ...يا جماعة كثـــُـر هم الذين تغيروا بعدما التزموا بدينهم فتتعجب كيف أصبح فلان هادئاً هكذا بعد أن كان لا يطاق . كيف ذلك ؟؟بكل بساطة لقد اختار لنفسه حديث النبي صلى الله عليه و سلم " إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلّم ، وإنما الصبر بالتصبّر.." إذن فالطبائع قابلة للتغيير ، وإلا فلماذا نحن هنا نتحدث ونتدارس عن حسن الخلق إذا لم يكن الحال كذلك .. سأضرب لكم مثلا : النفس مثل الطفل يخلق ناقصا فينمو ويكتمل بالغذاء ، النفس كذلك تكتمل وتنضج ، فكما أن البدن الضعيف العليل يتجرع الدواء ويتحمل مرارته ليقوى و يشفى ... النفس أيضا تصيبها أسقام تتمثل في الأخلاق السيئة ) محتاجة لمجاهدة وصبر . أنا أقول لك هذا الكلام حتى تأتي المرة القادمة وأنت على استعداد وعلى يقين تام أن نفسك وأخلاقك قابلتان للتغيير بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم وطبقاً لقاعدة أن نفسك مثل بدنك ... فالسمين ينحف إذا ما اتبع نظام حمية قاس ويصبر أمام شهيته و يقاوم حبه لأكلة مفضلة كذلك الكاذب إذا ما جاهد نفسه و قاوم سوء خلقه صار صادقا مثل ذاك الذي قاوم السمنة ... ضعيف البنية يداوم على تمارين كثيرة يجري ، يعود نفسه على تمارين يومية و يظل على تلك الحال يوما بعد يوم و يتحمل ويبذل جهدا حتى يصبح ذا لياقة كذلك النفس تتعلم فضائل الأخلاق بالتربية ، بالصبر ، بالمجاهدة . إذن هلا بادرنا بنية التغيير ؟ هناك من يتساءل كيف لي أن أعرف عيوب نفسي ؟ كيف أعرف أن لدي أخلاق سيئة وأريد تحسينها ؟ تريد معرفة ذلك إليك أربع نقاط تمكنك من ذلك : 1- من صديق ناصح ( صاحب الصالحين ) . 2- من عدوك ( اسمع أعدائك )، اسمعي ما تقول عنك فتاة تغار منك ... اسمع ما يردده عنك خصمك في العمل ... وإياك أن تصم أذنيك لربما قال شيء سيفيدك . 3- حضور مثل هذا الدرس . 4- أن تدرس وتعرف أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم . و النقطة الأخيرة أهم النقاط كلها ...من أكمل الناس أخلاقاً ؟ النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال فيه سبحانه و تعالى " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) " –سورة القلم- ،هل تريد أن تبلغ مبلغ الفضيلة من الأخلاق ، اسمع عن تواضع النبي صلى الله عليه و سلم ، عن حلمه ، عن معاملته للنساء ، وتعلم ...تعلم من كل ذلك. و لذلك سنستشهد بأخلاق النبي وأفعاله في كل الدروس القادمة و في كل خلق سنتدارسه . يقول الله عز وجل " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا(21) " –سورة الأحزاب-هل تعلمون لماذا ؟ لأن الله عز وجل جمع في الـ 23 سنة فترة بعثة النبي كل ما يحتاجه المرء في حياته حتى يوم القيامة ، إنك لن تستطيع أن تقتدي بأي نبي آخر مثل محمد صلى الله عليه وسلم .تستطيع أن تقتدي بكل نبي في صفة معينة ، فقد كان سيدنا عيسى عليه السلام شابا عازبا مجاهدا لنفسه زاهدا في الدنيا . لكن أتستطيع أن تجد فيه ما تقتدي به إذا ما تزوجت ؟ طبعا لا لأنه لم يتزوج ...... أتستطيع أن تقتدي به كأب ؟؟، كجد ؟؟ ...لا ، كيف كان يعامل زوجاته ؟؟ لا تستطيع الاقتداء بسيدنا سليمان كحاكم غني شاكر متصدق........ لكن هل تستطيع الاقتداء به كفقير صابر؟؟؟... من الذي كان فقيراً وغنيا؟؟ ؟ من الذي كان قوياً وضعيفا؟؟ ؟ من الذي كان حاكماً ومحكوماً ؟؟؟ من الذي كان أباً وجداً؟؟ ؟ من الذي كان عازبا ؟؟ لذلك قال تعالى : "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة " . و في خضم حديثنا عن الأخلاق لابد وأن نغوص في سيرة النبي صلى الله عليه و سلم و نتتبع صفاته فهو النبي الوحيد الذي ليس له خصوصية تخفى ...نعلم عنه كل شيء ، عن علاقاته بزوجاته و بم اتسمت ؟ داخل بيته...، وهو نائم في فراشه .. ليست هناك أي جزئية في حياته تعد خصوصية لم يطلع أحد عليها أو تعد جانبا مظلما مبهما ... لذلك سأختم هذا الدرس بنقطة وجوب محبة النبي صلى الله عليه وسلم ، لأننا إذا طالبنا باقتفاء أثر ه صلى الله عليه و سلم فيما عرف عنه من أخلاق دون وجود تعلق به و حب خاص صادق له ، عندها للأسف لن يعدوه قدوتهم ...لن يستشعروا قوة ما سيقال لهم لذلك رأيت أن نغرس في قلوبنا محبة النبي صلى الله عليه وسلم غرسا فيكون ذلك مدخلنا للأخلاق في أحاديثنا اللاحقة . لأنه على قدر محبتك للنبي ستقتدي بأخلاقه . يقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وماله " . وأنا أروي هذا الحديث ،مرّر الثلاثة بقلبك، وأخبرني هل النبي فعلاً أحب إليك منهم ، هل نحن متعلقون به صلى الله عليه وسلم بهذه الشدة و محبون و مفضلون له . - يقول الله عز وجل " قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ(24) " . سورة التوبة الأية 24.اعتبر الله أن من يحب هؤلاء – مع ملاحظة أن جميعهم حلال – أكثر من الله والرسول فاسق ... تخيلوا ... يروي عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم ومعنا بعض أصحابه ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي ومشى ، يقول عمر : وجدت نفسي أقول والله يا رسول الله إني أحبك ، فقال له النبي : أكثر من ولدك يا عمر ؟ قال : نعم ، قال : أكثر من أهلك يا عمر ؟ قال : نعم ، قال : أكثر من مالك يا عمر ؟ قال : نعم ، قال : أكثر من نفسك يا عمر ؟ قال : لا ، - لقد كان عمر صادقا من البداية - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يا عمر ، لا يكمل إيمانك حتى أكون أحب إليك من نفسك يقول عمر : فخرجت وفكرت ثم عدت لأهتف بها : والله يا رسول الله أنت أحب إلى من نفسي ، فقال رسول الله : الآن يا عمر – أي الآن اكتمل إيمانك الآن ، فقال عبد الله بن عمر ، يا أبت ماذا فعلت بنفسك لقد خرجت لدقائق وعدت ( هل تملك مفتاحا لقلبك ) ، فقال : يا بني خرجت فسألت نفسي من أحتاج يوم القيامة نفسي أكثر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت حاجتي إليه أكثر من حاجتي لنفسي ، وتذكرت كيف كنت في الصراط وما أنقذني إلا هو ، أنقذني الله به ، فأحببته أكثر من نفسي ، فقال عبد الله بن عمر : يا أبت إن نسيت كل شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فما هو الشيء الذي لا تنساه أبداً ؟ فقال : إن نسيت ما نسيت لا أنسى يوم أن ذهبت إليه أقول : ائذن لي أن أخرج إلى العمرة يا رسول الله ، فقال : لا تنساني يا أخي من صالح دعاؤك ، يقول عبد الله بن عمر : فوالله لا أنسى هذه الكلمة أبداً.يقول أبو بكر الصديق يصف حبه للنبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : كنا في الهجرة ونحن عطشى ، فجئت بمرقة لبن – القليل من اللبن – فقلت لرسول الله : اشرب يا رسول الله ، فيقول فشرب النبي حتى ارتويت – أنا – أترون الحب ، أترون التعلق بنبي الله صلى الله عليه وسلم . دخل النبي صلى الله عليه وسلم على " ثوبان " خادمه وكان غائباً طوال اليوم فقال له ثوبان : أوحشتني يا رسول الله - أترون قوة التعلق – ترى عندما يذهب أحدكم للحج أو العمرة هل سيقف أمام قبر النبي ويقول له أوحشتني يا رسول الله من قلبه ؟ أنا أعرف رجلا كان يتحدث في مؤتمر فقال ( محمد بن عبد الله ) مجردة هكذا ، فأدى عمرة خصيصاً ليعتذر له . عندما دخل النبي صلى الله عليه و سلم على " ثوبان " وجده يبكي فقال : ما يبكيك يا ثوبان ، قال : أوحشتني ، قال : أهذا ما يبكيك ؟ قال : لا يا رسول الله ، قال فما الذي يبكيك ؟ قال : تذكرت مكانك في الجنة ومكاني فذكرت الوحشة في الجنة ، وأنى لا أكون معك في الجنة فقال له النبي : يا ثوبان الرجل يحشر مع من أحب . – تريد أن تعلم مكانك في الجنة في قاع الجنة أم في عدن أم في الفردوس انظر إلى درجة حبك للنبي وتعلقك به . سيدنا أبو بكر الصديق يوم إسلام أبيه " أبو قحافة " يوم فتح مكة – وقد أسلم متأخرا جداً بعد أن أصبح عجوزا و فقد البصر – فأخذه أبو بكر وذهب به إلى رسول الله صلى الله عليم وسلم ليعلن إسلامه فقال له رسول الله : يا أبا بكر هل تركت الشيخ في بيته وذهبنا نحن إليه ؟ فقال أبو بكر : أنت أحق أن يأتي إليك يا رسول الله ، فأسلم أبو قحافة ، فبكى أبو بكر من فرحته ، فقالوا له : هذا يوم فرح ، أبوك أسلم ونجا من النار فما الذي يبكيك ؟ قال أبكي : لأني أحب أن الذي يبايع النبي الآن أبو طالب وليس أبي لأن ذلك كان سيسعد النبي أكثر . فتخيل مدى العلاقة والحب ، إن فرحتي لفرحة النبي أكبر من فرحتي بأبي، أين نحن من هذا الحب ؟ ومن هذا التعلق ؟؟؟فهذا جذع شجرة يحب النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث كان النبي يخطب في مسجده من على جذع شجرة قبل أن يقام منبره حتى تراه الناس ، فعندما بنوا له المنبر ترك الجذع وأصبح يخطب من على المنبر ، فسمعنا للجذع أنينا – كما يقول الصحابة – لفراق النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم ينزل من على المنبر ويمسح على الجذع ويقول له : ألا ترضى أن تدفن هاهنا وتكون معي في الجنة ؟ فسكن الجذع .. هو موجود بمكانه حتى اليوم ، في الروضة أمام المنبر مدفون هناك . الجذع نطق وشعر بحلاوة قرب النبي صلى الله عليه وسلم ونحن بعيدون. سيدنا " سواد " يقف يوم غزوة بدر في وسط الجيش – وهو صحابي سمين – فيقول النبي استووا ( استقيموا ) فيذهب النبي ليجد سيدنا سواد يخرج عن الصف قليلاً فقال استو يا سواد فقال : نعم يا رسول الله ، فالتفت النبي وعاد فوجد " سواد " ما زال غير مستو ، فجاء النبي بسواك ونخزه في بطنه وقال : استو يا " سواد " – فنحن في وقت معركة والأمر جدي – قال : أوجعتني يا رسول الله ، فكشف النبي عن بطنه وقال : اقتص يا سواد ، اقتص يا سواد ، فانكب سيدنا سواد على بطن النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها يقول : هذا ما أردت هذا ما أردت ، فيقول له النبي وما حملك على هذا يا سواد ؟ فيقول : يا رسول الله أظن أن اليوم يوم شهادة فأحببت أن يكون آخر عهدي بالدنيا ملاصقة جسدي لجسدك . صلى الله عليه وسلم . صلى الله عليه وسلم ...صلى الله على محمد صلى الله عليه و سلم صلوا عليه و سلموا تسليماالمقدمه أعوذ بالله العلي العظيم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده...
الحياء
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم . "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً" خُلُقنا اليوم هو خُلُق " الحياء"، والحياء والإيمان متلازمان كلما زاد خلق الحياء زاد الإيمان، وكلما نقص قل الإيمان، فهو لصيق بالإيمان.
ما معنى الحياء؟ وما معنى أن نقول أن فلان عنده حياء؟
الحياء هو انقباض النفس عن فعل المعاصي والرذائل والقبائح، فقلبك لا يطيق أن تفعل الحرام، لأنك لا تطيق أن ترى نفسك مهانة أمام الله أو أمام الناس أو أمام نفسك. لأن نفسك كريمة . هذا هو الحياء، وكأنه عاطفة بداخل النفس ترتفع بها النفس عن الدنايا والصغائر، أنا أزني؟ أنا أسرق؟ أنا أكذب؟ لا يمكن، ولِمَ؟ لأن نفسي كريمة، عظيمة عن ذلك، فأنا أرقى من ذلك، وأنا أحترم نفسي أمام الله عز وجل وأمام الناس وأمام النفس.كلمة الحياء أصلها من الحياة، حيي، أو استحيا الرجل: أي من قوة نبض الحياة داخله ترفع عن فعل الرذائل والدنايا، لذلك هناك علاقة شديدة بين الحياء وأن يكون القلب حياً، كلما كان القلب حياً ازددت حياءً. ولذلك يقال: أكثر الناس حياة " أكثرهم حياءً" لأن القلب عندما يموت فلن تستقبح شيئاً، فأي شيء من الممكن أن تفعله.
ما الفرق بين الخجل والحياء؟
كثيرون يعتقدون أن الحياء معناه الخجل، أنا أخجل إذن أنا حيي، لا.
الخجل: هو ارتباك لمجرد أن يكون المرء أمام من هو أكثر منه علماً، أو تسلط عليه الأضواء، أو يوجه أحد له سؤالاً، فلا يقدر أن يعبر عن نفسه . وكأن الخجل ناتج عن جبن، عن خوف، عن شخصية لا تشعر بقيمتها، شخصية ضعيفة.
الحياء : عكس ذلك تماما، فهذه الشخصية من فرط تقديرها لذاتها وأنها كريمة تستعلي عن فعل القبائح.
الخجول يخجل لأنه يرى نفسه قليلة في نظره، أما الحيي فيترفع لأنه يرى نفسه كريمة، فيأبى أن تهان نفسه أمام الله أو أمام الناس أو أمام عينه، فالفرق كبير. هذا الفرق يجعلنا نفسر تصرفات كثيرة. فلا تترك حقك مهضوما وتقل إنني حيي، هذا ليس حياءً، إنما الحياء أن تستقذر القبيح، فلا يمكن أن تنطق بسبِّ أحد، أو تعاكس فتاة في الشارع.
أقوال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحياء:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان " الإيمان بضع وسبعون خصلة أو نقطة أو موضوع، الحياء أحدها. والعجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر البضع وسبعين، لكنه ذكر " الحياء" ولِمَ ؟ لأن الحياء هو الذي يعينك على إكمال الشعب الباقية، فإذا انضبط الحياء ستنضبط بقية الأخلاق والبضع وسبعين شعبة. استكمل حياءك، تستكمل إيمانك.
في رواية أخرى " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله؟ وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يؤكد على أن الحياء شعبة من الإيمان. حاول العلماء الاجتهاد لمعرفة البضع وسبعين شعبة، " فابن شيبان" قال إن أكثرها – وهي مقسمة – شعب تخص القلب، وشعب تخص اللسان، وشعب تخص البدن. فالتي تخص القلب: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالبعث والنشور والقيامة والجنة والنار – والخوف من الله والتوبة – والرضا – والشكر – كل ما يخص القلب … والتي تخص اللسان: - تجنب آفات اللسان – تعلم العلم – قراءة القرآن – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – والذكر والدعاء. والتي تخص البدن: - الصلاة- الصيام- الجهاد – الحج – العمرة – الدعوة إلى الله .. أشياء كثيرة. ومع ذلك لم يذكر النبي أية واحدة منها، وإنما ذكر الحياء، لأنه الضابط للسبعين. أنا لن أستطيع أن أصل إلى مرحلة بر الوالدين إلا إذا كنت أستحي منهم. لن أستطيع أن أتوب إلا إذا كنت أستحي من الله. لن أستطيع أن أقدم على الحج والعمرة إلا إذا كنت حيياً من ذنوبي وأريد أن أتطهر منها . الأخلاق كلها مردها الحياء، الحرص على طاعة الله مرده الحياء من الله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء والإيمان قرناء جميعا، إذا رُفِع أحدهما رفع الأخر " . يقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء كله خير".ويقول أيضا " الحياء لا يأتي إلا بخير " نتيجته إيجابية دائما. حديث النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاء – السفالة الرذائل – من الجفاء والجفاء في النار". الجفاء: غلظة القلب. حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا ". ...ألا نرى هذه الأمثلة في الشارع، واحد أو واحدة، تخجل أنت من أفعالها وتتوارى خجلا، نُزِعَ منها الحياء، وإذا نظرت في الوجه وجدته بغيضا مقيتا.
"... فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقوتا نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا، فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعونا...". أول ما نزع منه كان الحياء لأنه أول درجة لضياع الإيمان، وضياع الدين . يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء" ماذا يعني؟ هل لا يوجد في أخلاق الإسلام إلا الحياء، لا ، ولكن أكمل وأعظم أخلاق الإسلام هو الحياء. حديث النبي صلى الله عليه وسلم " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى – أي أنه الخلق الوحيد الذي لم ينسى من أول الأنبياء لأخرهم ، الخلق الوحيد الذي اجتمع عليه جميع الأنبياء – إذا لم تستح فاصنع ما شئت" رواه البخاري.
ما معنى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت؟ لها معنيان:
1. تهديد: إذ لم يكن عندك حياء فافعل ما شئت فسوف تُجازى به.
2. أو انظر للفعل الذي تفعله أتستحي منه أمام الله ؟ أتستحي منه أمام الناس؟ أتستحي منه أمام نفسك؟ إذا كنت لا تستحي منه فأقدم ولا تبالِ – فافعل ما شئت – لا ضرر عليك ولا إثم عليك.
نماذج الحياء
في القرآن – في حياة النبي صلى الله عليه وسلم – الصحابة وحياؤهم – كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها. انظر للعذراء في مخدعها وهي حريصة على نفسها وعلى حيائها، عندما تتعامل مع الرسول تجده أشد حياءً منها. أين حياؤك أنت؟ أتستحي أن ترى منظراً فاضحاً فيحمر وجهك وتغض بصرك حياء من أن ترى هذا المنظر؟ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار يعظ أخاه في الحياء، أي يطلب منه أن يقلل من حيائه قليلا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه فإن الحياء من الإيمان" حديث أهديه لأخواتنا: " جاءت فاطمة بنت عتبة بن ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد الإسلام فقال لها الرسول والسيدة عائشة تقف تشهد الموقف: "بايعيني يا فاطمة على ألا تشركي بالله شيئا ولا تسرقي ولا تزني..."، والمرأة هنا من شدة حيائها من الكلمة خفضت رأسها، ووضعت يدها على رأسها، فأعجب الرسول بحيائها، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: يا فاطمة بايعي، فقد بايعن النساء على ذلك، فبايعت فاطمة.
قارن هذا الخلق بما يجري الآن، أنت أحيانا تخجل ويحمر وجهك عند سماعك كلام البنات مع بعضهن الآن، والسيدة خجلت ووضعت يدها على رأسها وخفضته لمجرد أنها سمعت لفظ الزنا.
في حديث عن السيدة عائشة: تقول السيدة عائشة: كنت أدخل بيتي -وقد دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أبوها- فكنت أقول أبي وزوجي، فكنت أضع ثيابي، فلما مات عمر بن الخطاب ودفن بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي، استحييت أن أضع ثيابي، فكنت أشد عليّ ثيابي حياء من عمر – وهو ميت-. قارن حياءنا الآن –نساء ورجالا- بهذه القصة وهذا الحياء.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن حياء عثمان بن عفان رضي الله عنه: "ألا أستحي من عثمان؟ ذلك رجل تستحي منه الملائكة " من أدبه وحيائه. يا ترى من هذا الذي تستحي منه الملائكة؟ هل هو هذا الشاب الذي يركب سيارته ويرفع صوت جهاز التسجيل على آخره، ويعاكس الفتيات في الشارع. وهل هي هذه الفتاة التي ترتدي بنطلونا "سترتش " وهو ملتصق بجسدها لدرجة يستحيل معها أن تكون قد ارتدته بنفسها، وترتدي الـ "بودي " الضيق والقصير و…. هل يمكن أن يكون هؤلاء هم أبناء عثمان وعائشة وفاطمة؟ هل نحن ببعدنا عن الحياء بهذا الشكل نكون أتباعاً لهؤلاء؟ ونحن نتحدث عن الحياء تكون نظرتنا للفتاة أشد ومطالبتنا لها أشد، انظري إلى حياء الفتاة التي قابلها سيدنا موسى عليه السلام في سورة القصص {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} . (القصص 24- 25) وهناك في الحقيقة قراءتان لهذه الآية، الأولى: تخص مشيتها بالاستحياء والثانية تجمع ما قبل الكلمة وما بعدها أي أنها تمشي على استحياء، وقالت له على استحياء أيضا فهي كلها الحياء. يا ترى أخواتنا وبناتنا وهن يمشين يحرصن على الحياء في مشيتهن؟ وأنت عندما تتكلمين هل تتكلمين بحياء؟ في الحقيقة فتيات كثيرات فقدن معنى الحياء في العصر الذي نعيشه الآن. أعظم درجات الحياء وأرقاها: الحياء من الله.
كل الذنوب، كل المعاصي صغيرة أو كبيرة، من رجل، من امرأة ، من عجوز، من صغير، تشترك في شيء أساسي: عدم الحياء من نظر الله إليك، ولو كنت تدرك أن الله ينظر إليك لما فعلت المعصية. لذلك أحيانا قد يرتكب المرء كبيرة، لكن يعقبها من الحياء والخوف من الله ما يجعلها صغيرة، وأحيانا يرتكب المرء صغيرة يقترن بها عدم حياء وعدم خوف من الله يلحقها بالكبائر. وإذ نصحه أحد قال: هذا لا يخصك، {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم} يقول: "وإيه يعني" ؟
أرأينا قيمة خلق الحياة وخطورته، فبه من الممكن أن تكون الكبيرة صغيرة وأن تكون الصغيرة كبيرة بحسب حيائك منها ومن الله.
اسمع ما يقوله ابن القيم في هذه النقطة: "وفرحك بالذنب أشد عند الله من الذنب، لقلة حيائك من الله" ، فضحكك وأنت تفعل الذنب أشد عند الله من الذنوب، "وحزنك على فوات الذنب أشد عند الله من الذنب ". هناك من يرتكب المعصية وهو خائف من الله، مستحٍ منه، غير مستمتع بالمعصية، فهذا سيعينه الله على التوبة بلا ريب، ويتوب عليه ويغفر له. وهناك من يتمنى أن يفعل المعصية، ومازال يرتب لها، فإذا لم يحصل عليها، وفشل في ترتيبها حزن وأصابه هم شديد، يوضع هذا الحزن والهم في ميزان سيئاته يوم القيامة فيكون أثقل من الذنب نفسه. وذلك لقلة حيائه من الله. وحرصك على أن تستر نفسك وأنت تذنب أشد عند الله من الذنب، أتستحي من الناس وتخاف أن يراك أحد، ولا تستحي من الله ؟
جاء رجل إلى إبراهيم بن الأدهم فقال: يا إمام أريد أن أتوب وأترك الذنوب، ولا أعود إليها، دلني على أشياء لا أعصي بها الله وتعصمني من الزلل، يقول له الإمام إبراهيم: إن أردت أن تعصي الله فاعصه ولكن لا تعصه على أرضه، قال : فأين أعصيه؟ قال: خارج أرضه، قال: كيف يا إمام والأرض كلها أرض الله عز وجل؟ قال أما تستحي؟ أن تكون الأرض كلها ملك الله، وأن تعصيه على أرضه؟ ثم قال له: فإن أردت أن تعصيه، فلا تأكل من رزقه، قال : يا إمام وكيف أحيا؟ قال: أفلا تستحي أن تأكل من رزقه ثم تعصيه بما وهبك من نعم؟ قال له: فإن أبيت إلا أن تعصي الله، فاعصه في مكان لا يراك فيه، قال يا إمام فأين أعصيه وهو معنا أينما كنا؟ قال أما تستحي وهو معك قريب منك في كل مكان أن تعصيه؟ فإذا أبيت إلا أن تعصي الله، فإن جاءك ملك الموت ليأخذ روحك فقل له أنظرني حتى أتوب، قال له: ومن يملك ذلك؟ قال : أما تستحي ؟ ستموت ويأخذ ملك الموت روحك وأنت على معصية أفلا تستحي من الله؟ قال: فإن أبيت إلا أن تعصي الله، وجاءتك زبانية جهنم لتأخذك إلى النار فقل لهم: لن أذهب معكم، أما تستحي ؟ وأنت: إنك تأكل من رزقه ، وتعصيه على أرضه، وتعصيه وهو يراك ومن الممكن أن تموت وأنت تفعل المعصية ولن تمنع ملك الموت، وفي الآخرة لن تمنع نفسك من ملائكة جهنم أما تستحي أن تصر على المعصية بعد كل ذلك؟ فإن أبيت إلا أن تعصيه فتعال أذكرك بمعنىً جديد، وهو أن تنظر إلى رحمة الله بك لتتعلم الحياء انظر إلى لطفه بك، إلى حرصه عليك لعلك تستحي منه.
يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: " إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل وشرهم إليّ صاعد، أتحبب لهم بنعمتي وأنا الغني عنهم، ويتبغّضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي. من أقبل إلي تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد، ومن أراد رضاي أردت ما يريد، ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد. أهل ذكري أهل مجالستي، (أي: فمن أراد أن يجالسني فليذكرني)، أهل شكري أهل زيادتي، أهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أُقَنِّطُهم من رحمتي، إن تابوا إلي فأنا حبيبهم، فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا إلي فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب، من آثرني على سواي آثرته على سواه، الحسنة عندي بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة عندي بواحدة، فإن ندم عليها واستغفرني غفرتها له، أشكر اليسير من العمل، وأغفر الكثير من الزلل. رحمتي سبقت غضبي، وحلمي سبق مؤاخذتي، وعفوي سبق عقوبتي، وأنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها." (مدارج السالكين لابن قيم الجوزية)
أما تستحي بعد ذلك كله؟ أما زلت تطلق بصرك ولا تغضه؟ أما زلت تأكل حراما؟ أما زلتِ لا تريدين ارتداء الحجاب؟ أما زلتَ تكذب ؟. أما زلت تغش وليس لديك أمانة؟ أما زلت لا تتقي الله، أما زلت لا تريد أن تحسن صلاتك؟ أما زلت لا تريد أن تؤدي الزكاة؟ وأن تعيش لله. جاء في الأثر أن الله تبارك وتعالى نادى داوود وقال: " يا داوود لو يعلم المدبرون عني شوقي لهم وحبي لهم ورغبتي في عودتهم إليّ لطاروا شوقا إلي، يا داوود هذه رغبتي في المدبرين عني فكيف حبي للمقبلين علي " لا إله إلا لله. أما تستحي؟ أما زلت مُصِرًّا أن تتركه وتعصيه ولا تتودد إليه. الحديث يقول " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. وكأنه هو من يبحث عنك، هو من يدعوك، هو من يناديك. كل هذه الرحمة من الله ولا تستحي منه. فإن أبيت أن تستحي من ذنوبك وأبيت أن تستحي من كل هذه الرحمة وهذا العفو، أفلا تستحي من نعمه عليك؟ { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } ق:16 - هو الذي خلقك. عينك التي ترى بها، أذنك التي تسمع بها، قلبك هذا الذي أصبح يتعلق بالناس ونسي رب الناس هو الذي خلقه لك، تحب به الحب الحرام وتنسى أن تحب به الملك القادر الذي رزقك بالمشاعر والأحاسيس. بعد كل هذا يكون أول ما يفكر به عقلك هو اتخاذ قرار بعدم طاعة الله عز وجل؟ انظر لنعم الله عليك؟{ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم. الذي خلقك فسواك فعدلك. في أي صورة ما شاء ركبك} الانفطار 6 – 8 ...{ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } عبس 24 – 32
تريد أن تتعلم الحياء، أحضر ورقة وقلماً اليوم واقسمها نصفين، واكتب في النصف الأول: نعم الله عليك: (البصر – السمع – اليد - القوة – العينين – العاطفة – المشاعر - الجمال – التفكير – الأب والأم – الإسلام .. ) واكتب في النصف الآخر: ذنوبك (فأنت لن تخجل من نفسك) اقرأ وتأمل نعمه عليك جيدا والتي لا تتوقف رغم ذنوبك، وانظر لذنوبك، والله إنه لقليل عليك أن تبكي أمام نعم الله عليك. تذكر حياءك أمام يدي الله يوم القيامة، إذا كنت لا تستطيع أن تتذكره في الدنيا وتستشعر أن الله معك في أي وقت يسمعك ويراك، ألم يقل لسيدنا موسى عليه السلام: {قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} (طه 46)، {ألم يعلم بأن الله يرى}(العلق 14) ؟ لا تريد أن تستحي من ذلك كله، ستستحي يوم القيامة، وتصور الموقف يومئذ وأنت واقف بين يدي الله ليحاسبك، كثير منا غافلون، لا يتخيلون كيف سيقفون بين يدي الله، لا يتخيلون هذا الموقف العسير، وأنت تقف مسكيناً حافياً عارياً، تمسك صحيفة سيئاتك بين يدي الله عز وجل، والله ما أقرب هذا اليوم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "بعثت أنا والساعة كهاتين – وقرب بين إصبعيه"
تذكر حياءك بين يدي الله، يقول الإمام علي رضي الله عنه: "والله إني لأعلم أقواما سيسقط لحم وجوههم خجلا يوم القيامة عندما تعرض ذنوبهم على الله عز وجل". تخيل يوم القيامة وينادي مناد فلان بن فلان وفلانة بنت فلان هلم للعرض على الجبار. فما يستطيع أن يتحرك من مكانه، من خوفه، من حيائه، فتعرفه الملائكة من وسط الملايين من شدة حيائه، من شدة خوفه من الله عز وجل، من شدة ارتعاده، وزرقة وجهه وجلاً من الله عز وجل، فيؤخذ ويوقف أمام الله عز وجل فيقول له – وهذا ورد عن النبي في أحاديث:
عبدي ما غرك بي؟ عبدي أظننت أنك ستقابلني اليوم أم نسيت ذلك؟ عبدي أما استحييت مني؟ عبدي ألم أكن رقيبا على عينيك وأنت تنظر بهما إلى الحرام؟ عبدي ألم أكن رقيبا على قدميك وأنت تمشي بهما إلى الحرام، عبدي ألم أكن رقيبا على يديك وأنت تأخذ بهما الحرام، عبدي أستخففت بلقائي؟
ماذا ستفعل عندما يقول لك الجبار هذه الكلمة ؟ أكنت عليك هيناً؟ أكنت تتجمل للناس وتأتيني أنا بالقبيح؟ عبدي ألم أزوجك؟ ألم أنعم عليك؟ ألم أرزقك مالا؟ ألم أقل... ؟ ألم …
عبدي: اقرأ كتابك. فتمسك كتابك وتقرأ، وتمر بسيئة فيسود لها وجهك، وتمر بالحسنة فيبيض لها وجهك، ولا تزال بين حسنة وسيئة يسود لها وجهك، ويبيض لها وجهك...
تخيلوا أن هناك من لا يستحي حتى يوم القيامة فيقول لله: يا رب إني لا أقبل شهادة الشهداء، ولا أقبل شهادة الملائكة، ولا أقبل شهادة هذا الكتاب الذي كتب. فيقول الله عز وجل: إذن ماذا تريد؟ فيقول لا أقبل شهادة إلا من نفسي. فيقول له تبارك وتعالى: نعم، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، فيختم على فمه، ويشهد عليه سمعه وبصره ويده: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} (يس 65)، {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون. حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون. وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون. وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} (فصلت 19إلى 23).
تخيل يديك وهي تقول يا رب لقد فعل بي كذا وكذا وكذا، وقدميك وهي تقول يا رب مشى بي يوم كذا إلى كذا، وقلبك يقول : يا رب اشتهى بي كذا، وأنت هل كنت تستتر أو تستحيي من الله؟ ثم انظر لأمر الله وقد غضب على هذا العبد غضبا شديدا، يقول: اذهب يا عبد السوء، عليك لعنتي فلا أقبل منك أبدا
استحِ من الله عز وجل قبل أن تسمع كلمة كهذه فيكون الويل لك.وبالعكس، يحكي النبي صلى الله عليه وسلم، أن الله يدني العبد المؤمن منه، يقول: ادنُ عبدي. ثم يرخي الله عز وجل عليه ستره يقول له: أتذكر ذنب كذا، أتذكر ذنب كذا، حتي يظن العبد أنه هالك، فيقول الله عز وجل سترتها عليك في الدنيا، وها أنا أغفرها لك اليوم.
يقول العلماء الحياء من الله " له ستة أشكال:
1- حياء الجناية: أي حياء من فعل معصية كبيرة، كحياء آدم عندما أكل من الشجرة، فظل هو وحواء يجريان في الجنة، فقال الله تبارك وتعالى: أين تذهب يا آدم؟ أفرارا مني يا آدم؟ قال لا يا رب: بل حياء منك يا رب. إنه حياء الجاني، هل شعرت بهذا الإحساس في حياتك؟ بعدما اقترفت ذنباً ما، فلم تستطع أن تنم، ونزلت تجري وليس في جيبك سوى خمس جنيهات، أردت أن تعطيها لفقير؟ إنه حياء الجاني في حق المولى عز وجل
2- حياء التقصير: إحساسك بأنك مقصر في حق الله حتى ولو كنت عابداً، وهذا كحياء الملائكة. تظل تعبد الله مئات السنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أطت السماء –أي ازدحمت – وحق لها أن تئط، ما فيها موضع قدم إلا وملك ساجد أو راكع أو قائم لله عز وجل، حتي إذا قامت القيامة، قاموا من عبادتهم يقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. أرأيتم حياء التقصير.
3- حياء العبودية: حياء إنني عبد ولابد أن أطيعك يا رب، لا يمكن أن تأمرني بأمر فأخالفه، وهذا كحياء النبي صلى الله عليه وسلم. النبي صلى الله عليه وسلم عندما كانت القبلة تجاه بيت المقدس، وهو يتمنى أن تكون باتجاه المسجد الحرام، حياء العبودية منعه من أن يرفع يديه ويطلب من الله هذا. يقول الله تبارك وتعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء}، ينظر للسماء فقط دون أن يطلب، إنه حياء العبودية منه صلى الله عليه وسلم.
4- حياء استشعار نعمة الله عز وجل: كحياء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو ويقول: "لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"، حياء من كثرة نعم الله علينا ونحن لا نجيد شكره وثناءه.
5- حياء المحبة: من كثرة حبك لله تستشعر أنك تستحي، فلربما بكت عينك، ولربما اضطرب قلبك، ولربما خشعت جوارحك من الحياء من الله عز وجل، وهذا النوع لا يمكن أن أصفه لك، فأنت فقط من تستطيع الشعور به إذا شعرت بحلاوة حب الله عز وجل. النبي من كثرة حبه له عز وجل يقول ويدعوه: "اللهم ارزقني حبك، وحب من أحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك "
6- حياء إجلال الله عز وجل: الملك – العظيم – مالك الملك. كحياء جبريل عليه السلام عندما صاحب النبي في رحلة الإسراء والمعراج، ووصل النبي إلى السماء السابعة وتقدم إلى سدرة المنتهى ومعه جبريل عليه السلام وفجأة يتوقف، يقول النبي: فالتفت إلي جبريل فإذا هو كالحليس البالي من خشية الله، الحليس البالي: قطعة الخيش الممزقة – كان جبريل منكمشاً في نفسه، ومستشعراً جلال الله عز وجل ومستحياً منه، ولم يتخطَ أكثر من ذلك وترك النبي.
هل استشعرت أياً من هذه المعاني من قبل، هذه الأنواع من الحياء مع الله. يقول العلماء " من استحى من الله بلغ مقام الأولياء " . تعلّم أن تستحي من الله ومن نظر الله إليك وسمعه لك.
أما تستحي ؟
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم . "إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشداً" خُلُقنا اليوم هو خُلُق " الحياء"، والحياء والإيمان متلازمان كلما زاد خلق الحياء زاد الإيمان، وكلما نقص قل الإيمان، فهو لصيق بالإيمان.
ما معنى الحياء؟ وما معنى أن نقول أن فلان عنده حياء؟
الحياء هو انقباض النفس عن فعل المعاصي والرذائل والقبائح، فقلبك لا يطيق أن تفعل الحرام، لأنك لا تطيق أن ترى نفسك مهانة أمام الله أو أمام الناس أو أمام نفسك. لأن نفسك كريمة . هذا هو الحياء، وكأنه عاطفة بداخل النفس ترتفع بها النفس عن الدنايا والصغائر، أنا أزني؟ أنا أسرق؟ أنا أكذب؟ لا يمكن، ولِمَ؟ لأن نفسي كريمة، عظيمة عن ذلك، فأنا أرقى من ذلك، وأنا أحترم نفسي أمام الله عز وجل وأمام الناس وأمام النفس.كلمة الحياء أصلها من الحياة، حيي، أو استحيا الرجل: أي من قوة نبض الحياة داخله ترفع عن فعل الرذائل والدنايا، لذلك هناك علاقة شديدة بين الحياء وأن يكون القلب حياً، كلما كان القلب حياً ازددت حياءً. ولذلك يقال: أكثر الناس حياة " أكثرهم حياءً" لأن القلب عندما يموت فلن تستقبح شيئاً، فأي شيء من الممكن أن تفعله.
ما الفرق بين الخجل والحياء؟
كثيرون يعتقدون أن الحياء معناه الخجل، أنا أخجل إذن أنا حيي، لا.
الخجل: هو ارتباك لمجرد أن يكون المرء أمام من هو أكثر منه علماً، أو تسلط عليه الأضواء، أو يوجه أحد له سؤالاً، فلا يقدر أن يعبر عن نفسه . وكأن الخجل ناتج عن جبن، عن خوف، عن شخصية لا تشعر بقيمتها، شخصية ضعيفة.
الحياء : عكس ذلك تماما، فهذه الشخصية من فرط تقديرها لذاتها وأنها كريمة تستعلي عن فعل القبائح.
الخجول يخجل لأنه يرى نفسه قليلة في نظره، أما الحيي فيترفع لأنه يرى نفسه كريمة، فيأبى أن تهان نفسه أمام الله أو أمام الناس أو أمام عينه، فالفرق كبير. هذا الفرق يجعلنا نفسر تصرفات كثيرة. فلا تترك حقك مهضوما وتقل إنني حيي، هذا ليس حياءً، إنما الحياء أن تستقذر القبيح، فلا يمكن أن تنطق بسبِّ أحد، أو تعاكس فتاة في الشارع.
أقوال النبي صلى الله عليه وسلم عن الحياء:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان " الإيمان بضع وسبعون خصلة أو نقطة أو موضوع، الحياء أحدها. والعجيب أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر البضع وسبعين، لكنه ذكر " الحياء" ولِمَ ؟ لأن الحياء هو الذي يعينك على إكمال الشعب الباقية، فإذا انضبط الحياء ستنضبط بقية الأخلاق والبضع وسبعين شعبة. استكمل حياءك، تستكمل إيمانك.
في رواية أخرى " الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله؟ وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" وكأن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يؤكد على أن الحياء شعبة من الإيمان. حاول العلماء الاجتهاد لمعرفة البضع وسبعين شعبة، " فابن شيبان" قال إن أكثرها – وهي مقسمة – شعب تخص القلب، وشعب تخص اللسان، وشعب تخص البدن. فالتي تخص القلب: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالبعث والنشور والقيامة والجنة والنار – والخوف من الله والتوبة – والرضا – والشكر – كل ما يخص القلب … والتي تخص اللسان: - تجنب آفات اللسان – تعلم العلم – قراءة القرآن – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – والذكر والدعاء. والتي تخص البدن: - الصلاة- الصيام- الجهاد – الحج – العمرة – الدعوة إلى الله .. أشياء كثيرة. ومع ذلك لم يذكر النبي أية واحدة منها، وإنما ذكر الحياء، لأنه الضابط للسبعين. أنا لن أستطيع أن أصل إلى مرحلة بر الوالدين إلا إذا كنت أستحي منهم. لن أستطيع أن أتوب إلا إذا كنت أستحي من الله. لن أستطيع أن أقدم على الحج والعمرة إلا إذا كنت حيياً من ذنوبي وأريد أن أتطهر منها . الأخلاق كلها مردها الحياء، الحرص على طاعة الله مرده الحياء من الله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء والإيمان قرناء جميعا، إذا رُفِع أحدهما رفع الأخر " . يقول النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء كله خير".ويقول أيضا " الحياء لا يأتي إلا بخير " نتيجته إيجابية دائما. حديث النبي صلى الله عليه وسلم " الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاء – السفالة الرذائل – من الجفاء والجفاء في النار". الجفاء: غلظة القلب. حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا أراد أن يهلك عبدا نزع منه الحياء، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلا مقيتا ممقتا ". ...ألا نرى هذه الأمثلة في الشارع، واحد أو واحدة، تخجل أنت من أفعالها وتتوارى خجلا، نُزِعَ منها الحياء، وإذا نظرت في الوجه وجدته بغيضا مقيتا.
"... فإذا لم تلقه إلا مقيتا ممقوتا نزعت منه الأمانة، فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا مخونا، فإذا لم تلقه إلا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما ملعونا...". أول ما نزع منه كان الحياء لأنه أول درجة لضياع الإيمان، وضياع الدين . يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء" ماذا يعني؟ هل لا يوجد في أخلاق الإسلام إلا الحياء، لا ، ولكن أكمل وأعظم أخلاق الإسلام هو الحياء. حديث النبي صلى الله عليه وسلم " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى – أي أنه الخلق الوحيد الذي لم ينسى من أول الأنبياء لأخرهم ، الخلق الوحيد الذي اجتمع عليه جميع الأنبياء – إذا لم تستح فاصنع ما شئت" رواه البخاري.
ما معنى إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت؟ لها معنيان:
1. تهديد: إذ لم يكن عندك حياء فافعل ما شئت فسوف تُجازى به.
2. أو انظر للفعل الذي تفعله أتستحي منه أمام الله ؟ أتستحي منه أمام الناس؟ أتستحي منه أمام نفسك؟ إذا كنت لا تستحي منه فأقدم ولا تبالِ – فافعل ما شئت – لا ضرر عليك ولا إثم عليك.
نماذج الحياء
في القرآن – في حياة النبي صلى الله عليه وسلم – الصحابة وحياؤهم – كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها. انظر للعذراء في مخدعها وهي حريصة على نفسها وعلى حيائها، عندما تتعامل مع الرسول تجده أشد حياءً منها. أين حياؤك أنت؟ أتستحي أن ترى منظراً فاضحاً فيحمر وجهك وتغض بصرك حياء من أن ترى هذا المنظر؟ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من الأنصار يعظ أخاه في الحياء، أي يطلب منه أن يقلل من حيائه قليلا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه فإن الحياء من الإيمان" حديث أهديه لأخواتنا: " جاءت فاطمة بنت عتبة بن ربيعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد الإسلام فقال لها الرسول والسيدة عائشة تقف تشهد الموقف: "بايعيني يا فاطمة على ألا تشركي بالله شيئا ولا تسرقي ولا تزني..."، والمرأة هنا من شدة حيائها من الكلمة خفضت رأسها، ووضعت يدها على رأسها، فأعجب الرسول بحيائها، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: يا فاطمة بايعي، فقد بايعن النساء على ذلك، فبايعت فاطمة.
قارن هذا الخلق بما يجري الآن، أنت أحيانا تخجل ويحمر وجهك عند سماعك كلام البنات مع بعضهن الآن، والسيدة خجلت ووضعت يدها على رأسها وخفضته لمجرد أنها سمعت لفظ الزنا.
في حديث عن السيدة عائشة: تقول السيدة عائشة: كنت أدخل بيتي -وقد دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أبوها- فكنت أقول أبي وزوجي، فكنت أضع ثيابي، فلما مات عمر بن الخطاب ودفن بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي، استحييت أن أضع ثيابي، فكنت أشد عليّ ثيابي حياء من عمر – وهو ميت-. قارن حياءنا الآن –نساء ورجالا- بهذه القصة وهذا الحياء.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن حياء عثمان بن عفان رضي الله عنه: "ألا أستحي من عثمان؟ ذلك رجل تستحي منه الملائكة " من أدبه وحيائه. يا ترى من هذا الذي تستحي منه الملائكة؟ هل هو هذا الشاب الذي يركب سيارته ويرفع صوت جهاز التسجيل على آخره، ويعاكس الفتيات في الشارع. وهل هي هذه الفتاة التي ترتدي بنطلونا "سترتش " وهو ملتصق بجسدها لدرجة يستحيل معها أن تكون قد ارتدته بنفسها، وترتدي الـ "بودي " الضيق والقصير و…. هل يمكن أن يكون هؤلاء هم أبناء عثمان وعائشة وفاطمة؟ هل نحن ببعدنا عن الحياء بهذا الشكل نكون أتباعاً لهؤلاء؟ ونحن نتحدث عن الحياء تكون نظرتنا للفتاة أشد ومطالبتنا لها أشد، انظري إلى حياء الفتاة التي قابلها سيدنا موسى عليه السلام في سورة القصص {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير. فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} . (القصص 24- 25) وهناك في الحقيقة قراءتان لهذه الآية، الأولى: تخص مشيتها بالاستحياء والثانية تجمع ما قبل الكلمة وما بعدها أي أنها تمشي على استحياء، وقالت له على استحياء أيضا فهي كلها الحياء. يا ترى أخواتنا وبناتنا وهن يمشين يحرصن على الحياء في مشيتهن؟ وأنت عندما تتكلمين هل تتكلمين بحياء؟ في الحقيقة فتيات كثيرات فقدن معنى الحياء في العصر الذي نعيشه الآن. أعظم درجات الحياء وأرقاها: الحياء من الله.
كل الذنوب، كل المعاصي صغيرة أو كبيرة، من رجل، من امرأة ، من عجوز، من صغير، تشترك في شيء أساسي: عدم الحياء من نظر الله إليك، ولو كنت تدرك أن الله ينظر إليك لما فعلت المعصية. لذلك أحيانا قد يرتكب المرء كبيرة، لكن يعقبها من الحياء والخوف من الله ما يجعلها صغيرة، وأحيانا يرتكب المرء صغيرة يقترن بها عدم حياء وعدم خوف من الله يلحقها بالكبائر. وإذ نصحه أحد قال: هذا لا يخصك، {وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم} يقول: "وإيه يعني" ؟
أرأينا قيمة خلق الحياة وخطورته، فبه من الممكن أن تكون الكبيرة صغيرة وأن تكون الصغيرة كبيرة بحسب حيائك منها ومن الله.
اسمع ما يقوله ابن القيم في هذه النقطة: "وفرحك بالذنب أشد عند الله من الذنب، لقلة حيائك من الله" ، فضحكك وأنت تفعل الذنب أشد عند الله من الذنوب، "وحزنك على فوات الذنب أشد عند الله من الذنب ". هناك من يرتكب المعصية وهو خائف من الله، مستحٍ منه، غير مستمتع بالمعصية، فهذا سيعينه الله على التوبة بلا ريب، ويتوب عليه ويغفر له. وهناك من يتمنى أن يفعل المعصية، ومازال يرتب لها، فإذا لم يحصل عليها، وفشل في ترتيبها حزن وأصابه هم شديد، يوضع هذا الحزن والهم في ميزان سيئاته يوم القيامة فيكون أثقل من الذنب نفسه. وذلك لقلة حيائه من الله. وحرصك على أن تستر نفسك وأنت تذنب أشد عند الله من الذنب، أتستحي من الناس وتخاف أن يراك أحد، ولا تستحي من الله ؟
جاء رجل إلى إبراهيم بن الأدهم فقال: يا إمام أريد أن أتوب وأترك الذنوب، ولا أعود إليها، دلني على أشياء لا أعصي بها الله وتعصمني من الزلل، يقول له الإمام إبراهيم: إن أردت أن تعصي الله فاعصه ولكن لا تعصه على أرضه، قال : فأين أعصيه؟ قال: خارج أرضه، قال: كيف يا إمام والأرض كلها أرض الله عز وجل؟ قال أما تستحي؟ أن تكون الأرض كلها ملك الله، وأن تعصيه على أرضه؟ ثم قال له: فإن أردت أن تعصيه، فلا تأكل من رزقه، قال : يا إمام وكيف أحيا؟ قال: أفلا تستحي أن تأكل من رزقه ثم تعصيه بما وهبك من نعم؟ قال له: فإن أبيت إلا أن تعصي الله، فاعصه في مكان لا يراك فيه، قال يا إمام فأين أعصيه وهو معنا أينما كنا؟ قال أما تستحي وهو معك قريب منك في كل مكان أن تعصيه؟ فإذا أبيت إلا أن تعصي الله، فإن جاءك ملك الموت ليأخذ روحك فقل له أنظرني حتى أتوب، قال له: ومن يملك ذلك؟ قال : أما تستحي ؟ ستموت ويأخذ ملك الموت روحك وأنت على معصية أفلا تستحي من الله؟ قال: فإن أبيت إلا أن تعصي الله، وجاءتك زبانية جهنم لتأخذك إلى النار فقل لهم: لن أذهب معكم، أما تستحي ؟ وأنت: إنك تأكل من رزقه ، وتعصيه على أرضه، وتعصيه وهو يراك ومن الممكن أن تموت وأنت تفعل المعصية ولن تمنع ملك الموت، وفي الآخرة لن تمنع نفسك من ملائكة جهنم أما تستحي أن تصر على المعصية بعد كل ذلك؟ فإن أبيت إلا أن تعصيه فتعال أذكرك بمعنىً جديد، وهو أن تنظر إلى رحمة الله بك لتتعلم الحياء انظر إلى لطفه بك، إلى حرصه عليك لعلك تستحي منه.
يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي: " إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويُعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل وشرهم إليّ صاعد، أتحبب لهم بنعمتي وأنا الغني عنهم، ويتبغّضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي. من أقبل إلي تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد، ومن أراد رضاي أردت ما يريد، ومن تصرف بحولي وقوتي ألنت له الحديد. أهل ذكري أهل مجالستي، (أي: فمن أراد أن يجالسني فليذكرني)، أهل شكري أهل زيادتي، أهل طاعتي أهل كرامتي، وأهل معصيتي لا أُقَنِّطُهم من رحمتي، إن تابوا إلي فأنا حبيبهم، فإني أحب التوابين وأحب المتطهرين، وإن لم يتوبوا إلي فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب، من آثرني على سواي آثرته على سواه، الحسنة عندي بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والسيئة عندي بواحدة، فإن ندم عليها واستغفرني غفرتها له، أشكر اليسير من العمل، وأغفر الكثير من الزلل. رحمتي سبقت غضبي، وحلمي سبق مؤاخذتي، وعفوي سبق عقوبتي، وأنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها." (مدارج السالكين لابن قيم الجوزية)
أما تستحي بعد ذلك كله؟ أما زلت تطلق بصرك ولا تغضه؟ أما زلت تأكل حراما؟ أما زلتِ لا تريدين ارتداء الحجاب؟ أما زلتَ تكذب ؟. أما زلت تغش وليس لديك أمانة؟ أما زلت لا تتقي الله، أما زلت لا تريد أن تحسن صلاتك؟ أما زلت لا تريد أن تؤدي الزكاة؟ وأن تعيش لله. جاء في الأثر أن الله تبارك وتعالى نادى داوود وقال: " يا داوود لو يعلم المدبرون عني شوقي لهم وحبي لهم ورغبتي في عودتهم إليّ لطاروا شوقا إلي، يا داوود هذه رغبتي في المدبرين عني فكيف حبي للمقبلين علي " لا إله إلا لله. أما تستحي؟ أما زلت مُصِرًّا أن تتركه وتعصيه ولا تتودد إليه. الحديث يقول " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. وكأنه هو من يبحث عنك، هو من يدعوك، هو من يناديك. كل هذه الرحمة من الله ولا تستحي منه. فإن أبيت أن تستحي من ذنوبك وأبيت أن تستحي من كل هذه الرحمة وهذا العفو، أفلا تستحي من نعمه عليك؟ { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } ق:16 - هو الذي خلقك. عينك التي ترى بها، أذنك التي تسمع بها، قلبك هذا الذي أصبح يتعلق بالناس ونسي رب الناس هو الذي خلقه لك، تحب به الحب الحرام وتنسى أن تحب به الملك القادر الذي رزقك بالمشاعر والأحاسيس. بعد كل هذا يكون أول ما يفكر به عقلك هو اتخاذ قرار بعدم طاعة الله عز وجل؟ انظر لنعم الله عليك؟{ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم. الذي خلقك فسواك فعدلك. في أي صورة ما شاء ركبك} الانفطار 6 – 8 ...{ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا وَحَدَائِقَ غُلْبًا وَفَاكِهَةً وَأَبًّا مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } عبس 24 – 32
تريد أن تتعلم الحياء، أحضر ورقة وقلماً اليوم واقسمها نصفين، واكتب في النصف الأول: نعم الله عليك: (البصر – السمع – اليد - القوة – العينين – العاطفة – المشاعر - الجمال – التفكير – الأب والأم – الإسلام .. ) واكتب في النصف الآخر: ذنوبك (فأنت لن تخجل من نفسك) اقرأ وتأمل نعمه عليك جيدا والتي لا تتوقف رغم ذنوبك، وانظر لذنوبك، والله إنه لقليل عليك أن تبكي أمام نعم الله عليك. تذكر حياءك أمام يدي الله يوم القيامة، إذا كنت لا تستطيع أن تتذكره في الدنيا وتستشعر أن الله معك في أي وقت يسمعك ويراك، ألم يقل لسيدنا موسى عليه السلام: {قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} (طه 46)، {ألم يعلم بأن الله يرى}(العلق 14) ؟ لا تريد أن تستحي من ذلك كله، ستستحي يوم القيامة، وتصور الموقف يومئذ وأنت واقف بين يدي الله ليحاسبك، كثير منا غافلون، لا يتخيلون كيف سيقفون بين يدي الله، لا يتخيلون هذا الموقف العسير، وأنت تقف مسكيناً حافياً عارياً، تمسك صحيفة سيئاتك بين يدي الله عز وجل، والله ما أقرب هذا اليوم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "بعثت أنا والساعة كهاتين – وقرب بين إصبعيه"
تذكر حياءك بين يدي الله، يقول الإمام علي رضي الله عنه: "والله إني لأعلم أقواما سيسقط لحم وجوههم خجلا يوم القيامة عندما تعرض ذنوبهم على الله عز وجل". تخيل يوم القيامة وينادي مناد فلان بن فلان وفلانة بنت فلان هلم للعرض على الجبار. فما يستطيع أن يتحرك من مكانه، من خوفه، من حيائه، فتعرفه الملائكة من وسط الملايين من شدة حيائه، من شدة خوفه من الله عز وجل، من شدة ارتعاده، وزرقة وجهه وجلاً من الله عز وجل، فيؤخذ ويوقف أمام الله عز وجل فيقول له – وهذا ورد عن النبي في أحاديث:
عبدي ما غرك بي؟ عبدي أظننت أنك ستقابلني اليوم أم نسيت ذلك؟ عبدي أما استحييت مني؟ عبدي ألم أكن رقيبا على عينيك وأنت تنظر بهما إلى الحرام؟ عبدي ألم أكن رقيبا على قدميك وأنت تمشي بهما إلى الحرام، عبدي ألم أكن رقيبا على يديك وأنت تأخذ بهما الحرام، عبدي أستخففت بلقائي؟
ماذا ستفعل عندما يقول لك الجبار هذه الكلمة ؟ أكنت عليك هيناً؟ أكنت تتجمل للناس وتأتيني أنا بالقبيح؟ عبدي ألم أزوجك؟ ألم أنعم عليك؟ ألم أرزقك مالا؟ ألم أقل... ؟ ألم …
عبدي: اقرأ كتابك. فتمسك كتابك وتقرأ، وتمر بسيئة فيسود لها وجهك، وتمر بالحسنة فيبيض لها وجهك، ولا تزال بين حسنة وسيئة يسود لها وجهك، ويبيض لها وجهك...
تخيلوا أن هناك من لا يستحي حتى يوم القيامة فيقول لله: يا رب إني لا أقبل شهادة الشهداء، ولا أقبل شهادة الملائكة، ولا أقبل شهادة هذا الكتاب الذي كتب. فيقول الله عز وجل: إذن ماذا تريد؟ فيقول لا أقبل شهادة إلا من نفسي. فيقول له تبارك وتعالى: نعم، كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا، فيختم على فمه، ويشهد عليه سمعه وبصره ويده: {اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون} (يس 65)، {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون. حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون. وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون. وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين} (فصلت 19إلى 23).
تخيل يديك وهي تقول يا رب لقد فعل بي كذا وكذا وكذا، وقدميك وهي تقول يا رب مشى بي يوم كذا إلى كذا، وقلبك يقول : يا رب اشتهى بي كذا، وأنت هل كنت تستتر أو تستحيي من الله؟ ثم انظر لأمر الله وقد غضب على هذا العبد غضبا شديدا، يقول: اذهب يا عبد السوء، عليك لعنتي فلا أقبل منك أبدا
استحِ من الله عز وجل قبل أن تسمع كلمة كهذه فيكون الويل لك.وبالعكس، يحكي النبي صلى الله عليه وسلم، أن الله يدني العبد المؤمن منه، يقول: ادنُ عبدي. ثم يرخي الله عز وجل عليه ستره يقول له: أتذكر ذنب كذا، أتذكر ذنب كذا، حتي يظن العبد أنه هالك، فيقول الله عز وجل سترتها عليك في الدنيا، وها أنا أغفرها لك اليوم.
يقول العلماء الحياء من الله " له ستة أشكال:
1- حياء الجناية: أي حياء من فعل معصية كبيرة، كحياء آدم عندما أكل من الشجرة، فظل هو وحواء يجريان في الجنة، فقال الله تبارك وتعالى: أين تذهب يا آدم؟ أفرارا مني يا آدم؟ قال لا يا رب: بل حياء منك يا رب. إنه حياء الجاني، هل شعرت بهذا الإحساس في حياتك؟ بعدما اقترفت ذنباً ما، فلم تستطع أن تنم، ونزلت تجري وليس في جيبك سوى خمس جنيهات، أردت أن تعطيها لفقير؟ إنه حياء الجاني في حق المولى عز وجل
2- حياء التقصير: إحساسك بأنك مقصر في حق الله حتى ولو كنت عابداً، وهذا كحياء الملائكة. تظل تعبد الله مئات السنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أطت السماء –أي ازدحمت – وحق لها أن تئط، ما فيها موضع قدم إلا وملك ساجد أو راكع أو قائم لله عز وجل، حتي إذا قامت القيامة، قاموا من عبادتهم يقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك. أرأيتم حياء التقصير.
3- حياء العبودية: حياء إنني عبد ولابد أن أطيعك يا رب، لا يمكن أن تأمرني بأمر فأخالفه، وهذا كحياء النبي صلى الله عليه وسلم. النبي صلى الله عليه وسلم عندما كانت القبلة تجاه بيت المقدس، وهو يتمنى أن تكون باتجاه المسجد الحرام، حياء العبودية منعه من أن يرفع يديه ويطلب من الله هذا. يقول الله تبارك وتعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء}، ينظر للسماء فقط دون أن يطلب، إنه حياء العبودية منه صلى الله عليه وسلم.
4- حياء استشعار نعمة الله عز وجل: كحياء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو ويقول: "لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"، حياء من كثرة نعم الله علينا ونحن لا نجيد شكره وثناءه.
5- حياء المحبة: من كثرة حبك لله تستشعر أنك تستحي، فلربما بكت عينك، ولربما اضطرب قلبك، ولربما خشعت جوارحك من الحياء من الله عز وجل، وهذا النوع لا يمكن أن أصفه لك، فأنت فقط من تستطيع الشعور به إذا شعرت بحلاوة حب الله عز وجل. النبي من كثرة حبه له عز وجل يقول ويدعوه: "اللهم ارزقني حبك، وحب من أحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك "
6- حياء إجلال الله عز وجل: الملك – العظيم – مالك الملك. كحياء جبريل عليه السلام عندما صاحب النبي في رحلة الإسراء والمعراج، ووصل النبي إلى السماء السابعة وتقدم إلى سدرة المنتهى ومعه جبريل عليه السلام وفجأة يتوقف، يقول النبي: فالتفت إلي جبريل فإذا هو كالحليس البالي من خشية الله، الحليس البالي: قطعة الخيش الممزقة – كان جبريل منكمشاً في نفسه، ومستشعراً جلال الله عز وجل ومستحياً منه، ولم يتخطَ أكثر من ذلك وترك النبي.
هل استشعرت أياً من هذه المعاني من قبل، هذه الأنواع من الحياء مع الله. يقول العلماء " من استحى من الله بلغ مقام الأولياء " . تعلّم أن تستحي من الله ومن نظر الله إليك وسمعه لك.
أما تستحي ؟


الصفحة الأخيرة
ويبعد عنك الشيطان ..
وييسر لك من الأعمال ما يقربك فيها إلى عليين
..
وأن يصب عليك من نفحات الإيمان وعافية الأبدان
ورضا الرحمن ..
ويجعل لقيانا في أعالي الجنان ..