السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيفكم يابنات
اليوم خطرت على بالي فكرة قلت خليني افيد واستفيد ان شاء الله
ايش رايكم نكتب كل يوم عن واحد من الصحابة ونعرف عنه ونتعلم منه
اليوم ببدأ بالصحابي الجليل اسد الله واسد رسوله
حمزة بن عبدالمطلب
رضي الله عنه وارضاه
كانت مكة تغطّ في نومها، بعد يوم مليء بالسعي، وبالكدّ، وبالعبادة وباللهو..
والقرشيون يتقلبون في مضاجعهم هاجعين.. غير واحد هناك يتجافى عن المضجع جنباه، يأوي الى فراشه مبركا، ويستريح ساعات قليلة، ثم ينهض في شوق عظيم، لأنه مع الله على موعد، فيعمد الى مصلاه في حجرته، ويظل يناجي ربه ويدعوه.. وكلما استيقظت زوجته على أزير صدره الضارع وابتهالاته الحارّو الملحة، وأخذتها الشفقة عليه، ودعته أن يرفق بنفسه ويأخذ حظه من النوم، يجيبها ودموع عينيه تسابق كلماته:
" لقد انقضى عهد النوم يا خديجة"..!!
لم يكن أمره قد أرّق قريش بعد، وان كان قد بدأ يشغل انتباهها، فلقد كان حديث عهد بدعوته، وكان يقول كلمته سرا وهمسا.
كان الذين آمنوا به يومئذ قليلين جدا..
وكان هناك من غير المؤمنين به من يحمل له كل الحب والاجلال، ويطوي جوانحه على شوق عظيم الى الايمان به والسير في قافلته المباركة، لا يمنعه سوى مواضعات العرف والبيئة، وضغوط التقاليد والوراثة، والتردد بين نداء الغروب، ونداء الشروق.
من هؤلاء كان حمزة بن عبد المطلب.. عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة.
**
كان حمزة يعرف عظمة ابن أخيه وكماله.. وكان على بيّنة من حقيقة أمره، وجوهر خصاله..
فهو لا يعرف معرفة العم بابن أخيه فحسب، بل معرفة الأخ بالأخ، والصديق بالصديق.. ذلك أن رسول الله وحمزة من جيل واحد، وسن متقاربة. نشأ معا وتآخيا معا، وسارا معا على الدرب من أوله خطوة خطوة..
ولئن كان شباب كل منهما قد مضى في طريق، فأخذ حمزة يزاحم أنداده في نيل طيبات الحياة، وافساح مكان لنفسه بين زعماء مكة وسادات قريش.. في حين عكف محمد على اضواء روحه التي انطلقت تنير له الطريق الى الله وعلى حديث قلبه الذي نأى به من ضوضاء الحياة الى التأمل العميق، والى التهيؤ لمصافحة الحق وتلقيه..
نقول لئن كان شباب كل منهما قد اتخذ وجهة مغايرة، فان حمزة لم تغب عن وعيه لحظة من نهار فضائل تربه وابن أخيه.. تلك الفضائل والمكارم التي كانت تحلّ لصاحبها مكانا عليّا في أفئدة الناس كافة، وترسم صورة واضحة لمستقبله العظيم.
في صبيحة ذلك اليوم، خرج حمزة كعادته.
وعند الكعبة وجد نفرا من أشراف قريش وساداتها فجلس معهم، يستمع لما يقولون..
وكانوا يتحدثون عن محمد..
ولأول مرّة رآهم حمزة يستحوذ عليهم القلق من دعوة ابن أخيه.. وتظهر في أحاديثهم عنه نبرة الحقد، والغيظ والمرارة.
لقد كانوا من قبل لا يبالون، أو هم يتظاهرون بعدم الاكتراث واللامبالاة.
أما اليوم، فوجوههم تموج موجا بالقلق، والهمّ، والرغبة في الافتراس.
وضحك حمزة من أحاديثهم طويلا.. ورماهم بالمبالغة، وسوء التقدير..
وعقب أبو جهل مؤكدا لجلسائه أن حمزة أكثر الانس علما بخطر ما يدعو اليه محمد ولكنه يريد أم يهوّن الأمر حتى تنام قريش، ثم تصبح يوما وقد ساء صاحبها، وظهر أمر ابن أخيه عليها...
ومضوا في حديثهم يزمجرون، ويتوعدون.. وحمزة يبتسم تارّة، ويمتعض أخرى، وحين انفض الجميع وذهب كل الى سبيله، كان حمزة مثقل الرأس بأفكار جديدة، وخواطر جديدة. راح يستقبل بها أمر ابن أخيه، ويناقشه مع نفسه من جديد...!!!
**
ومضت الأيام، ينادي بعضها بعضا ومع كل يوم تزداد همهمة قريش حول دعوة الرسول..
ثم تتحوّل همهمة قريش الى تحرّش. وحمزة يرقب الموقف من بعيد..
ان ثبات ابن أخيه ليبهره.. وان تفانيه في سبيل ايمانه ودعوته لهو شيء جديد على قريش كلها، برغم ما عرفت من تفان وصمود..!!
ولو استطاع الشك يومئذ أن يخدع أحدا عن نفسه في صدق الرسول وعظمة سجاياه، فما كان هذا الشك بقادر على أن يجد الى وعي حمزة منفا أو سبيلا..
فحمزة خير من عرف محمدا، من طفولته الباكرة، الى شباب الطاهر، الى رجولته الأمينة السامقة..
انه يعرفه تماما كما يعرف نغسه، بل أكثر مما يعرف نفسه، ومنذ جاءا الى الحياة معا، وترعرعا معا، وبلغا أشدّهما معا، وحياة محمد كلها نقية كأشعة الشمس..!! لا يذكر حمزة شبهة واحدة ألمّت بهذه الحياة، لا يذكر أنه رآه يوما غاضبا، أو قانطا، أو طامعا،أو لاهيا، أو مهزوزا...
وحمزة لم يكن يتمتع بقوة الجسم فحسب، بل وبرجاحة العقل، وقوة ارادة أيضا..
ومن ثم لم يكن من الطبيعي أن يتخلف عن متابعة انسان يعرف فيه كل الصدق وكل الأمانة.. وهكذا طوى صدره الى حين على أمر سيتكشّف في يوم قريب..
**
وجاء اليوم الموعود..
وخرج حمزة من داره،متوشحا قوسه، ميمّما وجهه شطر الفلاة ليمارس هوايته المحببة، ورياضته الأثيرة، الصيد.. وكان صاحب مهارة فائقة فيه..
وقضى هناك بعض يومه، ولما عاد من قنصه، ذهب كعادته الى الكعبة ليطوف بها قبل أن يقفل راجعا الى داره.
وقريبا من الكعبة، لقته خادم لعبدالله بن جدعان..
ولم تكد تبصره حتى قالت له:
" يا أبا عمارة.. لو رأيت ما لقي ابن أخيك محمد آنفا، من أبي الحكم بن هشام.. وجده جالسا هناك ، فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره"..
ومضت تشرح له ما صنع أبو جهل برسول الله..
واستمع حمزة جيدا لقولها، ثم أطرق لحظة، ثم مد يمينه الى قوسه فثبتها فوق كتفه.. ثم انطلق في خطى سريعة حازمة صوب الكعبة راجيا أن يلتقي عندها بأبي جهل.. فان هو لم يجده هناك، فسيتابع البحث عنه في كل مكان حتى يلاقيه..
ولكنه لا يكاد يبلغ الكعبة، حتى يبصر أبا جهل في فنائها يتوسط نفرا من سادة قريش..
وفي هدوء رهيب، تقدّم حمزة من أبي جهل، ثم استلّ قوسه وهوى به على رأس أبي جهل فشجّه وأدماه، وقبل أن يفيق الجالسون من الدهشة، صاح حمزة في أبي جهل:
" أتشتم محمدا، وأنا على دينه أقول ما يقول..؟! الا فردّ ذلك عليّ ان استطعت"..
وفي لحظة نسي الجالسون جميعا الاهانة التي نزلت بزعيمهم أبي جهل والدم لذي ينزف من رأسه، وشغلتهم تلك الكلمة التي حاقت بهم طالصاعقة.. الكلمة التي أعلن بها حمزة أنه على دين محمد يرى ما يراه، ويقول ما يقوله..
أحمزة يسلم..؟
أعزّ فتيان قريش وأقواهم شكيمة..؟؟
انها الطامّة التي لن تملك قريش لها دفعا.. فاسلام حمزة سيغري كثيرين من الصفوة بالاسلام، وسيجد محمد حوله من القوة والبأس ما يعزز دعوته ويشدّ ازره، وتصحو قريش ذات يوم على هدير المعاول تحطم أصنامها وآلهتها..!!
أجل أسلم حمزة، وأعلن على الملأ الأمر الذي كان يطوي عليه صدره، وترك الجمع الذاهل يجترّ خيبة أمله، وأبا جهل يلعق دماءه النازفة من رأسه المشجوج.. ومدّ حمزة يمينه مرّة أخرى الى قوسه فثبتها فوق كتفه، واستقبل الطريق الى داره في خطواته الثابتة، وبأسه الشديد..!
**
كان حمزة يحمل عقلا نافذا، وضميرا مستقيما..
وحين عاد الى بيته ونضا عنه متاعب يومه. جلس يفكر، ويدير خواطره على هذا الذي حدث له من قريب..
كيف أعلن اسلامه ومتى..؟
لقد أعلنه في لحظات الحميّة، والغضب، والانفعال..
لقد ساءه أن يساء الى ابن اخيه، ويظلم دون أن يجد له ناصرا، فيغضب له، وأخذته الحميّة لشرف بني هاشم، فشجّ رأس أبي جهل وصرخ في وجهه باسلامه...
ولكن هل هذا هو الطريق الأمثل لك يغدار الانسان دين آبائه وقومه... دين الدهور والعصور.. ثم يستقبل دينا جديدا لم يختبر بعد تعاليمه، ولا يعرف عن حقيقته الا قليلا..
صحيح أنه لا يشك لحظة في صدق محمد ونزاهة قصده..
ولكن أيمكن أن يستقبل امرؤ دينا جديدا، بكل ما يفرضه من مسؤوليات وتبعات، في لحظة غضب، مثلما صنع حمزة الآن..؟؟؟
وشرع يفكّر.. وقضى أياما، لا يهدأ له خاطر.. وليالي لا يرقأ له فيها جفن..
وحين ننشد الحقيقة بواسطة العقل، يفرض الشك نفسه كوسيلة الى المعرفة.
وهكذا، لم يكد حمزة يستعمل في بحث قضية الاسلام، ويوازن بين الدين القديم، والدين الجديد، حتى ثارت في نفسه شكوك أرجاها الحنين الفطري الموروث الى دين آبائه.. والتهيّب الفطري الموروث من كل جيد..
واستيقظت كل ذكرياته عن الكعبة، وآلهاها وأصنامها... وعن الأمجاد الدينية التى أفاءتها هذه الآلهة المنحوتة على قريش كلها، وعلى مكة بأسرها.
لقد كان يطوي صدره على احترام هذه الدعوة الجديدة التي يحمل ابن أخيه لواءها..
ولكن اذا كان مقدورا له أن يكون أح أتباع هذه الدعوة، المؤمنين بها، والذائدين عنها.. فما الوقت المناسب للدخول في هذا الدين..؟
لحظة غضب وحميّة..؟ أم أوقات تفكير ورويّة..؟
وهكذا فرضت عليه استقامة ضميره، ونزاهة تفكيره أن يخضع المسألأة كلها من جديد لتفكر صارم ودقيق..
وبدأ الانسلاخ من هذا التاريخ كله.. وهذا الدين القديم العريق، هوّة تتعاظم مجتازها..
وعجب حمزة كيف يتسنى لانسان أن يغادر دين آبائه بهذه السهولة وهذه السرعة.. وندم على ما فعل.. ولكنه واصل رحلة العقل.. ولما رأى أن العقل وحده لا يكفي لجأ الى الغيب بكل اخلاصه وصدقه..
وعند الكعبة، كان يستقبل السماء ضارعا، مبتهلا، مستنجدا بكل ما في الكون من قدرة ونور، كي يهتدي الى الحق والى الطريق المستقيم..
ولنضع اليه وهو يروي بقية النبأ فيقول:
".. ثم أدركني الندم على فراق دين آبائي وقومي.. وبت من الشك في أمر عظيم، لا أكتحل بنوم..
ثم أتيت الكعبة، وتضرّعت الى الله أن يشرح صدري للحق، ويذهب عني الريب.. فاستجاب الله لي وملأ قلبي يقينا..
وغدوت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما كان من أمري، فدعا الله أن يثبت قلبي على دينه.."
وهكذا أسلم حمزة اسلام اليقين..
**
أعز الله الاسلام بحمزة... ووقف شامخا قويا يذود عن رسول الله، وعن المستضعفين من أصحابه..
ورآه أبو جهل يقف في صفوف المسلمين، فأدرك أنها الحرب لا محالة، وراح يحرّض قريشا على انزال الأذى بالرسول وصحبه، ومضى يهيء لحرب أهليّة يشفي عن طرقها مغايظة وأحقاده..
ولم يستطع حمزة أن يمنع كل الأذى ولكن اسلامه مع ذلك كان وقاية ودرعا.. كما كان اغراء ناجحا لكثير من القبائل التي قادها اسلام حمزة أولا. ثم اسلام عمر بن الخطاب بعد ذلك الى الاسلام فدخلت فيه أفواجا..!!
ومنذ أسلم حمزة نذر كل عافيته، وبأسه، وحياته، لله ولدينه حتى خلع النبي عليه هذا اللقب العظيم:
"أسد الله، وأسد رسوله"..
وأول سرية خرج فيها المسلمون للقاء عدو، كان أميرها حمزة..
وأول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين كانت لحمزة..
ويوم التقى الجمعان في غزوة بدر، كان أسد الله ورسوله هناك يصنع الأعاجيب..!!
**
وعادت فلول قريش من بدر الى مكة تتعثر في هزيمتها وخيبتها... ورجع أبو سفيان مخلوع القلب، مطأطئ الراس. وقد خلّف على أرض المعركة جثث سادة قريش، من أمثال أبي جهل.. وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأميّة بن خلف. وعقبة بن أبي معيط.. والأسود بن عبدالله المخزومي، والوليد بن عتبة.. والنفر بن الحارث.. والعاص بن سعيد.. وطعمة ابن عديّ.. وعشرات مثلهم من رجال قريش وصناديدها.
وما كانت قريش لتتجرّع هذه الهزيمة المنكرة في سلام... فراحت تعدّ عدّتها وتحشد بأسها، لتثأر لنفسها ولشرفها ولقتلاها.. وصمّمت قريش على الحرب..
**
وجاءت غزوة أحد حيث خرجت قريش على بكرة أبيها، ومعها حلفاؤها من قبائل العرب، وبقيادة أبي سفيان مرة أخرى.
وكان زعماء قريش يهدفون بمعركتهم الجديدة هذه الى رجلين اثنين: الرسول صلى الله عليه وسلم، وحمزة رضي الله عنه وأرضاه..
أجل والذي كان يسمع أحاديثهم ومؤامراتهم قبل الخروج للحرب، يرى كيف كان حمزة بعد الرسول بيت القصيد وهدف المعركة..
ولقد اختاروا قبل الخروج، الرجل الذي وكلوا اليه أمر حمزة، وهو عبد حبشي، كان ذا مهارة خارقة في قذف الحربة، جعلوا كل دوره في المعركة أن يتصيّد حمزة ويصوّب اليه ضربة قاتلة من رمحه، وحذروه من أن ينشغل عن هذه الغاية بشيء آخر، مهما يكن مصير المعركة واتجاه القتال.
ووعدوه بثمن غال وعظيم هو حريّته.. فقد كان الرجل واسمه وحشي عبدا لجبير بن مطعم.. وكان عم جبير قد لقي مصرعه يوم بدر فقال له جبير"
" اخرج مع الناس وان أنت قتلت حمزة فأنت عتيق"..!!
ثم أحالوه الى هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان لتزيده تحريضا ودفعا الى الهدف الذي يريدون..
وكانت هند قد فقدت في معركة بدر أباها، وعمها، وأخاها، وابنها.. وقيل لها ان حمزة هو الذي قتل بعض هؤلاء، وأجهز على البعض الآخر..
من أجل هذا كانت أكثر القرشيين والقرشيّات تحريضا على الخروج للحرب، لا لشيء الا لتظفر برأس حمزة مهما يكن الثمن الذي تتطلبه المغامرة..!!
ولقد لبثت أياما قبل الخروج للحرب، ولا عمل لها الا افراغ كل حقدها في صدر وحشي ورسم الدور الذي عليه أن يقوم به..
ولقد وعدته ان هو نجح في قال حمزة بأثمن ما تملك المرأة من متاع وزينة، فلقد أمسكت بأناملها الحاقدة قرطها اللؤلؤي الثمين وقلائدها الذهبية التي تزدحم حول عنقها، ثم قالت وعيناها تحدّقان في وحشي:
" كل هذا لك، ان قتلت حمزة"..!!
وسال لعاب وحشي، وطارت خواطره توّاقة مشتاقة الى المعركة التي سيربح فيها حريّته، فلا يصير بعد عبدا أو رقيقا، والتي سيخرج منها بكل هذا الحلي الذي يزيّن عنق زعيمة نساء قريش، وزوجة زعيمها، وابنة سيّدها..!!
كانت المؤمرة اذن.. وكانت الحرب كلها تريد حمزة رضي الله عنه بشكل واضح وحاسم..
**
وجاءت غزوة أحد...
والتقى الجيشان. وتوسط حمزة أرض الموت والقتال، مرتديا لباس الحرب، وعلى صدره ريشة النعام التي تعوّد أن يزيّن بها صدره في القتال..
وراح يصول ويجول، لا يريد رأسا الا قطعه بسيفه، ومضى يضرب في المشركين، وكأن المنايا طوع أمره، يقف بها من يشاء فتصيبه في صميمه.!!
وصال المسلمون جميعا حتى قاربوا النصر الحاسم.. وحتى أخذت فلول قريش تنسحب مذعورة هاربة.. ولولا أن ترك الرماة مكانهم فوق الجبل، ونزلوا الى أرض المعركة ليجمعوا غنائم العدو المهزوم.. لولا تركهم مكانهم وفتحوا الثغرة الواسعة لفرسان قريش لكانت غزوة أحد مقبرة لقريش كلها، رجالها، ونسائها بل وخيلها وابلها..!!
لقد دهم فرسانها المسلمين من ورائهم على حين غفلة، واعملوا فيهم سيوفهم الظامئة المجنونة.. وراح المسلمون يجمعون أنفسهم من جديدو ويحملون سلاحهم الذي كان بعضهم قد وضعه حين رأى جيش محمد ينسحب ويولي الأدبار.. ولكن المفاجأة كانت قاسية عنيفة.
ورأى حمزة ما حدث فضاعف قوته ونشاطه وبلاءه..
وأخذ يضرب عن يمينه وشماله.. وبين يديه ومن خلفه.. ووحشيّ هناك يراقبه، ويتحيّن الفرصة الغادرة ليوجه نحنوه ضربته..
ولندع وحشيا يصف لنا المشهد بكلماته:
ولا بأس في أن ندع وحشيا يكمل حديثه:
..
**
هكذا سقط أسد الله ورسوله، شهيدا مجيدا..!!
وكما كانت حياته مدوّية، كانت موتته مدوّية كذلك..
فلم يكتف أعداؤه بمقتله.. وكيف يكتفون أو يقتنعون، وهم الذين جنّدوا كل أموال قريش وكل رجالها في هذه المعركة التي لم يريدوا بها سوى الرسول وعمّه حمزة..
لقد أمرت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان.. أمرت وحشيا أن يأتيها بكبد حمزة.. واستجاب الحبشي لهذه الرغبة المسعورة.. وعندما عاد بها الى هند كان يناولها الكبد بيمناه، ويتلقى منها قرطها وقلائدها بيسراه، مكافأة له على انجاز مهمته..
ومضغت هند بنت عتبة الذي صرعه المسلمون ببدر، وزوجة أبي سفيان قائد جيوش الشرك الوثنية،مضغت كبد حمزة، راجية أن تشفي تلك الحماقة حقدها وغلها. ولكن الكبد استعصت على أنيابها، وأعجزتها أن تسيغها، فأخرجتها من فمها، ثم علت صخرة مرتفعة، وراحت تصرخ قائلة:
نحن جزيناكم بيوم بدر
والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر
ولا أخي وعمّه وبكري
شفيت نفسي وقضيت نذري
أزاح وحشي غليل صدري
وانتهت المعركة، وامتطى المشركون ابلهم، وساقوا خيلهم قافلين الى مكة..
ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه الى أرض المعركة لينظر شهداءها..
وهناك في بطن الوادي. وا هو يتفحص وجوه أصحابه الذين باعوا لله أنفسهم، وقدّموها قرابين مبرورة لربهم الكبير. وقف فجأة.. ونظر. فوجم.. وضغط على أسنانه.. وأسبل جفنيه..
فما كان يتصوّر قط أن يهبط الخلق العربي على هذه الوحشية البشعة فيمثل بجثمان ميت على الصورة التي رأى فيها جثمان عمه الشهيد حمزة بن عبد المطلب أسد الله وسيّد الشهداء..
وفتح الرسول عينيه التي تألق بريقهما كومض القدر وقال وعيناه على جثمان عمّه:
" لن اصاب بمثلك أبدا..
وما وقفت موقفا قط أغيظ اليّ من موقفي هذا..".
ثم التفت الى أصحابه وقال:
" لولا أن تحزن صفيّة -أخت حمزة- ويكون سنّه من بعدي، لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير.. ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن، لأمثلن بثلاثين رجلا منهم.."
فصاح أصحاب الرسول:
" والله لئن ظفرنا بهم يوما من الدهر، لنمثلن بهم، مثلة لم يمثلها أحد من العرب..!!"
ولكن الله الذي أكرم حمزة بالشهادة، يكرّمه مرة أخرى بأن يجعل من مصرعه فرصة لدرس عظيم يحمي العدالة الى الأبد، ويجعل الرحمة حتى في العقوبة والقصاص واجبا وفرضا..
وهكذا لم يكد الرسول صلى الله عليه وسلم يفرغ من القاء وعيده السالف حتى جاءه الوحي وهو في مكانه لم يبرحه بهذه الآية الكريمة:
(ادع الى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ، وهو أعلم بالمهتدين.
وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين.
واصبر وما صبرك الا بالله، ولا تحزن عليهم، ولا تك في ضيق مما يمكرون.
ان الله مع الذين اتقوا، والذين هم محسنون..)
وكان نزول هذه الآيات، في هذا الموطن، خير تكريم لحمزة الذي وقع أجره على الله..
**
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه أعظم الحب، فهو كما ذكرنا من قبل لم يكن عمّه الحبيب فحسب..
بل كان اخاه من الرضاعة..
وتربه في الطفولة..
وصديق العمر كله..
وفي لحظات الوداع هذه، لم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم تحية يودّعه بها خيرا من أن يصلي عليه بعدد الشهداء المعركة جميعا..
وهكذا حمل جثمان حمزة الى مكان الصلاة على أرض المعركة التي شهدت بلاءه، واحتضنت دماءه، فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم جيء يشهيد آخر، فصلى عليه الرسول.. ثم رفع وترك حمزة مكانه، وجيء بشهيد ثاث فوضع الى جوار حمزة وصلى عليهما الرسول..
وهكذا جيء بالشهداء.. شهيد بعد شهيد.. والرسول عليه الصلاة والسلام يصلي على كل واحد منهم وعلى حمزة معه حتى صلى على عمّه يومئذ سبعين صلاة..
**
وينصرف الرسول من المعركة الي بيته، فيسمع في طريقه نساء بني عبد الأشهل يبكين شهداءهن، فيقول عليه الصلاة والسلام من فرط حنانه وحبه:
" لكنّ حمزة لا بواكي له"..!!
ويسمعها سعد بن معاذ فيظن أن الرسول عليه الصلاة والسلام يطيب نفسا اذا بكت النساء عمه، فيسرع الى نساء بني عبد الأشهل ويأمرهن أن يبكين حمزة فيفعلن… ولا يكاد الرسول يسمع بكاءهن حتى يخرج اليهن، ويقول
" ما الى هذا قصدت، ارجعن يرحمكن الله، فلا بكاء بعد اليوم"
ولقد ذهب أصحاب رسول الله يتبارون في رثاء حمزة وتمجيد مناقبه العظيمة.
فقال حسان بن ثابت:
دع عنك دارا قد عفا رسمها
وابك على حمزة ذي النائل
اللابس الخيل اذا أحجمت
كالليث في غابته الباسل
أبيض في الذروة من بني هاشم
لم يمر دون الحق بالباطل
مال شهيدا بين أسيافكم
شلت يدا وحشي من قاتل
وقال عبد الله بن رواحة:
بكت عيني وحق لها بكاها
وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد الاله غداة قالوا:
أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعا
هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى، لك الأركان هدّت
وأنت الماجد البرّ الوصول
وقالت صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخت حمزة:
دعاه اله الحق ذو العرش دعوة
الى جنة يحيا بها وسرور
فذاك ما كنا نرجي ونرتجي
لحمزة يوم الحشر خير مصير
فوالله ما أنساك ما هبّت الصبا
بكاءا وحزنا محضري وميسري
على أسد الله الذي كان مدرها
يذود عن الاسلام كل كفور
أقول وقد أعلى النعي عشيرتي
جزى الله خيرا من أخ ونصير
على أن خير رثاء عطّر ذكراه كانت كلمات رسول الله له حين وقف على جثمانه ساعة رآه بين شهداء المعركة وقال:
" رحمة الله عليك، فانك كنت وصولا للرحم فعولا للخيرات"..
**
لقد كان مصاب النبي صلى الله عليه وسلم في عمه العظيم حمزة فادحا. وكان العزاء فيه مهمة صعبة.. بيد أن الأقدر كانت تدّخر لرسول الله أجمل عزاء.
ففي طريقه من أحد الى داره مرّ عليه الصلاة والسلام بسيّدة من بني دينار استشهد في المعركة أبوها وزوجها، وأخوها..
وحين أبصرت المسلمين عائدين من الغزو، سارعت نحوهم تسألهم عن أنباء المعركة..
فنعوا اليها الزوج..والأب ..والأخ..
واذا بها تسألهم في لهفة:
" وماذا فعل رسول الله"..؟؟
قالوا:
" خيرا.. هو بحمد الله كما تحبين"..!!
قالت:
" أرونيه، حتىأنظر اليه"..!!
ولبثوا بجوارها حتى اقترب الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رأته أقبلت نحوه تقول:
" كل مصيبة بعدك، أمرها يهون"..!!
**
أجل..
لقد كان هذا أجمل عزاء وأبقاه..
ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم قد ابتسم لهذا المشهد الفذّ الفريد، فليس في دنيا البذل، والولاء، والفداء لهذا نظير..
سيدة ضعيفة، مسكينة، تفقد في ساعة واحدة أباها وزوجها وأخاها.. ثم يكون ردّها على الناعي لحظة سمعها الخبر الذي يهدّ الجبال:
" وماذا فعل رسول الله"..؟؟!!
لقد كان مشهد أجاد الرحمن رسمه وتوقيته ليجعل منه للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عزاء أي عزاء.. في أسد الله، وسيّد الشهداء..!!
للامانة منقووووووووول
ارفعوه يابنات بدعوة او تسبيحة حتى يشوفوه الاخريات
السعادة لي @alsaaad_ly
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
السعادة لي
•
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
زهرة سرف
•
السعادة لي :سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيمسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
سعد بن معاذ الذى اهتز لموته عرش الرحمن
سعد بن معاذ الذى اهتز لموته عرش الرحمن
هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرؤ القيس بن زيد بن عبد الأشهل وقد ولد سعد فى السنه التاسعه عشره قبل البعثه وهو
أصغر من الرسول صلى الله عليه وسلم بإحدى وعشرين سنه وكان إسلامه على يد مصعب بن عمير قبل الهجره وبعد أن
أسلم قال لبنى عبد الأشهل (إن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تسلموا فأسلموا جميعا بإسلامه فكان من أعظم الناس
بركه فى الإسلام، وقد آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن أبى وقاص خال الرسول
موقفه فى غزوه بدر ، عندما وقف الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير الناس فى الخروج لغزوه بدر قام سعد بن معاذ متحدثا
عن الأنصار وقال للرسول(يارسول الله امض لما أردت فنحن معك فوالذى بعثك لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه
معك وما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر فى الحرب صدق فى اللقاء لعل الله يريك منا ماتقر
به عينك فسر بنا على بركه الله )
موقفه فى غزوه أحد ،
كان فى هذه الغزوه من الأبطال الذين ثبتوا مع النبى عليه الصلاه والسلام عندما ترك الرماه أماكنهم واصطرب الموقف
و فى غزوه الخندق أصيب سعد رضى اللع عنه وأرضاه فكانت إصابته طريقا إلى الشهاده فقد لقى ربه بعد شهر من إصابته
متأثرا بجراحه ولكنه لم يمت حتى شفى صدرا من بنى قريظه فقد حكمه الرسول عليه الصلاه والسلام فيهم وقد حكم أن تقتل
المقاتله وتقسم الأموال وتسبى الذرارى والنساء فقال الرسول الكريم( لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع )أى سبع سموات
وقد أعيد سعد إلى قبته التى ضربها له رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينه فحضره الرسول وأبوبكر وعمر وقد قالت
عائشه رضى الله عنها والذى نفس محمد بيده إنى لأعرف بكاء أبى من بكاء عمر وأنا فى حجرتى وأخذ الرسول عليه الصلاه
والسلام رأس سعد ووضعه فى حجره وسجى بثوب أبيض فقال الرسول (اللهم إن سعدا قد جاهد فى سبيلك وصدق رسولك
وقضى الذى عليه فتقبل روحه بغير ماتقبلت به روحا فلما سمع سعد كلام الرسول فتح عينيه ثم قال (السلام عليك يارسول الله
اما انى اشهد أنك رسول الله جزاك الله خيرا يارسول الله من سيد قوم فقد أنجزت الله ماوعدته ولينجزنك الله ماوعدك ،
وقد روى أن جبريل عليه السلام أتى إلى الرسول عليه الصلاه والسلام حين قبض سعد من جوف الليل وقال له يامحمد من
هذا الميت الذى فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ فقام الرسول عليه الصلاه والسلام يجر ثوبه إلى سعد فوجده قد مات وكانت أمه تبكى وتقول ويل سعد سعدا صرامه وحدا
وسؤددا ومجدا وفارسا معدا
سد به مسدا يقد هاما قدا
فقال لها عمر مهلا أم سعد فقال الرسول صلى الله عليه وسلم كل نائحه تكذب إلا نائحه سعد بن معاذ
وحمل الناس جنازته فوجدوا له خفه مع أنه كان رجلا جسيما فقالوا ذلك للرسول فقال عليه الصلاه والسلام أن له حمله غيركم
والذى نفسى بيده لقد استبشرت الملائكه بروح سعد واهتز له عرش الرحمن، فرضى الله عن سعد وعن إخوانه الصحابه
أجمعين
سعد بن معاذ الذى اهتز لموته عرش الرحمن
هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرؤ القيس بن زيد بن عبد الأشهل وقد ولد سعد فى السنه التاسعه عشره قبل البعثه وهو
أصغر من الرسول صلى الله عليه وسلم بإحدى وعشرين سنه وكان إسلامه على يد مصعب بن عمير قبل الهجره وبعد أن
أسلم قال لبنى عبد الأشهل (إن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تسلموا فأسلموا جميعا بإسلامه فكان من أعظم الناس
بركه فى الإسلام، وقد آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن أبى وقاص خال الرسول
موقفه فى غزوه بدر ، عندما وقف الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير الناس فى الخروج لغزوه بدر قام سعد بن معاذ متحدثا
عن الأنصار وقال للرسول(يارسول الله امض لما أردت فنحن معك فوالذى بعثك لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه
معك وما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر فى الحرب صدق فى اللقاء لعل الله يريك منا ماتقر
به عينك فسر بنا على بركه الله )
موقفه فى غزوه أحد ،
كان فى هذه الغزوه من الأبطال الذين ثبتوا مع النبى عليه الصلاه والسلام عندما ترك الرماه أماكنهم واصطرب الموقف
و فى غزوه الخندق أصيب سعد رضى اللع عنه وأرضاه فكانت إصابته طريقا إلى الشهاده فقد لقى ربه بعد شهر من إصابته
متأثرا بجراحه ولكنه لم يمت حتى شفى صدرا من بنى قريظه فقد حكمه الرسول عليه الصلاه والسلام فيهم وقد حكم أن تقتل
المقاتله وتقسم الأموال وتسبى الذرارى والنساء فقال الرسول الكريم( لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع )أى سبع سموات
وقد أعيد سعد إلى قبته التى ضربها له رسول الله صلى الله عليه وسلم فى المدينه فحضره الرسول وأبوبكر وعمر وقد قالت
عائشه رضى الله عنها والذى نفس محمد بيده إنى لأعرف بكاء أبى من بكاء عمر وأنا فى حجرتى وأخذ الرسول عليه الصلاه
والسلام رأس سعد ووضعه فى حجره وسجى بثوب أبيض فقال الرسول (اللهم إن سعدا قد جاهد فى سبيلك وصدق رسولك
وقضى الذى عليه فتقبل روحه بغير ماتقبلت به روحا فلما سمع سعد كلام الرسول فتح عينيه ثم قال (السلام عليك يارسول الله
اما انى اشهد أنك رسول الله جزاك الله خيرا يارسول الله من سيد قوم فقد أنجزت الله ماوعدته ولينجزنك الله ماوعدك ،
وقد روى أن جبريل عليه السلام أتى إلى الرسول عليه الصلاه والسلام حين قبض سعد من جوف الليل وقال له يامحمد من
هذا الميت الذى فتحت له أبواب السماء واهتز له العرش؟ فقام الرسول عليه الصلاه والسلام يجر ثوبه إلى سعد فوجده قد مات وكانت أمه تبكى وتقول ويل سعد سعدا صرامه وحدا
وسؤددا ومجدا وفارسا معدا
سد به مسدا يقد هاما قدا
فقال لها عمر مهلا أم سعد فقال الرسول صلى الله عليه وسلم كل نائحه تكذب إلا نائحه سعد بن معاذ
وحمل الناس جنازته فوجدوا له خفه مع أنه كان رجلا جسيما فقالوا ذلك للرسول فقال عليه الصلاه والسلام أن له حمله غيركم
والذى نفسى بيده لقد استبشرت الملائكه بروح سعد واهتز له عرش الرحمن، فرضى الله عن سعد وعن إخوانه الصحابه
أجمعين
ابو عبيدة عامر بن الجراح
من هذا الذي أمسك الرسول بيمينه وقال عنه:
" ان لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجرّاح"..؟
من هذا الذي أرسله النبي في غزوة ذات السلاسل مددا اعمرو بن العاص، وجعله أميرا على جيش فيه أبو بكر وعمر..؟؟
من هذا الصحابي الذي كان أول من لقب بأمير الأمراء..؟؟
من هذا الطويل القامة النحيف الجسم، المعروق الوجه، الخفيف اللحية، الأثرم، ساقط الثنيتين..؟؟
أجل من هذا القوي الأمين الذي قال عنه عمر بن الخطاب وهو يجود بأنفاسه:
" لو كان أبو عبيدة بن الجرّاح حيا لاستخلفته فان سالني ربي عنه قلت: استخلفت أمين الله، وأمين رسوله"..؟؟
انه أبو عبيدة عامر بن عبد الله الجرّاح..
أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأيام الأولى للاسلام، قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار الرقم، وهاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية، ثم عاد منها ليقف الى جوار رسوله في بدر، وأحد، وبقيّة المشاهد جميعها، ثم ليواصل سيره القوي الأمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في صحبة خليفته أبي بكر، ثم في صحبة أمير المؤمنين عمر، نابذا الدنيا وراء ظهره مستقبلا تبعات دينه في زهد، وتقوى، وصمود وأمانة.
**
عندما بايع أبو عبيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن ينفق حياته في سبيل الله، كان مدركا تمام الادراك ما تعنيه هذه الكلمات الثلاث، في سبيل الله وكان على أتم استعداد لأن يعطي هذا السبيل كل ما يتطلبه من بذل وتضحية..
ومنذ بسط يمينه مبايعا رسوله، وهو لا يرى في نفسه، وفي ايّامه وفي حياته كلها سوى أمانة استودعها الله اياها لينفقها في سبيله وفي مرضاته، فلا يجري وراء حظ من حظوظ نفسه.. ولا تصرفه عن سبيل الله رغبة ولا رهبة..
ولما وفّى أبو عبيدة بالعهد الذي وفى به بقية الأصحاب، رأى الرسول في مسلك ضميره، ومسلك حياته ما جعله أهلا لهذا اللقب الكريم الذي أفاءه عليه،وأهداه اليه، فقال عليه الصلاة والسلام:
" أمين هذه الأمة، أبو عبيدة بن الجرّاح".
**
ان أمانة أبي عبيدة على مسؤولياته، لهي أبرز خصاله.. فففي غزوة أحد أحسّ من سير المعركة حرص المشركين، لا على احراز النصر في الحرب، بل قبل ذلك ودون ذلك، على اغتيال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فاتفق مع نفسه على أن يظل مكانه في المعركة قريبا من مكان الرسول..
ومضى يضرب بسيفه الأمين مثله، في جيش الوثنية الذي جاء باغيا وعاديا يريد أن يطفئ نور الله..
وكلما استدرجته ضرورات القتال وظروف المعركة بعيدا عن رسول الله صلى اله عليه وسلم قاتل وعيناه لا تسيران في اتجاه ضرباته.. بل هما متجهتان دوما الى حيث يقف الرسول صلى الله عليه وسلم ويقاتل، ترقبانه في حرص وقلق..
وكلما تراءى لأبي عبيدة خطر يقترب من النبي صلى الله عليه وسلم، انخلع من موقفه البعيد وقطع الأرض وثبا حيث يدحض أعداء الله ويردّهم على أعقابهم قبل أن ينالوا من الرسول منالا..!!
وفي احدى جولاته تلك، وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأبي عبيدة طائفة من المشركين، وكانت عيناه كعادتهما تحدّقان كعيني الصقر في موقع رسول الله، وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه اذ رأى سهما ينطلق من يد مشرك فيصيب النبي، وعمل سيفه في الذين يحيطون به وكأنه مائة سيف، حتى فرّقهم عنه، وطار صوب رسول الله فرأى الدم الزكي يسيل على وجهه، ورأى الرسول الأمين يمسح الدم بيمينه وهو يقول:
" كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم، وهو يدعهم الى ربهم"..؟
ورأى حلقتين من حلق المغفر الذي يضعه الرسول فوق رأسه قد دخلتا في وجنتي النبي، فلم يطق صبرا.. واقترب يقبض بثناياه على حلقة منهما حتى نزعها من وجنة الرسول، فسقطت ثنيّة، ثم نزع الحلقة الأخرى، فسقطت ثنيّة الثانية..
وما أجمل أن نترك الحديث لأبي بكر الصديق يصف لنا هذا المشهد بكلماته:
" لما كان يوم أحد، ورمي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر، أقبلت أسعى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا، فقلت: اللهم اجعله طاعة، حتى اذا توافينا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واذا هو أبو عبيدة بن الجرّاح قد سبقني، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فتركته، فأخذ أبو عبيدة بثنيّة احدى حلقتي المغفر، فنزعها، وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه..
ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية أخرى فسقطت.. فكان أبو عبيدة في الناس أثرم."!!
وأيام اتسعت مسؤوليات الصحابة وعظمت، كان أبو عبيدة في مستواها دوما بصدقه وبأمانته..
فاذا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخبط أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المقاتلين وليس معهم زاد سوى جراب تمر.. والمهمة صعبة، والسفر بعيد، استقبل ابو عبيدة واجبه في تفان وغبطة، وراح هو وجنوده يقطعون الأرض، وزاد كل واحد منهم طوال اليوم حفنة تملا، حتى اذا أوشك التمر أن ينتهي، يهبط نصيب كل واحد الى تمرة في اليوم.. حتى اذا فرغ التمر جميعا راحوا يتصيّدون الخبط، أي ورق الشجر بقسيّهم، فيسحقونه ويشربون عليه الامء.. ومن اجل هذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط..
لقد مضوا لا يبالون بجوع ولا حرمان، ولا يعنيهم الا أن ينجزوا مع أميرهم القوي الأمين المهمة الجليلة التي اختارهم رسول الله لها..!!
**
لقد أحب الرسول عليه الصلاة والسلام أمين الأمة أبا عبيدة كثيرا.. وآثره كثيرا...
ويوم جاء وفد نجران من اليمن مسلمين، وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة والاسلام، قال لهم رسول الله:
" لأبعثن معكم رجلا أمينا، حق أمين، حق أمين.. حق أمين"..!!
وسمع الصحابة هذا الثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنى كل منهم لو يكون هو الذي يقع اختيار الرسول عليه، فتصير هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه..
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" ما أحببت الامارة قط، حبّي اياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت الى الظهر مهجّرا، فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، سلم، ثم نظر عن يمينه، وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني..
فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح، فدعاه، فقال: أخرج معهم، فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه.. فذهب بها أبا عبيدة؟..!!
ان هذه الواقعة لا تعني طبعا أن أبا عبيدة كان وحده دون بقية الأصحاب موضع ثقة الرسول وتقديره..
انما تعني أنه كان واحدا من الذين ظفروا بهذه الثقة الغالية، وهذا التقدير الكريم..
ثم كان الواحد أو الوحيد الذي تسمح ظروف العمل والدعوة يومئذ بغيابه عن المدينة، وخروجه في تلك المهمة التي تهيئه مزاياه لانجازها..
وكما عاش أبو عبيدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم أمينا، عاش بعد وفاة الرسول أمينا.. يحمل مسؤولياته في أمانة تكفي أهل الأرض لو اغترفوا منها جميعا..
ولقد سار تحت راية الاسلام أنذى سارت، جنديّا، كأنه بفضله وباقدامه الأمير.. وأميرا، كأن بتواضعه وباخلاصه واحدا من عامة المقاتلين..
وعندما كان خالد بن الوليد.. يقود جيوش الاسلام في احدى المعارك الفاصلة الكبرى.. واستهل أمير المؤمنين عمر عهده بتولية أبي عبيدة مكان خالد..
لم يكد أبا عبيدة يستقبل مبعوث عمر بهذا الأمر الجديد، حتى استكتمه الخبر، وكتمه هو في نفسه طاويا عليه صدر زاهد، فطن، أمين.. حتى أتمّ القائد خالد فتحه العظيم..
وآنئذ، تقدّم اليه في أدب جليل بكتاب أمير المؤمنين!!
ويسأله خالد:
" يرحمك الله يا أبا عبيدة. و ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب"..؟؟
فيجيبه أمين الأمة:
" اني كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، كلنا في الله اخوة".!!!
**
ويصبح أبا عبيدة أمير الأمراء في الشام، ويصير تحت امرته أكثر جيوش الاسلام طولا وعرضا.. عتادا وعددا..
فما كنت تحسبه حين تراه الا واحدا من المقاتلين.. وفردا عاديا من المسلمين..
وحين ترامى الى سمعه أحاديث أهل الشام عنه، وانبهارهم بأمير الأمراء هذا.. جمعهم وقام فيهم خطيبا..
فانظروا ماذا قال للذين رآهم يفتنون بقوته، وعظمته، ومكانته..
" يا أيها الناس..
اني مسلم من قريش..
وما منكم من أحد، أحمر، ولا أسود، يفضلني بتقوى الا وددت أني في اهابه"..ّّ
حيّاك الله يا أبا عبيدة..
وحيّا الله دينا أنجبك ورسولا علمك..
مسلم من قريش، لا أقل ولا أكثر.
الدين: الاسلام..
والقبيلة: قريش.
هذه لا غير هويته..
أما هو كأمير الأمراء، وقائد لأكثر جيوش الاسلام عددا، وأشدّها بأسا، وأعظمها فوزا..
أما هو كحاكم لبلاد الشام،أمره مطاع ومشيئته نافذة..
كل ذلك ومثله معه، لا ينال من انتباهه لفتة، وليس له في تقديره حساب.. أي حساب..!!
**
ويزور أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الشام، ويسأل مستقبليه:
أين أخي..؟
فيقولون من..؟
فيجيبهم: أبو عبيدة بن الجراح.
ويأتي أبو عبيدة، فيعانقه أمير المؤمنين عمر.. ثم يصحبه الى داره، فلا يجد فيها من الأثاث شيئا.. لا يجد الا سيفه، وترسه ورحله..
ويسأله عمر وهو يبتسم:
" ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس"..؟
فيجيبه أبو عبيدة:
" يا أمير المؤمنين، هذا يبلّغني المقيل"..!!
**
وذات يوم، وأمير المؤمنين عمر الفاروق يعالج في المدينة شؤن عالمه المسلم الواسع، جاءه الناعي، أن قد مات أبو عبيدة..
وأسبل الفاروق جفنيه على عينين غصّتا بالدموع..
وغاض الدمع، ففتح عينيه في استسلام..
ورحّم على صاحبه، واستعاد ذكرياته معه رضي الله عنه في حنان صابر..
وأعاد مقالته عنه:
" لو كنت متمنيّا، ما تمنيّت الا بيتا مملوءا برجال من أمثال أبي عبيدة"..
**
ومات أمين الأمة فوق الأرض التي طهرها من وثنية الفرس، واضطهاد الرومان..
وهناك اليوم تحت ثرى الأردن يثوي رفات نبيل، كان مستقرا لروح خير، ونفس مطمئنة..
وسواء عليه، وعليك، أن يكون قبره اليوم معروف أو غير معروف..
فانك اذا أردت أن تبلغه لن تكون بحاجة الى من يقودك اليه..
ذلك أن عبير رفاته، سيدلك عليه..!!
من هذا الذي أمسك الرسول بيمينه وقال عنه:
" ان لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجرّاح"..؟
من هذا الذي أرسله النبي في غزوة ذات السلاسل مددا اعمرو بن العاص، وجعله أميرا على جيش فيه أبو بكر وعمر..؟؟
من هذا الصحابي الذي كان أول من لقب بأمير الأمراء..؟؟
من هذا الطويل القامة النحيف الجسم، المعروق الوجه، الخفيف اللحية، الأثرم، ساقط الثنيتين..؟؟
أجل من هذا القوي الأمين الذي قال عنه عمر بن الخطاب وهو يجود بأنفاسه:
" لو كان أبو عبيدة بن الجرّاح حيا لاستخلفته فان سالني ربي عنه قلت: استخلفت أمين الله، وأمين رسوله"..؟؟
انه أبو عبيدة عامر بن عبد الله الجرّاح..
أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الأيام الأولى للاسلام، قبل أن يدخل الرسول صلى الله عليه وسلم دار الرقم، وهاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية، ثم عاد منها ليقف الى جوار رسوله في بدر، وأحد، وبقيّة المشاهد جميعها، ثم ليواصل سيره القوي الأمين بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في صحبة خليفته أبي بكر، ثم في صحبة أمير المؤمنين عمر، نابذا الدنيا وراء ظهره مستقبلا تبعات دينه في زهد، وتقوى، وصمود وأمانة.
**
عندما بايع أبو عبيدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على أن ينفق حياته في سبيل الله، كان مدركا تمام الادراك ما تعنيه هذه الكلمات الثلاث، في سبيل الله وكان على أتم استعداد لأن يعطي هذا السبيل كل ما يتطلبه من بذل وتضحية..
ومنذ بسط يمينه مبايعا رسوله، وهو لا يرى في نفسه، وفي ايّامه وفي حياته كلها سوى أمانة استودعها الله اياها لينفقها في سبيله وفي مرضاته، فلا يجري وراء حظ من حظوظ نفسه.. ولا تصرفه عن سبيل الله رغبة ولا رهبة..
ولما وفّى أبو عبيدة بالعهد الذي وفى به بقية الأصحاب، رأى الرسول في مسلك ضميره، ومسلك حياته ما جعله أهلا لهذا اللقب الكريم الذي أفاءه عليه،وأهداه اليه، فقال عليه الصلاة والسلام:
" أمين هذه الأمة، أبو عبيدة بن الجرّاح".
**
ان أمانة أبي عبيدة على مسؤولياته، لهي أبرز خصاله.. فففي غزوة أحد أحسّ من سير المعركة حرص المشركين، لا على احراز النصر في الحرب، بل قبل ذلك ودون ذلك، على اغتيال حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فاتفق مع نفسه على أن يظل مكانه في المعركة قريبا من مكان الرسول..
ومضى يضرب بسيفه الأمين مثله، في جيش الوثنية الذي جاء باغيا وعاديا يريد أن يطفئ نور الله..
وكلما استدرجته ضرورات القتال وظروف المعركة بعيدا عن رسول الله صلى اله عليه وسلم قاتل وعيناه لا تسيران في اتجاه ضرباته.. بل هما متجهتان دوما الى حيث يقف الرسول صلى الله عليه وسلم ويقاتل، ترقبانه في حرص وقلق..
وكلما تراءى لأبي عبيدة خطر يقترب من النبي صلى الله عليه وسلم، انخلع من موقفه البعيد وقطع الأرض وثبا حيث يدحض أعداء الله ويردّهم على أعقابهم قبل أن ينالوا من الرسول منالا..!!
وفي احدى جولاته تلك، وقد بلغ القتال ذروة ضراوته أحاط بأبي عبيدة طائفة من المشركين، وكانت عيناه كعادتهما تحدّقان كعيني الصقر في موقع رسول الله، وكاد أبو عبيدة يفقد صوابه اذ رأى سهما ينطلق من يد مشرك فيصيب النبي، وعمل سيفه في الذين يحيطون به وكأنه مائة سيف، حتى فرّقهم عنه، وطار صوب رسول الله فرأى الدم الزكي يسيل على وجهه، ورأى الرسول الأمين يمسح الدم بيمينه وهو يقول:
" كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم، وهو يدعهم الى ربهم"..؟
ورأى حلقتين من حلق المغفر الذي يضعه الرسول فوق رأسه قد دخلتا في وجنتي النبي، فلم يطق صبرا.. واقترب يقبض بثناياه على حلقة منهما حتى نزعها من وجنة الرسول، فسقطت ثنيّة، ثم نزع الحلقة الأخرى، فسقطت ثنيّة الثانية..
وما أجمل أن نترك الحديث لأبي بكر الصديق يصف لنا هذا المشهد بكلماته:
" لما كان يوم أحد، ورمي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخلت في وجنته حلقتان من المغفر، أقبلت أسعى الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانسان قد أقبل من قبل المشرق يطير طيرانا، فقلت: اللهم اجعله طاعة، حتى اذا توافينا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، واذا هو أبو عبيدة بن الجرّاح قد سبقني، فقال: أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فتركته، فأخذ أبو عبيدة بثنيّة احدى حلقتي المغفر، فنزعها، وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه..
ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنية أخرى فسقطت.. فكان أبو عبيدة في الناس أثرم."!!
وأيام اتسعت مسؤوليات الصحابة وعظمت، كان أبو عبيدة في مستواها دوما بصدقه وبأمانته..
فاذا أرسله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخبط أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من المقاتلين وليس معهم زاد سوى جراب تمر.. والمهمة صعبة، والسفر بعيد، استقبل ابو عبيدة واجبه في تفان وغبطة، وراح هو وجنوده يقطعون الأرض، وزاد كل واحد منهم طوال اليوم حفنة تملا، حتى اذا أوشك التمر أن ينتهي، يهبط نصيب كل واحد الى تمرة في اليوم.. حتى اذا فرغ التمر جميعا راحوا يتصيّدون الخبط، أي ورق الشجر بقسيّهم، فيسحقونه ويشربون عليه الامء.. ومن اجل هذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط..
لقد مضوا لا يبالون بجوع ولا حرمان، ولا يعنيهم الا أن ينجزوا مع أميرهم القوي الأمين المهمة الجليلة التي اختارهم رسول الله لها..!!
**
لقد أحب الرسول عليه الصلاة والسلام أمين الأمة أبا عبيدة كثيرا.. وآثره كثيرا...
ويوم جاء وفد نجران من اليمن مسلمين، وسألوه أن يبعث معهم من يعلمهم القرآن والسنة والاسلام، قال لهم رسول الله:
" لأبعثن معكم رجلا أمينا، حق أمين، حق أمين.. حق أمين"..!!
وسمع الصحابة هذا الثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتمنى كل منهم لو يكون هو الذي يقع اختيار الرسول عليه، فتصير هذه الشهادة الصادقة من حظه ونصيبه..
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" ما أحببت الامارة قط، حبّي اياها يومئذ، رجاء أن أكون صاحبها، فرحت الى الظهر مهجّرا، فلما صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، سلم، ثم نظر عن يمينه، وعن يساره، فجعلت أتطاول له ليراني..
فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجرّاح، فدعاه، فقال: أخرج معهم، فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه.. فذهب بها أبا عبيدة؟..!!
ان هذه الواقعة لا تعني طبعا أن أبا عبيدة كان وحده دون بقية الأصحاب موضع ثقة الرسول وتقديره..
انما تعني أنه كان واحدا من الذين ظفروا بهذه الثقة الغالية، وهذا التقدير الكريم..
ثم كان الواحد أو الوحيد الذي تسمح ظروف العمل والدعوة يومئذ بغيابه عن المدينة، وخروجه في تلك المهمة التي تهيئه مزاياه لانجازها..
وكما عاش أبو عبيدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم أمينا، عاش بعد وفاة الرسول أمينا.. يحمل مسؤولياته في أمانة تكفي أهل الأرض لو اغترفوا منها جميعا..
ولقد سار تحت راية الاسلام أنذى سارت، جنديّا، كأنه بفضله وباقدامه الأمير.. وأميرا، كأن بتواضعه وباخلاصه واحدا من عامة المقاتلين..
وعندما كان خالد بن الوليد.. يقود جيوش الاسلام في احدى المعارك الفاصلة الكبرى.. واستهل أمير المؤمنين عمر عهده بتولية أبي عبيدة مكان خالد..
لم يكد أبا عبيدة يستقبل مبعوث عمر بهذا الأمر الجديد، حتى استكتمه الخبر، وكتمه هو في نفسه طاويا عليه صدر زاهد، فطن، أمين.. حتى أتمّ القائد خالد فتحه العظيم..
وآنئذ، تقدّم اليه في أدب جليل بكتاب أمير المؤمنين!!
ويسأله خالد:
" يرحمك الله يا أبا عبيدة. و ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب"..؟؟
فيجيبه أمين الأمة:
" اني كرهت أن أكسر عليك حربك، وما سلطان الدنيا نريد، ولا للدنيا نعمل، كلنا في الله اخوة".!!!
**
ويصبح أبا عبيدة أمير الأمراء في الشام، ويصير تحت امرته أكثر جيوش الاسلام طولا وعرضا.. عتادا وعددا..
فما كنت تحسبه حين تراه الا واحدا من المقاتلين.. وفردا عاديا من المسلمين..
وحين ترامى الى سمعه أحاديث أهل الشام عنه، وانبهارهم بأمير الأمراء هذا.. جمعهم وقام فيهم خطيبا..
فانظروا ماذا قال للذين رآهم يفتنون بقوته، وعظمته، ومكانته..
" يا أيها الناس..
اني مسلم من قريش..
وما منكم من أحد، أحمر، ولا أسود، يفضلني بتقوى الا وددت أني في اهابه"..ّّ
حيّاك الله يا أبا عبيدة..
وحيّا الله دينا أنجبك ورسولا علمك..
مسلم من قريش، لا أقل ولا أكثر.
الدين: الاسلام..
والقبيلة: قريش.
هذه لا غير هويته..
أما هو كأمير الأمراء، وقائد لأكثر جيوش الاسلام عددا، وأشدّها بأسا، وأعظمها فوزا..
أما هو كحاكم لبلاد الشام،أمره مطاع ومشيئته نافذة..
كل ذلك ومثله معه، لا ينال من انتباهه لفتة، وليس له في تقديره حساب.. أي حساب..!!
**
ويزور أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الشام، ويسأل مستقبليه:
أين أخي..؟
فيقولون من..؟
فيجيبهم: أبو عبيدة بن الجراح.
ويأتي أبو عبيدة، فيعانقه أمير المؤمنين عمر.. ثم يصحبه الى داره، فلا يجد فيها من الأثاث شيئا.. لا يجد الا سيفه، وترسه ورحله..
ويسأله عمر وهو يبتسم:
" ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس"..؟
فيجيبه أبو عبيدة:
" يا أمير المؤمنين، هذا يبلّغني المقيل"..!!
**
وذات يوم، وأمير المؤمنين عمر الفاروق يعالج في المدينة شؤن عالمه المسلم الواسع، جاءه الناعي، أن قد مات أبو عبيدة..
وأسبل الفاروق جفنيه على عينين غصّتا بالدموع..
وغاض الدمع، ففتح عينيه في استسلام..
ورحّم على صاحبه، واستعاد ذكرياته معه رضي الله عنه في حنان صابر..
وأعاد مقالته عنه:
" لو كنت متمنيّا، ما تمنيّت الا بيتا مملوءا برجال من أمثال أبي عبيدة"..
**
ومات أمين الأمة فوق الأرض التي طهرها من وثنية الفرس، واضطهاد الرومان..
وهناك اليوم تحت ثرى الأردن يثوي رفات نبيل، كان مستقرا لروح خير، ونفس مطمئنة..
وسواء عليه، وعليك، أن يكون قبره اليوم معروف أو غير معروف..
فانك اذا أردت أن تبلغه لن تكون بحاجة الى من يقودك اليه..
ذلك أن عبير رفاته، سيدلك عليه..!!
زهرة سرف
•
أناااواختي :جزاك الله خيرعلى موضوعك المميزجزاك الله خيرعلى موضوعك المميز
اخواتىي حبيت اوضح اسم الصحابي الذي سقط سهوافي الطباعه الصحابي اسمه هو سعد بن معاذمعاذ بن النعمان بن امرؤ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ولكم جزيل الشكر
الصفحة الأخيرة