ن و ر

ن و ر @n_o_r

عضوة فعالة

موضي .. حلم يموت تحت الأقدام ..!

الأدب النبطي والفصيح

موضي .. حلم يموت تحت الأقدام ..!

الساعة تقترب من الثامنة حينما استيقظت .. لقد تأخرت ...
قلتها .. وأنا أصر أسناني غيظا ، من المنبه ..
الذي يخذلني في كل مرة ، نفضت الشرشف عن جسمي ، وقفزت من فراشي
الربع ساعة التي أمضيها عادة في الاستعداد ،
أختصرتها إلى خمس دقائق . ركبت السيارة وأنطلقت ،
كل شئ إختصرته .. إلا السرعة ، فإنها قد تضاعفت .
يجب أن أصل ، ولو أدرك نصف الاجتماع . كان ذهني
مشغولا بحساب عدد التقاطعات المتبقية ، حتى أصل إلى الطريق السريع ،
عندما دوى إرتطام ، عنيف في الجانب الأيمن من مؤخرة سيارتي ،
وعكس اتجاهها تماما ، حينما استعدت توازني ، بعد مفآجأة الصدمة ،
كانت (أشلاء) سيارتي متناثرة أمامي ، ولمحت من بعد ،
السيارة التي صدمتني تلوذ بالفرار ..
قلت في نفسي : سيارة فخمة ..
لماذا يهرب صاحبها ، ورفرف من رفارفها يعادل قيمة سيارتي ..؟
لم أحتج لتفكير طويل ، لكي أقرر أن أطارده وأنسى الاجتماع .
الصدمة قوية ، والتلفيات في سيارتـي كبيرة ، وأنا لا أستطيع أن أتحمل خسائر
بهذا الحجم .. الاجتماع يمكن أن يعوض . هكذا حدثت نفسي ،
وأنا أنطلق وراءه بنصف سيارة تقريبا ، كان مرتبكا ، لذلك لحقته بسرعة ،
وبدأت مطاردة غير متكافئة بين سيارته الفارهة ، والـ (نصف)
المتبقي من سيارتي . شعر أني مدركة .. لا محاله ،
فأنا صاحب حق ، والوضع الذي آلت إليه سيارتي ،
لم يبق لي شيئا أخسره ، عند أحد المنعطفات خفض من سرعته كثيرا .
لاحظت ذلك ، من نور الكوابح الذي ظل مضاء أطول من كل مرة .
لقد استسلم .. قلت لنفسي ، وبدأت آخذ وضع الاستعداد للوقوف
فجأة .. رأيت باب الراكب الذي بجانبه يفتح ، ولاحظت أنه يميل ،
ويدفع (شيئا) إلى الخارج .. ثم أعقب ذلك صريخ عال
لعجلات سيارته يصم الآذان ، وهو ينطلق بسرعة عاليه ، تاركا المكان ممتلئا
برائحة إحتراق الاطارات ، إثر إحتكاكها الهائل بالارض ، حينما فتح الباب ..
وقذف بذلك (الشئ) ، كان أول ما سقط حقيبه ..
ثم شيئا ملتفا بقماش أسود .. كأنه : - يا إلهى .. إمرأة ..
بل فتاة ، هكذا صرخت ، وأنا أتقدم ببطء تجاه ذلك (الشئ) ،
الذي قذف من السيارة .
نهضت الفتاة.. وأخذت تنفض الغبار الذي علق بعباءتها ،
وتتراجع ملتصقة بالجدار . حينما اقتربت منها ، أخذت تبكي ،
وهي تلملم أطراف (مريولها) الذي تمزق ، إثر سقوطها من السيارة .
طالبه .. قلتها ، وأنا أنظر إلى (مريولها) ،
وأغراضها المدرسية التي تناثرت من حقيبتها .. وقفت قريبا منها ،
وصرت أسمع بكاءها ، وحشرجة صوتها وهي تقول : -
أرجوك .. أرجوك .. أستر علي ، الله يخليك .. لا تفضحني ..
لم أدر ماذا أصنع . شعرت بإرتباك وحيرة شديدة ..
وتعطلت قدرتي على التفكير . الموقف يبعث على الريبة : أنا ..
وفتاة .. على ناصية الشارع . ثوبها ممزق ، وأغراضها مبعثرة
على الأرض .. قلت لها .. بعد تردد ، دون أن أحدد ما هي خطوتي
التالية : - اركبي .. سأوصلك إلى بيت أهلك ..
صاحت ، بهلع : - لا .. لا أريد بيت أهلي ..
ستذبحني أمي أرجوك
كان يجب أن أتصرف بسرعة ، خاصة وأن المشهد أصبح ملفتا للنظر ،
السيارات المارة ، صار أصحابها يحدقون بنا ، وكاد فضول
بعضهم يدفعه للتوقف ، - اركبي الآن .. ونتفاهم فيما بعد ..
في المقعد الخلفي لو سمحت ..
شرعت أجمع أغراضها ، التي تناثرت من حقيبتها المدرسية ..
ثم عدت أدراجي إلى السيارة ، لم تكن قد ركبت !!
لماذا لا تركبين ..؟ الباب لا ينفتح .. تعالي إلى هذا الباب ..
ألقيت نظرة إلى داخل السيارة ، كان حطام الزجاج يملأ المقاعد الخلفية ..
أووف .. لا باس .. إركبي في المقعد الأمامي ..
ركبت ، وحينما أستوت على المقعد ، أخذت تجمع عباءتها ،
لتغطي بها (مريولها) الممزق، الذي أنشق عن ساقها إلى
أعلى ركبتها بقليل . لمحت كفها .. بيضاء صغيرة ،
خمنت أنها لا تزيد عن الخامسة عشرة
تدرسين ..؟ - نعم ..
في أي صف ؟ - الثالث متوسط ..
كان ظني في محله .. لون (مريولها)
يشبه لون مريول شقيقتي ، التي تدرس في نفس المرحلة .
وش إسمك ؟؟ إسمي موضي
كنت أسير بالسيارة على غير هدى ، وطاف في رأسي كثير من الأفكار :
أسلمها للهيئة .. ارجعها إلى بيت أهلها .. أعيدها للمدرسة ..
أنا قطعا لا أستطيع أن ابقيها معي
سألتها : موضي .. من هذا الذي كنت معه ..؟
لم ترد على سؤالي .. ولا أدري تحديدا لم سألتها .
كنت أريد أن اختلق حوارا ، لأصنع جوا من الثقة ، يساعدني في فهم ملابسات
أمرها .. ويمهد الطريق إلى قلبها ..
القلـوب المغلقة مثل دهاليز الاستخبارات ..
مرتع خصب للخوف .. والتوجس .. والشك .. والريبه ..
الساعة الآن تجاوزت التاسعة والنصف .. الوقت يمضي ، وأمامي أعمال
كثيرة يجب أن أؤديها ..
حين فشلت محاولتي لإستدراجها للكلام ، رأيت أن احسم الموضوع مباشرة .. قلت لها : -
موضي يجب أن تختاري بين أمرين .. أسلمك للهيئة ، أو أوصلك لبيتكم .. بقاؤك معي غير ممكن .. كما أن أهلك لابد أن يعرفوا عن سلوكك .. أنفجرت باكية ، وبطريقة تنم عن سلوك طفولي حقيقي ، رفعت غطاء وجها ، وهي تتوسل إلي بعينين دامعتين ، أن لا أفعل ... - أرجوك ... إذبحني .. لكن لا تسلمني للهيئة .. لا (توديني) لبيتنا .. والله هذي أول مرة أطلع فيها مع رجال .. ضحكت علي البندري

اشفقت على ذلك الوجه الطفولي البرئ .
قلت لها ، وأنا أسحب يدي من يديها ، وهي تحاول أن تجرها لتقبلها ،
رجاء أن لا أسلمها للهيئة ، أو لأهلها : - طيب .. طيب ..
خلاص .. لن أسلمك لأحد .. لكن ما العمل ..؟ يتبع
15
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

ن و ر
ن و ر
جاء وقت طلوع الطالبات .. أنزلني عند المدرسة ..
متى ..؟ - الساعة الواحدة .. بعد صلاة الظهر ..
بقي أكثر من ثلاث ساعات .. وأنا مشغول ..
أطرقت لحظات ، تعاقب خلالها على وجهها إنفعالات من كل نوع ..
الرهبة .. القلق .. الخوف من المجهول .
ثم نظرت إلي بعينين فارغتين تماما من أي بريق ..
وقالت : - نزلني عند المدرسة .. - وبعدين ..؟ -
أنتظر .. وإذا طلعوا الطالبات .. أروح لبيت أهلي ..
شعرت في أعماقي بحزن شديد لهذه البراءة الساذجة .
هي بالتأكيد ليست من ذوات السلوك المنحرف المتمرسات ..
ولا تعي خطورة الذي تقوم به .. ولا عاقبة تصرفاتها .. -
أنت صاحية .. تقعدين في الشارع ثلاث ساعات ..؟
لم ترد بشئ ، لكن الفضول دفعني لأن أسألها عن مكان مدرستها ،
لأستدل من ذلك على اسم الحي الذي يسكنه أهلها ... -
أين مدرستك يا موضي ..؟ - في حي الأمل ..
حي الأمل ..؟
شعرت بمثل المسمار يخترق قلبي .. هذا من المضحكات المبكيات .
ما أكثر ما نسمي الأشياء بغير حقيقتها .. ما أكثر ما نزيف المعاني ..
والواقع .. والاحلام ..
هذا أفقر أحياء الرياض .. لو سموه (حي اليأس) ..
أو البؤس .. أو التعاسه . الأمل ..؟ إن كان فيه للأمل بصيص ..
فوجود هذه (الزهرة) فيه .. هذا الكائن الطفولي الذي تتعرض البراءة
فيه للإغتيال ..
تداعت إلى ذهني الصور والمعلومات التي لدي عن حي (الأمل)
، وحاولت أن أفهم العلاقة بين تلك السيارة الفخمة وحي (الأمل) ،
حيث تقيم موضي . لا يمكن أن يكون صاحب تلك السيارة
يقيم في ذلك الحي ..
لسبب بسيط هو أن ثمنها يعادل قيمة خمسة من (جحور) ذلك الحي ،
التي يطلق عليها مجازا .. (منازل) ..
كما أن سيارته ستجد صعوبة في إختراق زواريب ذلك الحي ،
الذي لا يتسع أحدها ، إلا لمرور سيارة واحدة صغيرة ..
ولأن سكان ذلك الحي كذلك .. غالبا ما يتسببون بإغلاق الشوارع ،
بايقاف سياراتهم بطريقة خاطئة ، لا تتحملها هذه الطرق ، الضيقة أصلا .
ماذا يكون ...؟ إنه .. (أحدهم) ..
إنه فجور المترفين ، إذ يتربص بعوز المحرومين ..
وحرمـان البؤساء ، ليطلق غرائزه .. تفتك بإنسانية البسطاء ..
وتفترس الشرف ، والكرامة ..
أعرف هذا الحي . جئته في أحد المساءات ، قبل عام تقريبا ،
بصحبة صديق ملتزم ، من الناشطين في الأعمال الخيرية التطوعية ..
لتوزيع صدقات عينيه ومالية .
لا أدري كيف أقنعنـي عبدالكريم أن آتي معه .
فأنا رغم تعاطفي مع حالات البؤس الانساني ،
إلا أنني سلبي جدا في التعاطي معها .
أحتاج إلى وقت طويل ، لأتفاعـل مع الحدث ،
أو الحالة ، وأحتاج لوقت مثله ، لأترجم التفاعل إلى فعل ..

لم تكن المرة الأولى التي يعرض علي عبدالكريم فيها مرافقته ،
للقيام بمهمات من هذا النوع ، وكنت في كل مرة ، أتذرع بحجة مختلفة .
لكني أتذكر ، أنه في تلك المره استفزني .. وسخر من (الانسان)
البليد ، الجامد في داخلي ، كما قال :
- هل تريد أن ترى البؤس يمشي على قدميه ..
هل تريد أن تستعيد شيئا .. شيئا فقط ، من إنسانيتك المهدره ، بين كلام مجرد ... يتبع
ن و ر
ن و ر
عن المثل والأخلاقيات ، التي لم تجد لها رحما تتخلق فيه .. لتولد ..
وتشب .. وتكبر .. وتمنح الحياة ، لكائنات لم تعرف
معنى للحياة منذ خلقت ..
وبين سلوك استهلاكي بشع ، حولتك الرأسمالية المتوحشة من خلاله ،
إلى (آلية) من آليات السوق .. أنت في قوائم التحليل الاقتصادي ،
عند (آدم سميث) ، وتلامذته .. رقما .. آليه ..
قدرة شرائية .. أنت بإختصار .. (لا إنسان) ..
دع عنك الهمهمة المعتادة :
"الله لا يؤاخذنا صرفنا واجد اليوم" ..
اليوم .. وكل يوم .. أنت تفعل الشئ نفسه ..
تتقمص نفس الدور المسخ .. (آليه) ..

كأني بك مسرورا ، وهم ينادونك : Mr. Market Mechanism

اليوم .. وكل يوم .. أنت تمارس بسادية ، وأد الانسان في داخلك .

تعـال معي لتستعيد إنسانيتك ، حينما يفجرها الألم .. لمشهد الحرمان ..
الـذي يصنعـه الفقر ..
تعال لترى الانسان عند نقطة الصفر .. كيف هو ..
أتعلم ماذا يكون الانسان عند نقطة الصفر .. ؟
تستلب الحياة من كل شئ فيه .. إلا عينيه ..
أتعلم ماذا يكون الانسان عند نقطة الصفر ..؟
الكلمات في قاموسه ليس لها أضداد .. أنت تعرف السعادة ..
وربما سمعت عن الشقاء ، هو لا يعرف الا الشقاء .
أنت تعرف شيئا اسمه الحزن .. والفرح ، هو لا يعرف إلا الحزن ..
أنت تعرف الشئ ونقيضه ، بدرجات متفاوته .. هو يعرف الكلمة وحدها ..
بمعناها السلبي فقط .. بدون أضدادها ، وبأقصى درجاتها قسوة ..
البؤس .. والعجز .. والحرمان .. والألم .. والعري ..
والجوع ..
استفزني عبدالكريم بكلامه ، واستثار التحدي عندي ، فقررت أن أذهب معه ..
لأرى هذه (البيئة) التي سوف تعيد خلق الانسان في داخلي ، كما يقول ،
ولأتاكد إذا ما كان ذلك (الانسان) الجامد البليد موجودا ..
كنت اتنقل مع عبدالكريم ، من بيت إلى بيت ..
كنت معه في سباق مع الألم .. في كل مرة يغرس نصلا ..:

- أترى هذا الطفل .. لا يملك إلا ثوبا واحدا ..
إذا عاد من المدرسة خلعه ..
وخرج إلى الشارع ، يلعب بسروال فقط ..
أتدري لماذا ؟ .. ليس لغزا .. ولا رياضة ذهنية ..
إنه لا يملك غيره .. ويجب أن يبقى نظيفا ..
حتى يستطيع أن يذهب به من الغد إلى المدرسة ،
لم ينتظر مني تعليقا ..
في بيت آخر .. - أرأيت هذه الطفلة ..
تم سحبها من المدرسة بعد أن وصلت الصف الرابع .. لا ..
أهلها ليسوا ضد تعليم البنات .. لكنهم اضطروا لذلك ،
لأن شقيقها وصل سن الدراسة ..
وليس لديهم القدرة على الصرف إلا على (دارس) واحد ..
فكان الولد ..
من منزل لآخر .. حتى استغرقنا النصف الأول من الليل ..
كنت لا أسمع .. إلا : أرأيت .. أرأيت ..
كان عبدالكريم ، وهو يتجول بي من بيت لبيت ..
يفتح أمامي أبواب الحزن والبؤس .. على مصاريعها ..
ويوقفني على مشاهد للحرمان .. ويسكب في عيني ألما ..عندما أنهت ترتيب عباءتها ، وشرعت تضع غطاء رأسها ، ووجهها في مكانه ، قلت لها : - لابد أن أعقم الجرح ، حتى لا يلتهب ... هزت رأسها موافقة . رفعت ثوبها إلى حدود الجزء الممزق ، ليظهر الجرح ، ولأتمكن من تنظيفه . أخبرتها أن المادة المعقمة تحتوي على مادة قلوية ، وستشعر نتيجة لذلك بألم ، وعليها أن تتحمل

كنت قد أنهيت تنظيف الجرح ، ووضعت الشاش واللاصق عليه ، وأتهيأ للنهوض ، حين شعـرت بكفيها تطبقان على جانبي رأسي ، وتأخذه إليها ، ثم تنحني وتطبع قبلة على جبيني ، وتقول : - يا ليتك (أخوي) ... يا ليتك ... وسكتت ..
ن و ر
ن و ر
عن المثل والأخلاقيات ، التي لم تجد لها رحما تتخلق فيه .. لتولد .. وتشب .. وتكبر .. وتمنح الحياة ، لكائنات لم تعرف معنى للحياة منذ خلقت .. وبين سلوك استهلاكي بشع ، حولتك الرأسمالية المتوحشة من خلاله ، إلى (آلية) من آليات السوق .. أنت في قوائم التحليل الاقتصادي ، عند (آدم سميث) ، وتلامذته .. رقما .. آليه .. قدرة شرائية .. أنت بإختصار .. (لا إنسان) .. دع عنك الهمهمة المعتادة : "الله لا يؤاخذنا صرفنا واجد اليوم" .. اليوم .. وكل يوم .. أنت تفعل الشئ نفسه .. تتقمص نفس الدور المسخ .. (آليه) .. كأني بك مسرورا ، وهم ينادونك : Mr. Market Mechanism اليوم .. وكل يوم .. أنت تمارس بسادية ، وأد الانسان في داخلك . تعـال معي لتستعيد إنسانيتك ، حينما يفجرها الألم .. لمشهد الحرمان .. الـذي يصنعـه الفقر .. تعال لترى الانسان عند نقطة الصفر .. كيف هو .. أتعلم ماذا يكون الانسان عند نقطة الصفر .. ؟ تستلب الحياة من كل شئ فيه .. إلا عينيه .. أتعلم ماذا يكون الانسان عند نقطة الصفر ..؟ الكلمات في قاموسه ليس لها أضداد .. أنت تعرف السعادة .. وربما سمعت عن الشقاء ، هو لا يعرف الا الشقاء . أنت تعرف شيئا اسمه الحزن .. والفرح ، هو لا يعرف إلا الحزن .. أنت تعرف الشئ ونقيضه ، بدرجات متفاوته .. هو يعرف الكلمة وحدها .. بمعناها السلبي فقط .. بدون أضدادها ، وبأقصى درجاتها قسوة .. البؤس .. والعجز .. والحرمان .. والألم .. والعري .. والجوع .. استفزني عبدالكريم بكلامه ، واستثار التحدي عندي ، فقررت أن أذهب معه .. لأرى هذه (البيئة) التي سوف تعيد خلق الانسان في داخلي ، كما يقول ، ولأتاكد إذا ما كان ذلك (الانسان) الجامد البليد موجودا .. كنت اتنقل مع عبدالكريم ، من بيت إلى بيت .. كنت معه في سباق مع الألم .. في كل مرة يغرس نصلا ..: - أترى هذا الطفل .. لا يملك إلا ثوبا واحدا .. إذا عاد من المدرسة خلعه .. وخرج إلى الشارع ، يلعب بسروال فقط .. أتدري لماذا ؟ .. ليس لغزا .. ولا رياضة ذهنية .. إنه لا يملك غيره .. ويجب أن يبقى نظيفا .. حتى يستطيع أن يذهب به من الغد إلى المدرسة ، لم ينتظر مني تعليقا .. في بيت آخر .. - أرأيت هذه الطفلة .. تم سحبها من المدرسة بعد أن وصلت الصف الرابع .. لا .. أهلها ليسوا ضد تعليم البنات .. لكنهم اضطروا لذلك ، لأن شقيقها وصل سن الدراسة .. وليس لديهم القدرة على الصرف إلا على (دارس) واحد .. فكان الولد .. من منزل لآخر .. حتى استغرقنا النصف الأول من الليل .. كنت لا أسمع .. إلا : أرأيت .. أرأيت .. كان عبدالكريم ، وهو يتجول بي من بيت لبيت .. يفتح أمامي أبواب الحزن والبؤس .. على مصاريعها .. ويوقفني على مشاهد للحرمان .. ويسكب في عيني ألما ..عندما أنهت ترتيب عباءتها ، وشرعت تضع غطاء رأسها ، ووجهها في مكانه ، قلت لها : - لابد أن أعقم الجرح ، حتى لا يلتهب ... هزت رأسها موافقة . رفعت ثوبها إلى حدود الجزء الممزق ، ليظهر الجرح ، ولأتمكن من تنظيفه . أخبرتها أن المادة المعقمة تحتوي على مادة قلوية ، وستشعر نتيجة لذلك بألم ، وعليها أن تتحمل كنت قد أنهيت تنظيف الجرح ، ووضعت الشاش واللاصق عليه ، وأتهيأ للنهوض ، حين شعـرت بكفيها تطبقان على جانبي رأسي ، وتأخذه إليها ، ثم تنحني وتطبع قبلة على جبيني ، وتقول : - يا ليتك (أخوي) ... يا ليتك ... وسكتت ..
عن المثل والأخلاقيات ، التي لم تجد لها رحما تتخلق فيه .. لتولد .. وتشب .. وتكبر .. وتمنح الحياة...
رفعت رأسي ، ونظرت إلى وجهها .. كان ينطق بكل اللغات .. إلا لغة الجسد .. لقد تلاشي الجسد ، كوسيلة تعبير بيننا .. ولم يكن ثمت إلا أنا .. ودوائر من النور .. تلتمع في مساحات وجههـا .. الـذي غدا أمامي كمحراب هائل .. طفقت أردد فيه الصلوات .. - اعتبريني أخا لك ... قلتها وأنا أنهض ، وهي تتبعني بنظراتها .. وتغالب دمعتين ..

عقربا الساعة في سباق ، الصغير يؤشر على الرقم 11 ، والكبير إلتحم بالرقم 2 .. لا أدري أيهما سبق . لم يعد لتقسيم الفراغات في تلك الدائرة التي يسمونها (ساعة) ، أي معنى لدي ... في لغة الوقت ، التي أخترعوها ، الساعة الآن هي الحادية عشرة وعشر دقائق .. أما الوقت لدي ، فقد اختزل إلى بداية ونهاية .. كلاهما إسمه .. موضي .. الزمن فيه لا يحسب بالعقارب .. ولا بفراغات الدائرة ، وتقسيماتها .. إبتدأ بفتاة تقذف من سيارة ، كنتيجة مبكرة لعملية سوف تتم ، بالضرورة لاحقا ، وتحدث في كل لحظة ، يدفع الطرف الأضعف فيها .. دائما ، الثمن الباهض من شرفه .. وكرامته ، وإنسانيته .. وحقه المفترض في حياة كريمه .. لا تخضع لإبتزاز المال .. ونفوذ السلطة .. تأتي المرأة ممثلا (مواظبا) للطرف الاضعف .. الممتهن .. المبتز .. المستهدف .. المقذوف .. ليس من سيارة يمتلكها مترف ، (قادر) .. بل من حقها .. أن يكون لها كينونة .. في بعدها الانساني .. لها اعتبارها .. وكرامتها .. ضمن القانون السرمدي : "وكرمنا بني آدم" ... ينتهي الوقت .. متى ينتهي ..؟

عند الساعة الواحدة .. حينما تدلف موضي ، بخطوات متوجسة إلى بيت أهلها ..؟ وقت طويل .. لو كان الزمن يقاس بعذابات المحرومين وأوجاعهم .. وبأحلامهم التي تنتهي تحت أقدام نزوات (القادرين) .. وصلت إلى مقر عملي .. ونزلت .. لم يتبق وقت للعمل اليوم . تركتها في السيارة ، وذهبت لإنجاز بعض الأعمال المعلقة ، ولأعتذر عن التأخير .. وعن بقية اليوم .. بدوت أمام الزملاء متوترا .. شارد البال .. غير قادر على التركيز .. وقعت اسمى في المكان غير الصحيح أكثر من مرة .. وأختلف توقيعي عن الآخر أكثر من مرة .. ناديت أحد الموظفين بغير اسمه .. ظروف عائلية ... كان هذا هو التبرير .. وانسحبت ..

جزء من الشرود والتوتر الذي انتابني في العمل ، كان بسبب الضغط النفسي الذي فرضه التفكير المتواصل في أمرها .. لقد قررت أن لا أنزلها ...
عند المدرسة .. سيطر علي هم واحد : هـل أتركهــا تذهب بهذه البساطة .. دون أن تتعلم درسا ، يمنعها من العودة لنفس السلوك ..؟ هل أدعها تعود لبيت أهلها .. لتعود بعد ذلك لنفس الطريق ..

عدت إلى السيارة بغير الوجه الذي ذهبت به .. مهمومـا .. متجهما .. ومتوترا .. ضاقت على الأرض بمارحبت .. ركبت ، وسحبت الباب خلفي بقوة .. ولم أكلمها .. كنت ، حينما خرجنا من المطعم ، قد ألنت لها القول ، ولاطفتها ، وحدثتها حديث القلب للقلب عن خوفي عليها .. وقلقي على مستقبلها ، ورجوتها أن تنتبه لنفسها .. وختمت ذلك بمزحة ، فقلت : - إن عاهدتني أن تلتزمي بما قلت لك اشتريت لك أسكريم (كون زون) أو (باسكن روبنز) ، لكن باسكن روبنز أمريكي ، وأنا مقاطع البضائع الأمريكية ، ضحكت ببراءة الآمن في سرية ، وقالت بعفوية أخذت قلبي : - أبغى اكتب اسم الاسكريم .. حتى إذا رحت للمدرسة أقول للبنات إني أكلته .. ثم أضافت : - أبلا نوره .. دائما تنهي الحصة بتذكيرنا بمقاطعة البضائع الأمريكيــة .. لكن .. ثم سكتت قليلا .. لتقول : .. البنات في الفسحة يعلقون على (أبلا) نورة ، ويقولون : "الأبلا ساكنة في شمال الرياض .. وتحسب الناس كلهم مثلها ، يستطيعون أن يشتروا بضائع أمريكية" . أندفع الدم إلى وجهي ، وشعرت كأنما لفحتني موجة حارة .. إنها فوقية المترفين ..

إنها (ماري أنطوانيت) ، التي تطالب الجائعين ، الذين يتظاهرون من أجل الخبز .. أن يأكلوا (بسكويت) .. أوهي (أبلا نورة) .. التي تطالب الجوعى والعراة .. أن لا يشتروا من (مكس) ، أو (نكست) ، أو (فرساتشي) .. كيف لا تقرأ (أبلا نورة) هذا الوجع والبؤس .. الساكن في كل قسمة من قسمات تلك الوجوه ، وهي تصافح عينيها كل صباح .. كيـف تستطيـع أن تعيش في عالمين منفصلين ..؟

يتبع
سهيت وحبيت
سهيت وحبيت
روووووووووووووعه يانور

كمليها بسررررررعه مابنام الا اذا كملتها ان شاء الله(هذا اذا كانت القصه قصيره)

وفقك الله...
ن و ر
ن و ر
!محطمه!
اشكرك على المرور