امبراتريث
امبراتريث
وقفت أمام النافذة و أنا أتابع حبات المطر تتساقط برتابة و ترتطم بالزجاج محدثة صوتاً خفيفاً مميزاً يذكرني بأيام الطفولة عندما كنت أستيقظ على صوت المطر في الصباح و أستجدي أمي لتدعني أخرج و ألعب بالمياه. أشعر و كأن تلك الأيام قريبة. كأنني كنت طفلة البارحة و استيقظت اليوم لأجد نفسي زوجة و أماً تحمل هموماً تنوء بحملها الجبال. تذكرت حديثي البارحة مع ابني على برنامج المحادثة و شعرت بالألم. فقد حدثني عن أمور تمنيت لو لم أعرفها. كيف كان يتسلل من المنزل و يذهب مع أصدقائه للنوادي الليلية. و كيف يذهب للسباحة فقط للنظر إلى أجساد الفتيات العارية. و كيف أصبح يهرب من المدرسة أحياناً مع أصدقائه. و كيف تعلم إخفاء خطابات الإنذار من المدرسة. أمور كثيرة أتعبتني و جعلتني أشعر بأنني أفقد ابني. سألته البارحة لماذا يفعل كل هذا و فاجأني جوابه. قال لي بأن أهله حبسوه طويلاً في الغربة لئلا يتأثر بأحد و لم يعلمه أحد ماذا يفعل عندما يقف وجهاً لوجه مع المغريات. و عندما عاد إلى هنا, فُك الحصار عنه و تذوق طعم الحرية لأول مرة في حياته و وجد الناس حوله يعيشون حياتهم إلى أقصى حد دون التفكير بالعواقب. هل فعلاً أخطأت في تربية ولدي عندما لم أعده لما سيواجهه في حياته؟ هل كان علي بدل أن أقول له لا تدخن, أن أعلمه كيف يرد على من يقول له جرب التدخين؟ هل التربية هي في فرض الحصار على الأبناء و تحريكهم كما نحرك الدمى في مسرح العرائس, حتى إذا خرجوا إلى الحياة وجدوا أنفسهم عاجزين عن الحركة بأنفسهم؟ هل كان يجب عليّ أن أعطيه ثقة أكبر بنفسه و أجعله يقتنع من داخله بكل ما علمته له؟ أسئلة كثيرة تنفجر في رأسي الواحدة تلو الأخرى حتى أصبحت عاجزة عن التفكير. كيف أصلح الوضع؟ كيف انتشل ابني من المستنقع الذي تركته يغرق فيه؟ أول فكرة خطرت في بالي هي في تغيير الجو الذي يعيش فيه حالياً عسى أن يبتعد عن أصدقاء السوء قليلاً. ذهبت إلى مدرسته و سحبت أوراقه و سجلته بمدرسة أخرى قريبة أيضاً ثم ذهبت مرة أخرى إلى مدرسته لأقله إلى المنزل هذه المرة و أتحدث معه بوضوح في طريق العودة. وقفت أمام باب المدرسة أنتظر خروج ابني و أتيحت لي الفرصة لأرى ما نوعية الطلاب الذين يدرسون مع ابني. معظمهم من أبناء الذوات و إلا لما استطاعوا دخول مدرسة غالية مثل هذه. و يلبسون أحسن الملابس و تنتظرهم السيارات الفارهة التي يقودها السائق الخاص بهم. رأيت الشبان يعانقون الفتيات عند خروجهم كما كنت أراهم في المهجر. رأيت الفتيات يلبسن الملابس المغرية و يتمايلن أمام الشبان تماماً كما كنت أرى في المهجر. إذن الوضع هنا لا يختلف أبداً عن هناك, و لكني بسذاجتي توقعت أنني أزرع ابني في بيئة صالحة و نفضت يدي من متابعته. متى أصبحت المدراس هكذا؟ أين الطابور الصباحي الذي كنا نقف فيه و نحن نرتجف رعباً لئلا تجد المديرة لباسنا غير متوافق مع القوانين. كنت أخاف أن أذهب إلى المدرسة إن لم أقلم أظافري, بينما أرى الفتيات هنا و قد أطلن أظافرهن و طلينها بالأصباغ. كنت أخاف أن تجد المديرة قلم أحمر الشفاه الذي أخبئه في حقيبتي لا لاستعمله, بل لأريه إلى صديقاتي فقط. بينما أرى الفتيات هنا و قد استخدمن كل أنواع مساحيق التجميل على وجوههن. متى حدث كل هذا؟ اشتقت إلى وطني القديم, فمن يعيده لي؟ اندهش ابني عندما رآني أقف منتظرة إياه على رصيف المدرسة, فودع أصدقائه و اتجه إلي. لم أدع له مجالاً للتساؤل. قلت له فوراً: " أنا هنا لاتحدث معك بشأن حياتك" لم أخبره بأنني أعرف ماذا يفعل و شاهدت صوره على موقعه الإلكتروني. بل اكتفيت أن ألمح له بأن إحدى صديقاتي رأته و هو يخرج من نادي ليلي. حلف لي أنه لم يشرب الخمر و لا يعرف طعمها, مما جعلني أتنفس الصعداء. و لكنه اعترف بالتدخين و الرقص مع الفتيات هناك. - " و لماذا يا ولدي؟" - " أردت أن أجرب تلك الحياة, حيث لا قيود و لا قواعد, و بإمكاني فعل ما أريد" - " و لكنك لا تفعل ما تريد. بل تقلد أقرانك دون تفكير. هل حقاً هذا ما تريد؟ أن تكون إنساناً تافهاً يقضي حياته بين المراقص؟" - "لا طبعاً و لكن أردت أن أجرب تلك الحياة فقط و أنا أرى كل من يعيشها سعيد في حياته" - " عدني بأنك لن تعود إلى تلك النوادي و لن تسمح لنفسك بفعل شيء تخجل من مصارحتي به. يا ولدي خذها قاعدة في حياتك, كل ما تخجل من إعلانه, هو خطيئة كبرى, الأولى تركها" - " سأعدك يا أمي و لكن عندما تعدينني بأن أجدك عندما أحتاجك. أريد من يتحدث معي و أسأله عن الأمور التي تحصل من حولي. فمن السرعة التي يحصل بها كل شيء في حياتي, لم أعد أستطيع الوقوف للتفكير إن كان ما أفعله خاطئاً أم صحيحاً. أريد أن تكوني لي إشارة التوقف التي ترغمني على أخذ نفس عميق و التفكير بروية في الأمور. لا أريد أن أرسم مستقبلي بهذا الشكل. و لكني اشعر بالسعادة مع أصدقائي الجدد بعد أن شعرت بالغربة أولاً هنا. ضموني إليهم و أصبحت أخرج معهم و أتصرف مثلهم" - " كن على يقين بأنني سأظل دائماً موجودة بجانبك متى احتجتني. لا أريد لك أن تقع في مشكلة و لا تجد من يسمعك." لم أعتمد على كلامه بالطبع, فعدا عن تحويله إلى مدرسة أخرى, عدت إلى مراقبته و الانتباه إلى وقت دخوله و خروجه من المنزل. و الأهم من كل هذا, بدأت في الجلوس معه و مع أخته بين الفينة و الأخرى و الحديث عن مواقف قد يواجهونها في حياتهم لتدريبهم على كيفية التصرف عند تعرضهم لتلك المواقف دون أن يتخلوا عن مبادئهم و قيمهم و الأهم إسلامهم. يا ترى, لو كنت أعددت أبنائي للعودة إلى الوطن و كأننا نسافر إلى غربة, هل كان الوضع سيتحسن؟ بالنسبة لهم أنا انتشلتهم من بيئتهم الطبيعية و فرضت الغربة عليهم دون أخذ رأيهم و دون إعدادهم نفسياً للمرحلة المقبلة. و قد يكون هذا السبب الأهم في ما تعرضوا له من مشاكل عندما أتوا إلى هنا. و عدت لأتساءل, أين الحدود بين الغربة و الوطن؟ مشاعري تمتزج هنا و هناك حتى تصبح واحدة. فالوطن أشعر فيه بالقليل من الغربة, و الغربة أشعر فيها بالقليل من الوطن. تمت
وقفت أمام النافذة و أنا أتابع حبات المطر تتساقط برتابة و ترتطم بالزجاج محدثة صوتاً خفيفاً مميزاً...
عروس الشام
يجعل ايامك كلها كلعرس الحافل بمشاعر الفرح والسرور

اخر عبارة من قصتك ضربت على الوتر الحساس
من يوم ان انتهيت من كتابة القصة وانا ارددها في سري واحيانا في علني

عبارة فيلسوفة .وما هي الفلسفة الا ترجمة ذا طعم ساخر من مرارة الواقع........فقلما قرأت عبارات فيلسوفيه تعبر عن السرور والا لاصبحت نكتة لا تقود تفكيرنا الى اي هدف

لكن عبارتك خاصة والقصة عامة جديرى بالحفظ والقراءة كلما ضاقت بنا الغربة
وكلما حرقتنا مرارة الغربة

قراتها وعدت وقرأت وفكرت ......واستنتجت ان الخطر على الابناء موجود هنا وهناك وفي كل مكان
والطامة ان كان في بلادنا مختبئا كالنار بلاشعلى ملتهبة فعلى الاقل الشعلة تنبهنا بوجود الخطر
ولنواسي انفسنا من خلال موضوعك بأن قربنا من ابنائنا هو خير وسيلة لحمايتهم في اي مكان

قصتك اعجبتني بشكل يدفعني الى تحليل كل نقطة
لكني اختصر بالقول انها رائعة :26:
هنوده الحبوبه
كم أنتِ رائعة يا عروس الشام ،،

أسلوبك أثر بي إلى حدٍ كبير

ولكن بالفعل كلمات متميزة خرجت من أخت متميزة

فبوركتِ حبيبتي وبورك مداد قلمك
NOJOOM
NOJOOM
شكرا لكي ياعروس استفدنا من قصتك كثير
لكن خساره لم يعد عناك ما اتشوق اليه
في انتظار جديدك
شام
شام
جزاك المولى خيرا يا عروسنا الغالية

فقد امتعتنا وشوقتنا وزودتنا خبرة وحكمة من هذه الأم الحكيمة - أدامها الله -

كنا نتمنى لو لم تنته القصة , ونظل ننهل من حنكة هذه الام ونتعلم منها ..

ولكنك ربما أنت الآن بطريقك إلى الحج , هون الله لك طريقك وتقبل منك وجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا ....

منتظرين عودتك والإطمئنان عليك بكل خير ...

برعاية المولى وحفظه
هنوده الحبوبه
شام شام :
جزاك المولى خيرا يا عروسنا الغالية فقد امتعتنا وشوقتنا وزودتنا خبرة وحكمة من هذه الأم الحكيمة - أدامها الله - كنا نتمنى لو لم تنته القصة , ونظل ننهل من حنكة هذه الام ونتعلم منها .. ولكنك ربما أنت الآن بطريقك إلى الحج , هون الله لك طريقك وتقبل منك وجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا .... منتظرين عودتك والإطمئنان عليك بكل خير ... برعاية المولى وحفظه
جزاك المولى خيرا يا عروسنا الغالية فقد امتعتنا وشوقتنا وزودتنا خبرة وحكمة من هذه الأم الحكيمة...