يدور جدل كثير ولغط حول وضع المرأة في الإسلام، وكثيرا ما يُتهم
الإسلام بأنه ينتقص من حق المرأة في الحياة والوجود والحقوق.
وتُعقد لأجل هذا البرامج والندوات والمناظرات في أماكن مختلفة.
وأكثر ما يجري عليه التركيز هو عقل المرأة وأن الإسلام يعتبرها
ناقصة عقل، ويستشهدون بالحديث الوارد في الصحيحين من أن النساء
ناقصات عقل. فهل ما يقولونه حق وصحيح؟ وهل المرأة فعلا ناقصة عقل؟
وهل الرسول وصفها بذلك حقا وقصد ما فهموه هم من الحديث؟ أم يا ترى
أن الأمر هو خلاف ذلك؟
حديث ناقصات عقل
روى الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه في باب الإيمان عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ
وأكْثِرْن الاستغفار، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار. فقالت
امرأة منهن جَزْلة: وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟
قال: تُكْثِرْنَ اللَّعن، وتَكْفُرْنَ العشير، وما رأيت من
ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن. قالت يا رسول
الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال: أما نُقصانُ العقل فشهادة
امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل، فهذا نقصان العقل، وتَمكثُ الليالي
ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين". ومعنى الجَزْلة:
أي ذات العقل والرأي والوقار، وتَكْفُرْنَ العشير: أي تُنكرن حق
الزوج.
وهذا الحديث لا يمكن فهمه بمعزل عن آية الدَّيْن التي تتضمن نصاب
الشهادة، وذلك في قوله تعالى: )واستَشْهدوا شهيدين من رِجالِكم فإن
لم يكونا رَجُلَيْن فرَجُلٌ وامرأتان مِمَّن تَرضَوْن من الشُّهداء
أنْ تَضِلَّ إحداهما فَتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى( (البقرة: 282).
الفهم الخاطئ والمتناقض للحديث
يبدو أن ما يتبادر إلى أذهان هؤلاء الذين يتيهون فرحاً وطرباً
باتهام الإسلام انه يعتبر المرأة ناقصة عقل قوله صلى الله عليه
وسلم: "وما رأيت من ناقصات عقل". فاستنتج هؤلاء أن النساء ناقصات
عقل، وان نقص العقل هو نقص في القدرات العقلية، أي أن قدرات النساء
على التفكير هي اقل من قدرات الرجال. بمعنى أن المرأة تختلف عن
الرجل في تركيبة العقل فهي أقل منه وأنقص. ولو أنهم تدبّروا الحديث
لوجدوا أن هذا الفهم لا يمكن أن يستوي، وأنه يتناقض مع واقع الحديث
نفسه، وذلك للملاحظات التالية:
• ذكر الحديث أن امرأة منهن جَزْلة ناقشت الرسول. والجزلة، كما
قال العلماء، هي ذات العقل والرأي والوقار، فكيف تكون هذه ناقصة
عقل وذات عقل ووقار في الوقت نفسه؟ أليس هذا مدعاة إلى التناقض؟
• تعجب الرسول صلى الله عليه وسلم من قدرة النساء وأن الواحدة
منهن تغلب ذا اللب أي الرجل الذكي جدا. فكيف تغلب ناقصة العقل رجلا
ذكيا جدا؟
• أن هذا الخطاب موجه لنساء مسلمات، وهو يتعلق بأحكام إسلامية هي
نصاب الشهادة والصلاة والصوم. فهل يا ترى لو أن امرأة كافرة ذكية
وأسلمت، فهل تصير ناقصة عقل بدخولها في الإسلام؟!
فهذا الفهم حصر العقل في القدرات العقلية ولم يأخذ الحديث بالكامل،
أي لم يربط أجزاءه ببعض، كما لم يربطه مع الآية الكريمة. فالحديث
يعلل نقصان العقل عند النساء بكون شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل
واحد، والآية تعلل ذلك بالضلال والتذكير. ولم تصرح الآية بأن
النساء ناقصات عقل، ولا أن الحاجة إلى نصاب الشهادة هذا لأجل أن
تفكير المرأة أقل من تفكير الرجل.
فما هو التفكير؟ وما هو العقل؟
أنا اعرف التفكير كالتالي:
التفكير عملية ذهنية يتفاعل فيها الإدراك الحِسّي مع الخبرة
والذكاء لتحقيق هدف، ويحصل بدوافع وفي غياب الموانع.
حيث يتكون الإدراك الحسي من الإحساس بالواقع والانتباه إليه؛ أما
الخبرة فهي ما اكتسبه الإنسان من معلومات عن الواقع، ومعايشته له،
وما اكتسبه من أدوات التفكير وأساليبه؛ وأما الذكاء فهو عبارة عن
القدرات الذهنية الأساسية التي يتمتع بها الناس بدرجات متفاوتة.
ويحتاج التفكير إلى دافع يدفعه، ولا بد من إزالة العقبات التي تصده
وتجنب الوقوع في أخطائه بنفسية مؤهلة ومهيأة للقيام به.
إن هذا التصور للتفكير يتعلق بالإنسان بغض النظر عن كونه رجلا أو
امرأة، فهو ينطبق على كل منهما على حد سواء. ولا تَدُل معطيات
العلم المتعلقة بأبحاث الدماغ والتفكير والتعلم على أي اختلاف
جوهري بين المرأة والرجل من حيث التفكير والتعلم. كما لا تدل على
اختلافٍ في قدرات الحواس والذكاء، ولا في تركيب الخلايا العصبية
المكونة للدماغ، ولا في طرق اكتساب المعرفة. معنى هذا أن المرأة
والرجل سواء بالفطرة من حيث عملية التفكير، ولا يتميز أحدهما عن
الآخر إلا في الفروق الفردية.
وعليه فان التفكير ليس مجرد قدرات عقلية أو ذكاء، بل هو أوسع من
ذلك وتدخل فيه عوامل كثيرة ويمر بمراحل متعددة، فهو عملية معقدة
وليست بالبسيطة. كما أن العقل في مفهوم القرآن والسنة هو أوسع من
مجرد التفكير، إذ هو لفت انتباه للتفكير من أجل العمل.
أين الإعجاز في هذا؟
يكمن الإعجاز في الحديث عن نقصان عقل المرأة بهذه الطريقة، فهذا لا
يمكن أن يحيط به بشر. فنصوص القرآن والسنة لا تفرق بين قدرات
المرأة العقلية وقدرات الرجل، ويتجلى ذلك في الخطاب الإيماني العام
لكل من الرجل والمرأة. هذا بالإضافة إلى كثير من النصوص التي تتحدث
عن ذكاء النساء وقدراتهن وآرائهن السديدة في مواضع متعددة من
الكتاب والسنة. فإذا كان لم يثبت علميا أي اختلاف في قدرات النساء
العقلية عن قدرات الرجال، ونصوص القرآن والسنة لا تعارضان هذا،
فمعنى هذا أن نقصان العقل المشار إليه ليس في القدرات العقلية.
فالتفكير عملية معقدة تدخل فيها القدرات العقلية، ويدخل فيها عوامل
أخرى منها الإدراك الحسي والدوافع والموانع والخبرة.
وإذا نظرنا إلى الآية نجد أنها عللت الحاجة إلى نصاب الشهادة
المذكور بالضلال والتذكير، وهذا أمر متعلق بالإدراك الحسي
وبالدوافع والموانع. وهذا ينطبق على كل من الرجل والمرأة لكن
المرأة لها خصوصيتها من حيث إنها تمر بحالات وتتعرض لتغيرات جسدية
ونفسية تؤثر على طريقة تفكيرها. هذا بالإضافة إلى أن الحديث يجري
عن أحكام إسلامية في مجتمع مسلم، والمرأة بحكم طبيعتها وعيشها في
المجتمع الإسلامي خاصة تكون خبرتها أقل من الرجال إجمالا، لا سيما
في المجالات التي يقل وجودها فيها.
إذن فنقصان العقل هو إشارة إلى عوامل أخرى غير القدرات العقلية
التي قد تتبادر إلى أذهان من يتسرعون في إطلاق الأحكام وكيل
الاتهامات دونما تحقيق أو فهم صحيح. وقد آن الأوان لهؤلاء أن
يتراجعوا وأن ينصفوا الإسلام حق الإنصاف، وعلى المرأة إلا تنجرف
وراءهم وأن تثق بربها ودينها وتفاخر بذلك.
Rania91 @rania91
عضوة فعالة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
أشرقت*
•
بارك الله فيك اخيتي الكريمه "عقد الياسمين"وجزيت خير على التوضيح........
جزاكِ الله خيراً ياعقد الياسمين على إيراد هذه الموضوع المهم والذي سأضيف إليه بعض الإضافات بعد اذنك
شيء محزن فعلاً ان نرَ من لايفهم النصوص الدينية بشكل صحيح ويبنون على أساس فهمهم الخاطيء أموراً كثيرة ومايزيد في حزننا أن من لايفهمون ليسوا فقط أعداء الإسلام بل هناك الكثير من المسلمين من يفعل ذلك وبعضهم يتعمد ذلك وللأسف خاصة فيما يتعلق بهذا الحديث الشريف .. لقد تعمد بعض الرجال ان يحرفوا في الحديث ويصوغوه كما يشاؤوا لينقصوا من المرأة ويستهزئوا بها وليثبتوا قوتهم وأفضليتهم عليها فكما أوردتِ هنا أختي نص الحديث ( ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للب الرجل منكن ( أو أغلب لذي لب منكن ) .... )
والرجال هنا صاغوا الحديث بقولهم ( النساء ناقصات عقل ودين ) هل لاحظتن الفرق الشاسع ؟
لقد شرح الدكتور طارق الحبيب هذا الحديث وأورد مثالاً يوضح فيه القصد من نص الحديث ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل منكن ) والمثال هو ( ما رأيت من أعرجٍ أسبق للعدّاء الفلاني من هذا الأعرج ) واعتقد ان المثال واضح جداً ولا يحتاج الى مزيد من الشرح والإيضاح
وثبت علمياً أمر عجيب وهو دليل على إعجاز القرآن والسنة .. اكتشف العلماء ان عقل الرجل يحتوي على فصين صغيرين أحدهما للتذكر والآخر للكلام فعندما يُستدعى الرجل للشهادة يستخدم الفصين فيتذكر بأحدهما ويدلي بشهادته بالآخر أما عقل المرأة فيحتوي على فص واحد يستخدم للعمليتين فهي لاتستطيع ان تتذكر وتتكلم في وقت واحد لذلك تُستدعى امرأتين احداهما تتذكر وتملي على الأخرى التي تشهد ( أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) فهل رأيتن إعجازاً يفوق هذا الإعجاز؟ سبحان الله..
هذا مالدي وأعتذر عن الإطالة .
شيء محزن فعلاً ان نرَ من لايفهم النصوص الدينية بشكل صحيح ويبنون على أساس فهمهم الخاطيء أموراً كثيرة ومايزيد في حزننا أن من لايفهمون ليسوا فقط أعداء الإسلام بل هناك الكثير من المسلمين من يفعل ذلك وبعضهم يتعمد ذلك وللأسف خاصة فيما يتعلق بهذا الحديث الشريف .. لقد تعمد بعض الرجال ان يحرفوا في الحديث ويصوغوه كما يشاؤوا لينقصوا من المرأة ويستهزئوا بها وليثبتوا قوتهم وأفضليتهم عليها فكما أوردتِ هنا أختي نص الحديث ( ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للب الرجل منكن ( أو أغلب لذي لب منكن ) .... )
والرجال هنا صاغوا الحديث بقولهم ( النساء ناقصات عقل ودين ) هل لاحظتن الفرق الشاسع ؟
لقد شرح الدكتور طارق الحبيب هذا الحديث وأورد مثالاً يوضح فيه القصد من نص الحديث ( ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل منكن ) والمثال هو ( ما رأيت من أعرجٍ أسبق للعدّاء الفلاني من هذا الأعرج ) واعتقد ان المثال واضح جداً ولا يحتاج الى مزيد من الشرح والإيضاح
وثبت علمياً أمر عجيب وهو دليل على إعجاز القرآن والسنة .. اكتشف العلماء ان عقل الرجل يحتوي على فصين صغيرين أحدهما للتذكر والآخر للكلام فعندما يُستدعى الرجل للشهادة يستخدم الفصين فيتذكر بأحدهما ويدلي بشهادته بالآخر أما عقل المرأة فيحتوي على فص واحد يستخدم للعمليتين فهي لاتستطيع ان تتذكر وتتكلم في وقت واحد لذلك تُستدعى امرأتين احداهما تتذكر وتملي على الأخرى التي تشهد ( أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ) فهل رأيتن إعجازاً يفوق هذا الإعجاز؟ سبحان الله..
هذا مالدي وأعتذر عن الإطالة .
الصفحة الأخيرة