هكذا بدأ الاختلاط
! قال الشيخ علي الطنطاوي في كتابه :" ذكريات الشيخ علي الطنطاوي " ( 5 / 268-271)

يجد أعداؤهم و يهزلون ، و يسهر خصومهم و ينامون ، أولئك يحاربون صفاً واحداً ، و المسلمون قد فرقت بينهم خلافات في الرأي ، و مطامع في الدنيا .. يدخلون علينا من بابين كبيرين ، حولهما أبواب صغار لا يحصى عددها ، أما البابان الكبيران فهما باب الشهوات و باب الشهوات ه
أما الشبهات فهي كالمرض الذي يقتل من يصيبه ، و لكن سريانه بطئ ، و عدواه ضعيفة . فما كل شاب و لا شابة إذا ألقيت عليه الشبه في عقيدته يقبلها رأسأً و يعتنقها ه
أما الشهوات فهي داء يمرض و قد لا يقتل ، و لكنه أسرع سرياناً و أقوى عدوىً ، إذ يصادف من نفس الشاب و الشابة غريزة غرزها الله ، و غرسها لتنتج طاقة تستعمل في الخير ، فتنشئ أسرة و تنتج نسلاً ، و تقوي الأمة ، و تزيد عدد أبنائها ، فيأتي هؤلاء فيوجهونها في الشر ، للّذة العاجلة التي لا تثمر . طاقة نعطلها و نهملها و دافع أوجد ليوجه إلى عدونا ، لندافع به عن بلدنا ، فنحن نطلقها في الهواء ، فنضيعها هباءً ، أو يوجهها بعضنا إلى بعض ه
هذا هو باب الشهوات و هو أخطر الأبواب . عرف ذلك خصوم الإسلام فاستغلوه ، و أول هذا الطريق هو الاختلاط . بدأ الاختلاط من رياض الأطفال ، و لما جاءت الإذاعة انتقل منها إلى برامج الأطفال فصاروا يجمعون الصغار من الصبيان و الصغيرات من البنات ه
و نحن لا نقول أن لبنت خمس سنين عورة يحرم النظر إليها كعورة الكبيرة البالغة ، و لكن نقول أن من يرى هذه تذكِّره بتلك ، فتدفعه إلى محاولة رؤيتها . ثم إنه قد فسد الزمان ، حتى صار التعدي على عفاف الأطفال ، منكراً فاشياً ، و مرضاً سارياً ، لا عندنا ، بل في التي نعدُّ أهلها هم أهل المدنية و الحضارة في أوروبا و أمريكا ه
كان أعداء الحجاب يقولون أن اللواط و السحاق ، و تلك الانحرافات الجنسية سببها حجب النساء ، و لو مزقتم هذا الحجاب و ألقيتموه لخلصتم منها ، و رجعتم إلى الطريق القويم ، و كنا من غفلتنا و من صفاء نفوسنا نصدقهم ، ثم لما عرفناهم و خبرنا خبرهم ، ظهر لنا أن القائلين بهذا أكذب من مسيلمة . إن كان الحجاب مصدر هذا الشذوذ ، فخبروني هل نساء ألمانيا و بريطانيا محجبات الحجاب الشرعي ؟ فكيف إذن نرى هذا الشذوذ منتشراً فيهم حتى سنوا له قانوناً يجعله من المباحات ؟ ثم إن أصول العقائد ، و بذور العادات و مبادئ الخير و الشر ، إنما تغرس في العقل الباطن للإنسان ، من حيث لا يشعر في السنوات الخمس أو الست الأولى من عمره ، فإذا عودنا الصبي و البنت الاختلاط فيها ، ألا تستمر هذه العادة إلى السبع و الثمان ؟ ثم تصير أمرا عاديا ينشأ عليه الفتى ، و تشب الفتاة ، فيكبران و هما عليه ؟ و هل تنتقل البنت في يوم معين من شهر معين ، من الطفولة إلى الصبا في ساعات معدودات ، حتى إذا جاء ذلك اليوم حجبناها عن الشباب ؟ أم هي تكبر شعرةً شعرةً ، كعقرب الساعة تراه في الصباح ثابتاً فإذا عدت إليه بعد ساعتين وجدته قد انتقل من مكانه ، فهو إذن يمشي و إن لم تر مشيه ، فإذا عودنا الأطفال على هذا الاختلاط فمتى نفصل بينهم ؟ و الصغير لا يدرك جمال المرأة كما يدركه الكبير ، و لا يحس إن نظر إليها بمثل ما يحس به الكبير ، و لكنه يختزن هذه الصورة في ذاكرته فيخرجها من مخزنها و لو بعد عشرين سنة ، أنا أذكر نساء عرفتهن و أنا ابن ست سنين ، قبل أكثر من سبعين سنة ه
و أستطيع أن أتصور الآن ملامح وجوههن ، و تكوين أجسادهن .. ثم إن من تُشرف على تربيته النساء يلازمه أثر هذه التربية حياته كلها ، يظهر في عاطفته ، و في سلوكه ، في أدبه ، إذا كان أديباً ه
و لا تبعد في ضرب الأمثال ، فهاكم الإمام ابن حزم يحدثكم في كتابه العظيم الذي ألفه في الحب ، " طوق الحمامة " ، حديثاً مستفيضاً في الموضوع . خلق الله الرجال و النساء بعضهم من بعض ، و لكن ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة ، و ظاهره من قبله العذاب ، فمن طلب الرحمة و المودة و اللذة و السكون و الاطمئنان دخل من هذا الباب ، و الباب هو الزواج ، و من تسور الجدار أو نقب السقف ، أو أراد سرقة متعة ليست له بحق ، ركبه في الدنيا القلق و المرض و ازدراء الناس ، و تأنيب الضمير ، و كان له في الآخرة عذاب السعير ) ا.هـ. هذا ما قاله الشيخ عن بلاد غير بلادنا ، و السعيد من وعظ بغيره و لم يتعظ به الناس .. فليحذر الذين يدندنون حول هذا الموضوع في بلادنا أن يشملهم قوله تعالى : ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا و الآخرة ) النور" 19 "
------------------
الكلمة الطيبة صدقة
جزاك الله خيرا أخي الحبيب/أبو الحسن
ورحما الله الشيخ/علي الطنطاوي
أخيك المحب لك في الله/فهد