وجوب نصرة المسلمين في أفغانستان ... وكفر من ظاهر عليهم عبدة الصلبان ... وكشف تلبيس الأحبار والرهبان
بسم الله وهو حسبي ونعم الوكيل
الحمد لله القائل : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُم )(لأنفال: من الآية60)
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين القائل فيما رواه البخاري : ( نصرت بالرعب مسيرة شهر ..)
والقائل فيما رواه الإمام أحمد ( بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم )
وبعد ..
فقد شاء الله تعالى بمنه وكرمه أن يقر عيون الموحدين ويشف صدور المؤمنين بأحداث استهدفت رموز أمريكا السياسية والعسكرية والاقتصادية فسوتها بالتراب ودكتها فجعلتها قاعا صفصفا ؛ فمرّغت بذلك أنف أمريكا آلهة المرتدين وقبلة الطواغيت في بلادنا ..
وهي أحداث استبشر بها وفرح لها كل موحد ومجاهد يعرف جرائم النظام الأمريكي الصليبي وجرائم أحلافه في حق الإسلام والمسلمين ورءاها بداية نهايتهم إن شاء الله ..
وأرعد لها أنف كل منافق وعميل للصليبين واليهود وأذنابهم من طواغيت الردة وأئمة الكفر في كل مكان..
فانبرى لشجب تلك الهجمات والتبري ممن هم وراءها واعتبارهم من الإرهابيين والقتلة المجرمين جمع كبير من علماء السلاطين وشيوخ الفضائيات ورهبان الحكومات ومعهم طائفة كبيرة من الدعاة المنهزمين عقائديا الذين يجبنون ويخجلون من التصريح بعقيدة الإسلام الحقة تجاه أعداء الله وأعداء دينه .. وحال أكثرهم كحال الذين ذكرهم الله في قوله :
( فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ) .
حتى بلغ الإنهزام والتناقض ببعضهم ممن أفتوا من قبل بحرمة شرب (البيبسي) مقاطعة للبضائع الأمريكية أن يدعوا المسلمين للتبرع بالدم والمال لصالح ضحايا الهجمات على نيويورك وواشنطن !! كما فعل ذلك القرضاوي ضمن تصريحات خاصة لـ "إسلام أون لاين .نت" وقال مستدلا بنصوص عامة بمعزل لها عن نصوص كثيرة مقيدة لها على طريقة أهل الزيغ في تتبعهم للمتشابه(1) : " إن تبرع المسلم بالدماء والمال وأشكال العون المختلفة هو صدقة، وفي كل ذات كبد رطبة أجر. " وأمثاله من علماء الضلالة لا يميزون بين محارب وغيره ..
ومثل ذلك قوله : " أن ما حدث لا يمكن بحال من الأحوال أن يصدر عن مسلم عاقل يلتزم بدينه، ونفى شرعية مثل هذه العمليات "!!
واستدلاله بقوله تعالى ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ).
وتناسى أن الحرب لا بد فيها من القتل والدماء .. ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ..
وزعم أن فلسطين هي ساحة المواجهة مع العدو الصهيوني، … وقال : إننا لا نضمر عداوة للشعب الأمريكي مهما اختلفنا مع نظامه الحاكم".
" وأن الكتاب والسنة وفقه أئمة المسلمين، وروح الحضارة الإسلامية، ينكر كل الإنكار أي عمل يتسم بالقساوة والوحشية، ويفتقد الإنسانية والأخلاقية " !!
ثم اطلعت على فتوى له ولغيره جوابا على سؤال وجه لهم من المدعو / محمد عبد الرشيد أقدم مرشدي من يُسمون بالعسكريين المسلمين !! العاملين في الجيش الأميركي !! حول حكم مشاركتهم في العمليات التي تحدث في أفغانستان الآن وقع عليها كل من هذا القرضاوي، وطارق البشري ومحمد سليم العوا وهيثم الخياط و فهمي هويدي ..
و هذا ملخصها :
" الواجب على المسلمين كافة أن يكونوا يداً واحدة ضد الذين يروعون الآمنين ويستحلون دماء غير المقاتلين بغير سبب شرعي، لأن الإسلام حرم الدماء والأموال حرمة قطعية الثبوت إلى يوم القيامة.. " (2)
" ويجب على إخواننا العسكريين المسلمين في الجيش الأميركي أن يجعلوا موقفهم هذا ـ وأساسه الديني ـ معروف لجميع زملائهم ورؤسائهم وأن يجهروا به ولا يكتموه .. "
وقال فض الله فاه : " ولو أن الأحداث الارهابية التي وقعت في الولايات المتحدة عوملت بمقتضى نصوص الشريعة وقواعد الفقه الإسلامي لكان الذي ينطبق عليها هو حكم جريمة الحرابة الوارد في سورة «المائدة» "الآيتان 33 و34" ( تأمل فقد حارب أصحاب هذه الهجمات الله ورسوله عند هذا الشيخ !!.)
ثم قال : " لذلك، فإننا نرى ضرورة البحث عن الفاعلين الحقيقيين لهذه الجرائم، وعن المشاركين فيها بالتحريض والتمويل والمساعدة، وتقديمهم لمحاكمة منصفة تنزل بهم العقاب المناسب الرادع لهم ولأمثالهم من المستهينين بحياة الأبرياء وأموالهم والمروعين لأمنهم.
وهذا كله من واجب المسلمين المشاركة فيه بكل سبل ممكنة، تحقيقاً لقوله تعالى: « وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» ولكن الحرج الذي يصيب العسكريين المسلمين في مقاتلة المسلمين الآخرين، مصدره أن القتال يصعب ـ أو يستحيل ـ التمييز فيه بين الجناة الحقيقيين المستهدفين به، وبين الأبرياء الذين لا ذنب لهم في ما حدث، وان الحديث النبوي الصحيح يقول: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار، قيل هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: قد أراد قتل صاحبه»" (3)
ثم قال سادرا في غيه : " والواقع أن الحديث الشريف المذكور يتناول الحالة التي يملك فيها المسلم أمر نفسه فيستطيع أن ينهض للقتال ويستطيع أن يمتنع عنه، وهو لا يتناول الحالة التي يكون المسلم فيها مواطناً وجندياً في جيش نظامي لدولة، يلتزم بطاعة الأوامر الصادرة إليه، وإلا كان ولاؤه لدولته محل شك مع ما يترتب على ذلك من أضرار عديدة." (4)
ثم قال : " يتبين من ذلك أن الحرج الذي يسببه نص هذا الحديث الصحيح إما انه مرفوع، وإما انه مغتفر بجانب الأضرار العامة التي تلحق مجموع المسلمين في الجيش الأميركي!! بل وفي الولايات المتحدة بوجه عام، إذا اصبحوا مشكوكاً في ولائهم لبلدهم ( تأمل !!) الذي يحملون جنسيته ويتمتعون فيه بحقوق المواطنة، وعليهم أن يؤدوا واجباته !!
وأما الحرج الذي يسببه، كون القتال لا تمييز فيه فان المسلم يجب عليه أن ينوي بمساهمته في هذا القتال أن يحق الحق ويبطل الباطل !! وان عمله يستهدف منع العدوان على الأبرياء أو الوصول إلى مرتكبيه لتقديمهم للعدالة " ( تأمل الزندقة!!وتأمل تهوينهم لحرج الكفر هنا، وتعظيمهم للحرج الذي قد يتسبب بأضرار دنيوية أولا، لتتعرف على علم القوم وموازينهم.) قال : "وليس له شأن بما سوى ذلك من أغراض للقتال قد تنشئ لديه حرجاً شخصياً، لأنه لا يستطيع وحده منعها ولا تحقيقها، والله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، والمقرر عند الفقهاء أن ما لا يستطيعه المسلم وغير ساقط عنه لا يكلف به، وإنما المسلم هنا جزء من كل لو خرج عليه لترتب على خروجه ضرر له ولجماعة المسلمين في بلده، أكبر كثيراً من الضرر الذي يترتب على مشاركته في القتال." (5)
" والقواعد الشرعية المرعية تقرر أنه «إذا اجتمع ضرران ارتكب أخفهما»، فإذا كان يترتب على امتناع المسلمين عن القتال في صفوف جيوشهم ضرر على جميع المسلمين في بلادهم ـ وهم ملايين عديدة ـ وكان قتالهم سوف يسبب لهم حرجاً أو أذى روحياً ونفسياً !( تأمل! المسألة عنده لا تتعدى تأنيب الضمير!!)
" فان «الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام» كما تقرر القاعدة الفقهية الأخرى.
وإذا كان العسكريون المسلمون!! في الجيش الأميركي يستطيعون طلب الخدمة مؤقتاً أثناء هذه المعارك الوشيكة ،في الصفوف الخلفية للعمل في خدمات الإعاشة وما شابهها ـ كما ورد في السؤال ـ من دون أن يسبب لهم ذلك، ولا لغيرهم من المسلمين الأميركيين، حرجاً ولا ضرراً فانه لا بأس عليهم من هذا الطلب. (6) أما إذا كان هذا الطلب يسبب ضرراً أو حرجاً يتمثل في الشك في ولائهم، أو تعريضهم لسوء ظن، أو لاتهام باطل، أو لإيذائهم في مستقبلهم الوظيفي، أو للتشكيك في وطنيتهم، وأشباه ذلك، فانه لا يجوز عندئذ هذا الطلب." (7)
ثم لخص فتواه بقوله : " والخلاصة انه لا بأس ـ إن شاء الله ـ على العسكريين المسلمين من المشاركة في القتال في المعارك المتوقعة ضد من «يُظَنُّ»!! انهم يمارسون الإرهاب أو يؤوون الممارسين له ويتيحون لهم فرص التدريب والانطلاق من بلادهم، مع استصحاب النية الصحيحة على النحو الذي أوضحناه، دفعاً لأي شبهة قد تلحق بهم في ولائهم لأوطانهم، ومنعاً للضرر الغالب على الظن وقوعه، وإعمالا للقواعد الشرعية التي تنص على أن الضرورات تبيح المحظورات، وتوجب تحمل الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد !!!" أهـ.
كما اطلعت على نص الحديث الذي ألقاه بتاريخ 26 جمادى الآخرة 1422هـ الموافق 14 سبتمبر 2001م صالح اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى !! ..
ومما جاء فيه .. بعد أن بين أن الجرائم التى لا تفرق بين رضيع وامراة ومسن ومسنة ومريض وصحيح وتاتى على المال واهل المال تعد من الجرائم العظام والفواحش الخطيره التي ينظر إليها فى شريعة الإسلام بأنها من الفساد فى الأرض واهلاك الحرث والنسل وهذا امر حرمه الاسلام ..
قال : " ولهذا فان ماحدث مما شاهدته فى العرض الذى عرضته وكالات البث العام مما حدث على تلك العمارات من الضرب التى تداعت له العمارة فصار الناس اثر ذلك كأنما القيامة قامت وكأن الفزع فزع قيام الساعة وظهر على وجوه الذين يركضون هنا وهناك الذهول 0
إن من يحدث مثل هذه الجرائم يعد فى النظر الاسلامى من أخطر الناس جرما وأسوأهم عملا ومن يظن أن أحدا من علماء الاسلام العارفين بمقاصد شريعة الاسلام المطلعين على مقاصد القران وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم يظن أنه يجيز مثل هذه الاعمال فإنما يظن سوءا 0"
ثم ادعى أن الجرم وقع على فئات عظيمة واعداد كبيرة ورضع واطفال ونساء حبالى حتى ربما وضعت المراة حملها من هول الفزع كانما قامت قيامة الساعة .. وهو الأمر الذي لم يدعه حتى الصليبيون الأمريكان ، ولو وجد منه شيئا لطاروا به في فضائياتهم وإعلامهم تشنيعا على من فعله ؛ فلا أدري من أين هرف به الشيخ ؟؟
وقال : " إن مثل هذه الامور لاغرابة أن تعلن المملكة العربية السعودية استنكارها وعدم رضاها عما حدث وعمن أحدثه لان المملكة العربية السعودية مملكة اسلامية!!ولله الحمد؛ وبحق !! يحكمها نظام الاسلام وتحكم شريعة الاسلام، وأصول عملها وأنظمتها مقيدة بأن لا تخالف الاسلام (8) فاذا استنكرت مثل هذا العمل فانما تفعل ما تفعله من واقع دينها ومن موقفها الاسلامى الذى تقف فيه لانها دولة الحرمين وبلاد منبع الرسالة فلا غرو ان تستنكر الفواحش وان تستهجن اجرام المجرمين وان تندد بايواء كل مرتكب للاجرام او يرضى بجرمه 0(9)
ان الانسان المسلم العارف مقاصد الشرع العالم ما تنطوى عليه الشريعة الاسلامية من الشفقة والرحمة لعباد الله يرى أن هذه الاعمال من أخبث الاعمال وأشدها ضررا على بنى الانسان.."
إلى قوله : " ومما أثير عما قد يقال أو تردد فى بعض وسائل الاعلام عن الشعب الامريكى وما قد يكون ينظر للمسلمين المتواجدين فى أمريكا من أصل أمريكى أو من وافدين إليها من العرب أو غيرهم وهل هذا مما يقبل عقلا ذكرت وأذكر هنا أنه لايتوقع أن الشعب الامريكى الذى يقول عن نفسه أنه من أبرز حماة الديمقراطية !! وحامل لواء العدل !! لا يعقل أن ينظر إلى مواطنيهم أو ضيوفهم من العرب والمسلمين ومن غير المسلمين من العرب أيضا لا يمكن ان ينظر اليهم الشعب الامريكى مع ماهو فيه من مناعة وما يفترض فيهم العقل ومعرفة التجانس وتذكر ما قد حدث فى أيام المحن ؛ لا يمكن أن ينظر إلى غير المسيئ بنظرة المسيئ فإنه لا يستوى المجرم مع غير المجرم ولا يحمل مسالمموالي !! ذنب وجريرة معتد ظالم"0(10)
ثم قال : " لا احب ان استمر فى حديث ولكنى اؤكد أن الامة الاسلامية بقياداتها العلمية وقياداتها السياسية !! واذكر القيادة العلمية قبل السياسية لأن الامر أمر بيان حكم الشريعة لايمكن أن تقر مثل هذه الاعمال 0 " (11)
وختم بقوله : " أكرر مرة اخرى ان هذا العمل الذى تعرضت له الولايات المتحدة الامريكية بهذه الفظاعة والوحشية المتناهية التى هى ابعد من عمل الوحوش !! وأبعد من عمل ما قد يسمى جماعات إرهاب أو فصائل إجرام بل هو عمل بالغ الخطوره أقول إنه فى غاية الفحش والسوء 0" أهـ.
زاهدة @zahd
عضوة نشيطة
هذا الموضوع مغلق.
زاهدة
•
ويقول أيضا في الكتاب نفسه عند قوله تعالى: ( إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله ) : "وهاهنا نكتة بديعة وهي أن الله تعالى قدّم البراءة من المشركين العابدين غير الله، على البراءة من الأوثان المعبودة من دون الله لأن الأول أهم من الثاني، فإنه إن تبرأ من الأوثان ولم يتبرأ ممن عبدها لا يكون آتياً بالواجب عليه. وأما إذا تبرأ من المشركين فإن هذا يستلزم البراءة من معبوداتهم، وكذا قوله: ( وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ) الآية. فقدّم اعتزالهم على اعتزال ما يدعون من دون الله. وكذا قوله: ( فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله ) ، وقوله: )وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون من دون الله( ، فعليك بهذه النكتة فإنها تفتح لك باباً إلى عداوة أعداء الله ) أهـ.
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كلامه عن ستة مواضع من السيرة : ( إنه لا يستقيم للإنسان إسلام ولو وحد وترك الشرك إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض ، كما قال تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله …الآية) .
* ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في رسالة له في الدرر السنية: "والمرء قد ينجو من الشرك ويحب التوحيد، ولكنه يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة من أهل الشرك وترك موالاة أهل التوحيد ونصرتهم. فيكون متبعاً لهواه داخلاً من الشرك في شعب تهدم دينه وما بناه، تاركاً من التوحيد أصولاً وشعباً لا يستقيم معها إيمانه الذي ارتضاه؛ فلا يحب ولا يبغض لله ولا يعادي ولا يوالي لجلال من أنشأه وسوّاه، وكل هذا يؤخذ من شهادة أن لا إله إلا الله" أهـ من جزء الجهاد ص681.
* ويقول أيضاً في رسالة أخرى له من الكتاب نفسه ص842: "وأفضل القرب إلى الله مقت أعدائه المشركين وبغضهم وعداوتهم وجهادهم وبهذا ينجو العبد من توليهم من دون المؤمنين، وإن لم يفعل ذلك فله من ولايتهم بحسب ما أخل به وتركه من ذلك، فالحذر الحذر مما يهدم الإسلام ويقلع أساسه" أهـ.
* ويقول الشيخ سليمان بن سحمان عند آية الممتحنة أيضاً: "فهذه هي ملة إبراهيم التي قال الله فيها : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ( ، فعلى المسلم أن يعادي أعداء الله ويظهر عداوتهم ويتباعد عنهم كل التباعد وأن لا يواليهم ولا يعاشرهم ولا يخالطهم..." أهـ ص221، جزء الجهاد - الدرر السنية.
* ويقول شعرا:
فمن لم يعاد المشركين ولـم يوال ولم يبغض ولم يتجنـب
فليس على منهاج سنة أحمد وليـس على نهج قويم معرب
ولأن الموضوع متعلق بلا إله إلا الله كلمة التوحيد ،وهو من أوثق عراها كما في الحديث ( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) ؛ فإن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن يقول في الدرر السنية: " لا يُتصور أن -أحداً- يعرف التوحيد ويعمل به ولا يعادي المشركين؛ ومن لم يعادهم لا يقال له عرف التوحيد وعمل به " أهـ. جزء الجهاد ص167.
فقول القرضاوي : (إننا لا نضمر عداوة للشعب الأمريكي ) ومعلوم أن الغالبية الساحقة من الأمريكيين هم من المشركين والكفار بل من المحاربين المؤيدين لسياسات بلادهم في عدائها للإسلام والمسلمين ؛ فهذا القول هو في حقيقته قول امريء ما عرف التوحيد ولا عرف عرى الإيمان الوثقى وما شم رائحة الموالاة في الله والمعاداة فيه ..
أتحب أعداء الحبيب وتدعي حـبا له ما ذاك في إمكان
وكذا تعادي جـاهدا أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان
هذا وقد ثبت في حديث جرير بن عبد الله البجلي أنه قال : " أتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ، وهو يبايع ، فقلت : يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك ، واشترطْ عليّ فأنت أعلم، قال :" أبايعك على أن تعبد الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتناصح المسلمين ، وتفارق المشركين " .
وأختم هذه المسألة بقوله تعالى : ( سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان * ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ) الانفال
ففي هذه الآيات ذكر الله تعالى وصفا ظاهرا ومنضبطاً جعله سبحانه علة وسببا لإباحة ضرب أعناق أهله الذين يتصفون به ، وبيّن أنهم من الذين كفروا وعاقبهم بأن قذف في قلوبهم الرعب وأباح دماءهم .. ( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ) .
والمشاقة : أن يكون المرء المشاق في الشق المناوئ لشق الله ورسوله والمؤمنين ..
وكذلك المحادة أن يكون المحادد في الحد المقابل والمواجه لحد الله ورسوله والمؤمنين ولذلك قال تعالى : ( ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم ) التوبة .
والوعيد بالخلود في نار جهنم لا يذكر غالباً إلا في حق الكفار ..
ومثل ذلك المعاداة وهي أن يكون المرء في العُدوَة المضادة لعُدوَة عدوّه .
ففي هذا كله دلالة واضحة وصريحة على أن من انحاز إلى صف الكفار أو حد المشركين أو شق المشاقّين لله ، وعدوة المعادين لدينه ، فصار من أنصارهم ؛ أو ظاهرهم على المسلمين ؛ أنه يكون من جملة الذين كفروا ، وممن أباح الله للمؤمنين ضرب أعناقهم ، وتوعّدهم بالخلود في النار وبالخزي العظيم ..
- المسألة الرابعة : وجوب نصرة المسلمين في أفغانستان بالنفس والمال؛ فيجب على المسلمين نصرة إخوانهم على عدوهم الكافر وحلفائه الكفرة والمرتدين وعدم خذلانهم أو إسلامهم لأعدائهم ؛ فهذا واجب الموالاة التي وصف الله به عباده المؤمنين ، وهو من مقتضيات الأخوة الإيمانية ولوازم التوحيد وعراه الوثقى ..
قال عز وجل : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )
وقال تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (التوبة:71) ،
وقال صلى الله عليه وسلم :" انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " .
وقال صلى الله عليه وسلم :" المسلم أخو المسلم : لايظلمه ولا يخذله " وفي لفظ :" لا يظلمه ولا يسلمه " .
* يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: " لا بد للمسلم من التصريح بأنه من هذه الطائفة المؤمنة، حتى يقويها وتقوى بها ويفزع الطواغيت، الذين لا يبلغون الغاية في العداوة حتى يصرح لهم أنه من هذه الطائفة المحاربة لهم". أهـ من مجموعة التوحيد.
فيجب على كل مسلم أن يعلن ولاءه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين؛ وأن ينحاز إلى هذه الطائفة المؤمنة وعدوتها وينصرها بكل ما يستطيع ، ويفارق عدوة الكفار المناوئين لها، ويبرأ من شقهم وحدهم ولو كانوا أقرب إليه وطنا أو نسبا ؛ فولاء المسلم إنما هو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ..
قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)
- المسألة الخامسة: التعريف بدار الحرب والتفريق بين الكافر المحارب والكافر غير المحارب وما هو تصنيف أمريكا في ذلك كله ..
فاعلم أن دار الحرب : هي كل دار كفر ليس بينها وبين الدولة الإسلامية عهد أو ذمة أو أمان .. وتنبه لقولنا "الإسلامية" لا المنتسبة للإسلام زورا ؛ فإن فساد الفروع نتيجة حتمية لفساد الأصول ..
هذا هو تعريف دار الحرب فلا يلزم أن تكون الدولة الكافرة مباشرة لقتال المسلمين أومظاهرة لعدوهم عليهم حتى تكون دار حرب ؛ فكيف إذا كانت بالفعل كذلك ..
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ) وقال تعالى : ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
وكل من له معرفة بدين الله وشيء من واقع أمريكا وسياساتها ودعمها لإسرائيل ومظاهرتها لليهود على المسلمين، ومظاهرتها لطواغيت العرب وغيرهم على المجاهدين بالخطف والقتل والتسليم ، وعداوتها وحربها للإسلام والمسلمين وسجنها لعلماء المسلمين والمجاهدين، وتأييد الأغلبية الساحقة من شعبها لهذه السياسات؛ بحيث لا يعاد انتخاب الرئيس إلا بحسب عدائه للمسلمين وحربه لهم ؛ يعلم علم اليقين أنها دولة حرب فعلية وأن شعبها شعب محارب ..
فكيف وقد أعلنها عدو الله بوش على العالم كله فصرح بأن مايخوضه اليوم ضد المسلمين في أفغانستان بل وضد المجاهدين في العالم كله بمظاهرة ومؤازرة أذنابه من طواغيت الأرض ؛ هي حرب صليبية صريحة !! وطرب لذلك شعبه وارتفعت شعبيته عندهم كما ذكرت ذلك صحافتهم؛ أنظر على سبيل المثال صحيفة (النيوزوييك العدد 68 بتاريخ 25سبتمبر2001م) وغيرها من صحافتهم ..
وصرحوا بأن من أهم غايات حربهم في أفغانستان هو القضاء على المجاهدين الذين يسمونهم بالإرهابيين وتغيير نظام الطالبان، وإحلال حكومة أخرى مكانه ؛مكونه من تحالف مقبول لدى الكفار ؛سواء كان بزعامة الملك المخلوع أو بزعامة غيره ؛المهم عندهم تقويض الحكم الإسلامي والتمكين لنظام علماني بدلا منه موال لهم ولغيرهم من الصليبيين والكفار ..
فيجب أن يعرف كل مسلم أن المعركة في حقيقتها معركة بين الإسلام والكفر وحرب على كل مجاهد يسعى لإعزاز أمته ودينه ..
وهذا كله نذكره زيادة في التدليل على حربهم للإسلام والمسلمين ،لتعريف السذج من الناس ؛ وإلا فلسنا مضطرين للتبرير .. إذ يكفينا شرعا أن كل دولة ليس بينها وبين المسلمين عهد أو ذمة ؛ فإنها يشملها وصف مسمى دار الحرب كما هو في تعريف الراسخين في العلم ؛ فكيف إذا ما انضاف إلى ذلك ما ذكرناه وغيره مما لا تتسع له هذه الورقات ؟؟
- المسألة السادسة : أن عهود الطواغيت والدول الكافرة مع غيرها لا تلزم المسلمين المقيمين تحت ولايتها القهرية السياسية ،أو ما يسمى اليوم بالمواطنة ما دامت قهرية غير اختيارية ،وماداموا لا يأمنون فيها على أنفسهم وأموالهم ودمائهم ودينهم ؛ بل هم عرضة لانتهاك حرمة بيوتهم ونهبها وترويع من فيها واعتقالهم وزجهم في السجون أو تلفيق التهم لهم وإعدامهم في أي ساعة من ليل أو نهار ؛ أما ولايتهم الدينية فمن نواقض الإسلام أن يدخل المسلم مختارا تحت ولاية الكافر الدينية ..
قال تعالى : ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)(آل عمران: من الآية28)
وقال تعالى : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(النساء: من الآية141)
فمن باب أولى أن لا تلزم تلك العهود من ليس تحت سلطتهم وولايتهم السياسية كحال الشيخ أسامة بن لادن ومن معه حفظهم الله ؛ ممن قد برئوا من طواغيت الحكم في بلادنا وبريء منهم الطواغيت بل قد سحبوا جنسياتهم ومواطنتهم وأعلنوا الحرب وظاهروا الكفار عليهم وعلى كل موحد سلك طريق الجهاد ،الذي سموه بالإرهاب تبعا لتسمية إخوانهم الذين كفروا من اليهود والنصارى ..
ويدل على هذا دلالة صريحة ما رواه البخاري في كتاب الشروط من صحيحه في باب ( الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب .. )
ومحل الشاهد منه قصة أبي بصير رضي الله عنه وما فعله لما رده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رسولي قريش للشرط الذي شرطته عليه قريش في صلح الحديبية ، فقتل أبو بصير أحد الرجلين ثم أتى سيف البحر فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير ، حتى اجتمعت منهم عصابة ، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم ..
ووجه الدلالة فيه أن أبا بصير لم يلتزم بالعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم ولا لزمه أمان النبي لهم ولرسلهم ؛ولو لزمه شيء من ذلك لطالبت قريش النبي صلى الله عليه وسلم بدية الرجل العامري الذي قتله أبو بصير؛ ولكنهم لم يفعلوا لأن أبا بصير لم يكن داخلا تحت ولاية الرسول السياسية حين عقد العهد مع قريش أو بمعنى آخر؛ لم يكن مواطنا تابعا للدولة المسلمة رسميا وقت المعاهدة ..
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (5/351) : ( وفي قصة أبي بصير من الفوائد جواز قتل المشرك المعتدي غيلة ، ولا يعد ما وقع من أبي بصير غدرا لأنه لم يكن في جملة من دخل في المعاقدة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش ؛ لأنه إذ ذاك كان محبوسا بمكة ..) قال : ( وفيه أن من فعل مثل فعل أبي بصير لم يكن عليه قود ولا دية ..) ( وفيه أن شرط الرد أن يكون الذي حضر من دار الشرك باقيا في بلد الإمام ، ولا يتناول من لم يكن تحت يد الإمام ولا متحيزا إليه ، واستنبط منه بعض المتأخرين أن بعض ملوك المسلمين مثلا لو هادن بعض ملوك الشرك فغزاهم ملك آخر من المسلمين فقتلهم وغنم أموالهم جاز له ذلك ، لأن عهد الذي هادنهم لم يتناول من لم يهادنهم ..) أهـ.
وهذا الذي قاله في آخر كلامه ذكره ابن القيم عن شيخ الاسلام ابن تيمية حيث قال في الفوائد الفقهية لصلح الحديبية في زاد المعاد : ( ومنها : أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ومنعهم منهم ، وسواءً دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه، أو لم يدخلوا. والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم . وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد كما أفتى به شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية قدس الله روحه في نصارى ملطية وسبيهم مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين ) أهـ. ( 3 / 309)
وقال ابن قدامة في المغني ( 8/464) : ( إنما أمناهم ممن هو في دار الإسلام الذين هم في قبضة الإمام فأما من هو في دارهم ومن ليس في قبضته فلا يمنع منه .. ولهذا لما قتل أبو بصير الرجل الذي جاء لرده لم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يضمنه ،ولما انفرد هو وأبو جندل وأصحابهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية فقطعوا الطريق عليهم وقتلوا من قتلوا منهم وأخذوا المال لم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم برد ما أخذوه ولا غرامة ما أتلفوه ) أهـ.
ويدل على ذلك أيضا الحديث الذي رواه الامام أحمد والنسائي وأبو داود ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ) فهؤلاء الطواغيت ليسوا من المسلمين لامن خواصهم ولا من أدناهم ولا قلامة ظفر ؛بل هم من جملة من يتولونهم من الكفار كما أخبر تعالى في قوله: ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) وعليه فلا تلزمنا عهودهم ومواثيقهم ولا أمانهم للكفار ..
قال ابن قدامة في المغني (8/398) : ( ولا يصح أمان كافر وإن كان ذميا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ) فجعل الذمة للمسلمين فلا تحصل لغيرهم ، ولأنه متهم على الإسلام وأهله فأشبه الحربي )أهـ.
وتأمل أن هذا في الكافر الذمي غير الحربي فهو في الحربي أولى ، ومعلوم أن هؤلاء الطواغيت الحاكمين لبلاد المسلمين كفار محاربون ممتنعون عن الشريعة وعن تحكيمها بشوكة ؛ وقد فصلنا هذا الأمر وبيناه وحشدنا الأدلة عليه في غير هذا الموضع ..
وعليه فلا داعي للتخبط والتلبيس والجهل في الخوض في دعاوى أن الصليبين الأمريكان معاهدين وأن الأحداث الأخيرة غدر وخيانة للعهود إن صدرت عن مسلمين ؛ ولا داعي لحشد وحشر أحاديث الوعيد على من قتل معاهدا لمنع جهادهم أولتحريم التصدي لهم في أي بقعة من بقاع الأرض كما يزعم رهبان السلاطين ..
المسألة السابعة: من الضرورة أن يتنبه كل مسلم إلى أمرين هامين يفتحان له آفاقا عديدة وفسيحة في جهاد أعداء الله :
الأول : أن ساحة الجهاد والقتال مع العدو المحارب ليست مقصورة على بقعة الأرض التي غزاها أواحتلها من بلاد المسلمين؛ بل المحارب يحارب ويهدر دمه وماله في كل بقاع الأرض وحيثما وجد ..
قال تعالى : ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ )(البقرة: من الآية191)
وقال تعالى : ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ )(التوبة: من الآية5)
وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) (التوبة:123)
وقال عز وجل : ( وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(التوبة: من الآية36)
والأمر الثاني : أن حليف الحربي يعامل معاملته ..
ومن حجر الجهاد على بقعة معينة محتلة أو حصرها على جنسية محاربة محددة واستثنى غيرهم من المحاربين أو المظاهرين لهم ؛فقد حجّر واسعا ولم يفقه شريعة الجهاد التي جاءنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولا عرف سيرته صلى الله عليه وسلم وصحابته مع الحربيين وحلفائهم ..
وكتب الفقه قد فصلت هذا الأمر وبينته بجلاء وهو أمر معروف معلوم في دين المسلمين ، بل وفي عرف الكفار ؛فالطالبان لم يغزوا أمريكا ومع هذا فها هي أمريكا تصر على حربهم وتقويض نظامهم وابداله بنظام موال ولو قتل بسبب ذلك ألوف المدنيين هناك ؛ بدعوى إيواء الطالبان ودعمهم لمن يسمونهم بالإرهابيين من المجاهدين المسلمين !! بل قد تعدوا ذلك فأعلن عدو الله بوش أن المسألة في هذه الحرب لا تحتمل التمييع ؛ فمن لم يكن مع أمريكا وحربها فهو إذن مع الإرهاب !! فما كان من حكام الردة جميعا في بلادنا إلا إعلان وقوفهم في صف أمريكا والانبطاح والتسليم لها ولسياساتها ..
فالأمر واضح بيّن ولكن دين المنهزمين من علماء الفتنة يأبى إلا الإخلاد إلى الأرض والإنهزام ،وشجب كل طريق مؤد إلى عزة الأمة ورفعة دينها والبراءة منه ؛ هذا مع أن الأدلة الدالة على أن للحليف حكم حليفه ،وأن ساحة القتال مع المحاربين غير محصورة في البقعة التي احتلوها كثيرة ،ولا يسعها هذا المحل ..وقد استوفيت الكلام على هاتين المسألتين ومسألة عهود الطواغيت وعدم لزومها للمسلمين وفصلته في رسالتي ( الرمحية ) وأكتفي هنا بحديثين منها ..
الأول : عن عمران بن حصين قال كانت ثقيف حلفاء لبنى عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق ، قال : يا محمد ، فأتاه فقال : ما شأنك ؟ فقال بم أخذتني وبم أخذت سابقة الحاج ؟ فقال إعظاما لذلك أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف ثم انصرف عنه ، فناداه فقال يا محمد يا محمد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رقيقا، فرجع إليه فقال : ما شأنك ؟قال: إني مسلم ، قال : لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح… ففدي بالرجلين .. الحديث رواه مسلم
وفيه أن حليف المحارب له حكم المحارب ، وفيه أن المحارب وحلفاؤه يؤخذون ويجاهدون في أي مكان ، وفيه أن الكافر المحارب أو حليفه لو ادعى الإسلام بعد القدرة عليه لا يغير ذلك من أمره شيئا ؛ بخلاف ما لو أسلم واجتنب نواقض الدين قبل القدرة عليه ..
أما الحديث الثاني: فرواه أيضا مسلم في خبر غزوة ذي قرد عن إياس بن سلمة عن أبيه ومحل الشاهد منه : .. فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها فاضطجعت في أصلها قال فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبغضتهم فتحولت إلى شجرة أخرى وعلقوا سلاحهم واضطجعوا فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي يا للمهاجرين قتل ابن زنيم قال فاخترطت سيفي ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا في يدي قال ثم قلت والذي كرم وجه محمد لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه قال ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس مجفف في سبعين من المشركين فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم الآية .. )
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كلامه عن ستة مواضع من السيرة : ( إنه لا يستقيم للإنسان إسلام ولو وحد وترك الشرك إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض ، كما قال تعالى (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله …الآية) .
* ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في رسالة له في الدرر السنية: "والمرء قد ينجو من الشرك ويحب التوحيد، ولكنه يأتيه الخلل من جهة عدم البراءة من أهل الشرك وترك موالاة أهل التوحيد ونصرتهم. فيكون متبعاً لهواه داخلاً من الشرك في شعب تهدم دينه وما بناه، تاركاً من التوحيد أصولاً وشعباً لا يستقيم معها إيمانه الذي ارتضاه؛ فلا يحب ولا يبغض لله ولا يعادي ولا يوالي لجلال من أنشأه وسوّاه، وكل هذا يؤخذ من شهادة أن لا إله إلا الله" أهـ من جزء الجهاد ص681.
* ويقول أيضاً في رسالة أخرى له من الكتاب نفسه ص842: "وأفضل القرب إلى الله مقت أعدائه المشركين وبغضهم وعداوتهم وجهادهم وبهذا ينجو العبد من توليهم من دون المؤمنين، وإن لم يفعل ذلك فله من ولايتهم بحسب ما أخل به وتركه من ذلك، فالحذر الحذر مما يهدم الإسلام ويقلع أساسه" أهـ.
* ويقول الشيخ سليمان بن سحمان عند آية الممتحنة أيضاً: "فهذه هي ملة إبراهيم التي قال الله فيها : ( ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ( ، فعلى المسلم أن يعادي أعداء الله ويظهر عداوتهم ويتباعد عنهم كل التباعد وأن لا يواليهم ولا يعاشرهم ولا يخالطهم..." أهـ ص221، جزء الجهاد - الدرر السنية.
* ويقول شعرا:
فمن لم يعاد المشركين ولـم يوال ولم يبغض ولم يتجنـب
فليس على منهاج سنة أحمد وليـس على نهج قويم معرب
ولأن الموضوع متعلق بلا إله إلا الله كلمة التوحيد ،وهو من أوثق عراها كما في الحديث ( أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله ) ؛ فإن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن يقول في الدرر السنية: " لا يُتصور أن -أحداً- يعرف التوحيد ويعمل به ولا يعادي المشركين؛ ومن لم يعادهم لا يقال له عرف التوحيد وعمل به " أهـ. جزء الجهاد ص167.
فقول القرضاوي : (إننا لا نضمر عداوة للشعب الأمريكي ) ومعلوم أن الغالبية الساحقة من الأمريكيين هم من المشركين والكفار بل من المحاربين المؤيدين لسياسات بلادهم في عدائها للإسلام والمسلمين ؛ فهذا القول هو في حقيقته قول امريء ما عرف التوحيد ولا عرف عرى الإيمان الوثقى وما شم رائحة الموالاة في الله والمعاداة فيه ..
أتحب أعداء الحبيب وتدعي حـبا له ما ذاك في إمكان
وكذا تعادي جـاهدا أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان
هذا وقد ثبت في حديث جرير بن عبد الله البجلي أنه قال : " أتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ، وهو يبايع ، فقلت : يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك ، واشترطْ عليّ فأنت أعلم، قال :" أبايعك على أن تعبد الله ، وتقيم الصلاة ، وتؤتي الزكاة ، وتناصح المسلمين ، وتفارق المشركين " .
وأختم هذه المسألة بقوله تعالى : ( سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان * ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب ) الانفال
ففي هذه الآيات ذكر الله تعالى وصفا ظاهرا ومنضبطاً جعله سبحانه علة وسببا لإباحة ضرب أعناق أهله الذين يتصفون به ، وبيّن أنهم من الذين كفروا وعاقبهم بأن قذف في قلوبهم الرعب وأباح دماءهم .. ( ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ) .
والمشاقة : أن يكون المرء المشاق في الشق المناوئ لشق الله ورسوله والمؤمنين ..
وكذلك المحادة أن يكون المحادد في الحد المقابل والمواجه لحد الله ورسوله والمؤمنين ولذلك قال تعالى : ( ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم ) التوبة .
والوعيد بالخلود في نار جهنم لا يذكر غالباً إلا في حق الكفار ..
ومثل ذلك المعاداة وهي أن يكون المرء في العُدوَة المضادة لعُدوَة عدوّه .
ففي هذا كله دلالة واضحة وصريحة على أن من انحاز إلى صف الكفار أو حد المشركين أو شق المشاقّين لله ، وعدوة المعادين لدينه ، فصار من أنصارهم ؛ أو ظاهرهم على المسلمين ؛ أنه يكون من جملة الذين كفروا ، وممن أباح الله للمؤمنين ضرب أعناقهم ، وتوعّدهم بالخلود في النار وبالخزي العظيم ..
- المسألة الرابعة : وجوب نصرة المسلمين في أفغانستان بالنفس والمال؛ فيجب على المسلمين نصرة إخوانهم على عدوهم الكافر وحلفائه الكفرة والمرتدين وعدم خذلانهم أو إسلامهم لأعدائهم ؛ فهذا واجب الموالاة التي وصف الله به عباده المؤمنين ، وهو من مقتضيات الأخوة الإيمانية ولوازم التوحيد وعراه الوثقى ..
قال عز وجل : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ )
وقال تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (التوبة:71) ،
وقال صلى الله عليه وسلم :" انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " .
وقال صلى الله عليه وسلم :" المسلم أخو المسلم : لايظلمه ولا يخذله " وفي لفظ :" لا يظلمه ولا يسلمه " .
* يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: " لا بد للمسلم من التصريح بأنه من هذه الطائفة المؤمنة، حتى يقويها وتقوى بها ويفزع الطواغيت، الذين لا يبلغون الغاية في العداوة حتى يصرح لهم أنه من هذه الطائفة المحاربة لهم". أهـ من مجموعة التوحيد.
فيجب على كل مسلم أن يعلن ولاءه لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين؛ وأن ينحاز إلى هذه الطائفة المؤمنة وعدوتها وينصرها بكل ما يستطيع ، ويفارق عدوة الكفار المناوئين لها، ويبرأ من شقهم وحدهم ولو كانوا أقرب إليه وطنا أو نسبا ؛ فولاء المسلم إنما هو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ..
قال تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)
- المسألة الخامسة: التعريف بدار الحرب والتفريق بين الكافر المحارب والكافر غير المحارب وما هو تصنيف أمريكا في ذلك كله ..
فاعلم أن دار الحرب : هي كل دار كفر ليس بينها وبين الدولة الإسلامية عهد أو ذمة أو أمان .. وتنبه لقولنا "الإسلامية" لا المنتسبة للإسلام زورا ؛ فإن فساد الفروع نتيجة حتمية لفساد الأصول ..
هذا هو تعريف دار الحرب فلا يلزم أن تكون الدولة الكافرة مباشرة لقتال المسلمين أومظاهرة لعدوهم عليهم حتى تكون دار حرب ؛ فكيف إذا كانت بالفعل كذلك ..
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ) وقال تعالى : ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
وكل من له معرفة بدين الله وشيء من واقع أمريكا وسياساتها ودعمها لإسرائيل ومظاهرتها لليهود على المسلمين، ومظاهرتها لطواغيت العرب وغيرهم على المجاهدين بالخطف والقتل والتسليم ، وعداوتها وحربها للإسلام والمسلمين وسجنها لعلماء المسلمين والمجاهدين، وتأييد الأغلبية الساحقة من شعبها لهذه السياسات؛ بحيث لا يعاد انتخاب الرئيس إلا بحسب عدائه للمسلمين وحربه لهم ؛ يعلم علم اليقين أنها دولة حرب فعلية وأن شعبها شعب محارب ..
فكيف وقد أعلنها عدو الله بوش على العالم كله فصرح بأن مايخوضه اليوم ضد المسلمين في أفغانستان بل وضد المجاهدين في العالم كله بمظاهرة ومؤازرة أذنابه من طواغيت الأرض ؛ هي حرب صليبية صريحة !! وطرب لذلك شعبه وارتفعت شعبيته عندهم كما ذكرت ذلك صحافتهم؛ أنظر على سبيل المثال صحيفة (النيوزوييك العدد 68 بتاريخ 25سبتمبر2001م) وغيرها من صحافتهم ..
وصرحوا بأن من أهم غايات حربهم في أفغانستان هو القضاء على المجاهدين الذين يسمونهم بالإرهابيين وتغيير نظام الطالبان، وإحلال حكومة أخرى مكانه ؛مكونه من تحالف مقبول لدى الكفار ؛سواء كان بزعامة الملك المخلوع أو بزعامة غيره ؛المهم عندهم تقويض الحكم الإسلامي والتمكين لنظام علماني بدلا منه موال لهم ولغيرهم من الصليبيين والكفار ..
فيجب أن يعرف كل مسلم أن المعركة في حقيقتها معركة بين الإسلام والكفر وحرب على كل مجاهد يسعى لإعزاز أمته ودينه ..
وهذا كله نذكره زيادة في التدليل على حربهم للإسلام والمسلمين ،لتعريف السذج من الناس ؛ وإلا فلسنا مضطرين للتبرير .. إذ يكفينا شرعا أن كل دولة ليس بينها وبين المسلمين عهد أو ذمة ؛ فإنها يشملها وصف مسمى دار الحرب كما هو في تعريف الراسخين في العلم ؛ فكيف إذا ما انضاف إلى ذلك ما ذكرناه وغيره مما لا تتسع له هذه الورقات ؟؟
- المسألة السادسة : أن عهود الطواغيت والدول الكافرة مع غيرها لا تلزم المسلمين المقيمين تحت ولايتها القهرية السياسية ،أو ما يسمى اليوم بالمواطنة ما دامت قهرية غير اختيارية ،وماداموا لا يأمنون فيها على أنفسهم وأموالهم ودمائهم ودينهم ؛ بل هم عرضة لانتهاك حرمة بيوتهم ونهبها وترويع من فيها واعتقالهم وزجهم في السجون أو تلفيق التهم لهم وإعدامهم في أي ساعة من ليل أو نهار ؛ أما ولايتهم الدينية فمن نواقض الإسلام أن يدخل المسلم مختارا تحت ولاية الكافر الدينية ..
قال تعالى : ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)(آل عمران: من الآية28)
وقال تعالى : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(النساء: من الآية141)
فمن باب أولى أن لا تلزم تلك العهود من ليس تحت سلطتهم وولايتهم السياسية كحال الشيخ أسامة بن لادن ومن معه حفظهم الله ؛ ممن قد برئوا من طواغيت الحكم في بلادنا وبريء منهم الطواغيت بل قد سحبوا جنسياتهم ومواطنتهم وأعلنوا الحرب وظاهروا الكفار عليهم وعلى كل موحد سلك طريق الجهاد ،الذي سموه بالإرهاب تبعا لتسمية إخوانهم الذين كفروا من اليهود والنصارى ..
ويدل على هذا دلالة صريحة ما رواه البخاري في كتاب الشروط من صحيحه في باب ( الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب .. )
ومحل الشاهد منه قصة أبي بصير رضي الله عنه وما فعله لما رده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع رسولي قريش للشرط الذي شرطته عليه قريش في صلح الحديبية ، فقتل أبو بصير أحد الرجلين ثم أتى سيف البحر فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير ، حتى اجتمعت منهم عصابة ، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم ..
ووجه الدلالة فيه أن أبا بصير لم يلتزم بالعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم ولا لزمه أمان النبي لهم ولرسلهم ؛ولو لزمه شيء من ذلك لطالبت قريش النبي صلى الله عليه وسلم بدية الرجل العامري الذي قتله أبو بصير؛ ولكنهم لم يفعلوا لأن أبا بصير لم يكن داخلا تحت ولاية الرسول السياسية حين عقد العهد مع قريش أو بمعنى آخر؛ لم يكن مواطنا تابعا للدولة المسلمة رسميا وقت المعاهدة ..
قال الحافظ ابن حجر في الفتح (5/351) : ( وفي قصة أبي بصير من الفوائد جواز قتل المشرك المعتدي غيلة ، ولا يعد ما وقع من أبي بصير غدرا لأنه لم يكن في جملة من دخل في المعاقدة التي بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش ؛ لأنه إذ ذاك كان محبوسا بمكة ..) قال : ( وفيه أن من فعل مثل فعل أبي بصير لم يكن عليه قود ولا دية ..) ( وفيه أن شرط الرد أن يكون الذي حضر من دار الشرك باقيا في بلد الإمام ، ولا يتناول من لم يكن تحت يد الإمام ولا متحيزا إليه ، واستنبط منه بعض المتأخرين أن بعض ملوك المسلمين مثلا لو هادن بعض ملوك الشرك فغزاهم ملك آخر من المسلمين فقتلهم وغنم أموالهم جاز له ذلك ، لأن عهد الذي هادنهم لم يتناول من لم يهادنهم ..) أهـ.
وهذا الذي قاله في آخر كلامه ذكره ابن القيم عن شيخ الاسلام ابن تيمية حيث قال في الفوائد الفقهية لصلح الحديبية في زاد المعاد : ( ومنها : أن المعاهدين إذا عاهدوا الإمام فخرجت منهم طائفة فحاربتهم وغنمت أموالهم ولم يتحيزوا إلى الإمام لم يجب على الإمام دفعهم عنهم ومنعهم منهم ، وسواءً دخلوا في عقد الإمام وعهده ودينه، أو لم يدخلوا. والعهد الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين لم يكن عهداً بين أبي بصير وأصحابه وبينهم . وعلى هذا فإذا كان بين بعض ملوك المسلمين وبعض أهل الذمة من النصارى وغيرهم عهد جاز لملك آخر من ملوك المسلمين أن يغزوهم ويغنم أموالهم إذا لم يكن بينه وبينهم عهد كما أفتى به شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية قدس الله روحه في نصارى ملطية وسبيهم مستدلاً بقصة أبي بصير مع المشركين ) أهـ. ( 3 / 309)
وقال ابن قدامة في المغني ( 8/464) : ( إنما أمناهم ممن هو في دار الإسلام الذين هم في قبضة الإمام فأما من هو في دارهم ومن ليس في قبضته فلا يمنع منه .. ولهذا لما قتل أبو بصير الرجل الذي جاء لرده لم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ولم يضمنه ،ولما انفرد هو وأبو جندل وأصحابهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية فقطعوا الطريق عليهم وقتلوا من قتلوا منهم وأخذوا المال لم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهم برد ما أخذوه ولا غرامة ما أتلفوه ) أهـ.
ويدل على ذلك أيضا الحديث الذي رواه الامام أحمد والنسائي وأبو داود ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ) فهؤلاء الطواغيت ليسوا من المسلمين لامن خواصهم ولا من أدناهم ولا قلامة ظفر ؛بل هم من جملة من يتولونهم من الكفار كما أخبر تعالى في قوله: ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) وعليه فلا تلزمنا عهودهم ومواثيقهم ولا أمانهم للكفار ..
قال ابن قدامة في المغني (8/398) : ( ولا يصح أمان كافر وإن كان ذميا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ) فجعل الذمة للمسلمين فلا تحصل لغيرهم ، ولأنه متهم على الإسلام وأهله فأشبه الحربي )أهـ.
وتأمل أن هذا في الكافر الذمي غير الحربي فهو في الحربي أولى ، ومعلوم أن هؤلاء الطواغيت الحاكمين لبلاد المسلمين كفار محاربون ممتنعون عن الشريعة وعن تحكيمها بشوكة ؛ وقد فصلنا هذا الأمر وبيناه وحشدنا الأدلة عليه في غير هذا الموضع ..
وعليه فلا داعي للتخبط والتلبيس والجهل في الخوض في دعاوى أن الصليبين الأمريكان معاهدين وأن الأحداث الأخيرة غدر وخيانة للعهود إن صدرت عن مسلمين ؛ ولا داعي لحشد وحشر أحاديث الوعيد على من قتل معاهدا لمنع جهادهم أولتحريم التصدي لهم في أي بقعة من بقاع الأرض كما يزعم رهبان السلاطين ..
المسألة السابعة: من الضرورة أن يتنبه كل مسلم إلى أمرين هامين يفتحان له آفاقا عديدة وفسيحة في جهاد أعداء الله :
الأول : أن ساحة الجهاد والقتال مع العدو المحارب ليست مقصورة على بقعة الأرض التي غزاها أواحتلها من بلاد المسلمين؛ بل المحارب يحارب ويهدر دمه وماله في كل بقاع الأرض وحيثما وجد ..
قال تعالى : ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ )(البقرة: من الآية191)
وقال تعالى : ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ )(التوبة: من الآية5)
وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) (التوبة:123)
وقال عز وجل : ( وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(التوبة: من الآية36)
والأمر الثاني : أن حليف الحربي يعامل معاملته ..
ومن حجر الجهاد على بقعة معينة محتلة أو حصرها على جنسية محاربة محددة واستثنى غيرهم من المحاربين أو المظاهرين لهم ؛فقد حجّر واسعا ولم يفقه شريعة الجهاد التي جاءنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ولا عرف سيرته صلى الله عليه وسلم وصحابته مع الحربيين وحلفائهم ..
وكتب الفقه قد فصلت هذا الأمر وبينته بجلاء وهو أمر معروف معلوم في دين المسلمين ، بل وفي عرف الكفار ؛فالطالبان لم يغزوا أمريكا ومع هذا فها هي أمريكا تصر على حربهم وتقويض نظامهم وابداله بنظام موال ولو قتل بسبب ذلك ألوف المدنيين هناك ؛ بدعوى إيواء الطالبان ودعمهم لمن يسمونهم بالإرهابيين من المجاهدين المسلمين !! بل قد تعدوا ذلك فأعلن عدو الله بوش أن المسألة في هذه الحرب لا تحتمل التمييع ؛ فمن لم يكن مع أمريكا وحربها فهو إذن مع الإرهاب !! فما كان من حكام الردة جميعا في بلادنا إلا إعلان وقوفهم في صف أمريكا والانبطاح والتسليم لها ولسياساتها ..
فالأمر واضح بيّن ولكن دين المنهزمين من علماء الفتنة يأبى إلا الإخلاد إلى الأرض والإنهزام ،وشجب كل طريق مؤد إلى عزة الأمة ورفعة دينها والبراءة منه ؛ هذا مع أن الأدلة الدالة على أن للحليف حكم حليفه ،وأن ساحة القتال مع المحاربين غير محصورة في البقعة التي احتلوها كثيرة ،ولا يسعها هذا المحل ..وقد استوفيت الكلام على هاتين المسألتين ومسألة عهود الطواغيت وعدم لزومها للمسلمين وفصلته في رسالتي ( الرمحية ) وأكتفي هنا بحديثين منها ..
الأول : عن عمران بن حصين قال كانت ثقيف حلفاء لبنى عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل وأصابوا معه العضباء فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق ، قال : يا محمد ، فأتاه فقال : ما شأنك ؟ فقال بم أخذتني وبم أخذت سابقة الحاج ؟ فقال إعظاما لذلك أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف ثم انصرف عنه ، فناداه فقال يا محمد يا محمد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رقيقا، فرجع إليه فقال : ما شأنك ؟قال: إني مسلم ، قال : لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح… ففدي بالرجلين .. الحديث رواه مسلم
وفيه أن حليف المحارب له حكم المحارب ، وفيه أن المحارب وحلفاؤه يؤخذون ويجاهدون في أي مكان ، وفيه أن الكافر المحارب أو حليفه لو ادعى الإسلام بعد القدرة عليه لا يغير ذلك من أمره شيئا ؛ بخلاف ما لو أسلم واجتنب نواقض الدين قبل القدرة عليه ..
أما الحديث الثاني: فرواه أيضا مسلم في خبر غزوة ذي قرد عن إياس بن سلمة عن أبيه ومحل الشاهد منه : .. فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها فاضطجعت في أصلها قال فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبغضتهم فتحولت إلى شجرة أخرى وعلقوا سلاحهم واضطجعوا فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي يا للمهاجرين قتل ابن زنيم قال فاخترطت سيفي ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا في يدي قال ثم قلت والذي كرم وجه محمد لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه قال ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز يقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس مجفف في سبعين من المشركين فنظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال دعوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه فعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم الآية .. )
زاهدة
•
وفيه أن المحاربين إذا نقض بعضهم العهد أخذوا بذلك جميعا حيث ثقفوا وأينما وجدو..
فقول القرضاوي ( إن فلسطين هي ساحة المواجهة مع العدو الصهيوني ) قول سخيف لا يقوله عالم بدين الإسلام عارف بأحكام الجهاد ؛ بل الحق جواز بل وجوب قتال اليهود وأحلافهم في كل بقاع الأرض حتى لو كانوا في حرم الله لأن جهادهم جهاد دفع ولأنهم محاربون معتدون محتلون لبلاد المسلمين ..
- المسألة الثامنة : إن وجود المسلمين أو وجود مصالح لبعضهم في ديار الكفر لا يمنع من جهاد الكفار ؛ نعم إن كانوا متميزين وأمكن تجنب قتلهم فذلك واجب لحرمة دم المسلم حيث كان ما لم يقترف ما يقطع العصمة، لكن وجودهم لا يجوز أن يصير ذريعة وسببا لتعطيل جهاد الكفار بدعوى أنهم سيتضررون أو ستتضرر دنياهم ومصالحهم بسبب الجهاد !! تماما مثلما أن وجود المسلمين في قلسطين المحتلة لا يعطل جهاد اليهود؛ بل هو في جهاد الكفار في ديار الكفر الأصلية أولى..
فليس من عالم ولا جاهل يمنع اليوم من جهاد اليهود أو يبطله بدعوى أن في فلسطين المحتلة مسلمين مستضعفين قد يصابون في القتال أو يتضررون ويؤذون وتهدم منازلهم بسبب الجهاد.. فكذلك الشأن في سائر بلاد الحرب والكفر الأصلية ؛ بل هو جائز فيها من باب أولى؛ وأولى أن لا يمنع أو يعطل الجهاد هناك بدعوى وجود المسلمين ومصالحهم ..
إذ بلاد المسلمين المحتلة أغلبيتها من المسلمين المستضعفين المعذورين في إقامتهم ؛وإقامة المسلم في بلده التي دهمها الكفار واحتلوها لا حرج فيها إن كان من المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ..أو كان مقيما على العمل لأجل تخليصها من الكفار ، بخلاف إقامته في ديار الكفر الأصلية لغير ضرورة أولأجل غايات ومصالح دنيوية فإنها مذمومة غير مشروعة ..
قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:97)
وفي الحديث الذي يرويه الترمذي وغيره عن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود ، فأسرع فيهم القتل ،فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل ؛ وقال : أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا: يا رسول الله ولم ؟ قال : لا ترايا ناراهما).
وفي رواية النسائي : ( .. برئت الذمة ممن أقام بين المشركين )
وعليه فإن ما يشقشق به رهبان السلاطين ومشايخ الفضائيات من إعمال قاعدة المفاسد والمصالح هاهنا ؛ إنما يمرروه ويسخروه لمصالحهم الدنيوية !! لا لمصالح الدين العظيمة والضرورية ؛ومعلوم لكل أحد أن مصلحة التوحيد والدين والجهاد الكلية العامة ؛ مقدمة على المصالح الشخصية الدنيوية .. فليعتبر هذا كل مخلص عند الموازنة بين المفاسد أوالمصالح .. وليعلم أن الله عز وجل قد بين في كتابه أن الفساد الذي قد يحصل من الجهاد ومدافعة الكفار؛ لا شيء مقارنة بالفساد الحاصل في ترك الجهاد ، ولذلك نبه سبحانه على مفاسد ترك الجهاد وأهمل ذكر ما قد يقع من المفاسد بسبب الجهاد ،فقال عز وجل : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ )
وقال : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )(الحج: من الآية40)
- المسألة التاسعة : إن من المعروف لكل أحد أن ديننا ينهى عن تقصد قتل الصبيان والنساء غير المقاتلات ،ووصايا النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده للغزاة بعدم تعمد قتلهم معلومة مشهورة ،لا داعي لسردها وذكرها هنا ، ولذلك فقد كنا نوصي دوما إخواننا المجاهدين بعدم تقصد قتلهم أو تعمد الإغارة على تجمعاتهم ولو كانوا من اليهود المحتلين لفلسطين ، والتركيز دوما على الأهداف العسكرية والسياسية والمهمة التي تحدث نكاية شديدة في أعداء الله .. لكن هاهنا ثلاثة أمور يجهلهما كثير من الناس يجب التنبيه عليها :
- الأول : جواز قتل النساء والصبيان في الإغارة والتبييت وعند تعذر تجنبهم في معمعة القتال أو خلال الهجمات على مواقع العدو الهامة أو أركانه و تجمعاته ..
ومن أوضح الأدلة الدالة على ذلك حديث الصعب بن جثامة في الصحيح قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال: ( هم منهم لا حمى إلا حمى الله ورسوله )
ويدل على هذا دلالة ظاهرة أيضا نصب النبي صلى الله عليه وسلم للمنجنيق على أهل الطائف ، ومعلوم أنه من جنس رماية الطائرات ؛يتسبب بحرق البيوت وهدمها ويصعب الاحتراز في مثله عن الصبيان أو الشيوخ أو النساء من غير المقاتلات ؛ خاصة عندما ينصب على المدن ..
فعلم من هذا أن النهي عن قتل الذراري ونحوهم إنما يراد به تقصد آحادهم مع المقدرة على اجتنابهم ،أو تقصد التجمعات المختصة بهم كرياض الأطفال ومدارسهم وحافلاتهم ..
أما ما يقع من ذلك عرضا في معمعة القتال فمعفو عنه ولا حرج على المجاهدين فيه ؛ إذ هو مما يعسر تجنبه والاحتراز منه ، ولو كان ذلك مقصودا بالنهي لتعطل الجهاد ولما أمكن غزو الكفار وقتالهم ..
وهذا الأمر يشقشق به علماء الفتنة ليشنعوا به على المجاهدين وليثبطوا عن الجهاد ؛ ويتغافلون أن الحروب لا بد فيها من ذلك .. وأن المهم أن لا نتعمد نحن ونتقصد قتل الأطفال ونحوهم .. وإلا فالعرب تقول : القتل أنفى للقتل .
ويقول شاعرهم :
بسفك الدما يا صاحبي تحقن الدما وبالقتل ينجوا الناس من غبة القتل
وهي حقيقة يعرفها الكفار أنفسهم وإن تعامى عنها للصد عن الجهاد رهبان الحكومات ؛ فقد قال قائد أركان الجيش الأمريكي في بداية حملتهم الجوية على أفغانستان عندما وُوجه بسقوط كثير من الأطفال والمدنيين في صفوف القتلى الأفغان ؛ قال : هذه هي الحرب !! ولا بد في الحرب من خسائر في صفوف المدنيين ..
فسحقا لكل كاهن كان هذا الصليبي أفقه منه !!
- الأمر الثاني : أن كثيرا ممن يسمون اليوم في قوانين وأعراف أهل العصر أطفال، هم في الحقيقة ليسوا كذلك في حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك أدلة كثيرة إليك واحدا منها؛ وهو ما رواه الترمذي عن عطية القرظي قال عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلي سبيله فكنت ممن لم ينبت فخلي سبيلي. قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أنهم يرون الإنبات بلوغا إن لم يعرف احتلامه ولا سنه وهو قول أحمد وإسحق ..
فدل على أن حد التكليف هو ما يعلم به البلوغ من الاحتلام أو الانبات وهذا قد يكون في سن أقل بكثير من السن التي يصفونها اليوم بالقانونية وهي سن الثامنة عشر فيمكن أن يحصل في سن الثانية عشرة بل ودونها أحيانا ..
أضف إلى هذا أن الرجال الحربيين غير الزمنى ولا الشيوخ لا يوجد ما يمنع شرعا من قتلهم ولو لم يكونوا مباشرين للقتال .. وهو أمر بين معروف في ديننا نفاخر ونجاهر به ولا نستحيي من التصريح به .. قال تعالى : ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) وقال سبحانه : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )
ويخير الإمام في الأسرى منهم ما بين المن أو الفداء أو القتل أو الإسترقاق ..
- الأمر الثالث : أن النساء والصبيان والشيوخ إذا شاركوا في القتال فحكمهم حكم المقاتلين، وكذا كل من أعان المقاتلين بأي نوع من أنواع الإعانة ولو بالمشورة والرأي والحرب الإعلامية والتخذيل ونحو ذلك فحكمه حكم المباشرين للقتال ؛ فقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على أن حكم الردء حكم المباشر ..
قال ابن عبد البر في الاستذكار : ( لم يختلف العلماء فيمن قاتل من النساء والشيوخ أنه مباح قتله ، ومن قدر على القتال من الصبيان وقاتل قتل ). الاستذكار ( 14 / 74 ) .
وقال في التمهيد : ( وأجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل دريد بن الصمة يوم حنين لأنه كان ذا رأي ومكيدة في الحرب ، فمن كان هكذا من الشيوخ قتل عند الجميع.)أهـ.( 16 / 142 ) وكان دريد وقتها شيخا طاعنا في السن قد سقط حاجباه على عينيه وكانت هوازن استصحبته معها في القتال محمولا وهو أعمى..
ونقل النووي في شرح مسلم في كتاب الجهاد الإجماع على أن شيوخ الكفار إن كان فيهم رأي قتلوا .
وذكر ابن قدامة الإجماع على إباحة قتل النساء والصبيان وكبار السن إذا أعانوا أقوامهم ، وذكر أن حكم الردء حكم المباشر وعلل استواء الردء بالمباشر في أحكام المحاربة ؛ بكون الحرابة مبنية على حصول المنعة والمعاضدة والمناصرة ، فلا يتمكن المباشر من فعله إلا بقوة الردء …
ولذا قال ابن العربي في أحكام القرآن (1/148-150) : ( اتفق أكثر العلماء على أن الردء يحكم فيه بحكم المقاتل ) .
ونص عليه أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية كما ذكر أن أعوان الطائفة الممتنعة وأنصارها منها.
- المسألة العاشرة : إن الأصل في دم المسلم وماله ولو كان من أفجر الناس العصمة والحرمة ولا يباح للكفار بحال بأي طريقة من الطرق ؛ يدل على ذلك ما رواه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الحج الأكبر : ( أي يوم هذا ؟ قال الراوي : فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه ، قال : أليس يوم النحر ؟ قلنا : بلى. قال : فأي شهر هذا ؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال : أليس بذي الحجة ؟ قلنا : بلى . قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ..) فلا يحل منح دم امريء مسلم لكافر ، ( فالإسلام يعلو ولا يعلى ) ولا يحل حفظ الدم المباح المهدور وحمايته بالدم المعصوم !!
وأيضا قال الله تعالى : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاما) وهذا في السفاهة الصغرى التي هي قصور العقل وسوء التدبير ؛ فكيف بالسفاهة الكبرى التي يحويها الكفر والإشرك بالله ( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ) ؟؟ لا شك أن هذا النوع من السفاهة والتي تنطوي على خبث الطوية والمكر ؛ تدخل في النهي الوارد في الآية الأولى من باب أولى ، ويؤكد هذا قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (لأنفال:36)
ومنه يتبين بطلان ما دعا إليه القرضاوي المسلمين من التبرع بالدم والمال لصالح ضحايا الهجمات في الولايات المتحدة الأمريكية..
فهل يريد علماء السوء أن يدعم المسلمون أعداء الله بالمال بل وبالدم لينفقوا ذلك ويتقووا به في الصد عن دين الله وفي حرب أولياء الله ؟؟
- المسألة الحادية عشر : الجهاد فريضة إسلامية ماضية إلى يوم القيامة لا يبطلها أحد أويوقفها قانون ..
ففي حديث البخاري ( الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : ( وفيه بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة ، لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون ، وهو مثل الحديث الآخر ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق )أهـ.من كتاب الجهاد والسير(باب الجهاد ماض مع البر والفاجر)
فلا تزال طائفة من هذه الأمة قائمة بأمر الجهاد ولو تكالبت على عدائهم وحرب دينهم الأمم كلها ورمتهم جميعها بقوس العداوة والمكر والإرصاد ..
ففي الحديث المتواتر المروي عن بضع عشر صحابيا بألفاظ متقاربة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه:
( لا تزال طائفة من هذه الأمة ؛ يقاتلون على الحق ،ظاهرين على أمر الله ،لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى يوم القيامة )
فليس لأحد منع الجهاد أو ربطه بإذن أحد من البشر خصوصا جهاد الدفع الذي يتعين على كل أحد ؛ فيجب على الولد دون إذن والديه والمدين دون إذن دائنه ؛هذا فضلا عن أن يربط الجهاد بإذن الطواغيت الذين أماتوه وأبطلوه وامتنعوا عنه ومنعوا الناس منه ؛ ولذلك فليس لما هرف به وزير الأوقاف السعودي وغيره في هذا الاتجاه مستند شرعي ؛اللهم إلا أن يقصدوا بذلك الشرعية الدولية الشركية !! التي تحرم الجهاد وتصفه بالإرهاب والتي يجعجع بها دوما ولاة أمورهم لا شريعة التوحيد الإسلامية .. ومن ثم فهذا إنما يلزم من يعتقد أن أولئك الطواغيت ولاة أمره ؛ ويمشي وراءهم مكبا على وجهه ؛ وفي جهاد الطلب لا في جهاد الدفع ؛ هذا إن كانت هذه الفئام من الناس ترى شرعية نوع من أنواع الجهاد في هذا الزمان أصلا !!!!
أما المجاهدون الموحدون فلا يلزمهم شيء من ذلك إذ هم يقولون للطواغيت : ( إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ).
- المسألة الثانية عشر : إن وصف الجهاد بالإرهاب ونعت المجاهدين بالإرهابيين ما هو إلا نزغة من نزغات شياطين الجن والإنس ،وهوى متبع من أهوائهم وافقهم وتابعهم عليه كثير من الذين لايعلمون ممن ينتسبون إلى جلدتنا؛ بل وبعضهم ينتسب إلى العلم والعلماء .. وهو لا شك من اتّباع هذه الأمة لسنن اليهود والنصارى الذي أخبر به الصادق المصدوق وحذر منه، وقد قال الله تعالى : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (الجاثـية:18)
وقد وجه الله تعالى أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم إلى مخالفة اليهود والنصارى في كل كلمة ومصطلح يتلاعبون به فقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (البقرة:104) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ).
فيجب على كل مسلم فضلا عن العلماء والدعاة أن يربأوا بأنفسهم عن استعمال هذه الألفاظ والمصطلحات التي هي بلا شك من سبيل المجرمين ومن أهواء الذين لايعلمون .
ولذا فإن تصريحات البعض بأن ما يقوم به المجاهدون من إرهاب !! ما هو إلا ثمرة من ثمرات الكبت والاضطهاد ؛يزول بزوال أسباب الظلم عنهم ،أوبحل مشاكلهم ،ورد أراضيهم المغتصبة ؛كل ذلك جهل وإسفاف صادر عمن لا يعرف حقيقة دين الإسلام وعقيدة الجهاد عند المسلمين ،وإنما يصلح تبريرا لإرهاب الكفار بعضهم لبعض ؛ أما ما شرعه الله من إرهابٍ وإرعابٍ لأعداء دينه؛ فليست بواعثه نفسية ولا هو من ردود الفعل العشوائية أو العكسية ؛ بل الدافع إليه طاعة الله ،وعقيدة مقدسة ،وجنة عرضها السماوات والأرض ..
فإرهاب أعداء الله من أعظم الفرائض عند المسلمين ،وتشريدهم والقعود لهم في كل مرصد من أوجب واجبات الإسلام ، وبعث الرعب فيهم من أخص خصائص المصطفى وسننه صلى الله عليه وسلم ..
فقول القرضاوي ( إن فلسطين هي ساحة المواجهة مع العدو الصهيوني ) قول سخيف لا يقوله عالم بدين الإسلام عارف بأحكام الجهاد ؛ بل الحق جواز بل وجوب قتال اليهود وأحلافهم في كل بقاع الأرض حتى لو كانوا في حرم الله لأن جهادهم جهاد دفع ولأنهم محاربون معتدون محتلون لبلاد المسلمين ..
- المسألة الثامنة : إن وجود المسلمين أو وجود مصالح لبعضهم في ديار الكفر لا يمنع من جهاد الكفار ؛ نعم إن كانوا متميزين وأمكن تجنب قتلهم فذلك واجب لحرمة دم المسلم حيث كان ما لم يقترف ما يقطع العصمة، لكن وجودهم لا يجوز أن يصير ذريعة وسببا لتعطيل جهاد الكفار بدعوى أنهم سيتضررون أو ستتضرر دنياهم ومصالحهم بسبب الجهاد !! تماما مثلما أن وجود المسلمين في قلسطين المحتلة لا يعطل جهاد اليهود؛ بل هو في جهاد الكفار في ديار الكفر الأصلية أولى..
فليس من عالم ولا جاهل يمنع اليوم من جهاد اليهود أو يبطله بدعوى أن في فلسطين المحتلة مسلمين مستضعفين قد يصابون في القتال أو يتضررون ويؤذون وتهدم منازلهم بسبب الجهاد.. فكذلك الشأن في سائر بلاد الحرب والكفر الأصلية ؛ بل هو جائز فيها من باب أولى؛ وأولى أن لا يمنع أو يعطل الجهاد هناك بدعوى وجود المسلمين ومصالحهم ..
إذ بلاد المسلمين المحتلة أغلبيتها من المسلمين المستضعفين المعذورين في إقامتهم ؛وإقامة المسلم في بلده التي دهمها الكفار واحتلوها لا حرج فيها إن كان من المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ..أو كان مقيما على العمل لأجل تخليصها من الكفار ، بخلاف إقامته في ديار الكفر الأصلية لغير ضرورة أولأجل غايات ومصالح دنيوية فإنها مذمومة غير مشروعة ..
قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (النساء:97)
وفي الحديث الذي يرويه الترمذي وغيره عن جرير بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود ، فأسرع فيهم القتل ،فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأمر لهم بنصف العقل ؛ وقال : أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا: يا رسول الله ولم ؟ قال : لا ترايا ناراهما).
وفي رواية النسائي : ( .. برئت الذمة ممن أقام بين المشركين )
وعليه فإن ما يشقشق به رهبان السلاطين ومشايخ الفضائيات من إعمال قاعدة المفاسد والمصالح هاهنا ؛ إنما يمرروه ويسخروه لمصالحهم الدنيوية !! لا لمصالح الدين العظيمة والضرورية ؛ومعلوم لكل أحد أن مصلحة التوحيد والدين والجهاد الكلية العامة ؛ مقدمة على المصالح الشخصية الدنيوية .. فليعتبر هذا كل مخلص عند الموازنة بين المفاسد أوالمصالح .. وليعلم أن الله عز وجل قد بين في كتابه أن الفساد الذي قد يحصل من الجهاد ومدافعة الكفار؛ لا شيء مقارنة بالفساد الحاصل في ترك الجهاد ، ولذلك نبه سبحانه على مفاسد ترك الجهاد وأهمل ذكر ما قد يقع من المفاسد بسبب الجهاد ،فقال عز وجل : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ )
وقال : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )(الحج: من الآية40)
- المسألة التاسعة : إن من المعروف لكل أحد أن ديننا ينهى عن تقصد قتل الصبيان والنساء غير المقاتلات ،ووصايا النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده للغزاة بعدم تعمد قتلهم معلومة مشهورة ،لا داعي لسردها وذكرها هنا ، ولذلك فقد كنا نوصي دوما إخواننا المجاهدين بعدم تقصد قتلهم أو تعمد الإغارة على تجمعاتهم ولو كانوا من اليهود المحتلين لفلسطين ، والتركيز دوما على الأهداف العسكرية والسياسية والمهمة التي تحدث نكاية شديدة في أعداء الله .. لكن هاهنا ثلاثة أمور يجهلهما كثير من الناس يجب التنبيه عليها :
- الأول : جواز قتل النساء والصبيان في الإغارة والتبييت وعند تعذر تجنبهم في معمعة القتال أو خلال الهجمات على مواقع العدو الهامة أو أركانه و تجمعاته ..
ومن أوضح الأدلة الدالة على ذلك حديث الصعب بن جثامة في الصحيح قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال: ( هم منهم لا حمى إلا حمى الله ورسوله )
ويدل على هذا دلالة ظاهرة أيضا نصب النبي صلى الله عليه وسلم للمنجنيق على أهل الطائف ، ومعلوم أنه من جنس رماية الطائرات ؛يتسبب بحرق البيوت وهدمها ويصعب الاحتراز في مثله عن الصبيان أو الشيوخ أو النساء من غير المقاتلات ؛ خاصة عندما ينصب على المدن ..
فعلم من هذا أن النهي عن قتل الذراري ونحوهم إنما يراد به تقصد آحادهم مع المقدرة على اجتنابهم ،أو تقصد التجمعات المختصة بهم كرياض الأطفال ومدارسهم وحافلاتهم ..
أما ما يقع من ذلك عرضا في معمعة القتال فمعفو عنه ولا حرج على المجاهدين فيه ؛ إذ هو مما يعسر تجنبه والاحتراز منه ، ولو كان ذلك مقصودا بالنهي لتعطل الجهاد ولما أمكن غزو الكفار وقتالهم ..
وهذا الأمر يشقشق به علماء الفتنة ليشنعوا به على المجاهدين وليثبطوا عن الجهاد ؛ ويتغافلون أن الحروب لا بد فيها من ذلك .. وأن المهم أن لا نتعمد نحن ونتقصد قتل الأطفال ونحوهم .. وإلا فالعرب تقول : القتل أنفى للقتل .
ويقول شاعرهم :
بسفك الدما يا صاحبي تحقن الدما وبالقتل ينجوا الناس من غبة القتل
وهي حقيقة يعرفها الكفار أنفسهم وإن تعامى عنها للصد عن الجهاد رهبان الحكومات ؛ فقد قال قائد أركان الجيش الأمريكي في بداية حملتهم الجوية على أفغانستان عندما وُوجه بسقوط كثير من الأطفال والمدنيين في صفوف القتلى الأفغان ؛ قال : هذه هي الحرب !! ولا بد في الحرب من خسائر في صفوف المدنيين ..
فسحقا لكل كاهن كان هذا الصليبي أفقه منه !!
- الأمر الثاني : أن كثيرا ممن يسمون اليوم في قوانين وأعراف أهل العصر أطفال، هم في الحقيقة ليسوا كذلك في حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم يدل على ذلك أدلة كثيرة إليك واحدا منها؛ وهو ما رواه الترمذي عن عطية القرظي قال عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلي سبيله فكنت ممن لم ينبت فخلي سبيلي. قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أنهم يرون الإنبات بلوغا إن لم يعرف احتلامه ولا سنه وهو قول أحمد وإسحق ..
فدل على أن حد التكليف هو ما يعلم به البلوغ من الاحتلام أو الانبات وهذا قد يكون في سن أقل بكثير من السن التي يصفونها اليوم بالقانونية وهي سن الثامنة عشر فيمكن أن يحصل في سن الثانية عشرة بل ودونها أحيانا ..
أضف إلى هذا أن الرجال الحربيين غير الزمنى ولا الشيوخ لا يوجد ما يمنع شرعا من قتلهم ولو لم يكونوا مباشرين للقتال .. وهو أمر بين معروف في ديننا نفاخر ونجاهر به ولا نستحيي من التصريح به .. قال تعالى : ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ) وقال سبحانه : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ )
ويخير الإمام في الأسرى منهم ما بين المن أو الفداء أو القتل أو الإسترقاق ..
- الأمر الثالث : أن النساء والصبيان والشيوخ إذا شاركوا في القتال فحكمهم حكم المقاتلين، وكذا كل من أعان المقاتلين بأي نوع من أنواع الإعانة ولو بالمشورة والرأي والحرب الإعلامية والتخذيل ونحو ذلك فحكمه حكم المباشرين للقتال ؛ فقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على أن حكم الردء حكم المباشر ..
قال ابن عبد البر في الاستذكار : ( لم يختلف العلماء فيمن قاتل من النساء والشيوخ أنه مباح قتله ، ومن قدر على القتال من الصبيان وقاتل قتل ). الاستذكار ( 14 / 74 ) .
وقال في التمهيد : ( وأجمعوا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل دريد بن الصمة يوم حنين لأنه كان ذا رأي ومكيدة في الحرب ، فمن كان هكذا من الشيوخ قتل عند الجميع.)أهـ.( 16 / 142 ) وكان دريد وقتها شيخا طاعنا في السن قد سقط حاجباه على عينيه وكانت هوازن استصحبته معها في القتال محمولا وهو أعمى..
ونقل النووي في شرح مسلم في كتاب الجهاد الإجماع على أن شيوخ الكفار إن كان فيهم رأي قتلوا .
وذكر ابن قدامة الإجماع على إباحة قتل النساء والصبيان وكبار السن إذا أعانوا أقوامهم ، وذكر أن حكم الردء حكم المباشر وعلل استواء الردء بالمباشر في أحكام المحاربة ؛ بكون الحرابة مبنية على حصول المنعة والمعاضدة والمناصرة ، فلا يتمكن المباشر من فعله إلا بقوة الردء …
ولذا قال ابن العربي في أحكام القرآن (1/148-150) : ( اتفق أكثر العلماء على أن الردء يحكم فيه بحكم المقاتل ) .
ونص عليه أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية كما ذكر أن أعوان الطائفة الممتنعة وأنصارها منها.
- المسألة العاشرة : إن الأصل في دم المسلم وماله ولو كان من أفجر الناس العصمة والحرمة ولا يباح للكفار بحال بأي طريقة من الطرق ؛ يدل على ذلك ما رواه البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الحج الأكبر : ( أي يوم هذا ؟ قال الراوي : فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه ، قال : أليس يوم النحر ؟ قلنا : بلى. قال : فأي شهر هذا ؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه . فقال : أليس بذي الحجة ؟ قلنا : بلى . قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ..) فلا يحل منح دم امريء مسلم لكافر ، ( فالإسلام يعلو ولا يعلى ) ولا يحل حفظ الدم المباح المهدور وحمايته بالدم المعصوم !!
وأيضا قال الله تعالى : ( وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاما) وهذا في السفاهة الصغرى التي هي قصور العقل وسوء التدبير ؛ فكيف بالسفاهة الكبرى التي يحويها الكفر والإشرك بالله ( وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ ) ؟؟ لا شك أن هذا النوع من السفاهة والتي تنطوي على خبث الطوية والمكر ؛ تدخل في النهي الوارد في الآية الأولى من باب أولى ، ويؤكد هذا قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (لأنفال:36)
ومنه يتبين بطلان ما دعا إليه القرضاوي المسلمين من التبرع بالدم والمال لصالح ضحايا الهجمات في الولايات المتحدة الأمريكية..
فهل يريد علماء السوء أن يدعم المسلمون أعداء الله بالمال بل وبالدم لينفقوا ذلك ويتقووا به في الصد عن دين الله وفي حرب أولياء الله ؟؟
- المسألة الحادية عشر : الجهاد فريضة إسلامية ماضية إلى يوم القيامة لا يبطلها أحد أويوقفها قانون ..
ففي حديث البخاري ( الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة الأجر والمغنم)
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : ( وفيه بشرى ببقاء الإسلام وأهله إلى يوم القيامة ، لأن من لازم بقاء الجهاد بقاء المجاهدين وهم المسلمون ، وهو مثل الحديث الآخر ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق )أهـ.من كتاب الجهاد والسير(باب الجهاد ماض مع البر والفاجر)
فلا تزال طائفة من هذه الأمة قائمة بأمر الجهاد ولو تكالبت على عدائهم وحرب دينهم الأمم كلها ورمتهم جميعها بقوس العداوة والمكر والإرصاد ..
ففي الحديث المتواتر المروي عن بضع عشر صحابيا بألفاظ متقاربة أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه:
( لا تزال طائفة من هذه الأمة ؛ يقاتلون على الحق ،ظاهرين على أمر الله ،لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى يوم القيامة )
فليس لأحد منع الجهاد أو ربطه بإذن أحد من البشر خصوصا جهاد الدفع الذي يتعين على كل أحد ؛ فيجب على الولد دون إذن والديه والمدين دون إذن دائنه ؛هذا فضلا عن أن يربط الجهاد بإذن الطواغيت الذين أماتوه وأبطلوه وامتنعوا عنه ومنعوا الناس منه ؛ ولذلك فليس لما هرف به وزير الأوقاف السعودي وغيره في هذا الاتجاه مستند شرعي ؛اللهم إلا أن يقصدوا بذلك الشرعية الدولية الشركية !! التي تحرم الجهاد وتصفه بالإرهاب والتي يجعجع بها دوما ولاة أمورهم لا شريعة التوحيد الإسلامية .. ومن ثم فهذا إنما يلزم من يعتقد أن أولئك الطواغيت ولاة أمره ؛ ويمشي وراءهم مكبا على وجهه ؛ وفي جهاد الطلب لا في جهاد الدفع ؛ هذا إن كانت هذه الفئام من الناس ترى شرعية نوع من أنواع الجهاد في هذا الزمان أصلا !!!!
أما المجاهدون الموحدون فلا يلزمهم شيء من ذلك إذ هم يقولون للطواغيت : ( إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ).
- المسألة الثانية عشر : إن وصف الجهاد بالإرهاب ونعت المجاهدين بالإرهابيين ما هو إلا نزغة من نزغات شياطين الجن والإنس ،وهوى متبع من أهوائهم وافقهم وتابعهم عليه كثير من الذين لايعلمون ممن ينتسبون إلى جلدتنا؛ بل وبعضهم ينتسب إلى العلم والعلماء .. وهو لا شك من اتّباع هذه الأمة لسنن اليهود والنصارى الذي أخبر به الصادق المصدوق وحذر منه، وقد قال الله تعالى : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) (الجاثـية:18)
وقد وجه الله تعالى أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم إلى مخالفة اليهود والنصارى في كل كلمة ومصطلح يتلاعبون به فقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (البقرة:104) وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم ).
فيجب على كل مسلم فضلا عن العلماء والدعاة أن يربأوا بأنفسهم عن استعمال هذه الألفاظ والمصطلحات التي هي بلا شك من سبيل المجرمين ومن أهواء الذين لايعلمون .
ولذا فإن تصريحات البعض بأن ما يقوم به المجاهدون من إرهاب !! ما هو إلا ثمرة من ثمرات الكبت والاضطهاد ؛يزول بزوال أسباب الظلم عنهم ،أوبحل مشاكلهم ،ورد أراضيهم المغتصبة ؛كل ذلك جهل وإسفاف صادر عمن لا يعرف حقيقة دين الإسلام وعقيدة الجهاد عند المسلمين ،وإنما يصلح تبريرا لإرهاب الكفار بعضهم لبعض ؛ أما ما شرعه الله من إرهابٍ وإرعابٍ لأعداء دينه؛ فليست بواعثه نفسية ولا هو من ردود الفعل العشوائية أو العكسية ؛ بل الدافع إليه طاعة الله ،وعقيدة مقدسة ،وجنة عرضها السماوات والأرض ..
فإرهاب أعداء الله من أعظم الفرائض عند المسلمين ،وتشريدهم والقعود لهم في كل مرصد من أوجب واجبات الإسلام ، وبعث الرعب فيهم من أخص خصائص المصطفى وسننه صلى الله عليه وسلم ..
زاهدة
•
قال تعالى : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ )(الأنفال: من الآية60)
وقال سبحانه: ( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأنفال:57) وقال عز من قائل: ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ )(التوبة: من الآية5)
وقال عز وجل : ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ )
وفي الحديث الصحيح : ( نصرت بالرعب مسيرة شهر )
المسألة الثالثة عشر : جواز بل استحباب الإغلاظ على الكفار والمحاربين والمرتدين في الجهاد، والتنكيل بهم لتشريد من خلفهم وإرهابهم وإرهاب من تسول له نفسه أن يسلك مسلكهم في حرب أهل الإسلام أو الاعتداء على حرماتهم .. يدل على ذلك قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (التوبة:73) وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) (التوبة:123) وقوله عز وجل : ( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ )
وقوله تعالى : ( فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (لأنفال:12)
وفي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا فاجتووا المدينة فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا؛ فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ؛ثم لم يحسمهم حتى ماتوا . وفي رواية وتركهم في الحرة يستسقون ولا يسقون حتى ماتوا ..
وقد جاء في بعض الروايات أنه إنما سمل أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة .. فالشدة والغلظة والقسوة ممدوحة مشروعة في مكانها مع كل محارب لدين الله ..
وأين هذا من قول ذلك القرضاوي وزعمه : ( إن الكتاب والسنة وفقه أئمة المسلمين، وروح الحضارة الإسلامية، ينكر كل الإنكار أي عمل يتسم بالقساوة والوحشية، ويفتقد الإنسانية )
لا أشك أنه وأمثاله من علماء الفتنة يضيقون ذرعا بأمثال هذه الأحاديث التي شرعت القسوة والشدة والغلظة على أعداء الله ؛ ويتمنون لو يقدرون على إخفائها كما فعل المغضوب عليهم من رهبان اليهود في توراتهم التي استحفظوا عليها فلم يحفظوها..
ولذلك فإن انجع رد على هؤلاء الكهان يكون بتطبيق أحكام الجهاد وإعمالها في المحاربين، وأقوى إجابة على شقشقاتهم هم ومقلدتهم المخذلين ؛هي الإعراض عنهم والاستقامة على ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف الطائفة المقاتلة القائمة بدين الله من أنها تقاتل على أمر الله لا يضرها من خالفها ولا من خذلها..
فلا ينبغي للمجاهدين أن يضيعوا أوقاتهم مع هؤلاء الخوالف أو يتضرروا بتلبيساتهم المفضوحة ،أو يلتفتوا إلى شبهاتهم المكشوفة ؛ كلا ؛ بل إن ألجَم جواب وأشفَى دواء لهم ، يميتهم في غيظهم ؛ ثبات المجاهدين على هذا الجهاد ومواصلتهم قتل وذبح أعداء الدين ..
المسألة الرابعة عشر : أن الفرح والاستبشار بهلاك الكفار وهزائمهم، ومصارع الطواغيت وأذنابهم؛ أمر مشروع جائز ؛ بل هو من خصال المؤمنين كما ذكر الله تعالى عن خيرتهم فقال : ( الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم )
وقد قال تعالى : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) (التوبة:14)
وكيف لا يفرح المسلم بهلاك ودمار اليهود وأحلافهم من الصليبيين وهم يحاربون الإسلام والمسلمين ليل نهار، ووالله لو لم يكن في ذلك إلا الثأر للعالم المجاهد الأسير في سجون أمريكا الشيخ عمر عبد الرحمن لكفى بذلك ذريعة وسببا للفرح والاستبشار بما حل بأمريكا ..
ولو لم يكن في ذلك إلا الثأر لتلك المسلمة المحجبة التي تناقلت وكالات الأنباء صورتها قبل هذه الهجمات بأيام قلائل في إسرائيل ربيبة أمريكا ؛ ويهودية تحاول نزع حجابها عن رأسها وابن اليهودية يركلها بقدمه ؛ويهود وجندهم يتفرجون فرحين بهذا المنظر ؛ أقول لو لم يكن في تلك الهجمات إلا الثأر لهذه المسلمة وأمثالها من المسلمات اللاتي يهن ويعتدى عليهن ليل نهار؛ برعاية ودعم من أمريكا؛ لكفى بذلك مدعاة للفرح بتلك الهجمات ..
فكيف والخطب أعظم من هذا وحرب أمريكا وحلفائها لدين الله على أشدها في كل مكان ؟؟
- المسألة الخامسة عشر : على كل مسلم أن يوقن أن النصر قادم لأهل هذا الدين ولو تكالبت عليهم الأمم ،وأن المستقبل للإسلام ولو كره المشركون .. قال الله تعالى : ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (التوبة : 32-33)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولايترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين ، بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام ، وذلا يذل الله به الكفر) رواه أحمد في مسنده
وفي الحديث الذي يرويه الإمام أحمد يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ماشاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، ثم سكت . )
فنبشر إخواننا المسلمين في أفغانستان وفي كل مكان إن هم اعتصموا بحبل الله المتين واستقاموا على سبيل المؤمنين وتطهروا من سبل المجرمين ؛ بما بشر الله به عباده المؤمنين حيث قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) (محمد:7-8)
وقال سبحانه : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (النور:55) ( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (آل عمران:139) وليتذكروا قول الله سبحانه : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين * ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئاً يريد الله ألاّ يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم )
وقوله عز وجل : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً ).
وقوله تعالى : ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )
وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى يا منزل الكتاب ، ويا مجري السحاب ، ويا هازم الأحزاب ، أن تهزم اليهود والنصارى وكل من حالفهم وناصرهم على المسلمين ،اللهم شتت شملهم واجعل الدائرة عليهم واجعل تدميرهم في تدبيرهم ورد كيدهم في نحورهم ومزقهم كل ممزق ، اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا واجعل ما في أيديهم غنيمة للمسلمين ، اللهم انصر دينك وأعز أولياءك ومكن لعبادك الموحدين اللهم وفك أسر إخواننا المأسورين في أمريكا وغيرها، واجعل لنا ولهم من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتب / أبو محمد المقدسي
شعبان 1422هـ.
وقال سبحانه: ( فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأنفال:57) وقال عز من قائل: ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ )(التوبة: من الآية5)
وقال عز وجل : ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ )
وفي الحديث الصحيح : ( نصرت بالرعب مسيرة شهر )
المسألة الثالثة عشر : جواز بل استحباب الإغلاظ على الكفار والمحاربين والمرتدين في الجهاد، والتنكيل بهم لتشريد من خلفهم وإرهابهم وإرهاب من تسول له نفسه أن يسلك مسلكهم في حرب أهل الإسلام أو الاعتداء على حرماتهم .. يدل على ذلك قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (التوبة:73) وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) (التوبة:123) وقوله عز وجل : ( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ )
وقوله تعالى : ( فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (لأنفال:12)
وفي الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم نفر من عكل فأسلموا فاجتووا المدينة فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا؛ فارتدوا وقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ؛ثم لم يحسمهم حتى ماتوا . وفي رواية وتركهم في الحرة يستسقون ولا يسقون حتى ماتوا ..
وقد جاء في بعض الروايات أنه إنما سمل أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة .. فالشدة والغلظة والقسوة ممدوحة مشروعة في مكانها مع كل محارب لدين الله ..
وأين هذا من قول ذلك القرضاوي وزعمه : ( إن الكتاب والسنة وفقه أئمة المسلمين، وروح الحضارة الإسلامية، ينكر كل الإنكار أي عمل يتسم بالقساوة والوحشية، ويفتقد الإنسانية )
لا أشك أنه وأمثاله من علماء الفتنة يضيقون ذرعا بأمثال هذه الأحاديث التي شرعت القسوة والشدة والغلظة على أعداء الله ؛ ويتمنون لو يقدرون على إخفائها كما فعل المغضوب عليهم من رهبان اليهود في توراتهم التي استحفظوا عليها فلم يحفظوها..
ولذلك فإن انجع رد على هؤلاء الكهان يكون بتطبيق أحكام الجهاد وإعمالها في المحاربين، وأقوى إجابة على شقشقاتهم هم ومقلدتهم المخذلين ؛هي الإعراض عنهم والاستقامة على ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف الطائفة المقاتلة القائمة بدين الله من أنها تقاتل على أمر الله لا يضرها من خالفها ولا من خذلها..
فلا ينبغي للمجاهدين أن يضيعوا أوقاتهم مع هؤلاء الخوالف أو يتضرروا بتلبيساتهم المفضوحة ،أو يلتفتوا إلى شبهاتهم المكشوفة ؛ كلا ؛ بل إن ألجَم جواب وأشفَى دواء لهم ، يميتهم في غيظهم ؛ ثبات المجاهدين على هذا الجهاد ومواصلتهم قتل وذبح أعداء الدين ..
المسألة الرابعة عشر : أن الفرح والاستبشار بهلاك الكفار وهزائمهم، ومصارع الطواغيت وأذنابهم؛ أمر مشروع جائز ؛ بل هو من خصال المؤمنين كما ذكر الله تعالى عن خيرتهم فقال : ( الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم )
وقد قال تعالى : ( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ) (التوبة:14)
وكيف لا يفرح المسلم بهلاك ودمار اليهود وأحلافهم من الصليبيين وهم يحاربون الإسلام والمسلمين ليل نهار، ووالله لو لم يكن في ذلك إلا الثأر للعالم المجاهد الأسير في سجون أمريكا الشيخ عمر عبد الرحمن لكفى بذلك ذريعة وسببا للفرح والاستبشار بما حل بأمريكا ..
ولو لم يكن في ذلك إلا الثأر لتلك المسلمة المحجبة التي تناقلت وكالات الأنباء صورتها قبل هذه الهجمات بأيام قلائل في إسرائيل ربيبة أمريكا ؛ ويهودية تحاول نزع حجابها عن رأسها وابن اليهودية يركلها بقدمه ؛ويهود وجندهم يتفرجون فرحين بهذا المنظر ؛ أقول لو لم يكن في تلك الهجمات إلا الثأر لهذه المسلمة وأمثالها من المسلمات اللاتي يهن ويعتدى عليهن ليل نهار؛ برعاية ودعم من أمريكا؛ لكفى بذلك مدعاة للفرح بتلك الهجمات ..
فكيف والخطب أعظم من هذا وحرب أمريكا وحلفائها لدين الله على أشدها في كل مكان ؟؟
- المسألة الخامسة عشر : على كل مسلم أن يوقن أن النصر قادم لأهل هذا الدين ولو تكالبت عليهم الأمم ،وأن المستقبل للإسلام ولو كره المشركون .. قال الله تعالى : ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) (التوبة : 32-33)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولايترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين ، بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام ، وذلا يذل الله به الكفر) رواه أحمد في مسنده
وفي الحديث الذي يرويه الإمام أحمد يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ماشاء الله أن تكون ، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ، ثم سكت . )
فنبشر إخواننا المسلمين في أفغانستان وفي كل مكان إن هم اعتصموا بحبل الله المتين واستقاموا على سبيل المؤمنين وتطهروا من سبل المجرمين ؛ بما بشر الله به عباده المؤمنين حيث قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) (محمد:7-8)
وقال سبحانه : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) (النور:55) ( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) (آل عمران:139) وليتذكروا قول الله سبحانه : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم * إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين * ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئاً يريد الله ألاّ يجعل لهم حظاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم )
وقوله عز وجل : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً ).
وقوله تعالى : ( كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )
وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى يا منزل الكتاب ، ويا مجري السحاب ، ويا هازم الأحزاب ، أن تهزم اليهود والنصارى وكل من حالفهم وناصرهم على المسلمين ،اللهم شتت شملهم واجعل الدائرة عليهم واجعل تدميرهم في تدبيرهم ورد كيدهم في نحورهم ومزقهم كل ممزق ، اللهم احصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا واجعل ما في أيديهم غنيمة للمسلمين ، اللهم انصر دينك وأعز أولياءك ومكن لعبادك الموحدين اللهم وفك أسر إخواننا المأسورين في أمريكا وغيرها، واجعل لنا ولهم من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا.
وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتب / أبو محمد المقدسي
شعبان 1422هـ.
زاهدة
•
فتاوى متعلقة بالموضوع
السؤال الأول :
الشيخ أبا محمد المقدسي حفظه الله
سمعت بعض مشايخ السعودية عبر أسئلة وجهت له في الاذاعة يفتي بجواز تسليم أسامة بن لادن من قبل حكومة مسلمة للأمريكان الصليبيين ما دامت تلك الدولة معاهدة لأمريكا وأن ذلك لا حرج شرعا فيه مستدلا برد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليمه لأبي جندل وأبي بصير بسبب العهد الذي كان بين المسلمين والكفار ..
فأرجو إفادتي في هذا الأمر هل بالفعل هو جائز ومستثنى من مظاهرة المشركين وتوليهم وهل هذا الاستدلال صحيح ؟؟
الجواب :
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
اعلم هدانا الله وإياك إلى الحق المبين أنه لا وجه لمقايسة وتشبيه عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية بمواثيق وعهود واتفاقيات طواغيت الحكم اليوم مع أمريكا أو غيرها من الدول المتحدة والمتحالفة على حرب الإسلام وأهله لوجوه ..
- أولها : أن الله تعالى سمى صلح الحديبية فتحا مبينا ، روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) قال : الحديبية . ويصدق ذلك أن هذه الآية نزلت عند منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية كما في البخاري أيضا من حديث عمر رضي الله عنه . ولاشك أنها أعظم فتح للمسلمين حتى ذلك الوقت ؛إذ قد ترتب عليها من المصالح الشرعية الشيء الكثير، فمن أوضح ذلك ما عقبها من التفرغ لفتح خيبر ومغانمها ثم فتحت مكة بعد ذك بسنين ، ومنها انتشار دعوة الاسلام ودخول الناس فيه فإنه صلى الله عليه وسلم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنين إلى فتح مكة في عشرة آلاف ، وغير ذلك من الفوائد التي عددها العلماء ..
- ثانيها : أن صلح الحديبية كان صلحا مؤقتا محدودا ، بخلاف عهود واتفاقات طواغيت الكفر اليوم مع اليهود والنصارى فإنها عهود مطلقة ألغت الجهاد وعقدت أواصر الأخوة بين المتعاهدين فليس لهذه العهود مثال مشروع في دين الإسلام ..
- ثالثها : أن حقيقة العلاقة بين الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين اليوم وبين أمريكا ليست تلك العلاقة الندية والمواجهة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أعدائه من كفار قريش ؛ بل علاقتهم علاقة تول وتبعية وعمالة ؛ فطواغيت الحكم في بلادنا أذناب لأمريكا يظاهرونهم على كل عدو لهم ولو كان من خيار الموحدين أو من خلاصة المجاهدين ..
- رابعها : أن الشرط الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول الامام الشافعي لم يكن على أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بتسليم أحد من المؤمنين للكفار - كلا ومعاذ الله – ولم يفعل صلى الله عليه وسلم شيئا من ذلك لافي هذا الصلح ولا في غيره طوال حياته ؛ بل كان المقصود منه أن لا يمتنع ذلك المسلم بقوة المسلمين بأن لا يستقبله المسلمون ويأووه في دارهم أو يمنعوا الكفار من رده ؛ ومن ادعى خلاف ذلك قيل له : أين في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألقى القبض على من جاءه من المسلمين فارا ثم سلمه إلى الكفار طبقا لاتفاقية معينة ؛ بل الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتذر للمهاجرين بعد ذلك الصلح من استقبالهم ؛ ويبشرهم أن الله جاعل لهم فرجا .. كما هو واضح من فعله مع أبي بصير .. ولم يكن يظاهر الكفار عليهم بحال بأن يقبض لهم عليهم أو يلاحقهم ويدل عليه دلالة واضحة انه لم يتعرض لأبي بصير بشيء بعد فراره من الرجلين وقتله أحدهما ، ولا حتى أنكر عليه ..
ولذا قال الشافعي في الأم ( 4/112) : ( إذا صالح الإمام على أن يبعث إليهم بمن كان يقدر على بعثه منهم ممن لم يأته لم يجز الصلح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث إليهم منهم بأحد ولم يأمر أبا بصير ولا أصحابه بإتيانهم وهو يقدر على ذلك ، وإنما معنى رددناه إليكم لم نمنعه كما نمنع غيره ) أهـ.
وقال ابن القيم في زاد المعاد ( 3/141) : ( ولما صالحهم على رد الرجال ،كان يُمَكّنهم أن يأخذوا من أتى إليه منهم ،ولا يكرهه على العود ،ولا يأمره به ،وكان إذا قتل منهم،أوأخذ مالاً ،وقد فصل عن يده ولما يلحق بهم لم ينكر عليه ذلك ولم يضمنه لهم ؛ لأنه ليس تحت قهره ولا في قبضته ولا أمر بذلك ، ولم يقتض عقد الصلح الأمان على النفوس والأموال إلا عمن هو تحت قهره وفي قبضته .. ) أهـ.
- خامسها : القول بخصوصية قبول مثل ذلك الشرط بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق من سيردهم عند قبوله بذلك الشرط : (ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا.)
وهذا خبر منه صلى الله عليه وسلم بغيب يعلل قبوله مثل ذلك الشرط ؛ وهو صلى الله عليه وسلم مقطوع بصدقه ؛ ومن ثم فلا يجوز قبول مثل هذا الشرط في العهود إلا لمن اطلع على الغيب ؛ ولا يدعي ذلك بعده من البشر أحد إلا كفر .. قال تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول ).
- سادسها : أن ما يصدر الآن من طواغيت الكفر إمعانا في حرب الإسلام وأهله وإخلاصا في تولي أوليائهم الصليبيين ومظاهرتهم على المسلمين ؛ هو ملاحقة من يسمونهم برعاياهم أو مواطنيهم ممن يصفونهم بالارهابيين في كل أرجاء المعمورة وليس فقط داخل حدود الدولة التي يحكمها الطاغوت وحسب ؛ ومن ثم تصفيتهم أو محاكمتهم بأحكامهم الكافرة أو تسليمهم لأمريكا .. وهي الصورة المسؤول عنها في نص السؤال إذ الشيخ أسامة ومن معه من المجاهدين خارج حدود دولهم وقد برؤوا من ولايتها وتبعيتها ..
وهذا شيء لم يكن له وجود في صلح الحديبية أبدا بل على العكس فقد أوى أولئك المستضعفون من المسلمين الذين لم يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من استقبالهم وإيوائهم بسبب العهد ؛ ولجؤوا إلى الجبال وأخذوا يقطعون على قريش قوافلها يقتلون ويغنمون ويمارسون إرهاب أعداء الله في أبهى صوره ؛ومع هذا لم يتعرض لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نهاهم أو أنكر عليهم ؛فضلا عن أن يقوم – وحاشاه – بما يقوم به حكام الزمان من ملاحقة أمثالهم أو قتلهم وقتالهم أو العمل على تسليمهم للكفار .. فأعمالهم تلك كانت خارجة عن ولايته السياسية ولا يؤاخذ بها حتى عند كفار الجاهلية الأولى ؛ بل قد دل صلى الله عليه وسلم أبا بصير على ذلك وأومأ به إليه بقوله : ( ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال ) وذلك لما قتل أبو بصير أحد الرجلين اللذان أرادا رده إلى قريش .. وتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلق القبض على أبي بصير ولا رده أو سلّمه لكفار قريش بعد أن قتل أحد الرجلين وفر الآخر الى النبي صلى الله عليه وسلم وجاء أبو بصير في إثره إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ بل اكتفى النبي بتلك العباره ففهمها أبا بصير وانطلق إلى مأوى يعصمه هو وأمثاله من المستضعفين في هذا الظرف الخاص ..
وهذا يعرفك أن ذلك لم يكن هو حقيقة الشرط والعهد الذي كان بينه وبين الكفار كما ذكر الشافعي وأنه لا يحل لمن يدعي الإسلام من حاكم أو محكوم القبول به أو إمضاؤه.
قال الإمام أبو محمد ابن حزم في محلاه : ( 932- مسألة وكذلك لو نزل أهل الحرب عندنا تجارا بأمان أو رسلا أو مستجيرين أو ملتزمين لأن يكونوا ذمة لنا فوجدنا بأيديهم أسرى مسلمين أو أهل ذمة أو عبيدا أو إماء للمسلمين أو مالا لمسلم أو لذمي؛ فإنه ينتزع كل ذلك منهم بلا عوض أحبوا أم كرهوا ويرد المال إلى أصحابه ولا يحل لنا الوفاء بكل عهد أعطوه على خلاف هذا؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) ونسأل من خالفا ما يقول لو عاهدناهم على أن لا نصلي أو لا نصوم ؟؟؟.. "
ثم ذكر قول من قال من الفقهاء ببقاء الأسرى بأيدي الحربيين لو تذمّموا .. وقال : "وهذان القولان لا نعلم قولا أعظم فسادا منهما؛ ونعوذ بالله منهما، وليت شعري ما القول لو كان بأيديهم شيوخ مسلمون وهم يستحلون فعل قوم لوط أيتركون وذلك !!؟؟
أو لو أن بأيديهم مصاحف أيتركون يمسحون بها العذر عن أستاههم !!؟؟
نبرأ إلى الله تعالى من هذا القول أتم البراءة ونعوذ بالله من الخذلان"
ثم قال ( 7/307) : " مسألة فإن ذكروا حديث أبي جندل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رده على المشركين فلا حجة لهم فيه لوجوه:
أولها : أنه عليه السلام رده ولم يكن العهد تم بينهم وهم لا يقولون بهذا.
والثاني : أنه عليه السلام لم يرده حتى أجاره له مكرز بن حفص من أن يؤذى .
والثالث: أنه عليه السلام قد كان الله تعالى أعلمه أنه سيجعل الله له فرجا ومخرجا ونحن لا نعلم ذلك.
والرابع: أنه خبر منسوخ نسخه قول الله تعالى بعد قصة أبي جندل: ( يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ) فأبطل الله تبارك وتعالى بهذه الآية عهدهم في رد النساء . ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك فأبطل العهد كله ونسخه بقوله تعالى: ( برآءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) وبقوله تعالى في براءة أيضا: ( كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ..الآية ) فأبطل تعالى كل عهد للمشركين حاشا الذين عاهدوا عند المسجد الحرام وبقوله تعالى: ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) وقال تعالى: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) فأبطل الله تعالى كل عهد ولم يقره؛ ولم يجعل للمشركين إلا القتل أو الإسلام ؛ولأهل الكتاب خاصة إعطاء الجزية وهم صاغرون ،وأمن المستجير والرسول حتى يؤدي رسالته ويسمع المستجير كلام الله ثم يردان إلى بلادهما ولا مزيد.
فكل عهد غير هذا فهو باطل منسوخ لا يحل الوفاء به لأنه خلاف شرط الله عز وجل وخلاف أمره.
روينا من طريق البخاري نا عبد الله بن محمد نا عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرني الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة وغيره فذكر حديث الحديبية وفيه فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ؛فقال سهيل :هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنا لم نقض الكتاب بعد. قال فوالله إذا لا أصالحك على شيء أبدا .فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :فأجزه لي قال ما أنا بمجيزه لك. قال: بلى فافعل. قال :ما أنا بفاعل، قال مكرز هو ابن حفص بن الأحنف : بل قد أجزناه لك .
فهذا خلاف قولهم كلهم وحديث أبي جندل حجة عليهم كما أوردنا ..
ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عفان هو ابن مسلم نا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاء منكم لم نرده عليكم ومن جاء منا رددتموه علينا. فقالوا: يا رسول الله أتكتب هذا ؟ قال: نعم؛ إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجا مخرجا.
وهذا خبر منه عليه السلام مقطوع بصدقه .)أهـ. .
وعليه فالاستشهاد بصلح الحديبية ومقايسته ومقايسة علاقة النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالكفار وتشبيهه بعهود طواغيت الحكم واتفاقاتهم مع أوليائهم ؛ قياس وتأصيل فاسد لوجود الفوارق المتشعبة بين الأصل والفرع الذي يراد إلحاقه به زورا وبهتانا ..
ومساواة صلح الحديبية الذي كان فيه ذلك الشرط بعهود التولي واتفاقات الأخوة والنصرة والمظاهرة التي يبرمها طواغيت الحكم مع كفار الغرب أو الشرق ؛والتي تُحرّم على المسلمين جهاد الكفار وتصفه بالارهاب ،وتجيز للطواغيت مظاهرة الكفار على الموحدين وحرب الاسلام والمسلمين ؛ مقدمة فاسدة وتأصيل خبيث خاطيء .
ومن ثم فلا يحل التفريع على ذلك التأصيل الخاطيء أوالبناء على تلك المقدمة الفاسدة ؛ بالاستدلال برد النبي صلى الله عليه وسلم لبعض المؤمنين في ذلك الصلح، فقد علمت معنى رده صلى الله عليه وسلم لهم ؛ وأنه ليس المعني الذي يريده طواغيت الحكم ويذهب إليه سدنتهم من علماء الضلالة .. كما عرفت الفوارق المتشعبة بين صلح الحديبية وبين اتفاقات وعهود الطواغيت ..
والخلاصة ؛ أنه لا يجوز ابتداء إبرام مثل هذه الاتفاقات التي تنص على تسليم المسلم للكفار؛ ولو أبرمت فهي باطلة فاسدة لا يحل تطبيقها لأنها مناقضة لدين الله الذي لا يبيح أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيلا ..
وأن حقيقة هذه الاتفاقيات أنها تول للمشركين ومظاهرة لهم على المسلمين؛ وذلك كفر بواح؛ الأدلة عليه ظاهرة معلومة في دين الله، وقد حشدنا بعضها في غير هذا الموضع من كتاباتنا المفصلة ..
أسأل الله تعالى أن ينصر عباده الموحدين وأن يخذل أعداءه أعداء الدين ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
كتبه / أبو محمد المقدسي
شعبان 1422هـ.
--------------------------------------------------------------------------------
السؤال الأول :
الشيخ أبا محمد المقدسي حفظه الله
سمعت بعض مشايخ السعودية عبر أسئلة وجهت له في الاذاعة يفتي بجواز تسليم أسامة بن لادن من قبل حكومة مسلمة للأمريكان الصليبيين ما دامت تلك الدولة معاهدة لأمريكا وأن ذلك لا حرج شرعا فيه مستدلا برد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليمه لأبي جندل وأبي بصير بسبب العهد الذي كان بين المسلمين والكفار ..
فأرجو إفادتي في هذا الأمر هل بالفعل هو جائز ومستثنى من مظاهرة المشركين وتوليهم وهل هذا الاستدلال صحيح ؟؟
الجواب :
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
اعلم هدانا الله وإياك إلى الحق المبين أنه لا وجه لمقايسة وتشبيه عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية بمواثيق وعهود واتفاقيات طواغيت الحكم اليوم مع أمريكا أو غيرها من الدول المتحدة والمتحالفة على حرب الإسلام وأهله لوجوه ..
- أولها : أن الله تعالى سمى صلح الحديبية فتحا مبينا ، روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا ) قال : الحديبية . ويصدق ذلك أن هذه الآية نزلت عند منصرف النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية كما في البخاري أيضا من حديث عمر رضي الله عنه . ولاشك أنها أعظم فتح للمسلمين حتى ذلك الوقت ؛إذ قد ترتب عليها من المصالح الشرعية الشيء الكثير، فمن أوضح ذلك ما عقبها من التفرغ لفتح خيبر ومغانمها ثم فتحت مكة بعد ذك بسنين ، ومنها انتشار دعوة الاسلام ودخول الناس فيه فإنه صلى الله عليه وسلم خرج في الحديبية في ألف وأربعمائة ثم خرج بعد سنين إلى فتح مكة في عشرة آلاف ، وغير ذلك من الفوائد التي عددها العلماء ..
- ثانيها : أن صلح الحديبية كان صلحا مؤقتا محدودا ، بخلاف عهود واتفاقات طواغيت الكفر اليوم مع اليهود والنصارى فإنها عهود مطلقة ألغت الجهاد وعقدت أواصر الأخوة بين المتعاهدين فليس لهذه العهود مثال مشروع في دين الإسلام ..
- ثالثها : أن حقيقة العلاقة بين الأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين اليوم وبين أمريكا ليست تلك العلاقة الندية والمواجهة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أعدائه من كفار قريش ؛ بل علاقتهم علاقة تول وتبعية وعمالة ؛ فطواغيت الحكم في بلادنا أذناب لأمريكا يظاهرونهم على كل عدو لهم ولو كان من خيار الموحدين أو من خلاصة المجاهدين ..
- رابعها : أن الشرط الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول الامام الشافعي لم يكن على أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بتسليم أحد من المؤمنين للكفار - كلا ومعاذ الله – ولم يفعل صلى الله عليه وسلم شيئا من ذلك لافي هذا الصلح ولا في غيره طوال حياته ؛ بل كان المقصود منه أن لا يمتنع ذلك المسلم بقوة المسلمين بأن لا يستقبله المسلمون ويأووه في دارهم أو يمنعوا الكفار من رده ؛ ومن ادعى خلاف ذلك قيل له : أين في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألقى القبض على من جاءه من المسلمين فارا ثم سلمه إلى الكفار طبقا لاتفاقية معينة ؛ بل الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتذر للمهاجرين بعد ذلك الصلح من استقبالهم ؛ ويبشرهم أن الله جاعل لهم فرجا .. كما هو واضح من فعله مع أبي بصير .. ولم يكن يظاهر الكفار عليهم بحال بأن يقبض لهم عليهم أو يلاحقهم ويدل عليه دلالة واضحة انه لم يتعرض لأبي بصير بشيء بعد فراره من الرجلين وقتله أحدهما ، ولا حتى أنكر عليه ..
ولذا قال الشافعي في الأم ( 4/112) : ( إذا صالح الإمام على أن يبعث إليهم بمن كان يقدر على بعثه منهم ممن لم يأته لم يجز الصلح لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبعث إليهم منهم بأحد ولم يأمر أبا بصير ولا أصحابه بإتيانهم وهو يقدر على ذلك ، وإنما معنى رددناه إليكم لم نمنعه كما نمنع غيره ) أهـ.
وقال ابن القيم في زاد المعاد ( 3/141) : ( ولما صالحهم على رد الرجال ،كان يُمَكّنهم أن يأخذوا من أتى إليه منهم ،ولا يكرهه على العود ،ولا يأمره به ،وكان إذا قتل منهم،أوأخذ مالاً ،وقد فصل عن يده ولما يلحق بهم لم ينكر عليه ذلك ولم يضمنه لهم ؛ لأنه ليس تحت قهره ولا في قبضته ولا أمر بذلك ، ولم يقتض عقد الصلح الأمان على النفوس والأموال إلا عمن هو تحت قهره وفي قبضته .. ) أهـ.
- خامسها : القول بخصوصية قبول مثل ذلك الشرط بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم في حق من سيردهم عند قبوله بذلك الشرط : (ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا.)
وهذا خبر منه صلى الله عليه وسلم بغيب يعلل قبوله مثل ذلك الشرط ؛ وهو صلى الله عليه وسلم مقطوع بصدقه ؛ ومن ثم فلا يجوز قبول مثل هذا الشرط في العهود إلا لمن اطلع على الغيب ؛ ولا يدعي ذلك بعده من البشر أحد إلا كفر .. قال تعالى : (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُول ).
- سادسها : أن ما يصدر الآن من طواغيت الكفر إمعانا في حرب الإسلام وأهله وإخلاصا في تولي أوليائهم الصليبيين ومظاهرتهم على المسلمين ؛ هو ملاحقة من يسمونهم برعاياهم أو مواطنيهم ممن يصفونهم بالارهابيين في كل أرجاء المعمورة وليس فقط داخل حدود الدولة التي يحكمها الطاغوت وحسب ؛ ومن ثم تصفيتهم أو محاكمتهم بأحكامهم الكافرة أو تسليمهم لأمريكا .. وهي الصورة المسؤول عنها في نص السؤال إذ الشيخ أسامة ومن معه من المجاهدين خارج حدود دولهم وقد برؤوا من ولايتها وتبعيتها ..
وهذا شيء لم يكن له وجود في صلح الحديبية أبدا بل على العكس فقد أوى أولئك المستضعفون من المسلمين الذين لم يتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من استقبالهم وإيوائهم بسبب العهد ؛ ولجؤوا إلى الجبال وأخذوا يقطعون على قريش قوافلها يقتلون ويغنمون ويمارسون إرهاب أعداء الله في أبهى صوره ؛ومع هذا لم يتعرض لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نهاهم أو أنكر عليهم ؛فضلا عن أن يقوم – وحاشاه – بما يقوم به حكام الزمان من ملاحقة أمثالهم أو قتلهم وقتالهم أو العمل على تسليمهم للكفار .. فأعمالهم تلك كانت خارجة عن ولايته السياسية ولا يؤاخذ بها حتى عند كفار الجاهلية الأولى ؛ بل قد دل صلى الله عليه وسلم أبا بصير على ذلك وأومأ به إليه بقوله : ( ويل أمه مسعر حرب لو كان معه رجال ) وذلك لما قتل أبو بصير أحد الرجلين اللذان أرادا رده إلى قريش .. وتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يلق القبض على أبي بصير ولا رده أو سلّمه لكفار قريش بعد أن قتل أحد الرجلين وفر الآخر الى النبي صلى الله عليه وسلم وجاء أبو بصير في إثره إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ بل اكتفى النبي بتلك العباره ففهمها أبا بصير وانطلق إلى مأوى يعصمه هو وأمثاله من المستضعفين في هذا الظرف الخاص ..
وهذا يعرفك أن ذلك لم يكن هو حقيقة الشرط والعهد الذي كان بينه وبين الكفار كما ذكر الشافعي وأنه لا يحل لمن يدعي الإسلام من حاكم أو محكوم القبول به أو إمضاؤه.
قال الإمام أبو محمد ابن حزم في محلاه : ( 932- مسألة وكذلك لو نزل أهل الحرب عندنا تجارا بأمان أو رسلا أو مستجيرين أو ملتزمين لأن يكونوا ذمة لنا فوجدنا بأيديهم أسرى مسلمين أو أهل ذمة أو عبيدا أو إماء للمسلمين أو مالا لمسلم أو لذمي؛ فإنه ينتزع كل ذلك منهم بلا عوض أحبوا أم كرهوا ويرد المال إلى أصحابه ولا يحل لنا الوفاء بكل عهد أعطوه على خلاف هذا؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) ونسأل من خالفا ما يقول لو عاهدناهم على أن لا نصلي أو لا نصوم ؟؟؟.. "
ثم ذكر قول من قال من الفقهاء ببقاء الأسرى بأيدي الحربيين لو تذمّموا .. وقال : "وهذان القولان لا نعلم قولا أعظم فسادا منهما؛ ونعوذ بالله منهما، وليت شعري ما القول لو كان بأيديهم شيوخ مسلمون وهم يستحلون فعل قوم لوط أيتركون وذلك !!؟؟
أو لو أن بأيديهم مصاحف أيتركون يمسحون بها العذر عن أستاههم !!؟؟
نبرأ إلى الله تعالى من هذا القول أتم البراءة ونعوذ بالله من الخذلان"
ثم قال ( 7/307) : " مسألة فإن ذكروا حديث أبي جندل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رده على المشركين فلا حجة لهم فيه لوجوه:
أولها : أنه عليه السلام رده ولم يكن العهد تم بينهم وهم لا يقولون بهذا.
والثاني : أنه عليه السلام لم يرده حتى أجاره له مكرز بن حفص من أن يؤذى .
والثالث: أنه عليه السلام قد كان الله تعالى أعلمه أنه سيجعل الله له فرجا ومخرجا ونحن لا نعلم ذلك.
والرابع: أنه خبر منسوخ نسخه قول الله تعالى بعد قصة أبي جندل: ( يأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ) فأبطل الله تبارك وتعالى بهذه الآية عهدهم في رد النساء . ثم أنزل الله تعالى بعد ذلك فأبطل العهد كله ونسخه بقوله تعالى: ( برآءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر) وبقوله تعالى في براءة أيضا: ( كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ..الآية ) فأبطل تعالى كل عهد للمشركين حاشا الذين عاهدوا عند المسجد الحرام وبقوله تعالى: ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ) وقال تعالى: ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) فأبطل الله تعالى كل عهد ولم يقره؛ ولم يجعل للمشركين إلا القتل أو الإسلام ؛ولأهل الكتاب خاصة إعطاء الجزية وهم صاغرون ،وأمن المستجير والرسول حتى يؤدي رسالته ويسمع المستجير كلام الله ثم يردان إلى بلادهما ولا مزيد.
فكل عهد غير هذا فهو باطل منسوخ لا يحل الوفاء به لأنه خلاف شرط الله عز وجل وخلاف أمره.
روينا من طريق البخاري نا عبد الله بن محمد نا عبد الرزاق أخبرنا معمر أخبرني الزهري قال أخبرني عروة بن الزبير عن المسور بن مخرمة وغيره فذكر حديث الحديبية وفيه فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين ؛فقال سهيل :هذا أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنا لم نقض الكتاب بعد. قال فوالله إذا لا أصالحك على شيء أبدا .فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :فأجزه لي قال ما أنا بمجيزه لك. قال: بلى فافعل. قال :ما أنا بفاعل، قال مكرز هو ابن حفص بن الأحنف : بل قد أجزناه لك .
فهذا خلاف قولهم كلهم وحديث أبي جندل حجة عليهم كما أوردنا ..
ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عفان هو ابن مسلم نا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاء منكم لم نرده عليكم ومن جاء منا رددتموه علينا. فقالوا: يا رسول الله أتكتب هذا ؟ قال: نعم؛ إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجا مخرجا.
وهذا خبر منه عليه السلام مقطوع بصدقه .)أهـ. .
وعليه فالاستشهاد بصلح الحديبية ومقايسته ومقايسة علاقة النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالكفار وتشبيهه بعهود طواغيت الحكم واتفاقاتهم مع أوليائهم ؛ قياس وتأصيل فاسد لوجود الفوارق المتشعبة بين الأصل والفرع الذي يراد إلحاقه به زورا وبهتانا ..
ومساواة صلح الحديبية الذي كان فيه ذلك الشرط بعهود التولي واتفاقات الأخوة والنصرة والمظاهرة التي يبرمها طواغيت الحكم مع كفار الغرب أو الشرق ؛والتي تُحرّم على المسلمين جهاد الكفار وتصفه بالارهاب ،وتجيز للطواغيت مظاهرة الكفار على الموحدين وحرب الاسلام والمسلمين ؛ مقدمة فاسدة وتأصيل خبيث خاطيء .
ومن ثم فلا يحل التفريع على ذلك التأصيل الخاطيء أوالبناء على تلك المقدمة الفاسدة ؛ بالاستدلال برد النبي صلى الله عليه وسلم لبعض المؤمنين في ذلك الصلح، فقد علمت معنى رده صلى الله عليه وسلم لهم ؛ وأنه ليس المعني الذي يريده طواغيت الحكم ويذهب إليه سدنتهم من علماء الضلالة .. كما عرفت الفوارق المتشعبة بين صلح الحديبية وبين اتفاقات وعهود الطواغيت ..
والخلاصة ؛ أنه لا يجوز ابتداء إبرام مثل هذه الاتفاقات التي تنص على تسليم المسلم للكفار؛ ولو أبرمت فهي باطلة فاسدة لا يحل تطبيقها لأنها مناقضة لدين الله الذي لا يبيح أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيلا ..
وأن حقيقة هذه الاتفاقيات أنها تول للمشركين ومظاهرة لهم على المسلمين؛ وذلك كفر بواح؛ الأدلة عليه ظاهرة معلومة في دين الله، وقد حشدنا بعضها في غير هذا الموضع من كتاباتنا المفصلة ..
أسأل الله تعالى أن ينصر عباده الموحدين وأن يخذل أعداءه أعداء الدين ..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
كتبه / أبو محمد المقدسي
شعبان 1422هـ.
--------------------------------------------------------------------------------
الصفحة الأخيرة
نسمع هذه الأيام تحالف العالم كله على محاربة الإرهاب، كيف ترون هذا التحالف ؟
فقال : " التحالف على مكافحة الإرهاب أمر مطلوب سواء قام به كافر أو مسلم واذا قام به المسلمون فهم أولى، وكذلك اذا قام بمكافحة الارهاب الكفار ،ومنع من يخطط له ويعمل له ويدرب عليه، وقهره وظلمه وأخذه وإزالة دولته فهذا أمر مباح إذا لم ينته عن هذا ،وهذا واجب المسلمين لأن الناس أصبحوا لا يأمنون في الطائرات على أنفسهم ولا يأمنون وهم في الأسواق ولا يأمنون وهم في البيوت ولا يدرون متى تنفجر هذه الطائرات ولا متى ينفجر هذا الصندوق ـ صندوق النفايات ـ وهكذا، فهذا الذي يسمى إرهاباً في هذا العصر يجب التكاتف والتعاضد على منعه فإن قام به المسلمون فهو واجبهم وإن قام به الكفار وجب علينا أن نؤيدهم على هذا ونقدم لهم التسهيلات والمساعدات بما يتفق مع سياستنا وظروفنا ونحو ذلك."
ثم سئل : ما رأيكم في ضرب افغانستان بدعوى أنها معقل الإرهاب؟
فقال : " مكافحة الإرهاب أمر جميل وعظيم ويجب انضواء الدول كلها تحت دعوة الولايات المتحدة الأميركية لمكافحة الإرهاب (12) هذا من جانب، لكن الحرب هي التي في الحقيقة لا نؤيدها فضرب افغانستان كان الأولى ألا يكون (13)، ومكافحة الإرهاب تكون بطول النفس وبألف وسيلة ووسيلة !! وذلك بملاحقة الذين يقومون بالإرهاب ويخططون له !! ومتابعتهم وتكاتف الدول ضدهم !! ووضع الجوائز لمن يدل عليهم ويكشف مخططاتهم!! ونحو ذلك.."
ويقول : " إن كان كما يقولون القصد من الحرب القضاء على الإرهاب فالقضاء عليه يكون بوسائل عدة وكثيرة، ومنها تجفيف المنابع للإرهاب وملاحقة الأفراد، وأن يُرد كل شخص ذهب الى هذا العمل وشارك فيه الى دولته لتحاكمه ( تأمل لتحاكمه بأحكام الطاغوت !!) وتدعوه إلى الصواب لعله يثوب الى رشده !! ويُفرق هؤلاء فلا يجدون لهم ملجأ ولا يجدون لهم مكاناً يؤويهم. هذا أمر مطلوب " (14)
ثم يؤلب على الطالبان ملصقا فيهم تهمة الأحداث مختصرا الطريق على الصليبيين ؛مع أن العالم كله لا زال يقول لأمريكا: أين الأدلة ؟؟
فيقول : " فكلنا والله نتمنى أن أفغانستان لم تضرب، غير أننا نقول إن حكومة طالبان هي السبب فيما حدث ويحدث، فلو أنهم لم يقبلوا العناصر التي تشذ من الدول ويجعلوا لهم مأوى ويفتحوا أبوابهم لشذاذ الدول وللذين خرجوا على حكامهم ( تأمل وكأن حكامهم أئمة عدل!!) وجاءوا ليتدربوا عندهم !! ويعلمونهم الاغتيالات وطرق الارهاب وطريقة التنظيم !! وغير ذلك من الأمور، لكان أولى، فهذا لا شك أنه خطأ من حكومة طالبان.."أهـ.
وسمعت أيضا أن لشيخ الأزهر المصري – وليس بمستغرب – فتوى شجب فيها ما حدث في أمريكا وطعن في فاعليه .. ونطقت وتطاولت على الجهاد والمجاهدين كل نطيحة ومتردية وموقوذة كالجامية أذناب فهد من أمثال فالح الحربي وأحمد النجمي وغيرهم كثير انطلقوا يطعنون بالمجاهدين وجهادهم ، ويسمونهم بالخوارج لأنهم خرجوا على ولاة الأمر!! الذين يرعون الكفر والعهر والخمر!! وتكلم الرويبضة وخاضوا فسمعت شجبا كثيرا من هنا وهناك من جماعات تنتسب إلى الإسلام والدعوة إليه بل والجهاد في سبيل الله زعموا !! تسارعت وتسابقت لشجب هذا العمل والتبري منه ووصفه بالعمل الإجرامي والوحشي المنافي للإسلام وتعاليمه .. فعل ذلك أكثر قياديي الإخوان المسلمين ومن على غرارهم من جماعات التخاذل والإرجاء ؛وصرّح به كذلك رؤوس جماعاتهم المقاتلة في فلسطين مع أنهم يبيحون قتل المدنيين اليهود ،وأكثر عملياتهم التفجيرية في اسرائيل تتركز على المدنيين ، والقليل القليل منها الذي ينال العسكريين كما هو مشاهد مسموع لكل أحد .. ولكنه التخاذل والخنوع والرعب من أمريكا ،والهوى المضل الذي يبلغ بصاحبه أن لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ..
وأعلم أن قائمة المستسلمين المنبطحين لأمريكا ولأذنابها من طواغيت الحكم في بلادنا ممن سيشجبون هذه العمليات وينددون بفاعليها ويتبرؤون منها لن تنتهي ؛ إذ أن الكلام في هذا الاتجاه مقبول عند طواغيت الحكم وهو وحده العمل البطولي الذي يحسنه الأقزام والعملاء من مشايخ السوء وعلماء السلاطين ورؤوس الضلالة ؛ الذين هانوا على الله فخذلهم وأسلمهم للإخلاد إلى الأرض ولم يرفعهم بنصرة دينه ..
أما الاتجاه المُنكر والمجاهد للطواغيت والمعاكس لسياسات آلهتهم في البيت الأبيض فإنه الاتجاه الذي يُحجم عنه الأكثرون ؛ولو كانت أدلته وشواهده أوضح من الشمس في رابعة النهار .. ولكن الله بفضله ومنه وكرمه ؛ يوفّره ويدّخره لأناسٍ يرفعهم به ؛ كما قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( ورفعنا لك ذكرك ) قال بعض السلف : ليس من نصير لهذا الدين إلا وله نصيب من هذه الآية ، وما من شانيء له ؛ إلا وله نصيب من قوله تعالى : ( إن شانئك هو الأبتر )..
هذا وقد كنت شرعت في كتابة هذا الرد بعد الأحداث التي هزت أمريكا مباشرة ردا على تلبيسات رهبان الحكومات وإجابة على مجموعة من الأسئلة التي وصلتني حول تلك الأحداث؛إلا أن أعداء الله لم يمهلوني واعتقلوني قبل إكمالها فيمن اعتقلوهم على إثر تلك الأحداث؛ وصوّروني وطلبوا مني في دائرة المخابرات أن أكتب بيانا أشجب فيه الهجمات على أمريكا لينشروه عبر وكالات الانباء ؛ فكتبت ورقات بيّنت فيها أن ما حصل في أمريكا عقوبة ربانية جازاها الله به من جنس ما تقوم به من أعمال في بلاد المسلمين من قتل وتدمير وإهلاك ؛ فأمريكا تعتدي على المسلمين في كل مكان ولا تفرق في اعتداءاتها بين مدنيين وغيرهم بدليل ما حصل في ملجأ العامرية ويحصل يوميا في فلسطين على أيدي اليهود بدعم ومساندة منها، هذا غير اعتقالها للشيخ المجاهد عمر عبد الرحمن وغيره من الدعاة والمجاهدين… إلى آخر ذلك . فلم يرق ذلك لهم وقالوا هذا تحريض ،وطلبوا شجب الاعتداء على المدنيين وحسب ، فقلت هذا ما أدين الله به وإذا لم يعجبكم هذا ،اكتبوا أنتم ما تشاؤون أما أنا فلا أكتب إلا ما أعتقده .. فأصروا على حذف ما وصفوه بالتحريض .. ثم انشغلوا عن ذلك معي في الأيام التي قضيتها عندهم بتحقيقات أخرى ؛ وصرفوا النظر عن هذا ، وقبل الإفراج طلبوا مني عدم الكلام عن هذه الأحداث وأمروني تحت طائلة الاعتقال بلزوم منزلي وعدم التصريح والكلام بشيء حولها؛ اللهم إلا إذا أردت شجبها والكلام في عدم شرعية قتل المدنيين فهذا مسموح محبوب عندهم !!..
وقد كنت خلال تلك الفترة في زنزانة منقطع عن الاتصال بالناس ولا يصلني شيء من أخبار العالم ؛ حتى إنهم كذبوا عليّ ؛وادعوا خلالها فرحين ؛أن أمريكا ضربت أفغانستان بالقنابل النووية ردا على الهجمات ؛وأن القتلى بلغوا خمسة ملايين ؛ فبتُّ في حزنٍ عظيمٍ لا يعلم به إلا الله (15) ..
ثم بعد أن منّ الله بالفرج رأيت شيخنا العلامة حمود بن عقلاء الشعيبي قد بادر بإصدار فتاواه في هذا الشأن ؛والتي قرّت بها عيون الموحدين ،وحرّت بها عيون المرجفين والخوالف والمخذلين .. فعزفت بادي الرأي عن إكمال ما كنت بدأته قبل اعتقالي اكتفاء بما كتبه شيخنا الشعيبي حفظه الله ؛ إذ فيه غنية وكفاية لمن أراد الهداية في هذا الشأن ؛ لكن بعض الأحبة طلبوا مني إظهار قولي في هذه الأحداث إبراء للذمة ونصرة لأهل الحق ؛ فاستجبت لذلك خصوصا بعدما رأيت ندرة من يقولون بقول الشيخ الشعيبي من العلماء والمشايخ والدعاة بتميز ونقاء كالشيخ سليمان العلوان والشيخ علي الخضير وقلة معهم حفظهم الله ونفع بعلمهم ؛ ورأيت وفرة المثبّطين الموافقين لهوى الطواغيت والمتابعين لأهواء الذين لا يعلمون ؛ فأحببت أن أعلن تأييدي لفتوى أهل الحق ؛وأظهر موافقتي لما قرروه نصرة لإخواننا في أفغانستان وإظهارا لما أعتقد، ونصحا للأمة وبيانا لمخالفة ما تقدم من فتاواى المرجفين وتصريحات الخوالف من دعاة الضلالة لدين الله وشريعته .. وجعلت ذلك في خمس عشرة مسألة ..
فأقول مستعينا بالله تعالى ومتوكلا عليه وحده ..
المسألة الأولى : إن عداوة الكفار من يهود ونصارى وغيرهم من المشركين لنا نحن المسلمين وعدم رضاهم عن ديننا وشرعنا حقيقة ثابتة لا يجهلها والله إلا معرض عن دينه وإسلامه ،فقد أخبرنا الله تبارك وتعالى عنها صراحة في محكم كتابه ..
فقال تعالى : ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ).
فلا غرابة إذن أن لا يرضوا أو يعترفوا بحكومة مسلمة تعلن نيتها عن تطبق شرع الله، ولا غرابة أن يطعنوا بحدود الله ويصفونها بالوحشية، ويشقشقون بمعارضتها لحقوق الإنسان المهترئة التي قرروها ،أو يغمزوا بحجاب المسلمات الطاهرات ويسمونه قهرا وكبتا وإجحافا ، ولا عجب أن يحاربوا الجهاد ويسمونه إجراما وإرهابا ..
ولذلك فإن كل فرد أو جماعة أو دولة تسعى لإقامة حكم الله في الارض وتنوي تطبيق شرع الله في الواقع وتسعى للاستقامة على دين الاسلام كما يحب ربنا ويرضى ؛ وتحاول في الوقت نفسه أن تحظى مع ذلك برضا هؤلاء الكفار عنها ، أوتحرص معه على تحصيل إعترافهم بحكمها ؛ فإنها كالمتطلب في الماء جذوة نار ..
والله ما اجتمعا ولن يتلاقيا حتى تشيب مفارق الغربان
فالأصل فيمن يسعى للاستقامة على شرع الله أن يبرأ هو علانية من الكفار ويكفر بهم على اختلاف مللهم وتوجهاتهم؛كما هي دعوة الأنبياء والمرسلين وكما هو موضح مبين في ملة أبينا إبراهيم التي أمرنا ربنا أن نتأسى بها؛ لا أن ينتظر ويتوقع اعترافهم به وبدولته ؛ بل هو الذي يجب أن يبادئهم بالبراءة منهم ومن قوانينهم ومللهم ،ويواجههم بعدم الاعتراف بهم ما دام يعرف حقيقة عداوتهم لدين الله ومكرهم بأهله..
وقد حذّرنا سبحانه من طاعتهم والركون إليهم ، أواتخاذهم أولياء وبطانه ، وبيّن أن من تابعهم وأطاعهم فإنه على شفا هلكة لأنهم سيردونه بذلك عن دينه؛ فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) .
بل أخبر سبحانه أن ديدن الكفار عموما السعي في قتال المسلمين والتظاهر والتحالف والتحزب عليهم كي يردوهم عن دينهم وشرعهم وحكم ربهم ..
فقال تعالى : ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)(البقرة: من الآية217)
فهذه حقيقة يجب أن لا تغيب عن أذهاننا، بل يجب أن نتذكرها جيدا ونستحضرها دائما ..
وإني لأعجب من مسلم يغفل عن هذه الحقيقة ويتناساها مع وضوح هذه الآيات ، والتاريخ القديم والحديث مليء بمآسي المسلمين ومذابحهم التي ارتكبت على أيدي اليهود والصليبيين، أو بمباركتهم ورعايتهم وحراستهم .. ولينظر من لا يعرف ذلك ما فعله الصليبيون يوم احتلوا المسجد الأقصى ،وما فعلوه في محاكم التفتيش يوم سقطت الأندلس في أيديهم .. أما في العصر الحاضر فلا أظن أن عاقلا أو بليدا قد نسي بعد مؤامرات الصليبين ومذابحهم في لبنان ،وفي البوسنة والهرسك، وفي الفلبين ،وفي اندونيسيا في جزر الملوك، وفي كوسوفا والبلقان وغيرها ..
ولذلك نقول لإخواننا في أفغانستان ( عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ) ..
فقد كنا نتحفظ على حكومة الطالبان لسياساتها الخارجية التي كانوا يسعون عبرها لخطب ود طواغيت الكفر ، ويجتهدون لاعتراف هيئة الامم الكافرة ؛ فها قد رمتكم الأمم الملحدة جمعاء بقوس العداوة ، ولم يتخلف عن مظاهرتهم عليكم حتى اقرب قريب إليكم أعني الباكستان .. وشاء الله ان يطهركم من اعتراف دول الكفر القليلة بكم كالامارات والسعودية وقطر ليميز الخبيث من الطيب وهذا كله من ثمرات وبركات الجهاد ..
( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب )
( لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم ) .
( فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً )..
- المسألة الثانية : إن من أصول ديننا البيّنة ؛أن المسلم المؤمن الموحد إذا ظاهر المشركين، وانحاز إلى حَدّهم وشِقّهم وصَفّهم ؛ناصرا لهم على المسلمين ؛فقد كفر بذلك وبرئت منه الذمة وصار من جملة المشركين ،حتى لو كان أولئك المسلمين الذين ظاهر المشركين عليهم ؛من عصاة المسلمين وفَجَرَتِهم ؛ فكيف إذا كانوا من خواص الموحدين ، ومن خلاصة المجاهدين وأنصار الدين ؟؟
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51)
والمظاهرة والمناصرة من أعظم أنواع التولي .
قال الطبري في تفسيره: (والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال إن الله تعالى ذكره نهى المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا وحلفاء على أهل الإيمان بالله ورسوله،وأخبر أنه من اتخذهم نصيرا وحليفا ووليا من دون الله ورسوله والمؤمنين فإنه منهم في التحزب على الله وعلى رسوله والمؤمنين؛وأن الله ورسوله منه بريئان)أهـ.
وقال ابن حزم: (صح أن قوله تعالى ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) إنما هو على ظاهره بأنه كافر من جملة الكفار،وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين )أهـ. من المحلى (11/ 138) .
وقال القرطبي: ( قوله تعالى (ومن يتولهم منكم ) أي يعضدهم على المسلمين (فإنه منهم) بين تعالى أن حكمه كحكمهم )أهـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عند قوله تعالى : ( تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) : ( فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف (لو) التي تقتضي مع انتفاء الشرط انتفاء المشروط ، فقال: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ) فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده ، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب )
وقال : ( ومثله قوله تعالى: (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) فإنه أخبر في تلك الآيات أن متوليهم لا يكون مؤمنا ، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم ، فالقرآن يصدق بعضه بعضاً)أهـ.(7/17من مجموع الفتاوى).
ولذلك كانت فتاواه رحمه الله فيمن التحق بجيش التتار واضحة صريحة في تكفيرهم وإلحاق حكمهم بحكم من التحقوا بهم وظاهروهم على المسلمين ..
فمن ذلك قوله : ( وكل من قفز إليهم – أي إلى عسكر التتار – من أمراء العسكر وغير الأمراء فحكمه حكمهم ) ( 28/630)
وقال أيضا: ( فمن قفز منهم – أي من المسلمين – إلى التتار كان أحق بالقتال من كثير من التتار فإن التتار فيهم المكره وغير المكره وقد استقرت السنة بأن عقوبة المرتد أعظم من عقوبة الكافر الأصلي من وجوه متعددة ) أهـ.(28/543)
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام العشرة التي عددها : ( الناقض الثامن : مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين ، والدليل قوله تعالى: ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) .
وقال : ( إن الأدلة على كفر المسلم إذا أشرك بالله ، أو صار مع المشركين على المسلمين ، ـ ولو لم يشرك ـ أكثر من أن تحصر من كلام الله وكلام رسوله وكلام أهل العلم المعتمدين ) .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ صاحب (فتح المجيد) في بيانه للأمور التي تنقض التوحيد ، قال : (الأمر الثالث : موالاة المشرك والركون إليه ونصرته وإعانته باليد أو اللسان أو المال ، كما قال تعالى ( فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكَافِرِينَ) ) أهـ (مجموعة الرسائل والمسائل) (4/291) .
وقال الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ في (الدرر السنية) (7/201) : (التولي: كفر يخرج من الملة، وهو كالذب عنهم ، وإعانتهم بالمال والبدن والرأي )أهـ.
وقال سبحانه : ( لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ) (آل عمران: من الآية28)
قال الإمام الطبري : ( معنى ذلك : لا تتخذوا ـ أيها المؤمنون ـ الكفار ظهوراً وأنصاراً ، توالونهم على دينهم ، وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين ، وتدلونهم على عوراتهم ، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شي ء ، يعني فقد برئ من الله ، وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر ) أهـ.
وقال تعالى : ( بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (النساء:139) .
وقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (الحشر:11)
فتأمل كيف عقد الله تعالى عقد الاخوة بين هؤلاء المظهرين للإسلام وبين الكفار ؛ فجعلهم إخوانهم (أي : كفّرهم) لمجرد أن صدرت منهم وعود بالنصرة للكفار إن حصل القتال بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم .. وقد أخبرنا الله سبحانه عما في قلوبهم فشهد عليهم أنهم كاذبون بهذه الوعود غير صادقين في هذه النصرة، بل هو مجرد كلام كاذب ألقوه بأفواههم ، ومع ذلك كفّرهم الله تعالى به ؛ بأن سماهم إخوان الذين كفروا .. فكيف بمن نصرهم فعلاً أو صار من جندهم وعساكرهم ؟؟ لا شك أنه يدخل في دلالة هذه الأية دخولا أوليا..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين ؛ مع كونهم يصلون ويصومون ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين ، فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلاً للمسلمين ؟؟؟ )أهـ.
* وهذا يعرفك بحال كل من ظاهر الصليبيين الأمريكان على المسلمين في أفغانستان ؛ سواء كان من طواغيت العرب أو العجم أو من جيوشهم أو من وسائل إعلامهم أو غيرهم ..
* كما يعرفك بحال قوات التحالف الشمالي المعادي للمسلمين الأفغان ؛الذين يجب أن يكون موقف إخواننا الطالبان معهم واضحا؛ فإذا كان عندهم شيء من التأويل من قبل في معاملتهم معاملة البغاة ؛ فلا يحل بعد أن أعلنوا الوقوف مع الصليبيين الأمريكان، والانحياز الصريح إلى أعداء الله ؛إلا أن يعاملوهم معاملة الطوائف المرتدة والممتنعة المحاربة ..
* كما يعرفك هذا أيضا بحال من سماهم أئمة الضلالة بالجنود المسلمين !! الأمريكان في الجيش الأمريكي .. فالله جل ذكره يقول : ( الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) (النساء:76)
فكل من قاتل في سبيل الطاغوت أيا كان جنس هذا الطاغوت ومسماه وملته ؛ فهو من جملة الذين كفروا ولو انتسب للإسلام وصلى وصام وزعم أنه مسلم ..
وهذا الكلام يشمل دون شك كل جيش يحارب إخواننا المسلمين وينحاز إلى صف الصليبين الأمريكان أوالطواغيت الممتنعين عن شرائع الإسلام المحكمين لشرائع الكفر الموالين لدول الكفر المختلفة ..
وقد بيّنا هذا الأمر وفصلناه وحشدنا الأدلة من الكتاب والسنة عليه في كثير من رسائلنا وكتاباتنا وذكرنا أقاويل أهل العلم فيه ،وفيما ذكرناه هاهنا كفاية لمن أراد الهداية ، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاباتنا المفصلة فيه ..
** فإن قيل فما الواجب على المنتسبين للإسلام من العسكريين الأمريكيين أو الباكستانيين أو غيرهم ممن يظاهرون الكفار على المسلمين ؛ إن أرادوا النجاة ؟
قلنا الواجب عليهم أولا الكفر بالطاغوت الصليبي وغيره من الطواغيت والبراءة منهم واجتنابهم وعدم توليهم ..قال تعالى : ( قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا )(البقرة: من الآية256)
فمن لم يكفر بالطاغوت لم يستمسك بالعرة الوثقى ؛ومن لم يستمسك بها فهو من جملة الهالكين.
وقال سبحانه : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )(النحل: من الآية36) فمن كان من عساكر الطاغوت لم يجتنب الطاغوت ؛ أي : لم يحقق التوحيد الذي بعث به الرسل كافة .
ويكون ذلك بالفرار إلى الله من عسكر الصليبيين الأمريكان أو الطواغيت أو بجهادهم نصرة للمسلمين سواء بالانحياز إلى صف المسلمين والفرار من صف الكفار ،أو يعمل على نصرة المسلمين وجهاد المشركين بما يقدر عليه وهو في محله إن لم يقدر على الإنحياز ..
وإن أخرج إلى القتال مكرها لم يحل له قتل مسلم ولو أدى ذلك إلى قتله لأنه لا يحل له أن يفدي نفسه بنفس معصومة .. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كلامه على المكره ـ لاالمتطوع ـ على قتال المسلمن : ( المكره على القتال في الفتنة ليس له أن يقاتل بل عليه إفساد سلاحه وأن يصبر حتى يقتل مظلوما ؛فكيف بالمكره إلى قتال المسلمين مع الطائفة الخارجة عن شرائع الإسلام كمانعي الزكاة والمرتدين ونحوهم فلا ريب إن هذا يجب عليه إذا اكره على الحضور أن لا يقاتل وان قتله المسلمون .. وان أكره بالقتل فليس حفظ نفسه بقتل ذلك المعصوم أولى من العكس؛ فليس له أن يظلم غيره فيقتله لئلا يقتل هو) أهـ.
- المسألة الثالثة : إن البراءة من الكفار والمشركين سواء أكانوا من اليهود أم النصارى أم غيرهم واجب من واجبات الدين ولازم من لوازم شق النفي في شهادة التوحيد ، قال تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُم )(المجادلة: من الآية22)
ومثل ذلك إعلان العداوة للمحاربين للإسلام وأهله كائنا من كانوا ، وإظهار بغضهم والتبري من عدوتهم ومفارقة حدّهم وإظهار الانحياز إلى عدوة أهل الحق وشق أنصار الشريعة ؛ فإن ذلك معلم من معالم ملة إبراهيم التي انحرف عنها أكثر الخلق ..
قال تعالى : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه ..) (الممتحنة:4)
يقول الشيخ حمد بن عتيق : ( فقوله: ( بدا ) أي ظهر وبان ، وتأمل تقديم العداوة على البغضاء، لأن الأولى أهم من الثانية، فإن الإنسان قد يبغض المشركين ولا يعاديهم فلا يكون آتياً بالواجب عليه حتى تحصل منه العداوة والبغضاء، ولا بد أيضاً من أن تكون العداوة والبغضاء باديتين ظاهرتين بيّنتين. واعلم أنه وإن كانت البغضاء متعلقة بالقلب، فإنها لا تنفعه حتى تظهر آثارها وتتبين علاماتها، ولا تكون كذلك حتى تقترن بالعداوة والمقاطعة، فحينئذ تكون العداوة والبغضاء ظاهرتين )أهـ. "من كتاب سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك".