المتميزة

المتميزة @almtmyz

عضوة جديدة

وداعا يا زهور اللافندر .................. :: قصة قصيرة ::

الأدب النبطي والفصيح

موقف الحافلات يبدو ممتلئا ... أحس عامر بارتياح رغم العواصف التي تزمجر داخله الآن و هو ينتظر الحافلة ..

ذكرياته تمر كشريط سريع ..

دراجته الصغيرة و الشرائط السوداء المربوطة في مقابضها تلح عليه بشدة .. تذكر حسام ابن جيرانهم الذي كان يستعيرها صباحا ليوزع بها الصحف ...

تذكر هناء ابنة خالته و كيف كان لا يجد غضاضة بأن يلعب معها بدماها الكثيرة بينما جميع الأولاد يعتبرون ذلك عيبا ... تذكر كيف كانا يضحكان و هما يتراشقان الماء ...

تذكر كيف كان يذهب كل يوم لحقل قريب و يبدأ بقطف زهور اللافندر .. و لفها في ورقة ممزقة من دفتره المدرسي و تقديمها لأمه التي توبخه كلما جلب لها باقة جديدة ....

كيف كان يريد خلال أسبوع جمع زهورلافندر كثيرة في صندوق كي يري ابنة خالته هذا الشيء العظيم ... لكنه اكتشف في نهاية الأسبوع أن نصف الزهور أصبحت فاسدة !!...

استقل الحافلة .. بدأ يتصفح وجوه الركاب ... يشاهد قبعات صغيرة تنبسط فوق الرؤوس كبصقة شيطان رجيم ... رأى صبيا له حاجبين مقترنين يحدق فيه بقوة ... تماسك .. و بدأ بتعديل قبعته الصغيرة بأصابع متوترة ...

أخوه الأكبر نبيل أتى مسرعا ذلك اليوم و يده ممسكة بوثيقة تخرجه ... كان مسرعا تتقافز الفرحات داخل قلبه النقي ... لم يصبر حتى ينتهي حظر التجول المفروض على المنطقة .. كان يركض ليصل إلى البيت و يسمع زغاريد أمه ...
كان يركض ليحتضن أباه ... فاحتضنه رصاص غادر ...
و سقط الجسد الطاهر و اختلط الدم بوثيقة التخرج و يد نبيل لا زالت ممسكة بها بقوة ...

الصبي ذو الحاجبين المقترنين لا زال يحدق في وجهه ... وضع يديه وراء رأسه بلا مبالاة بينما قلبه ينتفض كعصفور بلله المطر ...

صرف الصبي نظره نحو النافذة .. فتنهد عامر ...

حقل أبيه كان كبيرا جدا ... استأذن أبيه بأخذ بقعة صغيرة ... و زرع فيه زهور لافندر كثيرة ...
أمه توبخه ( كيف تأخذ هذه القطعة و لا تدعنا نستفيد منها ... كيف تزرعها بأشياء تافهة لا تسمن و لا تغني من جوع ) ..
( أمي إنها ليست تافهة .. إنها تشبهك ... )
( أنا لا أدري من أين خرجت أيها الولد ؟.. منذ طفولتك و أنت تغرقني بهذه الزهور التي لا أعلم من أين جاءت ... اللهم طولك يا روح ) ..
( دعي الولد يا أم عامر .. دعي عامر .. فله مكان في القلب .. هو طبيب المستقبل .. الله يمد في أعمارنا حتى نرى ابناءه )
( ربي يسمع منك يا أبو عامر )

تذكر كيف طأطأ رأسه خجلا و خرج ..

الحافلة تهتز قليلا بعد تجاوزها أحد المطبات ... لم يبق سوى القليل ... محطتين و ينتهي كل شيء ...
تتوقف الحافلة ... أرتال من البشرية تتماوج عند المحطة ... أناس يصعدون و أناس ينزلون ..
تحركت الحافلة ...

قبل شهرين ...
أحمد يهمس في أذنه يوم الجمعة ( أحسن الله عزاءك ... ثامر استشهد اليوم عند البوابة الغربية ) تذكر كيف دهش و كيف نزلت دموعه و كيف احتضن أحمد و هو يجهش بالبكاء ... ثامر صديق الطفولة استشهد ! .. في الليل تخيل أن كل الزهور تنتحب و أن النجمات تنشد غناءً حزينا .. و أن الحقول تئن وهي مأكولة القلب و الجذور ...
تخيل أن كل الطيور لم تغادر أعشاشها في الغد ...
( ثامر استشهد و رحل إلى الرفيق الأعلى... و نحن متى .. متى نلحق بركب الأنقياء ؟ ) قالها أحمد بعصبية ..
( سأخبرك شيئا يا أحمد ... أتكتمه ؟.. عدني ألا تخبر به أحدا )
نظر أحمد بشك ثم قال ( أعدك )
( اليوم تلقيت إشعارا من الجماعة أن استعد خلال هذا الشهر .. )
( آ ... آه ... عامر .. ) ثم ضمه أحمد بشده و عيناه تترقرقان بالدموع ..

توقفت الحافلة مرة أخرى عند المحطة الثالثة ... تصعد فتاة و رجلان ... تكمل الحافلة مسيرها ... أحس عامر بانقباض في قلبه ... هذه الفتاة .. تجلس بجانبه .. ترتدي خمارا أبيض ... أحس باختناق .. يجب أن يفعل شيئا .. إنها تشبه هناء ابنة خالته ... أشياء كثيرة تتراكم في عقله ... ربما تنتظرها أمها الآن ليتناولان الغداء معا .. ربما أخوتها الصغار ينتظرون عودتها لتقبلهم و تعطيهم الحلوى ...
انحنى بلطف و سأل ( عفوا آنستي ... هل تعرفين كم بقي على الوصول للمحطة الأخيرة ... )
تنظر في ساعتها بعفوية و ترد في بساطة ( ربما عشر دقائق )
( و هل تسكنين في الحي اليهودي ؟)
استغربت السؤال و لكنها أردفت ببساطة ( كلا .. و لكنني متوجهة للسوق هناك لشراء بعض الحاجيات )
ابتسم ابتسامة صفراء و بداخله شيء يدق بعنف .. كلا يجب أن يفعل شيئا ... الحياة مبهجة و هذه فتاة بعمر الزهور .. ترتدي خمارا أبيض .. كأخته تماما ... و أيضا ... كــ هناء ... أحس أنه سينهار تماما ... ربما تنكشف الخطة ... ربما سيحرق حيا و يحرق كل الرجال الذين تركهم يودعونه بالدموع و الابتسامات و أدعية تخرج من قلوب صادقة ترتجف ... ربما يخذلهم .. و لكن .. لا .. هذه الفتاة .. يجب أن يفعل شيئا ... اشتعلت معركة قصيرة المدى في عقله و قلبه .. لم يعد هناك مجال ..
انحنى مرة أخرى و همس ( آنستي يجب أن تنزلي من الحافلة حالا .. بهدوء )
دهشت الفتاة .. و رأت بريقا غريبا في عيني هذا الفتى الذي يرتدي قبعة صغيرة كقبعات اليهود ... شيء ما يصرخ فيها .. إنه ليس منهم .. حلقها جاف تماما و أوصالها بدأت ترتعش ... ( أختي .. إنني أدعوك باسم الأخوة التي بيننا أن تنزلي حالا و بسرعة ... شيء ما سيحدث قريبا ) الفتاة لا تزال تحدق في عيني هذه الروح القابعة بجانبها .. وميض أبيض و أشياء شفافه رأتها تحلق بين جنبيه .. دم أخوها ثامر يتصاعد الآن في وجنتي هذا الفتى ... تخاذلت قليلا على المقعد و بردت أطرافها ... ثم بسرعة اتجهت نحو السائق و هتفت بصوت خافت رهيب .. ( لو سمحت .. أنزلني هنا ... هنا بالضبط ما أريد ) .. ينظر إليها الركاب بدهشة ... و تمتمات امتعاض تعم المكان ... يصرخ السائق و هو يوقف الحافلة بعنف ( أنزلي عليك لعائن الله أيتها الفلسطينية .. أنا المخطئ إذ سمحت لك بالركوب ) .. تتعثر خطواتها و هي تنزل من الحافلة ... تلامس أقدامها الأرض .. تتماسك .. تلتفت نحو حافلة تهم بالمغادرة .. تلمح ابتسامة هادئة ترتسم على شفتي ملاك هادئ .. يجلس بين شياطين ..

( يا ابني يا عامر .. متى انظر إلى أولاد صغار يتبعونك كصغار البط و أضمهم بين جنبي ؟!... بالله يا ابني متى أزغرد في فرحك )
يضحك عامر و يقول بدهشة ( صغار بط !! ) ...يقبل يد أمه .. و يردف
( ماما .. أود أن انهي دراستي أولا )
( أنت قل لي فقط من تريد ؟!... و إلا أترك الأمر لي و سأختار لك أحلى عروس في البلد )
يتصاعد الدم في وجه عامر المطرق نحو الأرض ... يتذكر هناء و زهور اللافندر .. حنين و شوق نحو ذكريات بعيدة ...
( أمي كيف أفرح و اليهود هنا )
( يا ابني هذا قدرنا .. يكفيك جهادك كل يوم مع زملائك بالحجر )
يبتسم عامر
( ماما ... قريبا ستزغردين في فرحي .. قريبا جدا )

يقفز بسرعة ليغادر الغرفة ... أمه تهتف ( تعال يا ولد .. تعال .. قل لي من هي سعيدة الحظ ..) ..

يغادر البيت مسرعا و أمه تبتسم في فرح !!

تقف الحافلة .. السائق يهتف ( هذه المحطة الأخيرة .. تفضلوا بالنزول ) .. يبدأ الركاب بالمغادرة و عامر ملتصق بالمقعد ... كان هو آخر شخص ينزل ... يمشي في خطوات وئيدة ... بقي ربع ساعة ... يقترب من المكان ... يلمح ساحة مكتظة بأصحاب القبعات ...يندس بين جموع لها أنوف معقوفة ...يكاد يبصق فوق رؤوسهم ... عيونه تلتهب ببريق غامض .. و على شفتيه بسمة انتصار ...
وجهه يزداد شحوبا و صدره فارغ سوى من دقات كبيرة ... يقترب ... ينظر إلى المحلات المتراصة على جوانب الساحة .... تختلج شفتاه و هو يشاهد زهورا بنفسجية اللون داخل محل لبيع الزهور ... لا زالت شفتاه تحس برؤوس أخوته الصغار التي قبلها للتو ... عيناه لا تتحول عن زهور اللافندر ... أريجها يملأ قلبه .. ترتيل أخته الصغيرة يدوي في أذنيه .. يكاد يسمع أناشيدها تدوي في الساحة ( بكرا راح نطرد يهود ... دم الشهداء ما بيعود .. دم الشهداء ما بيعود ) ...

دمعات أحمد تمتزج بقلبه الآن .. بسمات أمه .. نظرات أبيه ...

يده تلمس الزر ...يتحسس صدره .. يشعر بقلبه خارج صدره تماما ... يغمض عينيه ...

شريط سريع يمر أمام عينيه المغلقتين ..

يهمس ... وداعا أمي ... أبي ..... وداعا أحمد .. وداعا يا كل الأطهار ...

يفتح عينيه قليلا .. يلمح للحظه زهور اللافندر أمامه و شبح هناء يبتسم ... و وداعا يا زهور اللافندر ....

يضغط الزر و تتمزق صيحة ( الله أكبر ) يصاحبها جسد نحيل ...

في كل مكان دم أحمر و أشلاء تختلط بقبعات صغيرة ..... و ... بتلات لافندر ...
9
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

نــــور
نــــور
المتميزة في كل شيء

شعور ما يخالجني كلما قرأت لك فأعجز عن وصف إعجابي الشديد بك

و هذه المرة أعجز عن وصف هذا الإعجاب

وإن قلت أن الذي كتبته رائع فسأغبنك حقك لأنه أكثر بكثير من رائع

لا يسعني إلا أن أقول أني سعيدة جدا بأن أقرأ لك .. أستمتع بقلمك .. أبتسم .. أبكي .. أثور و يتوهج قلبي مع كل عبارة ..

دائما نظرتك ثاقبة .. فاحصة متميزة .. متميزة في كل شيء

لا حرمنا الله هذا القلم الذي بتنا نترقبه بكل الاشتياق

وتقبلي مني كل الـ:24: ــــمحبة
دونا
دونا
ها هي المتميزة تعود إلينا..
الحمد لله..
و بقصة...
أقل ما يقال فيها أنها متميزة..
و تعجز الكلمات أن توفيها حقها...
لحظات شتى..
حزينة..
سعيدة..
و ذكريات..
و أخيراً أشلاء..
************************
أتعلمين ؟
تمتلكين أسلوباً رائعاً..
لقد نجحت في جذبي..
وحملي إلى هناك..
تخيلت كل شيء
و تجمعت العبرات في حلقي...
بعد أن عادتني إلى كرسي..
**************
محظوظة هي زهور لافندر..
كيف لا و قد نصبها قلمك الفذ بطلة متوجة..
استبدلت عبيرها الفواح برائحة نقية..
رائحة الدم..
و ليس أي دم..
دم الشهداء..
********************************
صباح الضامن
صباح الضامن
........زهور..... الخزامى
برقة حنيني إلى بلادي
بريح طيب بلادي
بألوان في الريح كتبت
في الأرض كتبت في دموع الأمهات كتبت في الحنايا كتبت

.......زهور الخزامى مع الأمطار تطلع
في صبح بلادي تطلع في سفر الشمس على سمرائنا تطلع

...زهو ر الخزامى
نجوم طفولة في أيدي الكبار
تخجل أن تفارقهم فترسم الأنوار

وعامر يوشح الأرض
دماؤه الزكية تشارك الأطيار حرية
وترسم درب الرجوع

يا بنيتي
رائعتك تشعل القلوب
تجري الدموع
توقف الوهن
في زمن فقد الوقوف
بوجه النار
.........
المتميزة
المتميزة
أختي .. نور ..

لا لا لا .. لا أستحق

رفقا بي ... بعثرتني إطلالتك ..

كم أنا مرتبكة الآن .. كل حروفي هربت خجلا و هي تضع أكفها على وجوهها .. عندما تعود سآمرها أن ترتب أمامك جملة ( شكرا من الأعماق ) ...

دمت - نور- سيدة الحرف ..

========

أحتي .. دونا ..

كعادتك ..

تأتين بشذى الياسمين ..

و تنثرين طيب حروفك ..

وردة بيضاء لروحك الشفيفة ..

أشكرك ..

========

أختي .. صباح الضامن ..

ماذا أقول .. شيء ما يثير فيّ البكاء ..

ربما هي كلماتك الآتية من بحور الحزن و الألم يا بنت فلسطين الأبية ..

ثقتنا بالله عظيمة ..

و سننتصر ..

أختي .. صباح الضامن ..

صدقيني بت لا أعرف أن أكتب شيئا ... و بدأت أهذي ...

أشكرك كثيرا .. كثيرا جدا ..

و ممتنة كثيرا .. كثيرا جدا ..

لا عدمت حضورك العذب ..
بحور 217
بحور 217
لم أملك دموعي ...

كل ذرة في كياني تبكي عامراً

وكل دمعة تترك في النفس أملا كبيرا

وثقة في النصر

فالليل مهما طال لابد له من فجر ..

والفجر لنا ... للحق ... ولعامر !




دمت لنا يا من عرفت كيف تختار لها اسماً .