وَاصْطَفَـكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَالَمِينَ )
بشرتها الملائكة باصطفاء الله لها من بين سائر نساء
عالمي زمانها ..
اختارها لإيجاد ولد منها من غير أب ..
وبُشّرت أن يكون ولدها نبياً شريفاً ..
يكلم الناس في المهد ..!
كانت تقوم في الصلاة حتى تفطرت قدماها رحمها الله ..
اختارها الله واجتباها وطهرها من الأخلاق الرذيلة ..
وأعطاها الصفات الجميلة ..
جاء ذكرها مقروناً مع آسية بنت مزاحم .. وخديجة بنت خويلد ..
وفاطمة بنت محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ رضي الله عنهن ..
حيث قال عليه الصلاة والسلام :
( حسبك من نساء العالمين بأربع : مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ،
وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد )
وقفات تأمل
في قصــــة مريم البتـــول
ـ عليها السلام ـ

في قصــــة مريم البتـــول
ـ عليها السلام ـ
هذه القصة فيها من الدلائل والبينات في قدرة الله تعالى مما يزيد المؤمن إيماناً ، ويترك الكافــر تائهاً حيراناً ..
و في كل كلمة فيها معنـى جليـل ، و كل كلام الله كذلك .. وفي قصة مريم عليها السلام من الفوائد ما لا تحصى .. نقف معها وقفات تأمل وتدبر وتفكر ..
الوقفة الأولى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فضل مريم عليها السلام على جميع النساء ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مريم .. السيدة البتــول التي فاقت نساء العالمين في طهــرها وعفتها ، فلم تأت الآية ( وَالتي أَحْصَنَتْ فَرجَهَا ) إلا وعلم الســامع أن المقصودة هي مريم عليها السلام ، وروى مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قــال : قـال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : ( كمل من الرجـــال كثير ولم يكمل مــن النســاء غير مـريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام )
ومريم عليها الســلام هي المــرأة الوحيدة التي أرسل الله إليها الملك ليكلمها ، ولم يذكر اسم امرأة في القرآن الكريم غيرها ، بل أنــزل باسمها سورة كاملة ، فهـذا إن دل على شيء فإنما يدل على شرفها ، وعلو مكانتها، وفضلها عند الله .
الوقفة الثانية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعبادة الله يسمو الإنسان ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قــال الله تعالى :
( وَاذْكُر في الكِتــبِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَت مِن أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِياً * فَاتخَذَتْ مِن دُونِـهِمْ حِجَابَاً فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرَاً سَوِيَّاً * )
واذكـــر في الكتاب مــريم، فيــه دلالة على أن لمـريم شـأن عظيم وقصة عجيبة ، فنستفيد من هذا جواز تحديث النـــاس بالقصص الواقـعية التي فيها المواعظ والبينـــات ، لأخذ العبرة منها والعظـــة .. وقــد ذكر الله قصة مريم عليها السلام أكثر مـن مرة لما فيها من دلائل قدرته عز وجل ، وقــــد فصل الله ذكرها فـي موضعين من كتابه ، ففي ســـورة آل عمـــران ذكــــر مولـــدها ونشأتها ، وفيها أن أمها لما حملت بها نـــذرت حملها لله تعالى ، وهــي لا تعلــم إن كان ذكــراً أو أنـــثى ، فلــــــما وضعت قــــالت : رب إني وضعـتــــهــا أنثى ، وكأنـهـا تعـــتذر إلى الله لــــكونها بخلاف ما كانت تـرجو أن يكون ولداً ليقوم على خــــدمة الكنيسة، فقــال الله تعالى ( وَالله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ... ) أي ســـوف يجعــــل الله لـها شأناً عظيماً ، ثــم قــــالت : وإنــي سمـيــتهــا مــريم وإنــي أعيذها بك وذريتها مــن الشيطان الرجيم ، فاستجــــــاب الله دعاءها ، وقبــــل نذرها ، ومــن هنا يتبين لنا فضل دعـاء الأم لأولادها، وأنه مستجاب عند الله ، ففي صحيح مســلم عن أبي هـــريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما مــن مولــود يولـد إلا نخســـه الشيطان فيستهل صارخاً من نخسة الشيطان ، إلا ابن مريم و أمـه )
ويستـــــــدل بهـــذه الآية على جواز تسمية المولــــود يــوم يـــولد ، كمـا ثبت في الصحيحين عــن أنــس رضي الله عنه فـي ذهابه بأخيه إلى الرســول صلى الله عليه وسلم فحنّك أخاه وسماه عبد الله .
قـال تعــالى : ( فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا )
ويستفاد مــن هذه الآيــة أن الله قبِل نذر أم مريم عليها السلام رغـــم كونها أنثى فـــدل ذلك على أن الإنســان يتفــــاوت في الفضل مــن ذكرٍ وأنثى ، وأن الله قد يفضّل الرجل على المرأة والعكس كذلك ؛ لما يكون لكل واحد من فضلٍ على الآخــر، والتفاضل يكون بالتقوى والعمل الصــالح ، ( وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً ) أي سـوّى خلقها مـن غير زيادة ولا نقصان ، إلى آخــــر ما ذكر من آيات فـي شأنها في ســــــورة آل عمران من مولدها و نشــأتها ، وما آتاها الله مــن رزق وفضل دليل على اصطفـــائه لـها على نســـاء العــالمين ، وأنهـا الطاهرة التقية ، البريئة من افتراءات اليهود والنصارى عليها وعلى ابنها ..
ويستفــــاد من هـــذه الآيات أن المرأة بطهرها وعفتها وعبادتها لله وتنحيها عن الناس لأجل ذلك ، وبعدها واختلائها بنفسها للتفرغ لعبـــــادة الله قد تبلغها عنــــد الله منــــــزلة عظيمة ولكن ليـــس المقصود أن تترك الدنيا وتربية الأولاد ، والقيام على خــدمة الأهل والــزوج ، وتنعزل عن العالم ، فتلك من أعمال المتصوفة ، ولكن تعطي لكل ذي حـــق حقه، فكل الأعمــال عبادة إذا أخلص العبد فيها النيـة واحتسب فيها الأجر .. كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : ( ...إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ... )
ويستفاد أيضــاً أن الله يرســـل إلى ابـــن آدم رســـله من المــلائكة على صــورة إنسـان لضعف القوة البشرية وعدم تحمله رؤية الملك على هيئته الحقيقية ، كما أننا نتعلم من قــوله تعــالى : ( فأرسلنا إليها روحنا ) أن الروح أنواع ، فالروح فـي اللغة ما به حياة الأنفس ، والقــرآن ، والوحي ، وجبريل وعيسى بن مريم عليهما السلام ، والنفخ ، وأمر النبوة ، وحكم الله تعالى ، وأمره .
نتابع معكم الوقفات .. في لقاء آخر بإذن الله ...