وهدأت مسلسلات وحكايات الكذب والدجل : حقائق عن ( العراق و الفلوجة )
العراق .... للشيخ / عبدالعزيز ريس الريس .. .. ليلة السبت 8 / شوال / 1425 هـ .
( 1 )
إن ما تعيش الأمة الإسلامية من ضعف وهوان وتغلب من الكفار على المسلمين ...
ليؤلم المسلم غاية الألم ، ويحزنه أشد الحزن ، ومن ذلك ما نعايشه في هذه الأيام من أحداث تحيط بإخواننا في بلاد الرافدين ، بلاد العراق .
وإنك إذا نظرت فيما يحوط بإخواننا من تغلب واجتاث الكفار بالمسلمين هناك ، لا يسع المسلم إلا أن يرفع كفي الضراعة يدعو ربه ومولاه ، أن يرفع الضر عن إخوانه وأن يهلك الكافرين من الأمريكان وغيرهم وأن يعز دينه وأن يحيي سنته .
فلله ما أخبثهم وأطغاهم وأظلمهم ..... .. .. ..
فكم من دار هدموها .. .. وكم من أسرة شتتوها .. .. وكم من امرأة رملوها .. .. وكم من صبي يتموه .. .. وكم من مسجد هدموه .. ..
وهم في ذلك يتغطرسون بما لديهم من قوة بشرية والله أقوى وغالب على أمره سبحانه وتعالى .
وهذا ألم ومصاب عظيم ، وديننا كامل قد بين كل شيء ، وقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة ، أنه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال : ( ما أنزل من داءٍ إلا وأنزل له دواءً علمه من علمه وجهله من جهله ) .
وإن هذا الداء العظيم قد بين شرعنا الكريم المحكم من لدن محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ، قد بين شرعنا الكريم دواء هذا الداء وهذا المصاب العظيم .
أتدرون ما هو ؟!!
إن دواءه الرجوع إلى الله سبحانه وتعالى ، والقيام بدينه وعلى رأس ذلك القيام بالتوحيد الذي هو حق الله على العبيد ، كما خرج الشيخان من حديث معاذ رضي الله عنه .
وإن سبب تغلب الكفار وإغرارهم بالمسلمين هو عدم قيامهم بالدين ، وعلى رأس ذلك تخلف المسلمين عن القيام بتوحيد الله رب العالمين .
فانظر إلى ( الشــــرك ) تجد أنه خيم وغيم في اكثر بلاد المسلمين .. .. ..
وأنظر إلى البدع تجد المسلمين قد ثبتوها وصار ديناً لهم يدينون الله بها .. .. ..
إذن مصابنا وبلاؤنا وبلاء المسلمين أجمعين هو بسبب تركهم للدين كما قال الله جل وعلا :
( أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شىءٍ قدير ) سورة آل عمران ، الآية 165 .
( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) سورة الروم ، الآية 41 .
يقول الإمام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى ، فــــي كتابه " الجواب الصحيح " يقول : ( وحيث ظهر الكفار فإنما ذلك لذنوب المسلمين التي أوجبت نقص إيمانهم ثم إذا تابوا بتجديد إيمانهم نصرهم الله كما قال تعالى : " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " آل عمران ، الآية 139 .
وقال : " أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ) سورة آل عمران ، الآية 165 " .
وقال الإمام ابن القيم ، رحمه الله تعالى ، في كتابه " مدارج السالكين " : ( فلو رجع العبد إلى السبب والموجب لكان اشتغاله بدفعه أجدى عليه وأنفع له من خصومة من جرى على يديه ، فإنه إن كان ظالماً فهو الذي سلطه على نفسه بظلمه ، قال تعالى : " أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم " سورة آل عمران ، الآية 165 .
فأخبر أن أذى عدوهم لهم ، وغلبته لهم ، إنما هو بسبب ظلمهم ، وقال الله تعالى : " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير " سورة الشورى ، الآية 30 .
وقال رحمه الله تعالى ، في كتابه " إغاثة اللهفان " : " وكذلك النصر والتأييد الكامل إنما هو لأهل الإيمان الكامل قال تعالى : " إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " سورة غافر ، الآية 51 .
وقال تعالى : " فأيدنا الذين ءامنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين " سورة الصف ، الآية 14 .
فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد ، ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله أو بإسالة عدوه عليه فإنما هي بذنوبه إما بترك واجب أو فعل محرم وهو من نقض إيمانه ) . انتهى كلامه رحمه الله .
( 2 )
وقد ضلت عدة طوائف عندما أرادت تشخيص داء المسلمين فقالت طائفة : إن ضعف المسلمين راجع إلى تغلب الحكام الظلمة ، وأول من يكذب هؤلاء كتاب الله ســــبحانه وتعالى ، قال تعالى : ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) سورة الأنعام ، الآية 129 .
إذن ضل الله عز وجل الحكام الظالمين عقوبة منه على عباده الذين ظلموا أنفسهم بعدم قيامهم بدين الله سبحانه وتعالى .
فلذا لما أخطأت هذه الطائفة وظنت أن ضعف المسلمين راجع إلى حكامهم صار ديدنهم وكلامهم صباح مساء هو في الحكام .
يقول الإمام ابن القيم ، رحمه الله تعالى ، في كتابه : مفتاح دار السعادة :
( وتأمل حكمته تعالى ، في أن جعل ملوك العباد وأمراءهم وولاتهم من جنس أعمالهم ، بل كأن أعمالهم ظهرت في صور ولاتهم وملوكهم ،
فإن استقاموا استقامت ملوكهم ،
وإن عدلوا عدلت عليهم ،
وإن جاروا جارت ملوكهم وولاتهم ،
وإن ظهر فيهم المكر والخديعة فولاتهم كذلك ،
وإن منعوا حقوق الله لديهم وبخلوا بها ، منعت ملوكهم وولاتهم ما لهم عندهم من الحق وبخلوا بها عليهم ،
وإن أخذوا ممن يستضعفونه ما لا يستحقونه في معاملتهم أخذت منهم الملوك ما لا يستحقونه وضربت عليهم المكوس والوظائف وكل ما يستخرجونه من الضعيف يستخرجه الملوك منهم بالقوة .
فعمالهم ظهرت في صور أعمالهم ، وليس في الحكمة الإلهية أن يولي على الأشرار الفجار إلا من يكون من جنسهم .
ولما كان الصدر الأول خيار القرون وأبرها كانت ولاتهم كذلك ، فلما شابوا شابت لهم الولاة ، فحكمة الله تأبـى أن يولي علينا في مثل هذه الأزمان مثل معاوية وعمر بن عبدالعزيز فضلا عن مثل أبي بكر وعمر بل ولاتنا على قدرنا وولاة من قبلنا على قدرهم وكل من الأمرين موجب الحكمة ومقتضاها ) ـ ( الجزء الأول ، ص 253 ـ 254 ) ـ .
أنظر إلى كلام هذا الإمام الراسخ في العلم والناطق بالحكمة والبيان من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، كيف بين لنا بأن حكامنا هم من جنسنا وهم عقوبة لنا فإن كنا طائعين وعلى الطريق المستقيم سائرين فإن الله يمن علينا بحكام هذا هو جنسهم .
إذن يا إخواني من علق مصاب المسلمين بالحكام فهو مخطئ غير مصيب وهو خارج عن الطريق المستقيم .
3 )
وزعمت طائفةٌ أن ضعف المسلمين راجع إلى قوة العدو ، وإلى أسلحة العدو ، وإلى مخططات العدو ، فلذلك صاروا مشتغلين ليل نهار بتتبع أخبار العدو ، وبتتبع ما عندهم من قوة .
وهذا في الواقع تشخيص خاطئ ، وانبنى على هذا الأمر الخاطئ أمرٌ خاطىءٌ وهو تتبع أخبار الكفار ، وإنك إذا نظرت في كتاب الله ، وجدت ربك يقول سبحانه وتعالى : " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا " سورة آل عمران ، الآية 120 .
إن رجعنا إلى الله ، والله إن أسلحة أعداءنا ، وإن قوة أعداءنا لا تنفعهم شيئا ، فهم يمكرون والله يمكر وهو خير الماكرين سبحانه وتعالى .
4 )
وقالت طائفة إن ضعفنا راجع إلى عدم اجتماعنا فصاروا يدعون الناس إلى الاجتماع ولو على اختلاف العقائد .
فيدعون السني أن يجتمع مع الرافضي بل ومع الصوفي الهالك الفاسد بل ومع الحزبي الحركي الضال .
فلا ينظرون إلا إلى كثرة المسلمين لأنهم ظنوا أن ضعف المسلمين راجع إلى تفرقهم وهذا خطأ يبين خطؤه كتاب الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى : ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا ) سورة التوبة ، الآية 25 .
لا اله إلا الله ، كانوا يوم حنين كثيرين ومع ذلك لم تنفعهم كثرتهم ، لم ؟ .. .. لأنهم وقعوا في ذنب العجب ، فذنب واحد كالعجب فرق صفوفهم وبدد شمولهم ، فكيف يا إخواني بالشرك الذي شرق وغرب في بلاد العالم الإسلامي إلا من رحم الله سبحانه وتعالى ، فلأجل هذا ولأجل ما نعيشه من ضعف إخواننا في بلاد المسلمين عامة وفي بلاد العراق خاصة وبالأخص في بلاد الفلوجة التي تسلط عليها الكفرة الفجار من الأمريكان وأعوانهم البريطانيين وغيرهم فأحب أن أقدم بمقدمات قبل أن ادخل في الموضوع نفسه .
الجهاد نوعان : جهاد طلب وجهاد دفع ، وجهاد الطلب أمر مطلوب في الشرع وله شروطه وهو مستحب فهو فرض كفاية وأحيانا يكون فرض عين بحسب الأحكام الشرعية إلا أن هذا الأمر لا احب أن أطيل الكلام فيه لم لأن المسلمين في هذا الزمن لا يناشدون جهاد الطلب وإنما هم يناشدون جهاد الدفع ، فالنوع الثاني هو جهاد الدفع .
وجهاد الدفع واجب على الأعيان باتفاق وإجماع أهل العلم ، حكى الإجماع الإمام ابن تيمية وغيره من أهل العلم فهو واجب على أهل البلد كلما هاجم عدو على بلد من بلاد المسلمين فيجب على المسلمين أجمعين في تلك البلد أن يقفوا تجاه عدوهم فإن لم يكونوا مستطيعين فيجب على من يليهم من بلاد المسلمين أن يقفوا معهم .
لكن اعلموا يا إخواني أن في هذا الدفع الذي هو واجب على من هجم عليهم من عدو ووجوبهم وجوب عيني ، اعلموا يا إخواني أن هذا الواجب معلق بالقدرات فمن لم تكن عنده قدرة ولا استطاعة فيسقط عنهم هذا الجهاد كما أشار إلى ذلك الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في ( نقض التأسيس ) ونص على ذلك وكرره وأعاده كثيرا شيخنا الإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى ، يقول رحمه الله تعالى ، في الشرح الممتع : لابد فيه من شرط وهو أن يكون عند المسلمين قدرة وقوة يستطيعون بها القتال فان لم يكن لديهم قدرة ، فإن إقحام أنفسهم في القتال إلقاء بأنفسهم إلى التهلكة ولهذا لم يوجب الله سبحانه تعالى على المسلمين القتال وهم في مكة لأنهم عاجزون ضعفاء فلما هاجروا إلى المدينة وكونوا الدولة الإسلامية وصار لهم شوكة ، أُمروا بالقتال ، وعلى هذا فلابد من هذا الشرط وإلا سقط عنهم كسائر الواجبات لان جميع الواجبات يشترط فيها القدرة لقوله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) سورة التغابن ، الآية 16 .
وقوله تعالى : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) سورة البقرة ، الآية 286 .
وقال رحمه الله تعالى ، في لقاء الباب المفتوح ، في اللقاء الثالث والثلاثين في شهر صفر في عام أربع عشرة بعد الاربعمئة والألف لهجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال رحمه الله تعالى : ( لا يجب ولا يجوز ونحن غير مستعدين له ( أي الجهاد ) والله لم يفرضه على نبيه وهو في مكة أن يقاتل المشركين وان الله أذن لنبيه في صلح الحديبية أن يعاهد المشركين ذاك العام الذي إذا تلاه الإنسان ظن أن فيه خذلان للمسلمين كثير منكم يعرف كيف كان صلح الحديبية حتى قال عمر بن الخطاب يا رسول الله : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال : بلى قال : فلم نعطي الدنية في ديننا ، فظن أن هذا خذلان ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم ما في شك انه افقه من عمر وان الله تعالى أذن له في ذلك ، وقال إني رسول الله ولست عاصيه وهو ناصري .
ثم قال : وان كان ظاهر الصلح خذلان المسلمين وهذا يدلنا يا إخواني على مسألة مهمة وهو قوة ثقة المؤمن بربه ، المهم انه يجب على المسلمين الجهاد حتى تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله لكن الآن ليس بأيدي المسلمين ما يستطيعون به جهاد الكفار حتى ، حتى ولو جهاد مدافعة حتى ولو جهاد مدافعة ، وجهاد المهاجمة ما في شك الآن غير ممكن حتى يأتي الله بأمة واعية تستعد إيمانيا ونفسيا ثم عسكريا ، أما نحن على هذا الوضع فلا يمكن أن نجاهد .
وقال رحمه الله تعالى في لقاء الباب المفتوح في اللقاء الثاني والأربعين في ضمن كلام له : إذا كان ( يعني الجهاد ) فرض كفاية أو فرض عين فلا بد من شروط ، من أهمها القدرة فان لم يكن لدى الإنسان قدرة فانه لا يلقي بنفسه إلى التهلكة وقد قال تعالى : ( وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) سورة البقرة ، الآية 195 .
انتهى كلامه رحمه الله تعالى .
فكلامه صريح واضح في أن جهاد الدفع يسقط عن المسلمين إذا كانوا غير قادرين وغير مستطيعين مواجهة العدو .
وأن فعلهم في مواجهة العدو وإضرار إخوانهم محرم في دين الله فانه يضر المسلمين اكثر مما ينفعهم .
وهنا انبه إلى أمر مهم وهو ما يمجده بعضهم ، جهاد الدفع واجب على أهل البلد فان لم يستطيعوا فانه يجب على من يواليهم وعلى اقرب البلدان إليهم فيقول إذاً اذهب إلى إخواني هناك وأناصرهم من غير إذن ولي الأمر .
فيقال هذا خطأ مخالف للأدلة الشرعية ومخالف لكلام العلماء الشرعيين المعتبرين .
أما من جهة الأدلة الشرعية فإنه ليس بخاف عليكم قصة أبي بصير وأبي جندل ، فإن أبا بصير وأبا جندل كانوا مستقيلين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عاهد كفار قريش بالعهد المسمى بـ ( صلح الحديبية ) وكان كفار قريش يقاتلون إخواننا المستضعفين في مكة ومع ذلك لم يذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويناصر إخواننا المستضعفين في مكة ، بل لم يخرج أصحابه ممن هم تحت ولايته إلى المستضعفين في مكة وينصروهم ، ولا إلى أبي بصير وأبي جندل فيناصرهم .
فدلكم هذا على أمرين
الأمر الأول : أن وجوب جهاد الدفع متعلق بولي الأمر وهو يقدم المصالح والمفاسد فان كانت لديه القدرة فيجب عليهم نصرة إخوانهم ، فان لم تكن لديه القدرة فالواجب يسقط بعدم الاستطاعة وعدم القدرة والله حسيبه .
الأمر الثاني : أنه لا يجوز لأفراد المسلمين أن يقتاتوا على ولي أمرهم وان يدعوه وان يذهبوا مناصرين لإخوانهم ، بل هم تحت إمرة ولي أمرهم ، لذلك الصحابة كـ ( عمر ) وغيره لم يذهبوا وينصروا إخوانهم من المستضعفين في مكة أو كأبي بصير وأبي جندل .
ومما يؤكد أن جهاد الدفع يسقط عند عدم القدرة ما خرج المسلم من حديث النواس بن سمعان أن الله عز وجل أمر عيسى أن يحرز بعباده إلى الطور فقال ( إن لي عباداً ـ يعني يأجوج ومأجوج ـ لا يزال لك بهم ـ أي لا قدرة لك عليهم ـ فاحرز بعبادي إلى ـ أي شي ـ إلى الطور ) يعني اذهب بهم إلى جبل الطور ، لاحظوا عيسى قتاله قتال دفع أو طلب ؟ دفع ، ومع ذلك أمره الله أن يبعد وان يحفظ المسلمين حتى لا يقتلهم من لا قدرة لهم في مواجهتهم .
( 5 )
المقدمة الثالثة : الجهاد أمر مطلوب في شرع الله ، بل هو من افضل الأعمال وأزكاها ، وفي رواية عن الإمام احمد أن افضل الأعمال التطوعية هو الجهاد ، والنصوص في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم متوافرة متضافرة على بيان فضل الشهيد والجهاد في سبيل الله ، فأسال الله بمنه وفضله وبكرمه وجوده أن يميتني وإياكم ووالدينا شهداء في سبيله مقبلين غير مدبرين وأن يمن علينا باجر الشهداء إنه ولي ذلك والقادر عليه .
فقد خرج مسلم من حديث أبي هريرة ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق .
إلا أن جهاد له شروط وقد تقدم بيان شيءٍ منها وكذلك هو في شرع الله ليس مراد لذاته وإنما مراد لغيره وهو إقامة دين الله كما نص على ذلك الإمام ابن تيمية وابن القيم وابن دقيق العيد وغير واحد من أهل العلم ، ويدل لذلك قوله تعالى ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ) فالقتال ليس مراد لذاته ، لذلك في حديث بريده وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو عدوه من الكفار يدعوه إلى ثلاث خصال ومنها انه يطالبه بالجزية إذا لم يسلم فلو كان الجهاد مراد لذاته ولو كان سفك الدماء مراد لذاته لما طالب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجزية ولقاتل الكفار مباشرة بعد إبائهم عن الإسلام فقد نص على هذا الإمام عبد الرحمن ابن سعدي ، رحمه الله تعالى .
فإذا اتضح لك هذا فينبغي لك أن تعلم أن من يغالون في أمر الجهاد ويجعلونه مراداً لذاته هم مخطئون ومخالفون لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، بل الجهاد مراد لغيره ، فإذا كان اتخاذه نافع للمسلمين اتخذ وان لم يكن اتخاذه نافع للمسلمين ترك ، فهو راجع إلى المصالح والى المفاسد .
قطوة سودة @kto_sod
كبيرة محررات
هذا الموضوع مغلق.
الاخت قطوة سودة
لاشك ان مايصيب المسلمين اليوم هو نتاج ابتعادنا عن ديننا قولا وعملا وهذا لاشك فيه ومن اكبر الابتعاد عن الدين هو التحاكم اليه في الصغيرة والكبيرة وان تركنا الجهاااد الذي امر الله به هو من اسباب تسلط الكفار على المسلمين
وان تعقيبك هو من باب التخذيل والارجاف والتهبيط الذي هو دين المرجئه
واقسم بالله العظيم ورب العرش الكريم لو هوجمت العربيه السعوديه لارئيتي فتاوى الجهاد من كل حدب وصوب كما فعل في اجتياح العراق للكويت وكما في افغانستان
ولكن لان المعتدى ماما امريكا اصبح لايجوز الجهاد فاتقي الله وقولي خيرا
واذا كانت المساله فيها خلاف فاقل مايجب ان لانخذل من يريد الدفاع عن عورات المسلمين ودمائهم
فلو كنتي في العراق واعتدى عليك ابنا الصليب لوجب على الامه انقاذك من عبدة الصليب
فياليت اقل مافي الامر ان نكووووووووون عون لمن يقاتل في سبيل الله ولو بالدعاء ولا نختلق الاعذار
لاشك ان مايصيب المسلمين اليوم هو نتاج ابتعادنا عن ديننا قولا وعملا وهذا لاشك فيه ومن اكبر الابتعاد عن الدين هو التحاكم اليه في الصغيرة والكبيرة وان تركنا الجهاااد الذي امر الله به هو من اسباب تسلط الكفار على المسلمين
وان تعقيبك هو من باب التخذيل والارجاف والتهبيط الذي هو دين المرجئه
واقسم بالله العظيم ورب العرش الكريم لو هوجمت العربيه السعوديه لارئيتي فتاوى الجهاد من كل حدب وصوب كما فعل في اجتياح العراق للكويت وكما في افغانستان
ولكن لان المعتدى ماما امريكا اصبح لايجوز الجهاد فاتقي الله وقولي خيرا
واذا كانت المساله فيها خلاف فاقل مايجب ان لانخذل من يريد الدفاع عن عورات المسلمين ودمائهم
فلو كنتي في العراق واعتدى عليك ابنا الصليب لوجب على الامه انقاذك من عبدة الصليب
فياليت اقل مافي الامر ان نكووووووووون عون لمن يقاتل في سبيل الله ولو بالدعاء ولا نختلق الاعذار
أخ مجاهد
ما يحصل في العراق فتنة وأنت ياأخي الكريم فاهم الجهاد غلط وهذا لاحظته في مواضعيك التي تنشرها
هنا في المنتدى و إن شا الله راح أكتبلك مفهوم الجهاد وشروط الجهاد
والله يهديك
ما يحصل في العراق فتنة وأنت ياأخي الكريم فاهم الجهاد غلط وهذا لاحظته في مواضعيك التي تنشرها
هنا في المنتدى و إن شا الله راح أكتبلك مفهوم الجهاد وشروط الجهاد
والله يهديك
لست مضطره ان تعرفي اني اختك في الاسلام لكن اذا كان الامر ضروري اخبرتك بهاتفي ويمكنك الاتصال لتتاكدي من ذلك
وشروط الجهاد اعرفها قبل ما اعرف اسمك في هذا المنتدى
قال ابن تيمية رحمه الله
ثم قال تعالى : { قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا } .
قال العلماء : كان من المنافقين من يرجع من الخندق ، فيدخل المدينة ، فإذا جاءهم أحد قالوا له : ( ويحك أجلس فلا تخرج ) ويكتبون بذلك إلى إخوانهم الذين بالعسكر أن أئتونا بالمدينة فإنا ننتظركم ، يثبطونهم عن القتال ، وكانوا لا يأتون العسكر إلا ان لا يجدوا بدا ، فيأتون العسكر ليرى الناس وجوههم ، فإذا غفل عنهم عادوا إلىالمدينة ، فإنصرف بعضهم من عند النبى صلى الله عليه وسلم فوجد أخاه لأبيه وأمه وعنده شواء ونبيذ ، فقال : أنت ههنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف ؟! ، فقال : هلم إلي فقد أحيط بك وبصاحبك .
فوصف المثبطين عن الجهاد وهم صنفان بأنهم : إما أن يكونوا فى بلد الغزاة أوفى غيره ، فإن كانوا فيه عوقوهم عن الجهاد بالقول او بالعمل او بهما ، وإن كانوا فى غيره راسلوهم او كاتبوهم بأن يخرجوا إليهم من بلد الغزاة ليكونوا معهم بالحصون أو بالبعد .
كما جرى فى هذه لغزاة ، فإن أقواما فى العسكر والمدينة وغيرهما صاروا يعوقون من أراد الغزو ، وأقواما بعثوا من المعاقل والحصون وغيرهاإلى إخوانهم هلم إلينا .
قال الله تعالى فيهم : { ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم } أى بخلاء عليكم بالقتال معكم وفي النفقة فى سبيل الله ، وقال مجاهد : ( بخلاء عليكم بالخير والظفر والغنيمة ) وهذه حال من بخل على المؤمنين بنفسه وماله أو شح عليهم بفضل الله من نصره ورزقه الذي يجريه بفعل غيره ، فإن أقواما يشحون بمعروفهم ، وأقواما يشحون بمعروف الله وفضله وهم الحساد .
ثم قال تعالى : { فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذى يغشى عليه من الموت } من شدة الرعب الذى فى قلوبهم يشبهون المغمى عليه وقت النزع ، فإنه يخاف ويذهل عقله ويشخص بصره ولا يطرف ، فكذلك هؤلاء لأنهم يخافون القتل .
فإذا ذهب الخوف سلقوكم بالسنة حداد ! ويقال فى اللغة " صلقوكم " وهو رفع الصوت بالكلام المؤذى ، ومنه الصالقة : وهى التى ترفع صوتها بالمصيبة ، يقال صلقه وسلقه - وقد قرأ طائفة من السلف بها لكنها خارجة عن المصحف - إذا خاطبه خطابا شديدا قويا ، ويقال " خطيب مسلاق " إذا كان بليغا فى خطبته ، لكن الشدة هنا فى الشر لا فى الخير ، كما قال : { بألسنة حداد أشحة على الخير } وهذ السلق بالألسنة الحادة يكون بوجوه :
تارة يقول المنافقون للمؤمنين : هذا الذى جرى علينا بشؤمكم ، فإنكم أنتم الذين دعوتم الناس إلى هذا الدين وقاتلتم عليه وخالفتموهم ، فإن هذه مقالة المنافقين للمؤمنين من الصحابة .
وتارة يقولون : أنتم الذين أشرتم علينا بالمقام هنا والثبات بهذا الثغر إلى هذا الوقت ، وإلا فلو كنا سافرنا قبل هذا لما أصابنا هذا .
وتارة يقولون : أنتم مع قلتكم وضعفكم تريدون أن تكسروا العدو وقد غركم دينكم ، كما قال تعالى : { إذ يقول المنافقون والذين فىقلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم } .
وتارة يقولون : أنتم مجانين لاعقل لكم ، تريدون أن تهلكوا أنفسكم والناس معكم .
وتارة يقولون أنواعا من الكلام المؤذى الشديد ، وهم مع ذلك أشحة على الخير - أى حراص على الغنيمة والمال الذى قد حصل لكم - قال قتادة : ( أن كان وقت قسمة الغنيمة بسطوا ألسنتهم فيكم ، يقولون أعطونا فلستم بأحق بها منا ، فأما عند البأس فأجبن قوم وأخذلهم للحق ، وأما عند الغنيمة فأشح قوم ) ، وقيل أشحة على الخير : أى بخلاء به ، لا ينفعون لا بنفوسهم ولا بأموالهم .
وأصل الشح : شدة الحرص الذى يتولد عنه البخل والظلم من منع الحق وأخذ الباطل ، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم : (( إياكم والشح ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالبخل فبخلوا ، وأمرهم بالظلم فظلموا ، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا )) .
فهؤلاء أشحاء على إخوانهم - أى بخلاء عليهم - وأشحاء على الخير - أى حراص عليه فلا ينفقونه- كما قال : { وإنه لحب الخير لشديد } .
ثم قال تعالى : { يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون فى الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا } .
فوصفهم بثلاثة أوصاف :
أحدها : أنهم لفرط خوفهم يحسبون الأحزاب لم ينصرفوا عن البلد ، وهذه حال الجبان الذى فى قلبه مرض ، فإن قلبه يبادر إلى تصديق الخبر المخوف وتكذيب خبر الأمن .
الوصف الثانى : أن الأحزاب إذا جاءوا تمنوا أن لا يكونوا بينكم ، بل يكونوا فى البادية بين الأعراب يسألون عن أنبائكم ، إيش خبر المدينة ؟ وإيش جرى للناس ؟ .
والوصف الثالث : أن الأحزاب إذا أتوا وهم فيكم لم يقاتلوا إلا قليلا .
وهذه الصفات الثلاث منطبقة على كثير من الناس فى هذه الغزوة ، كما يعرفونه من أنفسهم ، ويعرفه منهم من خبرهم .
ثم قال تعالى : { لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } سبحانه أن الذين يبتلون بالعدو ، كما إبتلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلهم فيه أسوة حسنة حيث أصابهم مثل ما أصابه ، فليتأسوا به فى التوكل والصبر ، ولا يظنون أن هذه نقم لصاحبها وإهانة له ، فإنه لو كان كذلك ما إبتلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الخلائق ، بل بها ينال الدرجات العالية ، وبها يكفر الله الخطايا{ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثير } وإلا فقد يبتلى بذلك من ليس كذلك ، فيكون فى حقه عذابا كالكفار والمنافقين .
ثم قال تعالى : { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما } .
قال العلماء : كان الله قد أنزل فى سورة البقرة { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } فبين الله سبحانه منكرا على من حسب خلاف ذلك أنهم لا يدخلون الجنة إلابعد أن يبتلوا مثل هذه الأمم قبلهم بالبأساء - وهى الحاجة والفاقة - و الضراء - وهى الوجع والمرض والزلزال وهى زلزلة العدو - ، فلما جاء الأحزاب عام الخندق ، فرأوهم ، قالوا : { هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله } وعلموا أن الله قد إبتلاهم بالزلزال ، وأتاهم مثل الذين خلوا من قبلهم وما زادهم إلا إيمانا وتسليما لحكم الله وأمره ، وهذه حال أقوام فى هذه الغزوة قالوا ذلك .
وكذلك قوله : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه } أى عهده الذى عاهد الله عليه ، فقاتل حتى قتل ، أو عاش .
والنحب : النذر والعهد ، وأصله من النحيب ، وهو الصوت ، ومنه الإنتحاب فى البكاء ، وهو الصوت الذى تكلم به فى العهد ، ثم لما كان عهدهم هو نذرهم الصدق فى اللقاء ، ومن صدق فى اللقاء فقد يقتل ، صار يفهم من قوله قضى نحبه : أنه إستشهد ، لا سيما إذا كان النحب نذر الصدق فى جميع المواطن ، فإنه لا يقضيه إلا بالموت ، وقضاء النحب هو الوفاء بالعهد ، كما قال تعالى : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه } أى أكمل الوفاء ، وذلك لمن كان عهده مطلقا بالموت أو القتل ، { ومنهم من ينتظر } قضاءه ، إذا كان قد وفى البعض فهو ينتظر تمام العهد - وأصل القضاء الأتمام والأكمال -
{ ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما }
بين الله سبحانه أنه أتى بالأحزاب ليجزى الصادقين بصدقهم ، حيث صدقوا فى إيمانهم ، كما قال تعالى : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله أولئك هم الصادقون } فحصر الإيمان فى المؤمنين المجاهدين وأخبر أنهم هم الصادقون فى قولهم " آمنا " لامن قال كما قالت الاعراب " آمنا " والإيمان لم يدخل فى قلوبهم بل انقادوا وإستسلموا .
وأما المنافقون فهم بين أمرين : إما أن يعذبهم ، وإما أن يتوب عليهم ، فهذا حال الناس فى الخندق ، وفى هذه الغزاة .
وأيضا فإن الله تعالى إبتلى الناس بهذه الفتنة ، ليجزى الصادقين بصدقهم -وهم الثابتون الصابرون لينصروا الله ورسوله .
{ ويعذب المنافقين إن شاء او يتوب عليهم } ونحن نرجو من الله أن يتوب على خلق كثير من هؤلاء المذموين ، فإن منهم من ندم والله سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، وقد فتح الله للتوبة بابا من قبل المغرب عرضه أربعون سنة لا يغلقه حتى تطلع الشمس من مغربها .
وقد ذكر أهل المغازى - منهم إبن إسحق - أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى الخندق : (( الآن تغزوهم ولا يغزونا )) فما غزت قريش ولا غطفان ولا اليهود المسلمين بعدها ، بل غزاهم المسلمون ففتحوا خيبر ثم فتحوا مكة كذلك .
إن شاء الله هؤلاءالأحزاب من المغل وأصناف الترك ومن الفرس والمستعربة والنصارى ونحوهم من أصناف الخارجين عن شريعة الإسلام ، الآن نغزوهم ولا يغزونا .
ويتوب الله على من يشاء من المسلمين الذين خالط قلوبهم مرض أو نفاق بأن ينيبوا إلى ربهم ويحسن ظنهم بالإسلام وتقوى عزيمتهم على جهاد عدوهم ، فقد أراهم الله من الآيات ما فيه عبرة لأولى الأبصار ، كما قال : { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا } فإن الله صرف الأحزاب عام الخندق بما أرسل عليهم من ريح الصبا - ريح شديدة باردة - وبما فرق بين قلوبهم حتى شتت شملهم ولم ينالوا خيرا ، إذا كان همهم فتح المدينة والإستيلاء عليها وعلى الرسول والصحابة ، كما كان هم هذا العدو فتح الشام والإستيلاء على من بها من المسلمين ، فردهم الله بغيظهم حيث أصابهم من الثلج العظيم والبرد الشديد والريح العاصف والجوع المزعج ما الله به عليم .
وقد كان بعض الناس يكره تلك الثلوج والأمطار العظيمة التى وقعت فى هذا العام ، حتى طلبوا الإستصحاء غير مرة ، وكنا نقول لهم هذا فيه خيرة عظيمة وفيه لله حكمه وسر فلا تكرهوه ، فكان من حكمته أنه فيما قيل أصاب قازان وجنوده حتى أهلكهم ، وهو كان فيما قيل سبب رحيلهم ، وإبتلى به المسلمون ليتبين من يصبر على أمر الله وحكمه ممن يفر عن طاعته وجهاد عدوه .
وكان مبدأ رحيل قازان فيمن معه من أرض الشأم وأراضى حلب ، يوم الأثنين حادى عشر جمادى الأولى ، يوم دخلت مصر عقيب العسكر ، وإجتمعت بالسلطان وأمراء المسلمين ، وألقى الله فى قلوبهم من الإهتمام بالجهاد ما ألقاه ، فلما ثبت الله قلوب المسلمين صرف العدو جزاء منه وبيانا أن النية الخالصة والهمة الصادقة ينصر الله بها وإن لم يقع الفعل وإن تباعدت الديار.
وذكر إن الله فرق بين قلوب هؤلاء المغل والكرج ، وألقى بينهم تباغضا وتعاديا ، كما ألقى سبحانه عام الأحزاب بين قريش وعطفان وبين اليهود - كما ذكر ذلك أهل المغازى - فإنه لم يتسع هذا المكان لأن نصف فيه قصة الخندق بل من طالعها علم صحة ذلك ، كما ذكره أهل المغازى مثل عروة بن الزبير والزهرى وموسى بن عقبة وسعيد بن يحيى الأموى ومحمد بن عائذ ومحمد بن إسحق والواقدى وغيرهم .
ثم تبقى بالشأم منهم بقايا ، سار إليهم من عسكر دمشق أكثرهم مضافا إلى عسكر حماة وحلب وما هنالك ، وثبت المسلمون بإزائهم ، وكانوا أكثر من المسلمين بكثير لكن فى ضعف شديد وتقربوا إلى حماة ، وأذلهم الله تعالى ، فلم يقدموا على المسلمين قط ، وصار من المسلمين من يريد الإقدام عليهم فلم يوافقه غيره ، فجرت مناوشات صغار ، كما جرى فى غزوة الخندق حيث قتل على بن أبى طالب رضى الله عنه فيها عمرو بن عبد ود العامرى لما إقتحم الخندق هو ونفر قليل من المشركين .
كذلك صار يتقرب بعض العدو ، فيكسرهم المسلمون ، مع كون العدو المتقرب أضعاف من قد سرى إليه من المسلمين ، وما من مرة إلا وقد كان المسلمون مسظهرين عليهم ، وساق المسلمون خلفهم فى آخر النوبات فلم يدركوهم إلا عند عبور الفرات وبعضهم فى جزيرة فيها ، فرأوا أوائل المسلمين فهربوا منهم وخالطوهم وأصاب المسلمون بعضهم ، وقيل إنه غرق بعضهم .
وكان عبورهم وخلو الشأم منهم فى أوائل رجب ،بعدأن جرى ما بين عبور قازان أولا ، وهذا العبور رجفات ووقعات صغار .
وعزمنا على الذهاب إلى حماة غيره مرة لاجل الغزاة لما بلغنا أن المسلمين يريدون غزو الذين بقوا ، وثبت بإزائهم المقدم الذى بحماة ومن معهم من العسكر ومن أتاه من دمشق ، وعزموا على لقائهم ونالوا أجرا عظيما ، وقد قيل إنهم كانوا عدة كمانات إما ثلاثة أو أربعة ، فكان من المقدر أنه إذا عزم الأمر وصدق المؤمنون الله يلقى فى قلوب عدوهم الرعب فيهربون ، لكن أصابوا من البليدات بالشمال مثل تيزين و الفوعة و معرة مصرين وغيرها مالم يكونوا وطئوه فى العام الماضى .
وقيل إن كثيرا من تلك البلاد كان فيهم ميل إليهم بسبب الرفض أن عند بعضهم فرامين منهم لكن هؤلاء ظلمة ومن أعان ظالما بلى به ، والله تعالى يقول : { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون } .
وقد ظاهروهم على المسلمين الذين كفروا من أهل الكتاب من أهل سيس والأفرنج ، فنحن نرجو من الله أن ينزلهم من صياصيهم - وهى الحصون ، ويقال للقرون الصياصى - ويقذف فى قلوبهم الرعب ، وقد فتح الله تلك البلاد .
ونغزوهم -إن شاء الله تعالى - فنفتح أرض العراق وغيرها ، وتعلو كلمة الله ويظهر دينه .
فإن هذه الحادثة كان فيها أمور عظيمة جازت حد القياس وخرجت عن سنن العادة ، وظهر لكل ذى عقل من تأييد الله لهذا الدين وعنايته بهذه الأمة وحفظه للأرض التى بارك فيها للعالمين ، بعد أن كاد الإسلام أن ينثلم ، وكر العدو كرة فلم يلو عن ، وخذل الناصرون فلم يلووا على ، وتحير السائرون فلم يدروا من ولا إلى ، وإنقطعت الأسباب الظاهرة ، وأهطعت الأحزاب القاهرة ، وإنصرفت الفئة الناصرة ، وتخاذلت القلوب المتناصرة ، وثبتت الفئة الناصرة ، وأيقنت بالنصر القلوب الطاهرة ، وإستنجزت من الله وعده العصابة المنصورة الظاهرة ، ففتح الله أبواب سمواته لجنوده القاهرة ، وأظهر على الحق آياته الباهرة ، وأقام عمود الكتاب بعد ميله ، وثبت لواء الدين بقوته وحوله ، وأرغم معاطس أهل الكفر والنفاق ، وجعل ذلك آية للمؤمنين إلى يوم التلاق .
فالله يتم هذه النعم بجمع قلوب أهل الإيمان على جهاد أهل الطغيان ، ويجعل هذه المنة الجسيمة مبدأ لكل منحة كريمة ، وأساسا لإقامة الدعوة النبوية القويمة ، ويشفى صدور المؤمنين من أعاديهم ، ويمكنهم من دانيهم وقاصيهم .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .
قال الشيخ رحمه الله : كتب أول هذا الكتاب بعد رحيل قازان وجنوده ، لما رجعت من مصر فى جمادى الآخرة ، وأشاعوا أنه لم يبق منهم أحد ، ثم لما بقيت تلك الطائفة إشتغلنا بالإهتمام بجهادهم ، وقصد الذهاب إلى إخواننا بحماة وتحريض الأمراء على ذلك حتى جاءنا الخبر بإنصراف المتبقين منهم ، فكتبته فى رجب .
والله أعلم
والحمد لله وحده
وصلىالله على أشرف الخلق محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
وشروط الجهاد اعرفها قبل ما اعرف اسمك في هذا المنتدى
قال ابن تيمية رحمه الله
ثم قال تعالى : { قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا } .
قال العلماء : كان من المنافقين من يرجع من الخندق ، فيدخل المدينة ، فإذا جاءهم أحد قالوا له : ( ويحك أجلس فلا تخرج ) ويكتبون بذلك إلى إخوانهم الذين بالعسكر أن أئتونا بالمدينة فإنا ننتظركم ، يثبطونهم عن القتال ، وكانوا لا يأتون العسكر إلا ان لا يجدوا بدا ، فيأتون العسكر ليرى الناس وجوههم ، فإذا غفل عنهم عادوا إلىالمدينة ، فإنصرف بعضهم من عند النبى صلى الله عليه وسلم فوجد أخاه لأبيه وأمه وعنده شواء ونبيذ ، فقال : أنت ههنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرماح والسيوف ؟! ، فقال : هلم إلي فقد أحيط بك وبصاحبك .
فوصف المثبطين عن الجهاد وهم صنفان بأنهم : إما أن يكونوا فى بلد الغزاة أوفى غيره ، فإن كانوا فيه عوقوهم عن الجهاد بالقول او بالعمل او بهما ، وإن كانوا فى غيره راسلوهم او كاتبوهم بأن يخرجوا إليهم من بلد الغزاة ليكونوا معهم بالحصون أو بالبعد .
كما جرى فى هذه لغزاة ، فإن أقواما فى العسكر والمدينة وغيرهما صاروا يعوقون من أراد الغزو ، وأقواما بعثوا من المعاقل والحصون وغيرهاإلى إخوانهم هلم إلينا .
قال الله تعالى فيهم : { ولا يأتون البأس إلا قليلا أشحة عليكم } أى بخلاء عليكم بالقتال معكم وفي النفقة فى سبيل الله ، وقال مجاهد : ( بخلاء عليكم بالخير والظفر والغنيمة ) وهذه حال من بخل على المؤمنين بنفسه وماله أو شح عليهم بفضل الله من نصره ورزقه الذي يجريه بفعل غيره ، فإن أقواما يشحون بمعروفهم ، وأقواما يشحون بمعروف الله وفضله وهم الحساد .
ثم قال تعالى : { فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذى يغشى عليه من الموت } من شدة الرعب الذى فى قلوبهم يشبهون المغمى عليه وقت النزع ، فإنه يخاف ويذهل عقله ويشخص بصره ولا يطرف ، فكذلك هؤلاء لأنهم يخافون القتل .
فإذا ذهب الخوف سلقوكم بالسنة حداد ! ويقال فى اللغة " صلقوكم " وهو رفع الصوت بالكلام المؤذى ، ومنه الصالقة : وهى التى ترفع صوتها بالمصيبة ، يقال صلقه وسلقه - وقد قرأ طائفة من السلف بها لكنها خارجة عن المصحف - إذا خاطبه خطابا شديدا قويا ، ويقال " خطيب مسلاق " إذا كان بليغا فى خطبته ، لكن الشدة هنا فى الشر لا فى الخير ، كما قال : { بألسنة حداد أشحة على الخير } وهذ السلق بالألسنة الحادة يكون بوجوه :
تارة يقول المنافقون للمؤمنين : هذا الذى جرى علينا بشؤمكم ، فإنكم أنتم الذين دعوتم الناس إلى هذا الدين وقاتلتم عليه وخالفتموهم ، فإن هذه مقالة المنافقين للمؤمنين من الصحابة .
وتارة يقولون : أنتم الذين أشرتم علينا بالمقام هنا والثبات بهذا الثغر إلى هذا الوقت ، وإلا فلو كنا سافرنا قبل هذا لما أصابنا هذا .
وتارة يقولون : أنتم مع قلتكم وضعفكم تريدون أن تكسروا العدو وقد غركم دينكم ، كما قال تعالى : { إذ يقول المنافقون والذين فىقلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم } .
وتارة يقولون : أنتم مجانين لاعقل لكم ، تريدون أن تهلكوا أنفسكم والناس معكم .
وتارة يقولون أنواعا من الكلام المؤذى الشديد ، وهم مع ذلك أشحة على الخير - أى حراص على الغنيمة والمال الذى قد حصل لكم - قال قتادة : ( أن كان وقت قسمة الغنيمة بسطوا ألسنتهم فيكم ، يقولون أعطونا فلستم بأحق بها منا ، فأما عند البأس فأجبن قوم وأخذلهم للحق ، وأما عند الغنيمة فأشح قوم ) ، وقيل أشحة على الخير : أى بخلاء به ، لا ينفعون لا بنفوسهم ولا بأموالهم .
وأصل الشح : شدة الحرص الذى يتولد عنه البخل والظلم من منع الحق وأخذ الباطل ، كما قال النبى صلى الله عليه وسلم : (( إياكم والشح ، فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالبخل فبخلوا ، وأمرهم بالظلم فظلموا ، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا )) .
فهؤلاء أشحاء على إخوانهم - أى بخلاء عليهم - وأشحاء على الخير - أى حراص عليه فلا ينفقونه- كما قال : { وإنه لحب الخير لشديد } .
ثم قال تعالى : { يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون فى الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا } .
فوصفهم بثلاثة أوصاف :
أحدها : أنهم لفرط خوفهم يحسبون الأحزاب لم ينصرفوا عن البلد ، وهذه حال الجبان الذى فى قلبه مرض ، فإن قلبه يبادر إلى تصديق الخبر المخوف وتكذيب خبر الأمن .
الوصف الثانى : أن الأحزاب إذا جاءوا تمنوا أن لا يكونوا بينكم ، بل يكونوا فى البادية بين الأعراب يسألون عن أنبائكم ، إيش خبر المدينة ؟ وإيش جرى للناس ؟ .
والوصف الثالث : أن الأحزاب إذا أتوا وهم فيكم لم يقاتلوا إلا قليلا .
وهذه الصفات الثلاث منطبقة على كثير من الناس فى هذه الغزوة ، كما يعرفونه من أنفسهم ، ويعرفه منهم من خبرهم .
ثم قال تعالى : { لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا } سبحانه أن الذين يبتلون بالعدو ، كما إبتلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلهم فيه أسوة حسنة حيث أصابهم مثل ما أصابه ، فليتأسوا به فى التوكل والصبر ، ولا يظنون أن هذه نقم لصاحبها وإهانة له ، فإنه لو كان كذلك ما إبتلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم خير الخلائق ، بل بها ينال الدرجات العالية ، وبها يكفر الله الخطايا{ لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثير } وإلا فقد يبتلى بذلك من ليس كذلك ، فيكون فى حقه عذابا كالكفار والمنافقين .
ثم قال تعالى : { ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما } .
قال العلماء : كان الله قد أنزل فى سورة البقرة { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب } فبين الله سبحانه منكرا على من حسب خلاف ذلك أنهم لا يدخلون الجنة إلابعد أن يبتلوا مثل هذه الأمم قبلهم بالبأساء - وهى الحاجة والفاقة - و الضراء - وهى الوجع والمرض والزلزال وهى زلزلة العدو - ، فلما جاء الأحزاب عام الخندق ، فرأوهم ، قالوا : { هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله } وعلموا أن الله قد إبتلاهم بالزلزال ، وأتاهم مثل الذين خلوا من قبلهم وما زادهم إلا إيمانا وتسليما لحكم الله وأمره ، وهذه حال أقوام فى هذه الغزوة قالوا ذلك .
وكذلك قوله : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه } أى عهده الذى عاهد الله عليه ، فقاتل حتى قتل ، أو عاش .
والنحب : النذر والعهد ، وأصله من النحيب ، وهو الصوت ، ومنه الإنتحاب فى البكاء ، وهو الصوت الذى تكلم به فى العهد ، ثم لما كان عهدهم هو نذرهم الصدق فى اللقاء ، ومن صدق فى اللقاء فقد يقتل ، صار يفهم من قوله قضى نحبه : أنه إستشهد ، لا سيما إذا كان النحب نذر الصدق فى جميع المواطن ، فإنه لا يقضيه إلا بالموت ، وقضاء النحب هو الوفاء بالعهد ، كما قال تعالى : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه } أى أكمل الوفاء ، وذلك لمن كان عهده مطلقا بالموت أو القتل ، { ومنهم من ينتظر } قضاءه ، إذا كان قد وفى البعض فهو ينتظر تمام العهد - وأصل القضاء الأتمام والأكمال -
{ ليجزى الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما }
بين الله سبحانه أنه أتى بالأحزاب ليجزى الصادقين بصدقهم ، حيث صدقوا فى إيمانهم ، كما قال تعالى : { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم فى سبيل الله أولئك هم الصادقون } فحصر الإيمان فى المؤمنين المجاهدين وأخبر أنهم هم الصادقون فى قولهم " آمنا " لامن قال كما قالت الاعراب " آمنا " والإيمان لم يدخل فى قلوبهم بل انقادوا وإستسلموا .
وأما المنافقون فهم بين أمرين : إما أن يعذبهم ، وإما أن يتوب عليهم ، فهذا حال الناس فى الخندق ، وفى هذه الغزاة .
وأيضا فإن الله تعالى إبتلى الناس بهذه الفتنة ، ليجزى الصادقين بصدقهم -وهم الثابتون الصابرون لينصروا الله ورسوله .
{ ويعذب المنافقين إن شاء او يتوب عليهم } ونحن نرجو من الله أن يتوب على خلق كثير من هؤلاء المذموين ، فإن منهم من ندم والله سبحانه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، وقد فتح الله للتوبة بابا من قبل المغرب عرضه أربعون سنة لا يغلقه حتى تطلع الشمس من مغربها .
وقد ذكر أهل المغازى - منهم إبن إسحق - أن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى الخندق : (( الآن تغزوهم ولا يغزونا )) فما غزت قريش ولا غطفان ولا اليهود المسلمين بعدها ، بل غزاهم المسلمون ففتحوا خيبر ثم فتحوا مكة كذلك .
إن شاء الله هؤلاءالأحزاب من المغل وأصناف الترك ومن الفرس والمستعربة والنصارى ونحوهم من أصناف الخارجين عن شريعة الإسلام ، الآن نغزوهم ولا يغزونا .
ويتوب الله على من يشاء من المسلمين الذين خالط قلوبهم مرض أو نفاق بأن ينيبوا إلى ربهم ويحسن ظنهم بالإسلام وتقوى عزيمتهم على جهاد عدوهم ، فقد أراهم الله من الآيات ما فيه عبرة لأولى الأبصار ، كما قال : { ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا } فإن الله صرف الأحزاب عام الخندق بما أرسل عليهم من ريح الصبا - ريح شديدة باردة - وبما فرق بين قلوبهم حتى شتت شملهم ولم ينالوا خيرا ، إذا كان همهم فتح المدينة والإستيلاء عليها وعلى الرسول والصحابة ، كما كان هم هذا العدو فتح الشام والإستيلاء على من بها من المسلمين ، فردهم الله بغيظهم حيث أصابهم من الثلج العظيم والبرد الشديد والريح العاصف والجوع المزعج ما الله به عليم .
وقد كان بعض الناس يكره تلك الثلوج والأمطار العظيمة التى وقعت فى هذا العام ، حتى طلبوا الإستصحاء غير مرة ، وكنا نقول لهم هذا فيه خيرة عظيمة وفيه لله حكمه وسر فلا تكرهوه ، فكان من حكمته أنه فيما قيل أصاب قازان وجنوده حتى أهلكهم ، وهو كان فيما قيل سبب رحيلهم ، وإبتلى به المسلمون ليتبين من يصبر على أمر الله وحكمه ممن يفر عن طاعته وجهاد عدوه .
وكان مبدأ رحيل قازان فيمن معه من أرض الشأم وأراضى حلب ، يوم الأثنين حادى عشر جمادى الأولى ، يوم دخلت مصر عقيب العسكر ، وإجتمعت بالسلطان وأمراء المسلمين ، وألقى الله فى قلوبهم من الإهتمام بالجهاد ما ألقاه ، فلما ثبت الله قلوب المسلمين صرف العدو جزاء منه وبيانا أن النية الخالصة والهمة الصادقة ينصر الله بها وإن لم يقع الفعل وإن تباعدت الديار.
وذكر إن الله فرق بين قلوب هؤلاء المغل والكرج ، وألقى بينهم تباغضا وتعاديا ، كما ألقى سبحانه عام الأحزاب بين قريش وعطفان وبين اليهود - كما ذكر ذلك أهل المغازى - فإنه لم يتسع هذا المكان لأن نصف فيه قصة الخندق بل من طالعها علم صحة ذلك ، كما ذكره أهل المغازى مثل عروة بن الزبير والزهرى وموسى بن عقبة وسعيد بن يحيى الأموى ومحمد بن عائذ ومحمد بن إسحق والواقدى وغيرهم .
ثم تبقى بالشأم منهم بقايا ، سار إليهم من عسكر دمشق أكثرهم مضافا إلى عسكر حماة وحلب وما هنالك ، وثبت المسلمون بإزائهم ، وكانوا أكثر من المسلمين بكثير لكن فى ضعف شديد وتقربوا إلى حماة ، وأذلهم الله تعالى ، فلم يقدموا على المسلمين قط ، وصار من المسلمين من يريد الإقدام عليهم فلم يوافقه غيره ، فجرت مناوشات صغار ، كما جرى فى غزوة الخندق حيث قتل على بن أبى طالب رضى الله عنه فيها عمرو بن عبد ود العامرى لما إقتحم الخندق هو ونفر قليل من المشركين .
كذلك صار يتقرب بعض العدو ، فيكسرهم المسلمون ، مع كون العدو المتقرب أضعاف من قد سرى إليه من المسلمين ، وما من مرة إلا وقد كان المسلمون مسظهرين عليهم ، وساق المسلمون خلفهم فى آخر النوبات فلم يدركوهم إلا عند عبور الفرات وبعضهم فى جزيرة فيها ، فرأوا أوائل المسلمين فهربوا منهم وخالطوهم وأصاب المسلمون بعضهم ، وقيل إنه غرق بعضهم .
وكان عبورهم وخلو الشأم منهم فى أوائل رجب ،بعدأن جرى ما بين عبور قازان أولا ، وهذا العبور رجفات ووقعات صغار .
وعزمنا على الذهاب إلى حماة غيره مرة لاجل الغزاة لما بلغنا أن المسلمين يريدون غزو الذين بقوا ، وثبت بإزائهم المقدم الذى بحماة ومن معهم من العسكر ومن أتاه من دمشق ، وعزموا على لقائهم ونالوا أجرا عظيما ، وقد قيل إنهم كانوا عدة كمانات إما ثلاثة أو أربعة ، فكان من المقدر أنه إذا عزم الأمر وصدق المؤمنون الله يلقى فى قلوب عدوهم الرعب فيهربون ، لكن أصابوا من البليدات بالشمال مثل تيزين و الفوعة و معرة مصرين وغيرها مالم يكونوا وطئوه فى العام الماضى .
وقيل إن كثيرا من تلك البلاد كان فيهم ميل إليهم بسبب الرفض أن عند بعضهم فرامين منهم لكن هؤلاء ظلمة ومن أعان ظالما بلى به ، والله تعالى يقول : { وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون } .
وقد ظاهروهم على المسلمين الذين كفروا من أهل الكتاب من أهل سيس والأفرنج ، فنحن نرجو من الله أن ينزلهم من صياصيهم - وهى الحصون ، ويقال للقرون الصياصى - ويقذف فى قلوبهم الرعب ، وقد فتح الله تلك البلاد .
ونغزوهم -إن شاء الله تعالى - فنفتح أرض العراق وغيرها ، وتعلو كلمة الله ويظهر دينه .
فإن هذه الحادثة كان فيها أمور عظيمة جازت حد القياس وخرجت عن سنن العادة ، وظهر لكل ذى عقل من تأييد الله لهذا الدين وعنايته بهذه الأمة وحفظه للأرض التى بارك فيها للعالمين ، بعد أن كاد الإسلام أن ينثلم ، وكر العدو كرة فلم يلو عن ، وخذل الناصرون فلم يلووا على ، وتحير السائرون فلم يدروا من ولا إلى ، وإنقطعت الأسباب الظاهرة ، وأهطعت الأحزاب القاهرة ، وإنصرفت الفئة الناصرة ، وتخاذلت القلوب المتناصرة ، وثبتت الفئة الناصرة ، وأيقنت بالنصر القلوب الطاهرة ، وإستنجزت من الله وعده العصابة المنصورة الظاهرة ، ففتح الله أبواب سمواته لجنوده القاهرة ، وأظهر على الحق آياته الباهرة ، وأقام عمود الكتاب بعد ميله ، وثبت لواء الدين بقوته وحوله ، وأرغم معاطس أهل الكفر والنفاق ، وجعل ذلك آية للمؤمنين إلى يوم التلاق .
فالله يتم هذه النعم بجمع قلوب أهل الإيمان على جهاد أهل الطغيان ، ويجعل هذه المنة الجسيمة مبدأ لكل منحة كريمة ، وأساسا لإقامة الدعوة النبوية القويمة ، ويشفى صدور المؤمنين من أعاديهم ، ويمكنهم من دانيهم وقاصيهم .
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .
قال الشيخ رحمه الله : كتب أول هذا الكتاب بعد رحيل قازان وجنوده ، لما رجعت من مصر فى جمادى الآخرة ، وأشاعوا أنه لم يبق منهم أحد ، ثم لما بقيت تلك الطائفة إشتغلنا بالإهتمام بجهادهم ، وقصد الذهاب إلى إخواننا بحماة وتحريض الأمراء على ذلك حتى جاءنا الخبر بإنصراف المتبقين منهم ، فكتبته فى رجب .
والله أعلم
والحمد لله وحده
وصلىالله على أشرف الخلق محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
حذَّر فضيلة الشيخ د. صالح بن غانم السدلان أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من خطورة إصدار الفتاوى العامة بغير علم كالجهاد وغيره من قبل فرد أو عدة أفراد دون التحري أو التأكد من صحة ما ذهب إليه وأفتى به أو الرجوع إلى أهل الاختصاص وأصحاب الرأي والعلم . . واعتبر ذلك بأنه تغرير.
ولام الشيخ السدلان في حديث خص به (الجزيرة) الأشخاص ممن ينصِّبون أنفسهم للفتوى ويجيبون عن الأسئلة الشرعية العامة التي توجه إليهم ويحلِّلون ويحرِّمون ويجيزون في أمور شرعية حساسة ويحسبه ويظنه آخرون صحيحاً ومن نص القرآن بينما هو عكس ذلك. وقال: لا ينبغي أن تُوجه إلا المجامع والمجالس الفقهية.
ورأى في هذا السياق أن مثل هذه التجاوزات تعتبر تحدياً سافراً على العلماء وحقوقهم وتفتح الباب على مصراعيه أمام الجاهلين وأدعياء العلم والمعرفة في الأمور الشرعية.
وقال الشيخ السدلان: إذا كانت الفتوى تمس شخصاً وحياة فرد فهي ذات خطورة . . ولها أمور عكسية فكيف إذا كانت تتعلق بأمر عام وتخص شؤون المسلمين فخطرها أكثر ضرراً وفداحة وأشد وطأة . . وطالب في هذا الصدد الشخص المفتي قبل إصدار فتواه ونشرها سواء على الخاصة أو العامة أن يراعي فيها مصالح الأمة بما يتفق مع الكتاب والسنة وكذا أن يراعي المصالح ويسعى إلى درء المفاسد . . ولفت إلى أن المفتي الفطن والمالك لزمام الأمور الشرعية هو الذي يصدر الفتوى بما تتناسب مع الظروف والأحوال والمتغيرات التي تمر بها الأمة.
وشدَّد السدلان على أن تكون الفتوى فيها مصلحة عامة للمسلمين وسداً ذريعاً ودحضاً للشبهات ووضعاً للأمور في نصابها الصحيح والطريق السليم . . داعياً كل شخص بأن يبرئ نفسه عن كل ما يعرض نفسه لمثل هذه الأمور والموضوعات الحساسة والمسائل الشرعية الخطيرة . . ورأى أن الأسئلة العامة يجب أن تترك لأصحاب الشأن والاختصاص والمعنيين بالأمر وتقدم رسمياً إلى مجالس المجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء لتتولى بنفسها وضع النقاط على الحروف والإجابة عن التساؤلات حول الأمور الشرعية العامة وإقرار ذلك شرعاً بالإجماع سواء ما يتعلق بالجهاد أو غيره وإصدار الحكم سواءً بجوازه أو بعدمه لتكون الأمور واضحة ويكون الشخص على بينة من أمره.
وضرب الشيخ السدلان في معرض حديثه مثالاً إلى ما صدر قبل فترة قصيرة من فتوى تتعلق بالعراق وما يجري على أرضه ووقعت من قبل (26) عالماً وما أحدثته من شبهات وبلبلة في أوساط أفراد المجتمع.
وأبدى في هذا السياق استغرابه الشديد بما بدر منهم في إصدار مثل هذه الفتاوى خصوصاً في مثل هذه الأوقات الحرجة والأوضاع الدقيقة والحساسة . . وتساءل هنا كيف لمثل هؤلاء أن يصدروا فتاوى ويوقعوا عليها في وقت يوجد فيه جهات رسمية بالمملكة . . معنية وصاحبة الاختصاص كهيئة كبار العلماء والمجامع الفقهية الأخرى في عدد من الدول الإسلامية مؤكداً أنها هي المخولة لإصدار الفتاوى والمرجع الأول والأساسي لمثل هذه الأمور الشرعية . . وذلك بعد أن يُسألوا في مثل هذه الأمور لا أن تُفرض عليهم الفتوى ونهى الشيخ من أن ينفرد الإنسان بمثل هذه الأمور الشرعية العامة والحساسة والمصيرية. معتبراً بأن ذلك تزكية للنفس وتزييفاً لآراء الآخرين . . بحيث يزعم أنه الفقيه أو العالم وغيره ليس بفقيه أو عالم.
مؤكداً أن ذلك خطأ وغير صحيح مستشهداً بقول الله سبحانه وتعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (49) سورة النساء.
ونصح الشيخ السدلان هؤلاء وغيرهم بأن يتوقفوا وأن يُحكِّموا أنفسهم وألا يتعجلوا في إصدار مثل هذه الفتاوى الخطيرة . . ويظنوا انهم علماء وفقهاء وغيرهم دون ذلك.
وضرب مثلاً بما كان عليه السلف الصالح - رحمهم الله - تجاه الفتاوى وذكر أن الصحابة كانوا يتحرجون في أمر الفتوى ويتدافعونها بحيث لا يتصدى لها بعضهم إلا في أقصى الظروف . . مشيراً إلى أن ذلك يعكس مدى الورع والخوف الذي يغشاهم من الله عز وجل وعدم التسرع في إصدار الفتاوى والحكم عليها موضحاً أن الحكم على الشيء جزء من تصوره. واستشهد بالحديث (أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار).
وتطرق الشيخ السدلان في سياق حديثه إلى ما يجري ويحدث في العراق الآن ووصفه بأنه (فتنة) عظيمة . . واعتبر الشخص الذي يذهب إلى العراق في ظل الأوضاع السائدة الخطيرة للقتال والانضمام إلى ما يسمى (بالمقاومة) بأنه خطأ كبير وإلقاء بالنفس إلى التهلكة . .
وأوصى بأهمية الابتعاد عن الفتن والدخول فيها ما دام الإنسان بعافية منها.
وأشار إلى أن على الإنسان أن يكتفي بالدعاء لإخوانه العراقيين بأن يكشف الله عنهم هذه الغُمة والفتنة والبلاء وأن ينصرهم الله ويثبت أقدامهم. وأكد أن العراقيين بحاجة ماسة إلى الدعم وتقديم العون والمساعدة لهم وإغاثتهم لظروفهم الصعبة والحرجة التي يمرون بها.
بيد أن الشيخ السدلان شدَّد على عدم جمع التبرعات لدعم العراقيين إلا بموافقة ولاة الأمر والدولة وبترتيب الدعم وتنظيمه وفق خطة وحملة منظمة.مضيفاً: ومتى ما أعلنت وأمرت الدولة بدعم العراقيين وإغاثتهم فنحن مستعدون في المبادرة ومساعدتهم بكل ما نستطيع . . وربط الشيخ السدلان ما يحدث حالياً في العراق وتوجه (البعض) من الأشخاص للقتال والدخول في تنظيمات مسلحة بمثل ما حدث في أفغانستان ونفس (السيناريو) محذراً في هذا الإطار بعدم تكرار نفس الخطأ ودفع الثمن غالياً.
وفسَّر ما يجري حالياً على أرض العراق حالياً بأنه مسؤولية العراقيين أنفسهم في الدفاع عن أرضهم وعرضهم وحياتهم ضد العدوان.
داعياً العراق إلى التوحد والتكاتف ونبذ الفرقة والاختلاف والسعي دائماً إلى الائتلاف والمصير المشترك. والقتال تحت راية واحدة راية التوحيد وباسم الإسلام بعيداً عن المعتقد والمنهج الفلاني أو الطائفة الفلانية.
وذكر السدلان أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يُقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليذكر مكانه فقال صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله . . .).
واستهجن الشيخ السدلان ما يحدث من ممارسات من تفجيرات لسيارات مفخخة واغتيالات وقطع رؤوس رهائن وغيرها ووصفها بأنها أعمال بشعة مؤكداً بأنها ليست من الإسلام في شيء وليست أعمالاً جهادية.
وأكد في هذا السياق أن المسلم الذي يخاف الله ويخشى عقابه لا يعمل مثل هذه الأعمال.معتبراً أن مثل هذه الممارسات لا تدل إلا على الغلظة والقسوة لافتاً إلى أن الإسلام قد حث على السماحة والرأفة.
واستشهد الشيخ السدلان بقول النبي صلى الله عليه وسلم حول الذبيحة: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) . . وقال: هذا بشأن الحيوان الذي يذبح فكيف أن يأتي شخص ويذبح إنساناً ويقطع ويجز رأسه فهذا ليس من الدين في شيء والإسلام بريء من هذه الأعمال.
وأوضح الشيخ السدلان أن الجهاد في سبيل الله يكون واجباً إذا أعلن الإمام قائد المسلمين النفير العام فيصبح واجباً عيناً . . أو خُص باسمه أو داهم العدو البلد أو حضر المسلم المعركة وإذا أعلن الجهاد ونحو ذلك في مثل هذه الحالات.
ودعا الشيخ السدلان أهل العراق إلى وحدة الصف وعدم التفرق والصبر والثبات في ميدان القتال ومواجهة العدو تحت راية موحدة وقائد واحد ترفرف عليها راية وكلمة التوحيد وشدَّد على عدم الاختلاف وأهمية تحقيق العبادة لله وحده واتباع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الأعمال والبعد عن كل ما ينافي الدين وتعاليمه السمحة.
واستدرك الشيخ السدلان في ختام حديثه حول من يصدر الفتاوى أو ينصِّب نفسه مُفتياً تجاه الجهاد وقال: بودي من الذي يُفتي بالجهاد أو بوجوب الجهاد . . ويغرر بفتواه الشباب أن يكون هو أول من يخرج بنفسه وماله . . أو عليه بأن يلزم الصمت (فالسكوت خير له) وأنفع . . وأن يترك ويدع الأمر لأهله ولمن هم أهلاً للفتوى.مضيفاً . . ومن أصدر فتواه فهي مسؤوليته وحده فقط ويتحمل وزر ما صدر منه من فتوى تتعلق بالجهاد.
ولام الشيخ السدلان في حديث خص به (الجزيرة) الأشخاص ممن ينصِّبون أنفسهم للفتوى ويجيبون عن الأسئلة الشرعية العامة التي توجه إليهم ويحلِّلون ويحرِّمون ويجيزون في أمور شرعية حساسة ويحسبه ويظنه آخرون صحيحاً ومن نص القرآن بينما هو عكس ذلك. وقال: لا ينبغي أن تُوجه إلا المجامع والمجالس الفقهية.
ورأى في هذا السياق أن مثل هذه التجاوزات تعتبر تحدياً سافراً على العلماء وحقوقهم وتفتح الباب على مصراعيه أمام الجاهلين وأدعياء العلم والمعرفة في الأمور الشرعية.
وقال الشيخ السدلان: إذا كانت الفتوى تمس شخصاً وحياة فرد فهي ذات خطورة . . ولها أمور عكسية فكيف إذا كانت تتعلق بأمر عام وتخص شؤون المسلمين فخطرها أكثر ضرراً وفداحة وأشد وطأة . . وطالب في هذا الصدد الشخص المفتي قبل إصدار فتواه ونشرها سواء على الخاصة أو العامة أن يراعي فيها مصالح الأمة بما يتفق مع الكتاب والسنة وكذا أن يراعي المصالح ويسعى إلى درء المفاسد . . ولفت إلى أن المفتي الفطن والمالك لزمام الأمور الشرعية هو الذي يصدر الفتوى بما تتناسب مع الظروف والأحوال والمتغيرات التي تمر بها الأمة.
وشدَّد السدلان على أن تكون الفتوى فيها مصلحة عامة للمسلمين وسداً ذريعاً ودحضاً للشبهات ووضعاً للأمور في نصابها الصحيح والطريق السليم . . داعياً كل شخص بأن يبرئ نفسه عن كل ما يعرض نفسه لمثل هذه الأمور والموضوعات الحساسة والمسائل الشرعية الخطيرة . . ورأى أن الأسئلة العامة يجب أن تترك لأصحاب الشأن والاختصاص والمعنيين بالأمر وتقدم رسمياً إلى مجالس المجامع الفقهية وهيئة كبار العلماء لتتولى بنفسها وضع النقاط على الحروف والإجابة عن التساؤلات حول الأمور الشرعية العامة وإقرار ذلك شرعاً بالإجماع سواء ما يتعلق بالجهاد أو غيره وإصدار الحكم سواءً بجوازه أو بعدمه لتكون الأمور واضحة ويكون الشخص على بينة من أمره.
وضرب الشيخ السدلان في معرض حديثه مثالاً إلى ما صدر قبل فترة قصيرة من فتوى تتعلق بالعراق وما يجري على أرضه ووقعت من قبل (26) عالماً وما أحدثته من شبهات وبلبلة في أوساط أفراد المجتمع.
وأبدى في هذا السياق استغرابه الشديد بما بدر منهم في إصدار مثل هذه الفتاوى خصوصاً في مثل هذه الأوقات الحرجة والأوضاع الدقيقة والحساسة . . وتساءل هنا كيف لمثل هؤلاء أن يصدروا فتاوى ويوقعوا عليها في وقت يوجد فيه جهات رسمية بالمملكة . . معنية وصاحبة الاختصاص كهيئة كبار العلماء والمجامع الفقهية الأخرى في عدد من الدول الإسلامية مؤكداً أنها هي المخولة لإصدار الفتاوى والمرجع الأول والأساسي لمثل هذه الأمور الشرعية . . وذلك بعد أن يُسألوا في مثل هذه الأمور لا أن تُفرض عليهم الفتوى ونهى الشيخ من أن ينفرد الإنسان بمثل هذه الأمور الشرعية العامة والحساسة والمصيرية. معتبراً بأن ذلك تزكية للنفس وتزييفاً لآراء الآخرين . . بحيث يزعم أنه الفقيه أو العالم وغيره ليس بفقيه أو عالم.
مؤكداً أن ذلك خطأ وغير صحيح مستشهداً بقول الله سبحانه وتعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (49) سورة النساء.
ونصح الشيخ السدلان هؤلاء وغيرهم بأن يتوقفوا وأن يُحكِّموا أنفسهم وألا يتعجلوا في إصدار مثل هذه الفتاوى الخطيرة . . ويظنوا انهم علماء وفقهاء وغيرهم دون ذلك.
وضرب مثلاً بما كان عليه السلف الصالح - رحمهم الله - تجاه الفتاوى وذكر أن الصحابة كانوا يتحرجون في أمر الفتوى ويتدافعونها بحيث لا يتصدى لها بعضهم إلا في أقصى الظروف . . مشيراً إلى أن ذلك يعكس مدى الورع والخوف الذي يغشاهم من الله عز وجل وعدم التسرع في إصدار الفتاوى والحكم عليها موضحاً أن الحكم على الشيء جزء من تصوره. واستشهد بالحديث (أجرأكم على الفتيا أجرأكم على النار).
وتطرق الشيخ السدلان في سياق حديثه إلى ما يجري ويحدث في العراق الآن ووصفه بأنه (فتنة) عظيمة . . واعتبر الشخص الذي يذهب إلى العراق في ظل الأوضاع السائدة الخطيرة للقتال والانضمام إلى ما يسمى (بالمقاومة) بأنه خطأ كبير وإلقاء بالنفس إلى التهلكة . .
وأوصى بأهمية الابتعاد عن الفتن والدخول فيها ما دام الإنسان بعافية منها.
وأشار إلى أن على الإنسان أن يكتفي بالدعاء لإخوانه العراقيين بأن يكشف الله عنهم هذه الغُمة والفتنة والبلاء وأن ينصرهم الله ويثبت أقدامهم. وأكد أن العراقيين بحاجة ماسة إلى الدعم وتقديم العون والمساعدة لهم وإغاثتهم لظروفهم الصعبة والحرجة التي يمرون بها.
بيد أن الشيخ السدلان شدَّد على عدم جمع التبرعات لدعم العراقيين إلا بموافقة ولاة الأمر والدولة وبترتيب الدعم وتنظيمه وفق خطة وحملة منظمة.مضيفاً: ومتى ما أعلنت وأمرت الدولة بدعم العراقيين وإغاثتهم فنحن مستعدون في المبادرة ومساعدتهم بكل ما نستطيع . . وربط الشيخ السدلان ما يحدث حالياً في العراق وتوجه (البعض) من الأشخاص للقتال والدخول في تنظيمات مسلحة بمثل ما حدث في أفغانستان ونفس (السيناريو) محذراً في هذا الإطار بعدم تكرار نفس الخطأ ودفع الثمن غالياً.
وفسَّر ما يجري حالياً على أرض العراق حالياً بأنه مسؤولية العراقيين أنفسهم في الدفاع عن أرضهم وعرضهم وحياتهم ضد العدوان.
داعياً العراق إلى التوحد والتكاتف ونبذ الفرقة والاختلاف والسعي دائماً إلى الائتلاف والمصير المشترك. والقتال تحت راية واحدة راية التوحيد وباسم الإسلام بعيداً عن المعتقد والمنهج الفلاني أو الطائفة الفلانية.
وذكر السدلان أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يُقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل ليذكر مكانه فقال صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله . . .).
واستهجن الشيخ السدلان ما يحدث من ممارسات من تفجيرات لسيارات مفخخة واغتيالات وقطع رؤوس رهائن وغيرها ووصفها بأنها أعمال بشعة مؤكداً بأنها ليست من الإسلام في شيء وليست أعمالاً جهادية.
وأكد في هذا السياق أن المسلم الذي يخاف الله ويخشى عقابه لا يعمل مثل هذه الأعمال.معتبراً أن مثل هذه الممارسات لا تدل إلا على الغلظة والقسوة لافتاً إلى أن الإسلام قد حث على السماحة والرأفة.
واستشهد الشيخ السدلان بقول النبي صلى الله عليه وسلم حول الذبيحة: (إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) . . وقال: هذا بشأن الحيوان الذي يذبح فكيف أن يأتي شخص ويذبح إنساناً ويقطع ويجز رأسه فهذا ليس من الدين في شيء والإسلام بريء من هذه الأعمال.
وأوضح الشيخ السدلان أن الجهاد في سبيل الله يكون واجباً إذا أعلن الإمام قائد المسلمين النفير العام فيصبح واجباً عيناً . . أو خُص باسمه أو داهم العدو البلد أو حضر المسلم المعركة وإذا أعلن الجهاد ونحو ذلك في مثل هذه الحالات.
ودعا الشيخ السدلان أهل العراق إلى وحدة الصف وعدم التفرق والصبر والثبات في ميدان القتال ومواجهة العدو تحت راية موحدة وقائد واحد ترفرف عليها راية وكلمة التوحيد وشدَّد على عدم الاختلاف وأهمية تحقيق العبادة لله وحده واتباع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الأعمال والبعد عن كل ما ينافي الدين وتعاليمه السمحة.
واستدرك الشيخ السدلان في ختام حديثه حول من يصدر الفتاوى أو ينصِّب نفسه مُفتياً تجاه الجهاد وقال: بودي من الذي يُفتي بالجهاد أو بوجوب الجهاد . . ويغرر بفتواه الشباب أن يكون هو أول من يخرج بنفسه وماله . . أو عليه بأن يلزم الصمت (فالسكوت خير له) وأنفع . . وأن يترك ويدع الأمر لأهله ولمن هم أهلاً للفتوى.مضيفاً . . ومن أصدر فتواه فهي مسؤوليته وحده فقط ويتحمل وزر ما صدر منه من فتوى تتعلق بالجهاد.
الصفحة الأخيرة
بارك الله فيك