يزخرفون القول ويغيرون المسميات(من طرق أهل الخطأ في نشر خطإهم)

مقدمة لابدّ منها:
*************


بيّن الشوكاني رحمه الله في تفسيره (أوائل سورة النور) أن الدنيا فيها الخير والشر،وأن الخير المَحْضَ-الخالص أو الكامل-ليس إلا في الجنة،وأن الشرّ المَحْضَ ليس إلا في النار،،،

فإذا كانت الدنيا جامعةً في طيّات أيامها وثنايا لحظاتها الخير والشر فاعلم أن للخير أنصاراً ودُعاة،وكذلك شأن الشر،وهذه سُنّةُ الله تعالى،،،

وحيث كانت الفطرة السليمة في كل أحدٍ مانعةً له من قبول الشر والباطل؛صار لأهلهما اجتهادٌ مُضاعفٌ وقويّ لنشر باطلهم،،،

ومن علم طرقهم وغاياتهم سلم ونجى من آفاتهم،إذ لا يقع إلا مخدوع أو جاهل،،

وأنا الآن بصدد بيان شيءٍ من تلك الطرق،وقد اخترتُ منها طريقتين هما في غاية الأهمية لأهل الباطل وفي غاية الخداع والتلبيس على أتباع الحق والفطرة،،،


قبل البدء:
********

الكلام ليس عن الدعاة للمعتقد الفاسد ولا عن الكفار والمشركين فحسب،
بل الكلام أرمي فيه لما هو أبعد من ذلك،
إذ يشمل كل صاحب هوىً محبٍّ لنشر هواه وباطله وزيف رأيه الخبيث المُنْتِن،،،



طريقتهم الأولى،زخرفة القول:
***********************

(((وهو من يُسمّي نفسه بالمُفكِّر)))


فتجد الواحد منهم يُلمّع كلامه
وييُنسّق نظامه

ويُبدع في طرحه
ويطيل في بيانه وشرحه

فيسرد المقدّمات
ليُقنعك بِحِلّ المحرّمات

ويبسط الأدلة من عقله الزائف
غير مبالٍ بشرع الله ولا خائف

كأنما هو العالم النحرير
وغيره-في نظره-مُبطِلُ شرّير

ففي كل مسألةٍ تمرُّ من أمامه
يسُلُّ سيفه البالي ويصوّب زائفَ سِهَامِه

فالعلماء عنده قُصّر جُهّال
وهو-وحده-العاقل ذو الكمال

فإن مرّ بمسألةٍ أو نحوها
أتى بنصوص الدّين وقام بنحرها

وأخرج عقله من أقرب (زُبالة)
وطلب –(سجائراً)- من (البقالة)

وجلس جلسةَ المُتأمّل
وأخذ يفكّر ويُحلّل

كأنّما يستخرج الياقوت والمحار
وكلامه لا يُقارن ولا بقيمةِ حمار

فأصبح والناسُ فيه قد خُدِعوا
وقد نُبِّهوا-من قبلُ-وما ارتدعوا

فاللهم-ربي-رُحْماك
وصلّ-ربي-على مُصطفاك


أقول تمثيلاً لاحصراً:
***************

تجد المرء صاحب الهوى-لكي يستدرج العالم-يزخرف كلامه كثيراً لا ليستفتيه وإنما لينتزع منه كلمةَ الجواز والإباحة،
فيقول:أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ،
أنا رجل مسلم صادق مخلص مؤمن…،
أحب الصدقة لدرجة أنني أتصدق من راتبي كل شهر بكذا وكذا،،،،،،،،،،
ويطيل الكلام في مدح وتزكية نفسه ويقول:أعوذ بالله لا أقصد مدح نفسي لكن لأبيّن لفضيلتكم حالي(!!!)،
فيأتيك بعد كل هذه الزخرفة بالسؤال المزعوم:ما حكم كذا؟
!!!!!!!!
إذاً لماذا لم تطرح سؤالك أولاً؟
وما الفائدة لمثل هذه المُقدّمات؟
وعلى طريقة إخواننا أهل مصر نقول له: (وبعدين !! هات من الآخر)،
لكن –ولله الحمد- هذا ومثله صاحب العقل الزائف لا ينطلي على أهل البصيرة من أهل العلم،

قال سفيان الثوري-رحمه الله-:
عليك بطريق الحق وإن رفضك الناس،وإياك وطريق الباطل وإن زخرف الناس لك القول..ا.هـ.

وصدق الله إذ يقول:"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ" الأنعام112،

وزخرفة القول هي طريقة أعداء رسل الله من شياطين الإنس،

قال ابن كثير-رحمه الله-:أي يُلقي بعضهم إلى بعضٍ القول المُزَيّن المُزخْرَف،وهو المُزَوّق الذي يغترُّ سامِعُهُ من الجَهَلَةِ بأمره..ا.هـ.

وقال السعدي-رحمه الله-:أي يُزَيّن بعضهم لبعضٍ الأمرَ الذي يدعون إليه من الباطل،ويُخرفون له العبارات حتى يجعلوه في أحسن صورةٍ ليغترّ به الّسفهاء وينقاد له الأغبياء الذين لايفهمون الحقائق ولا يفقهون المعاني بل تعجبهم الألفاظ المزخرفة والعبارات المُمَوّهَة فيعتقدون الحق باطلاً والباطل حقاً..ا.هـ.



طريقتهم الثانية،تغيير المُسمّيات:
************************

(((وهو الذي يُسمّي نفسه بالمُنَظِّر)))


فيجتهد أيّما اجتهاد
ويجوب الأرجاء ويطوفَ البلاد

ويحرّك عقله الخاوي
ويأتيك بأشدّ (البلاوي)

فإن استهجن الناسُ الاسم
أبقى على الحقيقة وغيّر في الرسم

فأتاك باسم جديدٍ برّاق
ليجمع-مع الخِداع-سيّءَ الأخلاق

وقال:هذا هو الحلُّ الوسَط
وقد كتبتُ الحروف ووضعتُ النُّقط

وهو-في الحقيقة-كذّابٌ مخادع
ويستحقّ-فوراً-العقاب الرّادع

وللأمّة مُلبّسٌ غشّاش
ولا يُشترى كلامه ولو بـ(بلاش)

يُعَمّي الناسَ-جاهداً-عن الحقيقة
وهو-في الأصل-أعمى قد ضَلّ طريقه

فلا كثّر الله من أتباعه
ولا وفّقه الله في أطْمَاعه

فاللهم لا تبارك الله فيه
ولا تُكثر منه ولا من مُحِبّيْه


أقول تمثيلاً لا حصراً:
****************

-الخمر يسمونها (مشروباً روحياً)
-الدعوة للكفر والبُعْد عن الإسلام يسمونها (الحوار بين الأديان)
-الدعوة للتشيُّع وتعطيل الولاء والبراء يسمونها (التقريب بين السُّنّة والشيعة)
-الإفساد في الأرض يسمونه (إنكار المنكر)
-نقض العهود يسمونه (عمليات اسشتهادية)
-الانتحار يسمونه (فدائية)


تعليق:
*****

كما أن الاشتراك في الاسم لا يعني الاشتراك في الحقائق فكذلك تغيير الأسماء لا يعني تغيُّر الحكم والتّصوُّر،

وهذه قاعدةُ عظيمة وأصلٌ قويم،
لا يعرفه إلا من وفّقه الله للصراط المستقيم،

*فالاشتراك بيننا وبين الله في أسماء بعض الصّفات لا يلزم منه الاشتراك في حقيقة الصفة ولا كيفيتها،
فالله يرحم والإنسان يرحم،لكن رحمة الله ليست كرحمة الناس.
والله له ساق وللإنسان ساق،لكن ساق الإنسان ليست كساق الله.

تماما كما أن النملة لها أرجل وللفيل أرجل،لكن أرجل الفيل ليست كأرجل النملة…
ولله المثل الأعلى،،،

والجنة فيها عنب والدنيا كذلك،لكن ليس هذا كذاك،
قال ابن عباس-رضي الله عنه-:ليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء..ا.هـ.بمعناه،

لذا نظم هذا ابن القيم-رحمه الله- في نونيّته حين قال:
قال ابن عباسٍ وما في الجنّةِ الـ
عُلْيا سوى أسماء ما تَرَيَانِ...........(لعله يقصد:أيها الإنس والجان)

*وكذلك التغيير في أسماء تلك الأمثلة التي سقتُها وغيرها لا يعني أن الحكم قد تغيّر،وهذا واضح ظاهر لمن يتأمل؛فالدين لا يحكم على الأسماء لكن الحكم على الحقائق (كما بيّنه غير واحد من أهل العلم-رحمهم الله-)،،،



وصيتي لك يا صاحب الهوى،الزم حدّك يا هذا فهو خيرٌ لك:
***********************************************

إذا علمتَ هذا أيها الكريم فتنبّه لأمر مهم هو:

ألاّ تتدخل فيما لا يعنيك مما لم تبلغ أيّ رُتبةٍ فيه أو في طلبه،
فإن كنت لم تطلب العلم الشرعي ولم تسْعَ في تحصيله فلا تتدخل فيما لا يعنيك،
وليكن همُّك التعلُّم ولزوم فتاوي أهل العلم الثقات فهو-والله-خيرٌ من أن تضيع وقتك في إقحام عقلك أو فِكرك الذي لم ينضج ولم يتدرّب على العلم الشرعي في مسائل هي أكبر منك وفوق مستوى عقلك،


*وقديما قيل:
رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه،،،


*وصدق الزمخشري-عفى الله-عنه يوم قال:
يامن يحاول بالأماني رُتْبَتِي...........(= منـزلتي)
كم بين مُسْتَفِلٍ وآخرَ راقي.............(مستفل = ينـزل لأسفل،راقي = عكسه)

أأبيتُ سهرانَ الدُّجى وتبيتُه
نوماً وتبغي بعد ذاك لحاقي؟؟؟



عقول للبيع فاغتنم الفرصة قبل ألاّ تجد من يشتري:
*******************************************


بعد كل هذا يا أخي الكريم،
هاأنذا أعرض لك فرصة ثمينة قد لا تكرّر من مثلي لمثلك،

فأوصيك ببيع عقلك لدى أقرب (متجر) بأي ثمن وذلك فقط أمام الدين ونصوص الشرع؛لأن العقل لا قيمة له عند الاستدلال وعرض الحجة في المسائل الشرعية إلا في حدود،
ولقد سمعت ابن عثيمين-رحمه الله-يقول:
يكون المرء أمام نصوص الشرع كالميّت بين يدي الغاسل فلا يُعارضها بعقله..ا.هـ.بمعناه،،،


*وصدق من قال:

علم العليم وعقل العاقل اختلفا
من منهما الذي قد أحرز الشّرفا

فالعلم قال:أنا أحرزت غايته
والعقل قال:أنا الرحمن بي عُرِفا

فأفصح العلم إفصاحاً وقال له:
بأيِّنا الله في فُرقانِه اتّصفا؟

فبان للعقلِ أن العلمَ سيّدُه
فقبّل العقلُ رأسَ العلمِ وانصرفا




والحمد لله أولاً وآخراً على نعمه،ومن نعمه عليّ أن جعل الإخوة-لإحسانهم الظن بي-يقرؤون ما أكتبه مع مافيه من قسوةٍ واحتمال خطإ أسأل الله أن يغفره لي،،،



قاله معتذِراً عن الإطالة:
بندر،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،