مهما الليالي
مهما الليالي
كيف تواجهين عالم من الأسئلة الحرجة جداً!

* د. سبوك
فجأة، ودون سابق إنذار يدخل الطفل صاحب الأربع سنوات إلى غرفة الجلوس، ويكون الجالس فيها الأم الحامل التي تنتظر مولوداً جديداً بعد أسابيع قليلة ومعها عدد من الأقارب الذين يتحدثون عن المولود الجديد. ويضع الطفل يديه في وسطه وكأنه سيوجّه اتهاماً إلى الأم ويسألها بصوت مرتفع:
ـ مَن قال لك أن تنجبي طفلاً غيري؟ ثم لماذا لم تقولي لي كيف ينجب الرجال والنساء الأطفال؟ قولي لي كيف تنجبين الأطفال ولماذا تخبئينهم داخل بطنك؟
ولابد للابن أو البنت عند طرح هذا السؤال ((الناضج)) أن يجدانا نتقبل هذا السؤال بشكل ناضج، ودون أن تمرّ الوجوه بالخجل. إن من واجب الأم في هذه الحالة أن تتحدث إلى الطفل وكأنه شخص مهم جداً وأن تقول له: إنني أريد أن أجيب عن سؤالك الهام في وقت آخر عندما نكون بمفردنا ودون حضور أحد.
وعندما تعاملين الطفل بهذا القدر الهائل من التقدير فهو يتصرف طبقاً للإشارة العاطفية التي خرجت من قبلك وصاحبت لهجتك وأنت تتكلمين معه. ولا تنسي أبداً أن تقولي للطفل الحقيقة المجردة، والتي يمكن تلخيصها في أن الله عندما خلق الكون وضع بذور كلّ الأطفال نصفها في ظهور الرجل ونصفها في بطون المرأة. وكل نصف يسعى إلى لقاء النصف الآخر بعد أن يصبح الرجل قادراً على العمل وتصبح المرأة قادرة على إدارة الحياة، وتنمو البذرة بعد أن تجد نصفها في بطن المرأة إلى أن تلد.
وقد يكون سلوك الأب تجاه الأم مجافياً للشعور العام. إن لنا أن نعرف أن الطفل إنما يأخذ فكرته عن نفسه وعن الجنس الآخر من التعامل اليومي بين الأب والأم. فإن كان الوالد كثير المعارك مع الأم أو كان يفتعل دائماً تحقير رأيها، فإن الابن يعتبر أن ذلك ((الاحتقار)) هو أسلوب التعامل العاطفي مع المرأة. والبنت التي ترى أن أمها كثيرة التعالي على الأب وأنها تسيء معاملته يستقر في سلوكها أن التعامل مع الرجل مفتاحه التعالي وإساءة المعاملة.
وعندما يصرخ الأب قائلاً إنه يتعب كثيراً وأنه لا ينال أي شيء مقابل تعبه وإنه مظلوم، فإن هذا الصراخ ينقلب في ذهن الطفل إلى أن الرجل هو ضحية المرأة، وأنه من الأفضل جداً عدم الزواج حتى يستمتع الإنسان بناتج عمله.
وعندما تصرخ الأم بالقول إن الرجل هو الكائن المستمتع الوحيد بالحياة، وهو المستغل لكل جهد المرأة، وإن المرأة هي التي تتعب وترهق نفسها وتعيش أسيرة للرجل فإن هذا اللون من الصراخ ينقلب في وجدان الفتاة الصغيرة إلى كراهية للرجل وإلى عدم تقدير له، ولذلك نجدها تتهرّب من الزواج عندما تكبر.
والأسرة التي تفضّل الولد على البنت تقع في سلسلة هائلة من الأخطاء. إن الرجل لم يفضّل على المرأة إلا بأن يتحمل المزيد من الكد والكدح والتعب لتوفير وسائل الحياة للمرأة. إنه تفضيل لا يعني عبودية المرأة للرجل ولكن ضرورة السعي الجاد لتكون المرأة سيدة في مجالات يرهق الرجال أنفسهم بدراساتها ولا يستطيعون إتقانها كما قد تتقنها أبسط امرأة غير متعلمة. ومثال ذلك توفير حنان الأم للوليد.
إن الرجل والمرأة مطالبان بإعادة تربية نفسيهما ليكون كل منهما مثالاً قابلاً للتجديد من ابنه أو ابنته. وليس معنى ذلك أنني أطالب الأب أو الأم أن يرهقا نفسيهما بالتمثيل وادعاء الحكمة ولكني أطالبهما بأن يعرفا أن حبهما للطفل يمكن أن يقودهما إلى تغيير في السلوك يتيح للطفل أن ينمو نمواً متوازناً.
وهذا النمو المتوازن نجده في الابن الثاني للأسرة أكثر مما نراه في ابنها البكر. فتربية الابن البكر كالجامعة التي دخلها الأب لينال الدراسات العليا في تربية الأطفال. لقد عانى هذا الطفل تحملاً غير عادي، وهبها الله لكل مخلوق: عانى من الاهتمام المبالغ فيه، ومن تجمع الكبار حوله منذ أن بلغ الشهر السادس ليعاملوه وكأنه أعجوبة الزمان، وعانى من محاولات تعليمه أن يكون إنساناً له أخلاق الملاك. فقد طلب منه والده أو والدته ـ على سبيل المثال ـ في إحدى المرات أن يشارك الأطفال الغرباء في اللعب بألعابه بالرغم من أن خيال الطفل يزدحم بصورة واحدة وهي أن الكبار سوف يساعدون هذا الطفل الغريب لكي يأخذ كل لعبه وكل أشيائه. وعلَّم الطفل الأول أباه وأمه أن العنف في محاولة تعليمه التبرز والتبول لا يأتي بنتيجة وأنه من المهم أن يقولا له إن الإنسان عندما يخرج هذه البقايا فإنه لن يصبح فارغاً بل سيطرد الأشياء الرديئة من بطنه ليفسح المجال للأطعمة المناسبة التي تساعده على أن يكبر. وعلّم الطفلُ الأول كلاً من أبيه وأمه أن يصمتا قليلاً حتى يبدأهم هو بالكلام، ذلك أن الهجوم الدائم على الابن بالكلام يجعله يعدل عن أن يبدأ الآخرين بالكلام أو التحية. علمهم الطفل الأول أيضاً أنه ليس تلك الدمية التي يعرضونها بفخر زائد أمام الغرباء، ذلك أنه قد امتنع عن بعض الأحيان عن الظهور أمام الضيوف.
وعلى ذلك يأتي الطفل الثاني وكل من الأب والأم قد تدرب جيداً على التعامل مع الطفل بتوازن واعتدال. ولكن على الأب والأم أن يتعلما كيفية الحديث عن الضيف القادم إلى الأسرة، وهو الابن الوليد ... إن على الأب والأم أن يخبرا الطفل الأول أنه صاحب الفضل في حبهما للأطفال وأنه لولا حسن معاملته لهما ولباقته ورقته وقدرته على التفاهم لما فكرا في إنجاب طفل جديد. ولابد من إعطاء الطفل الأول قدراً من المشاركة في الإعداد لاستقبال الطفل الثاني، كأن يشترك معهما في اختيار ملابس الطفل الوليد وإعداد مكان استقباله. كما يفضل من الناحية النفسية ألا يشهد الطفل الأول أمه أثناء الوضع، ويستحسن أن تذهب الأم إلى المستشفى للولادة أو أن يذهب الطفل عند أصدقاء للأسرة يحب البقاء معهم لساعات. وعندما يعود الطفل الأول إلى المنزل عليه أن يحس أن مكانته لم تهتز وإن كان هناك طفل جديد في البيت.
ويمكن للأم أن تشرك الابن الكبير في إعداد ملابس الطفل الوليد وأن يراها وهي تعد له الرضعة، وأن يساعدها في ترتيب سرير الوليد. إن ذلك كله يخفف من مخاوف الطفل الأول على مكانته عند الأب والأم.
ويمكن أن يكون ميلاد الطفل الجديد بداية لتعليم الطفل الأكبر كيفية اتخاذ بعض القرارات الصغيرة لنفسه، كأن يختار لعبه، أو أن يتعلم كيف يعقد رباط الحذاء، وأن يتعلم أن الأب والأم صارا أقل سيطرة عليه، وأن يقوم وحده بتربية نبات أو ترتيب مكتبته الصغيرة.
ومن المهم تماماً أن نُعلم الطفل الأول أنه لن يأخذ أحد مكانته، لذلك فعلى الأب عندما يدخل المنزل وهو عائد من العمل أن يسأل عن الطفل الكبير أولاً، ثم يسأل عن الطفل الوليد.
إن الابن الأكبر يحتاج في الشهور الأولى من ميلاد الطفل الثاني إلى مَن يطمئنه على مكانته ومَن يعزز استقلاله في الوقت نفسه. ومن المفيد أن يصحب الأب ابنه الأول في بعض النزهات الخاصة إلى الأماكن التي يجد فيها جماعات من الأطفال. إن أندية الأطفال موجودة في كل البلاد، وغالباً ما نجد فيها مشرفين وقيمين على درجة عالية من الكفاءة.
إن الأنانية وحب الذات ومقاومة الطفل الجديد القادم أمور طبيعية للغاية في أعماق الطفل الأول. إنه يدافع عن مكانته. ولعل الخروج بصحبة الأب مرات متكررة خلال الأسبوع لشراء الأشياء الضرورية للأسرة يعوضه قليلاً عن فقدان عرشه الذي كان يجلس عليه وهو صدر الأم. كما أن خروجه إلى أندية الأطفال أو للحضانة لساعات قليلة في اليوم الواحد يتيح له أن يرى نفسه مجرد فرد واحد ضمن مجموع الأطفال، وذلك عندما يشاركهم في مباريات وألعاب وتقوم بينهم معارك وتنشأ خلافات ويلجأ إلى المشرفة على الحضانة ويعود مرة أخرى إلى المنزل ليجد نفسه أيضاً عضواً في جماعة وليس إمبراطوراً متوجاً يطلب من الجميع الرضوخ له.
إن حاجة الطفل منذ عامه الثالث للخروج من المنزل احتياج أساسي ليزول عنه لونان من الوهم الذي صنعه الكبار: الوهم الأول أنه إمبراطور متوج على عرش كل القلوب، والوهم الثاني أن يرى المجتمع الكبير في نطاق آخر غير نطاق الأسرة.
وحتى في حالة الطفل الوحيد يجب على الأب والأم أن يذهبا إلى الحضانة منذ بلوغه سن الثالثة حتى يعرف أن هناك مجتمعاً من الأطفال. إن الطفل لا يذهب إلى الحضانة حتى يتعلم القراءة أو الكتابة. إنه يذهب ليلعب ولينمو وليتمم تدريبه على عدم الالتصاق الشديد بالأم أو الأب.
قد يقال إن الحضانة مكان ضيق ويمكن أن يصاب الطفل فيه بالزكام أو بالأمراض المعدية: ونحن نقول إن الأطباء يعرفون أكثر منا أن مناعة الطفل قوية إذا ما أخذ كل اللقاحات في مواعيدها وأن الدول صارت تعتني بصحة أطفالها بحيث لا يحتجز الطفل في المنزل إلا بناءً على أمر الطبيب بالراحة.
هكذا تدور حياة الطفل في زماننا الصعب هذا. إن عليه أن يتعلم اقتحام المجتمع والتعاون معه.
ألستم معي في ذلك؟

مهما الليالي
مهما الليالي
كيف تنسج العلاقات بين الطفل ووالديه, وكيف يؤثر هذا النسيج في الفرد?


* مريم سليم
معاملة الطفل حتى سن خمس سنوات يجب أن تكون ثابتة لا تذبذب فيها, إذ إن التذبذب يوقع الطفل في حيرة وارتباك, فلا يجوز أن نشجع الطفل إذا اعتدى على غريب بالضرب أو الشتم ثم نعاقبه إذا اعتدى على أخيه. فالمعاملة الثابتة توقف الطفل على ما يجب عليه عمله وما يجب عليه الكف عنه. ويلاحظ أن الطفل نفسه لا يحب الحرية المطلقة لأنه يميل إلى معرفة ما يصح أن يفعله وما لا يصح أن يفعله. وهذا النوع من التوجيه المبني على أسس ثابتة يصل بالطفل إلى تقدير قيم السلوك. وثبات المعاملة من العوامل التي تؤدي إلى تكوين الفرد بنجاح, على أن تكون هذه المعاملة في جو من العطف والحنان والاحترام بعيدًا عن الخوف والتسلط.
ويفهم بعض الآباء واجباتهم في تربية أطفالهم فهمًا متناقضًا, فهم يسمحون حتى السابعة لأطفالهم بتحقيق كل نزوة ويلبّون جميع متطلباتهم, وينمّون عند أطفالهم الغرور بما يطلقون عليهم من ثناء وما يسمعونهم من كلمات الإطراء أثناء حديثهم عنهم وعن آيات ذكائهم المزعوم, فيشبون, ومن أبرز صفاتهم التعجرف والادّعاء.
ومن الغريب أن هؤلاء الأهل أنفسهم يتحول حنانهم المفرط وإعجابهم البالغ بأبنائهم إلى قسوة وإرهاق بالانتقادات والسخرية كلما ارتكب ابناؤهم خطأ أو بدت منهم نقيصة وذلك بعد السابعة أو عندما يذهب الطفل إلى المدرسة.
وكما لقن الوالدان ولدهما الإعجاب بكل ما يصدر عنه والزهو بكل كلمة يقولها أو عمل يقوم به بحجة محبته وتدليله, فهما يقسوان عليه في هذه السن أو بعدها بتلقينه الشك في نفسه واليأس من قدرته على القيام بعمل صالح بحجة الرغبة في تهذيبه وإصلاحه.
وهكذا يتصادم هذان النقيضان في نفسه وينتهي إلى أزمات مرهقة من الشك في كفايته وأهليته للحياة, فتضعف شخصيته وتتعقّل في وقت نموّها وحاجتها إلى التحرر والانطلاق, وبعدما كان يعتقد أن كل شيء مسموح له, يستبد به الاعتقاد الآن أن كل شيء محرّم عليه وما ذلك إلا لتناقض أبويه في تربيتهما له من حيث إفراطهما في تدليله ثم زجره والقسوة عليه.
ونذكر هنا أن تربية الطفل تبدأ منذ الولادة وبأن جمال هذه السن يجب ألا يحمل الأهل على الافتتان بطفلهم وإغراق الثناء عليه والإفراط في تدليله, ذلك أن الامتناع عن الإفراط في تدليله في هذه السن المبكرة سوف يوفر عليهم الإفراط في القسوة عليه ويوفر على الطفل ما يعانيه من صراع هاتين العاطفتين المتناقضتين.
الأخذ والعطاء
عندما يبدأ الطفل البحث عن رفاق من سنّه يجب أن نوفر له هذا حتى يتعامل معهم على أساس الأخذ والعطاء, فهذا أسلم لتكوينه من تعامله دائمًا مع من هم أكبر منه سنًا أو أصغر منه سنًا.
ونذكر أن اعتماد الطفل على والديه كبير جدًا في السنوات الأولى, فالطفل له غرائزه وحاجاته التي يريد إشباعها, فهو يريد المحافظة على نفسه ويرمي إلى الراحة والدفء. والشعور بالأمان في هذه السن هو بدء الثقة بالنفس. ومن عوامل استمرار ثقة الطفل بنفسه أن يتصل بعد أمه بأفراد أسرته, ثم يتصل برفاقه وأصحابه.
ويجب أن نتذكر أن لدى الطفل حاجتين تعملان معًا, فالحاجة إلى المخاطرة لا تتم إلا إذا أشبعت الحاجة إلى الأمان, ومما يلاحظ في لعب الأطفال أن الواحد منهم في سن الخامسة يميل إلى الخروج للعب مع رفاقه ولكنه لا يبتعد كثيرًا عن المنزل, فخروجه مع رفاقه يحقق النزعة إلى المخاطرة, وبقاؤه بالقرب من المنزل يحقق النزعة إلى الأمان, وهو يريد أن يلعب في غرفته ولكنه يريد أن تكون أمه في المنزل.
فواجب الآباء أن يساعدوا أطفالهم على إشباع حاجاتهم ولكن يجب ألا يبالغوا في مساعدتهم إلى الحد الذي يجعل الأطفال يفقدون القدرة على الاستقلال, فيجب أن يسارع الآباء بجعل أبنائهم يعتمدون على أنفسهم في تناول طعامهم, وفي لبس ثيابهم, وفي المحافظة على أدواتهم وترتيبها, وفي قيامهم بواجباتهم التي يكلفونهم بها في المدرسة.
وتسهيل اتصال الأطفال بالآخرين يجعل كلاً من الأخذ والعطاء أكثر حدوثًا في حياتهم مما لو كان محيط الطفل مقصورًا على والديه, فهذا يترتب عليه أن يأخذ من والديه ولا يعطي, أما اتصاله برفاقه أو اخوته فإنه يُوجد مجالاً أن يأخذ الطفل ويعطي كما يأخذ, فإذا اعتدى على غيره يُعتدى عليه وإذا أخذ لعبة رفيقه فلابد من أن يتنازل له عن لعبته, وهكذا فإن اختلاط الأطفال برفاق من سنهم جيد لتعلم الأخذ والعطاء والألم والسرور وغير ذلك من الخبرات الضرورية لتعليم الطفل التحمل وصلابة العود وعدم الأنانية.
ولفصل الطفل فصلاً جزئيًا عن أمه واختلاطه بغيره ميزة أخرى لجعل الطفل يكوّن عن نفسه فكرة صحيحة, ففكرة الطفل عن نفسه تزيد دقتها وقربها من الحقيقة بكثرة تعامل الطفل مع غيره.
ونجد أن بعض الآباء يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة أولادهم, والأولاد الذين ينشأون في هذا الجو يكبرون متصفين بالتردد والضعف, ذلك لأنهم لم يتدرّبوا على اتخاذ القرارات بأنفسهم, ويخشى الآباء إذا تركوا أولادهم يفكرون بأنفسهم أن يخطئوا, وينسون أن موقفهم منهم يجب أن يكون موقف الموجه والمرشد.
ولابد أن يتدخل الآباء في سلوك الأبناء عن طريق الثواب والعقاب, فالأطفال يثابون عادة على أعمالهم تشجيعًا لهم وحثّا لغيرهم, وأنواع الثواب هي: الجوائز المادية كالنقود والحلوى واللعب والهدايا, والجوائز المعنوية عن طريق إظهار علامات الرضا والاستحسان بالعبارات الطيبة. ومن أنواع الثواب العفو عن ذنب سابق, فإذا قام الطفل بعمل طيب وكانت له سابقة سيئة يصح أن يعفى من العقاب عن هذه السابقة إثابة له.
والقاعدة العامة في الثواب أنه لا يجوز إثابة الطفل على عمل يجب القيام به, فهذا النوع من الإثابة يخلق عند الطفل شخصية مادية. ويحسن أن تحل الجوائز المعنوية مكان الجوائز المادية ذلك أنه في حال إجادة تطبيقها تؤدي تدريجيًا إلى تكوين الضمير الحي وإلى إنماء الشخصية القوية المطمئنة إلى ما تأتيه من أعمال, ومعنى هذا أن الثواب سواء أكان ماديًا أم معنويًا يجب ألا يكون غرضًا في ذاته بل إنه ينظر إليه على أنه وسيلة يتعلم الفرد بها قيم السلوك.
ومن أخطاء الآباء شدة انفعالهم في أثناء العقاب وكأنهم يعاقبون انتقامًا وليس إصلاحًا, فهذا يتسبب عنه كراهية الطفل للوالد الذي يقوم عادة بتنفيذ العقوبة, ومن الخطأ تهديد الطفل بعقوبة إذا اقترف ذنبًا ثم عدم تنفيذ العقوبة بعد وقوع الذنب, فهذا يضعف من سلطة الوالدين وقد يقلل من قيمة تهديداتهما وأقوالهما.
ويعتمد بعض الآباء على العقوبات البدنية وهي سهلة التطبيق ونتيجتها الظاهرة سريعة تؤدي إلى نظام سطحي شكلي, ونتائجها السريعة تخدع الآباء. ويطلق على العقوبات غير البدنية العقوبات النفسية, وكثيرًا ما تكون هذه أقسى من البدنية, لذا ننبه إلى الحرص في استعمالها, فلا يجوز تذكير الطفل بخطئه وتوبيخه عليه يومًا بعد آخر مثلاً, فالواجب أن يعوّد الآباء أنفسهم نسيان كل ما يتعلق بالذنب بعد تنفيذ العقوبة بمدة قصيرة, ولا يجوز أن يسمحوا للذنب بأن يترك في نفوسهم أثرًا باقيًا مستديمًا.
وبعض الآباء يطلبون من أبنائهم الندم والاعتذار بعد تنفيذ العقاب عليهم مباشرة, وهذا لا يجوز ففيه إذلال له وعدم اعتبار لما يجب إنماؤه في الأطفال من الشعور بالكرامة وعزة النفس. والقاعدة أن يترك الطفل بعد العقاب فلا يناقش لأنه يكون غاضبًا وليس من العدل أن نناقشه وهو في هذه الحال النفسية الحادة.
ومن الأمور التي تؤدي إلى الازدواجية في التربية البيتية الكذب, والواقع أنه لشدة ما يكذب الآباء على أبنائهم في كل فرصة - فهم يعدون ولا ينجزون, ينهون عن أعمال ويتسامحون بها لأنفسهم - فإن الأبناء يقعون ضحية هذه الازدواجية. وشر الكذب هو الذي يؤتى به أمام الأطفال وبحقهم.
الاتزان العائلي
ومن الأمور التي تؤثر في تكوين الأبناء الروابط بين الوالدين, فتعاون الوالدين واتفاقهما والاحتفاظ بكيان الأسرة يخلق جوا هادئا ينشأ فيه الطفل نشأة متزنة. وهذا الاتزان العائلي يترتب عليه غالبًا إعطاء الطفل ثقة في نفسه وثقة في العالم الذي يتعامل معه فيما بعد, وقدأثبتت الدراسات أن 75% من حالات الإجرام والتشرد ترجع إلى انهيار الأسرة مما يدل أن تماسك الأسرة له أثره القوي المباشر في سلوك الأبناء.
ومن مظاهر تفكك الأسرة مشاجرات الوالدين واختلافهما مما يجعل جو المنزل ثقيلاً لا يطاق فيهرب منه الطفل إلى الشارع حيث يحتمل أن يبدأ سلسلة من السلوك غير المرغوب فيه, وأحيانًا يصب أحد الوالدين غضبه على الطفل, وهذا يقلل ثقة الطفل في نفسه ويجعل ثقته معدومة فيمن يتصل بهم في الحياة بعد ذلك.
وقد يحدث التفكك عن طريق الطلاق أو الانفصالات المؤقتة أو الدائمة أو اضطرار الوالدين للعمل خارج المنزل لكسب العيش.
ومن البديهي أنه كلما قلت اختلافات الوالدين زادت صلاحية الجو العائلي لتربية الأبناء.
ومن العوائق التي تقف في طريق نمو الشخصية السوية للأبناء تفكك الأسرة وعدم اهتمام أفرادها بعضهم بالبعض الآخر, وعدم اهتمام الأهل وتساهلهم وعدم تكريس الوقت الكافي للاهتمام بالأبناء. واعتبر علماء النفس نماذج من الأبوين تؤدي إلى ارتباك شخصية الطفل أطلقوا عليها صفة (المسبب للمرض) مثل الأم الموسوسة, المسترجلة, الحاقدة, المتطلبة, والأب الغائب بحكم عمله أو لضعف شخصيته, الصارم, المتطلب للمثاليات, القاسي.
ولابد من القول أنه قد تبدل مفهوم الطفولة فلم يعد الطفل فردًا سلبياً, بل أصبح إنسانًا فعّالاً شريكًا للبالغين, من هنا على الأهل احترامه ومناقشته في أموره وأمور الحياة.

أم البنااااات
مهما الليالي منورة حبيبتي
بنات امبارح ما قدرت نام من كثر ما جسمي مكسر رحت دفيت زيت زيتونة و دهنت جسمي قسما بالله يا بنات خف التكسير بأكثر من 50 بالمية و نمت دغري و صحيت أحسن بكثير بس اللوز متعباني أما التكسير شبه راح
و النتيجة فورية
مهما الليالي
مهما الليالي
سمفونية رائعة اسمها تعليم الابن فنّ الحب

* د. سپوك
في كل طفل شيء من الجاذبية لا تقاوم.
مغناطيس من السحر يجذب الكبار إلى الصغار.
وهذا المولود الذي لم يبلغ الشهر الثالث بعد يمتلك قوة غير مرئية تدفع أي إنسان ناضج إلى احتضانه واللعب معه.
وحتى هؤلاء الكبار المعروفون بالجمود وعدم الانفعال تجذبهم عيون الطفل الواسعة وابتسامته الصاخبة فيتكسر قناع الجمود ويعلو الانفعال وجوه هؤلاء الجامدين فيبتسمون لهذا الطفل الوليد.
فما الذي يجعل الفطرة الأولى للطفل مانحة للحب وجاذبة له؟
إن السماء تلح علينا بأن نفهم الهدف من هذه الحياة كلها عندما يتكرر أمامنا الدرس اليومي، أعني ولادة الطفل ثم نموه إلى أن يصل إلى الشهر الثالث فتطل ابتسامته على كل مَن حوله وتجذب عيناه كل مَن يراه. السماء تقول لنا إن الهدف من الوجود على هذه الأرض هو أن يحب بعضنا بعضاً.
لكن صانعي الحروب والذين يستفيدون من إفساد فطرة الإنسان يهزون من خلال الضعف البشري اللغة الأولى في الحياة وهي لغة الحب. ومع ذلك فالدرس يتجدد ولا ينتهي، بل يطرح علينا سؤالاً دائماً هو التالي: كيف ننشئ طفلاً ليكون محبوباً وقادراً على أن يحب كل مَن حوله؟ وكيف يمكن أن تكون محبة الطفل للحياة عميقة وكريمة وليست سطحية أو مجرد ديكور اجتماعي، وأن يكون الحب في قلب الطفل عميقاً بحيث تتحول الطاقة التي في أعماقه إلى تعاون مع مَن حوله فيهزمون آلام البشرية، بدلاً من أن يتسببوا في إيلام بعضهم بعضاً.
إننا نلمس في حياتنا آثار أي شخص محب لنا، والبشرية خلال رحلة تحررها من فسادها كانت تجد في الأنبياء الذين بعثتهم السماء رموزاً قوية للحب والعطاء، فموسى (ع) أحب قومه فأنجاهم من عذاب فرعون، واحتالوا عليه بالخديعة والكذب وعبادة العجل فهداهم، وخرجوا على طاعته لكنه قادهم إلى بصيرة الإيمان. وبعد موسى زاد ضلال بني إسرائيل وأفسد الناس الكون بكراهية لا نهاية لها، فكان عيسى (ع) كأعظم محام عن الحب، إذ رافع في المهد عن أمه راداً على اتهامات السوء، وأثبت براءتها وهي البتول، وترافع عن الخاطئة مريم المجدلية لا لينفي عنها الاتهام ولكن ليذكر كلاً منا بجريمته: ((مَن كان منكم بلا خطيئة فيرجمها بحجر)). وكان هذا التركيز وحده كفيلاً بدخول المجدلية إلى آفاق الإيمان الرحبة. ثم كانت الرسالة الخاتمة التي هي أعظم ما وهبه الله للبشرية من منهج حياة يصون الحب فيكفل بقاء الكون عامراً، تلك هي رسالة محمد عليه الصلاة والسلام.
إن حب إنسان لقومه يجعل الناس يأتلفون ويشعرون بالراحة ويلمسون السعادة في أعماق نفوسهم ويمكنهم من أن يكونوا قادرين على إقامة صداقات قوية وطويلة الأمد، فينمو المستقبل بين أيديهم بثبات وجودة، وتصبح علاقاتهم في العمل مفعمة بالتعاون، وتنتشر فيهم روح الاحترام التي تفجر المواهب وتجعلهم أكثر قيمة فيعرفون قيمتهم وترتفع مكانتهم بين الآخرين ويرتفع مستوى منافساتهم إلى نوعية خلاقة فيتجنبون المنافسات الهدامة.
إن إنساناً ينشأ على قيمة الحب هو إنسان يضع كل شيء في مكانه الصحيح. إنه يختار شريكة عمره على أساس من التواصل العاطفي والعقلي وحيوية التقدير الجنسي بين الإثنين. بل إن الانسجام بين الرجل والمرأة في المجتمع المحب يصل إلى درجة رائعة بإمكاننا أن نتخيلها، ذلك أن البشرية لم تصل حتى الآن إلى المجتمع المحب الكامل. إننا نكتشف في علاقة الحب المستمرة والعميقة بين الرجل والمرأة الآلاف من الأفعال التلقائية التي تنبع من خيال المرأة فيستجيب لها الرجل، أو تنبع من خيال الرجل فتستجيب لها المرأة. ونحن نرى أن الزواج المبني على الحب يرسي أسس السعادة بثبات، وكما قلنا من قبل، ينشئ أطفالاً أكثر سعادة وانفتاحاً على العالم. إن هناك أمواجاً من الحب تحيط بالرجل والمرأة والطفل، والأطفال الذين جاءوا من علاقة حب يقوون الروابط الروحية والمادية بين الأب والأم.
وغريب أمر الحب في هذه الحياة، فلا أحد يشبع منه، وكل مَن يحصل عليه يشع بدفئه وصفاته على مَن حوله.
ولكن هناك وجهاً سلبياً للحب، إنه التسلط. فعندما يكون أحد الزوجين متسلطاً فهو يفرض جبروته على الطرف الآخر ويعتقد كل قرين أن الطرف الآخر يحب الأطفال أكثر منه.
وكثيراً ما نسمع كلمة قاتلة للحب في نفوس الأبناء، الكلمة التي تأتي على لسان المرأة مثلاً فتقول: ((إنني أعيش مع زوجي الديكتاتور من أجل الأطفال)). إن الأطفال قد لا يسمعون هذه العبارة من أمهم ولكنها تنتشر بسرعة في العلاقة بين الأبناء من جهة وبين الأب والأم من جهة ثانية. إن الأطفال يبدؤون في تلك الحالة رحلة الانتقام والضجيج والالتواء والسلوك والمزعج. وكذلك يسبب الأطفال هذا الضجيج وينشأ فيهم ذلك الالتواء عندما يقول الأب كلمات من مثل: ((إنني أتحمل الحياة مع هذه المرأة من أجل الأطفال)). إن الأبناء يحبون أن يعيش الأب والأم معاً في حالة حب وأن تستمر العلاقة بينهما قوية ومتينة، كما يفضلون أن تكون علاقتهم بالكبار على أساس من الحب والتعاون، ويتخوفون من أن تتحول الكراهية ـ كراهية أحد الزوجين للآخر ـ إلى ثقل على أكتاف الأبناء.
وعندما تكون العلاقة مفعمة بالتنافر بين الزوج والزوجة فلنا أن نتوقع أطفالاً غير مبالين إلى الصداقة مع غيرهم، وأن نتوقع كباراً ينظرون إلى العالم نظرة عدم ثقة، وأن نرى ألواناً من السلوك تثير الخصومة والتنافر، وأن نرى أشخاصاً يتميزون بالبخل أو المكر، وأن نسمع في عيادات الطب النفسي عن آلام هؤلاء وعن اشتهاء كل منهم، إلى حد الجنون، أن يحب أحداً وأن يحد مَن يحبه.
وهكذا نجد أن الطفل الصغير يختبئ عملياً داخل جسد الكبير. نعم، فكل منا يحمل طفولته داخله. وهذا الطفل الصغير يسعى إلى نيل الحب.
وكل طفل يحب أن يكون محبوباً ومحباً، وإلا فإن الطفل سيلجأ إلى إزعاج مَن حوله لتنبيههم لحاجته إلى الحب.
وجرس الإنذار بضرورة الحب يدق عندما يأتي الأب المرهق من عمله ويتجه إلى سرير الطفل ذي الستة أسابيع ليناديه فيبتسم له، وعندما يبلغ طفله الشهر الخامس من عمره فيرى السعادة على ملامح الوليد من مجرد مخاطبته. وكلما كبر الأطفال زادت العوامل التي تؤثر في قدرتهم على منح الحب وتلقيه.
وهناك فوارق بين طفل وآخر. وهناك الطفل المنفتح على العالم، وهناك الطفل الحساس بالفطرة.
وإن لنا أن نعرف الأساس الهام الذي نكرره دائماً وهو أن الطفل يفتح عينيه منذ الشهر السادس ويبدأ بامتصاص صورة العالم الذي سوف يحيا فيه، حتى إذا كان الأب والأم ممتلئين بالعاطفة تفجرت في الطفل طاقة الحب لكل الناس إلى درجة يفترض فيها الطفل أن كل الناس في هذا العالم من نفس طراز أمه وأبيه تربط بينهم الصداقة والحنان والألفة.
لذلك فكثيراً ما أقول للآباء الذين نشؤوا في ظل الحضارة الغربية المعاصرة والتي تلجم العواطف وتكبتها وتفرض على الأب أن يصرخ في وجه ابنه: ((كن رجلاً ولا تبكِ))، أو تفرض عليه أن يمتنع عن احتضان ابنه حتى يعلمه ـ كما يحسب ـ كيف يشب ويقف على قدميه دون اعتماد على الآخرين ... أقول لهم إن هذه التربية الجافة أمر مرفوض لأنها تقسي مشاعر الأبناء وتجمد ينابيع العطاء في أعماقهم.
وفي المقابل يجب ألا نتمادى في الاحتضان والقبلات وخصوصاً في زماننا الذي ينقل إلى الأطفال صوراً مفضوحة عن العلاقة بين الرجل والمرأة.
إن علينا أن نحتضن الأطفال ولكن لا ننسى أبداً أن الصبي منذ العام الثالث يتجه بكل الإعجاب إلى أمه، كما تتجه الفتاة بالإعجاب إلى والدها.
ولابد من أن تكون هناك حدود متوازية من الاحتضان والقبلات، فلا يصح أن نمنع أبناءنا من ذلك، ولكن لا يصح أيضاً أن نسرف معهم في ذلك.
إنني كثيراً ما أسمع عشرات الآباء يشكون من آبائهم عاملوهم بجفاء فانعكس ذلك على سلوكهم فيما بعد، فصاروا آباء متسيبين عاطفياً ولا يستطيعون السيطرة على أبنائهم، بل ينفذون كل ما يطلبه الأبناء منهم. وكثيراً ما سمعت من عشرات الأمهات أن التدليل المبالغ فيه هو الأمر الممكن الوحيد لبناتهن، لأن القسوة السابقة من أمهات هؤلاء الأمهات كانت كفيلة بإنتاج جيل متسيب العواطف. إن الأم تعتذر بالتدليل الزائد للابنة عن عدم معرفتها بكيفية التعامل معها. إنه بحر الحيرة الرهيب الذي يغرق فيه الآن أجيال من الآباء والأمهات الذين لا يعرفون كيفية التحكم في تربية الأبناء.
إن ***** عمارة من الطوب والأسمنت أمر يحتاج إلى تعاون بين المهندس والعمال والفنيين لتكون العمارة صالحة بعد ذلك لأن يسكنها أناس آخرون.
و***** طفل على مقدرة لعطاء الحب وأخذه مسألة تحتاج إلى الإحساس المتوازن من الأب والأم معاً.
إن الابن هو اللحن الذي نعزفه نحن الآباء والأمهات، وعلينا أن نعزف هذا اللحن بثقة واقتدار، ونحن نستطيع أن نفعل ذلك بمنتهى الهدوء لأن هذا اللحن طويل جداً.
إن عمر تربية الأب والأم للابن لا يقل بحال عن واحد وعشرين عاماً، وهي أطول سيمفونية معزوفة بأنفاس كلّ أب وأم وأحلامهما وتجاربهما.

مهما الليالي
مهما الليالي
خذ قلبي واعطني ابتسامتك

مهمة الزجاج الأمامي في كل سيارة أن يحمي السائق من عواصف الهواء.
ويحرص كل سائق على أن يكون زجاج السيارة نظيفاً لامعاً.
وتختزل شركات صناعة السيارات كل خبرات العلم لتجعل الجالس خلف المقود يستمتع برؤية واضحة إلى الدرجة التي وضع فيها صانعو السيارات شاشة كمبيوتر يمكن أن يرى الإنسان من خلالها ما أمامه وما خلفه.
والأب والأم هما قائدا سيارة العمر. وليسترجع كل منا خبرة تعلمه لقيادة السيارة للمرة الأولى. إن الواحد منا يمسك بعجلة القيادة وكأنها لص يكاد يفر ولابد من تسليمه إلى الشرطة. ومن بعد أن يتدرب الواحد منا على إتزان حركة أقدامه على مكبح السيارة ودافع البنزين في الموتور وعلى فاصل الحركة وعلى تحريك عصا غيار السرعة، عندها تصبح قيادة السيارة عملية آلية.
لكن ماذا تفعل عندما ترى ابنك وهو في الخامسة من عمره يمسك مسماراً في يده ويحاول تجريح زجاج العربة؟
وماذا تفعل عندما ترى ابنك الذي هو في سن السابعة تمتد يده إلى حافظة نقودك ليأخذ منها قدراً كبيراً من النقود ويدعو أصدقاءه في المدرسة إلى أكبر وليمة حلوى؟
وماذا تفعل عندما يخفي ابنك تقريره الدراسي ويعلن لك أن المدرسة لم تعطه أي تقرير شهري وأنه ناجح في كل المواد ثم تفاجأ بالهاتف يدق في منزلك ليخبرك المسؤول في المدرسة أن ابنك ((يزوغ)) من المدرسة وأنه راسب في كل المواد الدراسية المقررة له؟
أنت هنا في حالة غيظ وتردد وإحباط، وتتمنى تلقائياً أن تعاقب هذا الابن.
أنت تريد أن تعاقب هذا الابن الذي حاول إفساد زجاج السيارة بالمسمار.
أنت تريد أن تعاقب هذا الابن الذي ((أخذ)) أو ((سرق)) من حافظة نقودك بعضاً من المال.
أنت تريد أن تعاقب الابن الذي أخفى عنك تقريره المدرسي وهرب من المدرسة.
وإذا سألت العلماء الأكثر تخصصاً في مجال تربية الأطفال فإنهم يسألونك ببساطة ماذا كان رد فعلك في اللحظة المباشرة لرؤيتك ابنك وهو يخدش زجاج السيارة بمسماره؟
فإن كانت إجابتك هي مجرد الانزعاج من دون أن تعاقبه على فعلة بالتوبيخ واللوم وشرح فائدة زجاج السيارة ومحاولتك سؤاله عن دافعه إلى القيام بمثل هذا العمل ... إذا كنت مجرد منزعج وحائر ومتردد وتتساءل عن أية نظرية في التربية يجب أن تعتمدها في مثل هذا الموقف فأنت مخطئ جداً، لأنك دون أن تدري تقوم بأعظم إفساد لابنك. إنك من حيث لا تدري تجعله في موقف لا يميز فيه بين الصواب والخطأ. لذا عليك أن تعاقبه على الفور ليعرف أن هناك حدوداً للسلوك في الحياة يجب ألا يتخطاها.
صحيح أن من حقك بعد عقاب الابن أن تعرف أنه يشعر بالغيرة من أخته التي تصغره سناً وأن المقارنات التي تعقدها أنت بينه وبين أخته التي هي أصغر منه سناً تجعله يمقت هذه الأخت ويتذكر دائماً أن هذه الأخت قد سرقت منه الأضواء، لكن عليك بعد ذلك أن تعدل في سلوكك تجاهه بعد حادثة خدشه زجاج السيارة بالمسمار لتعلمه كيف يقوم بتنظيف السيارة لو تعطيه مبلغاً صغيراً من النقود في كل مرة يقوم فيها بتنظيف السيارة من الداخل أو الخارج. لكن من الصحيح كذلك أن عليك ألا تتردد في عقابه على الفور إذا ما أخطأ في حقك بتجريح زجاج السيارة.
وأي عالم في التربية أو علم النفس أو الطب النفسي لن يعترض على عقابك لابنك الذي رأيته يأخذ مبلغاً من المال من حافظة نقودك.
يمكنك أن تضربه عقاباً لا غيظاً. ويمكنك أن تؤنبه بحدة لا بمزيد من تجريحه كإنسان. ولكن ذلك لا يمنعك من أن تسأل نفسك: كم هو عمر ابني الذي أخذ النقود من المحفظة؟ وحتى إذا كان بين الثانية والرابعة من العمر فهو يعيش مرحلة ضبابية بين التمييز وعدم التمييز. وإذا كان قد أخذ شيئاً يخص طفلاً آخر في الحضانة فيجب إقناعه حينها بأن يعيد ما أخذه إلى صاحبه وأن يعتذر له لأنه احتفظ بالشيء الذي يخص زميله لمدة من الوقت.
أما إذا كان الطفل فوق سن السابعة فهو قد أخذ من جيبك النقود ليقول لك: ((أنت لست صديقي وكذلك أمي. وأنا أعيش في عزلة وأعاني من مرارة الإحساس بالوحدة، وإنكما معاً مسؤولان عن ضرورة رعايتي لا عن مجرد تقديم الهدايا واللعب، وعليكما إقامة الحوار بيني وبينكما من دون أن تغرقاني في المقارنات المزعجة عن تفوق الآخرين على في كل شيء، وفي الحديث عن خيبتي التي تفوق كل وصف)).
وبإمكانك أن تحلل الأمور وتفهم مشاعر ابنك، ولكن ما دام الخطأ قد وقع فلابد من العقاب.
وأما إذا كان الابن قد أخفى تقريره الشهري فهو كذلك يستحق العقاب، ويجب أن يتم إيقاع العقاب على الفور وبحزم إنما من دون مبالغة. وبعد ذلك يمكنك أن تعرف أن ابنك قد أخفى تقريره الشهري عنك لأنه لا يحب المدرسة ولأن المدرسين كثيراً ما يوجهون له ألفاظاً جارحة. إنني لا أنسى المرة الأولى التي أخفي فيها ابني التقرير الشهري عني. لقد حرمته من المصروف ومن رؤية التليفزيون ومن زيارة المتاحف. ولكني درست أسباب هذه الظاهرة وعرفت أن من عيوبي إني كنت أخاف من جبروت أبي وأنا طفل، لذلك كنت أتفوق في بعض العلوم التي يكرهها هو وأهمل مواد أخرى يحبها هو. كنت أتفوق في الرسم والشعر واللغة العربية وأهمل العلوم والحساب واللغة الإنجليزية. كنت أقاوم جبروت أبي بخيبتي المقصودة في المجالات التي حاول أن يجبرني على إجادتها. وعندما وعيت الحقيقة البديهية، وهي أنني أتعلم لأن الإنسان يجب أن يتعلم ليعيش في المجتمع، بدأت أسير في دراستي سيراً طبيعياً، وبدأت رحلة بحثي وراء ((خيبة ابني))، فعرفت أن هناك مدرِّسة سمعت من ابني أكثر من مرة أن السبورة تلمع أمام عينيه وأنه لا يرى المكتوب عليها فقالت له: ((أنت أعمى)). وعندما توغلت في حياة هذه المدرِّسة عرفت أنها مطلقة حديثاً وأن زوجها يحرمها من رؤية ابنها الذي هو في عمر ابني. فطلبت من مديرة المدرسة أن تساعد المدرِّسة في مواجهة مشاكلها بدلاً من أن تعاقب أبناء الغير. وصحبت ابني إلى الطبيب ليقيس له قوة إبصاره وعرفت أن قوة إبصاره ضعيفة. فأخذته إلى صانع النظارات ليختار له الإطار الذي يفضله للنظارة. ولقد قاوم ابني هذه النظارة الطبية كثيراً وتحملت رحلة مقاومته لها، ورأيته ذات مرة يلقي بها على الأرض بهدف كسرها فلم تنكسر، وعاقبته على ذلك، ثم عرفت منه أنه يطلب إلينا وضع برنامج غذائي له ليقوي بصره. فأخذته إلى الطبيب الذي دخل معه في مناقشات مستفيضة انتهت بقبوله وضع النظارة على عينيه. وبدأ ابني يتعلم الحقيقة الأساسية عن العلم، وهي أن يتعلم لا من أجلي ولكن من أجل أن يخوض غمار التجربة في المجتمع مسلحاً بما يضمن له الاستقلال عني.
إذن نحن في تربية أبنائنا لا نبحث عن نظريات نستوعبها أولاً ثم نطبقها. فقد قام آدم بتربية قابيل وهابيل ولكن قابيل، بسبب من حسده، قتل هابيل واضطر إلى التعلم من الغراب ليواري سوأة أخيه. وأولاد قابيل لم يرتكبوا حماقة القتل وإن تحول الصراع إلى منافسة. إن قدماء الصينيين تنافسوا على بناء السور وأجهدوا أنفسهم لحماية بلادهم. وقدماء العرب قاموا بتربية الأبناء على الفروسية والرحيل وجميل الاستماع إلى الشعر. والمصريون القدماء قاموا بتربية أبنائهم على التقاط الحدس من حقائق الطبيعة التي عاشوا فيها. ومن المؤكد أن تواجد البشرية حتى الآن كان نتيجة قيام الآباء والأمهات بتربية الأبناء، ونتيجة محاولتهم معرفة المختصر المفيد والموجز الرشيد في التربية. ولكن رد الفعل الفوري النابع من الحب والحزم أمر أكثر أهمية من كل النظريات العلمية التي نشأت في أي زمان وأي مكان.
أقول ذلك وفي ذهني حكمة أساسية قالتها لي أمي العجوز عندما سألتها عن أهم نظرية في نظريات التربية طبقتها في حياتها أثناء تربيتي وتربية إخوتي فقالت: ((خليها على الله، كنت أربيكم على مبدأ بسيط هو: خذ قلبي وأعطني ضحكتك. كنت أحاول أن أجعل كل واحد منكم طفلاً سعيداً)). قالت: لأنك قمت بعمل غير أخلاقي، وهو إهدار لجهد الفلاح الذي زرع الأرز والبطاطس، وإهدارك لمال أبيك الذي اشترى لنا هذا الأرز وتلك البطاطس ومعها اللحم، وإهدار لتعبي أنا طول النهار في المطبخ لأعد لكم الطعام. لقد عاقبتك لا لأني أكرهك ولكن لأعلمك كيف تحترم جهد الآخرين)).
ومبدأ أمي هو المبدأ الصحيح: ((خذ قلبي وأعطني ابتسامتك))، وأي تردد في عقاب الابن على الخطأ والتفرغ للسؤال عن النظريات هو الذي ينشئ أطفالاً مدللين دائمي اللجاجة والإزعاج.
إنني أنظر أحياناً إلى زوجتي وهي تطعم طفلي الصغير، فأجدها تقوم بنفس حركات أمها عندما كانت تطعم ابني الكبير، فهي تمد شفتها السفلى إلى الأمام وترفع شفتها العليا إلى أعلى وكأنها هي التي ستأكل. وفي أغلب الأحيان أجد أن زوجتي تعلمت هذه المسألة من أمها منذ أن كانت في الثالثة من العمر عندما كانت تراها وهي تطعم أخاها الصغير الذي صار طياراً.
إننا نعرف أن ((نبرة الصوت)) التي ينطق بها الأب مع ابنه هي نفس ((النبرة)) التي سمعها من أبيه.
وكبار الأطباء النفسيين والعلماء المتخصصين الذين وضعوا كل نظريات التربية يعرفون أنهم تبرموا من أبنائهم في بعض المواقف وتصرفوا مع أبنائهم كما كان آباؤهم يتصرفون معهم في مثل تلك المواقف.
إننا نعرف أن خيال الابن والبنت منذ العام الثالث يبدأ رحلة تقمص السلوك من الأب ومن الأم. إن الطفل يتخيل كيف سيشعر عندما سيكون له أولاد يتصرفون تصرفاً مزعجاً. وبالتحديد، فإن الابن يحتفظ في خياله بألوان السلوك المختلفة، كما أن البنت تفعل الشيء نفسه تتعلم عن أمها إنكار الذات وكيفية تربية الأطفال.
إننا نفرح ـ على سبيل المثال ـ عندما نسمع كلمة ((ماما)) و ((بابا)) من فم الطفل للمرة الأولى، ونظل نكرر الكلمة أمامه بنفس لهجته حتى يعيد نطق الكلمة، وهو يفعل مثلما نفعل نحن بالضبط: إنه يتلقط منا صورة السلوك ليطبقه بعدما يكبر، وينجب أبناءه.
ونحن عندما نعلم أبناءنا كيفية الفصل بين ما يملكونه وبين ما يملكه الآخرون نقوم بما كانت تقوم به مدرسة الحساب في سنوات الدراسة الأولى عندما كانت تضع أربعة كراسات مع أحمد وتضيف إليها الكراسات الخمسة التي يملكها حسام وتعلمنا أن المجموع هو تسعة كراسات، تم تصر على إعادة كراسة كل تلميذ إليه. ونحن نفعل ذلك عندما نعلم الطفل كيف يحترم حاجات غيره.
وحتى عند بلوغه مرحلة المراهقة قد نسمع طلباً للابن فنرفضه تلقائياً، وقد نقرص أذنه، ونجيب على أسئلته الصعبة بحزم يعرف تماماً أنه حزم نهائي. هذا الحزن التلقائي يقي المراهق نفسه من دوامات تمرد يكرهه هو في قرارة نفسه.
إن ولادة الطفل وإن كانت تصاحبها آلام ومتاعب إلا أننا نفرح بذلك العضو الجديد في الأسرة.
والطفل عندما يتم فطامه من ثدي الأم أو من زجاجة التغذية الصناعية فهناك ـ أيضاً ـ متاعب وآلام ولكنه يستمتع بنفسه كإنسان استقل أخيراً عن لون الطعام الواحد وصار قادراً على أن يأكل مثل الكبار.
والطفل عندما يخرج إلى الحضانة يصادف بعضاً من المتاعب والآلام ولكنه يتعرف على مجتمع أوسع من مجتمع الأسرة ويتفاعل معه.
والطفل عندما يذهب إلى المدرسة الابتدائية يصادف بعضاً من المتاعب والآلام ولكنه يتعرف على العلوم والخبرات الإنسانية التي تتيح له المزيد من التفاعل مع المجتمع.
والطفل عندما يمر من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة يصادف بعض المتاعب والآلام، أي متاعب وداع الطفولة ومسؤولية استقبال دوره الجديد كشاب أو شابة.
والأب والأم، طوال هذه الرحلات، يعيشون دائماً في حال انتباه وترقب طامحين أن يكون ابنهما له شخصية متميزة مغزولة من سلوك الأب والأم معاً.
والنظريات ـ نظريات التربية ـ لا تؤدي إلى أكثر من تعميق للمعرفة، لكنها ليست كل المعرفة.
ولذلك فأنا دائماً مع قول أمي ونظريتها الفريدة: ((خذ قلبي وأعطني ابتسامتك)).