تــــــــــــــــــوتـــــــــــــــــــــــو
ألف مبروك حبيبتي ويتربوا بعزك

كيف تعامل طفلك الذكي المتخلف في دراسته؟
* سلسلة عالم المعرفة
إن كثيراً من مشكلات التعلم والتآخر الدراسي لا ترجع إلى التخلف العقلي وانخفاض مستوى الذكاء بقدر ما ترجع إلى أخطاء في التربية والعجز عن تكوين الدافع الملائم للنجاح والتفوق لدى الطفل. ولهذا فإن هناك اعتبارات أخرى يجب أخذها في الحسبان عند التعامل مع الطفل الذي يبدأ أداؤه المدرسي في التدهور. وسنذكر فيما يلي هذه الاعتبارات لننقل بعد ذلك للقارئ نموذجاً عملياً لإحدى حالات النجاح في العلاج السلوكي في مجال التفوق الأكاديمي.
اعتبارات عامة لمعالجة مشكلات الدراسة:
هناك اقتراحات عامة يجب مراعاتها في حالات تدهور الأداء المدرسي وبطء التعلم وهي:
1 ـ اجعل من التعلم والدراسة خبرة مرتبطة بالسرور والمتعة.
2 ـ اجعل من التعلم خبرة مرتبطة بالنجاح وليس بالفشل (أي ركز على النجاحات التي يحققها الطفل حتى ولو كانت صغيرة).
3 ـ قدم العلاج حسب خطوات صغيرة. أي ينبغي تشكيل السلوك المؤدي للتعلم في شكل مراحل صغيرة مع مكافأة كل تقدم جزئي نحو الهدف العام.
3 ـ امتدح بسخاء.
5 ـ شجع الطفل على ربط خبرة التعلم بنشاط عملي فالأشياء التي تقوم بعملها نتعلمها أسرع ونحتفظ بها في ذاكرتنا بشكل أقوى.
6 ـ ارسم أمام الطفل النموذج الملائم للنجاح والعمل والنشاط. فمن العسير على الطفل أن ينمي إمكانات التعلم والتفوق أو يستجيب لنصائحك بينما أنت تقضي الغالبية العظمى من الوقت في الثرثرة ومشاهدة التلفزيون والحفلات الاجتماعية التافهة والزيارات طوال أيام الأسبوع.
7 ـ اختر مكاناً جيداً لطفلك .. بعيداً عن الضوضاء ومعدا خصيصاً للعمل.
وفيما يلي وصف لحالة الطفل موضوع هذه الدراسة Eimers & Aithison)).
وصف الحالة: كان الطفل موضوع هذه الحالة في الحادية عشرة من العمر عندما أحضره والداه وهما في حالة من الجزع والانزعاج. فالطفل يرسب في المدرسة. وما هو أسوأ من ذلك أنه لا يبدو أنه يهتم أو يكترث لذلك. وبالرغم من أن الطفل كان متفوقاً في دراسته في العامين الأولين لالتحاقه بالمدرسة، فإن أداءه بدأ في التدهور تدريجياً.
ودلت اختبارات الذكاء التي استخدمها المعالج مع الطفل على أن نسبة ذكائه فوق المتوسط. كذلك لم تتضح صعوبات في التعلم أو قصور عقلي واضح في الجوانب الأخرى من التفكير. وقد استبعدت هذه النتائج أن تكون مشكلة هذا الطفل بسبب التخلف أو صعوبات التعلم. وقد أيد مدرسوه هذه الملاحظات وأضافوا أنه كان من قبل تلميذاً جاداً وأن لديه إمكانات أكيدة على التفوق إلا أنه يهمل في أداء واجباته ولا يبذل أي جهد إضافي تطلبه منه مدرسته، وهو لا يبدي اكتراثاً بحل واجباته المنزلية مما ضعف من مشكلاته الدراسية وتدهوره.
لقد تبلورت المشكلة الحقيقية وراء التدهور الدراسي لهذا الطفل في دافعه الدراسي. ولهذا فقد نصحت معلمة الفصل والداي الطفل بأن يستعينا بعيادة نفسية لمساعدتهما ومساعدة الطفل على التغلب على هذه المشكلة قبل تفاقمها. وقد قام المعالج بوضع خطة من مرحلتين لزيادة دافعه الدراسي والتغلب على بعض مشكلاته السلوكية داخل الفصل الدراسي وعاونه في تنفيذها الوالدان والمدرسون (Eimers & Aithison 1977)
ـ خطة العلاج:
المرحلة الأولى: تقوية الدافع الدراسي
ركز المعالجون على مشكلة أداء الواجبات المنزلية كسلوك محوري، وقد بدا واضحاً أن الأبوين لم يبديا اهتماماً بهذا الجانب، وأهملا سؤال الطفل عن أعماله المنزلية وتركاها له دون متابعة. صحيح أنهما كان يطلبان منه بين الحين والآخر أن يؤدي واجبه، لكنه كان يجيبهما بأنه قد فعل ذلك، فكانا يقبلان ما يقوله بطيب خاطر ويسمحان له بالخروج للعب أو مشاهدة التليفزيون معهما. ولهذا فقد كان من أسباب جزع الأبوين أنه قد خدعهما بادعائه بأنه يحل واجباته، وعندما اكتشفا ذلك أظهرا له أشد الغضب، وأرغماه على البقاء في حجرته يومياً لساعتين لإنهاء واجباته المنزلية. وبالرغم من موافقته على البقاء لساعتين في حجرته، فإنه استغل هاتين الساعتين في قراءات خارجية ومجلات أطفال. واستمر لا يؤدي واجباته المنزلية كما دلت التقارير التي كانت تأتي من مدرسته. وعند هذا الحد شعر الأبوان بضرورة استشارة المعالج النفسي. وفيما يلي الخطة العلاجية التي وصفها المعالج وقام بتنفيذها مع الوالدين.
الخطوة الأولى: تحديد المشكلة وتعريفها:
بيّن المعالج ـ واتفق معه الوالدان في ذلك ـ أن المشكلة الرئيسية للطفل تتركز في فقدان دوافعه للعمل. فقد عزف الطفل عن العمل والدراسة لأنه ببساطة لم يتلق التدعيم الملائم والإثابة لهذين النشاطين، أو بعبارة أخرى، لم يتلق تدعيماً ملائماً لإنهاء العمل المدرسي والواجبات اليومية. ولم يكن تهديد معلمه الفصل بالرسوب أو تخفيض درجات كافياً لإذكاء دوافعه مرة أخرى. وقد رأى المعالج، أن الحل الرئيسي لمشكلة هذا الطفل يكمن في أن يجعل من الدراسة وأداء الواجبات المنزلية أمراً مشجعاً وجذاباً ومرتبطاً بالتدعيم الاجتماعي والإثابة.
الخطوة الثانية: مكان خاص للعمل:
من الأسباب التي تبين للمعالج أنها تعوق الطفل عن أداء واجباته المنزلية، السماح له بإكمال هذه الواجبات في حجرته. فقد كانت حجرته مملوءة بكثير من جوانب النشاط واللعب بما في ذلك مجلات الأطفال ولعبه الكهربائية وكل لعبة المفضلة. لهذا فقد أوصى المعالج الوالدين بأن يخصصا مكاناً ملائماً للدراسة، وقد اتفق الوالدان على أن تكون منضدة الطعام هي المكان الملائم لذلك. فقد خلت هذه البقعة من المنزل من المشيقات، فضلاً عن أنها تميزت بإضاءة جيدة وكانت على العموم مكاناً جيداً للدراسة إضافة إلى أنها تمكن الوالدين من مراقبة الطفل.
الخطوة الثالثة: إثارة الحوافز والتدعيم الإيجابي:
تبلورت الخطوة الثالثة في ابتكار نظام لإثارة حوافز الطفل. ثم بمقتضاه الاتفاق مع الوالدين على إثابة الطفل على كل نجاح أو تغير إيجابي في دراسته. وقد روعي في برنامج الحوافز ما يأتي:
1 ـ اختيار حوافز أو مدعمات مرغوب فيها من الطفل ستحق منه أن يبذل جهداً للحصول عليها.
2 ـ الزيادة التدريجية للوقت الذي يقضيه في أعماله المدرسية كل ليلة. وقد حذر المعالج الوالدين من تغليب رغبتهما في النجاح السريع على توخي الحرص في تطبيق مقتضيات العلاج التي تتطلب التدرج الحذر في زيادة الوقت الذي يمنحه الطفل للعمل، وفي مكافأة كل تقدم في هذا الاتجاه.
3 ـ امتداح الطفل بين الحين والآخر خلال انشغاله بدراسته وتشجيعه على مجهوداته ..
4 ـ المكافأة الفورية: تعتبر الدرجات التي تعطيها المعلمة للجهود الدراسية مكافأة غير مباشرة، ومن ث فإن تأثيرها التشجيعي ضعيف. ولهذا أصبح تقديم المكافأة الفورية ضرورياً. وقد نوعت المكافأة الفورية وعددت لتشتمل على بعض الأطعمة المحببة، أو قضاء نصف ساعة في مشاهدة التليفزيون أو الفيديو، أو استخدام التليفون، أو الخروج للتنزه واللعب .. الخ، وكانت تقدم كل مساء.
الخطوة الرابعة: المتابعة
اعتمدت الخطوة الرابعة على متابعة تقدمه وتقييمه. وهنا تبين من خلال الاتصال بمعلمة الفصل أن درجاته قد أخذت في التحسن، وأن واجباته المنزلية كانت تتم في وقتها وبشكل ملائم. لكن المعلمة لاحظت أن الطفل بالرغم من التحسن الأكاديمي، فإن سلوكه في داخل قاعة الفصل اتسم بالاندفاع نحو الشتم وإثارة بعض الفوضى مما كان يحول بينه وبين الانتباه الجيد. وقد شعرت المعلمة أن الطفل بإمكانه أن يتفوق أكثر وأن يحقق إمكاناته بصورة أفضل لو تخلى عن هذه المشكلات السلوكية.
ولهذا فقد اتفق الوالدان مع المعالج على وضع خطة أخرى للتغلب على هذه المشكلات السلوكية وفق الخطوات التالية:
المرحلة الثانية: التغلب على المشكلات السلوكية
الخطوة الأولى: تحديد المشكلة
دعا المعالج معلمة الفصل لحضور إحدى الجلسات مع الوالدين بغرض تحديد مشكلات الطفل، ولكي يكسب تعاونهم في التخطيط للعلاج وتنفيذ الخطة. وقد تبين أن مشكلات الطفل في المدرسة شملت ما يأتي:
أ ـ العزوف عن أداء أعماله الإضافية في المدرسة، أي الافتقار لدافع المنافسة الدراسية.
ب ـ التنكيت مع الزملاء، والتعليقات غير الملائمة، وكثرة الحركة، وعدم الانضباط. وقد تبين أن هذه المشكلة ترتبط بالرغبة في إثارة الانتباه بشكل غير ناضج. وقد كان من الواضح أن زملاء فصله قد أحبوا طريقته وكانوا يستجيبون لتصرفاته المضحكة، ونكاته بالضحك والمودة. حتى المعلمة، ولو أنها لم تكن تشارك زملاءه سعادتهم بتصرفاته، فقد كانت تبدي اهتمامها السلبي من خلال السخرية ومحاولة الإسكات. لقد تول الطفل إلى نجم الفصل وموضوع الانتباه الرئيسي لزملائه ومعلمته بسبب سلوكه غير اللائق.
الخطوة الثانية: التحكم في الإثابة:
تبلورت الخطوة الثانية في البحث عن حل للمشكلة. وقد تركزت خطة الحل على التقليل من الإثابات التي يحصل عليها بسبب سلوكه المشاغب، أي بالتقليل من الانتباه الإيجابي والسلبي الذي يحصل عليه من زملائه ومعلمته. كذلك تركزت الخطة على زيادة حوافزه وإثابته على السلوك الملائم. وقد اتفق أن يكون السلوك الملائم هو العمل على إنهاء واجباته المدرسية والإضافية وعدم تأجيلها حتى العودة إلى المنزل.
الخطوة الثالثة: الإبعاد المؤقت عن مواقف التدعيم السلبي:
ثم تنفيذ الخطة بحيث يتم الإبعاد عن الفصل لمدة خمس دقائق عندما يصدر منه سلوك مناف للذوق بما في ذلك التنكيت أو التعليقات غير الملائمة. وبذلك تم حرمانه من المدعمات التي كانت تأتيه من جراء سلوكه المشاغب. وكان يسمح له بالعودة للفصل بعد خمس دقائق، إلا أنه كان يستبعد من الفصل من جديد ولمدة مضاعفة إذا ما استمر في السلوك نفسه.
وبالرغم من نجاح الإبعاد المؤقت، فإنه كان يمثل ـ من الناحية العلاجية ، نصف الحل، فمن خلال الإبعاد المؤقت تعلم الطفل أنواع السلوك التي يجب التوقف عنها، لكنه لم يتعلم بعد السلوك الجيد المطلوب عمله. ولهذا فإن من المفروض تدريبه على أنواع السلوك الملائمة داخل الفصل من خلال برنامج خاص لإثارة حوافزه لأداء السلوك الملائم، وهو ما طبق في الخطوة الرابعة.
الخطوة الرابعة: تدعيم السلوك الإيجابي:
تنطوي الخطوة العلاجية هنا على إنابة الطفل ومكافأته للوقت الذي يقضيه في مقعده وهو يؤدي واجباته المدرسية المطلوبة. وقد تعاون المعالج مع المعلمة على وضع جدول مكافآت خاص تعده له يومياً، ويحصل الطفل بمقتضاه على نقاط (أو رموز) مقابل الوقت الذي يقضيه في العمل والمتفق عليه مع الطفل والمعلمة سابقاً.
وفي نهاية اليوم توقع المعلمة هذا الجدول وترسله مع الطفل إلى المنزل حيث يتم تحويل هذه النقاط أو النجوم إلى مدعمات متفق عليها بحسب جدول تدعيم سابق.
وتتطلب هذه الخطة كذلك الاستمرار في امتداح وتقريظ الطفل على تحسنه وعلى التغيرات الإيجابية التي يحققها. كما تقتضي هذه الخطة أيضاً التوقف عن اللوم أو النقد عند ظهور السلوك الخاطئ وتجاهل السلوك الدال على الشغب أو عدم الانضباط والفوضى.
وكان امتداح السلوك الإيجابي وتجاهل السلوك السلبي يتم أيضاً في المدرسة حيث دربت المعلمة على استخدام الخطة نفسها.
الخطوة الخامسة: التقييم والمتابعة:
عند تقييم المرحلة الثانية من العلاج، تبين أن الطفل قد نجح نجاحاً مذهلاً في تحقيق أهداف العلاج. فلقد اختفى ـ بعد خمس مرات من تنفيذ برنامج الإبعاد المؤقت ـ سلوكه المشاغب، وتحول إلى طفل نموذجي بمعنى الكلمة. وقد بدأ تحسنه التدريجي يتنامى بشكل ملحوظ، وانعكس ذلك التحسن على درجاته في الفصل الدراسي التالي حيث ارتفعت إلى B+ (جيد جداً).
ولم تكن هناك مشكلة واضحة عندما حدث توقف تدريجي عن خطة الحوافز، فلم يتراجع عن سلوكه الجيد عندما توقف تنفيذ هذه الخطة تماماً، فقد (أدمن) الطفل السلوك الجيد، وأصبحت دوافع النجاح الذاتية والتدعيمات التي كان يحصل عليها بسبب تفوقه وانتقاله لهذا المستوى كافية لاستمراره في السلوك الإيجابي. كذلك تحققت تغيرات في سلوك الوالدين، فقد اعتادا امتداح السلوك الجيد، وتوقفا عن النقد والعقاب، مما شكل تدعيماً إضافياً لاستمرار تفوقه في السنة التالية التي أمكن تتبعه خلالها.
* سلسلة عالم المعرفة
إن كثيراً من مشكلات التعلم والتآخر الدراسي لا ترجع إلى التخلف العقلي وانخفاض مستوى الذكاء بقدر ما ترجع إلى أخطاء في التربية والعجز عن تكوين الدافع الملائم للنجاح والتفوق لدى الطفل. ولهذا فإن هناك اعتبارات أخرى يجب أخذها في الحسبان عند التعامل مع الطفل الذي يبدأ أداؤه المدرسي في التدهور. وسنذكر فيما يلي هذه الاعتبارات لننقل بعد ذلك للقارئ نموذجاً عملياً لإحدى حالات النجاح في العلاج السلوكي في مجال التفوق الأكاديمي.
اعتبارات عامة لمعالجة مشكلات الدراسة:
هناك اقتراحات عامة يجب مراعاتها في حالات تدهور الأداء المدرسي وبطء التعلم وهي:
1 ـ اجعل من التعلم والدراسة خبرة مرتبطة بالسرور والمتعة.
2 ـ اجعل من التعلم خبرة مرتبطة بالنجاح وليس بالفشل (أي ركز على النجاحات التي يحققها الطفل حتى ولو كانت صغيرة).
3 ـ قدم العلاج حسب خطوات صغيرة. أي ينبغي تشكيل السلوك المؤدي للتعلم في شكل مراحل صغيرة مع مكافأة كل تقدم جزئي نحو الهدف العام.
3 ـ امتدح بسخاء.
5 ـ شجع الطفل على ربط خبرة التعلم بنشاط عملي فالأشياء التي تقوم بعملها نتعلمها أسرع ونحتفظ بها في ذاكرتنا بشكل أقوى.
6 ـ ارسم أمام الطفل النموذج الملائم للنجاح والعمل والنشاط. فمن العسير على الطفل أن ينمي إمكانات التعلم والتفوق أو يستجيب لنصائحك بينما أنت تقضي الغالبية العظمى من الوقت في الثرثرة ومشاهدة التلفزيون والحفلات الاجتماعية التافهة والزيارات طوال أيام الأسبوع.
7 ـ اختر مكاناً جيداً لطفلك .. بعيداً عن الضوضاء ومعدا خصيصاً للعمل.
وفيما يلي وصف لحالة الطفل موضوع هذه الدراسة Eimers & Aithison)).
وصف الحالة: كان الطفل موضوع هذه الحالة في الحادية عشرة من العمر عندما أحضره والداه وهما في حالة من الجزع والانزعاج. فالطفل يرسب في المدرسة. وما هو أسوأ من ذلك أنه لا يبدو أنه يهتم أو يكترث لذلك. وبالرغم من أن الطفل كان متفوقاً في دراسته في العامين الأولين لالتحاقه بالمدرسة، فإن أداءه بدأ في التدهور تدريجياً.
ودلت اختبارات الذكاء التي استخدمها المعالج مع الطفل على أن نسبة ذكائه فوق المتوسط. كذلك لم تتضح صعوبات في التعلم أو قصور عقلي واضح في الجوانب الأخرى من التفكير. وقد استبعدت هذه النتائج أن تكون مشكلة هذا الطفل بسبب التخلف أو صعوبات التعلم. وقد أيد مدرسوه هذه الملاحظات وأضافوا أنه كان من قبل تلميذاً جاداً وأن لديه إمكانات أكيدة على التفوق إلا أنه يهمل في أداء واجباته ولا يبذل أي جهد إضافي تطلبه منه مدرسته، وهو لا يبدي اكتراثاً بحل واجباته المنزلية مما ضعف من مشكلاته الدراسية وتدهوره.
لقد تبلورت المشكلة الحقيقية وراء التدهور الدراسي لهذا الطفل في دافعه الدراسي. ولهذا فقد نصحت معلمة الفصل والداي الطفل بأن يستعينا بعيادة نفسية لمساعدتهما ومساعدة الطفل على التغلب على هذه المشكلة قبل تفاقمها. وقد قام المعالج بوضع خطة من مرحلتين لزيادة دافعه الدراسي والتغلب على بعض مشكلاته السلوكية داخل الفصل الدراسي وعاونه في تنفيذها الوالدان والمدرسون (Eimers & Aithison 1977)
ـ خطة العلاج:
المرحلة الأولى: تقوية الدافع الدراسي
ركز المعالجون على مشكلة أداء الواجبات المنزلية كسلوك محوري، وقد بدا واضحاً أن الأبوين لم يبديا اهتماماً بهذا الجانب، وأهملا سؤال الطفل عن أعماله المنزلية وتركاها له دون متابعة. صحيح أنهما كان يطلبان منه بين الحين والآخر أن يؤدي واجبه، لكنه كان يجيبهما بأنه قد فعل ذلك، فكانا يقبلان ما يقوله بطيب خاطر ويسمحان له بالخروج للعب أو مشاهدة التليفزيون معهما. ولهذا فقد كان من أسباب جزع الأبوين أنه قد خدعهما بادعائه بأنه يحل واجباته، وعندما اكتشفا ذلك أظهرا له أشد الغضب، وأرغماه على البقاء في حجرته يومياً لساعتين لإنهاء واجباته المنزلية. وبالرغم من موافقته على البقاء لساعتين في حجرته، فإنه استغل هاتين الساعتين في قراءات خارجية ومجلات أطفال. واستمر لا يؤدي واجباته المنزلية كما دلت التقارير التي كانت تأتي من مدرسته. وعند هذا الحد شعر الأبوان بضرورة استشارة المعالج النفسي. وفيما يلي الخطة العلاجية التي وصفها المعالج وقام بتنفيذها مع الوالدين.
الخطوة الأولى: تحديد المشكلة وتعريفها:
بيّن المعالج ـ واتفق معه الوالدان في ذلك ـ أن المشكلة الرئيسية للطفل تتركز في فقدان دوافعه للعمل. فقد عزف الطفل عن العمل والدراسة لأنه ببساطة لم يتلق التدعيم الملائم والإثابة لهذين النشاطين، أو بعبارة أخرى، لم يتلق تدعيماً ملائماً لإنهاء العمل المدرسي والواجبات اليومية. ولم يكن تهديد معلمه الفصل بالرسوب أو تخفيض درجات كافياً لإذكاء دوافعه مرة أخرى. وقد رأى المعالج، أن الحل الرئيسي لمشكلة هذا الطفل يكمن في أن يجعل من الدراسة وأداء الواجبات المنزلية أمراً مشجعاً وجذاباً ومرتبطاً بالتدعيم الاجتماعي والإثابة.
الخطوة الثانية: مكان خاص للعمل:
من الأسباب التي تبين للمعالج أنها تعوق الطفل عن أداء واجباته المنزلية، السماح له بإكمال هذه الواجبات في حجرته. فقد كانت حجرته مملوءة بكثير من جوانب النشاط واللعب بما في ذلك مجلات الأطفال ولعبه الكهربائية وكل لعبة المفضلة. لهذا فقد أوصى المعالج الوالدين بأن يخصصا مكاناً ملائماً للدراسة، وقد اتفق الوالدان على أن تكون منضدة الطعام هي المكان الملائم لذلك. فقد خلت هذه البقعة من المنزل من المشيقات، فضلاً عن أنها تميزت بإضاءة جيدة وكانت على العموم مكاناً جيداً للدراسة إضافة إلى أنها تمكن الوالدين من مراقبة الطفل.
الخطوة الثالثة: إثارة الحوافز والتدعيم الإيجابي:
تبلورت الخطوة الثالثة في ابتكار نظام لإثارة حوافز الطفل. ثم بمقتضاه الاتفاق مع الوالدين على إثابة الطفل على كل نجاح أو تغير إيجابي في دراسته. وقد روعي في برنامج الحوافز ما يأتي:
1 ـ اختيار حوافز أو مدعمات مرغوب فيها من الطفل ستحق منه أن يبذل جهداً للحصول عليها.
2 ـ الزيادة التدريجية للوقت الذي يقضيه في أعماله المدرسية كل ليلة. وقد حذر المعالج الوالدين من تغليب رغبتهما في النجاح السريع على توخي الحرص في تطبيق مقتضيات العلاج التي تتطلب التدرج الحذر في زيادة الوقت الذي يمنحه الطفل للعمل، وفي مكافأة كل تقدم في هذا الاتجاه.
3 ـ امتداح الطفل بين الحين والآخر خلال انشغاله بدراسته وتشجيعه على مجهوداته ..
4 ـ المكافأة الفورية: تعتبر الدرجات التي تعطيها المعلمة للجهود الدراسية مكافأة غير مباشرة، ومن ث فإن تأثيرها التشجيعي ضعيف. ولهذا أصبح تقديم المكافأة الفورية ضرورياً. وقد نوعت المكافأة الفورية وعددت لتشتمل على بعض الأطعمة المحببة، أو قضاء نصف ساعة في مشاهدة التليفزيون أو الفيديو، أو استخدام التليفون، أو الخروج للتنزه واللعب .. الخ، وكانت تقدم كل مساء.
الخطوة الرابعة: المتابعة
اعتمدت الخطوة الرابعة على متابعة تقدمه وتقييمه. وهنا تبين من خلال الاتصال بمعلمة الفصل أن درجاته قد أخذت في التحسن، وأن واجباته المنزلية كانت تتم في وقتها وبشكل ملائم. لكن المعلمة لاحظت أن الطفل بالرغم من التحسن الأكاديمي، فإن سلوكه في داخل قاعة الفصل اتسم بالاندفاع نحو الشتم وإثارة بعض الفوضى مما كان يحول بينه وبين الانتباه الجيد. وقد شعرت المعلمة أن الطفل بإمكانه أن يتفوق أكثر وأن يحقق إمكاناته بصورة أفضل لو تخلى عن هذه المشكلات السلوكية.
ولهذا فقد اتفق الوالدان مع المعالج على وضع خطة أخرى للتغلب على هذه المشكلات السلوكية وفق الخطوات التالية:
المرحلة الثانية: التغلب على المشكلات السلوكية
الخطوة الأولى: تحديد المشكلة
دعا المعالج معلمة الفصل لحضور إحدى الجلسات مع الوالدين بغرض تحديد مشكلات الطفل، ولكي يكسب تعاونهم في التخطيط للعلاج وتنفيذ الخطة. وقد تبين أن مشكلات الطفل في المدرسة شملت ما يأتي:
أ ـ العزوف عن أداء أعماله الإضافية في المدرسة، أي الافتقار لدافع المنافسة الدراسية.
ب ـ التنكيت مع الزملاء، والتعليقات غير الملائمة، وكثرة الحركة، وعدم الانضباط. وقد تبين أن هذه المشكلة ترتبط بالرغبة في إثارة الانتباه بشكل غير ناضج. وقد كان من الواضح أن زملاء فصله قد أحبوا طريقته وكانوا يستجيبون لتصرفاته المضحكة، ونكاته بالضحك والمودة. حتى المعلمة، ولو أنها لم تكن تشارك زملاءه سعادتهم بتصرفاته، فقد كانت تبدي اهتمامها السلبي من خلال السخرية ومحاولة الإسكات. لقد تول الطفل إلى نجم الفصل وموضوع الانتباه الرئيسي لزملائه ومعلمته بسبب سلوكه غير اللائق.
الخطوة الثانية: التحكم في الإثابة:
تبلورت الخطوة الثانية في البحث عن حل للمشكلة. وقد تركزت خطة الحل على التقليل من الإثابات التي يحصل عليها بسبب سلوكه المشاغب، أي بالتقليل من الانتباه الإيجابي والسلبي الذي يحصل عليه من زملائه ومعلمته. كذلك تركزت الخطة على زيادة حوافزه وإثابته على السلوك الملائم. وقد اتفق أن يكون السلوك الملائم هو العمل على إنهاء واجباته المدرسية والإضافية وعدم تأجيلها حتى العودة إلى المنزل.
الخطوة الثالثة: الإبعاد المؤقت عن مواقف التدعيم السلبي:
ثم تنفيذ الخطة بحيث يتم الإبعاد عن الفصل لمدة خمس دقائق عندما يصدر منه سلوك مناف للذوق بما في ذلك التنكيت أو التعليقات غير الملائمة. وبذلك تم حرمانه من المدعمات التي كانت تأتيه من جراء سلوكه المشاغب. وكان يسمح له بالعودة للفصل بعد خمس دقائق، إلا أنه كان يستبعد من الفصل من جديد ولمدة مضاعفة إذا ما استمر في السلوك نفسه.
وبالرغم من نجاح الإبعاد المؤقت، فإنه كان يمثل ـ من الناحية العلاجية ، نصف الحل، فمن خلال الإبعاد المؤقت تعلم الطفل أنواع السلوك التي يجب التوقف عنها، لكنه لم يتعلم بعد السلوك الجيد المطلوب عمله. ولهذا فإن من المفروض تدريبه على أنواع السلوك الملائمة داخل الفصل من خلال برنامج خاص لإثارة حوافزه لأداء السلوك الملائم، وهو ما طبق في الخطوة الرابعة.
الخطوة الرابعة: تدعيم السلوك الإيجابي:
تنطوي الخطوة العلاجية هنا على إنابة الطفل ومكافأته للوقت الذي يقضيه في مقعده وهو يؤدي واجباته المدرسية المطلوبة. وقد تعاون المعالج مع المعلمة على وضع جدول مكافآت خاص تعده له يومياً، ويحصل الطفل بمقتضاه على نقاط (أو رموز) مقابل الوقت الذي يقضيه في العمل والمتفق عليه مع الطفل والمعلمة سابقاً.
وفي نهاية اليوم توقع المعلمة هذا الجدول وترسله مع الطفل إلى المنزل حيث يتم تحويل هذه النقاط أو النجوم إلى مدعمات متفق عليها بحسب جدول تدعيم سابق.
وتتطلب هذه الخطة كذلك الاستمرار في امتداح وتقريظ الطفل على تحسنه وعلى التغيرات الإيجابية التي يحققها. كما تقتضي هذه الخطة أيضاً التوقف عن اللوم أو النقد عند ظهور السلوك الخاطئ وتجاهل السلوك الدال على الشغب أو عدم الانضباط والفوضى.
وكان امتداح السلوك الإيجابي وتجاهل السلوك السلبي يتم أيضاً في المدرسة حيث دربت المعلمة على استخدام الخطة نفسها.
الخطوة الخامسة: التقييم والمتابعة:
عند تقييم المرحلة الثانية من العلاج، تبين أن الطفل قد نجح نجاحاً مذهلاً في تحقيق أهداف العلاج. فلقد اختفى ـ بعد خمس مرات من تنفيذ برنامج الإبعاد المؤقت ـ سلوكه المشاغب، وتحول إلى طفل نموذجي بمعنى الكلمة. وقد بدأ تحسنه التدريجي يتنامى بشكل ملحوظ، وانعكس ذلك التحسن على درجاته في الفصل الدراسي التالي حيث ارتفعت إلى B+ (جيد جداً).
ولم تكن هناك مشكلة واضحة عندما حدث توقف تدريجي عن خطة الحوافز، فلم يتراجع عن سلوكه الجيد عندما توقف تنفيذ هذه الخطة تماماً، فقد (أدمن) الطفل السلوك الجيد، وأصبحت دوافع النجاح الذاتية والتدعيمات التي كان يحصل عليها بسبب تفوقه وانتقاله لهذا المستوى كافية لاستمراره في السلوك الإيجابي. كذلك تحققت تغيرات في سلوك الوالدين، فقد اعتادا امتداح السلوك الجيد، وتوقفا عن النقد والعقاب، مما شكل تدعيماً إضافياً لاستمرار تفوقه في السنة التالية التي أمكن تتبعه خلالها.

أساليب التربية الخاطئة التي تؤدي إلى الجنوح
إن الكثير من الظواهر السلوكية التي يطلق عليها ((الجنوح)) أو ((الانحراف)) Delinquency ترجع في أصلها إلى ما يعانيه الناشئ في سني حياته الأولى من أساليب المعاملة الخاطئة التي يلقاها في الأسرة، أو من الوسط الاجتماعي الذي تحكم عليه الظروف أن ينشأ به. ومن هذه الأساليب الخاطئة:
1 ـ عدم تقبل الطفل في الأسرة أو ما يطلق عليه ((الرفض Rejection)):
وقد يكون رفض الأبوين للطفل أو عدم تقبله راجعاً إلى وجود عيب خلقي في الطفل ولد به مثل لون بشرته، أو وجود تشوه خلقي في أحد أعضائه، أو بسبب وجود عاهة دائمة كالعمى أو فقدان السمع، أو لأن الحمل حدث على غير رغبة الأبوين، أو بسبب عدم الرغبة في مزيد من المواليد الإناث في الأسرة، أو بسبب مرض الأم أو وفاتها مع مولد الطفل، أو أن يكون الأب محكوماً عليه في إحدى القضايا بالسجن سنوات عديدة وليس للأم مورد يعينها على تحمل مسؤوليات تربية الطفل .. كل هذه الظروف وغيرها يمكن أ ينقل إلى الطفل بطريقة صريحة أو مستترة أنه طفل (مرفوض) و (غير مرغوب فيه) أو أنه جاء إلى عالم لا يتقبله قولاً حسناً، فيتولد لديه الشعور (بالقلق)، كما تنمو لديه مشاعر (الخوف) و (الكراهية) لكل ما يحيط به، ويفرض نفسه بالعدوان على المجتمع المحيط به، ويصعب عليه أن يحترم العرف والتقاليد أو القوانين بسبب طول ما عانى من الرفض والإهمال، فيدخل بذلك في دائرة الأطفال الجانحين المنحرفين.
2 ـ الحماية الزائدة للطفل من قبل الأم Over Protection:
تظهر الحماية الزائدة للطفل من قبل الأم على هيئة خوف زائد على الطفل من أن يصيبه أي مكروه من قبل الآخرين، فالأم في قلق دائم على الطفل تخشى عليه من أن يتعرض للضرر أو الإيذاء أو المرض أو العدوى نتيجة لاقتراب الآخرين منه، فهي تتوجس الشر دائماً، فلا تسمح للآخرين بحمل الطفل أو تقبيله أو التنفس في وجهه أو تقديم الحلوى له أو الهدايا دون أن يتم ذلك تحت رقابة شديدة منها، وقبل أن تقوم هي بغسل وتطهير كل ما يقدم إليه، وتأخذ حماية الأم الزائدة للطفل شكلاً آخر حينما تغلق عليه حجرة من الحجرات حتى لا ينقلوا إليه المرض أو يصيبه الحسد. كما تأخذ الحماية الزائدة للطفل شكلاً آخر عندما تصر الأم على أن تقوم بنفسها ورغماً عن الطفل بإلباسه ملابسه وإحكام تزريرها برغم مقاومة الطفل وإصراره على أن يقوم بنفسه أحياناً بمثل هذه الأعمال.
وتأخذ الحماية الزائدة من الأم للطفل شكلاً آخر عندما تحرمه من اللعب مع الأطفال من عمره وعندما تصر على أن تجيب بنفسها عن الأسئلة التي يوجهها الآخرون إلى الطفل، كما يحدث عندما يزور الطبيب أو يأتي أحد الأقارب إلى المنزل، أو عندما تذهب به إلى (دار الحضانة) مضطرة أمام مشغولياتها الأسرية أو استجابة لظروف عملها، وفي مثل تلك الحالة الأخيرة يحدث خلاف المستمر بين الأم وبين معلمة الحضانة أو الروضة حول طريقة معاملة الطفل، وتعبر الأم عن عدم رضاها عن أسلوب المعاملة صراحة أمام الطفل، بل ربما تسب الحضانة أو الروضة والعاملين فيها، وينتقل ذلك إلى المدرسة الابتدائية مع انتقال الطفل إليها، فيكتسب الناشئ خلال ذلك نوعاً من الحب المفرط والتدليل تارة، ونوعاً من القسوة والمقاومة والإحباط تارة أخرى، فينشأ طفلاً مدللاً عنيداً يعاني عدم الثبات في المعاملة التي يلقاها بين المنزل والمدرسة. هذا إلى أن الأب غالباً ما يعبر عن عدم رضاه عن أسلوب الأم القائم على الحماية المفرطة للطفل وعدم إتاحة الفرص له للنمو الصحيح، وهكذا ينشأ الطفل في جو لا يسمح له بتنمية القيم السليمة، وهو يدرك أنه سوف يجد دائماً مَن يحميه ويسانده، ويفرط له في الحب والحماية، بل إنه قد يتمرد على الأم ذاتها إذا ما وقفت حائلاً دون إشباع رغباته وميوله مهما تعارضت هذه الرغبات مع القيم والمعايير الاجتماعية السائدة واثقاً من أنها سوف تستسلم أخيراً لرغباته مهما كانت تلك الرغبات.
وتكون النتيجة النهائية أن يشب الطفل في جو يقوم على الصراع بين نزواته الشخصية التي يدعمها الحب المفرط والحماية الزائدة من الأم وما تتطلبه الحياة الاجتماعية من التزام واحترام للقوانين الاجتماعية السائدة.
وقد يجد مثل ذلك الناشئ نفسه يوماً من الأيام وقد أصبح عضواً في جماعة فاسدة شريرة لا تقيم الأخلاق الاجتماعية وزنا ولا للقوانين السائدة احتراماً، فيجد نفسه أحد الجانحين الذين يقفون أمام محاكم الأحداث المنحرفين والجانحين.
3 ـ تنمية مشاعر الغيرة والحقد بين الأطفال Jealousy ربما تكون عاملاً وراء الجنوح والانحراف:
يصير الطفل منذ ولادته محور الاهتمام من جميع أفراد الأسرة، فهو محور المداعبة والملاعبة، وهو مثار الملاغاة والمناغاة، إذا بكى أسرع من حوله ليوفروا له المؤانسة أو الحمل أو هز الفراش حتى تحضر الأم لإرضاعه أو تبديل ملابسه، وإذا مرض اجتمع الجميع حوله، وكلما درج في مراحل النمو وفرت له الأسرة ألواناً من اللعب يلهو بها لينمي فكره وعضلاته وعواطفه تجاه العالم الذي يعيش فيه.
وتبدأ مشاعر الغيرة لدى الطفل منذ أشهر حياته الأولى، وفي حدود العام والنصف الأول من عمره في رأي بعض المهتمين بالطفولة فهو إذا تحولت عنه الأم لتحمل طفلاً آخر غيره غضب وانخرط في البكاء تعبيراً عن غيرته من أن يحتل طفل آخر قدراً من الاهتمام والمحبة التي يشعر أنها حق خاص كامل له عند الأم، وهو إذا ما حولت الأم وجهها نحو أحد إخوته الصغار صرخ وقاوم ذلك التحول. ومع بلوغه سن الثالثة من العمر تبلغ انفعالاته أقصى درجة من الحدة، فيرقد على الأرض، ويرفس برجليه ويجهش بالبكاء إذا ما رأى أن أمه قد أعطت شيئاً خاصاً به لطفل آخر، فهو يرى في ذلك تهديداً لمكانته وللحب الذي تخصه به الأسرة وهو إذا جلس على مائدة الطعام أصر على أن يجلس على الكرسي القريب من الأب أو الأم، وأن ينحي عنه أي شخص من أفراد الأسرة.
وإذا ما ألحق الطفل بدار الحضانة أو روضة الأطفال فإنه يجد في المعلمة أو المربية مع مرور الوقت بديلاً للأم التي ترعاه في البيت، ويريد أن يحفظ باهتمامها كاملاً له هو دون غيره من الأطفال وإلا تغيرت نظرته إليها وفقد ثقته بها، وصار ينظر إليها بمنظار آخر غير منظار الحب،. وقد تدفعه غيرته من طفل معين يحظى بعطف المعلمة أو المربية إلى أن يوقع به لديها فيتهمه بالكذب أو العدوان أو بالقذارة ليفقده قدراً من اهتمام المعلمة ورعايتها.
فالأطفال يغارون، وفي غيرة الأطفال نوع من الخوف أو القلق لفقدان الاهتمام أو الحب، أو خوفاً من فقدان المكانة التي يتمتعون بها في البيت أو في حجرة الدراسة، ومن أن يستأثر وليد جديد بما كانوا يتمتعون به من الحنو والرعاية. والغيرة موقف يعتري الطفل فيدرك أن هناك غريماً أو غرماء آخرين ينافسون في انتزاع المكانة أو الحب الذي يحظى به في البيت أو المدرسة وعند ذاك ينفعل الطفل بالغيرة فينزع إلى أنواع من السلوك الدفاعي يلجأ إليه الطفل نزوعاً صريحاً مكشوفاً، كما يحدث في حالات الأطفال تحت سن الخامسة، أو نزوعاً متستراً بأن يلجأ إلى حيل غير مكشوفة ليزيح بها الغريم أو المنافس من طريقه، وذلك ما يحدث في حالات الأطفال الأكبر سناً.
وقد تبقى الغيرة في بعض الحالات مع الكبار والراشدين فتعبر عن نفسها في سلوكهم بدرجات مختلفة من الوضوح.
والأسرة والمدرسة مسؤولان عن مواجهة مشاكلات الغيرة لدى الأطفال، فقد تلجأ الأسرة إلى المعاملة المتزنة مع العطف والتشجيع للطفل الذي يشعر بالغيرة حتى يتخطى المشكلات الناشئة عن ذلك الموقف. وقد تعمد الأسرة بسبب عدم الوعي إلى إذكاء سلوك الغيرة بين الأبناء، فتصر على تفضيل أو تمييز طفل معين على سائر إخوته بأن تخصه بالعطف والمحبة وعند ذلك تثير مشاعر الغيرة لدى إخوته الآخرين بل قد تتحول تلك المشاعر مع مرور الوقت إلى نوع من الحقد الدفين الذين قد يعبر عن نفسه في يوم من الأيام على هيئة سلوك عدواني على الغريم داخل الأسرة أو على غيره من الغرباء، ممن يحس نحوهم بالغير في مواقف الحياة الاجتماعية العامة.
ولسنا بحاجة إلى أن نشير إلى أمية العدل والمعاملة على أساس المساواة مع تقدير الجهود الخاصة وتشجيعها ومكافأتها والإشادة بها وحفز الآخرين على تقديرها ومكافأتها والحذو مثلها في سائر المؤسسات الاجتماعية بدءاً من البيت إلى المدرسة فالمصنع والمؤسسات العامة في المجتمع. وترجع خطورة تغذية سلوك الغيرة والعمل على إثارتها بطريقة مستمرة وخاصة في سني التنشئة الأولى إلى أنها قد تكون العامل الذي يكمن وراء كثير من أنواع السلوك التي نطلق عليها فيما بعد أنها سلوك جانح منحرف يجر صاحبه إلى الوقوف أمام محاكم الأحداث أو يقع تحت طائلة القانون العام.
4 ـ تنمية الشعور بالذنب Sence Of Guilt:
يبدأ الشعور بالدنيا في حياة الطفل مع ألوان العقاب التي توقع عليه إذا ما ارتكب أي خطأ من الأخطاء التي لا ترضى عنها الأسرة في سني حياته الأولى. وكثير من الأخطاء التي يركبها الطفل أخطاء غير مقصودة لا ذنب له فيها، فهو إذا ما انكسر الكوب الذي يشرب فيه فقد يكون ذلك راجعاً إلى عدم اكتمال التوافق العضلي الحركي اللازم له في تناول الأجسام وحملها، أو إلى عدم اكتمال النضج في حاسة الإبصار. وهو عندما يتناول شيئاً ملوثاُ ويدفع به إلى فمه لا يعرف شيئاً عن النظافة والقذارة، وإنما يستجيب بطريقة فطرية لدوافع البحث عن الطعام في حالة الجوع.
والعقاب الذي يقع عليه من السلطة المشرفة على تربيته ـ سواءً كانت الأم أو غيرها في مثل تلك الحالات ـ عقاب على أمر لا ذنب له فيه. والطفل إذا ما تبللت ثيابه أثناء النوم، أو اليقظة، أو إذا ما عجز عن التحكم في عملية الإخراج ربما كان ذلك راجعاً إلى أسباب عضوية أو صحية تتصل بوظائف جسمه الحيوية، وربما كان ذلك نتيجة لما بدأ يحس به من إهمال وعدم رعاية .. فقد تكون العودة إلى التبول غير الإرادي أو التبرز حيلة غير شعورية يلجأ إليها الطفل لإعادة جذب اهتمام الأسرة إليه عندما يحس بتهديد بالحرمان من العطف والمحبة اللذين كان يتمتع بهما في الأسرة.
والمهم في جميع تلك الحالات وغيرها أن يكون موقف الأسرة من الأخطاء أو المخالفات التي يقع فيها الطفل موقفاً يقوم على الفهم والتقدير والتسامح والتوجيه من غير غلظة أو قسوة، لأن القسوة الزائدة والتعنيف يمكن أن يؤديا بالناشئ إلى أن يكره نفسه ويعتبر أنه شخص عاجز عن التكيف والتوافق مع متطالبات أقرب الناس إليه (الأم والأب) الذي يوقع العقاب به، فيتولد لديه شعور بالذنب يجعله غير قادر على المشاركة في الحياة الأسرية، ويشعر بالتدرج بفقدان الانتماء إليها، بل يحس بأنه طفل شاذ مكروه وغير محبوب، ومن ثم فإنه ربما يجد نفسه مدفوعاً إلى أن يسلك بطرق تعويضية مستترة بالعدوان على الآخرين ممن تحيك بهم في الأسرة أو المدرسة والمجتمع .. فالشعور بالذنب لدى الناشئ قد يؤدي به إلى أن يصبح شخصاً انسحابياً منطوياً على ذاته يستغل كل فرصة لإطلاق طاقاته المكبوتة بالعدوان على المجتمع، وقد يؤدي به ذلك في يوم من الأيام إلى ارتكاب جريمة تضعه تحت طائلة العقوبات الخاصة بالأحداث أو الراشدين.
5 ـ تغذية المشاعر العدوانية Hostility لدى الطفل:
الأسرة هي الخلية الأولى لبناء المجتمع، فيها ينشأ الأطفال، ومنها يمتصون أغلب القيم التي توجه سلوكهم الاجتماعي في المستقبل، فمحبة الآخرين واحترام حقوقهم، ورعاية الجار، والتمسك بالأخوة الإسلامية والتواد والتراحم والتسامح مع مَن يختلف معنا في الرأي وعدم التعصب، والنظر العلمي فيما يعرض للإنسان من مشكلات، واحترام الرأي الآخر يمثل بعض الاتجاهات والقيم التي ينبغي أن تسود العلاقات بين أعضاء البيت المسلم والتي ينبغي أن تنمو مع أبنائه تسود العلاقات الطيبة بين أفراد المجتمع.
وقد ينشأ الطفل في بيت تسود الكراهية العلاقة بين أفراده، فالشجار دائم بين الأبوين والحب لا وجود له بينهما، وكل منهما ينأى بوجهه عن الآخر، وقد يتم التراشق بينهما بالسباب والخصام أمام الأبناء، وقد يصل الأمر بينهما إلى قطيعة تستمر أسابيع أو شهوراً برغم أنهما يعيشان تحت سقف واحد، وربما امتنعا عن التعاون في تسيير أساسيات الحياة في الأسرة كنظافة البيت وطهو الطعام وشراء ما يلزم للبيت، وقد يعيش كل منهما بمعزل عن الآخر لفترات طويلة يضطر فيها الأب أو الأم لتدبير حاجاته الأساسية من الطعام والشراب بمنأى عن الآخر .. وربما تخلل ذلك حيث إلى الأبناء الصغار بمشاعر الكراهية التي يحملها كل طرف للآخر.
ويمتص الأطفال مشاعر الكراهية التي يحملها الأبوان نحو بعضهما، فتكون طابعاً للعلاقات بينهم بعضهم البعض، بل ربما انتقلت معهم دون وعي خارج البيت إلى الرفاق في المدرسة وغيرها إن لم يكن إلى المعلمين وغيرهم ممن يشرفون على شؤون الطفل ويحتكون به. ويعاني مثل هؤلاء الأبناء القلق الدائم والاضطراب النفسي نتيجة للظروف غير المستقرة التي يعيشون فيها، ويكونون عرضة للاستثارة لأوهى الأسباب، فضلاً عن أنهم يحملون مشاعر الكراهية للآخرين والاستعداد للعدوان عليهم نفسياً عما يعيشون فيه في البيت من جو مشحون بالكراهية والعدوان، مما قد يؤدي بهم في يوم من الأيام إلى الوقوف موقف الاتهام أمام محاكم الأحداث بسبب تكرار عدوانهم على الآخرين.
ولا بأس هنا من أن نشير إلى المشاعر العدوانية داخل الأسرة قد تكون مشاعر عدوانية موجهة ضد المجتمع الكبير الذي تعيش فيه، تظهر في معاداة الأبوين للتغيرات الاجتماعية وللتقدم العلمي والتقني وللتطورات التي تطرأ على المجتمع الذي يعيشان فيه، فيقاومان الدعوة إلى الأخذ بأساليب التعليم الحديث الذي يجمع بين شؤون الدنيا والدين، وينكران ما تتوصل إليه الكشوف العلمية عن غزو الفضاء وعن إمكان قيام نوع من الحياة على الكواكب الأخرى، ويقاطعان الاكتشافات الحديثة في مجالات العلاج بالليزر وزرع الأعضاء وغيرها. ويدعوان إلى كراهية نظم الحكم القائمة والتي تسعى إلى تحقيق التفاهم والتعاون بين الشعوب ويدعوان إلى الانغلاق على التراث وإلى مقاطعة وسائل الإعلام والعيش في مجتمعات منعزلة تماماً عن كل ما يدور في العالم الواسع العريض الذي نعيش فيه .. مثل تلك الأفكار والمشاعر والاتجاهات هي مشاعر نبذ وكراهية مقاطعة يمتصها الناشئ الصغير فيشب على كراهية ما حوله، وربما بقيت معه إلى أن يصل إلى مرحلة البلوغ فتدفع به إلى أن يسلك بطريقة مناوئة للعرف والقانون والنظام العام للمجتمع فيقع تحت طائلة القانون والعقاب.
6 ـ الخبرات المؤلمة التي يمر بها الطفل في السنوات الأولى من حياته:
وجد أن الكثير من حالات الأطفال الجانحين تكشف عن وجود خبرات مؤلمة مر بها الطفل في السنوات الأولى من ولادته وبخاصة في السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل، وعلى سبيل المثال فإن انفصال الطفل عن الأم في تلك السنوات معناه حرمان الطفل من الكثير مما يحتاج إليه الطفل لاستقراره النفسي ونموه العاطفي السليم. وهذا الحرمان يعتبر بمثابة المرور بصدمة عاطفية كبيرة يظل أثرها يعمل في شخصية الناشئ طول حياة، لأن نمو شخصية الطفل تعتمد بدرجة كبيرة على قوة الروابط العاطفية التي تربطه بالأم أساساً وبغيرها من أفراد الأسرة في الدرجة التالية.
وقد بين أن كثيراً من الأطفال الجانحين قضوا سنيي حياتهم الأولى في مؤسسات اجتماعية بسبب عدم وجود أمهاتهم، وتبين أن هذا الحرمان كان وراء كثير من مظاهر الجنوح التي يرتكبها مثل هؤلاء الأطفال في مستقبل حياتهم، مثل العدوان العنيف على الآخرين، أو السرقة، أو الهرب لفترات مختلفة من البيت أو المدرسة، فضلاً عن مشاعر القلق التي يعانونها، وغيرها من الأمراض العصابية المختلفة، بل وجد كذلك أن الحرمان من الحب في تلك السنوات ربما كان وراء الكثير من مظاهر الجنوح الأخرى مثل السلوك الجنسي الشاذ واللجوء إلى الانتحار أو تدمير الذات.
وهكذا فإن من العوامل البالغة الخطورة والتي يمكن أن تؤدي بالطفل إلى الجنوح في مستقبل حياته تأثير البيئة المنزلية التي ينشأ فيها الطفل والعلاقات التي تسود بين أفراد الأسرة واستقرارها وثبات المعاملة المنزلية التي يلقاها الطفل من الأبوين ومن غيرهما من الأقارب، بحيث يتبين ما هو صواب وما هو خاطئ بما يعمل على ثبات القيم السليمة ووضوحها بحيث يمتصها الطفل .. هذا إلى أهمية توفير الهناء العائلي في الجو الذي ينشأ فيه الطفل إذ إن هناك ارتباطاً وثيقاً بين المشاعر الإنسانية والخبرات التي يمر بها الطفل خلال سني حياته الأولى في الأسرة والسمات الصحية أو المرضية التي قد يعانيها في مستقبل حياته.
7 ـ عوامل بيئية أخرى وراء ظاهرة الجنوح:
قد تكون هناك أسباب أخرى تؤثر في حدوث ظاهرة الجنوح، وعلى سبيل المثال، فإنه لا يمكن إغفال العلاقة بين تدني مستوى الحياة في بعض الأحياء داخل المدن أو القرى وظهور جرائم الأحداث مرتبطة بالأحوال الاقتصادية لتلك الأحياء.
كذلك فإن الصراع الثقافي بين القيم السائدة والقيم الجديدة التي تنشأ عن التحول من المجتمعات الزراعية المستقرة إلى المجتمعات الصناعية، ودخول عناصر ثقافية جديدة إلى الحياة الاجتماعية متمثلة في التكنولوجيا المتطورة في الآلات وفي وسائل الانتقال ووسائل الإعلام وغيرها تؤدي أحياناً إلى انفلات سيطرة الأسرة على أبنائها وإلى خروج الأبناء عن الضبط الذي يحاول الآباء التمسك به، وغالباً ما يؤدي الصراع إلى انحراف الأبناء وجنوحهم، ولا نغفل في ذلك آثار رفاق السوء وضآلة الفرص المتاحة للنشاط الترويحي، فهذه كلها عوامل ترتبط بشكل ما بحدوث الجريمة.
ويرى البعض أن التقلبات في مؤشرات الأحوال الاقتصادية مثل هبوط الأسعار، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، ووفرة أو ندرة فرص العمل المتاحة. يرتبط بها صعوداً أو هبوطاً معدلات الجريمة والجنوح.
إن الكثير من الظواهر السلوكية التي يطلق عليها ((الجنوح)) أو ((الانحراف)) Delinquency ترجع في أصلها إلى ما يعانيه الناشئ في سني حياته الأولى من أساليب المعاملة الخاطئة التي يلقاها في الأسرة، أو من الوسط الاجتماعي الذي تحكم عليه الظروف أن ينشأ به. ومن هذه الأساليب الخاطئة:
1 ـ عدم تقبل الطفل في الأسرة أو ما يطلق عليه ((الرفض Rejection)):
وقد يكون رفض الأبوين للطفل أو عدم تقبله راجعاً إلى وجود عيب خلقي في الطفل ولد به مثل لون بشرته، أو وجود تشوه خلقي في أحد أعضائه، أو بسبب وجود عاهة دائمة كالعمى أو فقدان السمع، أو لأن الحمل حدث على غير رغبة الأبوين، أو بسبب عدم الرغبة في مزيد من المواليد الإناث في الأسرة، أو بسبب مرض الأم أو وفاتها مع مولد الطفل، أو أن يكون الأب محكوماً عليه في إحدى القضايا بالسجن سنوات عديدة وليس للأم مورد يعينها على تحمل مسؤوليات تربية الطفل .. كل هذه الظروف وغيرها يمكن أ ينقل إلى الطفل بطريقة صريحة أو مستترة أنه طفل (مرفوض) و (غير مرغوب فيه) أو أنه جاء إلى عالم لا يتقبله قولاً حسناً، فيتولد لديه الشعور (بالقلق)، كما تنمو لديه مشاعر (الخوف) و (الكراهية) لكل ما يحيط به، ويفرض نفسه بالعدوان على المجتمع المحيط به، ويصعب عليه أن يحترم العرف والتقاليد أو القوانين بسبب طول ما عانى من الرفض والإهمال، فيدخل بذلك في دائرة الأطفال الجانحين المنحرفين.
2 ـ الحماية الزائدة للطفل من قبل الأم Over Protection:
تظهر الحماية الزائدة للطفل من قبل الأم على هيئة خوف زائد على الطفل من أن يصيبه أي مكروه من قبل الآخرين، فالأم في قلق دائم على الطفل تخشى عليه من أن يتعرض للضرر أو الإيذاء أو المرض أو العدوى نتيجة لاقتراب الآخرين منه، فهي تتوجس الشر دائماً، فلا تسمح للآخرين بحمل الطفل أو تقبيله أو التنفس في وجهه أو تقديم الحلوى له أو الهدايا دون أن يتم ذلك تحت رقابة شديدة منها، وقبل أن تقوم هي بغسل وتطهير كل ما يقدم إليه، وتأخذ حماية الأم الزائدة للطفل شكلاً آخر حينما تغلق عليه حجرة من الحجرات حتى لا ينقلوا إليه المرض أو يصيبه الحسد. كما تأخذ الحماية الزائدة للطفل شكلاً آخر عندما تصر الأم على أن تقوم بنفسها ورغماً عن الطفل بإلباسه ملابسه وإحكام تزريرها برغم مقاومة الطفل وإصراره على أن يقوم بنفسه أحياناً بمثل هذه الأعمال.
وتأخذ الحماية الزائدة من الأم للطفل شكلاً آخر عندما تحرمه من اللعب مع الأطفال من عمره وعندما تصر على أن تجيب بنفسها عن الأسئلة التي يوجهها الآخرون إلى الطفل، كما يحدث عندما يزور الطبيب أو يأتي أحد الأقارب إلى المنزل، أو عندما تذهب به إلى (دار الحضانة) مضطرة أمام مشغولياتها الأسرية أو استجابة لظروف عملها، وفي مثل تلك الحالة الأخيرة يحدث خلاف المستمر بين الأم وبين معلمة الحضانة أو الروضة حول طريقة معاملة الطفل، وتعبر الأم عن عدم رضاها عن أسلوب المعاملة صراحة أمام الطفل، بل ربما تسب الحضانة أو الروضة والعاملين فيها، وينتقل ذلك إلى المدرسة الابتدائية مع انتقال الطفل إليها، فيكتسب الناشئ خلال ذلك نوعاً من الحب المفرط والتدليل تارة، ونوعاً من القسوة والمقاومة والإحباط تارة أخرى، فينشأ طفلاً مدللاً عنيداً يعاني عدم الثبات في المعاملة التي يلقاها بين المنزل والمدرسة. هذا إلى أن الأب غالباً ما يعبر عن عدم رضاه عن أسلوب الأم القائم على الحماية المفرطة للطفل وعدم إتاحة الفرص له للنمو الصحيح، وهكذا ينشأ الطفل في جو لا يسمح له بتنمية القيم السليمة، وهو يدرك أنه سوف يجد دائماً مَن يحميه ويسانده، ويفرط له في الحب والحماية، بل إنه قد يتمرد على الأم ذاتها إذا ما وقفت حائلاً دون إشباع رغباته وميوله مهما تعارضت هذه الرغبات مع القيم والمعايير الاجتماعية السائدة واثقاً من أنها سوف تستسلم أخيراً لرغباته مهما كانت تلك الرغبات.
وتكون النتيجة النهائية أن يشب الطفل في جو يقوم على الصراع بين نزواته الشخصية التي يدعمها الحب المفرط والحماية الزائدة من الأم وما تتطلبه الحياة الاجتماعية من التزام واحترام للقوانين الاجتماعية السائدة.
وقد يجد مثل ذلك الناشئ نفسه يوماً من الأيام وقد أصبح عضواً في جماعة فاسدة شريرة لا تقيم الأخلاق الاجتماعية وزنا ولا للقوانين السائدة احتراماً، فيجد نفسه أحد الجانحين الذين يقفون أمام محاكم الأحداث المنحرفين والجانحين.
3 ـ تنمية مشاعر الغيرة والحقد بين الأطفال Jealousy ربما تكون عاملاً وراء الجنوح والانحراف:
يصير الطفل منذ ولادته محور الاهتمام من جميع أفراد الأسرة، فهو محور المداعبة والملاعبة، وهو مثار الملاغاة والمناغاة، إذا بكى أسرع من حوله ليوفروا له المؤانسة أو الحمل أو هز الفراش حتى تحضر الأم لإرضاعه أو تبديل ملابسه، وإذا مرض اجتمع الجميع حوله، وكلما درج في مراحل النمو وفرت له الأسرة ألواناً من اللعب يلهو بها لينمي فكره وعضلاته وعواطفه تجاه العالم الذي يعيش فيه.
وتبدأ مشاعر الغيرة لدى الطفل منذ أشهر حياته الأولى، وفي حدود العام والنصف الأول من عمره في رأي بعض المهتمين بالطفولة فهو إذا تحولت عنه الأم لتحمل طفلاً آخر غيره غضب وانخرط في البكاء تعبيراً عن غيرته من أن يحتل طفل آخر قدراً من الاهتمام والمحبة التي يشعر أنها حق خاص كامل له عند الأم، وهو إذا ما حولت الأم وجهها نحو أحد إخوته الصغار صرخ وقاوم ذلك التحول. ومع بلوغه سن الثالثة من العمر تبلغ انفعالاته أقصى درجة من الحدة، فيرقد على الأرض، ويرفس برجليه ويجهش بالبكاء إذا ما رأى أن أمه قد أعطت شيئاً خاصاً به لطفل آخر، فهو يرى في ذلك تهديداً لمكانته وللحب الذي تخصه به الأسرة وهو إذا جلس على مائدة الطعام أصر على أن يجلس على الكرسي القريب من الأب أو الأم، وأن ينحي عنه أي شخص من أفراد الأسرة.
وإذا ما ألحق الطفل بدار الحضانة أو روضة الأطفال فإنه يجد في المعلمة أو المربية مع مرور الوقت بديلاً للأم التي ترعاه في البيت، ويريد أن يحفظ باهتمامها كاملاً له هو دون غيره من الأطفال وإلا تغيرت نظرته إليها وفقد ثقته بها، وصار ينظر إليها بمنظار آخر غير منظار الحب،. وقد تدفعه غيرته من طفل معين يحظى بعطف المعلمة أو المربية إلى أن يوقع به لديها فيتهمه بالكذب أو العدوان أو بالقذارة ليفقده قدراً من اهتمام المعلمة ورعايتها.
فالأطفال يغارون، وفي غيرة الأطفال نوع من الخوف أو القلق لفقدان الاهتمام أو الحب، أو خوفاً من فقدان المكانة التي يتمتعون بها في البيت أو في حجرة الدراسة، ومن أن يستأثر وليد جديد بما كانوا يتمتعون به من الحنو والرعاية. والغيرة موقف يعتري الطفل فيدرك أن هناك غريماً أو غرماء آخرين ينافسون في انتزاع المكانة أو الحب الذي يحظى به في البيت أو المدرسة وعند ذاك ينفعل الطفل بالغيرة فينزع إلى أنواع من السلوك الدفاعي يلجأ إليه الطفل نزوعاً صريحاً مكشوفاً، كما يحدث في حالات الأطفال تحت سن الخامسة، أو نزوعاً متستراً بأن يلجأ إلى حيل غير مكشوفة ليزيح بها الغريم أو المنافس من طريقه، وذلك ما يحدث في حالات الأطفال الأكبر سناً.
وقد تبقى الغيرة في بعض الحالات مع الكبار والراشدين فتعبر عن نفسها في سلوكهم بدرجات مختلفة من الوضوح.
والأسرة والمدرسة مسؤولان عن مواجهة مشاكلات الغيرة لدى الأطفال، فقد تلجأ الأسرة إلى المعاملة المتزنة مع العطف والتشجيع للطفل الذي يشعر بالغيرة حتى يتخطى المشكلات الناشئة عن ذلك الموقف. وقد تعمد الأسرة بسبب عدم الوعي إلى إذكاء سلوك الغيرة بين الأبناء، فتصر على تفضيل أو تمييز طفل معين على سائر إخوته بأن تخصه بالعطف والمحبة وعند ذلك تثير مشاعر الغيرة لدى إخوته الآخرين بل قد تتحول تلك المشاعر مع مرور الوقت إلى نوع من الحقد الدفين الذين قد يعبر عن نفسه في يوم من الأيام على هيئة سلوك عدواني على الغريم داخل الأسرة أو على غيره من الغرباء، ممن يحس نحوهم بالغير في مواقف الحياة الاجتماعية العامة.
ولسنا بحاجة إلى أن نشير إلى أمية العدل والمعاملة على أساس المساواة مع تقدير الجهود الخاصة وتشجيعها ومكافأتها والإشادة بها وحفز الآخرين على تقديرها ومكافأتها والحذو مثلها في سائر المؤسسات الاجتماعية بدءاً من البيت إلى المدرسة فالمصنع والمؤسسات العامة في المجتمع. وترجع خطورة تغذية سلوك الغيرة والعمل على إثارتها بطريقة مستمرة وخاصة في سني التنشئة الأولى إلى أنها قد تكون العامل الذي يكمن وراء كثير من أنواع السلوك التي نطلق عليها فيما بعد أنها سلوك جانح منحرف يجر صاحبه إلى الوقوف أمام محاكم الأحداث أو يقع تحت طائلة القانون العام.
4 ـ تنمية الشعور بالذنب Sence Of Guilt:
يبدأ الشعور بالدنيا في حياة الطفل مع ألوان العقاب التي توقع عليه إذا ما ارتكب أي خطأ من الأخطاء التي لا ترضى عنها الأسرة في سني حياته الأولى. وكثير من الأخطاء التي يركبها الطفل أخطاء غير مقصودة لا ذنب له فيها، فهو إذا ما انكسر الكوب الذي يشرب فيه فقد يكون ذلك راجعاً إلى عدم اكتمال التوافق العضلي الحركي اللازم له في تناول الأجسام وحملها، أو إلى عدم اكتمال النضج في حاسة الإبصار. وهو عندما يتناول شيئاً ملوثاُ ويدفع به إلى فمه لا يعرف شيئاً عن النظافة والقذارة، وإنما يستجيب بطريقة فطرية لدوافع البحث عن الطعام في حالة الجوع.
والعقاب الذي يقع عليه من السلطة المشرفة على تربيته ـ سواءً كانت الأم أو غيرها في مثل تلك الحالات ـ عقاب على أمر لا ذنب له فيه. والطفل إذا ما تبللت ثيابه أثناء النوم، أو اليقظة، أو إذا ما عجز عن التحكم في عملية الإخراج ربما كان ذلك راجعاً إلى أسباب عضوية أو صحية تتصل بوظائف جسمه الحيوية، وربما كان ذلك نتيجة لما بدأ يحس به من إهمال وعدم رعاية .. فقد تكون العودة إلى التبول غير الإرادي أو التبرز حيلة غير شعورية يلجأ إليها الطفل لإعادة جذب اهتمام الأسرة إليه عندما يحس بتهديد بالحرمان من العطف والمحبة اللذين كان يتمتع بهما في الأسرة.
والمهم في جميع تلك الحالات وغيرها أن يكون موقف الأسرة من الأخطاء أو المخالفات التي يقع فيها الطفل موقفاً يقوم على الفهم والتقدير والتسامح والتوجيه من غير غلظة أو قسوة، لأن القسوة الزائدة والتعنيف يمكن أن يؤديا بالناشئ إلى أن يكره نفسه ويعتبر أنه شخص عاجز عن التكيف والتوافق مع متطالبات أقرب الناس إليه (الأم والأب) الذي يوقع العقاب به، فيتولد لديه شعور بالذنب يجعله غير قادر على المشاركة في الحياة الأسرية، ويشعر بالتدرج بفقدان الانتماء إليها، بل يحس بأنه طفل شاذ مكروه وغير محبوب، ومن ثم فإنه ربما يجد نفسه مدفوعاً إلى أن يسلك بطرق تعويضية مستترة بالعدوان على الآخرين ممن تحيك بهم في الأسرة أو المدرسة والمجتمع .. فالشعور بالذنب لدى الناشئ قد يؤدي به إلى أن يصبح شخصاً انسحابياً منطوياً على ذاته يستغل كل فرصة لإطلاق طاقاته المكبوتة بالعدوان على المجتمع، وقد يؤدي به ذلك في يوم من الأيام إلى ارتكاب جريمة تضعه تحت طائلة العقوبات الخاصة بالأحداث أو الراشدين.
5 ـ تغذية المشاعر العدوانية Hostility لدى الطفل:
الأسرة هي الخلية الأولى لبناء المجتمع، فيها ينشأ الأطفال، ومنها يمتصون أغلب القيم التي توجه سلوكهم الاجتماعي في المستقبل، فمحبة الآخرين واحترام حقوقهم، ورعاية الجار، والتمسك بالأخوة الإسلامية والتواد والتراحم والتسامح مع مَن يختلف معنا في الرأي وعدم التعصب، والنظر العلمي فيما يعرض للإنسان من مشكلات، واحترام الرأي الآخر يمثل بعض الاتجاهات والقيم التي ينبغي أن تسود العلاقات بين أعضاء البيت المسلم والتي ينبغي أن تنمو مع أبنائه تسود العلاقات الطيبة بين أفراد المجتمع.
وقد ينشأ الطفل في بيت تسود الكراهية العلاقة بين أفراده، فالشجار دائم بين الأبوين والحب لا وجود له بينهما، وكل منهما ينأى بوجهه عن الآخر، وقد يتم التراشق بينهما بالسباب والخصام أمام الأبناء، وقد يصل الأمر بينهما إلى قطيعة تستمر أسابيع أو شهوراً برغم أنهما يعيشان تحت سقف واحد، وربما امتنعا عن التعاون في تسيير أساسيات الحياة في الأسرة كنظافة البيت وطهو الطعام وشراء ما يلزم للبيت، وقد يعيش كل منهما بمعزل عن الآخر لفترات طويلة يضطر فيها الأب أو الأم لتدبير حاجاته الأساسية من الطعام والشراب بمنأى عن الآخر .. وربما تخلل ذلك حيث إلى الأبناء الصغار بمشاعر الكراهية التي يحملها كل طرف للآخر.
ويمتص الأطفال مشاعر الكراهية التي يحملها الأبوان نحو بعضهما، فتكون طابعاً للعلاقات بينهم بعضهم البعض، بل ربما انتقلت معهم دون وعي خارج البيت إلى الرفاق في المدرسة وغيرها إن لم يكن إلى المعلمين وغيرهم ممن يشرفون على شؤون الطفل ويحتكون به. ويعاني مثل هؤلاء الأبناء القلق الدائم والاضطراب النفسي نتيجة للظروف غير المستقرة التي يعيشون فيها، ويكونون عرضة للاستثارة لأوهى الأسباب، فضلاً عن أنهم يحملون مشاعر الكراهية للآخرين والاستعداد للعدوان عليهم نفسياً عما يعيشون فيه في البيت من جو مشحون بالكراهية والعدوان، مما قد يؤدي بهم في يوم من الأيام إلى الوقوف موقف الاتهام أمام محاكم الأحداث بسبب تكرار عدوانهم على الآخرين.
ولا بأس هنا من أن نشير إلى المشاعر العدوانية داخل الأسرة قد تكون مشاعر عدوانية موجهة ضد المجتمع الكبير الذي تعيش فيه، تظهر في معاداة الأبوين للتغيرات الاجتماعية وللتقدم العلمي والتقني وللتطورات التي تطرأ على المجتمع الذي يعيشان فيه، فيقاومان الدعوة إلى الأخذ بأساليب التعليم الحديث الذي يجمع بين شؤون الدنيا والدين، وينكران ما تتوصل إليه الكشوف العلمية عن غزو الفضاء وعن إمكان قيام نوع من الحياة على الكواكب الأخرى، ويقاطعان الاكتشافات الحديثة في مجالات العلاج بالليزر وزرع الأعضاء وغيرها. ويدعوان إلى كراهية نظم الحكم القائمة والتي تسعى إلى تحقيق التفاهم والتعاون بين الشعوب ويدعوان إلى الانغلاق على التراث وإلى مقاطعة وسائل الإعلام والعيش في مجتمعات منعزلة تماماً عن كل ما يدور في العالم الواسع العريض الذي نعيش فيه .. مثل تلك الأفكار والمشاعر والاتجاهات هي مشاعر نبذ وكراهية مقاطعة يمتصها الناشئ الصغير فيشب على كراهية ما حوله، وربما بقيت معه إلى أن يصل إلى مرحلة البلوغ فتدفع به إلى أن يسلك بطريقة مناوئة للعرف والقانون والنظام العام للمجتمع فيقع تحت طائلة القانون والعقاب.
6 ـ الخبرات المؤلمة التي يمر بها الطفل في السنوات الأولى من حياته:
وجد أن الكثير من حالات الأطفال الجانحين تكشف عن وجود خبرات مؤلمة مر بها الطفل في السنوات الأولى من ولادته وبخاصة في السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل، وعلى سبيل المثال فإن انفصال الطفل عن الأم في تلك السنوات معناه حرمان الطفل من الكثير مما يحتاج إليه الطفل لاستقراره النفسي ونموه العاطفي السليم. وهذا الحرمان يعتبر بمثابة المرور بصدمة عاطفية كبيرة يظل أثرها يعمل في شخصية الناشئ طول حياة، لأن نمو شخصية الطفل تعتمد بدرجة كبيرة على قوة الروابط العاطفية التي تربطه بالأم أساساً وبغيرها من أفراد الأسرة في الدرجة التالية.
وقد بين أن كثيراً من الأطفال الجانحين قضوا سنيي حياتهم الأولى في مؤسسات اجتماعية بسبب عدم وجود أمهاتهم، وتبين أن هذا الحرمان كان وراء كثير من مظاهر الجنوح التي يرتكبها مثل هؤلاء الأطفال في مستقبل حياتهم، مثل العدوان العنيف على الآخرين، أو السرقة، أو الهرب لفترات مختلفة من البيت أو المدرسة، فضلاً عن مشاعر القلق التي يعانونها، وغيرها من الأمراض العصابية المختلفة، بل وجد كذلك أن الحرمان من الحب في تلك السنوات ربما كان وراء الكثير من مظاهر الجنوح الأخرى مثل السلوك الجنسي الشاذ واللجوء إلى الانتحار أو تدمير الذات.
وهكذا فإن من العوامل البالغة الخطورة والتي يمكن أن تؤدي بالطفل إلى الجنوح في مستقبل حياته تأثير البيئة المنزلية التي ينشأ فيها الطفل والعلاقات التي تسود بين أفراد الأسرة واستقرارها وثبات المعاملة المنزلية التي يلقاها الطفل من الأبوين ومن غيرهما من الأقارب، بحيث يتبين ما هو صواب وما هو خاطئ بما يعمل على ثبات القيم السليمة ووضوحها بحيث يمتصها الطفل .. هذا إلى أهمية توفير الهناء العائلي في الجو الذي ينشأ فيه الطفل إذ إن هناك ارتباطاً وثيقاً بين المشاعر الإنسانية والخبرات التي يمر بها الطفل خلال سني حياته الأولى في الأسرة والسمات الصحية أو المرضية التي قد يعانيها في مستقبل حياته.
7 ـ عوامل بيئية أخرى وراء ظاهرة الجنوح:
قد تكون هناك أسباب أخرى تؤثر في حدوث ظاهرة الجنوح، وعلى سبيل المثال، فإنه لا يمكن إغفال العلاقة بين تدني مستوى الحياة في بعض الأحياء داخل المدن أو القرى وظهور جرائم الأحداث مرتبطة بالأحوال الاقتصادية لتلك الأحياء.
كذلك فإن الصراع الثقافي بين القيم السائدة والقيم الجديدة التي تنشأ عن التحول من المجتمعات الزراعية المستقرة إلى المجتمعات الصناعية، ودخول عناصر ثقافية جديدة إلى الحياة الاجتماعية متمثلة في التكنولوجيا المتطورة في الآلات وفي وسائل الانتقال ووسائل الإعلام وغيرها تؤدي أحياناً إلى انفلات سيطرة الأسرة على أبنائها وإلى خروج الأبناء عن الضبط الذي يحاول الآباء التمسك به، وغالباً ما يؤدي الصراع إلى انحراف الأبناء وجنوحهم، ولا نغفل في ذلك آثار رفاق السوء وضآلة الفرص المتاحة للنشاط الترويحي، فهذه كلها عوامل ترتبط بشكل ما بحدوث الجريمة.
ويرى البعض أن التقلبات في مؤشرات الأحوال الاقتصادية مثل هبوط الأسعار، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، ووفرة أو ندرة فرص العمل المتاحة. يرتبط بها صعوداً أو هبوطاً معدلات الجريمة والجنوح.

الدقة في ملاحظة أحوال أهل البيت
من هم أصدقاء أولادك ؟ هل سبق أن قابلتهم أو تعرفت عليهم ؟ماذا يجلب أولادك معهم من خارج البيت ؟إلى أين تذهب ابنتك ومع من ؟
بعض الآباء لا يدري أن في حوزة أولاده صوراً سيئة ، وأفلاماً خالعة ، وربما مخدرات ، وبعضهم لا يدري أن ابنته تذهب مع الخادمة إلى السوق ، وتطلب منها أن تنتظر مع السائق ثم تذهب لموعدها مع أحد، والأخرى تذهب لتشرب الدخان عند قرينة سوء تعبث معها ، وهؤلاء الذين يفلتون أولادهم لن يفلتوا من مشهد يوم عظيم ، ولن يستطيعوا الهرب من أهوال يوم الدين : " إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيعه حتى
وهنا نقاط مهمة :
يجب أن تكون المراقبة خفية .
لا لأجواء الإرهاب .
يجب أن لا يحس الأولاد بفقدان الثقة .
ينبغي أن يراعى في النصح أو العقاب أعمار الأولاد ومداركهم ودرجة الخطأ .
حذار من التدقيق السلبي وإحصاء الأنفاس . روى لي شخص أن أحد الآباء عنده كمبيوتر يخزن فيه أخطاء أولاده بالتفصيل ، فإذا حصل خطأ أرسل إليه استدعاء وفتح الخانة الخاصة بالولد في الجهاز ، وسرد عليه أخطاء الماضي مع الحاضر .
التعليق : لسنا في شركة ، وليس الأب هو الملك الموكل بكتابة السيئات ، وليقرأ هذا الأب المزيد في أصول التربية الإسلامية .
وأعرف في المقابل أناساً يرفضون التدخل في شئون أولادهم بتاتاً بحجة أن الولد لن يقتنع بأن الخطأ خطأ والذنب ذنب إلا بأن يقع فيه ، ثم يكتشف خطأه بنفسه ، وهذا الاعتقاد المنحرف ناتج عن رضاع من لبن الفلسفة الغربية ، وفطام على مبدأ إطلاق الحريات المذموم فتعست المرضعة ، وبئست الفاطمة ، ومنهم من يفلت الزمام لولده خشية أن يكرهه بزعمه ، ويقول : أكسب حبه مهما فعل ، وبعضهم يطلق العنان لولده كردة فعل عما حصل له مع أبيه في السابق من نوع شدة خاطئة ، فيظن أنه يجب أن يعمل العكس تماماً مع ولده ، وبعضهم يبلغ به السفول لدرجة أن يقول : دع الابن والبنت يتمتعان بشبابهما كما يريدان ، فهل يفكر مثل هؤلاء بأن أبناءهم قد يأخذون بتلابيبهم يوم القيامة فيقول الولد : لِمَ تركتني يا أبي على المعصية ؟!
من هم أصدقاء أولادك ؟ هل سبق أن قابلتهم أو تعرفت عليهم ؟ماذا يجلب أولادك معهم من خارج البيت ؟إلى أين تذهب ابنتك ومع من ؟
بعض الآباء لا يدري أن في حوزة أولاده صوراً سيئة ، وأفلاماً خالعة ، وربما مخدرات ، وبعضهم لا يدري أن ابنته تذهب مع الخادمة إلى السوق ، وتطلب منها أن تنتظر مع السائق ثم تذهب لموعدها مع أحد، والأخرى تذهب لتشرب الدخان عند قرينة سوء تعبث معها ، وهؤلاء الذين يفلتون أولادهم لن يفلتوا من مشهد يوم عظيم ، ولن يستطيعوا الهرب من أهوال يوم الدين : " إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيعه حتى
وهنا نقاط مهمة :
يجب أن تكون المراقبة خفية .
لا لأجواء الإرهاب .
يجب أن لا يحس الأولاد بفقدان الثقة .
ينبغي أن يراعى في النصح أو العقاب أعمار الأولاد ومداركهم ودرجة الخطأ .
حذار من التدقيق السلبي وإحصاء الأنفاس . روى لي شخص أن أحد الآباء عنده كمبيوتر يخزن فيه أخطاء أولاده بالتفصيل ، فإذا حصل خطأ أرسل إليه استدعاء وفتح الخانة الخاصة بالولد في الجهاز ، وسرد عليه أخطاء الماضي مع الحاضر .
التعليق : لسنا في شركة ، وليس الأب هو الملك الموكل بكتابة السيئات ، وليقرأ هذا الأب المزيد في أصول التربية الإسلامية .
وأعرف في المقابل أناساً يرفضون التدخل في شئون أولادهم بتاتاً بحجة أن الولد لن يقتنع بأن الخطأ خطأ والذنب ذنب إلا بأن يقع فيه ، ثم يكتشف خطأه بنفسه ، وهذا الاعتقاد المنحرف ناتج عن رضاع من لبن الفلسفة الغربية ، وفطام على مبدأ إطلاق الحريات المذموم فتعست المرضعة ، وبئست الفاطمة ، ومنهم من يفلت الزمام لولده خشية أن يكرهه بزعمه ، ويقول : أكسب حبه مهما فعل ، وبعضهم يطلق العنان لولده كردة فعل عما حصل له مع أبيه في السابق من نوع شدة خاطئة ، فيظن أنه يجب أن يعمل العكس تماماً مع ولده ، وبعضهم يبلغ به السفول لدرجة أن يقول : دع الابن والبنت يتمتعان بشبابهما كما يريدان ، فهل يفكر مثل هؤلاء بأن أبناءهم قد يأخذون بتلابيبهم يوم القيامة فيقول الولد : لِمَ تركتني يا أبي على المعصية ؟!
الصفحة الأخيرة
* موزة المالكي
ان تقدير الطفل وإدراكه لمعني النظافة يكون في سن مبكرة جدا قد لا يخطر على بال أحد ، ولكن في الحقيقة فان الطفل باستطاعته ان يعي ذلك منذ سنته الأولى 00 ويبدأ في اكتساب تلك القيمة الجمالية والتي حث عليها ديننا الحنيف فالنظافة من الأيمان 00 لذلك يجب على الأم وعلى مراعاة قواعد النظافة على المستوى الفردي كالنظافة الشخصية وعلى المستوى العام كالنظافة العامة ولا بد من فرض رقابة على الطفل منذ وعيه للدنيا رقابة مدروسة فالطفل يلتقط كل تصرف وكل سلوك تسلكه معه أمه منذ صغره فعندما تبادر ألام بمسح أي بقايا أكل بفوطه مبلولة كلما اتسخ وجه الطفل أو عند اتساخ يديه 00واذا حاول الطفل ان يرمي أي قذارة على الأرض او يمسك أي شيء بيديه وهما غير نظيفتين في إظهار الاستياء من ذلك السلوك والتلفظ بلفظ يدل على عدم الرضا مثل(كخ) أو (اف) او أي لفظ متعارف عليه للدلاله على أن هذا التصرف سيئ مع مراعاة عدم القسوة الزائدة والرب المبرح فمهما كان التصرف فان الطفل لا يقصد الإساءة ولكنه يحتاج الى أن يتعلم وأن يمنع من تلك السلوكيات السيئة 0
أكد معظم علماء النفس بأن الطفل يبدا في أدراك الأشياء التي حوله من سن 18 شهرا وقبل ذلك بقليل ولا يجب ان تتأخر عن ذلك وارى انه على ألام ان تحرص على أن يسلك الطفل السلوك الدال على النظافة بمجرد وقوفه وقدرته على المشي يجب الا تهاون ألام في مسالة النظافة ويجب ان يؤمر بأن يرمي أي ورقة في يده في المكان المخصص لها وان يعاقب إذا رماها على الأرض 00 ولا بد من الإصرار بأن يلتقطها مرة ثانية ويرميها مكانها 00 ولا بد من إظهار عدم الرضا عن سلوكه وبحزم ولا يجب الا ننسى المكافأة عندما يقوم بالعمل من تلقاء نفسه00 والمكافأة المعنوية من احتضان الطفل وتقبيله بحنان وحب كل ذلك سيدفع الطفل الى القيام بالعمل بنفسه ليظفر بتلك الكمية من الحب والحنان فالطفل يرغب في ذلك ومع الأيام تتأصل عادة عدم إلقاء أي نوع من المخلفات الا في مكانها المخصص لها 00 عندما يصل الطفل الى سن الثالثة يصبح أكثر إدراكا لمعنى النظافة والحفاظ على المكان نظيفا ولكن رغم ذلك فان بعض الأطفال يجدون متعة في أحداث الفوضى ورمي الأوراق أو الرسم على الحائط 00 ولكن بالمراقبة الحذرة والتنبيه المستمر للطفل والعقاب الذي يتناسب وحجم الخطا وبدون قسوة زائدة فهذه الأساليب تمكن ألام من أن طفلها الى الحفاظ على النظافة فالاتجاهات تنتقل الى الأطفال بالعدوى من حولهم وبالتعليم المستمر من قبل الأهالي 00 لذلك لا بد من مراعاة توفير القدوة الحسنة 000 من قبل الام والأب قبل كل شيء فأذا رأى الطفل والده مثلا يرمي علبة السجائر بعد ان فرغ او علبة البيبسى من نافذة السيارة فكيف نطلب منه ان يلتزم هو ويحافظ على نظافة مدينته ؟ ان اكتساب قيمة جميلة كقيمة النظافة لا تكون بالقول والتهديد والوعيد 000 ولغرس مثل هذه القيمة لا يكفي المعرفة واعطاء المعلومة00 الأمر الذي يتطلب اكثر من ذلك يتطلب معايشة لقدوة حسنة وممارسة فعلية من قبل من هم آهل هذه القدوة 00 فعندما يحافظ الطفل على نظافته الشخصية ثم على نظافة المنزل والمدرسة تصبح محافظته على نظافة مدينته ووطنه الكبير أمرا مسلما به فالنظافة لدى الانسان سلوك متكامل مرتبط بعضه ببعض فلا بد من الا نتهاون في زرع تلك القيمة منذ الصغر وتكوين الضمير الخلقي الذي لا بد منه منذ البداية فمن الصعب تغيير الاتجاهات والسلوكيات في مراحل لاحقة حيث تتأصل وتصبح عادة من الصعب أزالتها فلا بد من ان نهدف الى تنمية سلوك أبنائنا بالحفاظ على تلك القيمة الرائعة قيمة النظافة فالعلم في الصغر كالنقش على الحجر 0