*اميرة
*اميرة
هل تجد في قلبك قسوة وتريد أن يذهبها الله؟
هل تريد أن تكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؟هل تريد أن تكسب مئات الحسنات بعمل يسير جدا؟إذا أردت ذلك كله فكن لليتيم مكان والده ، أحسن إليه ، اقترب منه ، ابتسم له ، امسح رأسه ، طيب خاطره ، أدخل البسمة على روحه الظامئة.
الإحسان إلى اليتامى من أعظم البر:لقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى اليتيم غي أكثر من آية من كتابه الكريم فقال الله عز وجل: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) (النساء: من الآية36)
الجـمــ ام ـــــان
مع المصطفى صلى الله عليه وسلم
ارحم اليتيم


د/ خالد سعد النجار

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه فقال صلى الله عليه وسلم ( أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك )

شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن تُوَجَّه أنظار المسلمين ومشاعرهم إلى شرائح المجتمع الضعيفة، والتي لا تقوى على القيام بدورها الطبيعي في المجتمع إلا بدعم مساند من جهات أخرى، ولعلَّ على رأس هذه الفئات ( شريحة الأيتام ) ، والتي فيها من الضعف والحاجة إلى العطف والحنان والمساعدة المادية والإنسانية الشيء الكثير، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم من أوائل الذين لمسوا آلام اليتيم وأحزانه؛ ولذلك سجَّل في حديثه الشريف: " أَنَا وَكافِلُ اليَتِيْمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُما"

ومما يلفت النظر أيضا أن الله سبحانه وتعالى ذكر لفظ اليتيم في القرآن الكريم ثلاثًا وعشرين مرة، وفي ذلك إشارة واضحة للمسلمين للانتباه والوقوف وقفة جادة أمام هذه الفئة وأمام احتياجاتها، والمشاكل التي قد تواجهها سواءً أكانت معنوية أم مادية أم اجتماعية أم غير ذلك، وبالنظر في نصوص القرآن العديدة في شأن اليتيم ، فإنه يمكن تصنيفها إلى خمسة أقسام رئيسة،كلها تدور حول:دفع المضار عنه، وجلب المصالح له في ماله، وفي نفسه، وفي الحالة الزواجية، والحث على الإحسان إليه ومراعاة الجانب النفسي لديه.

قال تعالى ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ) النساء36 فالإحسان إلى اليتيم متعين كما هو للوالدين ولذي القربى ، وليس هذا فحسب بل وقرنه رب العزة والجلال بالإيمان به وجعله من أعظم أعمال البر , فقال جل من قائل ( لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ )

ولقد تنزلت في حق اليتيم الآيات في أوائل ما تنزل من القرآن المكي كقوله تعالى ( أَرَأيتَ الّذِي يُكَذّبُ بالدّينِ * فَذَلِكَ الّذِي يَدُعُ اليتيمَ * ولا يحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسكِينِ ) ومفهوم الآيتين المباركتين، أنّ الذي يطرد اليتيم، ويحرم اليتيم حقه، هذا هو الذي يكذب بالدين. تعبيراً عن الترابط العميق بين الدين، وبين الاهتمام بشؤون الأيتام، وبين الإيمان وبين الاهتمام بشؤون المتعبين . فلا يمكن أن يبقى الإنسان متديناً ويطرد اليتيم . وقوله تعالى ( فَأمَّا اليَتِيم فَلاَ تَقهَر ) . قال ابن كثير : فلا تقهر اليتيم : أي لا تذله وتنهره وتهنه ، ولكن أحسن إليه وتلطف به ، وكن لليتيم كالأب الرحيم وقوله تعالى ( فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة ) البلد 11-15

وقال تعالى ممتدحا حال الصالحين ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) الإنسان 8 قال القرطبي : أي يطعمون الطعام على قلته وحبهم إياه وشهوتهم له , وكان الربيع بن خثيم إذا جاءه السائل قال : أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر . وروى منصور عن الحسن أن يتيما كان يحضر طعام ابن عمر , فدعا ذات يوم بطعامه ,وطلب اليتيم فلم يجده , وجاءه بعد ما فرغ ابن عمر من طعامه فلم يجد الطعام , فدعا له بسويق وعسل فقال : دونك هذا فوالله ما غبنت
وعلى العكس قال تعالى موبخا كفار قريش ومن على شاكلتهم ( كلا بل لا تكرمون اليتيم ) الفجر 17 يقول سيد قطب رحمه الله تعالى : وقد كان الإسلام يواجه في مكة حالة من التكالب على جمع المال بكافة الطرق , تورث القلوب كزازة وقساوة , وكان ضعف اليتامى مغريا بانتهاب أموالهم وبخاصة الإناث منهم في صور شتى وبخاصة فيما يتعلق بالميراث , كما كان حب المال وجمعه بالربا وغيره ظاهرة بارزة في المجتمع المكي قبل الإسلام , وهي سمة الجاهليات في كل زمان ومكان ! حتى الآن , وفي هذه الآيات فوق الكشف عن واقع نفوسهم , تنديد بهذا الواقع , وردع عنه , يتمثل في تكرار كلمة ( كلا ) كما يتمثل في بناء التعبير وإيقاعه , وهو يرسم بجرسه شدة التكالب وعنفه ( وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما ) الفجر 19-20

كما أمر عز وجل بحفظ أموال الأيتام ، وعدم التعرض لها بسوء ، وعدَّ ذلك من كبائر الذنوب وعظائم الأمور ، ورتب عليه أشد العقاب ، قال تعالى ( إنّ الذِينَ يَأكُلُونَ أَمَوالَ اليَتَامى ظُلماً إنّما يَأكُلُون في بُطُونِهِم ناراً وسَيصلَونَ سَعِيراً ) النساء10، وقال تعالى ( ولا تَقربُوا مَالَ اليَتِيمِ إلا بِالتِي هِيَ أحسَنُ حَتّى يَبلُغَ أَشُدَّهُ وأوفُوا بِالعَهدِ إنّ العَهدَ كَانَ مَسئُولا ) الإسراء 34 وقال تعالى ( وأن تقوموا لليتامى بالقسط ) النساء 127 وعدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أكل مال اليتيم من السبع الموبقات، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله ، وما هن ؟، قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) )

بل لقد أحاط النظام الإسلامي أوصياء اليتامى بقيود ثقيلة حتى لا تستمرئ نفوسهم العدوان على أموالهم دون رابط ولا وازع فقال تعالى مرشدا لهم قوله تعالى  ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير  القرة 220 والأصل أن من تصرف لغيره سواء كان وكيلاً ، أو ولياً ، أو ناظر وقف أو غير ذلك أن تصرفه تصرف نظر ومصلحة ، لا تشهٍ واختيار لاسيما فيما يتعلق بمال اليتيم , وقال تعالى ( وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ) واتفق العلماء على أن الوصي الغني لا يحل له أن يأكل من مال اليتيم شيئا، وقالوا: معنى قوله: فَلْيَسْتَعْفِفْ أي: بمال نفسه عن مال اليتيم، فإن كان فقيرا أكل منه بالمعروف
واستمراراً لحرص التشريع الإسلامي على أموال اليتامى ، أمر باستثمارها وتنميتها حتى لا تستنفدها النفقة عليهم والزكاة الواجبة فيها ، فقال صلى الله عليه وسلم ( ألا من ربى يتيماً له مال فليتجر به ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ) كما ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال ( اتجروا في مال اليتامى حتى لا تأكلها الزكاة ) ، ومن هنا يلزم الولي على مال اليتيم استثمارها لمصلحة اليتيم على رأي كثير من أهل العلم بشرط عدم تعريضها للأخطار .

قال المناوي : قوله صلى الله عليه وسلم ( وتدرك حاجتك ) أي فإنك إن أحسنت إليه وفعلت ما ذكر يحصل لك لين القلب وتظفر بالبغية , وفيه حث على الإحسان إلى اليتيم ومعاملته بمزيد الرعاية والتعظيم وإكرامه لله تعالى خالصاً , قال الطيبي وهو عام في كل يتيم سواء كان عنده أو لا فيكرمه وهو كافله , أما إذا كان عنده فيلزمه أن يربيه تربية أبيه ولا يقتصر على الشفقة عليه والتلطف به ويؤدبه أحسن تأديب ويعلمه أحسن تعليم ويراعي غبطته في ماله وتزويجه ، وفيه أن مسح رأسه سبب مخلص من قسوة القلب المبعدة عن الرب فإن أبعد القلوب من الله القلب القاسي كما ورد في عدة أخبار , قال الزين العراقي : لكن قيده في حديث أبي أمامة بأن لا يمسحه إلا لله , قال : ولا شك في تقييد إطلاق المسح به لأنه قد يقع مسحه لريبة كأمرد جميل يريد مؤانسته بذلك لريبة كشهوة , وإن لم يكن مسح الشعر مفضياً إلى الشهوة فربما دعى إلى ذلك . وفيه أن من ابتلي بداء من الأخلاق الذميمة يكون تداركه بما يضاده من الدواء , فالتكبر يداوى بالتواضع , والبخل بالسماحة , وقسوة القلب بالتعطف والرقة
الاميرة الشهري

لقد حثَّ الإسلام على فضائل الأخلاق
ومكارمها ومن تلك الأخلاق الفاضلة الإحسان إلى اليتيم.
فاليتيم أحوج الناس إلى البر والإحسان
إذ أنه فقد أباه في وقت هو في أشد الحاجة إليه
فاحتاج إلى البر والإحسان..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وأشار بالسبابة والوسطى، وفرج بينهما شيئاً
قال الإمام ابن بطال رحمه الله: "حُق على من سمع هذا الحديث، أن يعمل به، ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك"

وقال الحافظ بن حجر رحمه الله: "ويكفي في إثبات قرب المنزلة من المنزلة، أنه ليس بين الوسطى والسبابة أصبع آخر.
فإن الإحسان إلى اليتيم، من أسباب رقة القلوب، وهو دواء أوصى به المبعوث بالهدى والحق صلى الله عليه وسلم..

عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه، قال: «أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك، وتُدرك حاجتك»
ومن فوائد رحمة اليتيم، أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي سأله، وهي: أن الإحسان إلى اليتيم سبب في إدراك الحاجات، وتحقق المطلوب!

فإن من كان محسناً لولد غيره، مُدخلاً السرور في قلوبهم، لا شك أن الله تعالى لن يضيعه.. لأن الله تعالى رحيم يحب كل رحيم..

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»



الاميرة الشهري


ارحم الأيتام، يصلح الله لك أمر
دنياك وآخرتك..

احذروا أموال اليتامى فإن الله تعالى توعد أولئك الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً.. فاسمع إلى هذا الوعيد الشديد..

قال الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}

قال السدي رحمه الله: "إذا قام الرجل يأكل مال اليتيم ظلماً، بُعث يوم القيامة ولهب النار يخرج من فيه، ومن مسامعه، ومن أذنيه، وأنفه وعينيه يعرفه من رآه بأكل مال اليتيم"
أن الآية هذه كافية في ردع كل ظالم ومعتد على أموال اليتامى، وأي خزي أعظم من دخول النار؟!

ومن أراد العافية، نجا بنفسه عن الاقتراب من أموال اليتامى، وإذا ابتلي منها بشيء، اتقى الله فيها، ولم يظلم أصحابها، وإلا كان على خطر عظيم!

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما أنزل الله عز وجل:
{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}
{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً}
انطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه، وشرابه من شرابه، فجعل يفضل من طعامه فيحبس له حتى يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل:
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}
فخلطوا طعامهم بطعامه وشرابهم بشرابه

وجاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه، أنه قال له:
«يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم»

وإذا بلغ اليتيم، وعُرف منه العقل والصلاح، رُدت إليه أموال، ولا يظلم منها شيء.

قال الله تعالى:
{وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ}
فقد أمرنا الله تعالى بدفع أموالهم إليهم متى ما بلغوا، إذ عُرف منهم العقل والصلاح، وأن لا يتعدى الوصي على مال اليتيم، فبأكله مبادراً بلوغه، حتى لا يطالبه به.


وإليك هذا النموذج الرائع، الذي يعكس لك حال الصالحين أهل الورع، في تعاملهم مع أموال اليتامى..

أوصى إلى الزبير بن العوام رضي الله عنه سبعة من الصحابة منهم: عثمان، وابن مسعود، وعبدالرحمن رضي الله عنهم فكان الزبير رضي الله عنه ينفق على الورثة من ماله ويحفظ أموالهم!
فتأمل أصلحني الله وإياك في همَّة هذا السيد الغطريف.. فإنه لم يرض لنفسه إلا أعلى الدرجات! فرضي الله عنه وعن بقية الأطهار من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بماذا يكون الإحسان إلى اليتيم؟

أن الإحسان إلى اليتيم، يكون بعدة أشياء، وكل واحدة منها تصلح أن تسمى إحساناً..

منها: إطعامه، وكسوته، والقيام على حاجاته الضرورية، وقد مر معك فضل ذلك.

ومنها: مسح رأسه، وإشعاره بالرحمة والحنان، وفي ذلك أثر كبير على نفس اليتيم..

فقد كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا رأى يتيماً مسح برأسه وأعطاه شيئاً.

ومنها: الإنفاق عليه في تعليمه، ودراسته كما يحرص الواحد على تعليم ولده.

ومنها: الإخلاص في تربيته، وأن يخلص في ذلك كإخلاصه في تربية ولده.

ومنها: الرفق في تأديبه، إذا ارتكب فعلاً يستوجب التأديب.

ومنها: أن يتقي الله في ماله، إن كان لليتيم مالاً، فلا يسعى في إهلاكه، لكي لا يطالبه إذا كبر، بل يحفظه له، حتى إذا كبر سلمه ماله، وقد مر معك الوعيد الشديد لمن أكل أموال اليتامى ظلماً.

ومنها: تنمية أمواله، والإخلاص في ذلك، حتى لا يذهب في الزكاة.

إن الإحسان إلى اليتيم، مع أنه خُلق كريم، وقد دعا إليه الإسلام، فهو مع ذلك لا يقوم به إلا أصحاب القلوب الرحيمة والنفوس الزكية..
والمجتمع المسلم، مجتمع تربطه تلك التعاليم النبيلة التي دعا إليها الإسلام..

وهو مجتمع وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الوصف الرائع، يوم أنه قال:
«ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى»

وهذا وصف يخبرك بما ينبغي أن يكون عليه المجتمع المسلم.
واليتيم جزء من ذلك المجتمع، له ما لهم، وعليه ما عليهم، فواجب المسلمين جميعًا أن يحسنوا إليه، ويبروه، ويعوضوه عن حنان الأبوة، وعطفها، ويبذلوا له كل ما يبذلوه لأبنائهم وأهليهم.

أخي المسلم أختي المسلمة :
ليس صعباً أن تضم إليك يتيماً، فتطعمه مما تأكل، وتكسوه مما تلبس، وتجعله كأحد أبنائك..

وليكن فعلك هذا لوجه الله تعالى.. عسى أن تكون من الذين قال الله فيهم:
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً{8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً{9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً{10} فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً{11} وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً}

ووفقني الله وإياك أخي المسلم إلى فعل الصالحات وأعانني وإياك على الثبات حتى الممات..
والحمدلله تعالى، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.




ـ أم ريـــــم ـ
بسم الله الرحمن الرحيم

يقول السائل: إني أمر بحالة عظيمة من قسوة القلب, فأسألك يا شيخ أن تدعو لي. ويقول الآخر: هلا وضحت بعض الأمور التي من خلالها يجد العبد لذة العبادة بين يدي الله تبارك وتعالى؟

الجواب: بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد: فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا وإياكم قلوباً رقيقة لذكره وشكره, اللهم إنا نسألك قلوباً ترضيك عنا يا ذا الجلال والإكرام, نسألك أن ترقق قلوبنا, وأن تعيذنا من قسوة القلوب. أما ما سألت عنه -أخي في الله- من قسوة القلب, فإن من أعظم الأسباب التي تلين لها القلوب: أن يكثر الإنسان من الدعاء, ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله جل وعلا أن يعيذه من القلب القاسي, ففي الحديث الصحيح أنه قال: (اللهم إني أعوذ بك من عين لا تدمع, ومن قلب لا يخشع, ومن دعاء لا يُسمع, ومن علم لا ينفع, أعوذ بك من هؤلاء الأربع) فسل الله أن يعيذك من قسوة قلبك. أما الثانية: فابحث عن الأسباب التي قسا بها قلبك, فتش عن ذنوبك بينك وبين الله, وفتش عن حقوق الله التي أضعتها, وحدوده ومحارمه التي جاوزتها وانتهكتها, فلعل صلاة أضعتها صعدت إلى السماء فقالت: ضيعك الله كما ضيعتني. فاستغفر الله ثم تب إلى الله وأنب إليه جل جلاله. أما الأمر الثالث بعد الدعاء والبحث عن الأسباب التي تقسي القلوب من حقوق الله: كذلك حقوق العباد, فقد يكون هناك مظلوم ظلمته, أو محروم حرمته, فرفع كفه إلى ربه جل وعلا فاستجاب الله دعوته, وقال الله لدعوته: (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) فأصابتك دعوة الرجل الصالح, فاسأل الله عز وجل أن يغفر لك, وأن يذهب عنك ذنوب ما كان من آثار ذنوب العباد وظلمهم, وفتش عن حقوق الناس فيما بينك وبين أهلك وأولادك وزوجك وجيرانك وأرحامك, فتش عن نفسك فلابد من وجود أمر: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ فاتق الله في نفسك وفيمن ولاك الله من أهلك وولدك وغيرهم. الوقفة الرابعة: خذ بالأسباب التي ترقق القلوب ومن أعظمها أن تكثر من ذكر الآخرة, فالقلب لا يقسو إلا من الدنيا, والدنيا لا يذكرها الإنسان إلا إذا طال أمله وأصبح يؤمل فيها الآمال, ولا يطول أمل الإنسان إلا من طالت غفلته عن الآخرة والعياذ بالله, ولا تطول غفلة الإنسان عن الآخرة إلا إذا قلل من ذكرها, فأصبح العلاج أن تكثر من ذكر الآخرة, فإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء, وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل, فهذه من أعظم الأسباب: قصر الأمل في الدنيا, فإنه يعين على رقة القلوب, وكثرة ذكر الموت والبلاء, وقرب المصير إلى الله جل وعلا, كل ذلك مما يرقق القلوب. ومما يرقق القلوب: أن تشيع الجنائز، وأن ترى ما هي سائرة إليه من عذاب أو جوائز, أن تشيع الجنائز وتعيش مع أهلها حتى إذا غادروها نظرت إليها وحيدة فريدة قد تولى عنها الآباء والأبناء والإخوان والأصدقاء, فأصبحت رهينة القول والعمل، فدعاك ذلك إلى أن تنيب إلى الله جل وعلا فيرجف قلبك من خشية الله, وتذهب عنه القسوة. ثم كذلك مما يعين على رقة القلوب: زيارة المرضى، والنظر في أحوالهم, واسمع بأذن واعية إلى ما هم فيه من الآلام والأسقام، وسل الله العافية, انظر إلى تلك الأجساد التي كانت تتمتع بالصحة والعافية، رجل كالجبل, فيضربه الله بنقمة من النقم يخر صريعاً لا يستطيع أن يبرح مكانه, لا إله إلا الله ما أعظم سطوة الله بالعباد! ولذلك النظر في نقم الله في العباد وبلاياه وما ينزله بهم وهو الحكم العدل جل جلاله من أعظم الأمور التي ترقق القلوب, فإن هذا الأمر إذا رأيته خفت أن تكون لك عاقبة مثل عاقبة هذا الرجل, فإن العبد تراه غنياً ثرياً ظالماً غاشماً حتى يضربه الله بمرض في قلبه أو في مخه أو في قدمه, ولا يستطيع أن يبرح فراشه، يئن كما يئن الطفل الصغير, ينسى أهله, ينسى أولاده, ينسى ماله, والله لو خير في لحظات شدة الألم بين جميع التجارات التي جمعها في حياته لدفعها، وأصبحت نفسه أحقر ما تكون وأهون ما تكون عليه, فلذلك ينبغي للإنسان أن يقف في هذه المواقف لكن لا يقف بقلب غافل، بل يقف وهو معتبر, متبصر مدكر. كذلك أيضاً مما يرقق القلوب: الإحسان إلى الناس, الإحسان إلى الأيتام، إلى الأرامل, ابحث عن جيرانك, فإن وجدت فيهم أرملة فاقتحم العقبة وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ثم تكون بعد ذلك من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة, كن منهم بهذا القلب الرقيق, هذه من الأمور التي تعين على رقة القلوب, تأتي إلى الأرملة في شدة حاجتها فتعطيها مالاً من عنائك, وكد يدك، وهو عزيز عليك تعطيه احتساباً لوجه الله جل وعلا, في ظلمة ليل أو ضياء نهار, ويريد الله أن تلك اللحظة تفتح فيها أبواب السماء فترفع تلك الأرملة لك كفاً فتستجاب دعوتها, فأحسن إلى الناس فإن الإحسان إلى الناس من الأمور التي ترقق القلوب, وقلّ أن تجد إنساناً كريماً جواداً محسناً إلا وجدته أرق الناس قلباً, ولذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الراحمين يرحمهم الله. كذلك أيضاً: خذ اليتيم وامسح برأسه, فإن اليتيم فقد أباه, ويعيش في هذه الحياة بدون أب, فجعل النبي صلى الله عليه وسلم المسح على رأس اليتيم من الحسنات والقربات؛ لأنك لما تمسح على رأسه تسد الثغرة التي في قلبه, لما تمر يدك على ذلك الرأس الذي فقد الحنان وعاش في هذه الحياة كأنه وحيد, فتشعره كأنك أباً ثانياً، فإن هذه المسحة تقع عند الله بمكانة، والله يحب الحسنة ويحب الخير ويشكره, ولا يضيع العرف بين الله والناس, لا ينسى الله جل وعلا الحسنات, ولا ينسى ما يكون من العبد من إسداء الخير إلى البريات, فأحسن إلى الناس فإن ذلك مما يعين على رقة القلب. نريد رقة القلب ونحن أبخل الناس يداً! ونحن أكثر الناس تكبراً وتعنتاً! ونحن أفظ الناس وأغلظهم قولاً! لا شك أن هذه الأمور تحتاج إلى مجاهدة وإلى عمل صالح وإلى قربة, ولذلك وصف الله المؤمنين بماذا؟ قال: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ المؤمن ذليل لكن هذه الذلة عزة عند الله عز وجل, لما تكون سهلاً ميسراً يرق قلبك, لكن لما يأتي الإنسان فيتعاظم على الناس, ويفتخر على الناس، ويتعالى على الناس لا يزال يهوي -والعياذ بالله- في سفال حتى يمقته الله جل وعلا,
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر) والعياذ بالله.


فنسأل الله العظيم أن يرزقنا رقة القلوب, والله تعالى أعلم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.


م / ن