
يختلف سلوك الإنسان باختلاف مرحلة النمو الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي فمع نمو الإنسان تختلف سلوكياته وانفعالاته وأيضا علاقته مع الناس يقول الله تعالى" لقد خلقنا الإنسان في كبد" وأيضا يقول" ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد"
وثمة ظاهرة انتشرت بين الفتيات ألا وهي ظاهرة الإعجاب

إعجاب بعض الفتيات بعضهن ببعض أو إعجاب بعضهن ببعض المعلمات وهي ظاهرة باتت تزعج أرباب التربية وتقلقهم نظراً لبروزها بشكل ملفت وسريع في بعض المدارس والجامعات وإنها والله لظاهرة سيئة وغريبة انتشرت انتشارًا واسعًا
وهي فتنة من فتن هذا الزمان الذي ضعف فيه الإيمان وزاحم فيه حب المخلوقين حب خالقهم ولا تكاد تخلو مدرسة وخاصة للبنات من هذه الظاهرة
ومن هنا كان من الضروري التوقف عند السلوكيات السيئة السائدة في المجتمع والتعرف على الأسباب المؤدية إلى هذه السلوكيات ومن ثم إيجاد الحلول الناجعة والمفيدة للقضاء على هذه الظواهر

ولنتعرف أكثر على المشكلة يجب علينا أن نعرف
المقصود بالإعجاب والتعلق

المقصود بالإعجاب:
وضح ابن القيّــم رحمه الله حقيقة الإعجاب أو العشق فقال :
( إن العشق هـو الإفراط في المحبـة بحيث يستولي على القلب من العاشق حتى لا يخلو من تخيله وذكره والتفكير به بحيث لا يغيب عن خاطره وذهنه فعند ذلك تشتغل النفس بالخواطر النفسانية فتتعطل تلك القـوى فيحدث بتعطيلها من الآفات على البدن والروح ما يعسر دواؤه فيعجز البشر عن إصلاحـه)
والإعجاب يطلق على تعلّق الفتاة بفتاة أُخرى لجمالها أو حسن هندامها أو نحوها من الصفات الظاهرة تعلقاً يؤدي إلى العشق والافتتان
التعلق السوي :
التعلق خاصية إنسانية بل خاصية حيوانية تبدأ مع الحيوان منذ ولادته .
ويرى أحد العلماء الذين اهتموا بدراسة التعلق بين الطفل والأم أن دافع التعلق دافع أساسي كدوافع الجوع والعطش والجنس فعلاقة الطفل بأمه ضرورية لنموه كضرورة الغذاء والشراب .

مراحل التعلق :
يبدأ التعلق مع الإنسان من بداية نشأته فهو ملتصقٌ بأمه مقترنٌ عالمُه بعالَمِها كلما ابتعَدَت عنه بكى يطلبُها فإذا عادت إليه عادت دنياهُ من جديد !!
ثم يحبو في مدارجِ النُّمو فيتعلقُ بأبيه ويرى فيه صورةَ القادرِ الذي يُعَوِّض عجزَه والمالكِ الذي يسد ثغرةَ فقرِه والمثالِ الذي يسعى إلى أن يصوغ نفسه وِفقَ رؤيته .
ثم ينفك عنه الإِسَارُ ويخرج من بيت الأسرة إلى فضاء المدرسة فيتعلق بكثيرٍ من أقرانه أو أساتذته ويرى فيهم نماذجَ لما يُحِبُّ أن يكون عليه أو موضوعاتٍ تمنحُه اللذة
ثم تأتي المراهقة بعواصفها فتتناثر عليه التَعَلُّقَات من كل حدب وصوب .
إذن = فهناك تعلق سوي يعتبر دافعاً أساسياً لنمو الإنسان وبدونه يتشوه بناؤه النفسي وهو الذي يظهر في علاقة الطفل بأمه ثم أبيه ثم إخوته وأصدقائه وبدلاء الأم وبدلاء الأب .
وقد يزداد الأعجاب في شدته ليصبح تعلق مرضيا
والتعلق المرضي هو : الميل المبالغ فيه إلى موضوع من الموضوعات بحيث يفقد المتعلِّق استقلاليته ويتبع المتعلَّق به تبعيةً كاملةً وكأنما تذوب شخصيته عنده .

الصداقة والتعلق :
الأصل في الصداقة شدة التشابه والمشاركة في الطباع والتقارب في الأفكار والعادات وقد حث الدين والعقل والعلم على " الصداقة " باعتبارها مطلباً هاماً من مطالب النمو الإنساني
حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله
( ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه)
وبلغ من عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالمتحابين في الله أنه أُتِيَ يومَ أُحُدٍ بعبد الله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح قتيلين فقال( ادفنوهما في قبر واحد فإنهما كانا متصافيين في الدنيا). وكأنما أراد أن يجمعهما في الآخرة كما اجتمعا في الدنيا
وجاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله متى الساعة؟ قال ما أعددت لها ؟ قال ما أعددت لها كثير صيام ولا صلاة إلا أني أحب الله ورسوله قال صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب .
فالصداقة السوية والحب السوي .. ليس فيهما حرج في الدين أو العقل
غير أن الصداقة تتجاوز أحياناً حدَّها المعتاد لها فتنتقل إلى شيء آخر له خصائص أخرى
والحب يتجاوز حده المعقول .. فينتقل إلى تعلق مرضي سلبي بالمحبوب

الفرق بين الصداقة والحب :

ما هي الصداقة السوية .. وما الصداقة المرضية بين أبناء الجنس الواحد ؟
يُعَرِّف إنلجش الصداقة بأنها : علاقة بين شخصين أو أكثر تتسم بالجاذبية المتبادلة المصحوبة بمشاعر وجدانية تخلو عامةً من الرغبة الجنسية.
ويُفَرِّق دافيز بين الصداقة والحب فيقول : إن الحب صداقة ولكنه يزيد عليها بمجموعتين من الخصائص وهما : الشغف والعناية
ولذا فالحب عنده علاقة أوفر إثابة ولكنها أقل استقراراً .

• الاستمتاع برفقة الطرف الآخر
• تقبل الطرف الآخر كما هو
• الثقة في حرص كل طرف على الطرف الآخر
• احترام الصديق أو الحبيب والثقة في حسن تصرفه
• فهم شخصية الطرف الآخر ودوافع سلوكه وتفضيلاته
• التلقائية وشعور كل طرف بأنه على طبيعته مع وجود الآخر
• الإفصاح عن الخبرات والمشاعر الشخصية
ما يتميز به الحب عن الصداقة :
أ- مجموعة الشغف وتشمل ثلاث خصائص هي :
1- الافتتان : ميل المحب إلى الانتباه إلى المحبوب والانشغال الدائم به والرغبة في إدامة النظر إليه والبقاء بجواره
2- التفرد : تميز علاقة الحب عن سائر العلاقات الأخرى والرغبة في الالتزام والإخلاص للمحبوب مع الامتناع عن إقامة علاقة مماثلة مع طرف آخر
3- الرغبة الجنسية : رغبة المحب في القرب البدني من المحبوب ولمسه ومداعبته وفي معظم الأحيان يتم ضبط تلك الرغبة لاعتبارات أخلاقية ودينية .
ب- مجموعة العناية وتحوي خاصيتين هما :
1- تقديم المحب أقصى ما يمكن إلى المحبوب حتى لو بلغ حد التضحية بالنفس
2- الدفاع والمناصرة عن مصالح المحبوب
صور التعلق المرضي ::
• بين الذكر والأنثى
• بين الذكر والذكر
• بين الأنثى والأنثى
• ويمكن أن يكون المتعلقان في مراحل عمرية متقاربة أو متباعدة
وبشكل إيضاحي للتعلق المرضي صور متعددة منها :
1- تعلق المستاويين سناً وجنساً ( الشاب بالشاب والفتاة بالفتاة ) ويبدأ في صورة صداقة وإعجاب ثم يمتد إلى الشغف والعشق ويمكن أن يؤدي بهم إلى الجنسية المثلية
2- تعلق الصغير بالكبير ويبدأ بالتقدير والتبجيل ثم يتجاوز الأمر حدَّه إلى التبعية المطلقة والشعور بفقدان القيمة إن ابتعد عن دائرة تأثيره وقد نعى الله تعالى على الكفار قولهم
" هذا ما وجدنا عليه آباءنا " لأن تقديسهم لآبائهم منعهم من رؤية الحق واتباعه ولامهم على منحهم أشياخهم وعلماءهم صفاتٍ ليست من حقهم فقال تعالى " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله "
3- تعلق الكبير بالصغير وهو يخفي شغفاً وجنسية مثلية كامنة أو ظاهرة
4- التعلق بين الجنسين والصورة السوية منه " الحب المؤدي إلى الزواج
" وضابطه = ارتقاء كل طرف من خلال علاقته بالطرف الآخر
ويمكن أن يكون هناك تعلق مرضي داخل علاقة الزواج نفسه وذلك حين يشعر أي طرف بتبعيته الكاملة للطرف الآخر وأنه لا شيء بدونه وظهرت عليه مظاهر التعلق المرضي .
مظاهر التعلق المرضي :
للتعلق المرضي والإعجاب مظاهر معرفية وأخرى سلوكية
تتعدد وتتنوع من شخص لشخص آخر ويمكن حصر هذه المظاهر في عدة نقاط مهمة وواضحة وهي:
1- الرسائل الغرامية:فتكون الرسائل مزخرفة مزركشة معطرة ملأى بالعبارات البذيئة من غزل وهيمان ومشاعر جياشة.
2- المكالمات الهاتفية الطويلة:التي تمتد إلى ساعات طويلة دون هدف أو غاية سوى الاستمتاع بسماع صوت الطرف الآخر.
3- المصاحبة أو المتابعة و السعي الدائب للقرب من المتعلق به
وأحياناً المطاردة والملاحقة من مكان لآخر لمجرد الرؤية التي تحمل في طياتها الإثارة والشهوة وقد يسيطر الشيطان على قلب المتعلق حتى أنه لا يستطيع محادثة من أحب فيظل يلاحقه في الممرات والغرف أو يرسل له من ينقل إليه مشاعره
4- هيمنة المتعلق به على تفكيره فهو منشغل به على الدوام ودائم التفكير بالمحبوب أو المعجب به والتقليد الأعمى له في الثياب والحركات وطريقة الكلام وانسحاب طاقته العملية إلى الداخل لانشغاله بالتفكير في المتعلق به بالإضافة إلى الرغبة الدائمة في ذكره والحديث عنه وتتبع أخبارهه
5- إدمان النظر إلى المحبوب وتقديم رؤيته على كل شيء فإذا أعياه ذلك تمنى المحال حتى يراه وربما بالغ بعضهم في طلب وصال من تعلق به وتعمد لمس المتعلق به والاقتراب الجسدي منه
6- موافقته في كل ما يقول وإن كان محالاً
7- ارتهان سعادته وسروره بالمحبوب
8- الاضطراب عند رؤيته فجأة
9- محاولة إظهار النفس أمامه في أجمل صورة حتى ولو كان ذلك على غير طبيعته فالبخيل يكرم والجبان يشجع
10- جرح اليد بسكين أو نحوه لكتابة اسم المحبوب على يده ليبقى أمامه أبد الدهر
11- كتابة اسمه على الشنطة والكتب ونحوها من مظاهر الافتتان والتعلق.
12- تقديم الورود والهدايا التذكارية
13- الاختباء في أماكن بعيدة عن النظر
14- الخصام والزعل بين الأصدقاء وقد تصل إلى مرحلة خطرة 15- ظهور بعض الأعراض الاكتئابية من حزن وبكاء عند فقدان المتعلق به وإنسحابية من الحياة الاجتماعية وخمول وهزال جسدي