قالَ ابنُ القَيِّم - رَحِمَهُ اللّٰـه - :
« رَسُولُ اللّٰـهِ - صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَيِّدُ الأنَامِ ،
و يومُ الجُمعَة سَيِّدُ الأيامِ ،
فَلِلصَّلَاةِ عَليهِ فِي هَذا اليَومِ = مَزِيَّةٌ
لَيسَت لِغيرِه »
❪ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ❫


قال تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ٧ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا)
مناسبة الآيات
بعد أن ذكرت الآيات حكم التبني ووجوب طاعة الله ونبذ اوامر الكافرين والمنافقين..
تقرر حقيقة وحدة مصدر التشريع والميثاق الديني المشترك بين اولي العزم من الرسل
التفسير
إن الله عز وجل قد أخذ ميثاقا من النبيين اجمعين وهو أوثق عند محمد عليه الصلاة والسلام ونوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام
وهو ذاك الميثاق الذي بمقتضاه طلب منهم تبليغ الرسالة واداء الامانة المذكورة هنا في آخر الأحزاب
كل هذا سيكون مآله جنة للصادقين المتبعين والعذاب المهين للكافرين المكذبين.
أنيس الأصحاب
كنا في البيوت قد أفسدت حياتنا الآفات والوباء فقررنا التواصل والاصحاب عبر برامج ينقلها الأثير.. وكنا حينها نتذاكر هذه الآيات:
سيرسل أحدهم سؤالا وسيجيب منا من يعلم:
قال أحدهم.. اخذ الميثاق عبر عنه بأسلوب مثبر للانتباه فقد اقترن الفعل (أخذنا) بالنبيين ثم خص الرسول عليه الصلاة والسلام ب (ومنك)
اي واخذنا منك.. ثم اقترن اربعة معا من النبيين ب (ومن) دون ان يكون لكل وأحد منهم اخذ مستقل.. اليس هذا مثيرا للانتباه؟!
بلى.. اجاب أحدنا
فالأخذ الاول من جميع النبيين وهو عام ثم وعلى سبيل التكريم والتخصيص جاء اخذ خاص من خمسة انبياء وهم اولو العزم من الرسل
وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام هو الاخص طبعا
ثم ان هذا الاسلوب الذي جمع بين اربعة نبيين ما ينبئ انهم جميعا مشتركون في المحنة والمنحة بشكل يجعلهم متشابهين..
ومن تابع قصص نوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام يلمس هذا بشكل واضح جدا
– وقال أحدهم.. فما شان (واخذنا منهم ميثاقا غليظا) اهو عينه الميثاق الوارد في (واذ اخذنا من النبيين ميثاقهم) ام انه ميثاق من نوع خاص؟
قلت.. إن الذي وصلت اليه انه لا بد ان يكون ميثاقا خاصا.. ويكون حينئذ الميثاق الاول لجميع المذكورين هو حمل الرسالة واداؤها بينما الميثاق
الغليظ فهو من زاوية يختص بالخمسة اولى العزم ومن زاوية اخرى هو ميثاق يزيد على الحمل والاداء الصبر وتحمل الاذى المتوقع عند اداء
الامانة
– ثم تساءلت عن اللام في (ليسأل الصادقين..) اهي لام التعليل؟ وان كان كذلك فاي شيء تعلل !؟
قال الشيخ هناك.. لا أبدا.. هي ليست لام التعليل اذ لا يستوعب ان اخذ الميثاق كان سببه سؤال الصادقين عن صدقهم.. لكن هذا مآلهم
فتكون اللام هنا لام العاقبة والمآل
ويصير المعنى ان هذا الميثاق الغليظ الذي حمله الانبياء وادوه وتحملوا في سبيله المحن ستكون عاقبته جزاء الصادقين من اتباع على صدقهم
وكذلك جزاء المكذبين بسبب كفرهم وعنادهم
– تساءل أحدهم عن هذه المقابلة غير المتكافئة وفائدتها.. وهو انه لما كان المعنى جزاء الصادقين عبر ب (ليسأل الصادقين عن صدقهم) اما مع
جزاء الكافرين فكان (واعد للكافرين عذابا مهينا).. والمتبادر ؛ اما ان يقال لينال الصادقون جنات والكاذبون عذابا.. او ليسال الصادقين عن
صدقهم والكاذبين عن كذبهم؟!!
قلت.. لقد اتيت يا صديقي بالجواب في سؤالك.
تخيل ان كل هذا الذي ذكرت اختصرته الآية بأسلوبها.
فهما أربع جمل في جملتين
ليسال الصادقين… فيصير جزاؤهم جنات
وليسأل الكاذبين.. فيصير جزاؤهم عذابا
الله الله.. ما أبدع الكتاب وما اعذبه
– لم يكتف صديقي ولم يقتنع فقال
ان كان ما قلت صحيحا فلم كان السؤال للصادقين.. لم لم يقل ليسال الكاذبين.. ويكون الجزاء بالجنات هو المذكور للصادقين !!؟
قلت.. وكيف يستقيم ما ذكرت اخي الكريم !!
انه لو ذكر سيسال الكاذبين قد يظن ظان او يتوهم أحدهم ان لا سؤال للصادقين لكونهم احباب الرب.. وان عبر بجزاء الصادقين
فقد يظن أن الكاذبين لن ينالوا عذابا لحلم ربهم..
أرأيت؟؟! انه كلام الله يا رجل..
أعظم ما استفدت
إن جند الأنبياء هم الصادقون في الاتباع الذين استفادوا من ارثهم في التبليغ والابتلاء..
أولئك الصادقون هم كلمة السر التي نستفتح بها على الكافرين
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية
الصفحة الأخيرة
والان نكمل
قال تعالى (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفورا رحيما ٥، النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا)
سبب النزول
نزلت في زيد بن حارثة، كان عبدا لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأعتقه، وتبناه قبل الوحي، فلما تزوج النبي – صلى الله عليه وسلم –
زينب بنت جحش، وكانت تحت زيد بن حارثة، قالت اليهود والمنافقون: تزوج محمد امرأة ابنه، وهو ينهى الناس عنها ! فأنزل الله تعالى هذه
الآية.
التفسير
بعد أن بين الله حكم التبني بإيجاز (وما كان أدعياءكم أبناءكم) نفر منه وفصل في هذه الآيات
فإن كنتم ايها المؤمنون مأمورين بنبذ التبني وادعاء الأبناء فما عليكم الا ان تدعوهم لآبائهم الحقيقيين حتى ان قمتم برعايتهم والاعتناء بهم
وان لم تعلموا من هم آباؤهم فليكونوا اخوة في الدين او من الموالي التابعين لكم..
وان حصل خطأ في ادعاء الأبناء غير متعمد كأن تكونوا قد نسبتم أبناء لغير آبائهم الحقيقيين دون علم او قبل نزول التحريم
فالله لا يؤاخذكم ويرفع الحرج عنكم
ثم تشرع الآيات ببيان الدروس المستفادة والاثار التي ترتبت على تحريم التبني بالقدوة حيث ان سبب النزول أخبرنا ان اول من طبق عليه
الحكم هو زيد بن (محمد) من قبل نزول التحريم ليعود زيدا بن حارثة
زيد كان زوجا لمن صارت زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم… وهذا عزز تقبل الناس لتحريم التبني اذ لن يكون مستساغا ابد
ا (حتى في عرف الأولين) ان يتزوج الرجل زوجة ابنه
ومن بعد… تقرر الآيات احكاما خاصة:
– النبي اولى بالمؤمنين من أنفسهم.. اي انه بمثابة ابيهم.. اليه يرجعون حين كرب او طلب علم او حتى قضاء دَين كما ان حب المؤمنين له عليه
الصلاة والسلام ينبغي ان يفوق حب الاباء والأبناء.. وهكذا تقفل الآية ما كان بخصوص زيد.. فكما ان خصوصية قربه من الرسول جعلته
تطبيقا لتحريم التبني فان خصوصية في الرسول جعلته ابا لكل المؤمنين لا لزيد وحده
– وازواجه أمهاتهم.. اذ إنهن كالأمهات لا يجوز ان يتزوج بهن أحد من المؤمنين ولهن من الاحترام ما للأمهات ولكن دون خلوة او تكشف كما
الأمهات.. فالاية توضح جانب الاحترام والتوقير ليس الا
– اولو الارحام اولى بالميراث من الاخوة في الدين وذاك ان المهاجرين آخوا الانصار حتى صاروا يتوارثون ويقتسمون كل شيء.. لذا فانه كان لزاما
بيان الحق وتثبيت المطلوب في سياق الأحزاب.. ولا تنسوا ايها الانصار المعروف بينكم فنزع التوارث لا يعني ذهاب المعروف
الآيات في العموم وضحت حكم التبني وما يتعلق به ومن بعد المجتمع المسلم وما يختص بالعلاقة بين القائد واهله من جهة وبين المجتمع من
جهة اخرى
أنيس الأصحاب
في ليلة جميلة خرجنا في رحلة سمر الى حديقة وارفة نسمع اصوات الطيور ونتلو اي الكتاب.. وكنا قد ناقشنا الآيات معا:
– ما سر التعبير ب (أقسط) في سياق النهي عن التبني؟! اليس هناك ما يمكن ان يوصف به من نسب الى الاب الحقيقي اقرب من القسط !!
ربما نظر أحدهم للشخص الذي ادعى ابنا له فوجد ان تركه لهذا العمل ايثار او عمل خير او احسان.. فيما لو نظرنا للطفل واهله لوجدنا انه لا
تغني كلمة عن (اقسط) والتي تدل على تمام العدل والانصاف اذ الولد ينسب لابيه مهما كان فلن يتحمل وزرا او يكسب اجرا بمجرد الانتساب
فيما المتبنى لو علم ابوه الحقيقي وكان مجرما مثلا سيكون من الظلم نسبته للمتبني وكذا صرف المسوولية عن الاب
– ازواجه أمهاتهم… كيف نفهمها؟ هي تبدو كاللغز !
ان ازواج النبي صلى الله عليه وسلم هن في الاحترام والقرب كالأمهات فلا يجوز لأحد ان يتزوج بهن
دون ما للأمهات من احكام في العورة والميراث والنفقة وو
فقط في الاحترام..
قال صديقي.. هذا مفهوم ولكن… ما بال النساء؟ هل هن أمهات المؤمنات ايضا؟؟
توقفت هنا.. ومكثت مليا حتى وقفت على قول لعائشة رضي الله عنها تبين فيه (لسنا أمهات النساء) فاتضح حينها ان الاية سيقت لبيان حكم
خاص في تحريم الزواج بهن.. والا فالاحترام مطلوب في كل حين ومن كل الناس لأمهات المؤمنين
– لقد مر بنا ان احكام التوارث بين المؤمنين قد كانت قرآنا ونسخت ثم ان اية الرجم للشيخ قد نسخت.. وكلها آيات في الأحزاب.. فكيف نفهم
نسخا في قرآن؟
لن نطيل كثيرا في شبهة لا زالت منذ الازل تحكى لكنني اقول.. حتى ان كانت الآيات المنسوخة اكثر في هذه السورة او غيرها..
هو قرآن ونسخه قرآن ونسخ معناه قرآن ونسخ تلاوته قرآن.. مادام كل باق ثابتا بالتواتر.. فليس من باس ان راعت الآيات قوما عاشوا لزمن
ثم نسخت..
نعم النسخ وارد ومكانه في علوم القرآن بالتفصيل..
– تساءلنا.. لم قال الله (فان لم تعلموا آباءهم) في سياق بيان ان لم تعلموا من آباؤهم؟؟
ان قوله تعالى (تعلموا آباءهم) يدخل فيه علمهم بمن هم وما صفاتهم وفيم تركوا أبناءهم وهل هم احياء ام انهم ماتوا و… كل هذا لن يغني
عنهم قولنا.. تعلموا من هم آباؤهم
وبالنظر لسياق الآيات التي تبين ان المقصود هو العلم بحال آبائهم ومن هم لكون ذلك هو المفيد في رعايتهم واخوتهم من بعد اذ ليس المهم هو
ان نعرف ان فلانا هو ابن فلان لنرعاه بل معرفتنا بحال الاباء هو الذي سيعين…
أعظم ما استفدت
ان الابوة الروحية للقائد ترقى بالمجتمع الى حيث السمو والتقدير للمجتمع وللدولة.. وان ابوة النبي للمؤمنين والقادة هي التي جعلت الامة في
مقدمة الأمم.. فلما تنكبنا لهذا الدور وابتعدنا عن تمثله بتنا كما نرى ونتابع .
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية