شام @sham_1
مستشاره بعالم حواء -
][
من بين صخور متباعدة , وأمواج متتالية , ظهر أخيرا بحارنا الماهر هادي ,
اقتربنا منه فإذا هو شاب وسيم ,قد اعتلا التعب جسده , وحنى ظهره , وارتسمت في وجهه خطوط لا تخطىء في تمييزها كما لا تخطىء تمييز وجه رجل طاعن في الثمانين ...
رمى نفسه على الرمال , أخذ نفسا عميقا , سمعنا له صلصلة وجولة , ثم أخرجه زفيرا وكأنما يخرج معه أحمالا ثقيلة رابضة على صدره ..
دفعنا الفضول لنسأله عن رحلته , وعظم مشقته , فأجاب :
قررت يوما الذهاب في رحلة طويلة , أحببت فيها أن أزور البحر , فلطالما تشوقت وتمنيت رؤيته .
مشينا بالقافلة , فإذا الرحلة طويلة , والأمر صعب لم يكن في الحسبان ,
توقفت بنا رحلتنا فقد وصلنا غايتنا ,
نظرت إلى البحر لأول مرة في حياتي بعيون متلهف مشتاق , فوجدته بحرا واسعا مد البصر , شديد الزرقة , بهي الصورة , تحوم فوقه الطيور , ويتسابق فيه العابثون , وتغمس طفلة ظفائرها الذهبية في ماءه , ثم تغمس يديها ورجليها في ماءه البارد ثم تهرب مطلقة صرخات تزيد من ضجيج البحر روعة وغرابة ...
فهممت باللعب معها , وودت أن أمارس هوايتي التي أحب . رمي صخرات صغيرة على الماء لأرى كم من المرات ستقفز على سطحه ,
لكن الوقت لم يكن وقتا لعب ,
بل كان تحدياً : إما أن أسبح وأنجح , وإما أن أغرق !!
لم يكن أمامي خيار ثالث ... فقررت أن أبدأ رحلة التعليم , وأخوض غمار التجربة
ولم يكن عندي معلم سوى قوانين بسيطة ,وصورا قديمة لمعلم السباحة, كنت قد احتفظت في مخيلتي , لأرى نفسي بحاجة لأقل تفصيلاتها , وأدق تعليماتها ..
ومرت الأيام , وأنا اأعلم يوما بعد يوم , أنجح تارة , وأفشل تارة ..
إلى أن أصبحت بحاراً جيدا , لا أدعي لنفسي الشهرة ولا المهارة , ولكن لدي الكثير من الخبرة والفائدة , اكتسبتهما من المشاهد والصور لأمواج اعتليتها , وعواصف بتّ تحت سماءها وحيدا فريدا , قد ينفع ذكرها , وتصلح عبرة وعظة بل خبرة لمن يريد تعلم السباحة ...
لفتت انتباهنا عبارته الأخيرة , فلا بد أن عنده الكثير والمثير ليخبرنا ويقص علينا ..
سألناه : شوقتنا يا بحّارنا هادي , هيا هاتي ما عندك..
تنفس هادي الصعداء , وأطلق نظرة شقت الفضاء , مناديا مناجيا بصوت يملأ الأصداء : الحمد لله ..
ثم بدء بسرد قصته ..
يــــتـبـــــــع
((ملاحظة : لا احلل ولا أسامح من ينشر هذه القصة دون ذكر اسمي ))
22
4K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
رائعه ياشام الله يسلم فمك عباراتك جميله منتقاه يبدو ان لديك اسلوب قصصي جميل سيري ونحن معك
الصفحة الأخيرة
ركبت يوما سفينة الوئام , مبتعدا بها عن الأنام , لأرى نفسي في بحر كبير , وأمواج عظيمة ,
كلما عاينت منها موجا , أتاني أعتى منه , وكلما هنأت نفسي بسلامتها , أجدني أصابرها وأبحث لها عن مأمن ..
رحلتي هذه أخذتني إلى عالم بعيد , غريب جديد , وحالي كان كصياد بسيط غرَّه سكون البحر , ولسعته أشعة الشمس ,فنام على ظهر قاربه , ولم يدري أن هذا الهدوء عادة يسبق العاصفة ..
تنهد هادي وأكمل شرب كوب عصير البرتقال , ثم أخذ يحدثنا أكثر عن رحلته تلك .
بعد قدومي لهذا العالم البعيد , بدا كل شيء مختلف وجديد ,
الوجوه غير الوجوه , والكلمات غير الكلمات , والبيوت غير البيوت , والطرقات غير الطرقات ...!!!
وقعت في حيرة وصدمة , لم أكن أتوقعه بهذه الصورة , ولم أتخيله يوما بهذه الغرابة ...
وما زاد حزني وعذابي أنني امتطيت الخيال فرسي , وجعلت المقارنة مراسي ..
أتذكر أزهار الربيع , ومياه الغدير , وزقزقة العصافير , والنسمات التي تشفي العليل ,
فيوقظني من حلمي برد قارس , و شتاء قاس , وجليد يابس , ونهار عابس ,
ذاك الربيع متأصل في ذاكرتي , متمكن في مخيلتي , وهذا الشتاء جاثم أمام عينيّ , تتحسه يداي وقدميّ ,
أما قلبي ...!!!
فتائه بين أمواج الحنين , وسفن الحال ..
وكأنه غريق يتمسك بجذع شجرة طافٍِ , وقد لفت البحر عتمة , واعتصر القلب خوف وظلمة , ولم يبقى أمامه سوى المصابرة والمدافعة , علَّ قارب الأمل يأتي إليه , ينقذه , يحقق حلمه , يعيده لاحضان ذلك الربيع , يسقيه من ذاك الغدير ,
يطمئنه بيد دافئة تربت على شعره , تمسح دموع عينه , تهدء خفقان قلبه ...
لكم اشتاق لحنان تلك اليد , ولكم احتاج لدعائها , وكم هو عازم على برِّها ..
إيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه
تنهّد هادي , ثم أخذ نفسا عميقا , نظر إلى جبل أخضر على يمينه , تأمله طويلا ثم قال :
قلت لنفسي مرة : إن من يهوى صعود الجبال لا بد أن يصبر على مرارتها ..
وقد حاولت صعوده في غربتي , ومارست تسلقه وفق قدرتي ,
تجربتي معه كانت ممتعة ومؤلمة , فكنت أنجح عندما تكون خطايَ ثابتة , ومقابض الحبال عندي قوية ,
وأحيانا أفشل ,فأسقط وأعود للمحاولة من جديد , تماما كالطفل الذي دخل الروضة حديثا , سيلزم الصمت , ويبتعد عن كل ما هو جديد عليه ,من الاطفال والمعلمة والطباشير والكتب حتى الألعاب المسلية ,
سيبتعد عنها ويلزم الصمت , بل لربما علا بكاؤه , وزاد احتجاجه , ولربما تعلق بثوب امه يريد العودة هربا ..
ثم ما يلبث أن يعتاد المكان , ويألف الوجوه, ثم يبدء بكسب مهارات تساعده وتهوّن عليه التواصل مع من حوله.,
يــــــــــتـــــــبـــــع