أحاديث صحيح البخاري وشرحها
إن شاء الله كل يوم راح أنزل حديث من أحاديث صحيح البخاري وشرحها من كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري وبدون
ردود يابنات حتى يكون الموضوع مترابط جزاكن الله خير .
أولاً : نأخذ نبذة عن صحيح البخاري .
الإمام البخاري - رحمه الله -قد صنف كتابه وجرده للصحيح فحسب ، وكان ذلك بتوجيه من إسحاق بن راهوية-رحمه الله-.
مكانة صحيح البخاري وتبويبه وفوائده :
أما مكانته :فهو في المرتبة الأولى -بعد كتاب الله عز وجل -كما قال ابن تيمية في المجلد الأول من الفتاوى .
أما تبويبه فبديع ؛ وقد جعله على ثلاثة أصناف:
فمرة يأتي بالباب من لفظ الحديث ، ومرة يأتي بالباب استنباطاً من عنده ،ومرة يأتي بالباب استنباطاً مضنوناً وليس تأصيلاً في الحديث ،حتى إن كثيراً من الشراح يتوقف متسائلاً : ما مناسبة الباب؟ وما مناسبة الترجمة للحديث ؟ والباب للمتن
ويتميز صحيح البخاري بثلاث مزايا :
1- الصحة المتناهية والشرط القوي في إيراد الحديث ، فليس في صحيح البخاري حديث ضعيف .
2- كثرة الفوائد فيه ، من التعليقات والإستنباطات وكلام الصحابة والتابعين وأتباع التابعين .
3- جودة التبويب والترتيب ، فإنه دبجه ووشحه بتبويب وترتيب عجيبين .
أما فتح الباري :
فقد قيل للشوكاني : ألا تشرح لنا صحيح البخاري ؟ فقال لاهجرة بعد الفتح ،يعني فتح الباري . وهو من أحسن الكتب ؛ أجاد فيه ابن حجر كل الإجادة ، ولوكان عند المسلمين معجزة من التأليف لكان فتح الباري ، وهو كتاب بديع جد بديع في إيراداته وقوته العلمية وثقة مصادره .
30
5K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح صحيح البخاري
شرح: باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
ففي الحديث الثاني يقول الإمام -رحمة الله عليه-:
- حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا، فيكلمني فأعي ما يقول).
قالت عائشة رضي الله عنها:ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا.
الإشكال الذي يورده أهل العلم في تشبيه الوحي بالجرس، والوحي محمود والجرس مذموم، وجاء فيه ما جاء في صحيح مسلم وغيره أن ((الجرس مزمار الشيطان)) و((لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس)) ذكرنا أن الأمة ابتليت بهذه الأجراس بحيث لا يكاد يفك منها إلا القليل النادر، إلا القليل النادر والإنكار في مثل هذه الحال كان في أول الأمر قوي، والناس يحتسبون في هذا المنكر ثم بعد ذلك بدأ الإنكار هذا يتضاءل ويخفت شيئاً فشيئاً حتى قل بل ندر، ووجد من ينازع في هذه النغمات، هل هي تدخل في المزمار المنهي عنه، حتى وجد من يبعث أقوال كانت مهجورة لا سميا في بلادنا، من إباحة المعازف والأغاني نعم، أثيرت وبعثت من جديد، وصار لها من ينافح عنها ويدافع ويتبناها، والله المستعان.
يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((وهو أشده علي) يعني أشده الضمير أشده المقصود الوحي،
{قَوْلًا ثَقِيلًا}سورة المزمل] وسيأتي في كلام عائشة "ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاًوفي بعض الأحوال: "إنه ليخط" يعني من شدة ما ينزل إليه، من أين أخذنا أن الوحي كله شديد؟ من أفعل التفضيل، وأن أفعل التفضيل تقتضي مشاركة شيئين أو أشياء في وصف وهو هنا الشدة ولكن هذا النوع أشد، لماذا؟ كان هذا النوع أشد؟ قالوا: لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة يعني فهم كلام من صوت مثل صلصلة الجرس، صوت متدارج لا شك أنه أشد من فهم الكلام العادي، من كلام الرجل بالتخاطب المعهود هذا سهل، أما الصوت المشبه لصوت صلصلة الجرس فهذا لا شك أنه شديد،
وإذا جئت إلى كلام من لا يحسن الكلام يتكلم بالإشارة مثلاً تجد فهم كلامه أشد من فهم الكلام العادي، فيكف بأصوات متداركة مثل صلصلة الجرس؟!
قال -عليه الصلاة والسلام-: ((وهو أشده علي)) وأما فائدة هذه الشدة فائدتها يترتب على المشقة، من زيادة الزلفى ورفع الدرجات، إن مثل هذه الشدة المصاحبة لهذا النوع من الوحي يكون ثبوت الوحي في القلب أشد وأمكن؛ لأن الكلام الذي يتلقى بسهولة يفقد بسهولة، والكلام الذي يتلقى بصعوبة يثبت ويرسخ؟
{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} كثير ما يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الشيء ثم يسكت، ثم بعد ذلك يقول: ((أين السائل؟)) فيخبره بالجواب وسكوته انتظاراً للوحي، وإن استنبط بعضهم أنه يستفاد من هذا السكوت أن المفتي عليه ألا يتعجل ولا يسرع في الإجابة، ويكون في هذا تربية للمفتين ألا يتعجلوا
قال بعد ذلك: ((فيفصم عني)) فيفصم عني، يفصم مضارع فصم، والمراد قطع الشدة، أي يقلع، وينجلي ما يغشاني من الكرب والشدة، هذا على الضبط يفصم بفتح أوله وكسر ثالثه من باب ضرب، وأما على يُفصم فهو من الرباعي، نعم؟
الرباعي يقال: أفصم المطر إذا أقلع، وأصل الفصم القطع، ومنه قوله تعالى: {لاَ انفِصَامَ لَهَا} وقيل: الفصم بالفاء القطع بلا إبانة، وبالقاف القطع بإبانة، هل الأبلغ أن ينفى الفصم أو ينفى القصم إذا قلنا: الفصم بلا إبانة والقصم بالإبانة؟ يعني فرق بين أن تأتي بعصا فتثنيه فينكسر، لكن ما يبين نصفه عن النصف الثاني، يبقى متعلق أحد طرفيه بالآخر، والقصم إذا أبنت كل واحد منهما وجعلت كل واحد منهما في جهة، هذا قصم، وإذا دعوا على ظالم ما قالوا: فصم الله ظهره، إنما يقولون: قصم الله ظهره، وهنا {لاَ انفِصَامَ لَهَا} الأبلغ بالفاء أو بالقاف؟ الآية {لاَ انفِصَامَ لَهَا} على الكلام الذي جعلوه بالفاء بلا إبانة وبالقاف بالإبانة؟ يبقى أن ما جاء في الآية أبلغ من القاف، لماذا؟ لأنه إذا نفي من دون إبانة فلئن ينفى مع الإبانة من باب أولى،
((وقد وعيت)) أي: فهت وحفظت وجمعت ((عنه ما قال)) "عنه" أي عن الملك "ما قال .
فالوحي تارة ينسب إلى الملك، وتارة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكل ذلك بلفظ الرسول، ففي سورة الحاقة يقول الله -جل وعلا-: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} قول رسول كريم يعني لو قيل هذا قاله محمد بنص الآية، نقول: لا يجوز أن تقول: قاله محمد إلا بلفظ الرسالة؛ ليتضح للسامع ويستقر عنده أن محمد مرسل به لا من عنده وتلقاء نفسه، وفي سورة التكوير قال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} يعني جبريل -عليه السلام-،
هذا الذي تقدم ((أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس) أحد أنواع الوحي، والثاني: هو الذي أشار إليه -عليه الصلاة والسلام-: ((وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول))
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
شرح صحيح البخاري
شرح: باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
ففي الحديث الثاني يقول الإمام -رحمة الله عليه-:
- حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علي، فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا، فيكلمني فأعي ما يقول).
قالت عائشة رضي الله عنها:ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا.
الإشكال الذي يورده أهل العلم في تشبيه الوحي بالجرس، والوحي محمود والجرس مذموم، وجاء فيه ما جاء في صحيح مسلم وغيره أن ((الجرس مزمار الشيطان)) و((لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس)) ذكرنا أن الأمة ابتليت بهذه الأجراس بحيث لا يكاد يفك منها إلا القليل النادر، إلا القليل النادر والإنكار في مثل هذه الحال كان في أول الأمر قوي، والناس يحتسبون في هذا المنكر ثم بعد ذلك بدأ الإنكار هذا يتضاءل ويخفت شيئاً فشيئاً حتى قل بل ندر، ووجد من ينازع في هذه النغمات، هل هي تدخل في المزمار المنهي عنه، حتى وجد من يبعث أقوال كانت مهجورة لا سميا في بلادنا، من إباحة المعازف والأغاني نعم، أثيرت وبعثت من جديد، وصار لها من ينافح عنها ويدافع ويتبناها، والله المستعان.
يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((وهو أشده علي) يعني أشده الضمير أشده المقصود الوحي،
{قَوْلًا ثَقِيلًا}سورة المزمل] وسيأتي في كلام عائشة "ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاًوفي بعض الأحوال: "إنه ليخط" يعني من شدة ما ينزل إليه، من أين أخذنا أن الوحي كله شديد؟ من أفعل التفضيل، وأن أفعل التفضيل تقتضي مشاركة شيئين أو أشياء في وصف وهو هنا الشدة ولكن هذا النوع أشد، لماذا؟ كان هذا النوع أشد؟ قالوا: لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة يعني فهم كلام من صوت مثل صلصلة الجرس، صوت متدارج لا شك أنه أشد من فهم الكلام العادي، من كلام الرجل بالتخاطب المعهود هذا سهل، أما الصوت المشبه لصوت صلصلة الجرس فهذا لا شك أنه شديد،
وإذا جئت إلى كلام من لا يحسن الكلام يتكلم بالإشارة مثلاً تجد فهم كلامه أشد من فهم الكلام العادي، فيكف بأصوات متداركة مثل صلصلة الجرس؟!
قال -عليه الصلاة والسلام-: ((وهو أشده علي)) وأما فائدة هذه الشدة فائدتها يترتب على المشقة، من زيادة الزلفى ورفع الدرجات، إن مثل هذه الشدة المصاحبة لهذا النوع من الوحي يكون ثبوت الوحي في القلب أشد وأمكن؛ لأن الكلام الذي يتلقى بسهولة يفقد بسهولة، والكلام الذي يتلقى بصعوبة يثبت ويرسخ؟
{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} كثير ما يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الشيء ثم يسكت، ثم بعد ذلك يقول: ((أين السائل؟)) فيخبره بالجواب وسكوته انتظاراً للوحي، وإن استنبط بعضهم أنه يستفاد من هذا السكوت أن المفتي عليه ألا يتعجل ولا يسرع في الإجابة، ويكون في هذا تربية للمفتين ألا يتعجلوا
قال بعد ذلك: ((فيفصم عني)) فيفصم عني، يفصم مضارع فصم، والمراد قطع الشدة، أي يقلع، وينجلي ما يغشاني من الكرب والشدة، هذا على الضبط يفصم بفتح أوله وكسر ثالثه من باب ضرب، وأما على يُفصم فهو من الرباعي، نعم؟
الرباعي يقال: أفصم المطر إذا أقلع، وأصل الفصم القطع، ومنه قوله تعالى: {لاَ انفِصَامَ لَهَا} وقيل: الفصم بالفاء القطع بلا إبانة، وبالقاف القطع بإبانة، هل الأبلغ أن ينفى الفصم أو ينفى القصم إذا قلنا: الفصم بلا إبانة والقصم بالإبانة؟ يعني فرق بين أن تأتي بعصا فتثنيه فينكسر، لكن ما يبين نصفه عن النصف الثاني، يبقى متعلق أحد طرفيه بالآخر، والقصم إذا أبنت كل واحد منهما وجعلت كل واحد منهما في جهة، هذا قصم، وإذا دعوا على ظالم ما قالوا: فصم الله ظهره، إنما يقولون: قصم الله ظهره، وهنا {لاَ انفِصَامَ لَهَا} الأبلغ بالفاء أو بالقاف؟ الآية {لاَ انفِصَامَ لَهَا} على الكلام الذي جعلوه بالفاء بلا إبانة وبالقاف بالإبانة؟ يبقى أن ما جاء في الآية أبلغ من القاف، لماذا؟ لأنه إذا نفي من دون إبانة فلئن ينفى مع الإبانة من باب أولى،
((وقد وعيت)) أي: فهت وحفظت وجمعت ((عنه ما قال)) "عنه" أي عن الملك "ما قال .
فالوحي تارة ينسب إلى الملك، وتارة إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكل ذلك بلفظ الرسول، ففي سورة الحاقة يقول الله -جل وعلا-: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} قول رسول كريم يعني لو قيل هذا قاله محمد بنص الآية، نقول: لا يجوز أن تقول: قاله محمد إلا بلفظ الرسالة؛ ليتضح للسامع ويستقر عنده أن محمد مرسل به لا من عنده وتلقاء نفسه، وفي سورة التكوير قال: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} يعني جبريل -عليه السلام-،
هذا الذي تقدم ((أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس) أحد أنواع الوحي، والثاني: هو الذي أشار إليه -عليه الصلاة والسلام-: ((وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول))
الشيخ/ عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شرح الحديث الثالث من صحيح البخاري (زملوني زملوني )
3- حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: (ما أنا بقارىء). قال: (فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم}). فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: (زملوني زملوني). فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: (لقد خشيت على نفسي). فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
الشرح:
والرؤيا الصالحة في التفسيرالصادقه وهي التي ليس فيها ضغث وبدىء بذلك ليكون تمهيدا وتوطئة لليقظة ثم مهد له في اليقظة أيضا رؤية الضوء وسماع الصوت وسلام الحجر.
قوله :في النوم لزيادة الإيضاح أو ليخرج رؤيا العين في اليقظة .
قوله:مثل فلق الصبحضياؤه وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه.
قوله :حبب لم يسم فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك وأن كان كل من عند الله أو لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر أو يكون ذلك من وحي الإلهام والخلاء بالمد الخلوة والسر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له .
وحراء بالمد وكسر أوله هو جبل معروف بمكة والغار نقب في الجبل وجمعه غيران.
قوله :فيتحنث هي بمعنى يتحنف أي يتبع الحنيفية وهي دين إبراهيم والفاء تبدل ثاء في كثير من كلامهم. أو التحنث إلقاء الحنث وهو الإثم كما قيل يتأثم ويتحرج ونحوهما.
الخلوة قد عرفت مدتها وهي شهر وذلك الشهر كان رمضان .
والتزود استصحاب الزاد .
قوله :حتى جاءه الحق أي الأمر الحق وفي التفسير حتى فجئه الحق بكسر الجيم أي بغته. وقد ثبت في صحيح مسلم من وجه آخر عن عائشة مرفوعا لم أره يعني جبريل على صورته التي خلق عليها الا مرتين وبين أحمد في حديث بن مسعود أن الأولى كانت عند سؤاله إياه أن يريه صورته التي خلق عليها والثانية عند المعراج .
قيل له :أقرأ بأسم ربك) أي لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك لكن يحول ربك وإعانته فهو يعلمك كما خلقك وكما نزع عنك علق الدم وغمز الشيطان في الصغر وعلم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية ذكره السهيلي وقال غيره أن هذا التركيب وهو قوله ما أنا بقارئ يفيد الاختصاص ورده الطيبي بأنه إنما يفيد التقوية والتأكيد والتقدير لست بقارئ البتة.
قوله :فغطنى كأنه أراد ضمنى وعصرني والغط حبس النفس ومنه غطة في الماء أو أراد عمني ومنه الخنق.
قوله :حتى بلغ مني الجهد روى بالفتح والنصب أي بلغ الغط مني غاية وسعى وروى بالضم والرفع أي بلغ مني الجهد مبلغه .
وقوله: أرسلني أي أطلقني.
قوله: فرجع بها أي بالآيات أو بالقصة .
قوله :فزملوه أي لفوه والروع بالفتح الفزع .
قوله: لقد خشيت على نفسي دل هذا مع قوله يرجف فؤاده على انفعال حصل له من مجيء الملك ومن ثم قال زملوني قوله فقالت خديجة كلا معناها النفي والأبعاد ويحزنك بفتح أوله والزاي المضمومة والنون من الحزن ولغير أبي ذر بضم أوله والخاء المعجمة والزاي المكسورة ثم الياء الساكنة من الخزى ثم استدلت على ما أقسمت عليه من نفى ذلك أبدا بأمر استقرائي وصفته بأصول مكارم الأخلاق لأن الإحسان إما إلى الاقارب أو إلى الاجانب وإما بالبدن أو بالمال وإما على من يستقل بأمره أو من لا يستقل وذلك كله مجموع فيما وصفته به .
والكل بفتح الكاف هو من لا يستقل بأمره كما قال الله تعالى:وهو كل على مولاه.
وقولها وتكسب المعدوم وتكسب بضم أوله وعليها أي الفقير .
والكسب هو الاستفادة فكأنها قالت إذا رغب غيرك أن يستفيد مالا موجودا رغبت أنت أن تستفيد رجلا عاجزا فتعاونه .
وفي هذه القصة من الفوائد ستحباب تأنيس من نزل به أمر بذكر تيسيره عليه وتهوينه لديه وأن من نزل به أمر استحب له أن يطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه.
قوله :فانطلقت به أي مضت معه فالباء للمصاحبة وورقة بفتح الراء وقوله بن عم خديجة .
قوله:تنصر أي صار نصرانيا وكان قد خرج هو وزيد بن عمرو بن نفيل لما كرها عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين فأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصر وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل ولهذا أخبر بشأن النبي صلى الله عليه وسلم والبشارة به إلى غير ذلك مما أفسده أهل التبديل.
قوله: فكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية وفي رواية يونس ومعمر ويكتب من الإنجيل بالعربية لأن ورقة تعلم اللسان العبراني والكتابة العبرانية فكان يكتب الكتاب العبراني كما كان يكتب الكتاب العربي لتمكنه من الكتابين واللسانين وإنما وصفته بكتابة الإنجيل دون حفظه لأن حفظ التوراة والإنجيل لم يكن متيسرا كتيسر حفظ القرآن الذي خصت به هذه الأمة فلهذا جاء في صفتها أناجيلها صدورها.
قولها: يا بن عم هذا النداء على حقيقته .
وقالت :في حق النبي صلى الله عليه وسلم أسمع من بن أخيك لأن والده عبد الله بن عبد المطلب وورقة في عدد النسب إلى قصي بن كلاب الذي يجتمعان فيه سواء فكان من هذه الحيثية في درجة إخوته أو قالته على سبيل التوقير لسنه وفيه إرشاد إلى أن صاحب الحاجة يقدم بين يديه من يعرف بقدره ممن يكون أقرب منه إلى المسئول وذلك مستفاد من قول خديجة لورقة أسمع من بن أخيك أرادت بذلك أن يتأهب لسماع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أبلغ في التعليم .
قوله :هذا الناموس الذي نزل الله على موسى
الناموس صاحب السر والمراد بالناموس هنا جبريل عليه السلام .
وقوله على موسى ولم يقل على عيسى مع كونه نصرانيا لأن كتاب موسى عليه السلام مشتمل على أكثر الأحكام بخلاف عيسى .
قوله: يا ليتني فيها جذع جذعا بالنصب والجذع بفتح الجيم والذال المعجمة هو الصغير من البهائم كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابا ليكون أمكن لنصره وبهذا يتبين سر وصفه بكونه كان كبيرا أعمى.
قوله :إذ يخرجك ويظهر لي أن التمنى ليس مقصودا على بابه بل المراد من هذا التنبيه على صحة ما أخبره به والتنويه بقوة تصديقه فيما يجيء به .
قوله :أو مخرجي هم بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها جمع مخرج واستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوه لأنه لم يكن فيه سبب يقتضى الإخراج لما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق التي تقدم من خديجة وصفها .
قوله: إلا عودي فذكر ورقة أن العلة في ذلك مجيئه له بالانتقال عن مألوفهم ولأنه علم من الكتب أنهم لا يجيبونه إلى ذلك وأنه يلزمه لذلك منابذتهم ومعاندتهم فتنشأ العداوة من ثم وفيه دليل على أن المجيب يقيم الدليل على ما يجيب به إذا اقتضاه .
قوله ]إن يدركني يومك يعني يوم الإخراج.
قوله: مؤزرا بهمزة أي قويا مأخوذ من الأزر وهو القوة .
قوله: ثم لم ينشببفتح الشين المعجمة أي لم يلبث وأصل النشوب التعلق أي لم يتعلق بشيء من الأمور حتى مات
قوله: وفتر الوحي وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان وكان ذلك ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع وليحصل له التشوف إلى العود
شرح الحديث الثالث من صحيح البخاري (زملوني زملوني )
3- حدثنا يحيى بن بكير قال: حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ، قال: (ما أنا بقارىء). قال: (فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارىء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم}). فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: (زملوني زملوني). فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: (لقد خشيت على نفسي). فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
الشرح:
والرؤيا الصالحة في التفسيرالصادقه وهي التي ليس فيها ضغث وبدىء بذلك ليكون تمهيدا وتوطئة لليقظة ثم مهد له في اليقظة أيضا رؤية الضوء وسماع الصوت وسلام الحجر.
قوله :في النوم لزيادة الإيضاح أو ليخرج رؤيا العين في اليقظة .
قوله:مثل فلق الصبحضياؤه وخص بالتشبيه لظهوره الواضح الذي لا شك فيه.
قوله :حبب لم يسم فاعله لعدم تحقق الباعث على ذلك وأن كان كل من عند الله أو لينبه على أنه لم يكن من باعث البشر أو يكون ذلك من وحي الإلهام والخلاء بالمد الخلوة والسر فيه أن الخلوة فراغ القلب لما يتوجه له .
وحراء بالمد وكسر أوله هو جبل معروف بمكة والغار نقب في الجبل وجمعه غيران.
قوله :فيتحنث هي بمعنى يتحنف أي يتبع الحنيفية وهي دين إبراهيم والفاء تبدل ثاء في كثير من كلامهم. أو التحنث إلقاء الحنث وهو الإثم كما قيل يتأثم ويتحرج ونحوهما.
الخلوة قد عرفت مدتها وهي شهر وذلك الشهر كان رمضان .
والتزود استصحاب الزاد .
قوله :حتى جاءه الحق أي الأمر الحق وفي التفسير حتى فجئه الحق بكسر الجيم أي بغته. وقد ثبت في صحيح مسلم من وجه آخر عن عائشة مرفوعا لم أره يعني جبريل على صورته التي خلق عليها الا مرتين وبين أحمد في حديث بن مسعود أن الأولى كانت عند سؤاله إياه أن يريه صورته التي خلق عليها والثانية عند المعراج .
قيل له :أقرأ بأسم ربك) أي لا تقرؤه بقوتك ولا بمعرفتك لكن يحول ربك وإعانته فهو يعلمك كما خلقك وكما نزع عنك علق الدم وغمز الشيطان في الصغر وعلم أمتك حتى صارت تكتب بالقلم بعد أن كانت أمية ذكره السهيلي وقال غيره أن هذا التركيب وهو قوله ما أنا بقارئ يفيد الاختصاص ورده الطيبي بأنه إنما يفيد التقوية والتأكيد والتقدير لست بقارئ البتة.
قوله :فغطنى كأنه أراد ضمنى وعصرني والغط حبس النفس ومنه غطة في الماء أو أراد عمني ومنه الخنق.
قوله :حتى بلغ مني الجهد روى بالفتح والنصب أي بلغ الغط مني غاية وسعى وروى بالضم والرفع أي بلغ مني الجهد مبلغه .
وقوله: أرسلني أي أطلقني.
قوله: فرجع بها أي بالآيات أو بالقصة .
قوله :فزملوه أي لفوه والروع بالفتح الفزع .
قوله: لقد خشيت على نفسي دل هذا مع قوله يرجف فؤاده على انفعال حصل له من مجيء الملك ومن ثم قال زملوني قوله فقالت خديجة كلا معناها النفي والأبعاد ويحزنك بفتح أوله والزاي المضمومة والنون من الحزن ولغير أبي ذر بضم أوله والخاء المعجمة والزاي المكسورة ثم الياء الساكنة من الخزى ثم استدلت على ما أقسمت عليه من نفى ذلك أبدا بأمر استقرائي وصفته بأصول مكارم الأخلاق لأن الإحسان إما إلى الاقارب أو إلى الاجانب وإما بالبدن أو بالمال وإما على من يستقل بأمره أو من لا يستقل وذلك كله مجموع فيما وصفته به .
والكل بفتح الكاف هو من لا يستقل بأمره كما قال الله تعالى:وهو كل على مولاه.
وقولها وتكسب المعدوم وتكسب بضم أوله وعليها أي الفقير .
والكسب هو الاستفادة فكأنها قالت إذا رغب غيرك أن يستفيد مالا موجودا رغبت أنت أن تستفيد رجلا عاجزا فتعاونه .
وفي هذه القصة من الفوائد ستحباب تأنيس من نزل به أمر بذكر تيسيره عليه وتهوينه لديه وأن من نزل به أمر استحب له أن يطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه.
قوله :فانطلقت به أي مضت معه فالباء للمصاحبة وورقة بفتح الراء وقوله بن عم خديجة .
قوله:تنصر أي صار نصرانيا وكان قد خرج هو وزيد بن عمرو بن نفيل لما كرها عبادة الأوثان إلى الشام وغيرها يسألون عن الدين فأما ورقة فأعجبه دين النصرانية فتنصر وكان لقي من بقي من الرهبان على دين عيسى ولم يبدل ولهذا أخبر بشأن النبي صلى الله عليه وسلم والبشارة به إلى غير ذلك مما أفسده أهل التبديل.
قوله: فكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية وفي رواية يونس ومعمر ويكتب من الإنجيل بالعربية لأن ورقة تعلم اللسان العبراني والكتابة العبرانية فكان يكتب الكتاب العبراني كما كان يكتب الكتاب العربي لتمكنه من الكتابين واللسانين وإنما وصفته بكتابة الإنجيل دون حفظه لأن حفظ التوراة والإنجيل لم يكن متيسرا كتيسر حفظ القرآن الذي خصت به هذه الأمة فلهذا جاء في صفتها أناجيلها صدورها.
قولها: يا بن عم هذا النداء على حقيقته .
وقالت :في حق النبي صلى الله عليه وسلم أسمع من بن أخيك لأن والده عبد الله بن عبد المطلب وورقة في عدد النسب إلى قصي بن كلاب الذي يجتمعان فيه سواء فكان من هذه الحيثية في درجة إخوته أو قالته على سبيل التوقير لسنه وفيه إرشاد إلى أن صاحب الحاجة يقدم بين يديه من يعرف بقدره ممن يكون أقرب منه إلى المسئول وذلك مستفاد من قول خديجة لورقة أسمع من بن أخيك أرادت بذلك أن يتأهب لسماع كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أبلغ في التعليم .
قوله :هذا الناموس الذي نزل الله على موسى
الناموس صاحب السر والمراد بالناموس هنا جبريل عليه السلام .
وقوله على موسى ولم يقل على عيسى مع كونه نصرانيا لأن كتاب موسى عليه السلام مشتمل على أكثر الأحكام بخلاف عيسى .
قوله: يا ليتني فيها جذع جذعا بالنصب والجذع بفتح الجيم والذال المعجمة هو الصغير من البهائم كأنه تمنى أن يكون عند ظهور الدعاء إلى الإسلام شابا ليكون أمكن لنصره وبهذا يتبين سر وصفه بكونه كان كبيرا أعمى.
قوله :إذ يخرجك ويظهر لي أن التمنى ليس مقصودا على بابه بل المراد من هذا التنبيه على صحة ما أخبره به والتنويه بقوة تصديقه فيما يجيء به .
قوله :أو مخرجي هم بفتح الواو وتشديد الياء وفتحها جمع مخرج واستبعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرجوه لأنه لم يكن فيه سبب يقتضى الإخراج لما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق التي تقدم من خديجة وصفها .
قوله: إلا عودي فذكر ورقة أن العلة في ذلك مجيئه له بالانتقال عن مألوفهم ولأنه علم من الكتب أنهم لا يجيبونه إلى ذلك وأنه يلزمه لذلك منابذتهم ومعاندتهم فتنشأ العداوة من ثم وفيه دليل على أن المجيب يقيم الدليل على ما يجيب به إذا اقتضاه .
قوله ]إن يدركني يومك يعني يوم الإخراج.
قوله: مؤزرا بهمزة أي قويا مأخوذ من الأزر وهو القوة .
قوله: ثم لم ينشببفتح الشين المعجمة أي لم يلبث وأصل النشوب التعلق أي لم يتعلق بشيء من الأمور حتى مات
قوله: وفتر الوحي وفتور الوحي عبارة عن تأخره مدة من الزمان وكان ذلك ليذهب ما كان صلى الله عليه وسلم وجده من الروع وليحصل له التشوف إلى العود
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحديث الرابع من صحيح البخاري ( يا أيها المدثر )
- قال ابن شهاب: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال، وهو يحدث عن فترة الوحي، فقال في حديثه: (بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى: {يا أيها المدثر. قم فأنذر - إلى قوله - والرجز فاهجر} فحمي الوحي وتتابع).
الشرح :
دل قوله عن فترة الوحي وقوله الملك الذي جاءني بحراء على تأخر نزول سورة المدثر عن أقرأ .
قوله بضم الراء وكسر العين وللأصيلي بفتح الراء وضم العين أي فزعت دل على بقية بقيت معه من الفزع الأول ثم زالت بالتدريج .
قوله وفي رواية يونس دثروني فنزلت أي حذر من العذاب من لم يؤمن بك أي عظم أي من النجاسه وقيل الثياب النفس وتطهيرها اجتناب النقائص والرجز هنا الأوثان والرجز في اللغة العذاب وسمي الأوثان هنا رجز لأنها سببه .
قوله أي جاء كثيرا وفيه مطابقة لتعبيره عن تأخره بالفتور إذ لم ينته إلى انقطاع كلي فيوصف بالضد وهو البرد .
قولهتأكيد معنوي ويحتمل أن يراد بحمى قوي وتتابع تكاثر والتواتر مجيء الشيء يتلو بعضه بعضا من غير تخلل .
وماتت خديجة قبل أن تفرض الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم قال البخاري يعني قصب اللؤلؤ .
ورد في رواية أخرى بدل يرجف فؤائده ترجف بوادره .
قوله والبوادر جمع بادرة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق تضطرب عند فزع الإنسان .
تم بحمد الله .
الحديث الرابع من صحيح البخاري ( يا أيها المدثر )
- قال ابن شهاب: وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أن جابر بن عبد الله الأنصاري قال، وهو يحدث عن فترة الوحي، فقال في حديثه: (بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فأنزل الله تعالى: {يا أيها المدثر. قم فأنذر - إلى قوله - والرجز فاهجر} فحمي الوحي وتتابع).
الشرح :
دل قوله عن فترة الوحي وقوله الملك الذي جاءني بحراء على تأخر نزول سورة المدثر عن أقرأ .
قوله بضم الراء وكسر العين وللأصيلي بفتح الراء وضم العين أي فزعت دل على بقية بقيت معه من الفزع الأول ثم زالت بالتدريج .
قوله وفي رواية يونس دثروني فنزلت أي حذر من العذاب من لم يؤمن بك أي عظم أي من النجاسه وقيل الثياب النفس وتطهيرها اجتناب النقائص والرجز هنا الأوثان والرجز في اللغة العذاب وسمي الأوثان هنا رجز لأنها سببه .
قوله أي جاء كثيرا وفيه مطابقة لتعبيره عن تأخره بالفتور إذ لم ينته إلى انقطاع كلي فيوصف بالضد وهو البرد .
قولهتأكيد معنوي ويحتمل أن يراد بحمى قوي وتتابع تكاثر والتواتر مجيء الشيء يتلو بعضه بعضا من غير تخلل .
وماتت خديجة قبل أن تفرض الصلاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم قال البخاري يعني قصب اللؤلؤ .
ورد في رواية أخرى بدل يرجف فؤائده ترجف بوادره .
قوله والبوادر جمع بادرة وهي اللحمة التي بين المنكب والعنق تضطرب عند فزع الإنسان .
تم بحمد الله .
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح الحديث الخامس من صحيح البخاري
5 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا موسى بن أبي عائشة قال: حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله تعالى: .
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه - فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه - فأنزل الله تعالى . قال: جمعه له في صدرك وتقرأه قال: فاستمع له وأنصت)"]ثم إن علينا بيانه ثم إن علينا أن تقرأه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه.
الشــــــرح :
قوله كان يعالج المعالجة محاولة الشيء بمشقة
قوله فقال بن عباس فأنا احركهما جملة معترضة بالفاء وفائدة هذا زيادة البيان في الوصف على القول وعبر في الأول بقوله كان يحركهما وفي الثاني برأيت لأن بن عباس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لأن سورة القيامة مكية باتفاق بل الظاهر أن نزول هذه الآيات كان في أول الأمر وإلى هذا جنح البخاري في إيراده هذا الحديث في بدء الوحي ولم يكن بن عباس إذ ذاك ولد لأنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين لكن يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك بعد أو بعض الصحابة أخبره أنه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم والأول هو الصواب فقد ثبت ذلك صريحا في مسند أبي داود الطيالسي قال حدثنا أبو عوانة بسنده وأما سعيد بن جبير فرأى ذلك من بن عباس بلا نزاع قوله فحرك شفتيه
وقوله لا تنافى بينهما لأن تحريك الشفتين بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها إلا اللسان يلزم منه تحريك اللسان أو اكتفى بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه لأنه الأصل في النطق
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر إذا لقن القرآن نازع جبريل القراءة ولم يصبر حتى يتمها مسارعة إلى الحفظ لئلا ينفلت منه شيء
ولابن أبي حاتم يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره فأمر بأن ينصت حتى يقضي إليه وحيه ووعد بأنه آمن من تفلته منه بالنسيان أو غيره ونحوه
قوله تعالى أي بالقراءة قوله جمعه لك صدرك كذا في أكثر الروايات وفيه إسناد الجمع إلى الصدر بالمجاز كقوله أنبت الربيع البقل أي أنبت الله في الربيع البقل واللام في لك للتبيين أو للتعليل
وقال في تفسير فاتبع أي فاستمع وأنصت
وفي تفسير بيانه أي علينا أن تقرأه ويحتمل أن يراد بالبيان بيان مجملاته وتوضيح مشكلاته فيستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب والله أعلم
الشرح من كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري
شرح الحديث الخامس من صحيح البخاري
5 - حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عوانة قال: حدثنا موسى بن أبي عائشة قال: حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله تعالى: .
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه - فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركهما، وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه - فأنزل الله تعالى . قال: جمعه له في صدرك وتقرأه قال: فاستمع له وأنصت)"]ثم إن علينا بيانه ثم إن علينا أن تقرأه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه.
الشــــــرح :
قوله كان يعالج المعالجة محاولة الشيء بمشقة
قوله فقال بن عباس فأنا احركهما جملة معترضة بالفاء وفائدة هذا زيادة البيان في الوصف على القول وعبر في الأول بقوله كان يحركهما وفي الثاني برأيت لأن بن عباس لم ير النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة لأن سورة القيامة مكية باتفاق بل الظاهر أن نزول هذه الآيات كان في أول الأمر وإلى هذا جنح البخاري في إيراده هذا الحديث في بدء الوحي ولم يكن بن عباس إذ ذاك ولد لأنه ولد قبل الهجرة بثلاث سنين لكن يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك بعد أو بعض الصحابة أخبره أنه شاهد النبي صلى الله عليه وسلم والأول هو الصواب فقد ثبت ذلك صريحا في مسند أبي داود الطيالسي قال حدثنا أبو عوانة بسنده وأما سعيد بن جبير فرأى ذلك من بن عباس بلا نزاع قوله فحرك شفتيه
وقوله لا تنافى بينهما لأن تحريك الشفتين بالكلام المشتمل على الحروف التي لا ينطق بها إلا اللسان يلزم منه تحريك اللسان أو اكتفى بالشفتين وحذف اللسان لوضوحه لأنه الأصل في النطق
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في ابتداء الأمر إذا لقن القرآن نازع جبريل القراءة ولم يصبر حتى يتمها مسارعة إلى الحفظ لئلا ينفلت منه شيء
ولابن أبي حاتم يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره فأمر بأن ينصت حتى يقضي إليه وحيه ووعد بأنه آمن من تفلته منه بالنسيان أو غيره ونحوه
قوله تعالى أي بالقراءة قوله جمعه لك صدرك كذا في أكثر الروايات وفيه إسناد الجمع إلى الصدر بالمجاز كقوله أنبت الربيع البقل أي أنبت الله في الربيع البقل واللام في لك للتبيين أو للتعليل
وقال في تفسير فاتبع أي فاستمع وأنصت
وفي تفسير بيانه أي علينا أن تقرأه ويحتمل أن يراد بالبيان بيان مجملاته وتوضيح مشكلاته فيستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب والله أعلم
الشرح من كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري
الصفحة الأخيرة
1 - باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقول الله جل ذكره: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} /النساء: 163/.
1 - حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال: أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي: أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه علىالمنبر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو إلى امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه).
هذا الحديث أصل عظيم في الدين ، وموضوعه الإخلاص في العمل وبيان اشتراط النية وأثر ذلك، وبه صدر البخاري كتابه الصحيح وأقامه مقام الخطبة له إشارة إلى أن كل عمل لا يراد به وجه الله فهو باطل لا ثمرة له في الدنيا والآخرة. وهو أحد الأحاديث التي يدور الدين عليها قال الشافعي هذا الحديث ثلث العلم ويدخل في سبعين بابا من الفقه وقال أحمد أصل الإسلام على ثلاثة أحاديث حديث عمر الأعمال بالنيات وحديث عائشة من أحدث في أمرنا هذا وحديث النعمان بن بشير الحلال بين والحرام بين. وفي الحديث مسائل:
الأولى :قوله (إنما الأعمال بالنيات) هذا يقتضي الحصر والمعنى إنما الأعمال صالحة أو فاسدة أو مقبولة أو مردودة بالنيات ، فيكون خبرا عن حكم الأعمال الشرعية فلا تصح ولا تحصل إلا بالنية ومدارها بالنية.وقوله (وإنما لكل امرئ بالنية) إخبار أنه لا يحصل له من عمله إلا مانواه به فإن نوى خيرا جوزي به وإن نوى شرا جوزي به وإن نوى مباحا لم يحصل له ثواب ولا عقاب ، وليس هذا تكرير محض للجملة الأولى فإن الجملة الأولى دلت على صلاح العمل وفساده والثانية دلت على ثواب العامل وعقابه .
الثانية : النية (لغة) القصد والعزيمة.و(اصطلاحا) هي القصد للعمل تقربا إلى الله وطلبا لمرضاته وثوابه. وتطلق النية في كلام العلماء على معنيين: نية المعمول له: أي تمييز المقصود بالعمل هل هو الله وحده لا شريك به أم غيره أم الله وغيره ، وهذا المعنى يتكلم فيه العارفون في كتبهم من أهل السلوك الذين يعتنون بالمقاصد والرقائق والإيمانيات.
وهو المقصود غالبا في كلام الله بلفظ النية والإرادة فال تعالى (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) وكذلك هو المقصود غالبا في السنة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من غزا في سبيل الله ولم ينو إلا عقالا فله مانوى) رواه أحمد ، وهذا كثير في كلام السلف قال عمر "لا عمل لمن لا نية له ولا أجر لمن لا حسبة له " وقال يحي بن أبي كثير "تعلموا النية فإنها أبلغ من العمل" وقال سفيان الثوري"ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي لأنها تتقلب علي" .
2- نية العمل: أي تمييز العمل ، فلا تصح الطهارة بأنواعها ولا الصلاة والزكاة والصوم والحج وجميع العبادات إلا بقصدها ونيتها ، فينوي تلك العبادة المعينة، وإذا كانت العبادة تحتوي على أجناس وأنواع كالصلاة منها الفرض والنفل المعين والنفل المطلق ، فالمطلق منه يكفي فيه أن ينوي الصلاة ،وأما المعين من فرض ونفل فلا بد مع نية الصلاة أن ينوي ذلك المعين وهكذا بقية العبادات.
والأمر الثاني: تمييز العبادة عن العادة ،فمثلا الإغتسال يقع نظافة أو تبرد ويقع عن الحدث الأكبر وعن غسل الميت وللجمعة ونحوها ،فلا بد أن ينوي فيه رفع الحدث أو ذلك الغسل المستحب ،وكذلك يخرج الإنسان الدراهم مثلا للزكاة أو الكفارة أو للنذر أو للصدقة المستحبة أو للهدية فالعبرة في ذلك كله على النية ،وكذلك صور ومسائل المعاملات العبرة نيته وقصده لا ظاهر عمله ولفظه .ويدخل في ذلك جميع الوسائل التي يتوسل بها إلى مقاصدها فإن الوسائل لها أحكام المقاصد صالحة أو فاسدة والله يعلم المصلح من المفسد.
الثالثة :قوله"فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله"ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم مثالا من الأعمال التي يختلف صلاحها وفسادها باختلاف النيات ،وكأنه يقول سائر الأعمال تقاس على هذا المثال .والهجرة هي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من هاجر إلى دار الإسلام حبا لله ورسوله ورغبة في إظهار دينه حيث كان يعجز عنه في دار الشرك فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله حقا ،ومن كان مهاجرا لغرض إصابة الدنيا أو نكاح المرأة فهذا مهاجر لأجل الدنيا وليس لأجل الآخرة ولا يؤجر على ذلك،وفي قوله "إلى ما هاجر إليه" تحقير لما طلبه من أمر الدنيا واستهانة به.وسائر الأعمال كالهجرة في هذا كالجهاد والحج وغيرها ،ففي الصحيحين عن أبي موسى "أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه فمن في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " ، وقد ورد الوعيد في تعلم العلم لغير وجه الله كما أخرجه أحمد من حديث أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" يعني ريحها.
ينقسم العمل بالنسبة للرياء من حيث حكمه إلى ثلاثة أقسام:الرابعة
1-أن يكون أصل العمل رياء خالصا بحيث لا يراد به إلا مراءاة المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم قال تعالى(وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ) وهذا الرياء الخالص لا يصدر من مؤمن حقا وهذا العمل حابط وصاحبه مستحق للمقت والعقوبة.
2-أن يكون العمل لله ويشاركه الرياء في أصله فالنصوص الصريحة تدل على بطلانه وحبوطه أيضا ،ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يقول الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" ،ولا يعرف عن السلف في هذا القسم خلاف بينهم.
3-أن يكون أصل العمل لله ثم يطرأ عليه نية الرياء فإن كان خاطرا ودفعه فلا يضره بغير خلاف وإن استجاب له فهل يحبط عمله أم لا:الصحيح أن أصل عمله لا يبطل بهذا الرياء وأنه يجازى بنيته الأولى ورجحه أحمد والطبري ،وإنما يبطل من عمله ما خالطه الرياء.
أما إذا خالط نية العمل نية غير الرياء مثل أخذ الأجرة للخدمة أو شيء من المعاوضة في الجهاد أو التجارة في الحج نقص بذلك الأجر ولم يبطل العمل قال أحمد : التاجر والمستأجر والمكاري أجرهم على قدر ما يخلص من نيتهم في غزاتهم ولا يكون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره.
وليس من الرياء فرح المؤمن بفضل الله ورحمته حين سماع ثناء الناس على عمله الصالح فإذا استبشر بذلك لم يضره لما روى أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير ويحمده الناس عليه فقال:تلك عاجل بشرى المؤمن "رواه مسلم .
الخامسة :تتفاضل الأعمال ويعظم ثوابها بحسب ما يقوم بقلب العامل من الإيمان والإخلاص ،حتى إن صاحب النية الصادقة إذا عجز عن العمل يلتحق بالعامل في الأجر قال الله تعالى( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) وفي الصحيح مرفوعا "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحا مقيما" وفيه أيضا "إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر" . وإذا هم العبد بالخير ثم لم يقدر له العمل كتبت همته ونيته حسنة كاملة ففي سنن النسائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم ويصلي من الليل فغلبته عينه حتى أصبح كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من ربه".
السادسة :تجري النية في المباحات والأمور الدنيوية ،فمن نوى بكسبه وعمله الدنيوي الإستعانة بذلك على القيام بحق الله وحقوق الخلق واستصحب هذه النية الصالحة في أكله وشربه ونومه وجماعه انقلبت العادات في حقه إلى عبادات وبارك الله في عمله وفتح له من أبواب الخير والرزق أمورا لا يحتسبها ولا تخطر له على بال ،ومن فاتته هذه النية لجهله أو تهاونه فقد حرم خيرا عظيما ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لسعد بن أبي وقاص "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك" وقال ابن القيم "إن خواص المقربين هم الذين انقلبت المباحات في حقهم إلى طاعات وقربات بالنية فليس في حقهم مباح متساوي الطرفين بل كل أعمالهم راجحة".
السابعة :الهجرة في سبيل الله من أجل الطاعات وأعظم القربات ، وهذه الشعيرة باقية إلى قيام الساعة، وتنقسم الهجرة باعتبار حكمها إلى قسمين:
1-هجرة واجبة وهي الإنتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام قال الله تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) وتسقط الهجرة عن العاجز عنها قال تعالى (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا).
2-هجرة مستحبة وهي الإنتقال من بلد البدعة إلى بلد السنة ومن المعصية إلى الطاعة ، وقد كان كثير من السلف يهاجر لذلك.
• وتجوز الإقامة في بلد الكفر على الصحيح من أقوال أهل العلم بشروط:
1-أن يكون قادرا على إظهار شعائر الدين .
2-أن يأمن الفتنة على دينه .
3-أن يأمن الفساد على أهله وولده.
فإن خشي ذلك وغلب على ظنه فلا يجوز ، ومع ذلك فإن الأحوط للمؤمن عدم الإقامة في بلد الكفر إلا أن تكون المصلحة راجحة في بقائه كاشتغاله بالدعوة والتعليم وله كلمة وتأثير في الناس .
ولا يجوز مطلقا الإقامة في بلد الكفر مع انتفاء الشروط أو بعضها لغرض طلب الرزق والتوسع في المعاش أو غير ذلك ، وقد فرط بعض المسلمين هداهم الله ، ومن فعل ذلك فقد ارتكب جرما عظيما وعرض نفسه للخطر وهو باق على دينه لا يكفر إلا إذا حصل منه ما يوجب ردته والله المستعان.
بقلم : خالد بن سعود البليهد
عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة