الأقحوانية
الأقحوانية
نعرض إن شاء الله لجملة من احكام الرؤى والأحلام بصورة سهلة ومبسطة :


معنى الرؤيا ، والحُلْم :


الرؤيـــا :
ما يراه الإنسان في نومه ، وجمعها (رُؤىً)
أما الرؤية بالتاء المربوطة ، فقد قال الراغب() : إدراك المرء بحاسة البصر (بمعنى: ما يراه الإنسان بالعين) .
وتطلق على ما يدرك بالتخيل ، نحو : أرى أن زيدا مسافر ، وعلى التفكر النظري ، نحو : (إني أرى ما لا ترون) وعلى الرأي ، وهو : اعتقاد أحد النقيضين على غلبة الظن . انتهى

والحُــلْـمُ() :
بضم الحاء ، يعني الرؤيا ، أي مايراه الإنسان في نومه أيضا ، وجمعه (أحلام)
فالرؤيا والحُلم بمعنى واحد ، إلا أنَّ النبي r قد فرَّقَ بينهما() ، فجعل الرؤيا في الخير ، وهي من الله ، أما الحُلم فجعله في الشر ومن الشيطان.

قال ابن الجوزي رحمه الله(): اعلم أن الرؤيا والحلم بمعنى واحد ، غير أن صاحب الشرع ، خصَّ الخيرَ باسم الرؤيا ، والشرَ باسم الحُلم .
قال ابن حجر رحمه الله(): وظاهر قوله r" الْرُؤيا مِن اللهِ ، والْحُلْمُ مِن الشَّيْطَانِ " ()
أن التي تُضاف إلى الله لا يُقال لها حُلم ، والتي تُضاف للشيطان لا يُقال لها رؤيا ، وهو تصرف شرعي ، وإلا فالكل يُسمى رؤيا ، وقد جاء في حديث آخر

(الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ)() فأطلق على كلٍ رؤيا .

بيان لمعنى بعض الكلمات :

- تعبير الرؤيا أو عبارة الرؤيا : أي تفسير الرؤيا .
قال المناوي رحمه الله(): التعبير مُخْتص بتفسير الرؤيا ، وهو العبور من ظواهرها إلى بواطنها ، وهو أخص من التأويل، فإن التأويل: يُقال فيه (أي : في تفسير الرؤيا) وفي غيره.

- مُعَبِرُ أو عَابر الرؤيا : يُقصد بهذا : مُفسر الرؤيا .

قال في القاموس (): عبَرَ الرُّؤيا عَبْراً وعِبارةً وعَبَّرَها : فَسَّرَها وأخْبَرَ بآخِرِ ما يَؤُولُ إليه أمْرُها . واسْتَعْبَرَه إيَّاها : سَألَه عَبْرَها .
وفي المصباح() : ( عَبَرْتُ ) الرؤيا ( عَبْرًا ) أيضا و ( عِبَارَةً ) فسرتها و بالتثقيل مبالغة وفي التنزيل ( إِنْ كُنْتُمْ للرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ )

يقال() : عَبَرتُ الرُّؤْيا أعبُرُها عَبْراً وعَبَّرتُها تَعْبيراً إذا أوّلْتَها وفَسَّرتها وخَبَّرت بآخِر مَا يؤَول إليه أمرُها .
يقال : هو عَابِرُ الرُّؤْيا وعابرٌ للرُّؤْيَا وهذه اللام تُسَمى لاَمَ التَّعْقِيب لأنَّها عَقَّبَت الإضافَة.
وقال ابن منظور رحمه الله(): قيل لعابر الرؤيا : عابر ؛ لأنه يتأمل ناحيتي الرؤيا()، فيتفكر في أطرافها ، ويتدبر كل شيء منها ، ويمضي بفكره فيها ، من أول ما رأى النائم إلى آخره

- أضغاث أحلام : الأضغاث مفردها : الضِّغْث ، وهو الشيء المختلط في بعضه فلا يتضح ، أو الشيء الذي التبس بعضه ببعض.
فأضغاث أحلام : بمعنى الأحلام التي لا تأويل لها ولا خير فيها لاختلاطها ، ودخول بعضها في بعض.
فقوله تعالى : (قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ) {أي: رؤياك أخلاط() (ملتبسة) ليست برؤية بَيِّنةٍ.

- الحِلْمُ (): الحلم بالكسر الأناة والصفح ، فالحليم الذي لا يستفزه غضب ، ولا يستخفه جهل جاهل ولا عصيان عاص. ولا يستحق الصافح مع العجز اسم الحلم

وقال المناوي رحمه الله (): الحلم احتمال الأعلى الأذى من الأدنى ، وهو ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب ، وعَبَّرَ عنه بعضهمبالطمأنينة عند الغضب.


أقسام الرؤى والأحلام()

الرؤيا أو الحُلم التي يراها الإنسان في نومه لا تخرج عن ثلاثة أقسام :

1-رؤيا حسنة. 2- حُلم سيء. 3- الأضغاث.

أولاً : الرؤيا الحسنة أو الصالحة أو الصادقة():

هي التي ترى فيه ما تحب، أو ما يمنعك عن شر تريد فعله.

ثانياً :الحلم السيء : هو الذي ترى فيه ما يحزنك ، أو يفزعك.

ثالثاً : الأضغاث : أي الأخلاط : وهي أنواع :

الأول : تلاعب الشيطان بالإنسان ، كأن يرى رأسه قُطعت وهو يتبعه().

الثاني : أن يرى بعض الأفاضل ، أو أهل الصلاح يحرضونه على الشر أو على المحرمات .

الثالث : أن يرى ما يحدث به نفسه أو يتمناه : كأن يشغلك أمر ما ، وتكثر التفكير فيه، فلمَّا تنام تراه في نومك.
أو تكون معتاد على فعل شيء في يقظتك كأن تتناول الطعام في وقت معين، ثم تنام فيه، فترى في منامك أنك تأكل، أو تنام ممتلأ البطن من الطعام، فترى أنك تتقيأ، أو ما شابه ذلك.
فمثل هذا النوع من الأحلام لا تعبير له أو تفسير إنما هو أضغاث أحلام فلا يشغلك. ودليل هذ : عن أبي هريرةt قال رسول الله r : (... الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ ...)()

قال البغوي رحمه الله(): قوله (الرُّؤْيَا ثَلاَثَةٌ) فيه بيان أن ليس كل ما يراه الإنسان في منامه يكون صحيحًا ، ويجوز تعبيره(تفسيره) ، إنما الصحيح منها ما كان من الله عزوجل يأتيك به ملك الرؤيا() من نسخة أم الكتاب ، وما سوى ذلك أضغاث أحلام. انتهى.

للموضوع تتمة إن شاء الله .....

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ

1) فتح الباري لابن حجر ونقل أيضا في الفتح كلام القرطبي في "المفهم" فقال : قال بعض العلماء : قد تجيء الرؤية بمعنى الرؤيا كقوله تعالى (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) فزعم أن المراد بها ما رآه النبي r ليلة الإسراء من العجائب وكان الإسراء جميعه في اليقظة .
قلت : وعكسه بعضهم فزعم أنه حجة لمن قال أن الإسراء كان مناما ، والأول المعتمد وقد تقدم في تفسير الإسراء قول ابن عباس إنها رؤيا عين .
ويحتمل أن تكون الحكمة في تسمية ذلك رؤيا لكون أمور الغيب مخالفة لرؤيا الشهادة فأشبهت ما في المنام

2) قال البغوي رحمه الله في شرح السنة يُقال : حَلَمَ ، يَحْلُم ، حُلماً ، إذا رأى في منامه شيئا ، وحَلُمَ : بضم اللام : يحلُمُ ، حُلما : إذا توقَّرَ فلم يخف بسماع ما يكره=
= وحَلِمَ الأديم (الجلد) بكسر اللام ، يحلَمُ ، إذا فسد قبل الدباغ .
وقال أبو العباس القرطبي في (المفهم) الحُلْم ـ بضم الحاء وسكون اللام _ مصدر حَلَمت ـ بفتح الحاء واللام ـ إذا رأى في منامه رؤيا ، وتُجمع على أحلام في القلَّة ، وفي الكثرة : حلوم ، وإنما جُمِع ، وإن كان مصدراً لاختلاف أنواعه ، وهو في الأصل عبارة عما يراه الرائي في منامه حسناً كان أو مكروها .

3) هذا معنى حديث صحيح ، سيأتي بلفظه ، إن شاء الله.

4) غريب الحديث

5) فتح الباري شرح صحيح البخاري

6) (صحيح) البخاري ، كتاب التعبير

7) هذا جزء من حديث صحيح سيأتي إن شاء الله.

8) التعاريف للمناوي وانظر الفتح فيه قال الحافظ : التعبير خاص بتفسير الرؤيا ، وهو العبور من ظاهرها إلى باطنها ، وقيل النظر في الشيء فيعتبر بعضه ببعض حتى يحصل على فهمه ، حكاه الأزهري ، وبالأول جزم الراغب ، وقال : أصله من العَبْر بفتح ثم سكون وهو التجاوز من حال إلى حال .وخصوا تجاوز الماء بسباحة أو في سفينة أو غيرها بلفظ العُبُور بضمتين.وعَبر القوم إذا ماتوا ، كأنهم جازوا القنطرة من الدنيا إلى الآخرة .
قال : والاعتبار والعبرة الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد.
ويُقالُ : عَبَرتُ الرؤيا بالتخفيف إذا فسرتها ، وعَبَّرتُها بالتشديد للمبالغة في ذلك ، وأما الرؤيا فهي ما يراه الشخص في منامة وهي بوزن فُعْلى.

9) القاموس المحيط ، باب الراء فصل العين

10) المصباح المنير

11) النهاية في غريب الأثر

12) لسان العرب ط دار صادر

13) يقصد بناحيتي الرؤيا : باطنها وظاهرها ، كما يظهر من حال الشخص الذي رآها .

14) تفسير ابن كثير ولسان العرب لابن منظور

15) المطلع للبعلي

16) التعاريف التعريفات الجرجاني وزاد : الحلم : تأخير مكافأة الظالم.

17) ذكر ابن حجر في الفتح أن جميع المرائي تنحصر على قسمين : الصادقة : وهي رؤيا الأنبياء ومن تبعهم من الصالحين ، وقد تقع لغيرهم بندور وهي التي تقع في اليقظة على وفق ما وقعت في النوم ، والأضغاث : وهي لا تنذر بشيء ، وهي أنواع : الأول : تلاعب الشيطان ليحزن الرائي كأن يرى أنه قطع رأسه وهو يتبعه ، أو رأى أنه واقع في هول ، ولا يجد من ينجده ونحو ذلك ، الثاني : أن يرى أن بعض الملائكة تأمره أن يفعل المحرمات مثلا ونحوه من المحال عقلا ، الثالث : أن يرى ما تتحدث به نفسه في اليقظة أو يتمناه فيراه كما هو في المنام ، وكذا رؤية ما جرت به عادته في اليقظة أو ما يغلب على مزاجه ويقع عن المستقبل غالبا وعن الحال كثيرا وعن الماضي قليلا.

18)الرؤيا الصادقة : فهي ما يقع في الواقع كما رآه في النوم ، أو ما يفسر في المنام ، أو يخبر بها ما لا يكذب ، الفتح وسيأتي الحديث عن الرؤيا الصادقة ، إن شاء الله .

19) هذا معنى حديث صحيح سيأتي ذكره إن شاء الله .

20) (صحيح) مسلم أبو داود الترمذي

21) شرح السنة للبغوي ط دار الكتب العلمية

22) سيأتي إن شاء الله ، بيان أنه لا دليل من الشرع على وجود ملك مخصص للرؤيا.
الأقحوانية
الأقحوانية
تابع الإحكام في فقه الرؤى والأحلام
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،


آداب الــــــرؤى



ولكل نوع من هذه الرؤى آداب وسلوكيات يجب أن يراعيها العبد ، حتى يتم له الخير ، إن كانت حسنة ، أو يدفع عنه السوء إن كان الحلم سيئاً.



أولاً : الرؤيا الحسنة أو الصالحة : فَمَنْ أَنْعَمَ الله عليه برؤية حسنة فعليه :

أن يعلم أنها من الله .

وأن يستبشر بها خيراً.

وأن يحمد الله عليها.

وأن يحكيها إن شاء، ولكن لمن يحبه فقط().

ويد ل على ما سبق :

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t: أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ r يَقُولُ : (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ رُؤْيَا يُحِبُّهَا ، فَإِنَّمَا هِيَ مِنْ اللَّهِ ، فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَلَيْهَا وَلْيُحَدِّثْ بِهَا ..)()



وفي لفظ عند مسلم من حديث أبي قتادة t «... فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً فَلْيُبْشِرْ وَلاَ يُخْبِرْ إِلاَّ مَنْ يُحِبُّ »()

الرؤيا الحسنة ، قد لا تتحق ، وقد تكون من تليس الشيطان.



- وقد يرى أحدهم رؤيا حسنة ، ولكنها قد تكون من تلبيس الشيطان وخداعه بالعبد ، وخاصة إذا كان قريب عهد بطاعة ربه ، وقليل العلم ، فيجعله يرى نفسه قد وصل إلى منزلة ، لم يصل غيره لها ، أو أنه أصبح من أهل الجنة ، فينخدع بعمله فيهلك .

عن حارثة بن مضرب : أن رجلا رأى رؤيا : من صلى الليلة في المسجد دخل الجنة ، فخرج عبد الله بن مسعود t وهو يقول : (اخرجُوا ، لا تَغْترُوا ، فَإِنَّمَا هِي نَفْخَةُ شَيْطَانٍ)()

و قال الطبري رحمه الله(): فإن قال قائل: فإن كانت كل رؤيا حسنة وحى من الله وبشرى للمؤمنين، فما باله يرى الرؤيا الحسنة أحيانًا، ولا يجد لها حقيقة فى اليقظة؟


فالجواب: أن الرؤيا مختلفة الأسباب فمنها من وسوسة وتخزين للمؤمن ، ومنها من حديث النفس فى اليقظة فيراه فى نومه ، ومنها ما هو وحى من الله ، فما كان من حديث النفس ووسوسة الشيطان ، فإنه الذي يكذب، وما كان من قبل الله فإنه لا يكذب.


الرؤية الصالحة : من مبشرات النبوة .


عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍt قَالَ كَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ r السِّتَارَةَ وَالنَّاسُ صُفُوفٌ خَلْفَ أَبِى بَكْرٍ t

فَقَالَ « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلاَّ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ ..»()

وفي حديث أبي هريرة قال رسول الله : r (لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلا الْمُبَشِّرَاتُ ، قَالُوا : وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ : الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ)()

قال ابن حجر رحمه الله(): عند قوله : r (لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّبُوَّةِ إِلا الْمُبَشِّرَاتُ)
ظاهر هذا ، مع ما تقدم من أن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة ، أن الرؤيا نبوة ، وليس كذلك ، إذ المراد تشبيه أمر الرؤيا بالنبوة ، أو لأن جزء الشيء لا يستلزم ثبوت وصفه له ، كمن قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، رافعا صوته ، لا يُسمى مؤذنا ، ولا يُقال : أنه أذن ، وإن كانت جزءا من الأذان ، وكذا لو قرأ شيئا من القرآن وهو قائم لا يُسمى مُصليا ، وإن كانت القراءة جزءا من الصلاة .

ويؤيده : حديث أُمِّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةِ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : (ذَهَبَتْ النُّبُوَّةُ ، وَبَقِيَتْ الْمُبَشِّرَاتُ)() أخرجه أحمد وبن ماجة وصححه ابن خزيمة وابن حبان

ولأحمد عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ : (لا يَبْقَى بَعْدِي مِنْ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ ، إِلا الْمُبَشِّرَاتُ)()

وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r (إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدْ انْقَطَعَتْ ، فَلا رَسُولَ بَعْدِي وَلا نَبِيَّ ، قَالَ : فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ ، قَالَ : قَالَ : وَلَكِنْ الْمُبَشِّرَاتُ ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَمَا الْمُبَشِّرَاتُ ؟ قَالَ : رُؤْيَا الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ، وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ)()

قال المهلب : ما حاصله التعبير بالمبشرات خرج للأغلب فإن من الرؤيا ما تكون منذرة وهي صادقة يريها الله للمؤمن رفقا به ليستعد لما يقع قبل وقوعه. انتهى .

وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : } لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا { فَقَالَ : " مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ مُنْذُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُكَ مُنْذُ أُنْزِلَتْ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ "()


الـرؤيــا الصــادقــة

بالجملة : فإن أهل العلم يتفقون على أن الرؤيا الصادقة من الله تعالى ، وأن التصديق بها حق ، وتحتاج إلى التأويل الحسن ، ولا ينبغي أن تُعبر إلا من أهل العلم العارفين بالتأويل ، كما أن فيها من بديع صنع الله ، وجميل لطفه ما يزيد المؤمن فى إيمانه .


الرؤيا الصادقة قسمان :

الأول : رؤيا لا تحتاج إلى تفسير ، كأن يرى الإنسان في نومه شيئاً ما ، ثم يُصبح يراه في الحقيقة كما رآه في النوم.

الثاني : رؤيا تحتاج إلى تفسير ، كأن يرى الإنسان في نومه إشارات أو دلالات ، أو إيحاءات تدل على شيء معين ، يحتاج إلى إدراكها وفهمها ، إعمال العقل والتفكير .

كما أن الرؤيا الصادقة ، ربما لا تكون سارة ، بل قد تأتي محذرة من شيء ، قد يقع بالإنسان فيستعد له ، أو تنبه على محرم هو يقع فيه ، فينتهي عنه .


أصناف الناس في رؤياهم من حيث الصدق والكذب ، وموافقتها للواقع .

1- الأنبياء (): رؤياهم كلها صادقة ، إذ هي وحي من عند الله عز وجل ، وإن احتاجت أحياناً للتفسير. فَعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ : " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ ، فَكَانَ لا يَرَى رُؤْيَا إِلا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ"()

2- الصالحون() : الأغلب في رؤياهم الصدق ، وقد لا تحتاج أحياناً إلى تفسير، فتقع كما يراها.

3- مستورون: بمعنى أن حالهم مع الله وسط، فكذلك يكون ما يرونه في نومهم، وسط بين الصواب والتخليط.

4- الفسقة والمبتدعة: فالغالب على رؤياهم التخليط والكذب، وإن ظهر أحيانا في رؤياه الصدق، فغالبا يكون من الشيطان، ليخدعه بنفسه ويزين له ما هو عليه من الباطل، فيعتقد أنه على خير، ويقول له أمارة ذلك أنك ترى الرؤيا فتقع لك.

5- الكفار : يندر في رؤياهم الصدق، وإن وُجِدَ أحياناً كما كان في رؤيا عزيز مصر، ورؤيا السجينين اللذين كانا مع يوسف u.

قال ابن حجر رحمه الله(): قال أهل العلم بالتعبير :

إذا رأى الكافر أو الفاسق الرؤيا الصالحة ، فإنها تكون بشرى له بهدايته إلى الإيمان مثلا أو التوبة ، أو انذار من بقائه على الكفر أو الفسق . وقد تكون لغيره ممن ينسب إليه من أهل الفضل .

وقد يرى ما يدل على الرضا بما هو فيه ، ويكون من جملة الابتلاء والغرور والمكر ، نعوذ بالله من ذلك .

قال العيني رحمه الله() : معلقا على عنوان البخاري رحمه الله (باب رؤيا أهل السجون والفساد والشرك)
أشار (أي : البخاري رحمه الله) بهذا إلى أن الرؤيا الصالحة معتبرة في حق هؤلاء ، بأنها قد تكون بشرى لأهل السجن بالخلاص ، وإن كان المسجون كافرا تكون بشرى له بهدايته إلى الإسلام ، كما كانت رؤيا الفتيين اللذين حُبِسَا مع يوسف عليه السلام صادقة.

وقال أبو الحسن بن أبي طالب : وفي صدق رؤيا الفتيين حجة على من زعم أن الكافر لا يرى رؤيا صادقة .
وأما رؤيا أهل الفساد فتكون بشرى لهم بالتوبة والرجوع عمَّا هم فيه ، وأما رؤيا الكافر فتكون بشرى له بهدايته إلى الإيمان . انتهى.

،،،، للموضوع تتمة إن شاء الله ......

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ

1) سيأتي بيان سبب تخصيص حكايتها لمن يحبه ، إن شاء الله.

2) (صحيح) البخاري

3) (صحيح) مسلم

4) (صحيح) مصنف ابن أبي شيبة

5) شرح ابن بطال لصحيح البخاري

6) (صحيح) مسلم

7) (صحيح) البخاري

8) فتح الباري لابن حجر

9) (صحيح) مسند أحمد

10) (صحيح) مسند أحمد

11) (صحيح) مسند أحمد

12) (حسن لغيره) سنن الترمذي وله شاهد من حديث عبادة بن الصامت في سنن الترمذي وسنن ابن ماجة مسند احمد

13) رؤيا الأنبياء ، فإنها حق ووحي ، ومن ذلك قول إبراهيم الخليل - عليه السلام - لابنه : (( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)) ومن ذلك رؤيا يوسف عليه السلام حيث قال فيما قص الله سبحانه لنا من خبره : ((يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)) وجاء تأويلها في آخر السورة عند قوله تعالى : ((وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا )).

14) (صحيح) البخاري ، كتاب التعبير

15) قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري قال المهلب: « الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح » إنما يريد عامة رؤيا الصالحين، وهى التى يُرجى صدقها ؛ لأنه قد يجوز على الصالحين الأضغاث فى رؤياهم .

لكن لما كان الأغلب عليهم الخير والصدق وقلة تحكم الشيطان عليهم فى النوم أيضًا، ولما جعل الله فيهم من الصلاح وبقى سائر الناس غير الصالحين تحت تحكم الشيطان عليهم فى=

=النوم؛ مثل تحكمه عليهم فى اليقظة فى ألب أمورهم، وإن كان قد يجوز منهم الصدق فى اليقظة فكذلك يجوز فى رؤياهم الصدق أيضًا.

16) الفتح

17) عمدة القاري شرح صحيح البخاري
الأقحوانية
الأقحوانية
تابع : الإحكام في فقه الرؤى والأحلام :
............................................



الفرق بين رؤيا المؤمن الصادقة ، ورؤيا الكافر الصادقة



قال ابن بطال رحمه الله() : فإن قيل: فإذا رأى الكافر رؤيا صادقة ، فما مَزيه المؤمن عليه فى رؤياه ، ومعنى خصوصه عليه السلام المؤمن بالرؤيا الصادق فى قوله: « يراها الرجل الصالح أو ترى له » ؟.

فالجواب: أن لمنام المؤمن مزية على منام الكافر ، في الإنباء ، والإعلام والفضل ، والإكرام ، وذلك أن المؤمن يجوز أن يُبشر على إحسانه ويُنبأ بقبول أعماله ، ويُحذر من ذنب عمله ، ويُردع من سوء قد أمله ، ويجوز أن يُبشر بنعيم الدنيا وينبأ ببؤسها.
والكافر فإن جاز أن يحذر ويتوعد على كفره فليس عنده ما عند المؤمن من الأعمال الموجبة لثواب الآخرة .

وكل ما بشر به الكافر من حالة وغبط به من أعماله ، فذلك غرور من عدوه ، ولطف من مكائده فنقص لذلك حظه من الرؤيا الصادقة عن حظ المؤمن ؛ لأن النبي عليه السلام حين قال: « رؤيا المؤمن ، ورؤيا الصالح جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة »
لم يذكر فى ذلك كافرًا ولا مبتدعًا ، فأخرجنا لذلك ما يراه الكافر من هذه التقدير والتجزئة ؛ لما فى الأخبار من صريح الشرط لرؤيا المؤمن . انتهى.
الرؤيا الصادقة جزء من أجزاء النبوة :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ tأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ :
« الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ»()



1) شرح صحيح البخاري لابن بطال



2) (صحيح) البخاري قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم وفي رواية : رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ، وفي رواية الرؤيا الصالحة : جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة .
وفي رواية : رؤيا الرجل الصالح جزء من خمسة وأربعين جزءا من النبوة .
وفي رواية : الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءا من النبوة.
فحصل ثلاث روايات : المشهور ستة وأربعين ، والثانية خمسة وأربعين ، والثالثة سبعين جزء.
وفي غير مسلم من رواية ابن عباس : من أربعين جزءا ، وفي رواية : من تسعة وأربعين ، وفي رواية العباس : من خمسين ، ومن رواية ابن عمر : ستة وعشرين ومن رواية عبادة من : أربعة وأربعين .
قلتُ : قال ابن حجر في الفتح أصحها مطلقا رواية (ستة وأربعين جزءا) وانظر الجامع لأحكام القرآن
ثم قال الإمام النووي رحمه الله : قال القاضي : أشار الطبري إلى أن هذا الاختلاف راجع إلى اختلاف حال الرائي ، فالمؤمن الصالح : تكون رؤياه جزءا من ستة وأربعين جزءا ، والفاسق جزءا من سبعين جزءا . (سنذكر كلام الطبري في آخر المسألة)
وقيل المراد : أن الخفي منها جزء من سبعين ، والجلي جزء من ستة وأربعين .
قال الخطابي وغيره : قال بعض العلماء أقام صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ثلاثا وعشرين سنة منها عشر سنين بالمدينة وثلاث عشرة بمكة وكان قبل ذلك ستة أشهر يرى في المنام الوحي وهي جزء من ستة وأربعين جزءا .
قال المازرى : وقيل المراد أن للمنامات شبها مما حصل له وميز به من النبوة بجزء من ستة وأربعين .
قال وقد قدح بعضهم في الأول بأنه لم يثبت أن أمد رؤياه صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ستة أشهر وبأنه رأى بعد النبوة منامات كثيرة فلتضم إلى الأشهر الستة وحينئذ تتغير النسبة .
قال المازرى : هذا الاعتراض الثاني باطل لأن المنامات الموجودة بعد الوحي بإرسال الملك منغمره في الوحي فلم تحسب قال ويحتمل أن يكون المراد أن المنام فيه إخبار الغيب وهو إحدى ثمرات النبوة ، وهو ليس في حد النبوة لأنه يجوز أن يبعث الله تعالى نبيا ليشرع الشرائع ويبين الأحكام ولا يخبر بغيب أبدا ولا يقدح ذلك في نبوته ولا يؤثر في مقصودها وهذا الجزء من النبوة وهو الإخبار بالغيب إذا وقع لا يكون إلا صدقا والله أعلم.
قال الخطابي : هذا الحديث توكيد لأمر الرؤيا وتحقيق منزلتها .
وقال وإنما كانت جزءا من أجزاء النبوة في حق الأنبياء دون غيرهم وكان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم يوحي اليهم في منامهم كما يوحي اليهم في اليقظة . قال الخطابي وقال بعض العلماء معنى الحديث أن الرؤيا تأتي على موافقة النبوة لأنها جزء باقٍ من النبوة والله أعلم.
قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري قال الطبري: والصواب أن يقال إن عامة هذه الأحاديث أو أكثرها صحاح ، ولكل حديث منها مخرج معقول.
فأما قوله: « من سبعين جزءًا من النبوة » . فإن ذلك قول عام فى كل رؤيا صالحة صادقة لكل مسلم رآها فى منامه على أي أحواله كان. وهذا قول ابن مسعود وأبى هريرة والنخعي أن الرؤيا جزء من سبعين جزءًا من النبوة.
وأما قوله (أنها جزء من أربعين أو ستة وأربعين) فإنه يريد بذلك ما كان صاحبها بالحال التي ذكر عن الصديق رضي الله عنه أنه يكون بها. روى ابن وهب عن عمرو بن الحارث أنبكر بن سوادة حدثه أن زياد بن نعيم حدثه أن أبا بكر الصديق كان يقول: لأن يرى الرجل المسلم يسبغ الوضوء رؤيا صالحة أحب إلى من كذا وكذا. =
= قال الطبري: فمن كان من أهل إسباغ الوضوء فى ،والصبر فى الله على المكروهات وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فرؤياه الصالحة إن شاء الله جزء من أربعين جزءًا من النبوة ، ومن كانت حاله فى ذاته بين ذلك فرؤياه الصادقة بين الجزء من الأربعين إلى السبعين لا ينتقص عن سبعين ولا يزاد على الأربعين.
ثم قال ابن بطال رحمه الله : أصح ما فى هذا الباب أحاديث الستة وأربعين جزءًا ويتلوها فى الصحة حديث السبعين جزءًا، ولم يذكر مسلم فى كتابه غير هذين الحدثين
ثم قال أيضا : فإن قيل: فما معنى اختلاف الأجزاء فى ذلك فى القلة والكثرة ؟
قيل: وجدنا الرؤيا تنقسم قسمين لا ثالث لهما : وهو أن يرى الرجل رؤيا جلية ظاهرة التأويل مثل من رأى أنه يعطى شيئًا فى المنام فيعطى مثله بعينه فى اليقظة ، وهذا الضرب من الرؤيا لا إغراق فى تأويلها ولا رمز فى تعبيرها.
والقسم الثاني : ما يراه من المنامات المرموزة البعيدة المرام فى التأويل ، وهذا الضرب يَعسر تأويله إلا على الحذاق بالتعبير(المهرة بتفسير الرؤى) لبُعد ضرب المثل فيه ، فيمكن أن يكون هذا القسم من السبعين جزءًا كانت الرؤيا أقرب إلى النبأ الصادق ، وأمن من وقوع الغلط فى تأويلها، وإذا كثرت الأجزاء بَعُدَتْ بمقدار ذلك وخفي تأويلها ، والله أعلم بما أراد نبيه صلى الله عليه وسلم .وللمزيد انظر الفتح لابن حجر والاستذكار لابن عبد البر
الأقحوانية
الأقحوانية
كيف تكون الرؤيا جزءا من النبوة؟

قال ابن حجر رحمه الله في الفتح
قد استُشكِلَ كون الرؤيا جزءا من النبوة مع أنَّ النبوة انقطعت بموت النبي r .
ثم ذكر رحمه الله عدة أجوبة ، نختار أنسبها وأوضحها .
الجواب : إن وقعت الرؤيا من النبي r فهي جزء من أجزاء النبوة حقيقة ، وإن وقعت من غير النبي r فهي جزء من أجزاء النبوة على سبيل المجاز.
- ويمكن أن يُقال إن لفظ النبوة مأخوذ من الإنباء وهو بمعنى (الإعلام) في اللغة ، فعلى هذا يكون المعنى : أن الرؤيا خبر صادق من الله لا كذب فيه.
كما أنَّ معنى النبوة : نبأ صادق من الله لا يجوز عليه الكذب ، فشابهت الرؤيا النبوة في صدق الخبر .نقله في الفتح عن ابن بطال().

- يحتمل أن يُراد بالنبوة في هذا الحديث : (الإخبار عن الغيب فقط لا غير) وإن كان يتبع ذاك إنذار أو تبشير ، فالإخبار بالغيب أحد ثمرات النبوة .






من الذي تكون رؤيــاه صادقــة () ؟
قال ابن القيم رحمه الله () :
ومن أراد أن تصدق رؤياه ، فليتحر الصدق ، وأكل الحلال ، والمحافظة على الأمر والنهي . ولينمْ على طهارة كاملة ، مستقبل القبلة ، ويذكر الله حتى تغلبه عيناه ، فإن رؤياه لا تكاد تكذب ألبتة . انتهى.

بيان ذلك : أنَّ الذي يواظب على طاعة الله ، فيؤدي الفروض الخمس في المسجد، ويلتزم بفعل الخيرات، ويتجنب فعل المنكرات ، فذلك جدير بأن تصدق رؤيته.
- أما من كان على خلاف ذلك من ترك للصلاة ، أو يصلي فرضا ويترك آخر، أو لا تجده إلا على معصية أو بدعة ، فكيف تكون رؤياه صادقة؟
نعم إن رأى رؤيا فكانت صادقة، فما هذا إلا خداع الشيطان له، حتى يزين له الباطل والمنكر الذي هو عليه، ويُخيل إليه أنه على الحق والصواب.
فيرى الواحد من هؤلاء شيخا معتوها أو ماشابه ذلك في نومه على هيئة معينة، ويتحدث بكلام معين، فيأتي الشيطان، ويجعله يرى ذلك الشيخ المعتوه على تلك الحالة، ويتكلم بنفس الكلام الذي سمعه في نومه.
فيستغل الشيطان حاله السيء من المعصية والابتداع فيُوقِع في قلبه أن هذا المعتوه صاحب بركة وخير، وغير ذلك من الأحلام والرؤى التي يخدع بها الشيطان أهل الباطل والبدع.
فإن أخبرك واحد من هؤلاء بحلم كهذا، فقل له على الفور إنما هو من تلاعب الشيطان بك، لما رآه عليك من الانحراف والبدعة.
- ومما يجعل الرؤيا صادقة أن ينام العبد على فراشه وهو على وضوء ، وينام على جنبه الأيمن، ويقرأ آية الكرسي ، ليطرد الشيطان ، ويقول أذكار النوم قبل نومه ، فإن فعل ذلك مع التزامه بالطاعات، كانت رؤيته صادقة إن شاء الله.
أما ذلك المبتدع الذي يقول رأيت كذا وكذا ثم رأيته أمامي كضوء النهار ، نقول له كيف نمت ، هل نمت على طاعة؟ أم أنك قبل نومك شربت سيجارة ، أم كنتَ تشاهد فيلما ساقطا ، وتنظر إلى النساء العاريات .
فكيف تخدع نفسك وتقول أن رؤياك من الله ، لا ، إنما هي من الشيطان ، وتلبيسه ؛ لأنه لا يحضر عند نومك إلا الشياطين لما أنت عليه من معصية وانحراف ، وبُعد عن الطاعة.

كذلك مَنْ صدق في حديثه صدقت رؤياه .


عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ ? صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا»()
قال الخطابي رحمه الله(): في اقتراب الزمان قولان : أحدهما : أنه قرب زمان الساعة ، ودنو وقتها .
والقول الآخر :أن معنى اقتراب الزمان اعتداله ، واستواء الليل والنهار ، والمعبرون يزعمون أن أصدق الرؤيا ما كان في أيام الربيع ، ووقت اعتدال الليل والنهار.
قال ابن بطال رحمه الله(): وقوله عليه السلام: « إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن »()
فمعناه - والله أعلم - إذا اقتربت الساعة وقبض أكثر العلم ودرست معالم الديانة بالهرج والفتنة .
فكان الناس على فترة من الرسل يحتاجون إلى مُذَكِرٍومُجَدد لما درس من الدين كما كانت الأمم قبلنا تذكر بالنبوة .
فلما كان نبينا محمد عليه السلام خاتم الرسل وما بعده من الزمان ما يشبه الفترة ، عُوضوا مما مُنع من النبوة بعده بالرؤيا الصادقة التي هيجزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة الآتية بالتبشير والإنذار.
وذكر ابن علان رحمه الله() عن الفارسي قوله : يُحتمل أن معناه إذا اقترب أجل الرائي : أي بأن طعن في السن ، وبلغ أوان الكهولة والمشيب ، فإن رؤياه أصدق ؛ وذلك لاستكماله غاية الحلم والأناة ، والقوة النفسية .
(وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا)وإنما كان كذلك() لأن من كثر صدقه تنور قلبه وقوي إدراكه فانتقشت فيه المعاني على وجه الصحة والاستقامة.
وكذلك من كان غالب حاله الصدق في يقظته ، استصحب ذلك في نومه فلا يرى إلا صدقا .
وهذا بخلاف الكاذب والمخلط ، فإنه يفسد قلبه ، ويظلم فلا يرى إلا تخليطاً وأضغاثا ، وقد يندر المنام أحيانا فيرى الصادق ما لا يصح ، ويرى الكاذب ما يصح ، ولكن الأغلب الأكثر ما تقدم ، والله أعلم.

الأوقات التي قد تصدق فيها الرؤيا.

قال ابن القيم رحمه الله():
وأصدق الرؤيا رؤيا الأسحار() ، فإنه وقت النزول الإلهي ، واقتراب الرحمة والمغفرة وسكون الشياطين وعكسه رؤيا العُتمة عند انتشار الشياطين() والأرواح الشيطانية.
قلتُ : ربما ما استدل به ابن القيم رحمه الله كان وجيهاً ، إلا أن النصوص التي استدل بها ، ليس فيها تصريح بأن الرؤيا في هذا الوقت صادقة ، فكل ما فيها إخبار عن استجابة الدعاء لمن ترك فراش الراحة ، ورفع أكف الضراعة، راجيا مغفرة ذنب ، أو تلبية حاجة .
- فتجد إنسان ، ربما رأى حلما مفزعا ، في هذا الوقت ، فيُلقَى في نفسه ، أنها صادقة ، ولابد وأن تحدث ، ولكن هذا ليس بصحيح ، وقد تكون من تخليط الشيطان ، فلينتبه لهذا ، والله الموفق.
أما الاستدلال بحديث أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ (أَصْدَقُ الرُّؤْيَا بِالأَسْحَارِ)() فلا يصح لأنه حديث ضعيف.

- كذلك الحديث الثاني يشير إلى انتشار الشياطين في هذا الوقت ، ومنع خروج الأطفال ، إذ ربما أضر الشياطين بهم ، فأمر النبي r بحبسهم في هذا الوقت، وليس فيه ما يدل على أن الرؤيا فيه صادقة أو غير صادقة، والله أعلم .

رؤيا النهار مثل رؤيا الليل
- قال ابن حجر رحمه الله (): رؤيا الشخص في الليل ، هل تساوي رؤياه نهارا أو تتفاوتان ؟
ونقل عن نصر بن يعقوب الدينوري : أن الرؤيا أول الليل يبطىء تأويلها ، ومن النصف الثاني يسرع بتفاوت أجزاء الليل ، وأن أسرعها تأويلا رؤيا السحر ولا سيما عند طلوع الفجر ، وعن جعفر الصادق : أسرعها تأويلا رؤيا القيلولة.
ثم نقل في قول القيرواني : أنه لا فرق في حكم العبارة بين رؤيا الليل والنهار .

ونقل البخاري عن محمد بن سيرين بصيغة الجزم ، فقال البخاري : وقال ابن عون عن ابن سيرين : رؤيا النهار مثل رؤيا الليل .
قلتُ : الصحيح ما قال محمد بن سيرين رحمه الله ، أنه لا فرق بين رؤيا النهار ورؤيا الليل ، إذ لا دليل في الشرع ، من كتابٍ أو سنةٍ ، يُفرق بينهما ، ويُظهر مزية لأحدهما عن الآخر .
وتفريق كل واحد يرجع إلى تجربته وخبرته بهذا الوقت ، فربما صادف أحدهما صدق الرؤيا في وقت ما ، فاعتقد أن الرؤيا في هذا الوقت دون غيره صادقة ، وربما خالفه غيره فصادف صدق الرؤيا معه وقت آخر ، فأخبر كل بما وُجِدَ له .
فالأمر ليس منضبط ، بقواعد أو أصول ، ولكن حسب تجربة كل شخصٍ ، وما صادفه من رؤيا صادقة في هذا الوقت ، دون غيره من الأوقات ، فظن أن هذا الوقت دون غيره ، وقت الرؤيا الصادقة ، والله أعلم.
قال أبو الحسن بن أبي طالب(): في كتابه نور البستان وربيع الإنسان : لا فرق بين رؤيا النهار والليل ، وحكمهما واحد في العبارة ، وكذا رؤيا النساء ورؤيا الرجال .
قال المهلب رحمه الله (): لا يخص نوم النهار على نوم الليل، ولا نوم الليل على نوم النهار بشيء من صحة الرؤيا وكذبها، وأن الرؤيا متى كانت فحكمها واحد .





تحديد المدة التي قد تقع فيها الرؤيا.

اعلم أنه ليس هناك وقت محدد لوقوع الرؤيا في الواقع ، فربما تقع مباشرة في نفس الليلة أو اليوم ، أو ربما بعد أسبوع أو شهر أو سنة ، أو سنوات ، دون وجود ضابط من الشرع لهذا ، والله أعلم .

قال ابن حجر رحمه الله(): أخرج الطبري والحاكم والبيهقي في الشعب بسند صحيح عن سلمان قال " كان بين رؤيا يوسف ، وعبارتها أربعون عاما "
ثم قال : وذكر البيهقي له شاهدا عن عبد الله بن شداد وزاد (وإليها ينتهي أمد الرؤيا)



ــــــــــــــــــــــ

1) نص كلام ابن بطال كما في شرحه لصحيح البخاري إن لفظ النبوة مأخوذ من النبأ والإنباء، وهو الإعلام فى اللغة .
والمعنى أن الرؤيا إنباء صادق من الله ، لا كذب فيه ، كما أن معنى النبوة الإنباء الصادق من الله ، الذى لا يجوز عليه الكذب ، فتشابهت الرؤيا مع النبوة فى صدق الخبر عن الغيب.

2) قال ابن حجر رحمه الله في الفتح ذكر أئمة التعبير أنمن أدب الرائي : أن يكون صادق اللهجة ، وأن ينام على وضوء على جنبه الأيمن .
وأن يقرأ عند نومه والشمس ، والليل ، والتين ، وسورة الإخلاص والمعوذتين .
ويقول : اللهم إني أعوذ بك من سيء الأحلام ، وأستجير بك من تلاعب الشيطان في اليقظة ، والمنام ، اللهم إني أسألك رؤيا صالحة صادقة نافعة حافظة غير منسية ، اللهم أرني في منامي ما أحب.
ومن أدبه أن لا يقصها على امرأة ولا عدو ولا جاهل .
قلتُ : كثير مما سبق صحيح ، وثبت به الشرع ، كما سيظهر خلال قراءتك الكتاب ، ومنه ما لا دليل عليه ، ولكن ربما يكون ناتج عن التجربة .
وقوله : لا يقصها على امرأة ، ما أدري ما المانع من ذلك ، إلا أن تكون جاهلة أو عدوه ، وقد جاء حديث ينهي عن قص الرؤيا على المرأة ، ولكنه لا يثبت .

3) مدارج السالكين

4) ( صحيح) مسلم أبو داود قال الإمام النووي في شرحه لمسلم قوله r: (وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا) ظاهره أنه على إطلاقه .
ثم قال : وحكى القاضي عن بعض العلماء : أن هذا يكون في آخر الزمان عند انقطاع العلم وموت العلماء والصالحين ، ومن يُستضاء بقوله وعمله ، فجعله الله جابرا وعوضا ومنبها لهم .ثم قال النووي رحمه الله : الأول أظهر ؛ لأن غير الصادق في حديثه ، يتطرق إلى رؤياه وحكايته إياه .

5) معالم السنن للخطابي

6) شرح ابن بطال لصحيح البخاري

7) (صحيح) سنن الترمذي

8) دليل الفالحين شرح رياض الصالحين ط دار الحديث

9) القرطبي في المفهم وانظر فتح الباري

10) مدارج السالكين

11) الأسحار : مفردها سحر ، وهو آخر الليل ، والاقتراب من الفجر .
ويقصد ابن القيم رحمه الله بقوله (وقت النزول ..) حديث أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r« إِذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَاهُ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَقُولُ : هَلْ مِنْ سَائِلٍ يُعْطَى ، هَلْ مِنْ دَاعٍ يُسْتَجَابُ لَهُ ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ يُغْفَرُ لَهُ ، حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ »(صحيح) مسلم

12) ويقصد هنا رحمه الله حديث : جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ أَوْ أَمْسَيْتُمْ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ== فَإِذَا ذهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ ، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا)(صحيح) البخاري مسلم

13) (ضعيف) مسند أحمد سنن الترمذي وعلة الحديث : عبد الله بن لهيعة: ضعيف،و أبو السمح، أحاديثه ضعيفة فيما يرويه عن أبي الهيثم، وهو من روايته عنه.

14) فتح الباري

15 نقله عنه العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري

16) نقله عنه ابن بطال في شرح صحيح البخاري

17) فتح الباري



منقول
وردة شرقية
وردة شرقية
جزاك الله خير غاليتنا راقية ،وبارك فيك .
وحقوق الطبع محفوظة لراقية فكر ..... .رائع



والمنامات التي فيها الكشوفات الشيطانية لمن بهم مس أو سحر
وتحصل أيضا مع العباد دون العالم ، فمن كان من العباد جاهلا بألآعيب الشيطان وتلبيساته ، لعب عليه بالكشوفات في المنام حتى يظن نفسه من المصطفين الأخيار! ، ومثل هذا تلاعب الشيطان على كثير من الصوفية .
فمجرد علمك ووعيك أختي الكريمة أنها من تلبسيات الشيطان وتيقنك بذلك ، يتوقف الشيطان عن هذه الطريقة معك وتنقطع عنك ، ومع التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومهم أيضا المحافظة على أذكار الصباح والمساء كحصن من الشيطان ، وأيضا المحافظة على أذكار قبل النوم مهمة جدا .
قال تعالى : (إنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ)
وقال تعالى : (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ )

قال ابن الجوزي في كتابه تلبيس ابليس :
اعلم أن الباب الأعظم الذي يدخل مِنْهُ إبليس عَلَى الناس هو الجهل فهو يدخل مِنْهُ عَلَى الجهال بأمان وأما العالم فلا يدخل عَلَيْهِ إلا مسارقة وَقَدْ لبس إبليس عَلَى كثير من المتعبدين بقلة علمهم لأن جمهورهم يشتغل بالتعبد ولم يحكم العلم وَقَدْ قَالَ الربيع بْن حيثم تفقه ثم اعتزل.) انتهى .