أم شماء
أم شماء
الباقة الثانية عشر:

آداب الطريق



الأسواق والطرقات أماكن عامة يلتقي فيها جميع الناس ليبلغوا حاجاتهم ويصلوا الى بيوتهم، ويتعاملوا مع بعضهم..

وللمسلم في قضائه بعض وقته في الطريق سمت خاص وأدب جمّ، وهئة متميزة، وخلق رفيع عبّر عنه سبحانه بقوله:

"وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً" (63) الفرقان.

وفصلته السنة النبوية بما ورد عن النبي في مشيه في الأسواق حيث قال ابن أبي هالة في صفته:

(( إذا زال تقلعا ـ أي يرفع رجله بقوة ـ ويخطو تكفؤا ـ أي يسير مقتصدا ـ ويمشي هونا ـ أي بالوقار ـ ذريع المشية ـ أي واسع الخطوة ـ إذا مشى كأنما ينحط من صبب ـ أي من علو ـ وإذا التفت التفت جميعا، خافض الطرف، نظره الى الأرض أطول من نظره الى السماء، جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه، ويبدأ من لقيه بالسلام)) رواه الترمذي.

وما أحوج المسلم لهذه الآداب الكريمة في وقت نجد فيه الكثير من الشباب يتسكعون في الطرقات، وبجتمعون في الشوارع والمنعطفات، وعلى أبواب المدارس وفي الساحات، لا عمل لهم سوى إيذاء الناس بفاحش الكلمات، وتصيّد العثرات والزلات، ومراقبة السقطات والعورات..

وهذه قطوف من الآداب الواردة فيما يتعلق بالمشي في الطرقات والسعي في الأسواق لعلها تكون واقعا ملموسا وسلوكا مطبّقا:

1 »» غض البصر عن المحرمات، وعن مراقبة المارين من الناس في أعمالهم أو تصرفاتهم أو لباسهم.

2 »» تجنب الجلوس في الطرقات، أو الوقوف في المنعطفات، أو على واجهات الحوانيت والمحلات.

3 »» بذل السلام وإلقاؤه على الآخرين وخاصة على الصالحين منهم، ورد السلام على من ألقاه بأحسن منه.

عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله : "إيّاكم والجلوس على الطرقات. فقالوا: ما لنا بدّ إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها. قال: وما حق الطريق؟ قال: غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر" متفق عليه.

4 »» المحافظة على نظافة الطريق، وتجنب إلقاء النفايات والأوساخ والنجاسات في ممرات الناس ومجالسهم.

5 »» إماطة الأذى عن الطريق، كالقشور والزجاج والمسامير والحجارة وغيرها لئلا يتعثر بها أحد.

عن أبي هريرة عن النبي قال: "الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان" متفق عليه.

6 »» مساعدة المحتاجين، وإغاثة الملهوفين، وإرشاد الضالين، وإعانة أبناء السبيل والمنقطعين، ودلالة الأعمى في طريقه، والحمل مع الضعيف في حمولته..

7 »» تجنب الطرق المزدحمة، والأسواق المكتظة، وخاصة التي تنتشر فيها المنكرات والمحرمات، وعند الاضطرار فالإسراع في اجتيازها، وذكر الله تعالى فيها بين الغافلين فهو فضيلة عظيمة.

عن عمر أن رسول الله قال: "من دخل السوق فقال: لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو حيّ لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير، كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، ورفع له ألف ألف درجة، وبنى له بيتا في الجنة" رواه الحاكم.

8 »» الانتباه الى مسالك الطريق لئلا يصطدم بشيء، أو يقع في حفرة، وعدم الالتفات يمن ويسرة والى الوراء أثناء المشي دون حاجة.

9 »» تجنب عبور الشارع إلا بعد التأكد من خلوه من السيارات والحافلات والعربات والدراجات، وعدم المخاطرة في ذلك.

10 »» المرور ضمن الممرات المحددة للمشاة أثناء عبور الشارع ضمانة للأمن والسلامة.

11 »» القصد في المشي، بعدم الإسراع والركض في الطرقات، وعدم البطء والتمهل والاختيال والتبختر تكبرا وتعاظما وإعجابا بالنفس.

قال تعالى: "وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً" (37) الإسراء.

وقال:" وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ "لقمان 19.

وعن ابن عمر ما قال: قال رسول الله : "من تعظّم في نفسه، واختال في مشيته، لقي الله وهو عليه غضبان "رواه البخاري.

12 »» رفع الأطعمة وفتات الخبز عن قارعة الطريق، وإبعاد الأوراق التي كتب فيها أسماء كريمة أو قرآنية عن ممرات الناس.

13 »» تجنب الأكل في الطرقات لإخلاله بالأدب والمروءة.

14 »» تجنب اللعب في الطرقات وجعلها أماكن للهو والتسلية وإضاعة الأوقات.

15 »» تجنب رفع الأصوات أثناء التعامل بالبيع والشراء.

16 »» اغتنام الوقت الضائع في الطريق بإشغاله بذكر الله تعالى والتفكر في آياته ومخلوقاته، أو الصلاة على رسول الله ، أو تلاوة القرآن غيبا، أو مراجعة المحفوظات والواجبات المدرسية عن ظهر قلب.

عن أبي هريرة عن النبي قال: "ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله عز وجل فيه إلا كانت عليهم ترة، وما سلك رجل طريقا لم يذكر الله عز وجل فيه إلا كانت عليه ترة " رواه ابن السني، ومعنى ترة: أي نقص وتبعة وحسرة
.
أم شماء
أم شماء
الباقة الثالثة عشر:
آداب الدراسة والمدرسة



جاء في الحديث الشريف:
" طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" وراه ابن ماجه عن أنس.

واكتساب العلوم والمعارف في زمان التلقي والاستزادة والحفظ في بداية العمر تحتاج الى جد واجتهاد وتركيز وانتباه واغتنام لأوقات الفراغ وقد ورد عن سيدنا عمر قوله: ( تعلموا قبل أو تسودوا).

وأهم ما ينبغي أن يتزود منه الطفل متى بلغ سن التمييز حفظ القرآن الكريم، منبع العلوم، وكنز الأخلاق، وبحر الفصاحة، وأفق الكمال.

وفي الوقت الذي يقضيه الطالب في مدرسته لا بدّ له من الاحتكاك مع زملائه ومعلميه، والتعامل في دراسته مع أدوات العلم، ومرافق المدرسة..

ولكل ذلك آداب يجب تمثلها. بعد معرفتها واكتسابها، ليكون ناجحا في دراسته، محبوبا في مجتمعه، موفقا للخيرات، سائرا نحو المعالي، قال الشاعر:

لو كان نور العلم يدرك بالمنى **** ما كان يبقى في البرية جاهل
اجهد ولا تكسل ولا تك غافلا **** فندامة العقبى لمن يتكاسل
أ‌ »» في المدرسة:

1 »» الحضور الى المدرسة باكرا قبل قرع الجرس.

2 »» السلام على الأصدقاء بوجه باسم، وإلقاء التحية على المعلمين.

3 »» المحافظة على النظام العام والهندام المدرسي والسلوك القويم.

4 »» إحضار الدفاتر والكتب المدرسية واللوازم الخاصة بالبرنامج اليومي.

5 »» الانتباه المطلق أثناء الدرس والمشاركة الفعلية في سيره، ومشاركة المعلم تدرجه في شرح الدروس.

6 »» تجنب الشرود أثناء الدرس، أو الانشغال بالدفاتر أو اللوازم، أو الحديث مع الطلاب.

7 »» تسجيل الواجبات المكلف بها في دفتر خاص، يرجع اليها في البيت لئلا ينسى أي واجب.

8 »» اللعب بلطف أثناء الفرصة، والانتباه الى من هم أصغر سنا لئلا يدفعهم، وعدم اللعب مع من هم أكبر سنا.

9 »» الاستفادة من الوقت المخصص للفرصة لقضاء الحاجات الخاصة في أول الوقت كدخول الخلاء.

10 »» الانتباه الى تناول الأطعمة والأشربة النظيفة، مع غسل اليدين قبلها وبعدها.

11 »» الانتباه الى عدم سقوط شيء من الأطعمة في الباحة تحت الأقدام.

12 »» تجنب أخذ أي متاع خاص بأحد الطلاب إلا بإذنه، ولا تتم إستعارة أي شيء إلا بالاستئذان قبله، والشكر بعده.

13 »» تجنب التهكم بالآخرين والسخرية منهم، والتنابز بالألقاب، والمزاح المؤدي الى الخصومات والعداوات.

قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ" الحجرات 11.

14 »» إختيار الأصدقاء الصالحين من أصحاب الأخلاق الحميدة والسيرة الحسنة والسلوك المستقيم والذكاء والاجتهاد في الدروس.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله :" المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" رواه الترمذي وأبو داود.

15 »» التحضير الجيد للامتحان من بداية العام الدراسي، وعدم ترك الدروس تتراكم دون حفظ أو متابعة.

16 »» تجنب الغش ومحاولة النقل والاعتماد على الغير في الامتحان، أو استخدام الوسائل غير المشروعة.

17 »» الدعاء عند بداية الامتحان يقوله تعالى:

"رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي" (26) طه.

ب‌ »» في البيت:

1 »» المسارعة في كتابة الواجبات المدرسية بعد العودة من المدرسة وعدم تأجيلها الى الغد.

2 »» مراجعة البرنامج اليومي والتأكد من كتابة جميع الواجبات ودراسة مواد اليوم السابق، والتحضير لمواد اليوم اللاحق.

3 »» الاعتناء بالخط والترتيب، والتسطير والتبويب.

4 »» الاعتناء بنظافة الدفاتر والكتب وتغليفها بشكل لائق، والمحافظة عليها من التلف أو الضياع.

5 »» السعي الى التفوق في جميع المواد بالمتابعة المستمرة في الدروس، وتجنب تضييع الأوقات بلا فائدة.

عن عائشة رضي الل عنها أن رسول الله قال: "إن الله تعالى يحبّ إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه." رواه البيهقي.
أم شماء
أم شماء
الباقة الرابعة عشر:

آداب شخصية



للمسلم مع نفسه آداب يلزمها بها، ويجاهدها عليها، ويقوّمها ويعتني بها، ويهتم بتزكيتها، ويسارع الى تهذيبها ومعالجتها، وضبطها ومحاسبتها، ويلتزم إستكمال فضائلها في ظاهرها وباطنها.. قال تعالى:

"قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَ"ا (10) الشمس.

وقال رسول الله: "حفّت النار بالشهوات، وحفّت الجنة بالمكاره "الترمذي.

وقال المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبا **** كنقص القادرين على التمام

وقال البوصيري:

والنفس كالطفل إن تهمله شب على **** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
وجاهد النفس والشيطان واعصهما **** وإن هما محضاك النصح فاتهم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه **** إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمال سائمة **** وغن هي استحلت المرعى فلا تسم
وكم حسنت لذة للمرء قاتلة **** من حيث لم يدر أن السم في الدسم


وقد اعتنى أهل التربية بالنفس، ووقفوا على أمراضها وأداوئها، وبينوا طرق معالجتها من لهوها وبطالتها، وشهواتها وأهوائها، فوضعوا لها أسباب تربيتها، وبينوا طرق شفائها، وسبل مجاهدتها، وكيفيو تقويمها وتأديبها حتى تصبح كما ورد في الحديث الشريف:
"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به" رواه مسلم.

ولهذا البحث شروح مطوّلة، وشجون متفرعة، ونكتفي هنا أن نعرض لبعض الآداب التي ينبغي على الناشئة تعويد أنفسهم عليها. حتى تصبح ملكة راسخة وطبعا أصيلا:

1 »» المحافظة على النظافة العامة بالاغتسال مرة كل أسبوع، ويسن أن يكون يوم الجمعة.

عن سمرة قال: قال رسول الله :" من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل" رواه الترمذي وأبو داود.

2 »» قص أظافر اليدين والرجلين مرة كل أسبوع، وتجنب إطالتها أو إطالة بعضها وخاصة عند الفتيات، لأنها تصبح حقلا لتجمع الأوساخ والأقذار تحتها، وتمنع ماء الوضوء من وصله الى أطراف الأصابع، فضلا عن منظرها الحيواني القبيح.

3 »» قص الشعر كلما طال، وتعهده بالنظافة والترجيل، دون إفراط ولا تفريط.

4 »» التعوّد على التيامن، أي تقديم اليمين في كل ما هو من باب التكريم، كالغسل والوضوء، والتحية والمصافحة، ولبس الثوب والنعال، وتقليم الأظفار، والأخذ والعطاء، والأكل والشرب، وتقديم اليسار في ما سوى ذلك، كالامتخاط والبصاق، وخلع الثوب والنعل، والاستنجاء، ومسّ العورة.

عن عائشة قالت: كان رسول الله يعجبه التيّمّن في شأنه كله، في طهوره وترجّله وتنعّله. متفق عليه.

وعنها قالت: كانت يد رسول الله اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت اليسرى لخلائه وما كان من أذى رواه أبو داود.

5 »» تجنب استقبال القبلة بالبصاق أو الامتخاط أو قذف النخامة، بل تكون الى جهة اليسار وفي منديل خاص لئلا يؤذي بها أحدا.

6 »» تحويل الوجه أثناء العطاس عن وجوه الناس وعن الطعام والشراب لئلا يصيبها رذاذ العطاس، ووضع اليد أو المنديل على الفم وخفض الصوت بها إذا أمكن.

عن أبي هريرة قال: كان رسول الله إذا عطس وضع يده على فيه وخفض بها صوته رواه الترمذي.

7 »» أن يحمد الله تعالى بعد العطاس.

8 »» أن يقال لمن عطس وحمد الله تعالى ( يرحمك الله) فيجيب (يهديكم ويصلح بالكم).

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إذا عطس أحدكم فليقل (الحمد لله)، وليقل أخوه أو صاحبه (يرحمك الله)، فإذا قال له يرحمك الله فليقل ( يهديكم ويصلح بالكم)." رواه البخاري.

9 »» وضع اليد على الفم أثناء التثاؤب لستر المنظر غير اللائق عند فتح الفم ومنعا لدخول شيء إليه، وخفض الصوت به، وإن استطاع أن يمنعه فليفعل، وليستغفر الله تعالى بعده، لأنه دليل على الملل والكسل، لذلك كرهه الله تعالى وجعله من الشيطان.

عن أبي هريرة أن النبي قال:" إن الله يحبّ العطاس ويكره التثاؤب، فإن عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإنّ أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان" رواه البخاري.

10 »» مدافعة الجشاء، وتجنب الأطعمة التي تسببه أو الإكثارمنها، وخفض الصوت به والاستغفار بعده.

عن أبي جحفة قال: أكلت ثريدا من خبز ولحم ثم أتيت النبي فجعلت أتجشأ. فقال: " أقصر من جشائك، فإن أطول الناس جوعا يوم القيامة أكثرهم شبعا في الدنيا" رواه الترمذي.

11 »» ذكر الله تعالى وشكره عند النظر في المرآة، والدعاء بما رود عن النبي .

عن علي أن النبي كان إذا نظر في المرآة قال: "الحمد لله، اللهم كما حسّنت خلقي فحسّن خُلقي" رواه ابن السني.

12 »» استخدام الهاتف للضرورة لا للتسلية أو اللغو أو إزعاج الآخرين، والاتصال في الأوقات المناسبة، وابتداء المكالمة بالسلام والتعريف بالنفس وذكر الحاجة.

13 »» المحافظة على الأعمال الصالحة، والمداومة على ما اعتاده من العبادات والصدقات، والنوافل والقربات، والأذكار وقراة القرآن، وعدم تركها مللا أو كسلا أو رغبة عنها أو انشغالا بالدنيا عنها.

عن عائشة قالت: كان أحبّ الدين الى رسول الله ما داوم صاحبه عليه. متفق عليه.

14 »» ترك الفضول في كل شيء، وعدم التدخل فيما لا يعني، ولزوم الاهتمام بعيوب النفس والانشغال في إصلاحها وتقويمها وتزكيتها.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" رواه الترمذي وأبو داود.

15 »» إسداء النصيحة لكل من يعرف بالحسنى، وبما فيه مصلحة المخاطب في دينه ودنياه.

16 »» قبول النصيحة ممن اسداها، والاعتراف بالحق والعودة السريعة إليه، والاعتراف بالخطأ إن كان عليه، وعدم الإصرار عليه، لأن الحقيقة هي ضالة المؤمن التي يبحث عنها ويشكر من يقدمها، ويثني على كل من أسدى نصيحة أو معروفا.

عن أسامة بن زيد عن رسول الله قال:" من صنع إليه معروفا فقال لفاعله جزاك الله خيرا فقد أبلغ في الثناء" رواه الترمذي.

17 »» تعود التخوشن في المعيشة، والقناعة والرضا فيها، باليسير، وترك الترفه والتنعم في الدنيا، فذلك أنفى للكبر، وأبعد عن العجب، وأسلم من الزهو والصلف والخيلاء.

عن عائشة قالت: كان فراش رسول الله من أدم حشوه ليف رواه مسلم، والأدم هو الجلد المدبوغ.

وعن جندب قال: أصاب حجر أصبع رسول الله فقال:
"هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت" . متفق عليه.

18 »» الإخلاص لله تعالى في جميع الأعمال، وجعل الهدف الرئيسي من الحياة شعار المؤمن الذي يضعه بين عينيه، ويردده على جميع الأحوال إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي.

قال تعالى:" قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" (163) الأنعام.
أم شماء
أم شماء
الباقة الخامسة عشر:

آداب النوم


هو آخر محطة ينزلها الراكب بعد أن يقطع رحلة يومه، وعناء نهاره، فيأوي في بيته الى مكان هادئ ومريح ومظلم، ويسلم نفسه لخالقها الذي يتولى حفظها ورعايتها، وتصريف أمورها وعمل أجهزتها قال تعالى:

"وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ "(73) القصص.

والنوم آية تدل على عظمة الله وقهره، وعلى ضعف الإنسان وفقره، فلولاه لكلت عضلاته، وشلّت أعصابه، وانفجرت شرايينه، فهو راحة له لاستعادة نشاطه وشحن قوته، رحمة من الله وفضلا ونعمة وكرما. قال تعالى:

" وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً "(11) القصص.

والنوم صنو الموت، يعطل الحواس، ويفقد الوعي، ويلقي بالإنسان جثة هامدة، ليس فيها إلا قلب ينبض، ونفس يتردد، ودماء تجري بقدرة الله الواحد القهار.

وفي كل شيء له آية **** تدل على أنه واحد

هذا وللنوم وكيفيته ومقداره آداب إسلامية، وسنن نبوية نذكر فيها ما يلي:

1 »» الوضوء قبل النوم، وصلاة ما تيسر من قيام الليل، يختمها بصلاة الوتر، ولا يأخذه النوم إلا وهو على وضوء وذكر الله تعالى.

عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله يقول: "من أوى إلى فراشه طاهرا، وذكر الله عز وجل حتى يدركه النعاس، لم يتقلّب ساعة من الليل يسأل الله عز وجل خيرا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إيّاه" رواه ابن السني.

2 »» محاسبة النفس قبل النوم على ما فعله في يومه، والاستغفار من جميع الذنوب التي اقترفها.

عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: "من قال حين يأوي الى فراشه: أستغفر الله الذي لا اله إلا هو الحيّ القيوم وأتوب إليه، غفر الله تعالى له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر "رواه الترمذي.

3 »» قراءة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين قبل النوم.

عن عائشة أن النبي كان إذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ: "قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجه وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات". متفق عليه.

4 »» نفض الفراش والغطاء قبل الاضطجاع فيه للاطمئنان الى خلوه من الحشرات وغيرها، ثم الاضطجاع على الجنب الأيمن، وتجنب مد الرجلين الى جهة القبلة، ثم الدعاء بما ورد عن النبي بأحد أدعية النوم.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "إذا أوى أحدكم الى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه، ثم يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين" متفق عليه.

5 »» عدم استجلاب النوم تكلفا وعدم الاستلقاء على الفراش قبل الشعور بالنعاس.

6 »» التعوّد على النوم باكرا، فهو يعين على الاستيقاظ باكرا بهمة ونشاط للعبادة والصلاة، وهو ما تنصح به القواعد الصحية: ( نم مع الحمل واستيقظ مع العصفور).

قال تعالى:" تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً" السجدة16.

وعن عائشة قالت:" كان رسول الله ينام في أول الليل ويقوم آخره فيصلي". رواه ابن ماجه.

7 »» لبس الثياب اللينة والساترة والمريحة خلال النوم، وتجنب التعري والتكشف، واختيار المكان الهادئ والواسع والمريح للنوم، وانفراد كل شخص بغطاء خاص به.

8 »» يكون نوم الذكور في مكان مستقل عن مكان نوم الإناث.

9 »» تجنب النوم على البطن، لأضراره الصحية النفسية والجسدية.

عن يعيش بن طخفة قال: قال أبي: بينما أنا مضطجع في المسجد على بطني إذا رجل يحرّكني برجله فقال: إن هذه ضجعة يبغضها الله، قال: فنظرت فإذا هو رسول الله . رواه أبو داود.

10 »» ذكر الله عز وجل كلما استيقظ خلال النوم.

عن عائشة قالت: كان رسول الله إذا تعارّ من الليل قال:" لا اله إلا الله الوحد القهار، ربّ السموات والأرض وما بينهما وهو العزيز الغفّار." رواه النسائي.

11 »» الاعتدال في النوم، وعدم تجاوزه ثماني ساعات، لأن النوم تعطيل للحياة.

12 »» إغلاق النوافذ والأبواب، وإطفاء المواقد والنيران، وتغطية الأواني والأباريق، قبل النوم.

عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله : "أطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم، وأغلقوا الأبواب وأوكئوا الأقية وخمّروا الطعام والشراب" متفق عليه.

13 »» الاستبشار بالرؤية الصالحة، وسؤال الله تعالى خيرها، والتحدث بها الى من يحب، والاستعاذة بالله من الرؤيا السيئة وعدم التشاؤم منها، وسؤال الله تعالى صرف شرّها.

عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله يقول: "إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله تعالى فليحمد الله عليها وليحدّث بها، ـ في رواية: فلا يحدّث بها إلا من يحب ـ وإذا رأى غير ذلك مما يكرهه، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرّها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضرّه" متفق عليه.

وعن أبي هريرة مرفوعا: إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فلا يحدّث بها أحد، وليقم فليصل. رواه الترمذي.

14 »» القيام الى الوضوء والصلاة إذا أصيب بأرق، ثم الاستعاذة بكلمات الله التامات من غضبه ومن شر عباده ومن همزات الشياطين، ثم الدعاء بما علّم به رسول الله .

عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: شكوت الى رسول الله أرق أصابني فقال:" قال اللهم غارت النجوم، وهدأت العيون، وأنت حيّ قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، يا حي يا قيوم أهدئ ليلتي وأنم عيني. فقلتها فأذهب الله عز وجل ما كنت أجد". رواه ابن السني.
شـذا الورود
شـذا الورود
مجهود عظيم فوق الوصف :26:

جزيت خيرا وبارك الله فيك وجعله في موازين أعمالك.