لمساتي
لمساتي
مشكوووووووووووورة
كملي ياالمشتاقة منتظرينك ....
المشتاقة الى الجنه
هلا بجميع الغوالي واعتذر والله لتكرا الأجزاء .

وهاكم جزء جديد .............. والم جديد .
المشتاقة الى الجنه
الجزء الرابع والعشرون





أكنت حية أم ميتة تلك الليلة...؟ أكنت ملء السمع والبصر أم في غياهب النسيان؟ لا أذكر سوى أطياف باهتة لخيالات ضئيلة ثم تذوي حتى يطويها الزمان... يتناهى إلى سمعي ضحكات خافتة ونساء يتحدثن وصراخ أطفال... تتسلل إلى أنفي رائحة البخور مختلطة بشذا العطور المختلفة وروائح العرق. أصداء لأصوات بعيدة ورائحة طعام زكيه.... تخترق ذاكرتي ثم صمت أبدي... اختلط عليّ الأمر مراراً... بدوت جثة ثلجية محاطة بكومة من الثياب البيضاء اللامعة... أكنت أنتظر الدفن أم أنتظر جثة أخرى قادمة لاصطحابي؟ إلى أين؟ بالتأكيد قبر واسع بارد يسعنا نحن الاثنين بحوائط ثلجية راسخة وبقلوب دامية ونفس صدئة بالأحزان...

سمعت صوتها بقربي... إنه صوت أعرفه... صوت حبيب وقريب إلى قلبي:
- أحلام... هل أنت بخير؟

لم أرد... وبماذا أجيبها وهي تعرف تمام المعرفة ما بي... تعرف قلبي المعلق بسعد وروحي المشتته لبعده عني... تعرف أيضاً قصة بيعي وشرائي وقصة تحنيطي استعداداً للدفن... وكم قضيت وإياها ليالي ساهرات نبكي وننتحب دون أن تعطيني أملاً واحداً في مصير آخر أو حياة أخري غير تلك التي أنساق إليها رغما عني... دون أن تغذي نفسي بالتحدي والتصميم أو تغريني على الرفض والتحدي... ولكن ماذا بيدها هي حتى تفعله، إنها غير قادرة حتى على الكلام، إن فاقد الشيء لا يعطيه، وهي تفتقد كل شيء، الحرية والأمل والمستقبل وحتى القدرة على التعبير... إنها ميته مثلي حتى لو سارت وأكلت ونامت... إنها مسلوبة الإرادة مشلولة التفكير، إنها عاجزة حتى عن اختيار مستقبلها وإخضاع أبي لإرادتها، إنها عاشت وستموت كما أراد لها تماماً، أرملة وحيدة كسيرة تربي أولادها وهم يكبرون أمام عينيها ولا شئ آخر... أعادت عليَ السؤال بطريقة أخرى:
- أحلام... ما بك؟

وجدت نفسي أبتسم بمرارة... أبتسم بألم... أبتسم وكياني كله يبكي، أشفقت عليها من جوابي، فمهما يكن فهي شقيقتي الكبري... الضعيفة العزلاء، التي ليس بيدها لا حول ولا قوة...

ثم دخلت في نوبة من الذهول والصدمة أنستني كل ما يدور أمامي، فلم أعد أرى بعيني سوى ضباب... ضباب كثيف يهطل بلا انقطاع ويملأ الصمت داخلي ومن حولي... غرقت في عالم داخلي بلا حدود أو عوالم، وخفتت الأصوات من حولي شيئا فشيئا، حتى تنبهت فجأة لوجه حبيب يقترب مني... وجه خفق له قلبي واضطربت جوانحي، وجه سكن قلبي وتربع على عرشه بدون منازع... وجه أحيا له ومن أجله وأحببت الحياة لوجوده فيها، وما إن يغيب عن عالمي حتى تتبدى لي البشاعة في كل شيء، حتى في وجوه أحبتني، وأفتقد طعم كل شئ وأمقت كل شئ... كلا... مستحيل هتفت بلا وعي ودموعي تغرق وجهي... سعد... سعد...
تلقفتني اليدان برهبة وجاءني صوت نسائي أعرفه جيداً وأحببته مراراً:
- كلا يا أحلام... أنا وضحى...

حتى هذه اللحظة، وفقدت كل تماسكي ورزانتي وهدوئي... ألقيت نفسي بين أحضانها أنتحب بيأس، تحول وجهي في لحظات إلى خارطة ألوان ممزقة... لماذا جئت يا وضحي؟ لماذا الآن فقط أقبلت؟ لماذا ذررت الملح على جرحي ونكأت جروحاً أقفلت على صديد؟ لماذا جئت وجلبت معك الحنين والأمل واسترجعت معك حب الحياة والتشبث بالإرادة..؟ لماذا تعودين الآن فقط وتبذرين في صحارى يأسي قطرات رجاء لا تتحملها إرادتي الضعيفة ويعجز عنها عالمي التعس...؟ لماذا تعودين فتقضين على الباقي البقية من تجلدي وصمودي...؟ وكيف أتقبل الآن حضنا غير حضنك ونفسا غير نفسك وذراعين غير ذراعيك المحملتين حبا وشوقاً بلا حدود من ذلك الواقف في الظل في أحد الشوارع الخلفية المظلمة يبكي بلا انقطاع ويمتلئ صدره بالحسرات والآلام... ذلك الذي يرى أنوار عرسي تزيد ليله الحالك ظلاماً ودقات الدفوف تملأ قلبه الظامئ اشتياقاً وحنينا وضجة العرس خواء مريعا وصمتا داخليا يقتله ألق مرة ومرة... قولي له يا وضحى أن يخفف دموعه ويتعالى على أحزانه ويطوي جرحه داخله وينساني... قولي له يا وضحي إنني قد مت منذ ودعته آخر مرة وإن هذا العرس ليس إلا مأتما حزينا يقودني نحو القبر الأخير... أقسمي له يا وضحى بأنني لن أكون لغيره ما حييت... ولينسني هو... لينس أنه أحبني يوماً وليحب أخرى غيري ويتزوجها، أما أنا فليرحمني الله... أوصيك يا وضحى بسعد خيراً، فلا تنكأي جراحه ولا ترغموه على ما لا يريد، وإن رأيته يوماً باكياً أو دامع فقولي له بأنني لن أنساه أبداً طوال العمر.

من بين ضباب دموعي أحسست بمن تنزعني من أحضان وضحى بشدة وعنف ثم سمعت صوتاً يقول لوضحى:
- لماذا حضرت...؟ لقد كانت هادئة وصامته قبل أن تحضري...
تناهي إلى صوت وضحى وأنا في غيبوبة أحزاني:
- إنه سعد قد أمرني أن أوصل لها رسالة...
رد الصوت عليها حانقا وقد عرفت أنه صوت شقيقتي بدرية...
- رسالة!! وفي ليلة زفافها؟ هيا أذهبي من هنا رجاء... وليعنا الله على تهدئتها...

حاولت أن أتكلم... أن أطلب رسالة سعد بعد أن طلبتها كل جوارحي... حاولت أن أنطق لكن دموعا هادرة كاسحة اعتصرتني اعتصارا حتى غدوت كقطعة بالية لا يحويها شئ... سمعت أصواتا كثيرة من حولي... أحدها ينصح بإعطائي أقراصا مهدئة والآخر يوصي بإعادة تزيين الوجه مرة أخرى... وامتثلت لكل شئ... تناولت أقراصاً كما طلب مني، وسلمتهم وجهي ليضعوا عليه ما شاؤوا من ألوان... فلن ترسم تلك الألوان الفرحة على وجهي ولن تعيد صفائي وابتسامتي... لن تخلق روحاً مرحة ولن تصنع سعادة مفقودة... لن تزرع ألوانهم الضحكة على شفتي ولن توشي عيناي بتألق سرور لست أستشعره داخلي... مضيت متجمدة صلدة كقطعة ثلج خرجت لتوها من التجميد وزادتني الأقراص المهدئة خدراً وابتعاداً، فلم أستشعر شيئا مما يدور حولي، وكأنني كنت في عالم آخر أتفرج على إنسانة أخرى يحدث لها ما يحدث لي وتساق لحتفها كما أساق لحتفي وتؤخذ غدراً واحتيالاً..

تعالت أصوات حادة من حولي خلتها في بداية الأمر نواحاً وعويلاً ثم اكتشفت أنها زغاريد مع دخول العريس... لدهشتي وذهولي لم أشعر بشيء على الإطلاق. لا خوف ولا رهبة ولا ترقب ولا مشاعر من أي نوع ... فقط هدوء وتبلد مشاعر ثلجية لا تذوب...

اقترب الوجه البشع مني... يداً باردة تحاكي مشاعري، تمسك بيدي، أمشي باستسلام وتجلد، أساق إلى نهاية لم أخترها وحياة لم أردها... عالم سطره والدي سطراً واختاره حرفاً دون أن يفكر في تبعات أي شئ يفعلة...

غبت في غيبوبة أخري والوجه القبيح يتفحصني بدقة وكأنه يعين بضاعة استلمها للتو ليتأكد من صلاحيتها وخلوها من العيوب...

أعجبته رغم تمزقي وضياعي... أعجبته البضاعة الشابة الجديدة رغم قلبها المسلوب وروحها المفقودة... اكتشفت ذلك من ابتسامة وضيعة كشفت عن فم يخلو من معظم الأسنان...

ابتلع عدة أقراص لا أرفها وشرب أدوية ومساحيق أجهلها ثم تخلي عن آدميته دفعة واحدة وتحول إلى وحش كاسر يلوح بأنيابه ومخالبه... ثم أفقت على الحقيقة المروعة... ثيابي ممزقة بلا رحمة وشيخ يئن عجزاً وانكساراً... عيناي تبتلعان الدموع، فما عاد لها جدوى أو نفع. أحدق في السقف الماثل أمامي بعيداً كقاع بئر مخيفة ثم قريباً كفوهة بركان يوشك أن ينفجر ثم ترقص الجدران أمامي بدون غناء أو موسيقي... تدور بي الدنيا، أكاد أدخل غيبوبة متواصلة قبل أن أرى نحلة في منتصف السقف أو ربما كانت ملكة النحل كبيرة ومخططة باللون الأسود... تنظر لي بعينيها السوداوين وقد أنهت أحد أمورها الخاصة... لم أكن أدرك ما يحدث لي تماما حتى توالت الصفعات على وجهي قوية ثابتة وكأنها ليست الأيدي التي كانت تهتز منذ برهة ضعيفة عاجزة... صرخات حادة من حنجرة تحتضر:
- لماذا لا تساعديني...؟ أنت لا تريدينني ولا ترغبين بي كزوج... أنت فاجرة وتريدين فتي صغيراً من سنك...

لم أفهم... كيف أساعده... وماذا أفعل... ولا كيف لطماته العشوائية على صدغي وكتفي وكل مكان من جسدي...
نظرت إليه بصمت وبلا دموع... بعينين فزعتين متسائلتين أثرت غضبه من جديد فأعاد الكرة الفاشلة مع مزيد من الضرب والتعذيب...

وأدركت كل شئ فجأة وبلا مقدمات. إنه يبحث عن حائط... حائط فقط وليس زوجة، حائط يلقي عليه بكل إحباطاته وفشله وقذارته، حائط يجلده كل يوم ليفرغ به حمولة أعوام طويلة من القهر والصمت والانحناء... في ليلة واحدة طالت قامته حتى تجاوزت كل الحدود وتقزم كل من أمامه ليمارس تجاربه المكتوبة على بشر أسوياء فيفشل المرة تلو المرة فيتحطم حاجزه أمام ذاته... فتبدو نفسه على حقيقتها بشعة ضئيلة عاجزة، لأنه لا يقر بالعجز ولا يعترف به يمضي في ممارسة سلطاته العنترية على من هو أضعف منه فيقسو حتى لا يتبقي لمن أمامه ذرة كرامة أمام فقدانه الإنسانية والعطاء...

كان واقعي حقيقيا، لم تفاجئني به أيامي أو تفرضه علي ظروفي... كنت أستشعر التعاسة مقدما وأدرك حجم مأساتي قبل أن أغشاها وأعلم أنني أسير في درب مظلم شائك لمستقبل أكثر ظلاماً وإعتاماً... لذلك كان تقبلي لواقعي هادئاًً حد الركود، مثيراً حد العجب، لم أصرخ أو أبك احتجاجا وألما، فزمن البكاء قد انتهي منذ فقدت حبي وحريتي، أما الاحتجاج والتحدي فلا مكان لهما في خارطة عقلية أبي وتفكيره، فلن أجني سوى المزيد من القمع والإذلال... لم يكن من أمر سوى الخنوع والصمت والامتثال مهما كابدت أو قاسيت... تعذبت أو بكيت... ضربت رأسي بالحائط أو بحجر لا فرق وسيان... لا بد مما ليس له بد...

بكيت طويلاً على صدر شقيقتي بدرية. بكيت وأنا أستشعر حنانها الدافق وأحضانها الدافئة أسألها بشوق ودموع تنثال على وجهي بغزارة:
- ما أخبارك... وسعود... هل كل شئ على ما يرام؟... و..
قاطعتني بإشفاق:
- رويدك يا أحلام... تخاطبنني وكأنك لم تريني منذ أعوام لا منذ أيام فقط...
ثم أردفت ضاحكة:
- أخبارك هي المهمة... ما هي أحوال العروس؟
شردت نظراتي طويلاً حتى جفت دموعي وغرقت في دوامة صمت جديدة. غاضت الابتسامة عن وجه بدرية ولاحظت ارتجاف يديها وهي تهتف:
- أحلام... لقد أقلقتني؟ هل أنت حزينة لأنه رجل عاقل وكبير في السن لقد كنت تعرفين هذا جيداً قبل أن تتزوجيه... أم أنه لا يعاملك جيداً...

عاودني التمزق والضياع وأسئلة حيري تتقاذفني دون رحمة... هل أشركها في مأساتي الجديدة... وهل في قلبها متسع للعذاب؟
ألا تكفيها مأساتها الأزلية كأرملة أبدية بدون أمل أو رجاء عدا تشتتها بين عشرات المشاكل الصغيرة والكبيرة التي تتوالد في بيتها بلا انقطاع... إهمال من أبي، برودها مع زوجة أبي وافتقادها الحنان والرعاية من أخوتها...

همست بقلب واجف:
- بلي يا بدرية إنه يعاملني جيداً...
أحسست بارتياحها النسبي وهي تقول:
- لم إذن لا تنسي سعد؟

سعد ... ياه... لقد ذهب تفكيرك بعيداً يا بدرية... لقد قطعت أشواطا لم أفكر لحظة في تخطيها... لقد عبرت الفيافي والقفار والمحيطات التي حالت بيننا، في غمضة عين... كلا بدرية... كلا يا حبيبتي إن " سعد" أصبح بمنأي عن كل ما يدور في حياتي من نكبات متواصلة... إن " سعد" أصبح بعيداً كحلم بعيد المنال أو كنجمة لا تطالها الأيدي، بل غدا سعد كرابع المستحيلات الثلاثة... أحتفظ به في قلبي منجماً للحب يغذي نفسي التائهة بومضات حب تساعدني على الصمود والاستمرار... تساعدني على احتمال كل الظروف مهما قست واستبدت.... سعد يا حبيبتي هو من أعطي لحياتي معني، ولوجودي بريقاًً، ولكابوسي الذي يتجدد احتمالا... سعد هو سعادتي المفقودة فكيف تريدين مني أن أنساه يا بدرية؟ إن هذا هو المحال بعينه...

أردفت مغيرة الموضوع ككل وكأنها قد ندمت على فتحه:
- هل انتهي كل شئ مع زوجك على ما يرام؟

حانت مني نظرة عابرة إلى وجهها، فألفيتها تبتسم بخجل... أشحت بوجهي لأتابع ابن بدرية الصغير الذي كان يرافقها وهو يحاول بصعوبة فتح زجاجة المشروب، ولما فشل حطمها بقوة على الأرض لتتناثر شظاياها في كل الاتجاهات... أحسست بألم الانكسار وقسوة التحطم فانكفأت باكية بلا شعور...


وللقصة بقية :
رونق الحياة
رونق الحياة
ياالهي الم فوق حدود التوقعات
الم يثير الغثيان

و رغم ذلك ننتظر المزيد متابعينك حبيبتي لا تطولي
سمر مر
سمر مر
:icon33: :icon33: :icon33:

ماصاااااارت
:(

ليش ما تتكلم طيب وتنفس عن نفسها قاهرتني تراعي اللي حوالينها على حساب روحها