الفـــــــارسـة
عزيزتي تيمة

ستجدين أن الكثير الكثير من ذكريات الطفولة تطفو على السطح وخاصة في هذه القصة

وهل لنا من رصيد ومصدر وإلهام غير ذكريات الطفولة؟ .. قصتك صباي أيضاً محملة بهذه الذكريات..

أشكركِ على ملاحظاتك جزيل الشكر .. بالنسبة لكلمة كعك عدلتها في النسخة الأصلية وعلامة القول وضعتها أيضاً وصرت أضعها فيما بعد أما بالنسبة للجاثوم فلقد تعمدت كلمة أصارعه ويصارعني لتتخيلوا الصورة كأنها مشهداً تمثيلياً وأحمد يصارع الجاثوم مع صوت الموسيقى التصويرية ورؤيتكم لفلاشات التصوير

أما الجملة فلم أعرف كيف أعيد صياغتها .. هل تنفع

ودوي الرعد مع طرق المياه على النافذة كموسيقى تصويرية مرعبة ويُصوّر المشهد بفلاشات البرق المتتابعة.؟

شكراً لكِ مرة أخرى
الفـــــــارسـة
في الصباح تعمّدتُ أن أتأخر في الخروج من المنزل حتى لا أرى الأولاد وهم يذهبون إلى المدرسة .. كان هذا المنظر كفيل بتحطيم ما تبقى من نفسيتي المدمرة

خرجتُ في التاسعة صباحاً وفوجئت بما رأيت .. كان الأولاد في كل مكان .. في الشوارع .. في الدكاكين الصغيرة .. يتصايحون ويركضون هنا وهناك .. ما هذا؟ .. ما الذي يحدث؟ .. هل أصبح كل الأولاد باعة متجولون وتركوا المدرسة؟
سألتُ أحد الأولاد :
_ لماذا لم تذهب إلى المدرسة اليوم؟
نظر إلي مندهشاً ثم قال بوقاحة واستهزاء :
_ لأنك لم تذهب أنت أيضاً
كنتُ مستعداً في تلك اللحظة أن أتشاجر مع ظلي لذا أمسكتُ بياقة ثوبه ووجهي كالعادة محمر وبشدة
_ قلتُ لك لماذا لم تذهب إلى المدرسة ؟ ولماذا لم يذهب الجميع؟
كان يتلوى في يدي كأنه جرادة تناضل في يد صبي مشاغب من أجل حريتها .. صاح ليخلص نفسه
_ المدرسة أعطونا إجازة لأن مبنى المدرسة تضرر من الأمطار
أفلته وانطلق راكضاً .. وأيقنت أن الأمطار بالأمس هطلت من أجلي .. تضامنت معي لتخفف عني ما أشعر به .. ما أعظمك يا إلهي وما ألطفك وما أرحمك .. شكراً لك يا الله

تدحدرتُ نازلاً من المرتفع الذي فيه بيتي ومدرستي لأرى الحفرة في أسفل الجبل .. ولمن لا يعرف مكة وجبالها فأغلب البيوت القديمة المحيطة بالحرم المكي تُزرع في الجبال وتراها في الليل كأنها نجوم متلألئة تزين هذه الجبال .. وأنا كنتُ أسكن في إحدى المرتفعات .. كنا إذا صعدنا الجبل نمر بعدة بيوت تتخللها بالترتيب دكان العم صالح على اليسار ثم أعلى منه مدرسة البنات الابتدائية على اليمين .. ثم فوق مدرسة البنات يوجد دكان العم حسن وفي مقابله دكان العم سعيد وفوقه مدرستي وفوق المدرسة بيتي وكلما صعدنا أكثر تواجهنا بيوت أكثر وأكثر ..

عندما وصلتُ إلى الحفرة جلستُ على حجر بجانبها أتأملها .. كانت ممتلئة بالمياه كما توقعت صار لونها الأخضر أغمق من السابق بسبب ازدياد عمقها .. نظرتُ إلى الأعلى إلى الشارع العام الذي يطل على حافة الحفرة و.. ورأيتها ..

كانت تتمشى على حافة الحفرة .. كفها الصغيرة في يد والدها الذي يمسك بيده الأخرى كف شقيقتها الأصغر منها .. توقفوا يتفرجون على المياه الخضراء .. شيء ما فيها شدني للنظر .. لا أعلم ما السحر الذي يحيط بها .. رغم صغر سني إلا أنني شعرتُ أن هناك ما يربطني بها .. كانت في عمر شقيقتي زهرة .. تصغرني بعامين .. ولكنها كانت على نقيض شقيقتي تماماً وفي كل شيء .. عيناها الداكنتان .. بشرتها السمراء .. شعرها الأسود الكثيف المموج .. معقوص على جانبي وجهها إلى وسطها.. ضآلة جسمها ونعومتها .. كانت تنقل النظر بين الحفرة ووجه والدها وهو يشرح لهما مصدر المياه الخضراء
فوجئنا في تلك اللحظة بخروج رجلين من تحت المياه يسحبان شيئاُ .. وبعد قليل اتضح أنهما يسحبان صبياُ من قدميه ومدداه على الأرض .. الصدمة شلتني ولم أعرف ما أصنع .. عندما نظرت إلى وجه الصبي عرفته .. كان جارنا ويكبرني بأربع سنوات تقريباُ وكان دائماً يسخر مني ويتهمني بالجبن لأنني لا أسبح معهم .. لم أكن أحبه ولكن منظره وهو ممدد ووجهه منتفخ ومزرق أثار في نفسي شفقة وحزناً بلا حدود.. بدون شعور مني نظرت إلى عيني الفتاة .. كانت تنظر إلى الصبي وفي عينيها مزيج من الخوف والمفاجأة والحزن والحناااااااااااان .. كانت عينيها تفيض حناناً ليس له حد .. سمعتُ والدها يسأل الرجلين:
_ هل مات ؟
_ نعم .. لقد أخرجنا ولدين غارقين في الصباح والآن هذا الثالث
شعرتُ أن الأب سينفجر غضباً وصاح قائلاً :
_ تباً لهم .. لقد اتصلتُ على الدفاع المدني والشرطة لأكثر من مرة وحذرتهم من هذه الحفرة ومن سباحة الأولاد فيها .. وطلبتُ منهم تسويرها .. ولكنهم دائماً هكذا .. لا يستجيبون إلا بعد وقوع الكارثة
ثم أمسك بكفي ابنتيه قائلاً لهما بحنان :
_ هيا يجب أن نعود سيمتلئ المكان بالشرطة والإسعاف والفضوليين .. سنراقب ما يحدث من الشرفة
واتجهوا إلى البناية العالية المقابلة للحفرة
وبقيتُ أنا في مكاني أتفرج على ما يحدث .. وكما قال امتلأ المكان بكل أنواع السيارات .. وتجمهر الناس كعادتهم عند الحوادث بلا فائدة سوى إعاقة مرور المسعفين .. حملوه وأخلوا المكان ووضعوا شرطياً للحراسة ومنع الأولاد من النزول .. ياللحمق والغباء .. هل تظنون أن هناك من يجرؤ على السباحة بعد اليوم ؟ ولكنه إجراء ضروري تأخر عن موعده ..

صعدتُ إلى المنزل وقد ازداد الألم في نفسي .. وقررتُ أن ألتزم بيتي في هذا اليوم فما رأيته كان فوق طاقتي بمراحل .. ولم أكن على استعداد لرؤية المزيد..



يتبع
**مرفأ**
**مرفأ**
بداية موفقة أعجبني أسلوبك

وسأترك التعليق حتى تنتهي

بانتظارك

*************************
سكارلت
سكارلت
راقت لي ....

وشدت إنتباهي بجمال الأسلوب وتسلسل الأفكار

نتابعك عزيزتي الفارسة بشوق

تحياتي لك
بحور 217
بحور 217
بداية جميلة جدا يا فارستنا


لي تعليق على هذا المقطع :

تدحدرتُ نازلاً من المرتفع الذي فيه بيتي ومدرستي لأرى الحفرة في أسفل الجبل .. ولمن لا يعرف مكة وجبالها فأغلب البيوت القديمة المحيطة بالحرم المكي تُزرع في الجبال وتراها في الليل كأنها نجوم متلألئة تزين هذه الجبال .. وأنا كنتُ أسكن في إحدى المرتفعات .. كنا إذا صعدنا الجبل نمر بعدة بيوت تتخللها بالترتيب دكان العم صالح على اليسار ثم أعلى منه مدرسة البنات الابتدائية على اليمين .. ثم فوق مدرسة البنات يوجد دكان العم حسن وفي مقابله دكان العم سعيد وفوقه مدرستي وفوق المدرسة بيتي وكلما صعدنا أكثر تواجهنا بيوت أكثر وأكثر ..


أليس الأجمل للقاريء أن يكون المقطع كالتالي :

تدحدرتُ نازلاً من المرتفع الذي فيه بيتي ومدرستي لأرى الحفرة في أسفل الجبل .. مارا بتلك البيوت القديمة المحيطة بالحرم المكي مزروعة في الجبال والتي تبدو ليلا كأنها نجوم متلألئة نثرت على الجبال ... كنا إذا صعدنا الجبل إلى بيتنا نمر بعدة بيوت ........




في انتظارك :26: