فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
قال تعالى :
"وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِــــــــــــــنْ عَــــــــــــزْمِ الأُمُورِ "
الشورى: 43
****
وقال جل وعلا:
"وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِــــــــــــنْ عَـــــــــــــــزْمِ الأُمُورِ"
لقمان: 17
****
نلاحظ أن في الآية الأولى استخدم حرف التوكيد اللام في ( لــــــــــــــــــــمن )
****
أما في الآية الثانية فلم يستخدم حرف التوكيد فقال "مِــــــــــــــنْ عَزْمِ الأُمُورِ"
****
ما البيان في ذلك؟
هناك نوعان من الصبر :
صبر ليس لك فيه غريم كالمرض مثلا وهو شيء محسوس
وصبر لك فيه غريم كأن يظلمك شخص ما وهو شيء ملموس
....
فكان الشيء المحسوس الذي لا تراه ولكن تحس به يحتاج إلى صبر وهذا:
"مِنْ عَــــــــــــــزْمِ الأُمُـــــــــــــورِ"

....
ولكن الشيء الملموس الذى تراه يحتاج إلى صبر قوي شديد فكان ذلك
"لَمِــــــــــــــنْ عَـــــــــــــــــزْمِ الأُمُـــــــــــــــورِ"



فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
رحلة الإعجاز البلاغي للآية الشريفة :
( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ
وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) 44 هود

....
أولاً : فــــــــــــــــــن الإيــــــــــــــــــــجاز :
فلقد قص الله سبحانه وتعالى هذه القصة مستوعبة,
بكل أحداثها بعبارات مختصرة تحمل معان عميقة,
و في هذا يتجلى فن بلاغي, ألا وهو ( الإيجاز )،
....
يعتبر الإيجاز أحد فنون علم المعاني, ويعرف بأنه التقليل من استخدام الألفاظ
والتكثير من المعنى,
دون أن يؤدي ذلك إلى حدوث إخلال بالمعنى,
أو بعبارة أخرى التعبير عن المعنى الكثير بأقل لفظ
دون أن يؤدي ذلك إلى فساد المعنى.
....
كي نفهم بشكل أعمق جانب الإيجاز في هذه الآية الكريمة,
تأملوا معي تركيب الكلم في هذه الآية العظيمة :
....
استخدم جل جلاله صيغة المبني للمجهول :
"قيل " " قُضي" " غِيض "
وفي هذا إيجاز حذف, حيث حُذف الفاعل, للعلم به.
....
قال الله تعالى " يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي " ولم يقل "
يا أرض ابلعي ماءك فبلعت ويا سماء أقلعي أقلعت ",
فالتقدير قيل لهما ذلك فامتثلا الأمر ونقص الماء,, وفي هذا إيجاز .
....
تأملوا هذا المقطع مرة أخرى, " يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي " :
....
لم يذكر سبحانه وتعالى متعلق ( يا سماء اقلعي ) بغية للاختصار والإيجاز,
وابتعادا عن حشو الكلام,
حيث أن المراد هو ( أن تمسك السماء ماءها ),
وذلك يفهم من سياق المقطع السابق ( يا أرض ابلعي ماءك ),
فلم تعد حاجة لذكر الماء مرة أخرى.
....
ولعل قائل يقول : ألا يمكن الاستغناء عن الكلمة ( ماءك )
في الخطاب الموجه إلى الأرض؟ وهل يعتبر وجودها زيادة؟
إن وجود هذه الكلمة من الأهمية بمكان كبير,
فوجودها ليس زيادة,
بل إن في وجودها إعطاء مزيد من الإيضاح حول المراد من البلع,
الذي انحصر في بلع الماء, وليس في بلع الموجودات الأخرى..
كالجبال والتلال والبحار, والكائنات التي تعيش في الماء, الخ ....
....
كذلك قال " وغيض الماء " ولم يقل " وغيض ماء الطوفان "
....
وقال " وقضي الأمر " ولم يقل " وقضي أمر نوح وقومه "
فاستغنى عن ذلك بحرف التعريف ( أل).
....
وقال " واستوت على الجودي " ولم يقل " وسويت على الجودي "
نلاحظ أن هذه الأفعال في هذه الآية قد جاءت بصيغة المبني للمفعول :
قِيـــــــــــــل, قُضـــــــــــــــي, غيِــــــــــــــض
بينما جاء الفعل ( استوت ) بصيغة الماضي,
وذلك لأن استواء السفينة واستقرارها مقابلٌ للجريان المنسوب إليها في قوله تعالى :
وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال ..." ? هود : 42
وقال سبحانه " وقيل بعدا للقوم .. " ولم يقل " و قيل ليبعد القوم .. "
طلباً للتأكيد مع الاختصار,
**
وأحب أن أقف وقفة تأمل في هذا المقطع القرآني :
- جاء سبحانه وتعالى بالمصدر " بعدًا" ليعطي نفس دلالة " ليبعدوا بعداً ".
- جاء بحرف اللام ? للقوم - للدلالة على استحقاق أولئك العصاة الهلاك
وما حل بهم من عقاب.
- جاء بالكلمة ( الظالمين ) دون تقييد بل بشكل مطلق,
للدلالة والتأكيد على فظاعة سوء اختيار العصاة من قوم نوح
حيث كذبوا نبيهم, وظلموا أنفسهم بإعراضهم عن دعوته.
**
ولا زالت الرحلة مع الإعجاز البياني لهذه الآية .. مستمرة ..
المصدر موقع جسد الثقافة ..
مشروع روضة
مشروع روضة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
سلمت أناملك
أرجو مراجعة فتوى اللجنة الدائمة في حكم القول بان القران صنعة الله
بارك الله فيكك
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
نواصل معكن رحلة البحث في معالم الإعجاز البلاغي للآية القرآنية :
( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ
وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) 44 هود




حســـــــــــــــن النســــــــــــــق :
يراد بالنسق أن تكون الكلمات المتتالية ذات تلاحم قوي ومحكم وسليم,
بحيث إذا أفردت كل جملة منه قامت بنفسها,
واستقل معناها بلفظها عن الأخرى.
....
إن هذه الآية مثال قوي على تجسيد هذا الفن البلاغي,
فجمل الآية الشريفة جاءت مترادفة بواو النسق,
بترتيب في غاية الجمال,
فالهدف الأسمى هو أن ينطلق أصحاب نوح من السفينة إلى الأرض,
وذلك لا يتحقق إلا بانحسار الماء عن الأرض,
فلذلك تم توجيه النداء إلى الأرض أولا حيث أُمرت بابتلاع الماء,
ثم وجه النداء الثاني إلى السماء بالإقلاع,
ثم تلى ذلك مجيء خبر ( غيض الماء ) حيث انحسار الماء,
وأعقب ذلك بيان ( وقضي الأمر ) والذي يوحي بهلاك القوم العصاة ونجاة القوم المؤمنين,
ثم الإشارة إلى استواء السفينة واستقرارها ليبعث الأمن في أنفس النجاة,
ثم اختتام المشهد بالدعاء على العصاة المكابرين.
....
يوجد تناسق قوي بين هذه الجمل المعطوفة.
لا حظوا أن كل جملة قائمة بذاتها, وبمكن أن تعطي معنى مستقلا منفردة :
" قيل يا أرض ابلعي ماءك "
" يا سماء اقلعي "
" غيض الماء "
" قُضي الأمر "
" استوت على الجودي "
" قيل بعدًا للقوم الظالمين "


❄❄❄
فــــــــــــــــــــــن الإشـــــــــــــــــــــــــارة :
يراد بفن الإشارة دلالة اللفظ القليل على معان كثيرة.
في المقطع القرآني {وَغِيضَ ٱلْمَاء } مثال قوي على فن الإشارة,
فلقد عبر هذا المقطع عن معان كثيرة,
فالماء لا يغيض حتى تكف السماء عن المطر,
وتبلع الأرض ما يخرج منها ..
فينقص ما على وجه الأرض من ماء.


❄❄❄
ولازالت الرحلة مستمرة مع هذه الآية الكريمة ...
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
طابت أوقاتكن :
لانزال في الآية 44 من سورة الكهف :
(وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ المَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ
وَاسْتَوَتْ عَلَى الجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " 44 هود
ونكمل عرض مابها من فنون بلاغية :


:
المقصود من التسهيم هو دلالة الكلام المتقدم على الكلام المتأخر,
أو بالعكس,
و نجد ذلك في هذه الآية حيث أن أول الآية يدل على آخرها.

:
ويراد منه أن تكون الألفاظ حسنة,
وكل لفظة سهلة مخارج الحروف,
بعيدة عن الغرابة والتنافر.
إن كل كلمات هذه الآية ذات تهذيب, فهي ألفاظ جميلة و سهلة النطق,
وذات معان واضحة, فالسامع لا يشكل عليه شيء في استيعاب المعنى المراد.

:
قيل أن ألفاظ هذه الآية الشريفة تسابق معانيها
ومعانيها تسابق ألفاظها,
حيث يوجد انسجام قوي,
وائتلاف محكم بين الألفاظ ودلالتها..
بحيث أنه لا يصلح في موضعها غيرها,
وهذا يدل على حسن اختيار الألفاظ المعبرة عن المعنى المطلوب.
قال " يا أرض " ولم يقل " يا أيتها الأرض "
قصداً إلى الاختصار واحترازا عن تكلف التنبيه المشعر بالغفلة غير المناسبة للمقام.
....
اختير لفظ الأرض والسماء - ولم يتم اختيار الألفاظ الأخرى الدالة عليهما كالمقلة والغبراء وكالمظلة والخضراء - لكونهما أخف وأكثر استعمالا.
....
تأملوا اختيار الكلمة ( ابلعي ) بدلا من ( ابتلعي) رعاية للاختصار, وتحقيقا للتناسق اللفظي بينها وبين الكلمة ( اقلعي ).
....
لم يورد القرآن الكلمة ( غيض ) المشددة بدلا من ( غيض ) رعاية للاختصار.

:
يعتبر رد العجز على الصدر من الفنون البلاغية التي احتوتها هذه الآية الشريفة,
وهو أحد ضروب ( علم البديع ).
....
يراد برد العجز على الصدر" أن تتكرر كلمتان متماثلتان :
إحداهما في صدر الكلام, والأخرى في عجزه
وهذان اللفظان قد يكونان متماثلين لفظا ومعنى,
....
أو بينهما جناس, ثماثل في اللفظ دون المعنى,
...
وقد يجمع بينهما الاشتقاق.
تكرر مجيء الكلمة ( قيل ) في بداية الآية وآخرها.
....
بداية الآية : " وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي "
عجز الآية : " وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ "
من الشواهد القرآنية الأخرى حول هذا الفن :
" وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه " ? الأحزاب : 37
جاءت الكلمة ( تخشي) في أول المقطع القرآني وآخره.
❄❄
ولا زلنا نسبح في جمال بلاغة هذه الآية القرآنية


....