^_^ تومي!
^_^ تومي!
الجزء الأول

الفصل الرابع




إنه الفصل الأخير لقصة الخبير قصي .. مع الجميلة حنان .. التي أحبته بدون وعي منها .. أحبته دون ن تعلم ما كان يخطط له قصي .. ذلك الذي امتلأ بالأسرار .. بل بكل الأسرار .. حتى بات فهمه أمراً أشبه بـأحجية .. يفكر في سمر بينما هو منشغل في إيقاع حنان في شباكه .. بأغرب الطرق والأساليب ..
مع ذلك .. فهو لم يحب سمر ..
تفكير غريب حقاً لإنسان أغرب !

وهاهو قصي قد تملك قلب هذه الفتاة .. بقي بضعة أيام بسيطة .. ثم يعود مرة أخرى .. وعليه أن يتخلص منها .. بكل برودة .. وبلا أي معنى للمشاعر .. بعد أن لاك حياتها بين أصابعه .. بعد أن قام بهضمها وامتصاص رحيق مشاعرها .. بعد أن دخل قلبها بمنتهى القوى .. وغير حتى من طباعها .. في فترة قياسية .. بعد أن وقفت أمامه مسلوبة القوى ..

كيف سيتخلص منها ؟
قد يقول الكثير .. بأن هذا أمر سهل ..
ولكنه في الحقيقة أصعب بكثير من أن يوقعها في شباكه ..
كيف يتخلص منها دون أن تًُبقى عليه ذرة حقد ؟
كيف يتخلص منها وتبقى هي على ذكراه ؟ كأجمل ذكرى .. وأحلاها ؟
كيف يتخلص منها .. ويخرج هو كالشعرة من العجين ؟
كيف يتخلص منها بهذه البساطة ويمضي هو لبيته دون مشاكل تطارده في حياته ؟
كيف ؟

وأنا هنا سأخبركم كيف ..


هاهي حنان .. والفرحة تغمر محياها .. وإن كل الذين عرفوا هذه الفتاة .. رأوها في ذلك اليوم حنان لأول مرة والفرحة تغمر حياتها .. دون أن تحاول أن تخفيها .. بل تخرجها .. وتتعامل معها بكامل الاستمتاع .. بمنتهى النشوة .. لأول مرة رأوها .. والفرحة تكاد تغبطها .. أحسوا بأن الحياة أخيراً قد تدفقت بين شاريين قلبها البارد الذي لم يكن ينبض بأي نوع من المشاعر .. بارد كثلجة جافة .. قاسي ككتلة صماء ..
فجاء قصي .. الخبير .. ليكسر القاعدة ..
ويغيرها في أيام فقط ..

لبست حنان بنطالاً أسوداً يتحول إلى الرمادي الغامق مع انعكاسات الأضواء في بعض الزوايا .. وحزاماً ذهبياً عريضاً .. تزينه نقوش فرساتشي المميزة .. وارتدت قميصاً زهري اللون .. كلون خديها .. من Panan Repaplic .. وفوق كل هذا عباءتها المخصرة التي يلبسها معظم الناس هنا .. والتي في الحقيقة هدف إبراز الجسم أقرب لها من إخفاءه كهدف ..
ووضعت مكياجاً خفيفاً كعادتها .. ولكنها تلك الليلة .. ظهرت متميزة أكثر من أي وقت مضى .. بدت حالمة أكثر .. ولطيفة بأنثوية .. بدت أكثر رقة وخفة ..
وما إن وصلت الساعة الثانية عشرة مساءً إلا وقد خرجت مع سمر التي ما انفكت تغامزها .. وخرج معهن بقية صاحباتها .. وفي الحقيقية لم تكن سمر هي الوحيدة التي نالت من حنان .. بل الكثير من الشبان .. وفي ذلك وجد بقية البنات فرصاً أكبر لاستهتار أكثر ..
قد ربما تكون هذه نظرية .. نفسر بها سبب تجمع الفتيات وتكوين الجماعات ليترأسها الجميلات منهن .. سلوك سخيف غير مقبول في مجتمع يدين بالفضيلة ! ولو لم يتم إصلاح مثل هذه الفئات الساذجة .. فلنقل على بناتنا السلام ..

وصل البنات إلى السفينة .. كانت حنان بينهن قمراً بين النجوم الخافتات .. ولما صعدن إليها .. وجدوه !
ساحراً كعادته .. مبهراً في خطواته .. وأناقته المفرطة .. ورائحة العطر التي تعبق أنفاسك أينما ذهبت ..
كان يقف على طرف السفينة .. يلبس بنطالاً هو الآخر .. ولكنه أبيض اللون .. يجعلك تحس بطوله الفارع ..
وقميص أزرق في غاية الأناقة .. مفتوح الصدر ..
ينظر إلى كل الناس في قوة .. وكأنما لا يخشى الدنيا بأسرها .. شيء من ثقة بالنفس .. مع لمحة من الغرور ..
وكانت ذقنه الخفيفة تعطيه رجولة ومظهراً رائعاً ..

من المفارقات الغريبة أن حنان المسكينة تلبس بنطالاً أسودا .. وأن قصي صاحب القلب الحجري .. يلبس أبيضاً .. وكأن هذه الصورة تضحك لنا في سخرية .. كأنها تقول لنا .. الدنيا عكس ما تراها .. الدنيا تمتليء غدراً .. ومكراً وخبثاً ..
وكان معه نزار .. وكما يروق له في العادة أن يلبس .. "كاجوال" .. بطريقة تناسب شخصيته المضرجة بالحياة ..


بابتسامة مميزة قابلهن .. تقدم الفتيات .. ودخلوا إلى الدور السفلي .. حيث كانت هناك حفلة غناء صغيرة ..
ورجل يغني يفترض فنان " كما يحلو للأمير عبدالرحمن بن مساعد أن يعبر " وفرقة موسيقية .. وجو مليء بدخان النرجيلة .. جو صاخب .. لا يلائم قصياً في عادته .. يفرض طابع الضوضاء .. والحركة .. لتجد بعضاً من البنات .. صارت تهتز لا إراديا مع نغمات الموسيقى دون أن يخجلوا من أنفسهم .. كيف يفعلون هذا والمكان يعج بالرجال؟ ولكن اللوم ما ينبغي أن يقع عليهم .. ولكن على أشباه الرجال الذين تركوهم بهذه البشاعة لقمة سائغة في أعين الجائعين

وجلس الجميع على طاولة واحدة .. ونزار لا ينفك يترك أحدا بتعليقاته الساخرة .. وصارت الفتيات حوله .. بعد أن أدركوا أن حنان قد اختطفت قصي بمنتهى الجدارة والاستحقاق .. ولم يكن في قلب واحدة منهم غصة باستثناء سمر التي رضخت للأمر الواقع .. وفرضت عليها شخصيتها الطيبة أو المنهزمة إن صح التعبير .. أن تفرح لحنان .. ذلك أن البنات كن يدركن .. أن مثل هذا الشاب .. لا يكون في العادة لامرأة عادية .. لابد أن يكون لواحدة مثل حنان ..

أما قصي .. كان يوزع ابتساماته بهدوء رائع على كل الحاضرين ويشارك في الكلام بكل أناقة .. ولكن الذي يدقق قليلاً كان يلاحظ أنه كان ينظر كل لحظة وأخرى في حنان .. كان يرسل لها من نظراته كل سحر .. كان يقول لها في كل نظر أحبك .. أحبك .. وهي التي كانت تحاول بفشل في معظم الأحيان .. أن تخفي انتباهها باستماعها إلى الغناء .. قد أحست هذه المسكينة أن الحياة فتحت لها أبوابها أخيراً بعد جحيم المعاناة ..

وبعد نصف ساعة قال قصي لحنان .. هل تودين أن تشاهدي السفينة وهي تسير في الماء ؟
قالت حنان وتصنع الثقل في شخصيتها لا زال يأخذ حيزه : ولم لا ؟
وصعدا إلى ظهر السفينة .. هو قال : أخيراً .. أخيراً استطعت أن أكلمك وحدك ..
نظرت فيه بخجل لم تعتده حنان في حياتها ..
أحست حنان أن الحب يبيح أن نعطي للناس الذين نحبهم كل شيء .. نعطيهم بكل الحب .. دون أن نفكر .. أحست حنان أن حبيبها هذا هو الإنسان التي تستطيع أن تثق فيه دون أن تفكر .. أن تعطيه كل شيء في حياتها .. صحيح أن هناك أمور لا يستطيع قصي الاقتراب منها .. شرفها وعفافها .. ولكنها كانت واهمة حين ظنت أن هذا هو الأمر الخطير فقط .. فقلب الفتاة خطير جداً .. بل إنه السبيل والمفتاح لكسر كل الحواجز بلا استثناء .. وذلك ما يتشدق به الفتيات دون أن يعين بحق أنهن مخطئات :
يقولون بأننا نستطيع أن نتحكم في علاقاتنا .. يقولون .. أننا في اللحظات الحاسمة .. وحتى قبلها نستطيع أن نقول لا .. يقولون أننا سمعنا من خلفائنا الكثير من القصص واعتبرنا .. يقولون أننا نستطيع أن نحس بمن يكذب .. وبمن يقول الصدق ..
لكنهم لم يدركوا .. أن العلاقات العاطفية .. لا تحكمها قواعد العقل .. لا تحكمها سوى الأهواء .. لا يحكمها إلا من يلعب على هذه الأوتار .. بخبث كان أو صدق .. تحركه رغبة حيوانية دفينة .. أو حتى رغبة إنسانية ملحة .. كلها سواء .. وتؤدي إلى النتيجة نفسها ..
لا يدركن أنهم مهما كن قويات .. لن يستطعن إمساك الخيوط في أيديهن .. لا يدركن أنهن تحت تأثيرات عدة .. سيكون التنازل عن بعض القيم .. هدفاً للوصول إلى قيم أعلى ..
المشكلة أنهن يعرفن أن كتب في هذه الأسطر هو الحق .. ولكنهن لا يعين ولا يدركن ذلك ! وفرق بين المعرفة .. وبين الوعي والإدراك !

جلس معها قصي ساعة كاملة .. وحنان لا تحس بالوقت .. أخبرها عن نفسه وعن حياته .. وبالطبع كان كلاماً فارغاً تعتريه الصحة الظاهرة
كذب .. بكل قلب راضي عن طباعه .. وعن حياته .. وآراءه في الحياة ..
نعم حياة الصادقة بين الأولاد والبنات مليئة بالكذب الذي لا يغتفر ..
وإن كنت أنت صادقاً .. فلا عجب أن يكون الطرف الآخر كاذباً ..

حنان جلست تستمع في شغف ..
لم تحس بالوقت ولا المكان .. ولا شيء .. فقط هي وهو ..

لم تحس حنان وقصي يسحب من بين شفتيها الكلام .. راح يسطر في حياته أحداثاً .. تتكئ على جراحها .. وتوجع قلبها .. لتقول بكل الألم .. أن مثل هذا حدث لها بطريقة أخرى .. وراح الكلام يتحول من قصي .. إلى حنان .. والحديث ينتقل من موضوع إلى آخر ..
إنه فن حديث .. يعرف أسراره الحاذقين .. الذي يجعلونك ودون أن تحس .. تسرد عليهم حياتك .. بل وتفضي إليهم ببعض أسرارها .. وتبين لهم ما لا تخبر أقرب الناس قرباً لك ..
صحيح أن حنان لم تخبره بأسرار عظام .. صحيح أنها كانت تتحفظ في الكلام .. لكن قصي .. ما كان يريد أن يعرف سراً معيناً .. كان يريدها أن تتكلم .. كان يريدها أن تخبره بأحاسيسها .. بأن تضع له خارطة لقلبها .. فالوصول إلى أي امرأة لن يكون إلا عن طريق مشاعرها .. وإثارتها .. وخربطة هذه المشاعر .. وإيجاد المنافذ نحو الأبواب المغلقة ..

وبعد انتهاء الرحلة .. حطت السفينة رحالها على الشاطيء .. وقابل قصي وحنان بقية المجموعة .. صرخت عهود مازحة : أين كنتم .. لقد اعتقدنا أنكم ضعتم !
قال لها قصي مبتسماً : ومن لا يضيع وهو مع حنان .. أحست سمر ان سهماً نارياً اخترق قلبها وعبر إلى الجهة الأخرى ..
ولكن نزار قال : الله .. الله .. قصي بدأ في نسج الأشعار .. ابتسمت حنان في خجل واضح .. ونزلوا سوية ..

وما إن وصلوا إلى الكبينة .. حتى قال لها قصي أمام الكل : أتسمح أميرة الكون .. أن تتمشى معي ..
احمرت خدود الفتيات من هذا الغزل الصريح .. الذي لم يعتادوه كل لحظة من شخص كان أمامهم مثل الجبل الأشم .. إلا أن حنان قامت لتمشي بجواره بسرعة لتنهي إحراجها الذي كان بلا حدود .. وعندما مشيا قليلاً قالت له : ألا تكف عن كلامك هذا إمام الناس ؟ إن هذا يحرجني .. أرجوك .. لا تقل هكذا ..
قال لها في بساطة : وما العيب أن أقول لك أمامهم بأني أحبك ؟
توقفت حنان وعلت على قسماتها ملامح هي مزيج من الخجل ومن الدهشة وقالت وهي تجمع الخصلات الشقراء النازلة على جبهتها لتضعها تحت الطرحة الوردية : أأنت مجنون ؟
في أحيان يتمنى الواحد منا .. أن يقوم الآخرون بعمل مجنون من أجلنا .. رغم الخجل الذي سوف يعترينا .. رغم الإحراج الذي سوف يملأنا .. رغم أننا نحارب ونقاتل كي لا يفعلوا مثل هذا الجنون .. إلا أننا أحياناً .. نحب أن نتميز عن الناس .. وأن نفرح بهذا التميز .. وكذلك كانت حنان .. كانت تود أن يحسدها الناس عليه .. ولكن كثير من الرغبات تبقى في داخلنا ..
فقال : لا .. سوف أذهب وأخبرهم ..
أما هي فأخذت تضحك وهي تقف أمامه حائلاً من العودة قائلة : لا أرجوك كفاك إحراجاً ..
وهو بعبث طفولي يحاول أن يناور حتى تبتعد عنه وهو يرفض وهي تتراجع شيئاً فشيئاً ..
فقالت : أرجوك لا تفعل .. هذا رجاءي ..
فهدأت حركته وتطلع في عينيها برهة وقال : رجاء ؟أنت يا سيدتي لا ترتجين .. أنت تأمرين ..
لم تعرف حنان ماذا تقول .. ليس من عادة الكثيرين .. أن يعاملوا معاملة الملوك .. ليس من العادة .. أن يعاملوا بمثل هذا القدر من الخضوع والامتثال للرغبات .. حتى وإن كانت تظاهراً .. وكان هذا ما يعجبها كثيراً ويرضي الكثير من غرورها ..
.. قال لها : حنان : إن حبيبتي أعطيها الدنيا بما فيها .. أعطيها ما يمكن أن يعطيه إنسان لأحد في الدنيا ..
فابتسمت وقالت : ومن قال لك أني أريد شيئاً ..
قال : بلى تريدين .. تريدين قلبي .. أليس كذلك ؟
قالت بخفوت : بلى ..

ومضى ما بعد منتصف الليل بأكمله .. وطلع النهار .. وعند أذان الفجر .. قال لها .. سأذهب لأصلي .. فطالعت فيه بدهشة .. وقالت : ما شاء الله تحافظ على صلاتك ..
هنا تكلم قصي بجدية حقيقية .. يعرفها من يعرف قصي بحق .. وقال : كل شيء في هذه الحياة وارد إلا أن أترك الصلاة .. ذلك درس تعلمته في حياتي .. ولن أرضى أن أتنازل عنه بشيء أبداً ..
ولمن شاء أن يصدق فليصدق .. فقصي هذا الكائن العجيب .. مستعد لأن يترك الدنيا كلها من أجل الصلاة .. ربما هي ازدواجية التفكير لديه .. ربما هي أصول التربية عليها .. ربما هي قناعاته الغريبة ..
وليس من العجيب أن يجمع هذا الإنسان الشر والخير بأقصى حدودهما .. تستطيع أن تقول أنه أمر وضعه في أولوياته .. ونصب له مكاناً خاصاً يتعدى أي مكانة ..
والحق يقال :الصلاة .. ليست أبداً سبباً كافيا أن نتخذ هذا الشخص حبيباً .. وأن نثق بأمانته وصدقه .. ذلك أن زمرة من البشر .. لا ينالها من الصلاة .. إلا الحركات .. ذلك .. أنهم يصلون .. وفي الصلاة يفكرون كيف يعصون الله .. ولكن وللأمانة .. إنهم .. أفضل من كثير من أمة بني الإسلام .. لا يصلون .. وإن كانوا ليسوا بشياطين يخدعون الناس مثل قصي ..

وبعد صلاة أداها مع نزار .. عاد إلى حنان .. وكأنه ما كان يصلي قبل قليل .. وكأن هذه المعصية .. صارت من صميم العادة .. لا تجعل الصلاة فيها حرقة في القلب .. خصوصاً إن كان القلب ميتاً ..

وجلس معها جلسة لا تحلم بها أي بنت في الدنيا .. بين الكلام العذب والمشاعر الحلوة .. بين أحضان الأمان التي كانت تفتقده حقاً .. لم يحاول أن يقوم بأي أمر سيء معها .. لم يحاول أن يلمس يديها حتى .. لأنه كان يريد أن تحس معه بالطمأنينة .. وللدقة أكثر .. ليس قصي ممن يسعون وراء هذه الأمور ..

ولما جاءت الساعة السابعة صباحاً كانت حنان قد عاشت ربما أحلى ساعات حياتها .. عاشت مع قصي .. مع رجل يعرف كيف يعامل الأنثى .. يعرف كيف يجعلها تحس بالسعادة .. بالراحة .. بالحنان .. بالدفء .. بما لا تشعر به عادة .. وهي وحيدة .. وأصداء الحرمان تتلوى في مخابز أحلامها .. وقصي الذي رسم لها الحياة .. غير الحياة التي كانت ستمضيها ..
ثم أوصلها إلى الكبينة .. وودعها بأجمل ابتسامة ..


وفي اليوم التالي .. وعند المغرب ..
استيقظت حنان والسعادة تغمرها .. كانت تحس بصداع خفيف .. من نومها الثقيل وسهرها البارحة التي لم تألفه كثيراً .. ولكنها لم تكن تهتم .. كانت تحس بالبهجة .. وهذا يكفي .. من كان يظن أنها هذه المرة ستلتقي بفارس أحلامها ؟! من كان يظن أنها ستقابل شاباً يصنع لحياتها آفاقاً ما فكرت في وصولها يوماً ؟!
كانت كأن الطيور غنت لها أحلى معزوفة .. والبسمة في محياها صارت ما تبارحها .. وأزهار الدنيا تفرش لها الأرض وتقبل قدميها .. والفجر راح يهمس لها .. بأن العالم كله يشرق من أجلك ..

خرجت وقابلت قصي مرة أخرى .. الذي كان ينتظرها .. وكأنها اليوم صارت تحبه أكثر من قبل .. والراحة التي تملأها أكثر من ذي قبل .. وصارت حياتها .. ومستقبلها .. كله صورة واحدة كبيرة .. قصي .. ذلك الخبير ..

وبعد العشاء قال لها قصي : سأذهب لأصلي وسأعود بعدها ..
وجلست حنان تنتظر .. ومضى الساعات .. وجاءت الساعة العاشرة .. ثم الحادية عشرة .. وراح القلق على قصي يأخذ أبعاداً جديدة .. اتصلت حنان على نزار .. ولكنه لم يكن يعرف شيئاً .. أخذت منه رقم جوال قصي .. ولكنه قصي لا يرد على جواله حتى ..
انتصف الليل وحنان تكاد تجن ..
وفي النهاية وعند الواحدة والنصف .. جاء ..

جاء وجلب معه النهاية القاسية .. جاء .. وحمل لها ما لا يستطيع أن تحتمل حنان ..

كانت حنان تجلس أمام كبينتها .. تنتظر .. وهي تعبث بجوالها .. وهي لا تعرف كيف تتصرف .. كانت تطالع هنا وهناك .. علها تلمحه .. وأخيراً .. رأته .. كان يمشي بهدوء .. وعينيه على الأرض .. في تفكير عميق .. مقطب الحاجبين .. نهضت .. وراحت تمشي في خطوات واسعة .. والقلق يدب فيها قلبها الرعب .. وعندما اقتربت منه قالت : أين كنت ؟
حدق فيها لثوان .. والصمت كألف قنبلة .. ثم أخذ نفساً طويلا وقال لها : حنان يجب أن نتحدث ..
لم ترد حنان ولكنها تبعته حتى كرسي خشبي قريب ..
ولما جلساً سوية ..
نظر إلى البحر .. والرياح تأخذ شعره يمنة ويسرة .. وهي تنتظر ما يقول .. وكأنما يخرج الكلمات من جوفه .. تلك هي الطريقة الكلاسيكية في تلاوة الأحداث البشعة .. وقال : حنان .. يجب ألا نرى بعضنا مرة أخرى ..
حنان ذهلت .. ولم تعرف بم ترد .. وأحست بمن يسكب عليها الماء البارد .. بل الماء المثلج .. ما الذي يقوله هذا المخبول ؟! أين كلماته بالأمس ؟ أين الأحلام ؟
ولكنه تابع : هذا أفضل لي ولك ..
حنان أحست أن غصة تملأ كيانها وأنها لا تعرف بم ترد .. وأن اشتعالاً قد بدأ لتوه في صدرها .. وراح يكبر بسرعة فياضة ..
ولكنها قالت بهدوء وبرود استطاعت أن تستجلبه من طبع عاشت به لسنوات : ما الأمر ؟
قال لها وهو يصرخ : لا داعي لكل هذا الأمر .. انتهى كل شيء .. وأنا سأغادر غداً ..
وكأن صراخ قصي .. كان الشعلة التي أشعلت مخازن البارود لدى حنان .. وبدأت تصرخ : تباً لك .. ما الذي تفعله بي ؟ ماذا تريد مني هاه ؟تقول لي أحبك .. ثم تأتي بكل بساطة .. وتقول لي نترك بعضنا ..
تجاهلها وهو يمشي دون أن يلتفت لها وقال: هذا هو الأفضل لكلينا ..
قالت : أنت .. وغد .. أنت سافل .. ووضيع .. أنت لا تساوي حتى بصقة أتفلها علـ ..
لم تكمل هذه العبارة ..
لأن يد قصي امتدت بقوة .. لترتطم بخد حنان .. مدوية بصوت الصفعة المألوف ..

وقفت حنان وهي عاجزة عن الحركة .. وقفت وعيناها مفتوحة من الألم .. وانحلت طرحتها لتظهر بعض الخصلات الشقراء على وجهها .. وهي تمسك خدها ..
لم يسبق أن صفعها أحد من قبل .. لم يسبق أبداً .. أن امتدت يد لتؤدبها على حتى أخطائها ..
أما قصي تجمد لوهلة .. وكأنه مصدوم مما فعل .. وكأنما بقول كيف فعلت هذا ؟
ثم تركها وذهب .. دون أن يقول كلمة إضافية ..
ولم تمضى ثوانٍ .. حتى راحت الدموع رغماً عن حنان .. تمتليء في عيني حنان .. لتبكي .. بحرقة .. لتبكي .. بقوة .. بانفعال .. مسكينة هذه البنت .. لقد قلب لها كيانها في أيام معدودات .. ما بين حب وكره .. ما بين تمسك ورفض ..
لم تعرف حنان ما تفعل إلا أن ترجع كبينتها .. وآثار الكف مازال عالقاً في خدها بمعناه .. رغم أن أثره الظاهري قد زال .. وعندما لاقت السرير .. رمت بنفسها عليه .. وراحت تبكي في ألم .. ونامت ودمعتها على وسادتها لم تجف .. واشتعالات في الحلق .. لا تكفي بحار الأرض لإطفائها .. ولكن آلامها كانت تحتاج إلى تضميد .. كانت تحتاج إلى أن تبكي .. وفترة حتى تلعق جراح لبوة جريحة ..




أصوات العصافير .. تتخل مسامعها .. وصوت البحر في تردده المشهور .. يعلو ويخبو رويدا .. فتحت حنان عينيها في إرهاق وتعب .. لمحت خيالاً ولكنها لم تتبينه .. وبعد أن ضاقت حدقة عينيها كانت سمر في وجهها ..
والقلق البالغ على عينيها ..
وقالت : حنان .. أنت مستيقظة ؟
غطت حنان وجهها بالفراش .. وهي تقول : دعيني أنام .. إني مرهقة ..
لكن سمر قالت بتوتر : حنان .. نزار يريد التحدث معك في موضوع مهم للغاية ..
رفعت حنان الفراش .. وبكل القوة اندفعت نحو سمر وقالت بتوحش : ماذا يريد هذا هو واصحبه اللعين ..
ويبدو أن سمر كانت تتوقع تصرف حنان .. فقالت في قلق : الموضوع ضروري جداً يا حنان .. أرجوك ..
توقفت حنان وصارت نظراتها أكثر قسوة وهي تقول في كبرياء قالت : من يريد التحدث معي فليأتيني ..
قالت سمر : إنه ينتظر عنه الباب منذ وقت طويل ..
فحدجتها بنظرة قاسية .. وراحت لترتدي عباءتها .. فما زالت نائمة منذ البارحة بملابسها ..

خرجت من الكبينة .. والشرر يتطاير من عينيها .. كان قصي واقفاً في حديقة الكبينة الصغيرة .. كان بادي القلق .. وعندما رأته .. قالت له ببرود : خيراً ؟
توقف نزار قليلاً وقال : حنان .. الموضوع جدي .. لابد أن أخبرك بالموضوع كاملاً ..
نظرت له في غضب .. ثم قالت : قل ما تريد ..
قال لها : قصي هذا .. قصي يحبك وليس الموضوع افتراء ..
قالت والكلمات تتفجر من فمها : دعني أره .. سوف أقتله أتفهم ..
قال لها وهو يحاول أن يتكلم : حنان .. أنت لا تفهمين .. سأخبرك ولكن أرجوك دعيني أتكلم ..
قالت باشمئزاز : تتكلم لتقول ماذا؟ لتقول كم صاحبك خسيس .. يحب أن يعبث بمشاعر البنات .. بكل استهتار ..
قاطعها نزار بصوت عالي : حنان .. قصي كان يحب فتاة أخرى ..
توقفت حنان عن الكلام وكأنما تريد أن تستوعب ما يقوله نزار الذي تابع : كان يحبها بجنون .. قصي كان يحبها .. وهذه الفتاة كانت تملأ حياته كلها .. والمشكلة أنها كانت ..

" المشكلة أنها كانت نسخة منك تمامً يا حنان"
كانت هذه هي الجملة التي أكمل بها قصي جملة نزار .. وهو يسير ببطء .. وعينيه الثاقبة تطالع في حنان بشيء من الحزن .. بدأت حنان ليحل في ملامحها التساؤل .. والشك .. والاستغراب والفضول .. بدلا من الغضب ..
أما نزار فقد آثر الانسحاب .. هو وسمر ..
وقصي لازال يكمل : كانت تشبهك يا حنان .. جلست أكثر من 3 سنوات .. وأنا لا أرضى بأن أتكلم مع فتاة ..
إلى أن رأيتك لم أصدق .. سألت عنك .. فقالوا لي بأنك لست .. منى ..
صمتت حنان .. وهي تعقد يدها أمام صدرها .. ولازالت تنظر في شك ..
ثم راح يتطلع في السماء وهو يقول : آه يا منى .. منى ..
ثم نظر فيها وقال : قبل ثلاث سنوات .. تزوجت رغماً عنها .. تزوجت رغماً عنها .. وأنا .. مت .. تزوجت .. في ليلة رقصت فيها الشياطين .. وذبحت عذريتها قرباناً لشيطان أبيها النجس ..
ثم نظر في حنان .. وقال : لا يمكن أن تكوني إلا منى .. لولا أني تحدثت إليك .. لما صدقت أنك لست بمنى .. لولا أنني ما أمضيت معك هذين اليومين .. لقلت أنك منى ..
ليتني أستطيع أن أراها الآن .. تباً لأبيها الحقير تباً ..
وراح يقبض على يده في حقد ويلكم الهواء .. وصار وجهه أحمراً من الانفعال ..
ثم نظر إلى حنان وقال : قررت أن أنساها .. لقد قلت لها آخر مرة نفس ما قلت لك .. يجب أن نفترق ..
كان ذلك في صالحها .. لم أردها أن تتذكرني .. وقد تزوجت برجل آخر .. لم أردها إلا أن تفكر في سعادتها .. في حياتها .. علاقتها بي قد انتهت .. ماذا أستطيع أن أفعل أكثر من هذا ؟
فقالت حنان : وأنا ما دوري في هذا كله ؟ لم أقحمتني ؟
قال بحرقة : أحسست أني أخونك .. أحسست أني أراك فيها .. أحسست أنك هي منى .. أحسست أني أظلمك .. هل تستطيعين أن تعرفي الشعور الذي ينتابك .. وأنت تحبين إنساناً لأنك ترين فيه شخصاً آخر .. هل تعرفين الألم الذي يعيش في داخلك .. بين صراع .. ترى أيكما أحب ؟ صرت لا أعرف .. أأحب منى في شكلك .. أم أحب حنان في شخصيتك .. صارت الخيالات تروح وتجيء .. على ذكريات لم أعشها معك .. على حياة ما كان لك فيها إلا الشكل .. هل تستطيعين أن تفعلي ذلك ؟
وفي النهاية لم أستطع .. لم أستطع أن أتوقف عن التفكير .. كيف لي أن أكون أنانياً بهذه الطريقة ؟ قد أستطيع يا حنان أن أحرق قلبي مرتين .. ولكني لا أستطيع أن أحرق قلب فتاة مثلك طيبة .. ما ذنبك أنك .. لتعيشي دور المظلومة ؟ ما ذنبك أنك أن تعيشي حياة إنسانة أخرى وتمثلي دورها في حياتي ؟ ما دورك أن أجعلك ممثلة في حياتي ؟ ما ذنب فتاة .. فتاة لم أرى لها مثيلاً في حياتي .. فتاة يتمنى تراب رجليها كل إنسان ..

أما حنان بدأت دموعها في النزول قطرة قطرة .. وهي لاتزال عاقدة ساعديها أمام صدرها ..
قصي كان التأثر في عينيه جلياً .. وهو يتكلم .. وقال : سأظل طوال حياتي أنقم على تلك الصفعة .. لن أسامح نفسي أبداً ..
حنان أستطيع أن أمضي حياتي كلها دونك .. على ألا أخونك ..
أستطيع أن أصفعك على ألا أخونك ..
كل شيء إلا الخيانة حنان .. كل شيء إلا الخيانة ..
حنان إني أتمنى لك شخصاً أفضل مني .. أتمنى شخصاً يعطيك الدنيا بمن فيها ..
لست أعرف ما أقول .. ولكني حاولت خلال هذه الفترة وعجزت .. حاولت أن أحبك أنت دون أن أتذكرها .. وما قدرت ..
سامحيني يا حنان .. سامحيني ..
لربما اليوم أرحل .. ولن تذكري بعدها شخصاً اسمه قصي ..
لن تذكري شخصاً نقشك بين أضلعه هنا .. نقشك بين جدران حياته ..
شخص أحبك من قلبه .. بدون أي إضافات ..
تأكدي أني سأدعي لك من كل قلبي أن يحفظك الله .. أن يحميك ويحرسك ..
أما أنا سأسير مكسور القلب .. وسأعود من جديد .. لحياتي التعسة ..
أعود لأبث آلاتي الموسيقية مشاعري الحزينة .. خسرتكما ..
خسرتها .. وعدت مرة أخرى لأخسرك ..
سامحيني يا حنان .. أرجوك سامحيني ..
أتمنى أن تبقيني ولو هامشاً على باب حياتك .. مجرد قصاصة منسية .. مجرد اسم في الذاكرة .. مجرد ورقة صغيرة مكتوب عليها قصي ..

وهنا لم تحتمل حنان وراحت دموعها تنزل .. ولكنها تمالكت نفسها هذه المرة .. وهي تضم شقتيها وهي تحاول كتم نحيبها .. وشهقاتها .. وقالت والدموع تقطع كلماتها : الله يسامحك يا قصي .. ليس من أجلك .. وإنما من أجل منى ..
قال لها وعينيه تضيق من الحزن : كنت أتمنى أن أسمع كلمة واحدة مذ جئت إلى هنا .. وإن لم أحصل عليها .. فلك الحق فيها .. لك فيها كل الحق .. منذ أتيت يا حنان وأنا أتمنى أن أسمع منك كلمة أحبك .. حتى في هذه اليومين .. لم أستطع أن أسمعها منك .. ولكني الآن .. لن أستطيع أن آخذها منك .. فهناك من يستحقها بالتأكيد ..
هنا راحت حنان تبكي .. لم تحتمل .. ولم تقاوم ..
وقصي يقول :أراك على خير يا أعز مخلوقة على وجه الأرض .. أراك على خير يا من أحببت .. أراك على خير يا حنان ..
وراح يمشي في حزن .. كسير الخطوات .. وقبل أن يمضي بضع خطوات .. قالت حنان : أحبك ..
نظر لها .. وعض على شفتيه .. وكانت هي في حالة يرثى لها .. نظرت بعينين كلها دموع ..
فقال : هذه أجمل كلمة سمعتها في حياتي .. شكراً لك يا حنان .. لن أنسى لك هذه الكلمات في حياتي .. لن أنساها .. سأختفي من حياتك .. أتمنى أن يحالفني الحظ كي أنساك لتعيشي حياتك أفضل وأحلى .. أتمنى أن رجلاً آخر يعطيك ما فشلت أن أعطيك إياه .. حباً صادقاً من القلب .. إلى اللقاء يا حنان .. لن أنساك أبداً تذكري هذا .. لن أنساك يا من أحببت ..

ثم استدار قصي .. وراح يمشي من هناك مبتعداً .. ودخلت حنان إلى كبينتها .. وراحت دموعها هذه المرة تنساب بلا هوادة .. بلا توقف .. و بقيت بعد هذه الكلمات يومين لا تبارح السرير ..


أما قصي .. انتهى من قصته هذه .. قصة مثلها .. مثل غيرها من القصص .. قد تكون هذه الكلمات .. قاسية .. ولكناه حقيقة .. كان خبيراً قاسياً .. إلى أبعد الحدود .. ومن قال أن هؤلاء الشباب الذين يتعرفون ليسوا بأكثر لؤماً .. على الأقل هو كان ما يسعى إلى رذيلة .. ولكنه كان بلا قلب .. في هذه القصة الرهيبة التي اخترعها .. في حياكة أكثر الوجوه صدقاً .. في كذبه بقلب بارد .. ترك حنان وهي تحبه .. لا تكرهه .. وأنهى علاقته دون أي خسارة ..
وقد يكون من العبث أن نقول أنه كان يتألم .. ولكنه كان كذلك بالفعل .. ربما هذا سيظهر في الفصول القادمة بوضوح أكبر ..


هذه نهاية الجزء الأول من الخبير ..
الخبير الذي يعرف كيف ينفذ بكل براعة .. الخبير الغامض .. الذي يخفي وراءه جبلاً من الأسرار ..



^_^ تومي!
^_^ تومي!
الجزء الثاني

الفصل الأول

(ثلاثية قصي النسائية)







في هذا الجزء أحكي لكم أيها السادة .. عن الخبير قصي .. خبير البنات .. الذي يخدع الجميع بكل ذكاء وكل حنكة ومهارة ..
وفي هذا الجزء أحكي لكم عن العلاقات الثلاثة التي قام بها قصي وفي وقت واحد
مع ثلاث بنات ..
روان ..
نوف ..
رناد ..
ثلاث شخصيات قام قصي بالتعرف عليهن تقريباً في وقت واحد .. والأدهي ما سوف أقصه الآن في هذه العلاقة الثلاثية العجيبة .. وأعدكم أنكم سترون منه ما يثير الدهشة حقاً .. فقط تابعوا ما سأكتب .. لتدركوا أن الخبير قد جاء ..



ها هو قصي يدخل غرفته ويضيء الأنوار .. إنها ملحق معزول كل الانعزال عن بقية الفيلا الكبيرة التي يعيش بها والداه .. وكأنما هي فيلا أصغر ..

أبوه تاجر أقمشة مشهور جداً .. واسمه معروف على كل لسان .. إنه السيد" مناف الحديدي" .. تاجر مرموق .. له سمعة كبيرة .. وهو وكيل شركات كثيرة لماركات عالمية في السوق ..حتى إنه لمن الغريب أن يكون هناك سوق لا يحوي إحدى محلاته ..


أما والدته .. فهي مديرة لمدرسة الشروق .. وهي مدرسة أهلية .. ملك لوالده .. وأحبت هذا العمل لتقضي على وقت فراغها .. وإن كانت حقيقية لا تهتم كثيراًَ لمثل هذه الأمور .. وربما قام السيد مناف بهذا العمل حتى يشغل أسيل والدة قصي ..

وقصي يعيش حياته وحده فقط .. إلا أنه يحب الوحدة .. جداً .. ولا يحب أن يعبث فيها أحد أبداً .. ربما بسبب هذا الجفاف الأسري .. فأبو قصي مشغول دوماً في تجارته التي تتسع في كل يوم أكثر .. ووالدته .. التي أوجدت لنفسها ما يشغلها .. وبذلك تعود قصي على هذه النوعية من الحياة وتأقلم معها بطريقة تعارض كل ما يغير هذا السكون الذي يعيش فيه .. والمسار الواضح لنمط حياته الرتيب .. والتي يحاول أن يضيف عليها بعض الملامح والخطوط .. بتعرفه على البنات ..
وعلى رغم أنه الولد الوحيد لهما .. إلا أن هذا لم يكن يعني الكثير .. لحياة رجل وامرأة .. ظنا .. أن العمل هو أهم شيء في الحياة .. وقدساه على ثقافة الروح والإحساس والمشاعر ..
صحيح أنه يجلس معهما .. ويأكل معهما .. ويجلس مع والدته أحياناً .. وأنه يذهب مع أبيه إلى بعض جلسات العمل .. بل أحيانا كان أبوه يصر على اصطحابه إلى خارج البلاد لإتمام بعض الصفقات ..
إلا أنهما كانا في السواد الأعظم منشغلين بالأعمال .. وهو تعود على ذلك .. أما علاقته الأسرية .. فمحصورة في حدود ضيقة .. ساهم بذلك الفرق الاقتصادي الكبير للسيد مناف وبقية أقاربه ..


دخل قصي الملحق الذي يتكون من غرفة وصالة وحمام .. وفتح الأنوار ..
صالة مهيبة بحق .. تلك المصابيح الصفراء الأنيقة في سقف الغرفة .. التي تلقي بظلال محدبة .. ترسم قطعاً ناقصاً لمن يعشق الرؤية بمنظار رياضي ..
والستائر السوداء الثقيلة .. والأرضية الرخامية بمربعاتها البيضاء والسوداء .. وربما قد يكفي .. أن تضع بعض أحجار الشطرنج لتكون رقعة مناسبة للغاية لهذه اللعبة ..
وفي وسط الصالة نافورة صغيرة وأسدها المتجهم يخرج من فمه الماء ..لها خرير مميز .. وصدى يجعل المكان أشبه ببهو فندق ..
وفي أركان الغرفة .. توجد سماعات ضخمة .. ليستمع فيها قصي للموسيقى التي يعشقها .. وفي الركن الغربي هناك وقف البيانو بكآبته المعهودة .. والذي كتبت عليه بعض النقوش بالإيطالية .. وفي الركن المقابل .. كان دولاب كبير أسود اللون .. يرسو كجبل أشم ..
كل شيء هنا يوحي بالأناقة والفخامة .. كل شيء يوحي بالسكون والغموض .. كل شيء يعبر عن شخصية قصي بمنتهى الدقة ..
وفي الوسط مكتب ضخم أنيق .. تراصت عليه كتب علم الصيدلة .. وهو القسم الذي يدرس به قصي .. إنه في السنة الثانية الآن .. إنه ذلك النوع من الطلاب الذي لا يبذل جهداً كبيراً .. إنه يعرف كيف يذاكر ما هو مهم وما هو غير مهم .. يعرف من أين تؤكل الكتف حقاً .. ذلك النوع من الطلاب الذي يلهو طوال السنة .. ثم وقبل الاختبارات بشهر .. يعتكف في البيت .. ويذاكر .. ويشحذ كل طاقاته .. لتجده في النهاية في قائمة الناجحين .. صحيح أنه ليس من الأوائل .. ولكنه لا يهتم حقاً ..
وقد تستغربون لو قلنا لكم أن قصي كان يريد أن يتخصص في الإعلام .. أو السياسة ..ولكنه لما كان يدرك أنها تخصصات ليس لها مجال عمل واسع .. ولا يحققان له تطلعاته في الحياة في العيش معتمداً على نفسه .. لذلك قرر أن يدخل إلى قسم الصيدلة .. قسم هادئ جداً .. لا يتعرف فيه على أحد .. ولا يزعجه الناس .. إنه يحب الوحدة أكثر مما يتخيل أي شخص .. وبكلمة أصح .. تعود عليها أكثر مما يتخيل أي شخص ..


دخل غرفة نومه .. نفس الفخامة التي تملأ الصالة .. وإن كان فيها نوع من الحميمة .. وفي الوسط سرير كبير .. عليه الملاءات السوداء .. والمخادع الذهبية .. ودولاب كبير له زجاج شبه معتم في الجدار .. والإضاءة الصفراء .. والمكيف المركزي البارد .. يجعل المكان مجدداً غرفة فندقية من طراز رفيع ..
خلع ثيابه .. وارتدى ملابس ملائمة للمنزل .. ورجع إلى الصالة ..

وفتح الدولاب الأسود بمفتاح كان موجوداً في سلسلة مفاتيحه .. ومن داخله .. بدت أشياء غريبة للغاية .. العطور على ألوانها وأشكالها .. ساعات فخمة في علبها الجلدية .. وهدايا مغلفة .. لم يفتح تغليفها بعد .. وألبومات صور .. ودببة .. وقلوب حمراء .. وظروف لرسائل ملونة ..
وفي الرف العلوي ..
كانت هناك علبة من القطيفة السوداء .. وبشيء أقرب للرهبة منه للحذر .. فتح قصي العلبة .. وراح ينظر فيها لثوان .. إلى الخاتم البلاتيني اللامع .. ثم لبسه في بنصره .. وجلس على البيانو .. وبدأ بالعزف .. إنه يعزف أغنية مشهورة جداً .. اسمها .. أنا وليلى .. لكاظم الساهر .. وجلس يعزف وهو لا يكاد يشعر بالدنيا من حوله .. وراح يتذكر الكلمات المصاحبة للحن"ماتت بمحراب عينيك ابتهالاتي .. واستسلمت لرياح اليأس راياتي .. وتابع .. وجنون مطبق .. أصابعه تكاد تكسر أصابع البيانو .. حتى وصل إلى المقطع .. "فراشة جئت ألقي كحل أجنحتي .. لديك فاحترقت ظلماً جناحاتي " ..
حتى أحس بالدموع تملأ سطح جفنه .. فضرب على أصابع البيانو في عنف .. وتوقف .. وبدأ في اللهاث .. وقطرات العرق تتصبب من جبينه .. لم يسمح بأن تذرف عيناه دمعة .. منذ ذاك اليوم .. ذاك اليوم الكئيب ..
وهنا .. لمعت عيناه في قوة .. وذهب إلى غرفة ملابسه .. وارتدى ثوباً أنيقاً مطرزاً .. مصنوع من قماش أصفر فاخر جداً .. ونزع الختم من يده .. ووضعه بكل احترام بالغ في علبته الأخاذة وركب سيارته اللكزس الفاخرة .. وخرج بها ..
سار بالسيارة .. وراح يشق بها شوارع المدينة .. ليصل إلى شارع صاري .. ووصل إلى مكتبة جرير .. ذات الطابقين بتصميمها الأنيق .. أوقف سيارته ونزل منها ..
متململاً في مشيته ..
ساخراً في ضحكته ..
كأنما الدنيا لا تعنيه ..
وسكسوكة لطيفة تزيده جمالاً ..وشعره على اليسار في استهتار ..

دخل المكتبة ... ونظر بعينيه إلى الناس التي اكتظت هنا .. وبدأ يلف بعينيه .. رمق بعض نظرات الإعجاب .. ولكنه كان يبحث عن شيء مميز .. كان يبحث عن هدف معين .. جمال معين .. وطابع من الناس يعرفهم .. وإن لم يجد ما يريد .. فسيذهب إلى مكان آخر بالتأكيد ..
صعد إلى قسم العلوي حيث الكتب .. وراحت عينيه تجول في المكان .. شاهد فتاة بحجابها الكامل مع أخيها وهي تطالع بعض الكتب .. وهو ينظر يمنة ويسرى في ضجر .. ابتسم قصي بصدق .. وقال : جميل أن لا زال هناك من يتحلى بالاحترام .. وإن قصي ليقدس هؤلاء البنات .. ويقول عنهن : تلك هن ورود الدنيا .. لا يحق لأحد أن يقتطف من براءتهن شيئاً .. راح يمشي بين الأرفف .. مرة في الكتب وعشرة في الفتيات .. "أها ".. ووجد ضالته .. ذات العباءة الطويلة المخصرة .. مطرزة بنقوش فضية لامعة .. ووجه أبيض اللون .. وأنف طويل حاد .. ونظرات تستذكي .. يختفي خلفها سذاجة ممزوجة بطيبة .. على كل .. لا يبدو أنها تفهم من عالم الكتب .. إلا الكتب المدرسية السخيفة .. كانت تقف مع ثلاث بنات أخريات .. ولكنها كانت الأحلى بينهن ..
ابتسم قصي .. هذا ما يريده حقاً ..

كانت تقف عند قسم الشعر .. توجه إلى هناك .. وبينما هو يمشي مر بها .. ونظر لها بعينين مليئة بالإعجاب .. وهي نظرت فيه نظرات سريعة كأنها تحلله .. ولكنه أغلق عينيه بسحر وتوجه إلى أحد الكتب .. إنه ديوان الشاعر إليا أبو ماضي .. وفتحه .. وبدا منهمكا فيه .. أما هي .. تطلعت فيه لثواني .. ثم بدت منهمكة في النظر إلى الكتب الأخرى .. لاحظ هذا قصي .. فابتسم .. ثم بدا وكأنه يقرأ بصوت عالي :

أي شيء في العيد أهدي إليك .. يا ملاكي وكل شيء لديك ؟
أسوار ؟ أم دملجاً من نُضار .. لا أحب القيود في معصميك ..
أم خمور ؟ وليس في الأرض خمر .. كالتي تسكبين من عينيك ..
أم ورداً ؟ والورد أجمله عندي .. الذي قد نشقت من خديك ..
أم عقيقاً كمهجتي يتلظى ؟والعقيق الثمين في شفتيك ..
ليس عندي شيء أعز من الروح .. وروحي مرهونة في يديك ..

إن أي بسيط يستطيع أن يعرف أن هذه الفتاة .. كانت تستمع إليه في شغف .. كان ذكياً .. يعرف ما يفعل .. ثم ضحك .. وقال : لأول مرة أرى شاعراً يكتب رقم هاتفه في كتابه ..
ثم ترك الكتاب مفتوحاً على مصراعيه .. وأخرج من جيبه قلم رصاص أنيق ..
وكتب رقمه .. ومشى ..


وعندما مر على الفتاة التي تظاهرت بأنه لا تراه .. قال لها : لو سمحت ..
تفاجأت الفتاة .. ولكنه لم يهتم بل ظل هادئاً بعينيه الجريئتين وقال: ألا ترين أنه من الأفضل ألا تأتي إلى المكتبة .. الفتاة اندهشت أكثر .. ولكنها بسرعة تمالكت نفسها وقطبت عينيها الكحيلة وقالت : ماذا ؟
ابتسم لها في سخرية وقال : مشكلة حقيقية لمن يريد أن يبتاع كتاباً .. أن تستمر لديه هذه الرغبة .. وجمال الأرض يسير على قدمين .. ويتمكن من تجاهلها بكل بساطة ..
ثم زادت ابتسامته اتساعاً وقال : كم أنت فاتنة ..
وبذات البساطة .. تركها ثم مشى .. كعادته في أناقة .. وبكل هدوء ..

وكأن الفتاة تسمرت في مكانها .. ولم تعرف حتى ما تقول .. وكأن الكلمات في شفتيها تبخرت من الخجل .. ومن هذا الأسلوب الجريء جداً ..
أما صاحبات الفتاة .. أخذن يضحكن .. وهي مازالت نظراته متعلقة به .. بل أصبح قلبها معلقاً به .. إنه جريء زيادة عن اللزوم حتى .. ولكنه جميل .. جداً .. ونظراته .. وكلماته أكثر روعة ..
وعندما وصلت إلى هذا التفكير .. كانت إحدى صاحباتها قد جاءت بالكتاب وقالت لها بحماس : هذا هو رقمه ..
قالت لها الفتاة والتي سنعرف فيما بعد أن اسمها "نوف" .. لماذا أتيت به .. فقالت صاحبتها : ماذا .. هل تمزحين .. اسمعي .. سأتصل به أنا .. واو .. إنه غير عادي أبداً ..
فقالت لها نوف بقوة مصطنعة وابتسامة خجول : يا سلام ..
ولكنها لم تتمالك نفسها من الابتسام .. تورد خداها حتى أصبحا شطر رمانة .. وبسرعة خطفت الكتاب من يد صاحبتها ..

كان قصي يدرك ما الذي سيحدث غالباً .. لربما كانت المعلومة الرائعة التي استفادها من علم الصيدلة هذه الجملة .. الرجال يجذبهم شكل المرأة .. والمرأة يجذبها عذب الكلام .. وهي معلومة درسها في الفصل الذي يتحدث عن Reproduction system ..
ضحك في سخرية وقال في نفسه : الجامعة مفيد حقاً ..
بالفعل .. لقد لخص المطرب نبيل شعيل هذه الكلمة في أغنيته المشهورة :"يا قلبي والله البنات تسحرهم الكلمتين " ..

وفي الليل .. وبينما قصي يستحم كانت عقرب الدقائق يتعدى عقرب الساعات بقليل ليعلن عن الساعة الحادية عشرة .. خرج ليجد مكالمة لم يرد عليها .. كان رقماً غير مسجلاً .. لم يكن غير نوف .. وكانت بالفعل هي .. اتصل عليها .. وأخذ يتكلم معها حتى الفجر ..

الجزء الثاني

الفصل الثاني







إنه الخبير .. البارحة فقط جلس مع نوف والتي جلست تتحدث معه لأول مرة إلى الفجر .. هل تريدون أن تعلموا ما قال ؟
إنه لم يزد على أنه قابل اليوم جمل فتاة في الكون .. وان حياته كلها .. تغيرت بعد أن رآها .. وأنها أول فتاة لا يستطيع مقاومة جمالها .. كل الكلام .. كان حول هذه النقطة .. وإن تنوعت العبارات .. وإن اختلفت إلا أنها تدور في فلك واحد .. والغريب المضحك أنه كان يتكلم معها هذا الكلام وهو يطالع التلفزيون لفلم مأساوي شهير اسمه :Saving privet Rain..كان يقول لها من كلام الحب أعذبه .. وهو تقول له : ولكنك حتى تعرف علي اليوم ..
قال لها : بالطبع يا عزيزتي .. إنه الحب من النظرة الأولى .. أنا لا اعرف حقاً .. كيف لهؤلاء الكبار يقولون أن الحب من النظرة الأولى لا يدوم .. إنهم لا يفهمون في الحب شيئاً .. آه من الحب يا نوف .. آه من هذا الإحساس الذي لا يوصف .. بالله عليك .. أما تحسين في قلبك بحرارة ؟! أما تحسين بأن قلبك ينبض وكأنه يولد من جديد ؟!
ارتبكت نوف ولم تعرف ما تقول .. إن عمر الحب لديها لم يتجاوز إلا ابن عمتها .. التي أحبته في بداية سن المراهقة .. ثم انتهى هذا الحب المُتوهم .. بعد سنين النسيان ..
قال لها : صدقيني إن قلت لك .. أني لم أفكر في شيء في الدنيا إلا أنت ..


وعلى هذا المنوال استمر قصي .. لمدة ثلاثة أيام .. كل يوم يسقيها من الكلام أعذبه وأصفاه .. ومن الوعود أغلاها ثمناً .. طالما أن الكلام بالمجان .. فلا بأس أن يكيل لها الكلام ..

فقالت له نوف في اليوم الثالث : لا تقل لي كلاماً كهذا ..
كانت بذلك تحاول أن يخف سحره عليها ..
إلا أنه قال لها : نوف أنت مذهلة .. جمال وعقل .. وأخلاق .. وثقافة .. ماذا أكثر ؟ماذا يتمنى أحدنا أكثر من هذا ؟ماذا يتمنى أكثر من يبحث عن زوجة ..


وعندما قال قصي هذه الكلمات .. أحست الفتاة أن الدنيا تدور من حولها .. زواج .. لأول مرة أفكر أن هذه العلاقة جدية لهذه الدرجة .. صحيح أني متعلقة به جداً .. ولكني ظننته عابثاً .. لا يلبث بعد شهر أن يقول لي إلى اللقاء .. ولكن زواج مستحيل ..
قال لها وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة : نوف ؟؟ أنت هنا ؟
قالت له بعد أن استعادت عقلها : نعم أنا هنا ..
قال لها : حبيبتي سوف أقفل الآن .. فعندي بعض الأشغال ..
قالت له : ألا تستطيع أن تجلس معي أكثر ..
قال لها : حياتي .. الأعمال كثيرة فوق رأسي .. والدي يحتاجني في عمله .. لبعض مشاريعه .. ثم .. يجب أن أجلس مع والدتي ..
قالت له بإحباط : حسناً .. ولكن إذ انتهيت .. لابد أن تكلمني مباشرة ..
فقال لها : بالتأكيد يا حبيبتي ..


وبعد أن أنهى المكالمة .. ذهب إلى دولاب الملابس .. وهو يفكر : يا ترى .. لم اخترتها .. كم هي مملة .. حديث تافه ومكرر .. لا أجد فيها أي نوع من أنواع المتعة .. فقط الكثير من الكلام المكرر .. وحديث الرومانسية السخيف .. غباء ..
فتح دولابه .. وراح ينتقي ما يلبس .. ولو نظرنا إلى الملابس بشيء من الدقة لوجدنا معظمها يميل إلى السواد .. لون كئيب .. محبب لدى قصي .. انتقى جينزاً رمادياً .. وقميصاً أبيضاً عليه بعض المربعات السوداء .. ترتمي في فضاء القميص الناصع .. ارتدى ساعته الفضية .. وخرج ..


سيذهب ليتعشى .. جلس يدور بالسيارة كعادته .. في شارع التحلية .. المشهور جداً في جدة .. وهو لا ينظر لأحد .. وقف كثيراً في أكثر من إشارة .. ورأى من تتطلع إليه في افتتان .. تلك النظرة التي لا تخجل من شيء .. ولكنه حقاً لم يكن في بال رائق .. ليفعل ما يريد .. تجاهل كل هذا .. وأخذ يدور بالقرب من البحر ..
ها هو بارنيز الذي يشرب منه قهوته أحياناً .. حسناً .. إنه يفضلها في بعض الأوقات على ستاربكس .. إنها مسألة مزاج ..
شغل المسجل .. إنها موسيقى خالصة .. لـ" ياني " .. موسيقار من الطراز الأول .. التي راحت أنغامه .. تملأ سيارته .. ليكون معها .. كياناً منسجماً .. وأخذ يفكر .. أين سيذهب ليتعشى .. ثم قرر الذهاب إلى ماكدونالد .. إنه ليس على استعداد لأن ينتظر كثيراً .. يريد أن يأكل سريعاً .. إحساس غريب بالملل .. ربما هي نوف .. وربما هي تقليدية الأمور ..

أوقف سيارته في ماكدونالدز التحلية .. ودخل ليجلس في المطعم .. كعادته وحيداً .. يأكل في صمت ..وصدقوا إن قلت لكم أنه لا يوجد أبشع من أن تتناول الطعام وحدك .. وخصوصاً لو كان خارج المنزل .. بل إننا في العادة .. لا نأكل في خارج المنزل .. إلا إن كان هناك من يشاطرنا الطعام .. ذلك أن الإحساس الجميل .. لا ينبع من لذة الطعام .. ولكن من الاجتماع بالناس والأنس بهم .. وبروعة المكان والخروج ..
شعور بالوحدة يقتل الإنسانية .. وإذ ما جئنا إلى الصراحة .. سأقول أن قصي كان يشعر بهذه الوحدة الرهيبة .. ولكنه قد اختارها بنفسه .. اختارها وهو يعلم أنها تعذب كيانه كله ..


وبعد أن أنهى وجبته .. ذهب ليأخذ آيس كريمه المفضل بالشوكولاته .. وهناك على الكاونتر كان الحاجز الذي يفصل ما بين قسم العوائل والشباب غير موجود .. على غير العادة ..وكانت هناك فتاة ملثمة .. كانت قد استلمت طلبها .. كانت قصيرة إلى حد ما .. سمراء ولكن بجمال .. كأنها برونزية اللون .. وليست سمراء باهتة .. ولها عيون مكحلة .. تزيدها جاذبية .. وعباءة عادية .. وحذاء رياضي أحمر .. وبجوارها أختها الصغيرة .. كانت مزعجة بحق .. وهي تصرخ وتقول : أريد الوجبة التي فيها ألعاب .. أريدها .. وكانت هذه الفتاة .. والتي هي أختها الكبرى .. تقول لها بحزم: لا .. وهنا تقدم قصي ..
بكل سحره وعذوبته .. والرجولة التي تفوح من نظراته .. وقال للبائع : أعطني وجبة أطفال ..
وكانت الفتاة الصغيرة لا تزال تشاكس أختها الكبيرة ..
وبعد أن أعطى البائع .. الوجبة لقصي .. مع الآيس كريم فتح العلبة الكرتونية اللطيفة .. واخرج منها اللعبة ..
ثم تقدم للطفلة .. وكأنه لا يرى أختها حتى .. تفضلي هذه اللعبة يا حبيبتي .. وقفت الفتاة الصغيرة وهي خائفة .. ووضعت إبهامها في فمها .. وهي تنقل النظرات بين قصي بابتسامته الأنيقة .. وبين أختها الكبرى .. التي دهشت من الموقف .. ولكنها قالت بحزم : عفواً .. ولكني أستطيع أن أشتري لها هذه اللعبة .. لم تكن مضطراً لأن تفعل كذلك ..
تطلع لها بنظرة لا يصدق من يعرف قصي أنها تبدر منه .. ثم قال : ولكني بالفعل كنت أود شراء ساندويتش صغير .. وكانت أختك هنا .. ففضلت شراء النوع الذي به لعبة ..
ثم بدت منه نظرات مرتبكة وقال : عفوا إن كنت قد ضايقتك .. لم أكن أقصد ..
تطلعت فيه الفتاة قليلاً وهي تحاول أن تعرف عن كان يكذب أو لا .. ثم تطلعت في أختها الصغرى وقالت :
خذيها منه .. وقولي له شكراً ..
فرحت الطفلة الصغيرة .. تقدمت غليه بكل براءة وقالت وهي تأخذ اللعبة : شكراً ..
فابتسم لها بالفعل من أعماق قلبه .. ثم مرر يده على رأسها الصغير .. وخرج ..
لا يدري كيف فعل هذا .. لم بزغت في رأسه هذه الفكرة الشيطانية .. بكل هذه السرعة .. ولم اختار هذه البنت؟ إنها على الأقل لم يبدو أنها من الصنف الذي يفضله في كثير من الأحيان .. هل هي الطبيعة التي صارت تسري في دمه ؟ أم ماذا ؟ ولكنه سيكمل .. لم .. إنه لا يعرف ..

أما الفتاة الكبرى .. فتابعته بنظراتها حتى خرج إلى النهاية .. طباع الفتيات غريبة حقاً .. يقلن بأنهن لم يعجبن بشخص .. وتراهن يذبن فيه حقاً .. هل هو تصنع للقوة ؟ هل هو مبدأ حماية ؟
قصي كان يعرف .. البنت الذكية .. هي التي لا تقول لشخص ما أحبك أبداً .. لأنها إن قالتها وهي صادقة .. فحينها ستكون هذه الفتاة كالخاتم في يد الرجل يحركها باسم الحب .. ويكذب علبها باسم الحب .. ويعتذر لها باسم الحب .. ويبيح ما لا يباح كله .. باسم الحب ..

وعندما خرجت الفتاة .. وجدت قصي حائراً .. لا يعرف ما يفعل .. نظرت له .. وكأنها تريد أن تعرف .. إلا أنها لاحظت أن هذا الشيء ليس من شأنها .. فهمت بالمشي .. إلا أنه قال لها : عذراً .. نظرت له .. أما هو .. فمن يراه لا يقول عنه قصي أبداً .. إنه مرتبك بحق .. قالت بثبات : نعم .. قال لها : هل رأيتِ جوالي ؟ إنه نوكيا آي ميت ؟
قالت : لا لم أره ..
قال بقهر : يا الله .. اشتريته قبل يومين .. حرام يضيع هكذا .. لقد ادخرت من مصروف المكافأة .. أشفقت الفتاة عليه ..
وهنا قالت الفتاة الصغيرة التي تلهو بلعبتها : أتصل عليه .. وسوف يرن وتعرف مكانه .. بابا يفعل هكذا دائماً ..
وكأنما قالت البنت الصغيرة الكلمة التي كان سيقولها قصي بعد قليل .. نظر قصي للبنت الكبرى في أمل .. ووجدت الفتاة نفسها مضطرة لكي تقدم له المساعدة .. قالت له : كم رقم جوالك ؟
فقال لها بارتباك واضح : 05********
دقت عليه .. وهنا رن الجوال من السيارة ..
فقال لها بسعادة : شكرً جزيلاً .. هذا شيء لا أنساه لك أبداً .. شكراً .. بالفعل كنت سأتضايق جداً أن يضيع مثله ..
راحت الفتاة تتأمله قليلاً ثم قالت : أليس غريباً أن شاباً يمتلك هذه السيارة الفارهة .. ويحزن لضياع جوال آي ميت ؟
كان قصي مستعداً لهذا السؤال .. ولكنه حدق فيها بدهشة .. ثم ضحك وقال ووجه يحمر : إنها .. إنها سيارة أبي .. أنا لدي كرولا صغيرة .. ولكني لا أحبها كثيراً ..
لم تقتنع الفتاة .. أما هو فقال : أنا آسف لقد عطلتك .. أنا آسف جداً ..
فقالت هي وهي ترمقه : لا عليك .. ولكن انتبه ألا يضيع جوالك مرة أخرى ..
قال لها : بالتأكيد ..


ركب السيارة .. وكأنما تحول 180 درجة مرة واحدة .. استعاد ثقته الكبيرة بنفسه .. ولكنه ضحك .. ضحك ضحكة خبيثة .. ونظر نظرة قاسية في المرآة .. ثم تنهد تنهيدة واسعة .. إنه يحتاج إلى كوب القهوة الآن .. أما هذه الفتاة .. فسيهتم لأمرها لاحقاً .. فرقمها مسجل عنده بالتأكيد مكالمة لم يرد عليها ..

توقف في ستاربكس .. في شارع التحلية .. وهو محل مشهور جداً بتكوين العلاقات .. لان فيه قسماً للنساء ..
وهناك ترى العجب حقاً .. مسخرة على أكبر مستوى .. كل هذا ما كان على بال قصي .. إنه هنا فقط ليشرب قهوته كالمعتاد .. جلس على الطاولة في الخارج .. وطلب قهوته التركية .. برائحتها الذكية المنعشة .. وجلس يشربها وحده كعادته دوماً ..


وهنا توقف شبح أزرق .. نزلت منه فتاة .. من السخف أن نقول عنها جميلة فحسب .. بل إنها من أجمل من شاهدهم قصي .. ولكنها الغرور يكاد يقطر منها .. إنها حتى تنظر في استعلاء .. وبكل وقاحة .. صحيح أن مكياجها خفيف .. ولكنه جميل .. والعباءة الضيقة تفصل جسدها .. لتجعلها فستان سهرة آخر فوق ما تلبس والطرحة موضوعة ليقال أن هناك طرحة ..
وإن من يتذكر حنان .. ويشاهد هذه الفتاة .. كان ليقول حقاً .. إن غرور حنان .. كان قطرة في محيط هذه الجميلة .. نزلت .. فتابعها الجميع بكل انبهار .. حتى دخلت قسم العوائل ..
أما قصي .. فنظر لها مجرد نظرات صغيرة .. ثم مضى يشرب قهوته .. وراح يلعب بجواله .. إن آي ميت قديم .. ولكنه لم يكن في مزاج رائق في الأيام السابقة ليشتري واحداً جديداً .. فتح البلوتوث .. وراح يقرأ الأسماء : تونة الحلوة .. حلو وغني .. الكونت دي مونت كريستو .. go gator .. جميل هذا الأخير .. وكان قصي اسم في البلوتوث : قصي ..
راح يتابع بقية الأسماء .. ومنها ما يمنع الأدب أن يكتب .. ولكنه بدأ يسرح .. وراحت به الذكرى دون أن يحس .. وهو يشاهد في عقله ذلك الشريط الذي يتكرر عليه كل يوم :

الحديقة .. وصوت البكاء ..
"أنا التي كنت أرسلها .. أنا .. "وذهول على وجه قصي .. وانكسارات في ملامحه .. وفمه المفتوح في دهشة .. بوجهه الصغير .. الذي لم يتجاوز الرابعة عشرة .. وتلك النظــ ..


زفر في عنف .. وصدر ذلك الصوت المميز لتكسر القدح .. لقد حطمه دون أن يدرك .. التفت إليه الجميع ..
ولكن أحداً لم يكلمه .. أما هو فلك يأبه لكل هذا .. اخرج من جيبه 100 ريال .. ووضعها على الطاولة .. وثبتها ببقايا الفنجان المكسور .. وعندما قدم النادل الفلبيني قال : it is ok sir ..
ولكن قصي قال له : take it .. وأشار للمال ..
إلا أن العامل ابتسم وقال : there is no need sir, you are one of our favorite customers .. it is nothing .. would you like another cup .. it is free ..
ابتسم قصي وقال : thanks .. but I have to go ..
جميل أن يكون في المحلات من يتعامل معك بهذه اللطافة .. ويهتم بك كإنسان قبل أن يهتم للمال ..
يقول رئيس مالكونالد مالك سلسلة مطاعمه الشهيرة : اهتم بالعميل .. وبعدها البزنس سوف يهتم بنفسه ..

ولكن قصي .. كان يشتعل غضباً في الداخل .. لأنه فقد السيطرة على أعصابه .. إنه يكره هذا الشيء .. كلما حاول أن ينسى الماضي وجده يطارده بكل وحشية .. ما نام يوماً على فراشه إلا أرقه ماضيه .. وظل يكئب حياته .. ويكيل عليها أكوام الأسى .. تباً ..

وهنا خرجت تلك الفاتنة .. بكل جمال .. بكل فتنة .. بل كان هناك من يحاول أن يلحق وراءها .. وهي تنظر بكل تأفف لليمين واليسار .. وتمسك بيديها جوالاً مماثلاً للذي عند صاحبنا .. كانت لا تعطي أحداً اهتمامها .. وهنا فكر .. إن هذه الفتاة مناسبة .. ولكن ! لقد كان قد أوقع فتاة في يديه قبل قليل .. لا .. هذا غير مهم .. المهم أن يوقع هذه المتغطرسة الآن .. حتى .... لا يهم الآن ..

وهنا سمع الفتاة تقول للسائق : Where have you been ?وهنا لمعت في رأسه فكرة صغيرة عن هذه الفتاة .. من حركاتها .. من تصرفاتها .. من طريقة كلامها .. بقي أمر واحد .. هو ما سيحسم الأمر ..
ذهب إلى سيارته .. ولحق ورائها .. وعند الإشارة الموجودة في ذلك الشارع .. التي تحمل فوقها ساعة رقمية .. تظهر كم بقي على فتح الإشارة .. فتح جهاز البلوتوث .. ووجد ضالته رائع .. هذا ما كنت أبحث عنه .. go gator .. ولمن لا يعلم .. فريق gator هو فريق لكرة القدم الأمريكية في إحدى المدن الأمريكية .. وقد كان هذا الاسم موجوداً هناك في ستاربكس ..
أرسل لها رسالة .. قصيرة .. ولاحظ رأسها وهي تنظر للجوال تستقبل رسالته .. اقترب جوارها .. ونظر لها .. ورفع جهاز الجوال .. نظرت له بكل قوة .. كم تعجبه هذه الفتاة .. يعجبه .. كيف سيستمتع وهو يحطم لها كبريائها وغرورها ..
نظرت له .. فتحت النافذة .. وقالت بجمود : ماذا تريد ؟
قال بصوت عالي حتى تسمع : هل أستطيع أن أعزمك على فنجان من القهوة ؟
قالت له : ولكني للتو كنت أشربها ..
كانت الإشارة قد فتحت .. ومشت السيارات .. ولما كانت الشوارع مزدحمة .. توقفوا مع الزحمة .. فتوقف بجوارها .. نظرت له مرة أخرى وقالت : ولم ؟
قال لها : كنت أود أن أجلس منذ زمن مع فتاة لها تفكير راقي .. ولما رأيتك قلت لنفسي لم لا نجلس ونتحدث .. مجرد حديث ..
قالت وهي تضحك ضحكة قصيرة : أرى أن تذهب لغيري لتلعب عليها مثل هذه السخافات ..
ابتسم هو أكثر .. هذه هي ضالتي الحقيقية ..
قال : أحب كثيراً أن أتناقش مع فتاة ذهبت إلى أمريكا .. حتى أضمن أن يكون للنقاش معنى ..
صمتت البنت قليلاً ثم قالت : من أنت ؟
قال لها وهو سعيد أن توقعه كان صحيحاً وقال : أنا مجرد شخص يريد شرب القهوة ..
قالت : وإن قلت بأني مشغولة ..
قال : سأقول .. خسارة أن تضيع علي فرصة كهذه بالفعل .. ولكني احترم رغبتك ..
صمتت قليلاً .. ثم قالت : أين تريد أن تشربها ؟
قال لها وهو يخفي ضحكته .. فقد كانت هذه المغامرة خطيرة جداً .. لقد غامر بفطنته وذكاءه .. لقد غامر بكل أوراقه ..وكان في موقف ضعف شديد .. بل كان يتوقع أن يفشل هذه المرة .. ولكن .. كل شيء سار على ما يشتهي ..
فقال : ما رأيك في فندق الهيلتون ؟
قالت : لا بأس به ..
قال : إذا إلى هناك ..


صحيح أنه الخبير .. وصحيح أنه بارع .. ولكن من قال .. بأنه قد نجح في كل مرة .. يحاول فيها أن يجذب بنتاً إليه ؟ إن قلت بذلك .. لكان من الواضح أني أبالغ .. ولكني أستطيع أن أقول .. أنه كان يحصل في العادة على ما يريد ..

وعندما وصلا .. دخلا فندق الهيلتون الرائع .. بل إنه ربما أكثر الفنادق فخامة في جدة .. بروعة المكان .. والطراز المعماري الآسر .. وعلى اليسار .. كان هناك المقهى .. جلسة ولا أجمل .. وإن كانت الجلسة الموجودة في الدور الأخير ذات الإطلالة الخرافية .. أكثر روعة ..
جلسا على الطاولة ..
وبدءا الكلام ..
هي كان اسمها ( رناد ) .. درست في أمريكا لمدة سنتين وعادت .. بسبب أحداث سبتمبر .. وهي من عائلة مشهورة جداً ..
والدها صاحب مستشفى مشهور في جدة .. المستشفى البريطاني العالمي .. أما هو فقدم نفسه على أنه شاب درس كل صيفه هناك .. في حين أن قصي ذهب هناك فقط مرتين .. ولمدة شهرين في كل مرة ..
ولكنه كان تقابل مع ناس كثيرين .. وكون فكرة أكثر من واضحة عن كل شيء .. وعن العقلية التي يعودون بها .. وراح الكلام عن أمريكا يحتل معظم محاور الحديث ..
فقال لها : النظام هنا سيء للغاية ؟ متى سنرتقي بأفكارنا وعقولنا .. تخلف ..
ضحكت وقالت : انتظر كثيراً .. فلا أظن أن هذا سيحدث لنا ونحن أحياء .. آه عليك يا أمريكا ..
فقال لها بنفس الطريقة : بالفعل .. لقد كنت أتمنى أن أدرس هناك .. ولكن ..
ثم ابتسم لها .. فقالت : ماذا حصل ؟
قال لها : أحب فتاة هي كل حياتي ..
قالت : come on do not tell me because of love you did not go to USA?
فقال: هذه هي مشكلتي .. أحبها كثيراً ..
فقالت : oh my god .. that is so romantic !
فقال : أعلم .. ولكني أبضاً مشغول ببعض الأعمال مع والدي .. فوالدي رجل أعمال معروف ..
قالت : من هو ؟
قال لها : إنه مناف الحديدي ..
قالت:wow .. is that your father ?أنت فتى محظوظ .. رجل مشهور بحق ..
قال لها : ولذلك بقيت هنا .. الأعمال كثيرة .. فأنا أتابعها ..
قالت : جيد .. أنا متخصصة marketing ..
فقال لها : عظيم تخصص جميل .. أنا متخصص في الصيدلة ..
قالت : كيف عرفت أني درست في أمريكا ؟
قال لها : هذه الأناقة والبساطة في آن معاً .. ولكنة لغتك .. كلها دلائل .. ولا تنسي شيئاً .. أنك وحدك هنا .. وهذا عادة لا يكون إلا لفتاة انطوائية .. أو أخرى قدمت من أمريكا وقد نسيها أصحابها .. ثم لا تنسى .. Go gator ..
قالت له وقد برقت عيناها : ذكي جداً .. ما شاء الله ..
ومضى بهم الحديث ساعة .. ثم قال لها : شكراً على هذه الساعة الرائعة ..
فقالت له : أنا السعيدة أن وجدت أخيرا من يفهم .. تعبت كثيراً في السعودية عندما أتيت ..
قال لها : أعلم .. هذا هو حالنا كلنا ..
كان يضحك في أعماقه على سذاجتها .. وغرورها المفرط التي جعلها تصدق كلامه حتى ..
أما هو فقد كانت آراءه مختلفة تماماً عما تكلمه وقاله لها ..
ولكن .. الأسلوب المناسب يعلق البنت المناسبة ..
حياها .. ووعدها .. أن يكلمها .. وان يتحدث معها ..


وبعد أن خرج من هناك .. ركب سيارته ..
وفتح الجوال واتصل : مرحبا ..
رد الطرف الآخر : مرحبا من ؟
قال : أنا قصي .. من اتصل بي ؟
قالت : لم يتصل أحد ..
قال لها وهو يتظاهر بالارتباك : عفوا .. ولكن هناك اتصال من ساعتين بهذا الرقم .. من أنت لو تكرمت ؟
قالت بعد صمت قليل : أنا .. أنا روان ..
قال لها : غريبة .. لا أعرف أحداً بهذا الرقم .. ولكــ .. .
ثم قطع كلامه وقال : أوه .. أنا آسف .. أنا كنت الشاب الذي أضاع جواله عند ماكدونالد ..
أنا آسف .. لم أكن أقصد ..
هي قالت : آه تذكرتك .. نعم أنت ..
قال لها : أنا آسف .. آسف حقا ..
قالت بصوت فيه راحة كبيرة : لا عليك .. لم يحصل شيء ..
فقال لها : لقد كنت لطيفة معي ..
تورد خدا الفتاة خجلاً .. وقالت : لم أفعل شيئاً .. أنت كنت لطيفاً .. فقد أهديت أختي الشقية تلك اللعبة إنها تلعب لها إلى الآن ..
قال لها : لا .. أنا أحب الأطفال ..
فقالت لتنهي الحديث الذي كان يروق لها حقاً : حسنا .. هل هناك شيء آخر أستطيع تقديمه لك ؟
قال لها بسرعة : لا .. لا .. كل شيء على ما يرام .. شكراً .. ومع السلامة ..
قالت وهي مبتسمة : مع السلامة ..


أغلقت الهاتف .. وأخذت تنظر فيه ..
شاب وسيم جداً .. ويبدو انه مكافح .. جمع ثمن جواله بنفسه .. كم هذا رائع ..

أما قصي فجلس في سيارته مبتسماً حتى وصل إلى البيت ..
ها قد استطاع أن يصادق 3 بنات في ثلاثة أيام ..
واحدة في يوم .. واثنان في يوم آخر ..
راقت له هذه المسألة كثيراً ..


نوف عاملها على أنها حبيبته .. وسقا لها من كلام الحب أروعه وأعذبه ..


روان .. تحب الكفاح .. إنها من طبقة عادية .. تحب قصص الحب المليئة بالنضال من أجله .. تحب الحياة العادية ..


أما الجميلة رناد .. لعبته الكبرى .. بنت عنيدة وذكية جاءت من أمريكا .. مبهورة بفكرها .. وفي رأسها صورة سيئة عن بلدها .. وهي بالتأكيد تفكر كيف ترجع إلى هناك .. عاملها على أساس صاحبه .. فهي لا تقتنع بالحب من البداية ..
كل واحدة على حسب عقلها .. وذكائها وتفكيرها ..
وكل واحدة تظن ألا أخرى في حياته .. إلا رناد .. التي سيلعب عليها أخطر عملياته .. وأكثرها حذراً ..
ولكن فليكن ..


إنها تجربة فريدة من نوعها .. على الأقل سينسى .. سيكون قصي فيها لامعاً كعادته .. ذكياً .. يقف مبتسماً بابتسامته الساخرة .. ونظراته القوية .. وكأنما الدنيا لا تعنيه ..
هذه هي قصة قصي وحب الصاحبات الثلاثة ..

وما سيفعله سيكون أكثر إبهاراً ..
سيكون لائقاً بالخبير ..
سترون كيف يتعامل قصي مع كل واحدة ..
وكيف يفعل كل ما يريد .. وبكل ذكاء ..




(( أنتظروووو الجزء القادم ))
غرام نونو
غرام نونو
يا ربيييييييييييييييي ترى انا مررررررره دخلت جو مع القصه بليز كمليها كلها بدون تقطيع ولا حطفشك خخخ امزح يللا نستناكي لا تتاخري
^_^ تومي!
^_^ تومي!
بنات قليلة ردودكم الف ومدري كم المشاهدين و37 رد بس!! انا والله ابي اعرف ليش بس مشاهدين ليش ماتردوووون ؟؟؟ :(

فديتكم يااللي رديتوا <<< قلبتها مناحه ... بس والله زعلت منكم ... وهذي التكملة لعيون اللي ردوا :)


/

/

/



^_^ تومي!
^_^ تومي!
الجزء الثاني

الفصل الثالث


قصي ذلك البارع خبيرا النساء .. بارع كل البراعة .. ذكي ويعرف ما يفعل .. لقد تعرف على 3 فتيات في وقت قصير .. وقرر أن يجرب هذه العلاقة الثلاثية بكل أناقة .. قرر أن يرى أين سيصل به جنونه .. وإلى أي مدى .. يصدق الناس كل الكذب الذي يلقي به في رؤوسهم .. إنها تجربة .. ستكون مثلها مثل غيرها .. قد تبوء بالفشل .. وقد تبوء بالنجاح .. ولكن الحقيقة التي ربما تجاهلها قصي عمداً .. أنه يفعل هذا من أجل شيء في نفسه ..

هذه نوف التي تؤمن بالحب .. والحياة من أجل الحب .. على نظام أفلام فاتن حمامة وعمر الشريف .. بدون أي خبرة في الحياة ..
وروان فتاة من الطبقة المتوسطة .. تؤمن بالنضال والكفاح من أجل الحب .. وتقدس الحياة الزوجية .. وبناء الأجيال .. على طراز الأمهات ..
ورناد .. الجميلة التي جاءت أخيراً من أمريكا وترى التخلف واضحاً إلا من كان على جواز سفره رحلة
سابقة إلى أمريكا .. وتنقد كل ما لم يذكر اسم الغرب عليه ..

هؤلاء هن ثلاثية قصي .. بنات في عمر الزهور .. إناث يمتلئن بحب المغامرة .. والتقدم نحو المجهول .. والرغبة في استكشاف ما خلف الأبواب المغلقة ..

مضى الآن شهر على هذه العلاقات ..

أما نوف استمر معها في كلام في الحب بلا توقف .. وساعات طوال .. يقطعها في النهاية .. بأنه مشغول .. وعنده أعمال مهمة .. كانت أسهل علاقة بالفعل .. قليل من الكذب .. قليل من الكلام العذب .. وبعض التلميحات عن الزواج .. سهل جداً .. وأسهل ما يستطيع المرء أن يقوم به .. هو بيع الكلام بالمجان ..

أما روان .. فبعد تلك البداية القصيرة .. بدأ يرسل لها رسائلاً قصيرة كلها احترام جم .. وكلمات تقطر في الأدب .. بل لم يكن يرسل لها رسالة حب .. لمدة أسبوع .. ثم اتصل بها بعد ذلك وقال لها :عفواً .. ر .. روان ؟
قالت : نعم أنا روان ..
قال بارتباك : احم .. أنا .. أنا قصي .. ذلك الذي قابلته عند ماكدونالد ..
قالت بعد صمت : طبعاً .. كيف حالك ؟
قال لها : بخير .. في الحقيقة .. لا أعلم .. ولكني وجدت نفسي أتصل عليك .. أعتذر على الإزعاج ..
أما روان فكان قلبها يقفز من مكانه حقاً .. لأنه ما بارح تفكيرها أبداً .. لأول مرة تجد شاباً يعاملها بكل هذا التقدير وهذا الاحترام .. وإن شئنا الدقة .. بهذه البراءة الساذجة .. إنها تحب هذه النوعية كثيراً .. بصراحة هي لم تعرف ما تقول .. ذلك أن في نفسها شعوراً قوياً نحوه .. وفي الوقت ذاته .. لا تستطيع أن تخلع القناع الحديدي .. والطريقة التي تسير عليها .. ولا الأفكار التي تؤمن بها ..
فقال لها : أنا آسف .. لم أكن اقصد .. أعتذر بحق .. لن تريني أتصل عليك مرة أخرى ..
كادت تهتف روان وتصرخ لتقول : لا .. ولكنها أحجمت ..
فقال: ولكن أريد فقط أن أطمئن على أختك الصغيرة .. كيف حالها ؟
قال هذه الجملة بطريقة لتبدو في منتهى السذاجة .. كأنه طفل يحاول أن يبرر موقفه .. بكذبة سخيفة ..
قالت بسرعة : إنها بخير .. كل يوم تلعب بتلك اللعبة ..
قال لها : الحمد لله ..
ثم صمتا قليلاً ..
فقال : اعتذر مرة أخرى ..
وإذ لم تريدي استقبال رسائلي أستطيع أن أتوقف عنها ..
فنطقت أخيراً وقالت : لا عليك أرسل ما تريد ..
فقال بفرح تعمد أن يظهر في صوته : صحيح ؟
أما هي فلم تكن الفرحة تسعها وهي تقول وهي خجلة جداً .. حتى أنها أخذت تلعب بشعرها الناعم : صحيح ..
وراحت تقول فيه نفسها : مسكين .. يبدو أنها المرة الأولى التي يحادث فيها بنتاً ..
فقال لها : شكراً .. شكراً كثيراً .. أراك على خير ..
وأقفل السماعة .. ثم نظر هناك إلى الأفق وابتسم .. ورافقت تلك الابتسامة كل آلامه .. إن هذا الشاب يعطي مثالاً رائعاً لما يسمى بـــ خطوات الشيطان .. هذا ما يفعله ..
من الغباء أن يأتي هذا الشخص ويقول بكل سرعة أحبك .. وخصوصاً لبنت مثل روان .. التي من الواضح أنها تملك شخصية قوية .. بل تملك عقلاً راجحاً .. يرجح كفته على كفة العاطفة .. ولكن كل شيء بالتدريج ..
أولاً لابد أن تعتاد على وجوده في حياته ..
ثانياً لا بد له من أن يعطيها الأمان من ناحيته بأنها تستطيع أن توقفه متى شاء .. على الرغم من أن هذه الجملة خاطئة تماماً .. لأن كل هذا مجرد إيحاء زائف ..
وأخيراً لا يجعلها تحس بالسعادة إلا معه ..
ابتسم مرة أخرى عندما انسابت هذه الكلمات في رأسه في أناقة .. كلمات يحفظها عن ظهر قلب .. بل يطبقها بكل أريحية وتلقائية


أما رناد فلم يكلمها إلا بعد 4 أيام من ذلك اليوم .. إنه يحتاج أن يوضح لها أن الموضوع ليس موضوع شاب سعودي يحاول أن يتعرف .. يجب له أن يثبت لها بحق .. أن الموضوع ليس أكثر من صداقة .. وهو سيلعب عليها أغرب خططه .. ولسوف نرى هذه الخطة عن كثب أكثر ..

وفي ذات يوم اتصل بها وبعد الحديث .. تواعدا ليشربا القهوة في الهيلتون مرة أخرى .. إنه فندق راقٍ جداً .. ولا يوجد فيه ناس كثر .. وهذا كان مطلوباً من الطرفين بكلمة " الخصوصية " ..
وجلس هنالك معها .. يتحدث عن المشاريع .. وخططه المستقبلية .. إن هذه الفتاة سيدة أعمال صغيرة بالفعل ..
إنها تحاوره وتأتي له بأفكار رائعة بحق .. عن التسويق .. وعن الخطط الإعلانية التي لا بد أن يتحلى بها كل منتج .. بل أخبرته ملامح صغيرة عن مشروعها الجديد حول التسويق الإلكتروني .. وبيع السلع الإلكترونية .. عن طريق النت .. ذلك المشروع الذي لم يأخذ حيزه الكافي في الوطن العربي .. وفي السعودية بالأخص .. خصوصاً أن السعوديين .. لا يحبون التحرك .. ويحبون أن تأتي الدنيا إليهم .. وقد لا يهم ما يدفعوه من مال لقاء عدم تحركهم من الكرسي الذي يباشر التلفزيون ..
وبصراحة أعجب قصي بهذه العقلية الجيدة .. القادرة على التحليل ..
أصدر جواله نغمة مشهورة .. فنظر إلى الهاتف .. وراح اسم نوف يتألق .. فوضع الجوال على الصامت .. نظرت فيه رناد ولكنها لم تسأل .. فقال لها بابتسامة : إنها الفتاة التي أحبها ..
فقالت له بعد لحظة صمت والشك بادي في نبرة حديثها : ولم لم ترد عليها ؟
قال : بنات السعودية هؤلاء .. لا يؤمنون بمبدأ الصداقة بين الرجل والمرأة ..
ابتسمت وكأنها هي التي فهمت الدنيا وقالت : علينا أن نرتقي بفكرنا أكثر .. تطورنا في العمران .. وبقي لنا أن نتطور في الأفكار ..
قال لها : حقاً .. إنه شيء مضحك .. ولكن المشكلة يا صديقتي .. إن الحب ليس له بروتوكول .. ليس هناك شيء يحكم الحب أبداً .. إنه مجرد شيء يهبط علينا فجأة .. ولا تلبث أن نجده يعي في أعماقنا .. صدقيني .. إن جربت الحب يوماً .. فستعرفين ما أعنيه ..
كان قصي يقصد كل كلمة قالها .. وكان يلاحظ إن كانت هناك تقلصات أو أي تعابير لم تستطع رناد أن تمسك بها .. ليعرف إن مرت بقصة حب .. وهل كانت فاشلة أم أنها سعيدة إلى الآن ..
ولكن شعرة فيها لم تهتز .. إنها صلبة بحق .. بل وعنيدة .. ابتسم قصي في داخلة أكثر .. يعجبه هذا النوع من البنات .. إنه يزيد التحدي أكثر وأكثر .. وسيكون أكثر من سعيد عندما يوقعها في حباله ..
قال لها : تعلمين .. أحب هذه الفتاة .. من أجل لا شيء .. فقط أحبها .. وبدأ يتكلم لها عن الحب .. وعن علاقته بها .. وكيف أنه تقابل معها لأول مرة .. والغريب أنه حكي لها عن روان .. وأيضاً عن نوف ..
لقد مزج الاثنان ببعض .. لقد قرر أن يخبرها أنه يحب واحدة .. وأخذ يتكلم عن الاثنين .. بما يناسب الظروف .. حتى لا تكون الفتاة سطحية مثل نوف .. بسيطة التفكير .. وإنما تكون ذات عقلية لها قدر من الاحترام كروان .. وفي الوقت ذاته .. يكون للعلاقة مقدار من الرومانسية المفرطة كالعلاقة مع نوف .. صحيح أنه أمر معقد .. ولكن من السهل أن تكذب .. إن لم يستطع الطرف الآخر يثق فيك .. وفي حين أنك لم تتكلم كثيراً عن الأحداث .. وإنما القليل من الوقائع .. والكثير من البهارات .. والتزيين .. والمشاعر ..

ولكن التساؤلات هنا تكثر .. لماذا يخبرها عن من أحب ؟أليس هذا يضر بمصلحته في أن يوقع رناد في غرامه ؟!
ولكن لا تنسوا يا سادة .. أنه الخبير .. يعرف ما يفعل دوماً .. وصل به الجنون .. أن يقوم بمنتهى الجموح .. أجل .. لقد قرر أن يقابل البنات الثلاثة في يوم واحد .. وفي مكان واحد ..

كيف ؟
لن أرجئ هذا الموضوع لفصل آخر .. حتى لا أتلقى بعض الشتائم .. وبعض الأكواب الزجاجية لتنفجر فوق رأسي .. سأخبركم ..


فبعد هذا الشهر .. كانت روان قد ذابت بين يديه إن كانت تدرك ذلك .. أو لا تدرك .. متظاهرة بأنه مجرد إنسان قد تعرفت عليه .. كان يعاملها بأدب جم .. كان يحكي لها عن كفاحه في الكلية .. وحلمه الصغير في أن يفتح صيدلية مميزة .. وكان يحكي لها عن أبيه الغني الذي أراده أن يعرف قيمة المال .. فجعله يصرف على نفسه من مال المكافأة .. بل ويشتري سيارته من خلال عمله في الإجازة في أحد مكاتبه براتب رمزي لكل طلاب الجامعة في الصيف .. أخبرها عن حياته البسيطة .. وكم يحب أمه .. أخبرها عن أخته التي ماتت وهي في سن صغيرة .. أخبرها عن حياة أنها عادية جداً .. أخبرها عما تود أن تسمعه كل فتاة بسيطة ..
وكم هو يتمنى الزواج .. لان الحياة مرهقة .. يريد أن يتشارك هو وهي في أعبائها ..
وطبعاً كل هذا الكلام .. غير صحيح ..
ما أسهل الأمور عندما تتحدث مع فتاة عن الزواج ..
و روان فتاة طيبة وجيدة .. وبالرغم من ذكائها الذي يجعلانها تسير في الحياة دون مشاكل كثيرة .. إلا أنها لم تفلح في كشف أي خدعة من خدع قصي .. لأنه كان المصدر الوحيد للمعلومات عنه .. لم يكن هناك من يستطيع أن يخبرها بأي شيء إلا هو .. وهنا تكمن براعة اللعبة ..

إلا أن قال لها في النهاية : روان .. أريد أن أخبرك بأمر .. أتمنى ألا تغضبي منه إن قلته لك ..
قالت بأريحية اعتادها في الكلام معه : قل ..
قال لها : روان .. أنا معجب بك جداً .. أرجوك دعيني أكمل .. ولا تقاطعيني .. أنا شاب بسيط جداً بكل المعايير .. ولكني مكافح .. أحب العمل .. وأحب أن أبني عالمي كله بعرقي .. فهل تقبلين بشاب مثل هذا ؟هل تقبلين بإنسان في بداية حياته أن يعجب لك ؟
صمتت قليلاً .. وقالت : قصي .. أنت إنسان لطيف .. بالفعل لا أقول هذه الكلمات مجاملة .. ولكنها الحقيقة .. وأي فتاة تتمناك .. ولكني .. لا أردي ..
ابتسم قصي وهو على الطرف الآخر من السماعة وقال:هل أستطيع أن أقابلك اليوم ؟
ارتبكت روان وقالت : ماذا ؟
قال لها : أرجوك .. أريد أن أوضح لك عن حياتي .. رجائي لك يا روان لا تخيبي أملي ..
قالت روان بحيرة واضحة : قصي ولكن ..
قال لها : روان أنت تعرفينني أكثر من شهر .. هل تتوقعين مني أن أكون عابثاً لهذا الحد ؟ألم تعرفيني كفاية .. أريد فقط أن أتحدث معك لا أكثر .. كلها نصف ساعة .. أكثر .. هناك أمور لا أستطيع إيصالها على الهاتف ..
قالت روان ورأسها أخذ في الدوران : لا أعدك يا قصي بشيء ولكني سأحاول ..
قال : شكراً يا روان .. شكراً جزيلاً .. أنت إنسانة رائعة بالفعل ..
ابتسمت روان في خجل وقالت : أتقول هذا الكلام لكل الفتيات ؟
قال لها وهو يظهر رعبه : مستحيل .. روان .. هل تفكري أني اعرف غيرك ؟ مستحيل يا روان .. لا ..
فقاطعته وقالت : أبداً والله .. كنت أمزح ..
فندت منه تنهيدة .. وقال : لقد أوقفت قلبي .. روان .. في حياتي كلها .. لم أتعرف على فتاة إلا أنت ..
قالت له وهي سعيدة جداً : أصدقك ..
قال لها : روان .. أنا لم أكذب عليك أبداً .. صدقيني ..
قالت له بصدق : ومن قال بأني أكذبك ..
فقال لها والابتسامة على محياه : سنتقابل ؟
قالت : أحاول ..
قال لها : إذا كلميني ..
قالت : ok ..
أبعد الجوال عن أذنه .. وبدون أي تعابير على وجهه .. وإن كانت بعض تعابير الحزن على وجهه ترتسم .. ولا يعلم لم .. وضغط على الزر الأحمر ..
وضع الجوال بجواره .. وجلس على كرسيه وأغمض عينيه في تعب واضح ..


وهنا اتصلت نوف .. وقالت له وهي منتشية كعادتها : أهلا قصي ..
أما هو فتغيرت نبرته بسرعة غير معقولة .. وهو يقول بصوت ساحر .. بكل الهمس : أهلا يا حياتي .. أهلا يا نور عيني .. أهلا يا أحلى امرأة بين نساء الأرض ..
قالت له وهي تضحك : أتظن نفسك نزار قباني ..
قال لها .. من براك يصبح المتنبي ونزار .. من يراك يا نوف تتغير حياته .. أنت بعدك .. تغيرت كل حياتي .. نسيت كل البنات .. نوف أنت الوحيدة في حياتي ..

إنه لمن المهم جداً .. أن تعامل كل فتاة أنها الأولى في حياتك .. من المهم أن تحسسها بأنك تحبها وحدها فقط ..
من المهم كي تخدعها .. أن لا تحس بأي شيء .. يقول قصي .. إن أخطأت مرة وناديت البنت بغير اسمها ..
فاشطب على هذه البنت بسرعة .. لأنها لن تثق فيك مجدداً ..

وبعد الكلام مع نوف .. قال لها : حياتي .. ما رأيك لو عزمتك اليوم على شيء خفيف ؟
قالت له بفرح : حقاً ؟
قال لها وهو يبتسم : بالتأكيد .. سآتي لأمر عليك ..
قالت له : باللكزس .. أم بسيارة ثانية ..
قال لها وهو يضحك بملأ فمه : اختاري أنت يا حياتي ..
قالت : باللكزس أحلى ..
ابتسم قصي ..

ها هي إحدى نظرياته المميزة بالفعل .. التي صيغت بعبارة أنيقة وبسيطة في أحد الأفلام .. كي تجعل فتاة تحبك .. 90% على الشكل .. 10% على اللباقة .. وأغلق سماعة الهاتف ..
ها هو شيء جديد .. يستطيع أن يمضي فيه يومه .. سيقابل نوف .. على الأقل .. لا يجلس .. وتجلس معه ذكرياته ..
ولكنه يحس بحزن كبير .. بل شعور بالذنب .. إلى حد ما .. ليس كثيراً على نوف .. وإنما على روان ..
تباً .. لم صار مؤخراً يشعر بهذه المشاعر بين الفينة والأخرى .. ترى ما الموضوع ؟!

وبعد نصف ساعة أصدر الجوال نغماته .. إنه اتصال .. من روان ..
قالت : قصي ؟
تبدل صوته وقال لها بكل أدب : أهلا روان ..
قالت له : سوف أخرج اليوم ..
أستطيع أن أقابلك فقط لنصف ساعة ..
ارتبك قصي حقاً .. اليوم سيجلس مع نوف ..
وها هي روان .. في يوم واحد ..
ولكن كل هذا لم يبد على صوته .. بل بالعكس قال لها في فرحة:شكراً لك يا روان .. هناك الكثير من الكلام الذي أود أن أقوله لك .. بالفعل .. أعدك .. بأن كل شيء سيكون على ما تأمرين به .. أنت لا تعلمين كم أنت غالية علي ..
احمرت وجنتا روان في خجل مطبق جعلها لا ترد حتى على هذا التعليق .. ولكنها قالت :سأكون في انتظارك في الشراع الساعة 8 .. تعرف المكان بالتأكيد ..
قال : طبعاً ..
قالت : لا تتأخر ..
قال لها : لن أتأخر ..
وأقفلت الخط ..

وهنا دارت في رأس قصي فكرة شيطانية بحق .. مغامرة رائعة بحق .. ولكنه إن أخطأ فيها .. قد يضيع كل شيء أدراج الرياح .. ولكن الفكرة مغرية بحق .. بل إنها مغرية للغاية ..

اتصل على رناد وقال لها :رناد .. مرحباً ..
قالت له : أهلا قصي .. لم أرك من فترة ..
قال لها : هل تذكريني حبيبتي التي كنت أكلمك عنها ؟
قالت : بالتأكيد .. ومن ينسى حبيبتك روان تلك التي ما خرجنا يوماً إلا وكنت تتكلم عنها ..
قال : أريدك أن تريها ..
قالت له باستغراب : ولكن .. ألن تغضب ؟
قال : لا أريد أن تريها من بعيد .. لا بد .. رناد أنت صديقة غالية بحق .. لربما تعرفين عني كل أسراري .. وبصراحة أريدك أن تريها لتخبريني رأيك فيها .. بصراحة يهمني كثيراً رأيك ..
قالت رناد بطريقة تليق بسيدة أعمال ناجحة: ok, I have no problem at all ..
قال لها : جيد سنتقابل في الشراع .. لساعة 10 ستكون هناك .. هل عندك مشكلة في ذلك ؟
قالت : nop ..
قال: فليكن إذا ..

وبعد أن انتهى .. اتصل على نوف .. وقال لها :يا قمر .. سآتي لأمر عليك الساعة العاشرة .. فقالت : قصي ولكن الوقت متأخر حينها ..
قال لها : يا حياتي ولكني مشغول جداً مع والدتي .. هذا هو الوقت الذي أستطيع أن أخرج فيه .. إن لم تستطيعي لا مشكلة .. نستطيع أن نخرج غداً ..
قالت هي بعد تفكير وعلى مضض فقط لترضيه : حسناً .. اسمع سوف أخرج مع صاحباتي .. ثم تأتي لتأخذني أنت من لو مول ..
قال لها : حسناً ..


إنه يحس بقمة في النشوة .. إنه مجنون ولا شك .. يتقابل مع ثلاث فتيات في مكان واحد .. هذا هو الجنون بعينه حقاً ..
ولكنه فعلها .. كيف ؟؟هذا ما سأخبركم بتفاصيله في الجزء القادم من قصي الخبير ..