rainyheart
rainyheart
سورة الإسراء

تتحدث هذه السورة عن القرآن الكريم بشكل طويل وتفصيلي، وكأنَّ هدفها هو أن تساعدك على استشعار قيمة القرآن .
وهي تروي –كما هو واضح من اسمها-قصة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم ...فلماذا لا نجد سورة أخرى باسم المعراج؟!!
و ما هو الشيء الأساسي في قصة الإسراء لتُسمَّى به السورة؟!
أهو قَطع المسافة من مكة المكرَّمة إلى بيت المقدس في وقت قصير جداً؟!
أم أن هناك مَعنىً أهم؟!!
الحقيقة أن الأهم هو أنه -صلى الله عليه وسلم- لما وصل إلى المسجد الأقصى وجد فيه اجتماعاً لم يحدث مثله في تاريخ البشرية !!! و هو اجتماع كل الأنبياء –معاً- في المسجد الأقصى!!!! فقال له جبريل عليه السلام:" تقدَّم يا محمد" ،فصلَّى بالأنبياء إماماً
فكانت هذه الصلاة عنوان انتقال الرسالة من المم السابقة إلى هذه الأمة _أمة محمد_ ورمز لتكليف النبي صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده بالمسؤولية عن الكتاب ،وهو الرسالة التي أُرسلت إلى البشرية ،وانتقلت من نبي إلى آخَر، منذ نوح ،ومروراً بأولاده ،ثم موسى وعيسى ،حتى وصلت إلى محمد صلى الله عليه وسلم ...وكأن الركعتين اللتين صلى فيهما إماماً بالأنبياء هما الرمز لتسلُّمه الرسالة من هؤلاء الأنبياء ليحمل مسؤوليتها –وأُمَّته من بعده- إلى يوم القيامة!!!!!
هذه السورة هي أكثر سور القرآن التي ذُكِرَ فيها الكتاب : أي القرآن!!
لماذا؟
الإجابة تتضح حين نعرف لماذا سُمِّيت بسورة الإسراء ؟!!!
إن حادثة الإسراء هي حادثة انتقال القرآن إلى محمد،وبداية مسؤوليتنا عن القرآن!!!
ولهذا فإن محور هذه السورة يدور حول قيمة القرآن ... هذا القرآن الذي علاه التراب في بيوتنا لأننا لا نفتحه إلا في شهر رمضان كل عام ،
وهذا القرآن الذي نختمه دون أن نكلِّف أنفسنا عناء فهم معاني كلماته، أواستيعاب أفكاره!!!!
وهذا القرآن الذي تحدَّث عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث التالي:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ألا إنَّها ستكونُ فِتنة"!! فقال سيدنا علي:" فما المخرج منها يا رسول الله؟" فقال له:" كتابُ الله : فيه نبأ مَن قبلَكُم وخَبَر ما بعدَكُم، وحُكمَ ما بينَكُم ،وهو الفَصْل ليس بالهَزل...مَن ترَكَهُ مِن جبَّارٍ قصَمَه ُالله،ومَن ابتَغى الهُدى في غيرهِ أضلَّهُ الله
وهو حَبلُ اللهِ المَتين، وهو الذِّكرُ الحكيم، وهو الصِّراط المستقيم الذي لا تَزيغُ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ،ولا يشبع منه العُلماء، ولا يبلى من كَثرَة الرَّد (أي لا يمل الإنسان من كَثرة قراءته)،و لا تنقضي عجائبُه ،وهو الذي لم تنتَهِ الجِنّ ُ إذ سمعوه إلا أن قالوا:" إنَّا سمِعنا قُرآناً عَجَباً" وهو الذي مَن قال به صدَق،ومَن حكَم به عَدَل،ومن عمِل به أُجِر،ومن دعا إليهِ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُستقيم"

ولعلنا نلاحظ أن هذه السورة جاء ت في منتصف القرآن الكريم،لتذكِّركَ بِعَظَمة هذا القرآن ....لعلك لا تُفرِّط فيه!!!!
فالآية الأولى من السورة تتحدث عن حادثة انتقاله إلينا ،ثم تذكر الآية الثانية أن الكتاب كان مع موسى،وكان هذا الكتاب ُهدىً لقومه بني إسرائيل ،ثم تشير الآية الثالثة إلى أنه وصل إليهم عن طريق نوح عليه السلام وذُرِّيته ...فماذا فعل بنو إسرائيل بالكتاب؟!!!
تروي الآيات التالية كيف أنهم فرَّطوا فيه!!!!
فماذا حدث بعد التفريط؟!!
لقد استبدلهم ربهم ،وذهب الكتاب إلى قومِ غيرهم!!!!
وهنا تحذير لنا يقول: "يا أُمَّة الإسلام لا تفرِّطوا في حق الكتاب عليكم فيستبدلكم الله وينزعه من بين أيديكم !!!!"
ثم تبدأ الآيات في الحديث عن قيمة الكتاب، وما يحتويه من دُرَر،وكنوز ... و أنه لا يأمر إلا بالخير .
ثم توضح الآيات (منذ الآية رقم 23 ) الأوامر التي يأمر بها الكتاب...ولعلنا نلاحظ أن كل هذه الأوامر مقبولة لدى الفطرة البشرية السليمة ،مثل: بر الوالدين،وصِلة الأرحام،والإحسان إلى المسكين وابن السبيل،وعدم التبذير،وعدم البخل،وعدم قتل الأولاد،وعدم الزِّنا،..((وعن الزنا نجد الله تعالى يقول" وَساء سبيلا" لأنه فِعلٌ بالغ القُبح،و لا يترتب على المَشي في طريقه إلا الهلاك والكوارث، مثل قتل الأنفس ،وضعف الرزق ،وظُلمة الوجه،واختلاط الأنساب...وغير ذلك))
ثم تتساءل الآيات: كيف يأمركم الكتاب بكل ما يحفظكم ،ويحمي مصالحكم ،ويتفق مع فطرتكم ،ويضمن لكم الحياة الكريمة... ثم تفرِّطوا فيه، ولا تعيشوا معه ؟!!!!
ثم تأتي أوامر أخرى تتفق أيضاً مع الفطرة السليمة،وتضمن للإنسان الحياة الكريمة،ثم تُختَتم بتعقيب رائع من الله سبحانه وتعالى في الآية 39 :" ذلك مِمَّا أَوحى إليكَ ربُّكَ مِن الكِتاب ِوالحِكمة ،ولا تجعل مع اللهِ إلَهاً آخَرَ فتُلقَى في جهنَّم مَلوماً مَدحوراً"
بعد ذلك تتحدث الآيات التالية أرقامها :( 106،105،89،79،73،60،58،45)
عن عَظَمَة هذا الكتاب...وتُختتم بتحدي كبير قائلة :" قُل لَئِنِ اجتمَعَت الإنسُ والجِنُّ على أن يأتوا بمِثلٍِ هذا القُرآنِ لا يأتونَ بِمِثلِهِ ولو كان بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرا"!!!!
ما كل هذه التذكرة بعظمَة وقيمة القرآن؟!!!!!
لعلها تذكِّرنا بأن هذا الكتاب العظيم قد تخلَّت عنه الأُمم السابقة وفرَّطوا فيه،فلا ينبغي لنا أن نفعل مثلهم!!!!

وفي ختام السورة تتحدث الآيات (107-109) عن صفات أحبَّاء القُرآن ،قائلة :" قُل آمِنوا به أو لا تؤمِنوا* إنَّ الذين أوتوا العِلمَ مِن قبلِهِ إذا يُتلى عَلَيهِم يَخِرُّونَ لِلأذقانِ سُجَّداً *ويقولون سُبحان ربِّنا إن كان وَعدُ ربِّنا لَمَفعولا*ويخِرُّونَ لِلأذقانِ يَبكونَ ويزيدُهُم خُشوعا"
إنه عِتاب ٌموجِع للذين يُعرِضون عن القرآن ولا ينفِّذون أوامره ،ولا ينتهون عن نواهيه!!!!
ولكننا –بحمد الله – نرى نماذج لأحِبَّاء القرآن في المساجد ،وخاصَّةً في صلاة التراويح ،فنرى كيف يتفاعلون مع القرآن ،ويبكون ،ثم يزدادون خُشوعاً ...لأنهم يسمعونه بأحاسيسهم كلها،فيشعرون بحلاوته وقيمته !!!
فطوبى لهؤلاء ومن سار على طريقهم... لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" تركتُ فيكُم ما إن تمسَّكتُم به لن تضِلُّوا بعدي أبداً: كِتاب الله،وسُنَّتي"
أي أنكم لن تَخرجوا من الظُّلُماتِ إلى النور إلا بالتمسُّك بهذا الكتاب...والدليل قول الله تعالى:" كِتابٌ أُنزِلَ إليكَ لِتُخرِجَ النَّاسَ من الظُّلُماتِ إلى النُّور" فالخروج من الظُّلمات مرتبط به.
ولكن:
مَن مِن أُمة الإسلام حتى الآن ختم القرآن في رمضان،أو في غيره؟!
ومن مِنهم حريص على فَهمه؟
ومَن منهم يحاول الإحساس بقيمة القرآن؟!!!
ومَن منهم حريص على أن يتعلم تلاوته بالشكل الصحيح؟
وكم مِنهم متكاسل عنه؟!!!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" مَن قرأ حرفاً مِن كتاب الله فلَهُ به حَسَنة،والحسَنة بِعَشر أمثالها...لا أقول ألف لام ميم حرف،ولكن ألف حرف ،ولام حرف،وميم حرف"
وفي رمضان الحَسَنة تُضاعَف إلى سبعين ضِعف!!! فمَن يقرأ حرفاً واحداً من كتاب الله يحصل على سبعمائة حسنة،ومن يقرأ جزءاً(الجزء به حوالي 7000حرف) يحصل على أربعة مليون وتسعمائة ألف حسنة!!!!
فما بالك بمن يفهم القرآن، ومن يشعر أن القرآن أمانة في عُنُقه ؟!!!!
تُرى هل تُذكِّرك هذه السورة بأنك مسؤول عن هذا الكتاب؟!!!
وأنك إن لم تحرص على تنفيذ ما به من تعليمات فسوف يستبدلك الله؟!!!
وهل لاحظت أن سورة الكهف(السورة التالية لسورة الإسراء) تبدأ بحمد الله على نعمة القرآن؟!!!
وهل لاحظت أيضاً أن آخر سورة الإسراء بها سجدة.... لعلَّها تُشعرك بالذل لله ،وتُذكِّرُك بعظَمة هذا القرآن؟!!!!!
****
rainyheart
rainyheart
أخيتي الأميرة الحبابة
جزاك الله خيرا وسلَّمكِ الله وعافاكِ.
أنا يا أخيتي أستعذب التعب من أجل هذا الموضوع لأنني أعلم جيداً قيمة هذه الحلقات، وكم يحتاجها كل مسلم..فإذا لم نفهم قرآننا ، كلام الله تعالى إلينا، ودستورنا وشريعتنا، فماذا نفهم؟!!!
ويشرفني ياأخيتي أن أكون خادمة للقرآن، والله المستعان.
طبعاً بدون توفيق الله وعونه ما استطعت كتابة ولا حلقة، فأنا أقوم بتسجيلها لأكتبها بعد ذلك على مهل، ثم أكتبها على الوورد،وأنقلها لكم ولكل من استطعت،عسى الله أن يتقبلها خالصةً لوجهه الكريم،وأن ينفع بها المسلمين،آمييين.:24: :27: :26:
rainyheart
rainyheart
سورة الكهف
هذه السورة عبارة عن قصص أربع : قصة أهل الكهف،وقصة الجنَّتين،وقصة موسى والخِضر،وقصة ذو القَرنَين"
والطريف أننا نجد بين كل قصة وأخرى تعقيباً يتكون من عِدَّة آيات!!!
فهل هدف السورة أن تسرد هذه القصص؟!!
أم أن هناك هدف آخر، تخدمه هذه القصص ؟!!!
قبل أن نجيب عن هذين السؤالين ، تعالوا بنا نستعرض هذه القصص في عُجالة:
أولاً: قصة أهل الكهف:
هي قصة مجموعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين ثمانية عشر وتسعة عشر عاماً ،كانوا يعيشون في بلدة أهلها جميعاً من الكافرين ... بينما كان هؤلاء الشباب على دين المسيحية الحقَّة، فواجهوا قومهم ،ثم واجهوا ملِك البلدة حتى كاد أن يبطش بهم...فاستعانوا بالله تعالى،فوجَّهَهُم إلى أن يأووا إلى الكهف ...فكانت النتيجة أن حدثت معجزة عظيمة تأييداً لهم ،وإكراما :
فقد ألقى اللهُ عليهم النوم ،وحفِظَهُم ...وعلى الرغم من ظُلمة الكهف إلا أن الشمس كانت إذا طلعَت من المشرق تميل عن مكانهم إلى جهة اليمين،وإذا غربت تتركهم إلى جهة اليسار،
وهم في مُتَّسع من الكهف،فلا تؤذيهِم حرارة الشمس،ولا ينقطع عنهم الهواء ..وهذه من دلائل قدرة الله ونُصرته لعباده الطائعين!!!!
كما يظن الناظر إليهم أنهم أيقاظاً،ولكنهم في الواقع نيام!!! وكان الله تعالى يتعهَّدهم بالرعاية،فيقلِّبهم في نومهم مرة للجنب الأيمن ،ومرة للجنب الأيسر ،لِئَلَّا تأكلهم الأرض، وكان كلبهم الذي صاحبهم مادَّاً ذراعيه بفِناء الكهف...ولو عاينهم أحد لفرَّ هارباً من الرعب والفزَع!!!!!!
هؤلاء الفِتية –الذين اختلف الناس في عددهم،والله أعلم بهذا العدد -استيقظوا بعد 309 سنة على نفس هيئتهم دون تغيُّر ،ليجدوا القرية كلها قد آمَنَت!!!!
***
ثانياً: قصة الجنَّتين:
هي قصة رجلين من الأُمم السابقة أحدهما مؤمن و الآخر كافر ،وكان للكافر حديقتين من أعناب ،ونخيل ..وفي وسط كل منهما زروعاً نافعة كثيرة ومختلفة، ولتيسير سقياهما أجرى الله بينهما نهراً ...وكان لصاحب الحديقتين ثمر وأموال أخرى ،فقال لصاحبه المؤمن والغرور يملؤه:" أنا أكثر مِنك مالاً وأعزُّ أنصاراً وأعواناً ،ودخل حديقته فأعجبته ثمارها،فقال:" ما أعتقد أن تهلِك هذه الحديقة مدى الحياة ،وما أعتقد أن القيامة واقعة،وإن فُرِضَ وقوعُها –كما تزعم يا صاحبي- ورُجِعتُ إلى ربي فأنا على يقين من أنني سأجد عنده أفضل منها نظراً لِكرامتي ومنزلتي الرفيعة عند الله "!!!!
فقال له صاحبه المؤمن ناصحاً:" كيف تكفر بالله الذي خلقك من تراب،ثم من نُطفة ثم سوَّاكَ بَشراً مُعتدل القامة والخَلق؟!!"...وفي هذه النصيحة دليل على أن القادر على ابتداء الخلق ،قادر على إعادتهم.....وظل ينصحه،ويحلوا توجيهه للصواب، ولكنه ظل على رأيه،حتى تحقَّق ما قاله المؤمن ،وأصبحت حديقتيه أثراً بعد عَين،وهلك كل ما فيهما،فصار الكافر يقلِّب كفيه حسرةً وندامة ،ويقول:" يا ليتني عرفت حق نِعم الله ،ولم أُشرِك بالله أحداً " ولكن حيث لا ينفعه الندم!!!!
ثالثاًً: قصة موسى والخضر:
سأل بنو إسرائيل سيدنا موسى عليه السلام:" مَن أعلَمُ أهلَ الأرض ؟" فقال لهم:"أنا" ،فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن "هناك من هو أعلم منك"!!ووجَّهه إلى الذهاب إلى الخِضر ليتعلم –ونحن من بعده-كيف يتعامل مع قَدَر الله،ويتقبَّله ويرضى به.
فذهب إليه موسى،وقَبِل الخِضر مصاحبته بشرط ألا يسأله عن شيءٍ يُنكِرُه...فوافق سيدنا موسى،ولكنه لم يستطع أن يصبر حين رأى الخضر يخرق سفينة أناس صالحين وهم في عرض البحر، ثم حين رآه يقتل غلاماً ،ثم حين رآه يبني جداراً لقومٍ غير صالحين دون أن يأخذ منهم أجراًَ !!!!!
فلما لم ينفذ موسى عليه السلام الشرط المتفَّق عليه طلب منه الخِضر أن يفارقه،ولكنه قبل ذلك أوضح له حِكمة الله من كل فعل فعله الخِضر...فالسفينة كانت لمساكين يعملون عليها سعياً وراء الرزق ،فأراد أن يخرقها ليكون بها عيباً فلا يأخذها منهم الملك الظالم الذي يأخذ السفن الجيدة غصباً من أصحابها!!!
أما الغلام فكان أبويه مؤمنَين، وإن بقي حيَّاً حتى يكبر فإنه سيكون سبباً في كفرهم!!!
وأما الجدار الذي بناه فكان تحته كنز لغلامين يتيمين،ولو أنه وقع لانكشف الكنز الذي خبَّأه لهما أبوهما الصالح ،و لاستولى عليه القوم الفاسقين الذين يعيشون حولهم،فأراد الله أن يُقام الجدار حتى يكبر الغلامان ويستخرجا الكنز برحمة الله!!!!
ومن خلال هذه القصة أراد الله تبارك وتعالى أن يُرينا أن أفعال الله في الكون وراءها حِكَم ،فهناك عِلمٌ آخر غير العلم المُتاح في الكتب ،وهو أن يدرك الإنسان أن مُراد الله يتم بتدبير حكيم،ولذلك يجب أن نفهم ذلك ونتعامل معه بصبر ورضا .
رابعاً: قصة ذي القَرنَين:
هي قصة ملك عظيم يمتلك العلم و التكنولوجيا، وينتقل من مكان إلى آخر من مشارق الأرض لمغاربها،ينشر الخير ويساعد المحتاجين ،ويمر على أقوام وأقوام داعياً إلى الله فاتحاً مُنتصراً ،حتى يصل إلى قوم" يأجوج و مأجوج"الذين سيخرجون في آخر الزمان ...فيقيم بينهم ،وبين يأجوج و مأجوج سدَّاً لا يزال مُقاماً حتى اليوم!!!! لأنه بُني بعلم سليم،و تكنولوجيا عظيمة.
والآن نتساءل:" ما علاقة القصص الأربع ببعضها البعض؟"
قبل أن نجيب عن هذا السؤال دعونا نتحدث عن فضل سورة الكهف:
قال صلى الله عليه وسلم:" من يقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء الله له نوراً من تحت قدميه إلى عَنان السَّماء"
وفي حديث آخر:" من أدرك منكم الدَّجال (المسيخ الدجال) فقرأ عليه فواتح سورة الكهف كانت له عِصمة من الدجَّال"، وفي رواية أن :" مَن قرأ خواتيم سورة الكهف عُصم من الدجَّال" لماذا؟!!!!
وما علاقة فضل سورة الكهف بالخيط الذي يربط القصص الأربع ببعضها؟!!!!
لقد تحدَّثت القصص الأربع عن أربع فتن:
1-فتنة الدين(أو البُعد عن طاعة الله)
2-فتنة المال
3-فتنة العلم(كأن يتعلم الإنسان العلم لغير الله (للتفاخر و المُباهاة ،أو غير ذلك )، أو يتعلم علماً لا ينفع،أو يغترّ بعلمه)
4- فتنة السُّلطة.
ولعل الآية رقم 50- التي جاءت في منتصف السورة بالتحديد- تحكي قصة الشيطان وكيف يزيِّن للإنسان هذه الفتن!!!!!
و لكن لماذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه السورة تقي من فتنة الدَّجال؟
لأن الدجال سوف يحرِّك هذه الفتن حين يظهر :
1- فتنة الدين : حين يقول للناس أرأيتم إن أحييت لكم أبويكم،أتعبدونني؟!! فيفتنهم في دينهم.
2- فتنة المال: سيعطيهم مالاً كثيراً ،ويُنزِل لهم المطر،فيتَّبعه أكثر الناس.
3- فتنة العلم: سيخبرهم بأشياء توضِّح أن علمه غزير.
4- فتنة السُلطة: سيسيطر على أجزاء كبيرة من الأرض إلا مكة والمدينة.
لذلك قال صلى الله عليه وسلم:"منذ خُلِقَ آدَم إلى قيام الساعة ، ما مِن فِتنة أعظم من فتنة الدَّجال" رواه الحاكم.
لذا كانت هذه السورة نجاةً من الفِتَن ،ولذلك أُمرنا بقراءتها كل أسبوع لكي تتجدد التذكرة بأسباب النجاة من الفتن ،ولا يُنسينا الشيطان.
فالسورة كلها نسيج واحد يتحدث عن: الفتنة،وكيف ننجو منها.
لذلك كانت تتحدث كل قصة من القصص عن فتنة معينة ، ثم يجيء بعد كل قصة :كيفية النجاة من هذا النوع الذي جاء بها من الفتن،فمثلاً:
القصة الأولى تتحدث عن فتنة الدين، بعدها جاءت الآية 28 لتشير إلى أن الصحبة الصالحة هي سبيل النجاة من فتنة الدين،ثم تضيف الآية 29 أن السبيل الآخر للنجاة من هذه الفتنة هو تذكُّر الآخرة!!!!
والقصة الثانية تتحدث عن فتنة المال:فتجيء الآية رقم 45 لتقول: سبيل النجاة منها هو أن تفهم حقيقة الدنيا.
ثم تضيف الآية رقم 46 أن السبيل الثاني للنجاة من هذه الفتنة هو تذكُّر الآخرة أيضاً.
وكأن تذكر الآخرة قضية أساسية للنجاة من الفتن!!!!
أما القصة الثالثة فتتحدث عن فتنة العلم، فتقول الآية رقم 69 أن سبيل النجاة منها هو التواضع!!!!
وأخيراً القصة الرابعة تتحدث عن فتنة السُّلطة: فتقول الآية 103 أن السبيل للنجاة منها هو تذكُّر الآخرة،ثم تضيف الآية 104 أن السبيل الآخر للنجاة من هذه الفتنة هو إخلاص النية لله تعالى في استخدام هذه السَّلطة فيما يحبُّه ويرضاه.
فهذه أربع فتن ، وتلك أربع عواصم في مُنتهى القوة !!!!!!
لذلك تأتي آخر آية من السورة تركِّز تركيزاً شديداً على العِصمة الكاملة من الفتن و تذكِّر باليوم الآخِر:
" فمن كانَ يرجو لِقاء ربِّه فليَعمل عملاً صالحاً ولا يُشرِك بِعبادَة ِربِّهِ أحداً"
وكأنَّ أحد المُنجيات من الفتن هي أن تنتظر لقاء الله تعالى!!!!
وكأنَّ العِصمَة النهائية التي تُغَلِّف كل هذا هي:العمل الصالح،مع إخلاص النية لله تعالى.

يقول العلماء:" إن شروط قبول العمل هي:
1- أن يكون العمل صحيحاً(أي صالحا ً ، يُرضي الله عز وجل)
2-أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى.
**
*ولعلنا لاحظنا في هذه السورة بشكل عام أن الحركة فيها كثيرة...فكل الشخصيات بالقصص تتحرك بسرعة!!
تأمل معي بعض الألفاظ المستخدمة: فَأوُوا ، فابعثوا،ودخل جنَّته،فانطلقا،فانطلقا،فانطلقا،فلما بلغا، فلما جاوزا، ،حتى إذا بلغ، فارتدَّا، هل أتَّبِعُك؟
وكأن السورة تقول لنا:" تحرَّكوا في الأرض،فالسكون يساعد على ثبات الفِتَن" ولذلك قال ذو القرنين:" فأعينوني بِقوَّة" أي تحرَّكوا،ولا تجلسوا متفرِّجين!!!
وكأن الله تعالى يقول لنا حين نقرؤها يوم العُطلة الأسبوعية: يوم الراحة:" تجهَّزوا للحركة منذ الغد"!!!
*وهناك ملحوظة أخرى وهي أن السورة بدأت بالحمد لله على نعمة القرآن،واختُتِمَت أيضاً بالحديث عن القرآن" كلمات ربِّي" وكأن القرآن هو أهم المُنجيات من الفِتن!!!!!
*كما أن هناك ملحوظة ثالثة ،وهي أن القصص الأربع كانت تحتوي على الدعوة إلى الله!!!*
فنجد في قصة الكهف شباب يدعون قومهم .
وفي قصة الجنتين شخص يدعو صاحبه.
وفي قصة موسى والخِضر معلم يدعو تلميذه.
وفي قصة ذي القرنين حاكم يدعو رعيَّته!!!!
وكأن الله تعالى يريد أن يقول لنا: من المُنجيات من الفِتَن أيضاً: الدعوة إلى الله !!!!
*وأخيراً: ملحوظة رابعة ،وهي :أن ذكر الغيبيات جاء كثيراً في السورة:
فعدد أصحاب الكهف غيب.
وفجوة الكهف وتغيير الشمس غيب.
وقصة ذي القرنين مع يأجوج و مأجوج غيب.
وقصة الخضر مع موسى مليئة بغيبيات لم يستوعب موسى الحكمة من ورائها!!!!!
وكأن الله تعالى يريد أن يقول لنا: إن تسليم الأمر لله يعين على النجاة من الفتن...فأنت ترى بعينك أشياء ظاهرة لا تستوعب الحكمة منها،ولكن الله يدبِّر الأمر بعلمه وحكمته،فلا تتَّكِل على ما ترَاه بعينك،بل اتَّكِل على قُدرة الله وحِكمته.
ثم عليك باتِّباع أوامر الله تعالى ، حتى لو كان ظاهرها مُخيفاً .
والدليل من السورة: أن الكهف مظلم ومخيف،ولكن الفِتيَة أطاعوا ربهم فأووا إليه دون تخَوُّفٍ أو شك،فماذا حدث لهم؟!!
تقول الآية 16:" ينْشُر لكُم ربُّكُم مِن رحمته"!!!!!
فقد تحولت الظُلمة-بفضل الله- إلى رحمة!!!!

كما أن قصة الكهف تعبير عن أن النجاة من الفتن يكون باللجوء إلى الله،والدليل ما قاله الفِتية حين خافوا من الملك: "قالوا ربَّنا آتِنا مِن لدُنكَ رحمة و هَييِّء لنا مِن أمرِنا رَشَداً"!!!
((وهو دعاء نافع لكل مَن يخشى طاغيةً أو جبَّاراً!!!))

فهذه السورة- في مُجملها - تقول لك أيها المؤمن :
لو لم تكن تفهم أحداث الدنيا ،فتوكل على الله ،وَثِق بتديره.
***
والآن تعالوا نلخص ما جاء بالسورة من المُُنجيات(أو العواصم) من الفتن :
أولاً: مُنجيات خاصة:
1-للنجاة من فتنة الدين عليك بالصحبة الصالحة،وتذكُّر الآخرة.
2- للنجاة من فتنة المال عليك بفهم الدنيا على حقيقتها،وتذكُّر الآخرة.
3- للنجاة من فتنة العلم عليك بالتواضع.
4- للنجاة من فتنة السُّلطة عليك باستخدامها في طاعة الله وخدمة دينك.
ثانياً: مُنجيات عامة:
1- العمل الصالح الخالص لله تعالى.
2-تذكُّر الآخرة وانتظار لقاء الله تعالى.
3- السعي في الأرض ، وعدم السُّكون .
4-التمسُّك بتعاليم القرآن الكريم.
5- الدعوة إلى الله تعالى.
6- التوكُّل على الله وتسليم الأمر له.
7- اللجوء إلى الله تعالى ،مع الثقة في تدبيره.
rainyheart
rainyheart
أخيتي الغالية الأميرة الحبابة
سلَّمَكِ الله وعافاكِ، وجزاك عني خيرا كثيرا وبارك فيك وتقبل منا ومنك صالح الأعمال ،آمين.
والآن هيا بنا إلى سورة مريم :

سورة مريم

أيها الأخوة: إن البشر كلهم يحبون الأولاد والذرية ،ويستمتعون بصحبتهم ويحبون أن يورِّثوا أموالهم لأبناءهم ،ونراهم يقلقون بشأن أبناءهم من بَعدهم حين يحضُرهم الموت...وهي فِطرة بشرية لا غبار عليها ،ولكن سورة مريم تتحدث عن شيئين أساسيين:
1-حب الأولاد
2-التوريث
وكأنها تسألنا:
لماذا تريدون الإنجاب؟
وماذا ستورِّثونهم؟!!!

إن في سورة مريم سبب أرقى للإنجاب: وهو المحافظة على الدين من خلال توريثه لأجيال قادمة تحافظ عليه وتتمسك به.
وكأن المسلم يسلِّم الشُعلة(الدين ) لابنه ،وابنه يسلِّمها من بعده للحفيد،وهكذا!!
فالهدف العام للسورة هو : الولد ووراثة الدين.
ولعل هذه السورة هي أكثر السور التي ورد بها ذكر الولد .
والخطاب هنا للمقبلين على الزواج، أو المقبلين على إنجاب أولاد:
لماذا لا تستحضروا النية في الإنجاب أن يكون الأولاد وسيلة لتوريث الدين لأولادكم وأحفادكم ؟!!فإذا نظرتم إلى بداية السورة لوجدتم قول زكريا عليه السلام:" يارب أنا محتاج لأن أنجب ولداً يرث النبوة ،إني خِفتُ الموالي مِن ورائي،فلا يوجد أحد في بني إسرائيل يستحق أن يرث هذا الدين،فأنا طاعِن في السن وامرأتي عاقر ،ولكني خائف على الدين!!!!
أما امرأة عمران،فقد نذرت ما في بطنها (خالصاً لوجه الله )لتحرير المسجد لأقصى،وهي لا تعلم أنها بنت .
ولذلك جاء يحي من ذرية زكريا، وجاءت مريم من ذرية امرأة عمران،وجاء عيسى من ذرية مريم !!!!!!
ثم تذكر لنا السورة آباء آخرين ورَّثوا أبناءهم الدين، مثل إبراهيم عليه السلام الذي ورَّث الدين لإسماعيل وإسحاق ،وكذلك فعل إسماعيل مع أبنائه.
وتأملوا معي: في الآية رقم (1) دعا زكريا ربه أن يرزقه الولد كي يورِّثه الدين.
وفي الآية رقم (12) جاءت نتيجة دعائه: " يا يحي خُذ الكتابَ بِقوَّة،وآتيناهُ الحُكمَ صبيَّا"!!!
والنموذج الثاني: مريم تورِّث عيسى الدين:حيث قال وهو لا يزال في المهد:" إنِّي عبدُ الله
،آتانيَ الكتاب ،وجعلَني نَبيَّا وجعلني مُبارَكاً أينما كُنتُ وأوصاني بالصلاة والزَّكاةِ مادُمتُ حيَّاً ، وبَرَّاً بِوالِدَتي،ولم يجعلني جبَّاراً شَقِيَّا"
هذه السورة (أيضاً)هي أكثر السور التي تحدثت عن البِرّ، وكأنها إشارة لنا تقول: "لأن هؤلاء الآباء ربَّوا أبناءهم بِنِية الحفاظ على الدين، جاء أبناؤهم أبراراً!!!!!
ثم تذكر لنا الآية نموذجاً عكسياً ،وهو إبراهيم عليه السلام ....في هذا النموذج يتضح أيضاً بر إبراهيم بأبيه ،ورِفقه به ،وتأدُّبه في الحديث معه رغم كُفره !!!
أما نتيجة هذا البِر فهو ما جاء في الآية 50:" فلمَّا اعتزَلَهُم وما يعبدونَ مِن دونِ الله وهبنا لَهُ إسحق ويعقوبَ ،وكُلَّاً جعلنا نبيَّاً ،ووهبنا لهُم مِن رحمَتِنا وجعلنا لهُم لِسانَ صِدقٍ عَلِيَّاً"!!!!
فكأن بِره بأبيه أنتج له اثنين من الذُرِّية الصالحة التي تقر بها عينه، وتحمل الدين وتورِّثُه!!!!!!!
ثم ماذا حدث بعد ذلك؟!!!
لقد أنجب إبراهيم إسماعيل أيضاً ..ماذا كان يفعل إسماعيل؟!!!" كان يأمُرُ أهله بالصلاة والزَّكاةِ "....لقد كان يورِّث الدين لأولاده هو الآخر!!!!!
واستمع إلى التعقيب الرائع من الله عز وجلّ على هؤلاء الذين يورِّثون الدين لأبنائهم،في الآية 58:
"أولئك الذين أنعمَ اللهُ عليهِم من النَّبيين مِن ذُرِّيَةِ آدم ،ومِمَّن حملنا مع نوحٍ ومِن ذُرِّيَةِ إبراهيمَ وإسرائيلَ ،ومِمَّن هدّينا واجتبينا ،إذا تُتلى عليهِم آياتُ الرَّحمنِ خرُّوا سُجَّداً وبُكِيَّاً"
أولئك الذين كانوا يربون أبناءهم على حِفظ الدين أجيالاً بعد أجيال.
ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟!!!!!!
تقول الآية 59:" فخلَفَ مِن بعدِهِم خَلْفٌ أضاعوا الصّلاةَ واتَّبَعوا الشَّهَواتِ فسوفَ يَلقَوْنَ غَيّاً"
لقد جاءت أجيال أخرى لم يربُّوا أبناءهم على حب الله وحفظ الدين ،فأضاعوا الصلاة واتَّبعوا الشهوات!!!!
وانظر إلى ختام السورة الذي يعاتب بشِدّة كل مَن ادَّعى لله ولداً :" أنتم يا بشر محتاجون -بالفِطرة - للولد،ولكن الله عز وجل غنِيٌ عن الولد" وقد جاء ذلك في الآيات 88-59 :" وقالوا اتَّخذَ الرحمنُ ولدا* لقد جِئتُم شيئاً إدَّاً* تكادُ السماواتُ يتفطَّرنَ مِنهُ وتنشقُّ الأرضُ وتَخِرُّ الجبالُ هدَّاً* أنْ دَعَوْا للرحمنِ ولَدا* وما ينبغي للرحمنِ أن يتَّخِذَ ولدا*إنْ كُلُّ مَن في السماواتِ والأرضِ إلا آتيَ الرحمنُ عبداً"

ولعلنا نلاحظ أن النصف الأول من السورة كان رقيقاً ،لأن الحديث كان عن الأطفال ،والذُرِّية وهو شيءٌ رقيق ،أما النصف الثاني فهو في غاية الشِّدة ليناسب الموضوع الشديد الذي ادَّعاه البعض،وهو ادِّعاء الذُّرِّية لله جل جلاله!!!!
والآن : لماذا سُمِّيَت السورة بمريم؟!!لأن الأم هي المورِّثة الحقيقية للدين، وهي التي تربي وترعى الطفل حتى يبلغ رُشده ،فسُمِّيَت السورة باسم سيدة نساء العالمين ،وهي نفسها نموذج رائع لحُسن تربية الأولاد وتوريثهم الدين!!!!
rainyheart
rainyheart
سورة طه

إن محور هذه السورة يتَّضِح من أول آية بها:"طه * ما أنزلنا عليكَ القُرآن لِتَشقَى"

وكأن الله تعالى يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم،والمؤمنين من بعده قائلاً:" يا مسلمين إن المنهج لم يأتِكُم كي تعيشوا في شقاء"
ولعل هذه الفكرة الخاطئة هي أهم ما يبعد الكثير من الناس عن التدين،فهناك اعتقاد خاطىء بأن التدين كآبة، وتعب،وشقاء ،وعدم أناقة ....ولكن هذه السورة تقول:" على عكس ما تتصورون!!! إن منهج الله ليس سوى سعادة وراحة "، فما المنهج سوى تذكرة ،وهذه التذكرة هي سبب السعادة.
هل تعلمون لماذا؟!!!
لأن هذا المنهج جاء من عند الرحمن ...وهذا الملِك العظيم لا يمكن أن يريد الشقاء لعباده،لأنه الرحمن !!!
ثم تحكي هذه السورة قصة موسى مع فرعون، ولعلها جاءت هنا لتخدم هدف السورة فتقول لنا:" إنتبهوا!!!! فليس معنى أن القرآن منهج للراحة والسعادة أن الحياة كلها ستكون وردية بلا مشاكل...ولكن ستواجهك أيها المؤمن بعض الصعوبات وأنت تحمل هذا المنهج وتدعو إليه ...إلا أن هذه الصعوبات لا تسبب الشقاء (والمقصود بالشقاء هو النكد والكآبة ،والهم والغم ،وضيق الصدر )لأن المؤمن مهما واجه من صعوبات فهو موصول بربه، مستعين به في كل أحواله ...لذا فهو دائماً راضٍ ومطمئن!!!!
والدليل: أن الله تبارك وتعالى وسط كل ما يحدث لموسى عليه السلام نجده يخفِّف عنه بكلمات حنونة رقيقة، مثل :
" خُذها ولا تخَف"(21)،

و" قد أوتيتَ سؤلك يا موسى"(36) ،

و" ولقد منّنَّا عليكَ مرةً أُخرى"(37)،

و" وألقيتُ عليكَ محبَّةً مِنِّي"(39)،

" ولِتُصنَعَ على عَيني"(39)،

و" وقتَلتَ نفساً فنجَّيناكَ من الغم"(40) ،

" واصطنَعتُكَ لِنَفسي"(41)،

" و" لا تخافا إنني معكُما أسمعُ وأرى" (46)

و" لا تخف إنك أنتَ الأعلى"(68)

أريت كم مرة تكررت كلمتي: "لا تخَف"؟!!!!
وكأن هذا نموذج حي لنُصرة الله تعالى لعباده المؤمنين!!!
وكأن هذا نتيجة ثقة أم موسى في وعد الله وطاعتها له سبحانه، بإلقاءها وليدها في البحر!!!!
وكأن هذا تعويضاً لموسى الذي أُلقي بأمر الله وهو حديث الولادة في صندوق مُظلم تتقاذفه الأمواج !!!!!!
نعم لقد تعبت أم موسى وجاهدت نفسها،و تعب موسى في مواجهة فرعون ،ولكن ما أروع طمأنة الله لهما ، وما أبدع النتائج!!!!!
وهكذا المؤمن ،مهما مرت به من محن، تجده سعيداً راضياً تملؤ قلبه السَّكينة!!!!
أما الكافر فمهما كان في رفاهية ،فهو تعيس شقيّ!!! !ّ
و السبب بسيط وهو أن السعادة مصدرها القلب ، فإذا كان عامراً بالإيمان كان متملئاً بالسَّكينة والسعادة.... أما البُعد عن الله وعن منهجه فهو الشقاء بعينه!!!!.
ولعل سيدنا موسى كان على علم بذلك، لذا لم يكن يتوانى عن دعا ء ربه ومناجاته:" ربِّ اشرَح لي صدري ويسِّر لي أمري ،واحلُل عُقدةً من لساني يفقهوا قَولي واجعَل لي وزيراً مِن أهلي هارون أخي أُشدُد بهِ أَزري،وأشرِكْهُ في أمري"(25-32)... فالاستعانة بالله تعالى وسط الشدائد تخفِّف عن المؤمن كثيراً ، مهما بلغت هذه الشدائد..بدليل أن سحرة فرعون،حين قال لهم فرعون:
" لأُقَطِّعَنَّ أيديكُم وأرجُلَكُم مِن خِلاف ٍ!!! و لَأُصَلِّبَنَّكُم في جُذوعِ النَّخلِ !!!!ولتََعلَمُنَّ أيُّنا أشدُّ عذاباً وأبقَى"(73)
ماذا كان جوابهم؟
" قالوا لَن نُؤثِرَكَ على ما جاءَنا مِن البَيِّناتِ والذي فطَرَنا فاقضِ ما أنتَ قاضٍ إنَّما تقضِ هذه الحياةَ الدُّنيا * إنَّا آمَنَّا بِربِّنا ليغفِرَ لنا خطايانا وما أكرَهتَنا عليه مِنَ السِّحرِ والله ُخيرٌ وأبقى"(72-73)
فالموقف كان شديداً ،ولكنهم عقَّبوا على الكلمات السابقة بقولهم: :" إنَّهُ مِن يَأتِ ربَّهُ مُجرماً فإنَّ لهُ نارَ جهنَّمَ لا يموتُ فيها ولا يَحيى* ومَن يأتِهِ مؤمِناً قد عمِل َ الصَّالِحاتِ فأولئك لهُمُ الدَّرجاتُ العُلى * جنَّاتُ عَدنٍ تجري مِن تَحتِها الأنهارُ خالِدينَ فيها وذلِكَ جَزاءُ مِن تزَكَّى" (74-76)
فأنت أيُّها المؤمن مهما كانت الصعوبات التي تواجهك، فإن حُلمك الكبير((وهو الجنَّة))، يخفِّف عنك عناء الدنيا ...أما الكفرة، فمثلهم مثل فرعون وجنوده،لقد ماتوا موتة سوء،وكان فِرعون(وهو إمامهم )عِبرةً لِمَن يعتَبِر!!!!
أما في الآخرة ،فتجد موسى والسحرة سعداء، بينما فرعون وجنوده من الأشقياء!!!!
فيا شباب المسلمين !!!!! يمكنكم الاستمتاع في الدنيا وأنتم متدينون...أما في الآخرة فلكم أن تتقلبوا في النعيم الدائم إن شاء الله.
والآن تنقلنا السورة إلى نموذج آخر يوضِّح أن السعادة الحقيقية في اتِّباع منهج الله، وهي قصة آدم وحواء :
لقد كان آدم قبل أن يعصي يجاور ربَّهُ –هو وزوجته- في الجنة ...فلما عصى ربَّه ، كانت النتيجة ؟!!أن هبطا إلى الأرض وشقِيا ببعدهما عن ربِّهما !!!!
ولاحظوا أن كلمة الشقاء ترددت بوضوح في هذه السورة في الآيات التالية:
"طه* ما أنزلنا عليكَ القُرآنَ لِتَشقَى" (1-2)
" فلا يُخرِجنَّكُما من َ الجَنَّةِ فتَشقَى"(117)
" فمَن اتَّبعَ هُداي فلا يضِلُّ ولا يَشقَى"(123)
فالسعادة كُلُّ السعادة في اتِّباع منهج الله، أما : " مَن أعرضَ عَن ذِكري فإنَّ لَهُ مَعيشةً ضَنْكاً،ونحشُرُهُ يومَ القيامَةِ أعمى"(124) فله شقاء في الدنيا وعذابٌ في الآخرة!!!

تُرى هل تصدِّق كلام الله أم لا تُصَدِّقه ؟!!!!!!
إن لم تصدِّق فلكَ أن تجرِّب بنفسك!!!!!!
واستمع إلى الآياتِ وهي تقول لك" فاصبِر على ما يقولون وسَبِّح بِحَمدِ ربِّكَ قبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وقبلَ الغُروبِ * ومِن آناءِ الليِل فسَبِّح وأطرافِ النَّهارِ لعلَّك َتَرضى"
فالتسبيح -أي ذِكر الله وطاعته- يؤدِّي إلى الرضا..والرِّضا هو أعلى درجات السعادة!!!!!!!
فماذا تختار؟!!!!!!