سراب
سراب
تمنيت يومها أن يضل الليل طريقه إلى مدينتنا .. كانت الرياح تعزف نغمة جنائزية .. و السماء تطل بنجوم باهتة وقمر بارد لا نبض فيه .. و أنا .. أنا أقف وراء نافذتي أبعثر همومي هنا و هناك .. ضجيج المدعوين يمزق أذنيّ .. أصواتهم صرخات تضج في أعماقي .. سياط تلتهب فوق ظهري .. أشواك تدمي عينيّ .. أريد أن أنسى كل شيء .. أريد أن أنسى اني عروس .. و أن هناك بشر ينتظرون طلّتي عليهم ليرشقوني بخناجر فضولهم .. أريد أن أنسى أن هناك رجلا غريبا سوف يمزق وحدتي و يقودني إلى صخب الحياة و زحامها ..أريد أن أنسى كل شيء .. سوى نافذتي هذه التي تركض بي نحو السحاب .. وهذا الشارع الذي احكي له أحلامي.. وتلك النجوم التي يحلو لي أن أداعبها والعب بها .. وتلك الرياح التي تهمس لي بأساطير قديمة .. هذه هي دنياي .. ليل يبتسم .. و ريح تغني .. لم تكن لي أحلام الصبايا وآمالهن .. لم أحلم بفارس مستقبل .. ولا بضجيج أطفال .. ولا بقصر يغفو على ربوة تطل على ذراعي شاطئ .. كان أقصى حلم لدي هو أن أجد كتابا أقفز به إلى نافذتي كلما حط الليل رحاله .. اجلس و أقرأ بنهم شديد إلى أن أرى خيوط الفجر تتسابق في صفحة السماء .. وربما سقط كتابي من يدي إذا ما غلبني النعاس على النافذة .. لم أكن اعشق ارتياد منتدى الفتيات .. ولا لقائهن أو الحديث معهن .. ليس كراهية في ذلك وإنما هو خوف .. نعم خوف … كنت أخاف أن يفتضح أمري لديهن .. إن بي عاهة ألمت بي في طفولتي .. كم كانت أياما قاسية .. كنت حينها طفلة صغيرة لا تعرف سوى الابتسامة الصافية .. و القلب الأبيض و الوجه المشرق المضيء .. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي اختفت فيه الابتسامة و تمرد القلب الأبيض و تلون الوجه المضيء بألوان قاتمة .. وذلك حينما امتدت ألسنة نار عاتية لتحرق كل ما في بيتنا بلا هوادة .. ولم تشبع النيران ليلتها إلا بعد أن امتدت بقسوة لتلتهم يدي اليمنى .. وهئنذا الآن أعيش بيد واحدة أكافح بها في زحمة الحياة ..ولم تقو والدتي على رؤية الفراغ تحت كتفي الأيمن فما كان منها إلا أن أصرت على وضع يد صناعية خشبية تقضى على هذا الفراغ .. و لكن لم تقض على أحزاني و دموعي و آهاتي ..لهذا كله كنت أفضل أن أنزوي بعيدا عن البشر لأنني ببساطة عاجزة عن رد تحيتهن الحارة إلا بيد باردة لا حياة فيها و هذا مالا أريده .. أوه .. ضجيج المدعوين يرتفع .. و هدير الرياح يشتد .. ماذا أفعل ؟ أمي تدخل اليّ و علامات الدهشة على وجهها : ( إلى الآن لم تلبسي فستان الزفاف ؟ تعالي أساعدك يا حبيبتي ) .. و امتدت يدها لتساعدني بينما شرد عقلي هناك .. في البعيد .. عند ذاك الرجل الذي يريدني زوجة له .. أتراه ضل دربه في العثور على عروس بذراعين ؟ قادرة على تطويق عنقه و احتضان أحلامه و بناء المستقبل معه ؟ أم .. أم ؟ .. وقفز السؤال ينتصب أمامي كأفعى مميتة .. أتراه يجهل ما بي .. ؟ و ألقيت سؤالي إلى أمي فوجدتها تتلعثم في كلماتها و تتعثر في إجابتها و كأنها تحاول إخفاء الحقيقة عني .. ( بالطبع يا ابنتي انه يعرف ما بك و يقدر مصابك و إن شاء الله سيكون قادرا على مساعدتك و إسعادك أيضا ..هيا يا ابنتي .. ها أنت جاهزة ) .. نظرت لنفسي في المرآة .. وجه ذابل .. عيون دامعة .. قلب باكٍ .. وجسد سرقت النيران بعضه .. وروح تزدحم بالغصات و الحسرات .. انه قدرك أيها الرجل .. انه قدرك .. و امتدت يد أمي لتساعدني في نزول درجات السلم بينما تقدمنا نساء حملن الدفوف و فتحن أفواههن بأصوات و كلمات لم أفهمها .. شعرت و كأنهن يحاولن إغاظتي .. كل واحدة منهن حملت دفاً و تضرب عليه بيدها الأخرى ..لم أبالي كثيرا .. فما أراه أمامي لا يعطيني فرصة لأهرب بعقلي بعيداً .. أعبر القاعة التي غصّت بالنساء و الصبايا .. لا أعرف أحداً منهن .. جميعهن صديقات للعائلة .. أما أنا فلا أصدقاء لي سوى الليل الذي يحتضن دموعي كل ليلة .. الرياح التي تزمجر هذا المساء شعرت بها تشدو لي بفرح ..والقمر الذي كان يغفو بحزن على نافذتي كل ليلة كأني رأيته يبتسم قبل قليل .. لا زلت أعبر القاعة الواسعة .. أترى أين المستقر ؟ .. انه هناك .. شاب في أبهى الثياب يقف ينتظر وصولي إليه .. إنها ألف خطوة و خطوة .. و كل خطوة تحمل ألف علامة استفهام عن القادم من الأيام .. أصبحت أمامه الآن .. ابتسم في وجهي .. حاولت أن أبتسم له فجاءت ابتسامتي باهتة كضوء الشمعة التي تضيء ظلام حياتي .. جلسنا .. صمتٌ ثقيل ران علينا .. سرقت بعض النظرات إليه .. هذا زوجي .. هكذا أمي تقول .. وقالت انه يعلم أني لا املك سوى ذراعاً واحدة .. أتراه هل يستطيع أن يتحملني و يتحمل أيامي معه ؟ .. أترى هل سننجح في بناء بيت سعيد ؟ .. و .. و .. أسئلة حائرة حامت فوق رأسي ولم أعثر إلا على الحيرة و المزيد من القلق .. أمي تدعونا إلى البوفيه .. تتوسطه تورتة كبيرة ..و تحيط به أصناف كثيرة من الطعام لا اعرف لها إسماً .. وبين ضجيج المدعوين الذين أحاطوا بنا وبين شبح الخوف الذي سكن قلبي و بين نظرات أمي الحانية التي تدعوني للاطمئنان امتدت يد الزوج لتمسك بيدي لنقطع قالب الحلوى ..وجمت .. خفت .. اهتز كياني كله .. أمي وضعت يدها على فمها كأنها تريد أن تكتم صرخة مدوية .. حاولت أن ابتعد عنه .. يده تحمل سكينا صغيرة و قالب الحلوى ينتظر و العيون تراقب بفضول و نهم .. هممت أن اهرب .. ولكن يده كانت أسبق فقد أمسك بيدي الخشبية .. الدم يتفجر في عروقي و الدمع فر من عيني .. و الرعب يتراقص في أعماقي ..كل ما حولي يخذلني فجأة و يتخلى عني ..ابتعدت عن عريسي أكثر فأكثر و صخب القاعة يعلو و يعلو .. سحبني بقوة نحوه فما شعرت إلا ويدي الخشبية قد انسلّت من كتفي .. ذهل العريس .. صرخت أمي .. هرج و مرج في القاعة .. صرخت أنا بأعلى صوتي … لا .. امتدت يدي اليتيمة إلى السكين وهويت بها إلى صدر هذا الشاب الذي هتك سر حزني و عذابي .. الصراخ يملأ المكان .. يدي ترتفع و تهوي .. أمي سقطت في إغماءة مفجعة .. و عريسي أمامي يتخبط في دماءه التي ارتوى منها فستاني الأبيض .. شيطان مذعور سكن يدي اليسرى و أنا أرى يدي الخشبية ملقاة تحت الأقدام تفضحني و تهزأ بي .. السكين في يدي تهوي في كل اتجاه .. و نظرت إلى نفسي فجأة .. فوجدتني غارقة في بركة من الدماء و النحيب و الوعيل يطوقني .. فسقطت مغميا عليّ .. ولم أفق من غيبوبتي إلا على سرير أبيض و في يدي اليسرى قيود من الحديد ربطت إلى السرير ..
تمنيت يومها أن يضل الليل طريقه إلى مدينتنا .. كانت الرياح تعزف نغمة جنائزية .. و السماء تطل بنجوم...
الأخت الكريمة البتول
تحية طيبة
نعم .. لا زال المعاق في وطننا العربي الكبير يعاني ولا زالت نظرة المجتمع اليه دونية ولا ترقى الى المأمول ..
هذه القصة ليست سوى محاولة لرسم مشاعر فتاة معاقة ..
تحياتي
سراب
سراب
تمنيت يومها أن يضل الليل طريقه إلى مدينتنا .. كانت الرياح تعزف نغمة جنائزية .. و السماء تطل بنجوم باهتة وقمر بارد لا نبض فيه .. و أنا .. أنا أقف وراء نافذتي أبعثر همومي هنا و هناك .. ضجيج المدعوين يمزق أذنيّ .. أصواتهم صرخات تضج في أعماقي .. سياط تلتهب فوق ظهري .. أشواك تدمي عينيّ .. أريد أن أنسى كل شيء .. أريد أن أنسى اني عروس .. و أن هناك بشر ينتظرون طلّتي عليهم ليرشقوني بخناجر فضولهم .. أريد أن أنسى أن هناك رجلا غريبا سوف يمزق وحدتي و يقودني إلى صخب الحياة و زحامها ..أريد أن أنسى كل شيء .. سوى نافذتي هذه التي تركض بي نحو السحاب .. وهذا الشارع الذي احكي له أحلامي.. وتلك النجوم التي يحلو لي أن أداعبها والعب بها .. وتلك الرياح التي تهمس لي بأساطير قديمة .. هذه هي دنياي .. ليل يبتسم .. و ريح تغني .. لم تكن لي أحلام الصبايا وآمالهن .. لم أحلم بفارس مستقبل .. ولا بضجيج أطفال .. ولا بقصر يغفو على ربوة تطل على ذراعي شاطئ .. كان أقصى حلم لدي هو أن أجد كتابا أقفز به إلى نافذتي كلما حط الليل رحاله .. اجلس و أقرأ بنهم شديد إلى أن أرى خيوط الفجر تتسابق في صفحة السماء .. وربما سقط كتابي من يدي إذا ما غلبني النعاس على النافذة .. لم أكن اعشق ارتياد منتدى الفتيات .. ولا لقائهن أو الحديث معهن .. ليس كراهية في ذلك وإنما هو خوف .. نعم خوف … كنت أخاف أن يفتضح أمري لديهن .. إن بي عاهة ألمت بي في طفولتي .. كم كانت أياما قاسية .. كنت حينها طفلة صغيرة لا تعرف سوى الابتسامة الصافية .. و القلب الأبيض و الوجه المشرق المضيء .. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي اختفت فيه الابتسامة و تمرد القلب الأبيض و تلون الوجه المضيء بألوان قاتمة .. وذلك حينما امتدت ألسنة نار عاتية لتحرق كل ما في بيتنا بلا هوادة .. ولم تشبع النيران ليلتها إلا بعد أن امتدت بقسوة لتلتهم يدي اليمنى .. وهئنذا الآن أعيش بيد واحدة أكافح بها في زحمة الحياة ..ولم تقو والدتي على رؤية الفراغ تحت كتفي الأيمن فما كان منها إلا أن أصرت على وضع يد صناعية خشبية تقضى على هذا الفراغ .. و لكن لم تقض على أحزاني و دموعي و آهاتي ..لهذا كله كنت أفضل أن أنزوي بعيدا عن البشر لأنني ببساطة عاجزة عن رد تحيتهن الحارة إلا بيد باردة لا حياة فيها و هذا مالا أريده .. أوه .. ضجيج المدعوين يرتفع .. و هدير الرياح يشتد .. ماذا أفعل ؟ أمي تدخل اليّ و علامات الدهشة على وجهها : ( إلى الآن لم تلبسي فستان الزفاف ؟ تعالي أساعدك يا حبيبتي ) .. و امتدت يدها لتساعدني بينما شرد عقلي هناك .. في البعيد .. عند ذاك الرجل الذي يريدني زوجة له .. أتراه ضل دربه في العثور على عروس بذراعين ؟ قادرة على تطويق عنقه و احتضان أحلامه و بناء المستقبل معه ؟ أم .. أم ؟ .. وقفز السؤال ينتصب أمامي كأفعى مميتة .. أتراه يجهل ما بي .. ؟ و ألقيت سؤالي إلى أمي فوجدتها تتلعثم في كلماتها و تتعثر في إجابتها و كأنها تحاول إخفاء الحقيقة عني .. ( بالطبع يا ابنتي انه يعرف ما بك و يقدر مصابك و إن شاء الله سيكون قادرا على مساعدتك و إسعادك أيضا ..هيا يا ابنتي .. ها أنت جاهزة ) .. نظرت لنفسي في المرآة .. وجه ذابل .. عيون دامعة .. قلب باكٍ .. وجسد سرقت النيران بعضه .. وروح تزدحم بالغصات و الحسرات .. انه قدرك أيها الرجل .. انه قدرك .. و امتدت يد أمي لتساعدني في نزول درجات السلم بينما تقدمنا نساء حملن الدفوف و فتحن أفواههن بأصوات و كلمات لم أفهمها .. شعرت و كأنهن يحاولن إغاظتي .. كل واحدة منهن حملت دفاً و تضرب عليه بيدها الأخرى ..لم أبالي كثيرا .. فما أراه أمامي لا يعطيني فرصة لأهرب بعقلي بعيداً .. أعبر القاعة التي غصّت بالنساء و الصبايا .. لا أعرف أحداً منهن .. جميعهن صديقات للعائلة .. أما أنا فلا أصدقاء لي سوى الليل الذي يحتضن دموعي كل ليلة .. الرياح التي تزمجر هذا المساء شعرت بها تشدو لي بفرح ..والقمر الذي كان يغفو بحزن على نافذتي كل ليلة كأني رأيته يبتسم قبل قليل .. لا زلت أعبر القاعة الواسعة .. أترى أين المستقر ؟ .. انه هناك .. شاب في أبهى الثياب يقف ينتظر وصولي إليه .. إنها ألف خطوة و خطوة .. و كل خطوة تحمل ألف علامة استفهام عن القادم من الأيام .. أصبحت أمامه الآن .. ابتسم في وجهي .. حاولت أن أبتسم له فجاءت ابتسامتي باهتة كضوء الشمعة التي تضيء ظلام حياتي .. جلسنا .. صمتٌ ثقيل ران علينا .. سرقت بعض النظرات إليه .. هذا زوجي .. هكذا أمي تقول .. وقالت انه يعلم أني لا املك سوى ذراعاً واحدة .. أتراه هل يستطيع أن يتحملني و يتحمل أيامي معه ؟ .. أترى هل سننجح في بناء بيت سعيد ؟ .. و .. و .. أسئلة حائرة حامت فوق رأسي ولم أعثر إلا على الحيرة و المزيد من القلق .. أمي تدعونا إلى البوفيه .. تتوسطه تورتة كبيرة ..و تحيط به أصناف كثيرة من الطعام لا اعرف لها إسماً .. وبين ضجيج المدعوين الذين أحاطوا بنا وبين شبح الخوف الذي سكن قلبي و بين نظرات أمي الحانية التي تدعوني للاطمئنان امتدت يد الزوج لتمسك بيدي لنقطع قالب الحلوى ..وجمت .. خفت .. اهتز كياني كله .. أمي وضعت يدها على فمها كأنها تريد أن تكتم صرخة مدوية .. حاولت أن ابتعد عنه .. يده تحمل سكينا صغيرة و قالب الحلوى ينتظر و العيون تراقب بفضول و نهم .. هممت أن اهرب .. ولكن يده كانت أسبق فقد أمسك بيدي الخشبية .. الدم يتفجر في عروقي و الدمع فر من عيني .. و الرعب يتراقص في أعماقي ..كل ما حولي يخذلني فجأة و يتخلى عني ..ابتعدت عن عريسي أكثر فأكثر و صخب القاعة يعلو و يعلو .. سحبني بقوة نحوه فما شعرت إلا ويدي الخشبية قد انسلّت من كتفي .. ذهل العريس .. صرخت أمي .. هرج و مرج في القاعة .. صرخت أنا بأعلى صوتي … لا .. امتدت يدي اليتيمة إلى السكين وهويت بها إلى صدر هذا الشاب الذي هتك سر حزني و عذابي .. الصراخ يملأ المكان .. يدي ترتفع و تهوي .. أمي سقطت في إغماءة مفجعة .. و عريسي أمامي يتخبط في دماءه التي ارتوى منها فستاني الأبيض .. شيطان مذعور سكن يدي اليسرى و أنا أرى يدي الخشبية ملقاة تحت الأقدام تفضحني و تهزأ بي .. السكين في يدي تهوي في كل اتجاه .. و نظرت إلى نفسي فجأة .. فوجدتني غارقة في بركة من الدماء و النحيب و الوعيل يطوقني .. فسقطت مغميا عليّ .. ولم أفق من غيبوبتي إلا على سرير أبيض و في يدي اليسرى قيود من الحديد ربطت إلى السرير ..
تمنيت يومها أن يضل الليل طريقه إلى مدينتنا .. كانت الرياح تعزف نغمة جنائزية .. و السماء تطل بنجوم...
الأخت ام جهاداولا اعتذر عن تأخري في الرد
ثانيا اشكر لك تفاعلك مع هذه القصة و هي مأساة نسجها الكاتب من بنات افكاره ..
لك التحية و الإحترام

<font face="MS Dialog"
سراب
سراب
تمنيت يومها أن يضل الليل طريقه إلى مدينتنا .. كانت الرياح تعزف نغمة جنائزية .. و السماء تطل بنجوم باهتة وقمر بارد لا نبض فيه .. و أنا .. أنا أقف وراء نافذتي أبعثر همومي هنا و هناك .. ضجيج المدعوين يمزق أذنيّ .. أصواتهم صرخات تضج في أعماقي .. سياط تلتهب فوق ظهري .. أشواك تدمي عينيّ .. أريد أن أنسى كل شيء .. أريد أن أنسى اني عروس .. و أن هناك بشر ينتظرون طلّتي عليهم ليرشقوني بخناجر فضولهم .. أريد أن أنسى أن هناك رجلا غريبا سوف يمزق وحدتي و يقودني إلى صخب الحياة و زحامها ..أريد أن أنسى كل شيء .. سوى نافذتي هذه التي تركض بي نحو السحاب .. وهذا الشارع الذي احكي له أحلامي.. وتلك النجوم التي يحلو لي أن أداعبها والعب بها .. وتلك الرياح التي تهمس لي بأساطير قديمة .. هذه هي دنياي .. ليل يبتسم .. و ريح تغني .. لم تكن لي أحلام الصبايا وآمالهن .. لم أحلم بفارس مستقبل .. ولا بضجيج أطفال .. ولا بقصر يغفو على ربوة تطل على ذراعي شاطئ .. كان أقصى حلم لدي هو أن أجد كتابا أقفز به إلى نافذتي كلما حط الليل رحاله .. اجلس و أقرأ بنهم شديد إلى أن أرى خيوط الفجر تتسابق في صفحة السماء .. وربما سقط كتابي من يدي إذا ما غلبني النعاس على النافذة .. لم أكن اعشق ارتياد منتدى الفتيات .. ولا لقائهن أو الحديث معهن .. ليس كراهية في ذلك وإنما هو خوف .. نعم خوف … كنت أخاف أن يفتضح أمري لديهن .. إن بي عاهة ألمت بي في طفولتي .. كم كانت أياما قاسية .. كنت حينها طفلة صغيرة لا تعرف سوى الابتسامة الصافية .. و القلب الأبيض و الوجه المشرق المضيء .. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي اختفت فيه الابتسامة و تمرد القلب الأبيض و تلون الوجه المضيء بألوان قاتمة .. وذلك حينما امتدت ألسنة نار عاتية لتحرق كل ما في بيتنا بلا هوادة .. ولم تشبع النيران ليلتها إلا بعد أن امتدت بقسوة لتلتهم يدي اليمنى .. وهئنذا الآن أعيش بيد واحدة أكافح بها في زحمة الحياة ..ولم تقو والدتي على رؤية الفراغ تحت كتفي الأيمن فما كان منها إلا أن أصرت على وضع يد صناعية خشبية تقضى على هذا الفراغ .. و لكن لم تقض على أحزاني و دموعي و آهاتي ..لهذا كله كنت أفضل أن أنزوي بعيدا عن البشر لأنني ببساطة عاجزة عن رد تحيتهن الحارة إلا بيد باردة لا حياة فيها و هذا مالا أريده .. أوه .. ضجيج المدعوين يرتفع .. و هدير الرياح يشتد .. ماذا أفعل ؟ أمي تدخل اليّ و علامات الدهشة على وجهها : ( إلى الآن لم تلبسي فستان الزفاف ؟ تعالي أساعدك يا حبيبتي ) .. و امتدت يدها لتساعدني بينما شرد عقلي هناك .. في البعيد .. عند ذاك الرجل الذي يريدني زوجة له .. أتراه ضل دربه في العثور على عروس بذراعين ؟ قادرة على تطويق عنقه و احتضان أحلامه و بناء المستقبل معه ؟ أم .. أم ؟ .. وقفز السؤال ينتصب أمامي كأفعى مميتة .. أتراه يجهل ما بي .. ؟ و ألقيت سؤالي إلى أمي فوجدتها تتلعثم في كلماتها و تتعثر في إجابتها و كأنها تحاول إخفاء الحقيقة عني .. ( بالطبع يا ابنتي انه يعرف ما بك و يقدر مصابك و إن شاء الله سيكون قادرا على مساعدتك و إسعادك أيضا ..هيا يا ابنتي .. ها أنت جاهزة ) .. نظرت لنفسي في المرآة .. وجه ذابل .. عيون دامعة .. قلب باكٍ .. وجسد سرقت النيران بعضه .. وروح تزدحم بالغصات و الحسرات .. انه قدرك أيها الرجل .. انه قدرك .. و امتدت يد أمي لتساعدني في نزول درجات السلم بينما تقدمنا نساء حملن الدفوف و فتحن أفواههن بأصوات و كلمات لم أفهمها .. شعرت و كأنهن يحاولن إغاظتي .. كل واحدة منهن حملت دفاً و تضرب عليه بيدها الأخرى ..لم أبالي كثيرا .. فما أراه أمامي لا يعطيني فرصة لأهرب بعقلي بعيداً .. أعبر القاعة التي غصّت بالنساء و الصبايا .. لا أعرف أحداً منهن .. جميعهن صديقات للعائلة .. أما أنا فلا أصدقاء لي سوى الليل الذي يحتضن دموعي كل ليلة .. الرياح التي تزمجر هذا المساء شعرت بها تشدو لي بفرح ..والقمر الذي كان يغفو بحزن على نافذتي كل ليلة كأني رأيته يبتسم قبل قليل .. لا زلت أعبر القاعة الواسعة .. أترى أين المستقر ؟ .. انه هناك .. شاب في أبهى الثياب يقف ينتظر وصولي إليه .. إنها ألف خطوة و خطوة .. و كل خطوة تحمل ألف علامة استفهام عن القادم من الأيام .. أصبحت أمامه الآن .. ابتسم في وجهي .. حاولت أن أبتسم له فجاءت ابتسامتي باهتة كضوء الشمعة التي تضيء ظلام حياتي .. جلسنا .. صمتٌ ثقيل ران علينا .. سرقت بعض النظرات إليه .. هذا زوجي .. هكذا أمي تقول .. وقالت انه يعلم أني لا املك سوى ذراعاً واحدة .. أتراه هل يستطيع أن يتحملني و يتحمل أيامي معه ؟ .. أترى هل سننجح في بناء بيت سعيد ؟ .. و .. و .. أسئلة حائرة حامت فوق رأسي ولم أعثر إلا على الحيرة و المزيد من القلق .. أمي تدعونا إلى البوفيه .. تتوسطه تورتة كبيرة ..و تحيط به أصناف كثيرة من الطعام لا اعرف لها إسماً .. وبين ضجيج المدعوين الذين أحاطوا بنا وبين شبح الخوف الذي سكن قلبي و بين نظرات أمي الحانية التي تدعوني للاطمئنان امتدت يد الزوج لتمسك بيدي لنقطع قالب الحلوى ..وجمت .. خفت .. اهتز كياني كله .. أمي وضعت يدها على فمها كأنها تريد أن تكتم صرخة مدوية .. حاولت أن ابتعد عنه .. يده تحمل سكينا صغيرة و قالب الحلوى ينتظر و العيون تراقب بفضول و نهم .. هممت أن اهرب .. ولكن يده كانت أسبق فقد أمسك بيدي الخشبية .. الدم يتفجر في عروقي و الدمع فر من عيني .. و الرعب يتراقص في أعماقي ..كل ما حولي يخذلني فجأة و يتخلى عني ..ابتعدت عن عريسي أكثر فأكثر و صخب القاعة يعلو و يعلو .. سحبني بقوة نحوه فما شعرت إلا ويدي الخشبية قد انسلّت من كتفي .. ذهل العريس .. صرخت أمي .. هرج و مرج في القاعة .. صرخت أنا بأعلى صوتي … لا .. امتدت يدي اليتيمة إلى السكين وهويت بها إلى صدر هذا الشاب الذي هتك سر حزني و عذابي .. الصراخ يملأ المكان .. يدي ترتفع و تهوي .. أمي سقطت في إغماءة مفجعة .. و عريسي أمامي يتخبط في دماءه التي ارتوى منها فستاني الأبيض .. شيطان مذعور سكن يدي اليسرى و أنا أرى يدي الخشبية ملقاة تحت الأقدام تفضحني و تهزأ بي .. السكين في يدي تهوي في كل اتجاه .. و نظرت إلى نفسي فجأة .. فوجدتني غارقة في بركة من الدماء و النحيب و الوعيل يطوقني .. فسقطت مغميا عليّ .. ولم أفق من غيبوبتي إلا على سرير أبيض و في يدي اليسرى قيود من الحديد ربطت إلى السرير ..
تمنيت يومها أن يضل الليل طريقه إلى مدينتنا .. كانت الرياح تعزف نغمة جنائزية .. و السماء تطل بنجوم...
الأخت ام جهاد الأخت ام جهاداولا اعتذر عن تأخري في الرد
ثانيا اشكر لك تفاعلك مع هذه القصة و هي مأساة نسجها الكاتب من بنات افكاره ..
لك التحية و الإحترام
reema
reema
اسلوب حلو اخوي سراب...<IMG SRC="http://hawaaworld.com/ubb//smilies/cwm29.gif" border=0>
سلمت ايديك




تمت الفهرسة
الفتاة الشامية
رائعة
استمر و الى الأمام