قمه
قمه

الجزء الواحد والعشرون

الدواء الفعّال

طرق الباب .. تصنعت النوم فلم أجب .. تواصل الطرق ! .. لا أريد الصدام معه أو إغضابه أكثر من ذلك .. لا قوة لي في المزيد من الجدل والنقاش !! ..
أدار مقبض الباب ففتحه .. توقعته هو .. ولكني أخطأت في توقعي .. إنها والدته !!!

اعتدلتُ جالسة .. أضأت المصباح الخافت .. أجلستها .. ابتسمت لها .. إنها تحمل شيئاً ما في يدها !! .. ماذا أيضاً ؟!!
سألتني بتشكك :
ـ ألم تنامي بعد ؟ .. ما الذي يؤرقك ؟ .. يكاد الفجر أن ينسج خيوط ضوئه لينير أرجاء الكون !

استغربتُ اهتمامها بأرقي وقلة نومي ! .. ثم من حديثها العذب ! .. فقلت ببراءة :
ـ لا شي البتة يا خالتي ! .. هرب النوم عن أجفاني فقط لا غير ! .. ولكني سأحاول النوم علّي أفلح !!

قالت في محاولة جادة للتأثير علي :
ـ لديّ دواء لك ! .. ما رأيك بأن تجربيه ؟ .. إنه جد مؤثر وفعّال !

كانت تبدو وديعة مما جعل تعجبي منها يتلاشى بسرعة .. فقلت :
ـ حقاً ؟! .. وما دواؤك ؟!

رفعت يديها أمام عيني .. وقدّمت لي قماشاً ملفوفاً بحجم يصغر حجم البيضة قليلاً .. محشواً في داخله بشي يميل إلى الصلابة نوعاً ما ! ..
تسمّرت نظراتي في هذه القطعة .. تحوّلت أنفاسي إلى تنهيدة طولية ! .. ثم انتقلت عيناي بتلقائية إلى عينيها الغائرتين ثم إلى ذقنها الذي امتلأ بشتى رسوم الوشم !! .. فتحت فاهي لأسألها عن الدواء الذي وصفته لي ! .. فتداركت استغرابي وقالت تصطنع البساطة :
ـ هل تعلمين أن هذه التميمة بحوزتي منذ ما يربو على العشرين عاماً ؟

اتسعت حدقتاي وأنا أهتف :
ـ تميمة ؟!!!! .. هل هذا هو الدواء ؟!

أجابت بحماس :
ـ نعم .. نعم تستطيعين تعليقها على نحرك أو على عضدك أو وضعها بين ثيابك أو في فراشك .. وأعدكِ بأن أعمل لكِ واحدة تخصك وحدك وباسمـــك !

ـ لي أنا ؟ .. وباسمي ؟!

اعتدلت في جلستها ثم قالت :
ـ نعم نعم .. إنها تدفع الضر والحسد والعين والسحر وتجلب لك النفع وتشفي من الأمراض .. كما أنها تساعد على النجاح وترد كيد الأعداء ..

عدتُ إلى الواقع .. ما زلت تحت تأثير كلامها الغريب ! .. فسألتها :
ـ وهل تفعل التميمة كل هذا يا خالتي ؟!! .. أوه لا أصدق !! .. إذن فهي مفيدة جداً !!!

أجابت بسرعة :
ـ بالطبع بالطبع مفيدة جداً .. ألا ترين جميع أبنائي وبناتي يعلقونها على أعضادهم .. وعلى نحورهم !! .. إنها هي التي تحميهم وتذود عنهم .. نحن لا نتركها أبداً !!

ابتسمتُ باهتمام :
ـ أخبرني يا خالتي عن محتوى هذه التميمة حتى يكون لها كل هذا المفعول !!!

ضحكت بملء فمها وقالت وهي تضرب كفاً بكف :
ـ سؤالك أعجبني .. يا عزيزتي .. تُكتب فيه أدعية نبوية شريفة مع شي من القرآن الكريم ………...
قاطعتها باستغراب :
ـ أدعية نبوية وقرآن كريم ؟!! .. أليس ذلك امتهان لها ؟ .. فالمرء يحملها ـ على حد قولك ـ في كل مكان !! .. إذاً ستكون معه أيضاً حين قضاء حاجته واستنجائه ..و ..

بلعت ريقها بصعوبة وتابعت في تجاهل لسؤالي :
ـ أيضاً يكتب فيها توسّل بالأولياء والصالحين .. كما تحتوي أيضاً على أسماء النبي صلى الله عليه وسلم .. وترسم فيها بعض النجوم وبها كلام بغير لغة العرب ..

توقفت أنفاسي وجف حلقي .. بدا عقلي وكأنه سيتّقد .. رمقتها بنظرة فاحصة ثم قلت :
ـ هل ما تقولينه صحيح يا خالتي ؟! .. وهل تريدين مني بعد كل ما ذكرت أن آخذها ؟ .. أو حتى أعتقد في نفعها ؟!!!

تلاشت ابتسامتها وانعقد حاجباها ..
ـ ماذا تقصدين ؟! .. إنها آمن وسيلة لحياة سعيدة وأفضل علاج للقلق والهم .. ضعيها تحت وسادتك وسترين .. إنها .. دخل الزوج في هذه الأثناء بخطوات وئيدة وكأنه يستمع إلى حديثنا ! .. ووضع يده على كتف والدته يطمئنها .. ونظراته تعصف بي ..

ـ ستأخذها يا أمي فلا تبالي .. وستضعها تحت وسادتها أو في أي مكان تريدين ! .. وإن لم تفعل فسأعرف أنا كيف أجعلها تفعل .. لا تقلقي يا أمي !!!

نهضت واقفة وقد عادت ملامح السعادة إلى وجهها :
ـ حسناً .. أتمنى لكِ نوماً هنيئاً برفقتها .. حافظي عليها جيداً .. إنها سبب حفظنا جميعاً .. تصبحـون على خـير ..
ثم .. وضعتها في يدي وضغطت بها باهتمام في كفي .. ثم .. خرجت !!!!

تقدم الزوج إلي بتحد ومد يده ليأخذها وأنا مشدوهة .. فناولته إياها ! .. مشى متعمداً بكل امتهان وزهو ووضعها تحت وسادتي .. ثم .. ثم رفع سبابته متوعداً :
ـ إياك ثم إياك أن تخرجيها من تحت الوسادة !! .. علّها تنفع في دفع الحسد والعين التي بيننا !!!
ثم ألقى بجسده على الفراش .. ونـــام .. فوقفت أتهادى من فرط الحسرة !! .. أي عين وأي حسد ؟ إنه واهم !! .. يعلّل الأمر بهما وما هو إلا خلاف عقائدي ديني قوي فحسب !!!

أطفأت الضوء .. دسست يدي تحت الوسادة .. أمسكت بها بعنف .. كم أخافها !! سأخرجها دون علمه .. وأضعها في أي مكان حتى الصباح .. وما كدت أفعل حتى ارتفع صوته يخترق الفضاء :
ـ أعيديها إلى مكانها .. وكفّي عناداً .. وإلا أرغمتك على تعليقها على نحرك !!!!

شهقتُ من الخـوف .. لم أتحدث .. وضعتها في مكانها .. فاضت عيناي بالدمع الغزير .. حتى اغرورقت وسادتي وأنا أكتم الأنين .. مضت ســاعة !! .. إنه لا يتحرك ! ..

لزمت الهدوء .. سمعت أنفاسه تنتظم .. إنه دليل قوي على نومه .. أخرجتُها برعب .. وضعتها في أحد الأدراج بجانبي .. ثم افترّت شفتاي عن ابتسامة ارتياح .. فغرقتُ في نوم عميق بعيداً عن الخزعبلات .. وقبل استيقاظه أعدتها تحت وسادتي ..ونهضــت !!



يتبع .........................
قمه
قمه

الجزء الثاني والعشرون

صراع الحق والباطل

في أحد الأيام جاء أخوه الذي يدرس في المرحلة الإعدادية وعلامات الحيرة والشك تبدو على محيّــــــاه !! .. لفتني منظره وارتباكه ..

كانت الأم تجلس بجانب جهاز التسجيل تستمع إلى أحد أولياء الصوفية وقد خفضت الصوت .. بينما جلس الزوج وأخته يطلعان بعض الصحف والمجـلات .. أما أنا فأخذت أسّرح شعر الطفلة الصغرى وأداعبها ..

ألقى الصبي بحقيبته على الأرض بصورة أثارت دهشتنا جميعاً !!! .. فبادرت الأم بسؤاله :
ـ ما بك يا بني ؟ .. لم أنت مستاء ؟! .. هل حدث لك مكروه ؟

تأفف الصبي وألقى بجسده على الأريكة .. بينما ترك الزوج الصحيفة ونظر إلى أخيه باستغراب فسأله :
ـ ماذا حدث ؟! .. ما بك ؟!! .. هل تشاجرت مع أحد رفاقك ؟!

تركزت أنظارنا عليه .. فقال أخيراً بنفاذ صبر وحيرة :
ـ أشعر بأني أعيش في تناقض تام مع نفسي .. وفي صراع دائم معكم ومع مدرستي للمواد الدينية !!! .. هناك اختلاف كلّي بين كل منكما !! .. أنا في حيرة !! .. ماذا أفعل ؟! .. لم أعد أستطيع الاستيعاب !!!

نهض الزوج بسرعة وجلس بجانب أخيه واحتضنه بقوة ثم قال :
ـ وما الذي جعلك في حيرة من أمرك يا صغيري ؟ .. أخبرني ..

هز كتفيه .. ثم قال بشرود :
ـ هل والد الرسول صلى الله عليه وسلم مات كافراً ؟ وهل هو في النار ؟!

ثار الزوج وزمجرت الأم وصعقت الأخت !! .. ما هذه الأسئلة ؟!!!!!!

أجاب الزوج غاضباً :
ـ ماذا تقول ؟!! .. تباً لهؤلاء الكفرة الوهّابين !! .. هؤلاء الضالين ! .. قاموا بتكفير والد الرسول أيضاً ؟! .. عليهم اللعنـة !!!

أردفت الأم بسرعة :
ـ قاتلهم الله ! .. إنهم لا يحبون الرسول الكريم فيتقوّلون عليه الأقاويل ! .. كل هذا هراء وأباطيل يا بني فلا تصدقهم لا تصدقهم .. تباً لهم !!

قال الصبي ببراءة :
ـ ولكن المعلم حدثنا عن ذلك بقوله : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : أين أبي ؟ قال له ( في النار ) فلما ولّى الرجل قال له الرسول عليه الصلاة والسلام " يا هذا أقبل أبي وأبوك في النار " ..
فما مدى صحة هذا الحديث إذاً ؟!!

وقفت الأم بتثاقل تحمل جسدها الثقيل وهي تحتضن ولدها :
ـ كل هذا هراء يا بني فلا تصدق .. إنما مات مؤمناً ! .. ولكن هؤلاء الكفار الوهابين يشوهون دائماً صورة النبي عليه الصلاة والسلام في أعين الناس !! .. فعلينا الحذر منهم دائماً ومحاربتهم بل ومقاطعتهم !!

وفجـــــأة ! .. تذكروا وجودي بينهم فحدّقوا في بنظراتهم الحاقدة .. وكادوا يلتهمونني !! ..
فسألني الصبي رأي فيما قيل .. فوقفتُ أبتلع ريقي وشعرت بنظرات الزوج المتوعدة فاستحثني الصب على الإجابة .. لا بد إذاً أن أقول الحقيقة .. لن أكذب !! .. فقلت وأنا أسترجع أنفاسي :

ـ لا .. لا أعلم .. ولكن .. ولكن أعتقد أن هذا الحديث .. صحيح رواه مسلم !!!!! …… و …….

أمسك الزوج بتلابيبي حينها وألقى بي على الأريكة وهو يزمجر :
ـ صمتاً .. صمتاً .. لا تفسدي أفكار الصبي !! إنك تكذبين ! .. لا أريد سماع ذلك مرة أخرى ..
إنك تتبعين ذلك الوهابي الكافـر .. سيرديكِ في جهنم أنت وزمرته !!

تدارك الصبي الموقف فسأل الزوج تغييراً للموضوع :
ـ لماذا يقول المعلم أن الرسول بشر خلق من طين ؟!! .. ألم يخلق من نور وجه الله ؟! .. لقد قلت لي يا أخي إنه خلق من نور الله وأن هذا الحديث صحيح !!! .. ولكن المعلم يؤكد أن هذا الحديث مكذوب على رسول الله ولا أصل له في كتب الحديث المعتبرة !!!

آه ما آسعدني !! .. لقد أشفى هذا الصبي غليلي ! .. انبسطت ملامح وجهي بعد العاصفة الهوجاء !! .. ولكن الزوج زجر أخاه بعنف :
ـ لا تستمع لكلامهم ! .. فأحاديثهم هي المكذوبة .. ومذهبهم هو الزائف ! .. وحياتهم حياة كفر وضلال وفسق !! .. وثق دائماً بصحة ما تتعلمه منا نحن .. لا تكن كسواك !!

فنظر إلي حاقداً غاضباً .. وأخذ الصبي معه إلى الحجرة التالية !! .. تبعته أمه وأخته بسرعة .. يريدون إغراق هذا البريء فيما هم فيه غارقون !! ..

وقفتُ .. ذهبت إلى الحديقة وعيناي تشّعان حبوراً وسروراً .. لا بد للحق يوماً أن ينجلي ولو على يد هذا الصبي الصغير !! ..
عدت إلى الصالة وقد عادوا إليها قبلي ! .. الكل قد لفّـه الصمت والوجوم .. وهم يفكّرون في الحقائق القوية القادمة إليهم من ………… الوهّـابيـن !!!!



يتبع .................................
قمه
قمه

الجزء الثالث والعشرون


قرار التحدّي

وفي المســاء .. أغلقت حجرتي وهبطت إلى الأسفل بعد أن انتهى الزوج من ارتداء ثيابه استعداداً للذهاب إلى وليمة قريبه الخائـن ! .. وقد جزمت في قرارة نفسي أن أرفض طلب الدخول إلى الرجال الذي سيجتمعون اليوم وكل يوم مع النساء .. ولو كلّفني ذلك حياتي !! .. فليقتلني إن شاء !! .. فليصلبني إن أراد !! .. لا رجعة في قراري !!

قُدّم الطعام في ذلك المجلس الذي خلا من اللباقة والأدب والاحترام !! ..

وعللتُ عدم دخولي إليهم منذ البداية بأني منشغلة مع النسوة في إعداد هذا الطعام !! .. ثم اجتمعت النساء بالرجال فسمعت بعضاً من الأحاديث الجوفاء المتبادلة !! .. وترددت في مسامعي صدى الضحكات الخرقاء المتعالية !! .. وبعضاً من الطرائف والنوادر السخيفة !!

أما أنا !! .. فقد قبعت كطائر أسير في إحدى الغرف مصيري المجهول خلال الثواني الباقيات !!!

ابتهلت إلى الله أن يكون خير معين لي على قراري .. ووالله ما عشت قط موقفاً أقسى ولا أعنف من موقف تلك الليلة التي خفت فيها وروّعت منه .. و … منهم !!!

فجأة .. سمعت أصوات الجميع مع تباينها تسأل عني وتنادي ! ……. لفّني الصمت واكتنفتني الرهبة وأطبقا على قلبي !! .. فشعروا جميعاً بأنني أمتنع عنهم .. فتبادلوا النظرات الغضبى .. ثم .. ركّزوا تلك السهام الحانقة على الزوج ينتظرون منه تفسيراً لما يجري !!

سرعان ما جاءت أمه إلي تركض وتطلب مني الانضمام إليهم .. فاعتذرت لها بأنني متوعّكة .. ثم أنني لم أعد أستطيع المجيء إليهم .. وتمنيت لها ولهم طعاماً هنيئاً ! .. وأني سألحق بالنسوة بعد ذهاب الرجال !

عبثاً حاولت تثنيني عن قراري ! .. فتغيرت تعبيرات وجهها عندما قالت :
ـ إن زوجك غاضب وأعصابه هائجة وكأنها بين أصابع الشيطان يعبث بها !! .. وأخشى أن يخطئ معك أمام الجميع !! .. استعيذي بالله من الشيطان وشاركينا المجلس والطعام ….

رفضت بأدب .. ورجوتها ألا ترغمني على ذلك فأنا ما خلقت لهذا أبداً !! .. ثم .. ذهبت تضرب كفاً بكف وتطلب الرقوة من أوليائها الأموات !! .. بينما دخلت أخته تقنعني بالدخول .. وأن التوتر يسود المكان !! .. والجميع بانتظاري .. فيجب ألا أفتعل مشكلة !!

أجابتها دمعاتي الحزينة وقلبي الذي كاد أن ينفطر خوفاً منهم ..

ـ لا أستطيع …. لا أستطيع الدخول على هؤلاء الرجال أبداً .. أنا أخاف من الله ! .. أخجل من الأمور التي تحدث بينكم فدعوني أرجوكم .. أتوسل إليكم لا تجبروني على الذنب والمعصية ! .. اتركوني سوف يطعمني الله ويسقيني برضاه ورحمته .. أنا لم أخلق لأخلع حيائي وخجلي بهذه الصورة البشعة .. !

يـا رب أين الزوج الملتزم ؟! .. الذي طالما حلمت به ! .. الذي طالما حلمت بأن يعايش واقعي ؟! ..
أين مؤدي الصلاة في المساجد ؟ .. أين الرجل الغيور الذي يغضب ويثور عندما يُعتدى على حد من حدود الله ؟ ..
أين الرجل الذي يرحمني ويقدّرني ؟ .. يرحم امرأة ضعيفة جُلّ طلبها منه أن يحفظها ويصونها عن أعين الرجال ؟ .. أين الرجل الذي يدفع حياته ثمناً للحفاظ على محارمه والخوف عليهم ؟! .. أين وأين ؟!

ربّــاه لقد ضاقت علي الأرض بما رحبت !! .. وعندما طال انتظارهم غير المتوقع لي .. غضبوا فقلبوا أواني الطعام رأساً على عقب ولم يتذوّقوا منه لقمة واحدة !

كل هذا وأنا أتهاوى كما ريشة ضعيفة رقيقة تعبث بها العواصف الهوجاء .. وكما طفل غريق تتقاذفه الأمواج في كل صوب واتجاه !! .. وحدي !! .. لحظات مرّت علي وأنا أسمع صراخهم وغيظهم وقد ملأ الأرض ! .. أيقنت خلالها أن كل فرد منهم قد حمل ساطوراً وسكيناً وهبّ لتشريحي وإذاقتي ألوان التنكيل والعذاب !!

بالطبــع .. فأنا أخالفهم ملة ومذهباً ! .. يا ويلتي ماذا هم بي فاعــلون ؟! .. رباه لا ملجأ لي منهم إلا إليك .. اللهم لا تكلني إلى نفسي أو إليهم طرفة عين ..
اللهم فكل هذا من أجل رضاك ومغفرتك .. اللهم قد ضاقت الدنيا بما اتسعت وشملت .. فاجعل لي من ضيقي فرجاً ومن همي وبلائي مخرجاً !!!!!!!
رباه رباه رباه .. الويل كل الويل لي ! سوف يتفنون في إيذائي .. فأنا وحدي وهم كثر !!

ثم ………. هاج المضيف الوغد بصوت عال بأقصى أنواع الغضب :
ـ دعـوها .. إنهم قوم يتطهرون !!! .. اتركوها تشبع من الطعام بمفردها !! ..
نحن لا نرغب في الطعام .. نخشى أن تكون بنا نجاسة أو قذارة فنفسده .. فلا تستطيع هي أن تأكل الطعام!!

قام الرجال جميعاً من على المائدة وكأن غضب الدنيا يعبث بهم منّي !!! .. قرابة ثلاثة وعشر رجلاً وامرأة !! .. فخيّـم سكون معذّب قاتل على جميع أرجاء المنزل !!

خاطبت نفسي بما تبقّت لي من أنفاس :
ـ هل أخطأت ؟ .. هل أبادر بالاعتذار ؟! .. هل عملت منكراً عظيماً ؟! .. هل ارتكبت كبيرة لا تغتفر ؟!! .. من الذي يحق له العتبى والغضب ؟! .. بل والتحطيم والتدمير ؟!! ..
ما للموازين مضطربة ؟! .. أين الخطأ وأين الصواب ؟! ..
يا رب .. أنت تعلم أني أكابد من أجل إراحة ضميري ووازعي الديني .. أما هم فإنهم يكابدون من أجل نزواتهم ووازعهم الشيطاني !!

ربما أخطأت ! … لم أعد أعرف ! .. ماذا أفعل ؟ هل .. هل أهرب ؟! .. لقد فعلوا بي ما فعلوا ولم أرضخ ولكن الله يشهد أنه لم تتبقّ لي ذرة من مقاومة ! .. فهذه الأخيرة من نوعها .. فلا يمكن أن أصمد أكثر من ذلك ..
نعم .. أشعر بحناياي تضطرب .. وجوانحي تتأرجح .. و ..

سمعت صوت والدة الزوج .. وزوجة المضيف الوغد تنادياني بصوت وديع !! .. ولكنه مملوء بشتى صنوف الغيظ الممزوج بالرغبة القاتلة في السحق !! .. وبابتسامة كاذبة من كل منهما قالتا :
ـ تفضلي .. تناولي .. الطعام .. بالهناء .. والعافية ..

نظرتُ إلى الطعام المقلوب رأساً على عقب !! .. سرى الشلل البطيء في قدمي .. جلست ونظراتي المرتعبة وقلبي الذي ران عليه الانفطار ينتظران حكماً أكيداً بالإعدام !! .. فتبادلت المرأتان النظرة ذاتها وعلّقت المضيفــــة :

ـ ما السبب في اعتقادك يا أم …. في غضب الرجال بهذه الصورة الوحشية ؟! .. آه .. كم أحقد على صاحب السبب !! .. كنا جميعاً ننعم بالسعادة والبهجة ولم تحدث بيننا مشاحنات أو خلافات إلا منذ فترة وجيزة !! .. فما السبب يا ترى ؟! .. أهي عين أصابتنا ؟ .. أم تراها فتن وقلاقل زُرعت بيننا !! ..
من هو الذي قلب حياتنا وعبث بها ؟ .. من صاحب هذا العقل المتحجر الذي لا يلين ؟!!

أجابت الأم بغيظ مكظوم :
ـ نعم نعم .. الحق كل الحق معك .. كنا في سعادة غامرة .. ولا أعرف من صاحب هذه الفتن والمشاكل ..
وليس لنا إلا ندعو عليه ليل نهار حتى يدفع ثمن ما نحن عليه !! .. قاتله الله !!

إنهم يقصدونني بلا شك !! .. أنا المعنيّة بكل ما تقولان !! .. لزمت الصمت .. ربي .. ديني .. أهلي .. كرامتي وكبريائي المنزوفتان المُراقتان !! .. وقاري وحشمتي وعفافي !!

صرخ الزوج بي أمام الجميع بعدما اجتمعوا معه لتفكيك ثقتي بما أعتقد :
ـ هيا انهضي .. سنذهب إلى المنزل الآن ونتفاهم هناك .. الويل لكِ .. لقد تخطيتي كل الحواجز والقيود !!

نظرتُ إلى القوم بتمهل وكأني أودعهم !! .. فرأيتُ الشماتة والتشفّي تتراقص بفرح على تعبيرات وجوههم !!

أدركتُ بفـرح أنه لا مجال إطلاقاً للاتفاق بيننا .. وعزمت في قرارة نفسي على الرحيل الأبدي !!
لكل إنسان طاقة .. وقد كُلفتُ معهم ما لا طاقة لي به .. لم أعد أطيق صبراً ! ..
تعبت وأنا أناضل .. هذا ليس ما أدين به !!

وقف الجميع في وجهي .. وأنا كالطائر الجريح كسير الجناح .. أقاتل وحدي ضد جوارح قوية متعاضــدة !!



يتبع ...................
مطر الصباح
مطر الصباح
تسلمين
امووت في الروايات .. ارجع اقراها بعدين ان شاءالله
قمه
قمه

الجزء الرابع والعشرون

مراوغات الفرار ! :unsure:

عدت معه إلى المنزل .. وقد انهال علي توبيخاً طوال الطريق .. وأنني أفسدت بينهم جميعاً بعدم إطاعتهم فيما يعملون .. عدا عن أنني لا أطيعه هو وهو زوجي الذي يجب أن أرضيه وأخضع لأوامره !

فتجرأتُ أخيـراً وقلت :
ـ والله لو كانت طاعتك فيما تأمرني به واجبة مقابل معصية الله تعالى لما توانيت !! .. ولكنك تأمرني بالمنكرات والأباطيل وأنا أرفض طاعتك في ذلك .. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ! ..
وأنا لست على استعداد لإغضاب الله تعالى أكثر من ذلك .. أرجوك .. افهمني .. وفكّر في الأمر مليّاً ..
الحياة بيننا مستحيلة للغاية .. وأريد أن أعود إلى عائلتي بالحسنى !! .. والآن !!

رفض بشدة .. إنها نقطة ضعفه .. لا يستطيع تركي أبداً .. يا لها من كارثة .. ولكنه أدرك أن لا جدوى من إقناعي بالمكوث معه .. في هذا الوقت العصيب على الأقل .. ثم فكّر مليـاً وبصمت مطبق .. ولان أخيراً بعد النصلّب والإعصار فقال :
ـ هذا الموضوع تحدثنا فيه كثيراً .. ومهما بلغت هفواتك وكثرت زلاّتك لا مجـــال إطلاقاً للتنازل عنك .. وكُلّي أمل في أن يهديك الله إلى طريقنا الصحيح !!! .. ثم …

قاطعته بشدة قائلة :
كــفى بالله عليك .. أنا لن أرضخ أبداً ولن أهتدي لطريقكـــم !!!
ولكن .. ربما .. إذا وافقت لي بزيارة أهلي وتركت لي فرصة أعمق للتفكير .. حسناً .. أرجوك .. أطلب منك أسبوعاً واحداً فقط وأكتفي به .. ثم .. سوف أعود إليك سريعاً .. لن أتأخر عليك .. امنحني هذا الطلب أرجوك .. ألا تثق بي ؟!!

بالطبع كان غرضي هو الفرار الأبدي الذي لا عودة بعده .. ولكنني خفت من رفضه إن علم !

فقال بتشكك وتخـوّف
ـ قلت : لن تذهبي .. أخشى .. أخشى ألا تعودي !!!!

أجبته بسرعة أطمئنه ونيران الدنيا تستعر في صدري وأنا أبتسم ..
ـ قلت لك .. أسبوع واحد فقط .. اشتقت لأهلي كثيراً .. بالإضافة إلى أني أشعر بحاجة إلى الراحة والخلود حتى يتجدد ما بيننا .. سوف أعود إليك سريعاً صدقني .. وحتى تثق بكلامي فلن آخذ معي أي شي من متاعي .. فالمدة قصيرة جداً ولا تحتاج أبداً للمتاع !!

قال وهو يحاول تصديقي .. وقد بدت لهجة الاطمئنان في حديثه :
ـ لا أعرف ! .. أشعر بأني غير مطمئن .. ولكن .. حسناً .. هل تكفيك خمسة أيام فقط ؟!

أجبته متظاهرة بالقناعة والرضا …..
ـ وإن أردتها ثلاثة أيام فقط فلا بأس !!! .. هيا الآن أرجوك .. احجز مقعداً إلى بلادي بأسرع وقت .. حتى أعود إليك بأسرع وقت !!!

وأخـيــــــراً ……..........



أقتربنا من النهااااااااااااااااااااااااية



كونو بالقرب ........................................................