
قمه
•
لن أعود .. لن أعود ..
وفي عتمة المكان دخل نور خافت يتفـقـدني ..استدرت إليه .. فإذا هو والــــدي .. يطمئن علي .. ويسأل عن حالي .. وعيناه تفيض بالحزن والكمد !! ..
حتى الابتسامة ترفّعت عن شفاهي !! .. تردد أبي كثيراً قبل أن يقول :
ـ يا ابنتي .. هل ما زلتِ مستيقظة ؟ أريد .. أريد أن أخبرك بــ .. بــ ..
ـ يا ابنتي .. هل ما زلتِ مستيقظة ؟ أريد .. أريد أن أخبرك بــ .. بــ .. بأن زوجـك قد جاء .. وهو .. وهو في انتظارك .. ويريد أن .. أن يتفاهم معك .. و ..........
استجمعت شجاعتي .. اتأكت على يدي حتى وقفت أترنّـح من شدة الإرهاق والتعب والحزن .. هتفت بصوت بالكاد سُمع :
ـ ماذا ؟ .. ماذا ؟! .. لماذا أدخلتموه إلى المنزل ؟ .. ألا يكفيه ما آلت إليه حالي ؟! .. ألا يكفيه ما فعله بي ؟ .. أبــــــي !! .. كيف تستطيع النظر إليه أو مخاطبته ؟! .. إنه إنه بلا قلب .. ألا ترحمونني ؟!!
وأجهشت بالبكاء الذي رجا الدنيا أن ينفيه من أمامي.. ولكن .. أبي أمسك بي برفق وقال بهدوء :
ـ يا ابنتي أخبرته بكل ما تريدين .. فبكى بمـرارة .. وقال أنه لا يصدّق ذلك ـ وأنه يريد أن يراكِ ويسمع ذلك منك ..
ـ لالالا .. لا أريد رؤيته حرام عليكم .. أنا أكرهه .. هل تعرف معنى ذلك يا أبي .. أرجوك .. أرجوك ..
رجاني أبي بقلب وجيـــع :
ـ أرجوكِ يا ابنتي .. يجب أن تخبريه بما تريدين .. وأنك تريدين الفراق عنه .. فلن يصدّق أحداً سواكِ !!
هيا يا ابنتي أرجوك .. سأقف معك فلا تقلقي ولا تخشي شيئاً .. هيا يا ابنتي هداك الله !
مشيتُ معه بخطىً متماوتة .. متثاقلة ! .. حاولت الدخول فلم أستطع !! .. فشجعني أبي بأن دخل قبلي .. وبقيت خلف الباب .. أمسك بالحائط عّله يساعدني في الثبات .. دخلت ببطء .. وجدته يجلس في وسط المكان وعلى الأرض .. لم أعرفه !!! .. من هذا الرجل ؟!! ..
استدرتُ للخروج بسرعة .. فناداني أبي .. ظننت أني قد دخلت على رجل آخر !! .. هل يُعقل أن يكون هذا ؟!! .. ما أبشع منظره !! .. يا إلهي ما هذا الاختلاف الكلي الذي طرأ عليه !!! .. أين القوة والضخامة ؟! .. أين الصحة والخشونة ؟ .. لالا .. لا يُعقل أن يكون هو !!!
وقف بسرعة كلمح البصر ! .. لم أتعرف على ملامحه ! .. كرهت النظر إليه .. أو سماع صوته !! ..
جلست متهاوية على الأريكة .. شقّـت ابتسامته نهر الدموع في عينيه .. اعتقد أني وافقت على العودة معه ..
نظر إلي بفـرح .. وتغيّرت ملامـح وجهه فجأة وهو يقول :
ـ ما بك لا تنظرين إلي ؟!!! .. لقد نحلتِ كثيراً !! .. هل أصابك مكروه ؟! .. حتى أنا تغيّر حالي .. منذ أن ذهبتِ ونحن نعيش في فراغ كبير .. في جفاء ووحشة أنا وأهلي جميعاً !!
لزمت الصمت ! .. لا أريده !! .. الآن !! .. بعد ما جعلتموني أعاني من الذل والهوان ؟!!
كرر حديثه ثانية :
ـ ما بك ؟!!! .. ألا تعرفين من أنا ؟ .. أنا زوجك ! .. لقد وعدتيني بالعودة ولم تفعلي ! .. جئت لآخذك معي .. هيا .. هيا استعدي فالطائرة ستقلع بعد ساعتين ونصف من الآن ..
أيضاً لزمت الصمت !!
نظر إلى أبي في تساؤل وحيرة :
ـ ما بها يا عمّــــاه ؟! .. ما بزوجتي لا تطيق حتى النظر إلى وجهي ؟!! .. اجعلها تكلمني أرجوك !! .. ما بها ؟
ثم حوّل نظره إلي وقال :
ـ ألا تريديني ؟!! .. لماذا ؟ .. تكلمي !! .. ماذا تريدين ؟!
نطقت أخيراً من بين دموعي الوجعى وما زلت أشيح بنظري عنه :
ـ لا أريدك .. لا أريدك .. أرجوك .. أطلق سراحي .. فأنا لا أطيق النظر في وجهك .. ولن أعود معك !! .. مهما حييت ! ..
ألا ترى ما فعلته بي ؟! .. أبي أرجوك .. أخرجه من هنا !! .. أنا لا أريده لا أريده لا أريده .. أكرهه ..
أمسك أبي بي بسرعة وأوقفني بتمهل وهو يبتعد بي عنه إلى الغرفة المجاورة ..
ـ على رسلك يا ابنتي ! .. ارحمي نفسك وما وصلت إليه حالتك .. أرجوك .. لا تنفعلي كثيراً .. أرجوك ..
صرخ الزوج بأعلى صوته وهو ينتحب وجميع أهلي يسمعونه :
ـ أعيدوا إلي زوجتي .. لن أتركها لكم !! .. حرام عليكم .. أنا لا أستطيع العيش بدونها !! .. أعيدوا زوجتي .. أريد زوجتي .. أريدها أن تعود معي لمنزلي .. لن أدعها تذهب مني !! .. أعيدوها إلي .. أعيدوها .. سأوافق على كل ما تريد .. صدقوني .. ماذا تريد هي ؟!! .. أين زوجتي ؟!
عدت إليه بسرعة وأنا أستند على الجدران وسألته بصوت باكٍ ومغتاظ :
حسناً .. هل ستترك ما أنت فيه من ضلال ؟ .. هل ستهتدي إلى الطريقة المثلى ؟!! .. هل سيعتدل سلوكك الديني وأفكارك العقيمة ؟!!!! .. بالطبع لا .. أليس كذلك ؟!!
صمت .. ثم قال باكياً :
ـ اطلبي كل ما تريدين .. إلا هذا !! .. لا أستطيع !! .. لا أستطيع العيش بدون ذلك !! .. إنها عقيدتي ومذهبي وهو الصحيح !! .. ولكني أعدك ألا أجعلك ترغمين على الذهاب إلى مكان لا تريدينه .. فعودي أرجوكِ ..
قلت له بأسف :
ـ لا جدوى من عودتي ! .. سيعود الحال إلى ما كان عليه !! .. نحن لا نستطيع العيش معاً .. لا نستطيع
معيشتنا ستكون عيشة ضنكا !! .. مؤلمة متعبة .. الخلاف الديني سيقف حائلاً دائماً بيننا .. عدا أني قد زهدت فيك وقطعت الأمل في تفهمك لما أعني .. أرجوك .. لا يمكننا البقاء معاً أبداً .. أبداً ..
وخرجتُ .. أبكي .. فاحتضتني أمي .. وهدّأت من روعتي أختي .. أما أبي .. فهو يمسح دمعات فيّاضة تطفو قسراً من عينيه وهو يعاين لحظات الوداع الأخيرة .. لا جدوى منه أو مني !! .. لا جدوى !! ..
رحل .. سمعته يناديني .. فلم أجب .. ما الفائدة !! .. أغلقتُ الدار علي بالمفتاح .. لا مجال للعودة أو التراجع .. هذا أمر الله .. ولا يمكن أن يجتمع الضـدّان أبداً !!!!
مرّت أيام عصيبة على حياتي .. وفي هذه الأثناء التي كنت أحتضر فيها جاء القريب والبعيد يرجونني بالعودة إليه !! .. إنه بقايا إنسان !! ..
يتصل مراراً وتكراراً حتى أعود إليه !! .. إنهم قوم لا يعلمون !!
وما فائدة عودتي إلا زيادة في العذابات والمفارقات !! .. بالطبع رفضت .. مجرد محاولة واحدة فقط منهم في استمالتي إلى ما يدينون وسوف تؤدي بحياتي إن عدت وأنا بهذه الحال المترنحة !!! .. حتى وإن كان يعاني فقدي ونقل مراراً إلى المستشفى فلن أعــود !! .. لن أ أعــود د .. لن أعــــود ؟! ..
( النهاية )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : كتاب ( دعوني أرحل ) بقلم الهاشمية بطلة القصة
دار القاسم للنشر والتوزيع


يــــــــــــــــــــــالله.. تجنن القــــــــــــــصه المفروض يسلم وينتهي الموضوع..الله يهدي من أضل..يسلموووو ياعسل الله يسعدك ان شااااء الله..

قمه
•
آواخر الشتا :
يــــــــــــــــــــــالله.. تجنن القــــــــــــــصه المفروض يسلم وينتهي الموضوع..الله يهدي من أضل..يسلموووو ياعسل الله يسعدك ان شااااء الله..يــــــــــــــــــــــالله.. تجنن القــــــــــــــصه المفروض يسلم وينتهي الموضوع..الله يهدي من...
مشكوره حبيبتي .............................. المفروض يسلم لكن كل واحد متمسك بعقيدة .....................
الصفحة الأخيرة
حجــز لي مقعداً منفرداً .. الإقلاع في العاشرة ليلاً .. والساعة الآن الثامنة .. لا وقت .. قبل أن يغيّر رأيه !!
قمت بإعداد نفسي بسرعة .. دخل ليستحم .. انتهزت الفرصة .. كتبت له أن الحياة بيننا مستحيلة .. منذ أن وقعت قدماي على هذه الأرض .. وأنني حاولت الإصلاح ففشلت !! ..
وأنني لم أطق البقاء معه يوماً بعد أن علمت بخديعته لي ولأهلي في .. دينه !! ..
لا اتفاق بيننا من حيث الدين ولا الأخلاق ولا الحياة والعقيدة والعادات .. لذا يجب علينا الافتراق إلى الأبد دون عودة ! ..
وهذا الأمر كان يُفترض بنا أن نفعله ليس من الآن فقط .. بل .. من يوم عقد فيه قراننا !!! .. أنا لست منكم .. ولستم منا !! .. وداعاً وداعاً إلى الأبد !!
سمعته يفتح مقبض باب الحمام .. طويتها بسرعة .. وضعتها في حقيبتي .. عاملته جيداً .. حتى لا يظهر تغيّر علي .. نظرت إليه وهو يستعد للخروج .. إنها النظرات الأخيرة .. سامحوني جميعاً ..
طـأطـأ رأسـه .. ما به ؟!! حاول إخفاء وجهه عني .. تظاهرت بأني لم أره .. ورأيته .. لقد اكتسى وجهه حمرة من شدة البكاء !! .. لا بـأس .. هذه هي النهاية الحتمية ولكني سأجعله هو من يفهم ذلك بنفسه ..
ركبنا في السيارة .. كأنه يشعر أنني لن أعود .. لم ينظر إلي .. تركته .. فضلت الصمت والسكوت .. لمحت في عينيه بريقاً .. دققت النظر إليه .. فإذا هي الدموع تترقرق في عينيه .. مع أني لم أخبره بقراري بعد .. لا مجال للعيش بيننا إطلاقاً .. قدر الله وما شاء فعل .. أخذ يحذرني من عاقبة تأخري عليه عند أهلي .. وأجهش بالبكــاء .. فلم أهدئه .. لا أريد أن أكذب عليه ..
نظر إلي بعينين حزينتين وقال :
ـ هل ستعودين ؟!! .. لا أعرف لم أنا حزين ! .. عندما تعدين فإنك تفين بوعدك دائماً ! .. فهل ستفعلين ؟!!
نظرت إلى النافذة واصطنعت البراءة هذه المرة وأنا أقول :
ـ نعم .. لا داعي لحزنك .. يجب أن تصدقني .. هل بدر مني أسلوب الكذب معك ؟!!
( اللهم سامحني )
هز رأسه نافياً وصمت .. إلى أن دخلنا إلى المطار .. وقلبي يخفق بشدة .. وداعاً للجميع وليسامحني الجميع على كل ما بدر مني .. شعرت بالأمان في المطار .. لن يستطيع إرغامي على العودة .. الموت أهون عندي !
وقبل النــداء على ركّـاب الطائرة .. فتحت حقيبتي وأخرجت منها رسالتي .. وناولته إياها .. وحلّفته ثلاثاً ألا يقرأها إلا عندما يعود إلى المنزل .. إلى حجرته .. فوافق على مضض .. دخلت إلى صالة المسافرين بسرعة .. أدهشه ذلك .. لوّح لي والحزن يبدو متفجراً من قسماته والدمع يفيض كما يفيض النهر .. بعد ماذا ؟!!!!
نظرت إليه .. كنت سعيدة .. خائفة .. لم أطل البقاء لأنظر إليه .. ولكنني لمحته يغطي وجهه بثيابه وكأنه يحمي نفسه من البرد .. وما زال النحيب والبكاء يسيطران عليه بينما انتبه إليه الكثير من الناس في حالته تلك .. فرحموه !! ولم يعلموا من هو !!!
شعرت بنوع من الحرية التي طالما افتقدتها بينهم .. شعرت باستقلاليتي من معتقداتهم التي فعلت بي الأعاجيب !!
هل حقاً أنا بعيدة عنه ؟ .. عنهم ؟! .. تركتهم إلى الأبد ؟!! .. صحيح ؟!! .. لا ..لا .. هذا حلم جميل وسرعان ما سينقضي .. ركبت الطائرة .. نظرت بخوف فيمن حولي وأنا أحتضن حقيبتي الصغيرة ! .. هل كلهم صوفيون ؟! هل اتفقوا معه ؟!
لماذا ينظر الركاب إلي بهذه الطريقة ؟! .. هل علموا بشخصيتي ؟!
هل جميعهم ضدي ؟! .. ربما .. اتجهت بنظري إلى الخلف !!! .. يا إلهي !! .. هناك راكب يشبهه !! .. لالالالالالالالا ! .. هل لحق بي ؟ لماذا تبعني ؟ .. لماذا أتى ؟! .. سأصرخ .. سأفقد صوابي !! .. ولكن .. تحرك الرجل هو وزوجته إلى مقعد آخر !! .. الحمد لله .. إنه ليس هو ! ليس هو .. ليس هو !!!
يا إلهي ما العمل ؟ .. لجهاد بالسيف والرمح أهون علي من جهادي ضد نفسي !
ســاءت حالي .. تحّول مزاجي .. تمكنت العزلة من اختطافي عن أنظار الجميع ! ..
حتى الطعام كنت آكله قسراً حتى أتعايش مع اللحظات الباقيات لي !!
بعد ستة أيام .. كنت ملقاة على فراشي في بيت عائلتي .. أصارع الحياة والموت .. أشعر ببقايا من أنفاسي المعدودة .. لا أحب الطعام .. ولا الماء .. ولا النوم .. ولا اليقظة .. أتململ في مكاني .. وأنا أنتظر أمر الله في أي لحظة أن يناديني .. بينما فاضت عيوني بالدمع المنهمــر دون توقــــف ..
يتبع ........ اخر جزء ..........................................................................................................
هل حقا رحلة هل حقا لن تعود الى ذاك العالم