samaseem
samaseem
واااااااااااااااااو مررررررررررررة رهيبة القصة ربي يعطيك العافية
قمه
قمه
:: الجزء الرابع عشر ::




((رحلة مع العبد الصالح الخضر !!))







عند الفجــر ..دقّ جـرس الساعة المنبهة إعلاناً لقرب الآذان .. فتحت عيني المجهدتين .. أغلقت المنبه .. استرخيت قليلاً .. ثم نهضت .. سمعت صوتاً على نافذتي .. اقتربت بخوف .. آه .. كان المطر ينهمر على سقف المنزل !! .. نقراته اللطيفـة هي التي تطرق نافذتي .. انشرحت كثيراً .. مرحباً بك أيها المطر ..

اقتربت من النافذة كثيراً .. أخذت أتأمل المنظر من ورائها .. ارتسمت على شفتي ابتسامة عريضة .. لقد أتى حتى يغسل همومي وآلامي .. مرحى .. مرحى .. تسلّلت ببطء نحو الضوء .. أشعلته .. أردت أن أوقظ الزوج للصلاة .. لم أجده ! لم يأتِ بعد !! هذا أفضل .. هذا أفضل !! .. ما أسعدني !!

توضأت .. صليت .. دعوت الله أن يخرجني من هذا المكان .. أن ينير لي درب الخير .. لأتبعه .. بكيت كثيراً ضارعة إلى الله تعالى .. إن الأمطار التي تهطل ما هي إلا قطرة من أدمعي التي تذرف من عيني الباكيتين .. رحمـاك يا الله .. رحمـاك .. رحمـاك ..

عدت مجدداً إلى النافذة .. كان المطر قد توقف عندئذ عن الانهمار .. فتحتها قليلاً .. لم أعد أرى في الخارج إلا القطرات المتساقطة فوق السقف المنحدر لبناء المنزل .. أو من أغصان الشجر .. ابتسمت مجدداً .. ما أجمل المنظر .. ثم .. أغلقت النافذة ببطء .. واستدرت لأرفع سجادتي .. فوجدتـــه !!
صرخت من شدة الخوف .. كتمت أنفاسي فجأة .. غمرتني موجة حارقة جعلت سعادتي تتحول إلى كآبة .. كان وجهه شاحباً .. يبدو عليه الإرهاق .. وثوبه مكمّشاً .. فرك يديه وهو يجلس .. ثم قال :

ـ أرغب في الخروج اليوم إلى النزهة في هذا الجو الجميـل .. أيقظت الجميع للاستعداد .. هيا استعدي أنتِ أيضاً .. نظرت بإمعان إلى وجهه لأرى هل هو جاد أم هازل .. فسألته :
ـ حقاً ؟!! .. هل أنت جاد ؟ .. هل سنتنزه في هذا الجو الجميل ؟ .. حقاً ؟!!

اعتدل في جلسته وقال بصوت هادئ :
ـ نعم .. سنتنزه .. ألا تريدين الخروج معنا ؟ هل تفضلين عدم الذهاب ؟!

صرخت قائلة في فرح مفاجئ أدهشه كثيراً :
ـ لا لا .. لا أريد البقاء .. سأذهب للنزهة .. كم أنا سعيدة .. أحب جو المطر .. هيا لنذهب .. هيا
ـ حسناً .. استعدي .. سأنتظركم في السيارة .. لا تتأخروا ..
وخـرج .. شعرت بشي من النشوة تسري في عروقي .. آه .. أخيراً سأخرج إلى الهواء الطلق .. بعيداً عن كل شي .. ما أسعدني .. ما أسعدني .. تناولت معطفي الواقي من المطر .. وكذلك معطفه .. أغلقت حجرتي .. قفزت السلالم قفزاً وكأنني في واحة غنّـاء .. رفرف قلبي من فرط الفرح .. منذ زمن لم أخرج للطبيعة أحتضن جمالها ..
توقفنا في مكان رائع الجمال .. كانت الأرض موحلة ومشبّعة بالماء .. وأعواد القمح الممتلئة بعصارة الربيع قد خارت وتمددت على الأرض في أمواج ممتدة على مدّ النظـر !!

خرجت من السيارة .. فتحت عيني باتساع .. تلفتُّ حولي بدهشة .. أرسلتُ ضحكة كانت مقيّدة ومكبلة .. أطلقت لها العنان .. شعرت بأني غارقة في محيط نظراتهم المتوهجة !
وفجأة سمعت نفسي أقول له وأنا لا أكاد أشعر بأني بدأت الحديث :
ـ هل .. هل تسمح لي بالذهاب حول هذا المكان للتنزه .. لن أبتعد ..

قال بصوت لا يخلو من حدّة :
ـ ليس الآن .. اجلسي معنا .. لا تنفردي بنفسك .. نريد العودة باكراً .. فاليوم هو ليلة الخامس عشر من شعبان !! .. لم أكن أتوقع مثل هذه الإجابة .. فأحنيت رأسي بأسف وقد اضطرم وجهي خجلاً وحزناً ..
ورحت أتأمل أطراف أصابعي وأحاول تمالك نفسي .. ولكن ماذا يعني بليلة الخامس عشـر من شعبـان ؟!!

تناولت الإفطار وحدي .. نظروا إلي وقد أدهشهم ما طرأ علي من تغيير .. لاحظت دهشتهم بقلب مرتاب .. وأخذت أجمع بعض الأعواد من الأرض ..

تردّدت الأم برهة ثم قالت لي :
ـ يجب أن نعود مبكرين حتى نستعد للذهاب إلى المكان الذي سيتم فيه اجتماع الناس في هذه الليلة ..

كتمت أنفاسي .. هذه المرة الثانية التي يؤكدون فيها أهمية هذه الليلة !! .. يا إلهي .. ماذا سيفاجئني اليوم أيضاً ؟! .. أومأت برأسي إيجابـاً .. ابتسمت بهدوء ..

في تلك اللحظة .. اختلست النظر إلى الزوج ووالدته .. راقبتهما في محاولة مني لفهم المعاني التي ينطوي عليها حديثهما .. ولكنني لم أستطع أن أفهم شيئاً !! .. سوى أنهم جميعاً صائمون اليوم !! .. لماذا ؟ ..

قلت لهم بتوسّل ..
ـ هل أذهب الآن ؟! .. لن أبتعد .. أرجوك ..

أزال عن كتفه بعض القش العالق به ثم قال :
ـ اذهبي .. ولكن ..
وفتح فمه ليقول شيئاً .. ولكني انصرفت بسرعة .. لم أنتظر .. ركضت .. ضحكت .. بكيت .. اختلطت مشاعري .. رحت أقفـز في كل الأرجاء .. نظرت إلى الأرض الجميلة .. لقد تجمع المطر فيها .. ثم راح ينطلق في جداول صغيرة سريعة ويملأ كل منطقة منخفضة .. حدّقت في روعة السمـاء !
إن صفحة السماء تصفو من الغيوم التي تمزقت وتباعدت كتلها تاركة رقعاً واسعة من الصفحة الزرقاء المضيئة ! .. بعضها صاف تماماً وبعضها لا يزال محجوباً بغلائل من السحاب الرقيق !!!
أما الهـواء فقد سكن على الأرض تماماً وشاعت فيه رائحة العشب المبلل والجذور العارية .. لا أعرف كم من الوقت مضى .. ساعـة .. ساعتـــــان .. أكثر !! لم أشعـر .. أوه !! لقد ابتعدت كثيراً .. أين أنــا ؟!

بدأت أشعر بالخوف .. إلى أي اتجاه أعود ؟!! ربـاه .. أين المكان .. رباه !! .. أين معطفي ؟ أين أضعته ؟! .. بدأت أبحث .. وأبحث .. آه .. قطرات المطر عاودت في النزول .. يا رب .. آوه .. معطفي هنا .. وجدته .. ارتديته لأتقي المطر .. ولكن أين المكان ؟

تناولت نظارتي .. مسحت قطرات المطر عنها بمنديلي ثم أعدتها إلى عيني .. رحت أنظر إلى الأرض الموحلة حتى أتجنب الخوض في إحدى الحفر المتناثرة حولي .. رفعت بصري إلى الأفق .. ازداد انهمار المطر .. رفعت النظارة عن عيني ووضعتها في جيبي ..
رأيت عن بعــد رجـلاً يقدم تجاهي .. أسدلت غطائي .. رحمـاك يا رب .. إنه شيخ كبيـر .. يعمل على تنظيف المكان .. دبّ الـرعـب في أوصالي .. هل سيختطفني ؟! الويل لي .. تقدم إلي وسألني وقد بدت على وجهه آثار الزمن على هيئة خطوط عميقة تحيط بوجهه :
ـ كيف جئتي إلى هنا يا ابنتي ؟! المكان خطر .. هيا بسرعة الحقي بعائلتك ..

انحدرت دموعي من شدة الخوف :
ـ ولكني أضعت المكان .. الويل لي .. كيف أصل إليهم ؟ أرجوك ساعدني .. أرجوك ..
ـ هيا اتبعيني من هذا الطريق ..

جل اهتمامي كان منصباً على غضب الزوج وحنقه .. وعدتُه ألا أبتعد !! يا ويلتي .. يا ويلتي !!

وبعد أن قطعنا مسافة من الطريق .. رفعت رأسي .. وإذا بالزوج يهرول قادماً إلي !! .. يا ويلتي !! ..
وقف أمامي كصخرة جامدة .. والشرر يتطاير من عينيه .. فوجدت نفسي أقول بسرعة وكأني أشرح له موقفي الضعيف :

ـ أرجوك .. أنا .. أنا .. آسفة .. لم أقصد .. سرقني الوقت وأنا أتجول في هذا المكان ! ولكني …… نظر برفق إلى الشيخ الكبير .. مما أثار دهشتي .. لم يغضب منه .. أشار إلي أن أتقدمه .. ففعلت .. أقبلت على والدته وباقي الأسرة .. وجدتهم حانقين .. غاضبين !!

استدرتُ لأرى الشيخ الكبير والزوج .. جاء الزوج إلى أهله .. تشاوروا .. تهامسوا .. أكرموا الشيخ إكراماً عظيمـاً !!!!!! .. أغدقوا عليه العطاء .. طلبوا منه الدعاء لهم .. ولي !!!!!
تسمّرت في مكاني وأنا أرقبهم !! .. ما بالهم لم كل هذه الحفاوة ومن الجميع !!!

ذهب الشيخ الكبير في طريقه .. أخذ ينظف ما بقي من أقذار .. وابتعد شيئاً فشيئاً حتى اختفى .. والجميع يرقبه .. تكاد قلوبهم أن تتبعه .. رأيت وجوههم في صورة أخرى .. اختفت إمارات القسوة والسخط .. نظروا إلي في قلق .. خاطبتني الأم قائلة في تودد :
ـ هل تعلمين من يكون هذا ؟!!

ارتعشت .. نظرت بوجل .. قلت بصوت بالكاد سمعوه :
ـ من .. من يكون ؟!

قال الزوج وهو يضع ساقاً على الأخرى .. وينتهد بارتياح :
ـ إنه الخضـر .. العبد الصالح الخضر .. الذي كان مع موسى .. بالتأكيد هو ! يا فلان بن فلان !!

أطبقت شفتي فـوراً …. انعقد لساني من فرط الاضطراب والارتباك :
ـ من ؟ من ؟ أي خضر ؟ .. العبد الصالح ؟!! .. كيف ؟! .. لا بد أنك تمزح !! .. الخضر ؟!!!! .. لا بد أنك …………............. رفع يده وقاطعني :
ـ هذه الأمور ليست مجالاً للهزل والمزاح ! قلت لك أنه الخضر .. ألم تسمعي عنه ؟!!

ارتسم الجزع على وجهي فقلت :
ـ ولكن .. ثم نظرت إلى الجميع .. كلهم جادّون .. فأكملت :
ـ ولكن .. الخضر عليه السلام قد مات منذ زمن بعيد .. هل تقصد أنه ما زال حياً يُرزق ؟! .. لا .. كانت أخته تتلوى في مقعدها .. لم تصبر فقالت :
ـ من غير الممكن ألا تكوني على علم بحياته !!! .. إن الخضر صاحب موسى عليه السلام حي يرزق للآن .. ويطوف الدنيا كلها ويتشكل في صور مختلفة .. فقد يأتي في صورة سائل مرة .. وفي صورة مريض .. ينزل من جسده القيح والصديد .. أو في شكل شيخ كبير كهذا الرجل مثلاً .. فبالتأكيد هذا هو الخضر قد زارنا … !!

ارتعدت .. نظرت إلى وجوههم !! تخوفت .. تململت .. أردت أن أنطق .. لم يتركوا لي مجالاً ..

كانت الأم تراقب تعبيرات وجهي وترى أثر كلماتهم علي .. فقالت بسرعة :
ـ عندما يأتي الخضر بهذه الأشكال ويزور الناس فيطردونه يكون هذا دليلاً على شقاوتهم وتعاستهم .. أما إن رحبّـوا به وعالجوه وأكرموه .. اختفى بدون أن يترك أثراً له .. وكان ذلك دليل سعادتهم !!!!!! .. فاحذري من طرد أي رجل بهذا الشكل أو تعنيفه .. احذري .. فربما كان هو الخضر جاء لزيارتك !

غصصت بريقي .. قلت متلعثمة من الصدمة :
ـ صدقوني .. لقد مات الخضر – عليه السلام – قبل إرسال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم .. إنه لم يخلّـد !!

أرسل الزوج ضحكة جافة ساخرة وهو يقول :
ـ الخضر هو حارس في الأنهار والصحاري ويعين كل من يضل عن الطريق إذا ناداه ..

ـ كيف يكون حارساً وهو ميت شأنه في ذلك شأن الأموات .. لا يسمع نداء من ناداه .. ولا يجيب من دعاه .. ولا يهدي من ضل عن الطريق إذا استهداه .. !!!

كشّر عن نابيه وقال :
ـ إذا لم يكن ذلك صحيحاً .. فكيف اهتديتي إلى مكاننا عن طريقه ؟!! .. أيتها الحمقــاء ..
لقد زارك وهداكِ إلى طريقنا ومكاننا .. أفلا تعقلين ؟! أفـلا تتفكرين ؟! .. عجباً لك أيتها العنيدة !!!

ـ إنما هو رجل قد سخره الله لي لأستدل طريقكم ليس إلا !! .. ولا يشترط أن ..

تأفّـف .. في تلك اللحظة تلاشى جو الألفة والمودة بيني وبينهم .. وخيّمت مكانه سحب الشك والتربص !! .. لم يعتقدون ذلك ؟! .. هل اعتقادهم خاطئ حقاً ؟! .. نعم .. نعم .. أنا متأكدة .. نعم .. قطع صوت الزوج حبل أفكاري حين سمعته ينادي من السيارة :
ـ هيا .. لا نريد التأخـر .. أمامنا ليلة حافلة .. فلنستعد للعودة .. المطر يتساقط بغزارة ..

ركبنا جميعا ً.. ابتسمتُ في قرارة نفسي .. ازداد إحساسي بالبهجة .. كم كنت أهفو إلى مثل هذا اليوم الذي أقضيه بمفردي تماماً .. بلا خوف من زوجي أو أهله .. وبلا أية هموم أو متاعب .. ولكن .. هذه الليلة .. ماذا عساها تكـــــون ؟! ستـــرك ورحمتـك يـــا رب ..




يتـــــــبع ..
قمه
قمه
الله يحفظك ياقلبي..كنت برد عليك من بدري بس الاتصال قطع..ومشكوووره..
الله يحفظك ياقلبي..كنت برد عليك من بدري بس الاتصال قطع..ومشكوووره..
العفو حبيبتي ..................................:)
قمه
قمه
واااااااااااااااااو مررررررررررررة رهيبة القصة ربي يعطيك العافية
واااااااااااااااااو مررررررررررررة رهيبة القصة ربي يعطيك العافية
ويعافيك ................ الأحداث الجاية أقوى .........................صدق راح تقول هذي اجمل قصة ..... :)
قمه
قمه
:: الجزء الخامس عشر ::




((ليلة الخامس عشر من شعبان!))







وصلنا .. كم أشعر بالإرهاق .. أتمنى أن آخذ قسطاً من الراحة .. أذّن المؤذن لصلاة العصر .. إنها فرصة .. سأصلي .. ثم أخلد للراحة قليلاً .. صعدتُ أولى درجات السلم .. استوقفني الزوج بلهجة عاتبة وجادة :
ـ توقفي .. لماذا لم تصومي معنا اليوم ؟ أم أنك تريدين مخالفتنا فقط !!!!

استدرتُ نحوه بعينين أثقلهما النعاس .. ثم هززت كتفي ببراءة وقلت :
ـ أصوم ؟! .. اليوم ؟! .. وأي مخالفة تلك التي تتحدث عنها ؟

تضايق من ردّي .. ولكني لم أفهم ما يرمي إليه !! ما به ؟! .. لماذا يوبخني على عدم الصوم اليوم ؟!!!

رد قائلاً في غضب مفاجئ أدهشني :
ـ كل من يعظّم ليلة النصف من شعبان فإنه يصوم في يوم الرابع عشر منه .. إلا أنت !! .. ألا تشعرين بنوع من المخالفة ؟!!!

قلت وقد فهمت غرضه الحقيقي :
ـ ولم هذا اليوم بالذات عن بقية الأيام ؟ سأصوم غداً إن شاء الله .. أو ..

قال بعنف :
ـ لا أريد أن يعرف أحد من الناس أنك لم تصومي اليوم هل فهمتي ؟! .. ستذهبين معنا اليوم للإفطار وكأنك صائمة ! .. ولا تفصحي لأحد عن إفطارك مطلقاً .. لا نريد أن يوكلنا الناس بألسنتهم .. مفهوم !! لقد كثرت مخالفاتك ؟ وكثرت امتناعاتك ! .. إلى متى ؟! .. إلى متى ؟! .. لقد ……….

قلت له لما رأيت غضبه يزداد تأججاً بصوت خافت وهادئ :
ـ أرجوك .. كفى شجاراً .. أرجوك .. ماذا دهاك ؟!! سأفعل ما تأمرني به .. لن يعرف إنس أو جن بإفطاري .. ولكن أرجوك .. أريد أن أعيش بسلام .. لا تغضب .. ولا تجرحني .. أكثر من ذلك .. كفى .. لك ما تريد .. سأكون جاهزة خلال عشر دقائق .. ولكن اهدأ .. واتركني أهدأ أنا أيضاً .. أتوسل إليك ..
ـ حسناً .. هيا اصعدي ..

تنهّدتُ بارتياح عندما لا حظت أن البرود يشع من صوته بعد العاصفة .. لقد اطمأننت أخيراً .. عرفت كيف أسكب على غضبه الجامح ماء بارداً .. أنا لست نادمة على تهدئته ! لأن رجلاً كهذا كفيل بأن يخرجني عن طوري من فرط القلق والسأم ..

تناولت معطفي الذي سقط من يدي من دون وعي مني .. صعدت السلم قفزاً .. آه .. كم أنا متعبة .. متعبة .. صليت العصر .. لم أجادل في ذهابي ! .. لن يسمح لي بالبقاء في المنزل .. لا أريد أن أثير غضبه أو أن أتعب قلبي ! .. سأذهب .. سأذهب ..
أعدت المشط وأدوات التجميل في حقيبتي .. ارتديت ملابسي .. وحذائي .. لبست حجابي .. ركبنا معاً في السيارة .. وانسابت منحرفة إلى طريقها القديم .. وازداد وجه السماء تلبداً .. أطلت من النافذة .. حيث رأيت الظلام قد بدأ ينشر أجنحته في صفحة السماء ..

دخلنا إلى مكان الاحتفال بليلة الخامس عشر من شعبان .. الجميع صائمات .. وصائمون !! .. وهذه موائد قد أعدّت عند أكثر الناس تقوى وإيماناً !!!!!! ..
اجتمعت النسوة حول الطعام .. أجلستني والدة زوجي بجانبها .. هل هذا الطعام من حلال أم من حرام ؟!
مجموعة من النساء ما زالت تردد ابتهالاتها وتسبيحاتها بشكل جماعي .. ويقرأن القرآن أيضاً بصوت واحد .. لقد شحب وجهي كثيراً .. تغيّرت حالي كثيراً .. كثيرات يسألنني عن سبب هذا الشحوب وهذا الذبول .. فتجيب والدة الزوج بسرعة :

ـ تعلمون أنها ما زالت عروساً .. إنها لم تبلغ الثلاثة أشهر من زواجها بعد .. لذلك هي لا تأكل ولا تنام جيداً .. ما زالت الحياة الزوجية جديدة عليها .. نعم .. فقط هذا هو السبب ..
انظر إليها بعينين زائغتين .. أومئ للنساء برأسي بأن هذا هو السبب فقط .. فقط .. فقط !!!!

أذن المؤذن لصلاة المغرب .. تناولت النساء إفطارهن .. تصنعت التذوق .. أخاف أن يكون الطعام حراماً .. رباه .. أنا مكرهة ! أخشى مكرهم .. ينظرون إلي .. إلى العروس التي ذبلت بعد زواجها .. كلي .. ما بك ؟! .. فأصطنع الأكل وأشرب كميات الماء .. هل هذا الماء يحوي شيئاً ما أيضاً ؟ .. رباه ما العمل ؟!

انتهينا .. تقدمت إحدى النساء الصالحات !!!!!!! .. تعظ وتذكّر بفضل هذا اليوم وبفضل صيامه وقيامه .. وبفضل صلاته وذكره !!! .. ثم .. أمرت النساء بفتح المصاحف على سورة يس .. وبدأن جميعاً بصوت واحد بقراءتها .. حتى إذا انتهين منها .. كرّرن قراءتها مرة ثانية فثالثة !! .. واكتفين !!

ثم قالت المرأة بانفعال :
ـ والآن ادعين الله بأن بمحو آجالكن السابقة .. ويثبت الآجال الجديدة بعد قراءة يس ثلاث مرات .. ولتطمئنوا .. فلن تموت إحداكن هذه السنة ما دامت قرأت معنا سورة يس .. ثلاث مرات .. والآن سوف يوزّع الله عليكم الأرزاق الجديدة .. والآجال الجديدة .. ويمحو الآجال القديمة التي كتب الله فيها بموت امرأة منكن في هذه السنة !!!

ربـاه .. أستغفر الله العظيم .. وكيف يضمن عدم موتهن في هذه السنة ؟! .. رأيت الارتياح بادياً على وجوههن لقد وثقن بعدم موتهن خلال العام ؟!!! .. أي عقول يملكن ؟!!!

أضافت تلك المرأة في قولها وهي تثّبت نظارتها السميكة على عينيها :
ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا علي ، من صلى مائة ركعة ليلة النصف من شعبان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وقل هو أحد عشر مرات إلا قضى له كل حاجة .. " الخ .

تعالت صيحات النسـوة :
ـ يا فلان بن فلان .. يا فلان بن فلان .. !!

آه …. بدأ الهزل وأوشك الجد أن يختفي ! .. إنهن يستنجدن ويسغيثن !! .. رباه .. أخرجني من بينهن يا رب !! .. ثم أكملت المرأة في ابتسامة عريضة :
ـ كلنا نعلم .. أن هذه الليلة من أعظم الليالي المباركات وفضلها جد عظيم .. وسبب تفضيلها على باقي الليالي .. هو أنها المقصود بها في القرآن .. ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) في سورة الدخان .. لذلك يستحب في ليلة النصف من شعبان العبادة والذكر والقيام وقراءة القرآن وصيام يوم أربعة عشر منه .

صرخت بالمرأة بدون وعي مني .. وقلت لها وقد خيّم السكون على الجالسات :
ـ مهلاً .. مهلاً .. هناك لبس في الأمر .. المقصود بهذه الآية هي ليلة القدر في رمضان .. وليست ليلة النصف من شعبان !!
رأيت المرأة تطرف بعينيها ويضطرم وجهها وترتبك فجأة .. فلا تحير جواباً .. نظرتُ إلى والدة الزوج .. فشعرت كأن سهماً قاتلاً أرداها قتيلة وقد اخترق صدرها حين رأتني أعارض أمرهم العظيم .. بدأ الهمس .. نظرت المرأة إلي بنظرات محرقة .. ساخطة .. متحدية .. ابتعدت النساء اللاتي بجانبي شيئاً فشيئاً !! .. هل كفرت ؟!!!!!

توقفت المرأة عن الحديث .. انعقد لسانها .. تفاجأت بوجودي فيما بينهم !! .. وقفت وأنا أرى حقدهن ونظراتهن المغرضة ! .. وقلت بصوت مسموع :
ـ استغفر الله العظيم …….. !

ثم .. مضيت بسرعة نحو دورة المياه .. كنت واثقة بأني تركت تلك المرأة ومن معها في حالة يرثى لها من شدة الغيظ .. ولكن يا ويلتي من ذاك الزوج الذي لا يفتأ ينهرني ويعتدي علي بالتجريح والضرب .. بدأ الخوف يتشبّث بأجزائي .. وجدت حجرة فارغة .. مكثت فيها .. وحدي .. الكل .. يحقد علي ..

فكرت ملياً .. ما الذي يجبرني على البقاء أكثر ؟!! سأرحـل .. ها أنا أشعر مرة أخرى بهذا السأم العميق الذي طالما أثقل علي بسبب هذه الحياة الرتيبة المخيفة معه .. ومعهم !! .. لشدَّ ما تهفو نفسي إلى لون آخر من الحياة .. حياة يملأها الإيمان والصدق .. والراحة والطمأنينة .. بذكر الله وبالصلاة على وجهها الصحيح .. ولكن .. كيف ؟! كيف ؟! كيف ؟!!!!

سمعتُ النساء يصلين المائة ركعة ! .. يا رب .. أخرجني من هنا برحمتك .. اللهم ألهمني الصبر والسلوان .. تحسست وجهي بيدي .. آثار الشحوب قد ظهرت عليه .. لقد ارتسمت علي سمات تنم عن أني سأفقد شبابي قبل الأوان .. هم السبب في تعاستي وذبولي .. اللهم خلصني منهم يا رحيم





يتـــــــبع ..