خاتمة وتنبيه شديد الأهمية
أرجو من كلّ من قرأ هذا أن يستفيد منه، فلا تذهب للقتال على جبل الذهب ولا تأخذ منه شيئًا، واحذر أن تكون في الجيش الذي يقاتل المهدي أو في الثلث المنهزم في الملحمة الكبرى، وابتعد عن مواجهة الدجال أو تحصّن منه في مكة أو المدينة فإنّه لا يدخلها فإن عجزت فاقرأ عليه فواتح سورة الكهف أو خواتمها واجتنب نهره وجَنّته وعليك بنارِه فإنّها ماء بارد، والزم التهليل والتكبير والتحميد في الأيام الشديدة قبل الدجال فإنّها طعامك واحرص على الإكثار منها الآن لتعتادها، واقدر للصلاة قدرها في يوم الدجال الذي هو كسنة والذي هو كشهر والذي هو كأسبوع، ولا تفرّ من الدابة فإنّها لا تضرّك، ثمَّ إنّه لن ينفعك الفرار.
وعليك بالتقوَى فإنّها حصن المؤمن وأمنه وسعادته في كلّ زمانٍ ومكان
وهذا الموضوع فيه لكلّ عاقلٍ دافعٌ للعمل والمزيد من الجهد طمعًا في أن يكون له أثرٌ صالح في أحداث المستقبل لا أن يكون من الغثاء أو الخبث الذي تتمنّى الخلائق هلاكه، وهذا الموضوع فيه دافعٌ لكلّ عاقلٍ لتغيير خططه المستقبلية بما يتناسب مع ما نحن مقبلون عليه وإعداد نفسه الإعداد الأمثل ليكون عضوًا فاعلاً بأقصى ما يستطيع وبأقصى ما يملك، وهذا الموضوع فيه دافعٌ لكلّ مقصّرٍ أو مفرّطٍ أو لاهٍ في شهواته ليترك ما هو فيه ويبدأ العمل في سبيل مرضاة الله سبحانه وتعالى وخوفًا من سخطه ونقمته.
الموضوع التالي (القحطاني)

:27: القحطاني
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه}(متفق عليه) قال الحافظ ابن حجر: قوله (يسوق الناس بعصاه) هو كناية عن الملْك؛ شبّهه بالراعي وشبّه الناس بالغنم ونكتة التشبيه التصرّف الذي يملكه الراعي في الغنم، وهذا الحديث يدخل في علامات النبوّة من جملة ما أخبر به صلى الله عليه وسلم قبل وقوعه ولم يقع بعد وقد روى نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطاة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشام أنّ القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي وأخرج أيضًا من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جدّه مرفوعا: {يكون بعد المهدي القحطاني، والذي بعثني بالحقّ ما هو دونه} وهذا الثاني مع كونه مرفوعًا ضعيف الإسناد والأوّل مع كونه موقوفًا أصلح إسنادًا منه فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى بن مريم لما تقدّم أنّ عيسى عليه السلام إذا نزل يجد المهدي إمام المسلمين، وفي رواية أرطاة بن المنذر أنّ القحطاني يعيش في الملك عشرين سنة واستشكل ذلك كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس بعصاه والأمر إنّما هو لعيسى! ويُجاب بجواز أن يقيمه عيسى نائباً عنه في أمور مهمّة عامّة.
وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان هذا الأمر في حمير فنزعه الله منهم وصيّره في قريش وسيعود إليهم. وسنده جَيّد وهو شاهد قويّ لحديث القحطاني فإنّ حمير يرجع نسبها إلى قحطان ...
وهذا يؤيد الأثر السابق بأنّ القحطاني يكون بعد المهدي، ولكن لا يلزم أن يكون في زمن عيسى، قال ابن حجر: وجدت في كتاب التيجان لابن هشام ما يُعرف منه إن ثبت اسم القحطاني وسيرته وزمانه فذكر أنَّ عمران بن عامر كان ملِكًا متوَّجًا وكان كاهنًا معمّرًا وأنّه قال لأخيه عمرو بن عامر المعروف بمزيقيا لما حضرته الوفاة: إنّ بلادكم ستخرب وإنَّ لله في أهل اليمن سخطتين ورحمتين؛ فالسخطة الأولى هدم سدّ مأرب وتخرب البلاد بسببه، والثانية غلبة الحبشة على أرض اليمن، والرحمة الأولى بعثة نبي من تهامة اسمه محمّد يُرسَل بالرحمة ويغلب أهل الشرك، والثانية إذا خرب بيت الله يبعث الله رجلاً يقال له شعيب بن صالح فيهلك من خربه ويخرجهم حتى لا يكون بالدنيا إيمان إلاّ بأرض اليمن انتهى.
ثم ذكر أنّه ذكر في (باب الحجّ) أنّ البيت يُحج بعد خروج يأجوج ومأجوج وأشار إلى الجمع بينه وبين حديث {لا تقوم الساعة حتى لا يُحج البيت} وأنّ الكعبة يخربها ذو السويقتين من الحبشة، ثم قال: فينتظم من ذلك أنّ الحبشة إذا خربت البيت خرج عليهم القحطاني فأهلكهم وأنّ المؤمنين قبل ذلك يحجّون في زمن عيسى بعد خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم وأنّ الريح التي تقبض أرواح المؤمنين تبدأ بمن بقي بعد عيسى ويتأخّر أهل اليمن بعدها ويمكن أن يكون هذا مما يفسّر به قوله {الإيمان يمان} أي يتأخّر الإيمان بها بعد فقده من جميع الأرض، وقد أخرج مسلم حديث القحطاني عقب حديث تخريب الكعبة ذو السويقتين فلعلّه رمز إلى هذا. ثم ذكر ابن حجر أنَّ البخاري أورد الحديث في باب تغيير الزمان حتى تعبد الأوثان، قال: وفي ذلك إشارة إلى أنّ ملك القحطاني يقع في آخر الزمان عند قبض أهل الإيمان ورجوع كثير ممن يبقي بعدهم إلى عبادة الأوثان وهم المعبّر عنهم بشرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة.
قلت: لعلّ القحطاني يملك بعد موت عيسى صلى الله عليه وسلم، ولعلّه هو الذي يوصي بالخلافة له من بعده، فيمكث عشرين عامًا يكون فيها طلوع الشمس من مغربها والدابة والدخان، ثم انبعاث الريح الطيبة الناعمة من اليمن.
وربما ينطلق ذو السويقتين قبل انطلاق الريح، فيدرك المؤمنون قصده فيريدون صدّه أو يرسل القحطاني له جيشًا ولكن تدركهم الريح فتقبض أرواحهم، فيصل ذو السويقتين إلى الكعبة وينقضها حجرًا حجرا، فيصل الخبر إلى القحطاني فيرسل إليهم جيشًا أو ينطلق هو على رأس جيشٍ فيدمّرهم تدميرًا ويتمّ انتقام الله تعالى على من خرّب بيته، ثم تدركهم الريح بعد ذلك فتقبض أرواحهم، ويبقى شرار الناس وعليهم تقوم الساعة.
وأورد المناوي في فيض القدير أنَّ البسطامي قال: قبل نزول عيسى يخرج من بلاد الجزيرة رجل يقال له الأصهب ويخرج عليه من الشام رجل يقال له جرهم ثم يخرج القحطاني رجل بأرض اليمن فبينما هؤلاء الثلاثة إذا هم بالسفياني وقد خرج من غوطة دمشق . . .
ولكن لا يصحّ أن يكون القحطاني المقصود في الحديث هو منصور اليماني الذي ذُكر أنَّ (له فورة شديدة يستقتل الناس قتل الجاهلية)، لأنّ القحطاني رجل صالح، قال ابن حجر: أخرج (أي نعيم بن حماد في كتاب الفتن) بإسناد جيد من حديث بن عباس قال فيه: ورجلٌ من قحطان كلّهم صالح.
وهكذا إمَّا أن يكون ظهور القحطاني قبل السفياني وبالتالي لا أثر لمنصور اليماني، أو يكون ظهور القحطاني في آخر الزمان، وبالتالي يكون القحطاني الذي ذكره المناوي عن البسطامي ليس هو القحطاني المقصود في الحديث، وبذلك يجمع بين هذه الآثار بافتراض صحّتها، والله تعالى أعلم.
الموضوع التالي (النهاية وبداية جديدة)
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه}(متفق عليه) قال الحافظ ابن حجر: قوله (يسوق الناس بعصاه) هو كناية عن الملْك؛ شبّهه بالراعي وشبّه الناس بالغنم ونكتة التشبيه التصرّف الذي يملكه الراعي في الغنم، وهذا الحديث يدخل في علامات النبوّة من جملة ما أخبر به صلى الله عليه وسلم قبل وقوعه ولم يقع بعد وقد روى نعيم بن حماد في الفتن من طريق أرطاة بن المنذر أحد التابعين من أهل الشام أنّ القحطاني يخرج بعد المهدي ويسير على سيرة المهدي وأخرج أيضًا من طريق عبد الرحمن بن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جدّه مرفوعا: {يكون بعد المهدي القحطاني، والذي بعثني بالحقّ ما هو دونه} وهذا الثاني مع كونه مرفوعًا ضعيف الإسناد والأوّل مع كونه موقوفًا أصلح إسنادًا منه فإن ثبت ذلك فهو في زمن عيسى بن مريم لما تقدّم أنّ عيسى عليه السلام إذا نزل يجد المهدي إمام المسلمين، وفي رواية أرطاة بن المنذر أنّ القحطاني يعيش في الملك عشرين سنة واستشكل ذلك كيف يكون في زمن عيسى يسوق الناس بعصاه والأمر إنّما هو لعيسى! ويُجاب بجواز أن يقيمه عيسى نائباً عنه في أمور مهمّة عامّة.
وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان هذا الأمر في حمير فنزعه الله منهم وصيّره في قريش وسيعود إليهم. وسنده جَيّد وهو شاهد قويّ لحديث القحطاني فإنّ حمير يرجع نسبها إلى قحطان ...
وهذا يؤيد الأثر السابق بأنّ القحطاني يكون بعد المهدي، ولكن لا يلزم أن يكون في زمن عيسى، قال ابن حجر: وجدت في كتاب التيجان لابن هشام ما يُعرف منه إن ثبت اسم القحطاني وسيرته وزمانه فذكر أنَّ عمران بن عامر كان ملِكًا متوَّجًا وكان كاهنًا معمّرًا وأنّه قال لأخيه عمرو بن عامر المعروف بمزيقيا لما حضرته الوفاة: إنّ بلادكم ستخرب وإنَّ لله في أهل اليمن سخطتين ورحمتين؛ فالسخطة الأولى هدم سدّ مأرب وتخرب البلاد بسببه، والثانية غلبة الحبشة على أرض اليمن، والرحمة الأولى بعثة نبي من تهامة اسمه محمّد يُرسَل بالرحمة ويغلب أهل الشرك، والثانية إذا خرب بيت الله يبعث الله رجلاً يقال له شعيب بن صالح فيهلك من خربه ويخرجهم حتى لا يكون بالدنيا إيمان إلاّ بأرض اليمن انتهى.
ثم ذكر أنّه ذكر في (باب الحجّ) أنّ البيت يُحج بعد خروج يأجوج ومأجوج وأشار إلى الجمع بينه وبين حديث {لا تقوم الساعة حتى لا يُحج البيت} وأنّ الكعبة يخربها ذو السويقتين من الحبشة، ثم قال: فينتظم من ذلك أنّ الحبشة إذا خربت البيت خرج عليهم القحطاني فأهلكهم وأنّ المؤمنين قبل ذلك يحجّون في زمن عيسى بعد خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم وأنّ الريح التي تقبض أرواح المؤمنين تبدأ بمن بقي بعد عيسى ويتأخّر أهل اليمن بعدها ويمكن أن يكون هذا مما يفسّر به قوله {الإيمان يمان} أي يتأخّر الإيمان بها بعد فقده من جميع الأرض، وقد أخرج مسلم حديث القحطاني عقب حديث تخريب الكعبة ذو السويقتين فلعلّه رمز إلى هذا. ثم ذكر ابن حجر أنَّ البخاري أورد الحديث في باب تغيير الزمان حتى تعبد الأوثان، قال: وفي ذلك إشارة إلى أنّ ملك القحطاني يقع في آخر الزمان عند قبض أهل الإيمان ورجوع كثير ممن يبقي بعدهم إلى عبادة الأوثان وهم المعبّر عنهم بشرار الناس الذين تقوم عليهم الساعة.
قلت: لعلّ القحطاني يملك بعد موت عيسى صلى الله عليه وسلم، ولعلّه هو الذي يوصي بالخلافة له من بعده، فيمكث عشرين عامًا يكون فيها طلوع الشمس من مغربها والدابة والدخان، ثم انبعاث الريح الطيبة الناعمة من اليمن.
وربما ينطلق ذو السويقتين قبل انطلاق الريح، فيدرك المؤمنون قصده فيريدون صدّه أو يرسل القحطاني له جيشًا ولكن تدركهم الريح فتقبض أرواحهم، فيصل ذو السويقتين إلى الكعبة وينقضها حجرًا حجرا، فيصل الخبر إلى القحطاني فيرسل إليهم جيشًا أو ينطلق هو على رأس جيشٍ فيدمّرهم تدميرًا ويتمّ انتقام الله تعالى على من خرّب بيته، ثم تدركهم الريح بعد ذلك فتقبض أرواحهم، ويبقى شرار الناس وعليهم تقوم الساعة.
وأورد المناوي في فيض القدير أنَّ البسطامي قال: قبل نزول عيسى يخرج من بلاد الجزيرة رجل يقال له الأصهب ويخرج عليه من الشام رجل يقال له جرهم ثم يخرج القحطاني رجل بأرض اليمن فبينما هؤلاء الثلاثة إذا هم بالسفياني وقد خرج من غوطة دمشق . . .
ولكن لا يصحّ أن يكون القحطاني المقصود في الحديث هو منصور اليماني الذي ذُكر أنَّ (له فورة شديدة يستقتل الناس قتل الجاهلية)، لأنّ القحطاني رجل صالح، قال ابن حجر: أخرج (أي نعيم بن حماد في كتاب الفتن) بإسناد جيد من حديث بن عباس قال فيه: ورجلٌ من قحطان كلّهم صالح.
وهكذا إمَّا أن يكون ظهور القحطاني قبل السفياني وبالتالي لا أثر لمنصور اليماني، أو يكون ظهور القحطاني في آخر الزمان، وبالتالي يكون القحطاني الذي ذكره المناوي عن البسطامي ليس هو القحطاني المقصود في الحديث، وبذلك يجمع بين هذه الآثار بافتراض صحّتها، والله تعالى أعلم.
الموضوع التالي (النهاية وبداية جديدة)

:24: النهاية وبداية جديدة
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {تُبعَث نارٌ تسوق الناس من مشارق الأرض إلى مغاربها كما يُساق الجمل الكسير، لها ما يتخلف منهم، إذا قالوا قالت وإذا باتوا باتت}(قال الحاكم والذهبي: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم) ثم يكون النفخ في الصور، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ما بين النفختين أربعون، ثمّ يُنزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل قال وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة}(متفق عليه).
} بَلِ الله فاعبد وكن من الشاكرين، وما قدَروا الله حقَّ قَدْرِه والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسموات مطويَّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمَّا يشركون، ونُفِخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلاَّ من شاء الله ثمَّ نُفِخ فيه أخرَى فإذا هم قيامٌ ينظرون، وأشرقت الأرض بنور ربِّها ووُضِع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقُضِيَ بينهم بالحقِّ وهُم لا يُظلَمُون، ووُفِّيت كلُّ نفسٍ ما عملت وهو أعلم بما يفعلون، وسِيق الذين كفَروا إلى جهنَّم زمرًا حتى إذا جاؤُوها فُتِحَت أبوابها وقال لهم خزَنتها ألَم يأتكم رسلٌ منكم يتلُون عليكم آيات ربِّكم وينذِرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا بلى ولكن حقَّت كلمة العذاب على الكافرين، قيل ادخلوا أبواب جهنَّم خالدِين فيها فبئس مثوَى المتكَبِّرين، وسِيق الذين اتَّقوا ربَّهم إلى الجنَّة زمرًا حتى إذا جاؤُوها وفُتِحت أبوابها وقال لهم خزَنتها سلامٌ عليكم طِبْتم فادخلوها خالدين، وقالوا الحمد لله الذي صدَقَنا وعْده وأورَثنا الأرض نتبوَّأ من الجنَّة حيث نشاء فنِعْم أجر العاملين، وترَى الملائكة حافِّين من حول العرش يسبِّحون بحمد ربِّهم وقُضِيَ بينهم بالحقِّ وقيل الحمد لله ربِّ العالمين {(66-75 الزمر).
الموضوع التالي (القصّة الكبرى)
قال النبي صلى الله عليه وسلم: {تُبعَث نارٌ تسوق الناس من مشارق الأرض إلى مغاربها كما يُساق الجمل الكسير، لها ما يتخلف منهم، إذا قالوا قالت وإذا باتوا باتت}(قال الحاكم والذهبي: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم) ثم يكون النفخ في الصور، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ما بين النفختين أربعون، ثمّ يُنزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل قال وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة}(متفق عليه).
} بَلِ الله فاعبد وكن من الشاكرين، وما قدَروا الله حقَّ قَدْرِه والأرض جميعًا قبضته يوم القيامة والسموات مطويَّاتٌ بيمينه سبحانه وتعالى عمَّا يشركون، ونُفِخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلاَّ من شاء الله ثمَّ نُفِخ فيه أخرَى فإذا هم قيامٌ ينظرون، وأشرقت الأرض بنور ربِّها ووُضِع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقُضِيَ بينهم بالحقِّ وهُم لا يُظلَمُون، ووُفِّيت كلُّ نفسٍ ما عملت وهو أعلم بما يفعلون، وسِيق الذين كفَروا إلى جهنَّم زمرًا حتى إذا جاؤُوها فُتِحَت أبوابها وقال لهم خزَنتها ألَم يأتكم رسلٌ منكم يتلُون عليكم آيات ربِّكم وينذِرونكم لقاء يومكم هذا؟ قالوا بلى ولكن حقَّت كلمة العذاب على الكافرين، قيل ادخلوا أبواب جهنَّم خالدِين فيها فبئس مثوَى المتكَبِّرين، وسِيق الذين اتَّقوا ربَّهم إلى الجنَّة زمرًا حتى إذا جاؤُوها وفُتِحت أبوابها وقال لهم خزَنتها سلامٌ عليكم طِبْتم فادخلوها خالدين، وقالوا الحمد لله الذي صدَقَنا وعْده وأورَثنا الأرض نتبوَّأ من الجنَّة حيث نشاء فنِعْم أجر العاملين، وترَى الملائكة حافِّين من حول العرش يسبِّحون بحمد ربِّهم وقُضِيَ بينهم بالحقِّ وقيل الحمد لله ربِّ العالمين {(66-75 الزمر).
الموضوع التالي (القصّة الكبرى)

القصّة الكبرى
بسم الله وبحمده
} كلُّ نفسٍ ذائقة الموت {
ولا أحد يضمن لنفسه في الدنيا لحظة
فأنت قد تموت الآن في هذه اللحظة
عندها تبدأ رحلتك الكُبرَى إلى دار القرار في جنَّةٍ أو نار
لِتحصد نتائج أفعالك في دنياك
ففي اللحظات الأولى من هذه القصَّة
واللحظات الأخيرة من الدنيا
يرَى الإنسان ما يُسعده أو يُرعبه
بحسب غَلَبَة حسناته وذنوبه
ثمَّ تخرج الروح ويبدأ التكريم أو التعذيب
ويتمُّ الاختبار الأخير في البرزخ
ثمَّ يكون روضةً من رياض الجنَّة مدَّ البصر
فينام صاحبه سعيدًا منعَّما
أو يكون حفرةً من النيران إلى يوم القيامة
وفي ذلك البرزخ بين الدنيا والآخرة
يُعذَّب الذي يمشي بالنميمة والذي لا يستتر من بوله
فكيف بالذين لا يصلُّون الفجر في وقتها قبل طلوع الشمس؟
وكيف بأصحاب الهوائيات والأطباق التلفزيونية؟
وكيف بهاتكات الحجاب؟
وكيف بالمتكبِّرين؟
الذين إذا جاءهم الحقّ رفضوه بلا سببٍ مقبولٍ شرعا
ويوم القيامة يوم يقوم الناس لربِّ العالمين
شاخصةً أبصارهم، ذاهلةً عقولهم، فَزِعِين خائفين
إلاَّ عباد الله المؤمنين المتَّقين الصالِحين
} ألا إنَّ أولياء الله لا خوفٌ عليهِم ولا هم يحزنون،
الذين آمَنوا وكانوا يتَّقون {
ويوم القيامة خمسون ألف سنة تمرُّ على الناس بقدْر أعمالهم
حتَّى تكون على عباد الله المتَّقين كساعةٍ من نهار
وفي ذلك اليوم العظيم والهول الجسيم
يوم البعث والحساب والجزاء، يوم القارعة والطامَّة الكُبرَى
يقف الناس حفاةً عراةً تحت شمسٍ قريبةٍ شديدة
والعرق يحيط بهم على قدْر تقصيرهم
حتَّى يصل إلى رقابهم وأنوفهم
ويصيبهم من الغمِّ والكرب الشديد
ما لا يطيقون وما لا يحتمِلون
إلاَّ عباد الله المتَّقين الذين استحقُّوا كَرَمَ ربِّهم U ورحمته
فيُلبسهم الملابس الجميلة، ويُجلِسهم المجالِس الكريمة
تحتَ ظِلِّ عرشه
ويسقيهم شَرْبةً من حوض نبيّه e لا عَطَشَ بعدها أبدا
فاحرص أنْ تكون منهم وأنْ تُحِبّهم وتجالسهم
وفي تلك السنين الطويلة الشديدة
وذلك الكرب العظيم يوم الحسرة والندامة
يُعذَّب تارك الزكاة بكلِّ أمواله
في يومٍ كان مقداره 50000 سنة
وللمسبلين من الرجال يكون ما أسفل الكعبين في النار
في يومٍ كان مقداره 50000 سنة
ويتعلَّق الأبناء بآبائهم الذين ضيَّعوهم
فأهملوا تربيتهم ونُصحهم وتوجيههم
فيا للكرب الشديد
} قل هل ننبِّئكم بالأخسرين أعمالا؟
الذين ضَلَّ سعيهم في الحياة الدنيا
وهم يحسبون أنَّهم يُحسنون صنعا {
ويُعطَى آكل الربا سلاحًا لِيحارب الله به فيا لتعاسته وخسارته
ومَن أكَلَ حرامًا مُلئ بطنه نارًا أو جمرًا من الجحيم
{ولا يدخل الجنَّة لحمٌ غذِّي بحرام؛ النار أولى به}
ومِن الحرام ما جاء بطَريقٍ أو سببٍ غير مشروع
بكذبٍ أو تحايلٍ أو غصبٍ أو ظُلمٍ
أو بغير رِضَى صاحبه وطيبة نفسه
{وأكثر الناس شبعًا في الدنيا أطولهم جوعًا يوم القيامة}
يومٌ طوله خمسون ألف سنة
وهكذا وبعد انتظارٍ طويل
تحلُّ الشفاعة ويبدأ الحساب وتتطاير الصحف
وفيها كلُّ كلمةٍ قلتَها وكلُّ فِعلٍ ونِيَّةٍ ورغبةٍ ورهبةٍ وهمٍّ وظنّ
فحاسِب نفسك عليها الآن
قبل أن تُحاسَب عليها في ذلك اليوم الشديد
{ليس أحدٌ يُحاسَب يوم القيامة إلاّ هلَك}
{وليس أحدٌ يُناقَش الحساب يوم القيامة إلاّ عذِّب}
فلا تكُن كالذين قال الله فيهم
} وغرَّتكم الأماني حتَّى جاء أمرُ الله وغرَّكم بالله الغرور {
فمحاسبة النفس واتهامها بالخطأ والتقصير وتقويمها
مِن صفات العقلاء الأتقياء الصالحين
ثمَّ يُسحَب الكفَّار ومِنهم تارك الصلاة وجاحد الزكاة
على وجوههم بالسلاسل إلى الجحيم خالِدين فيها أبدا
ولو قالوا: لا إله إلاَّ الله، ليلاً ونهارا
ويُنصب الصراط فوق جهنَّم وهو جسرٌ دحضٌ مَزَلَّةٌ
أدقُّ من الشعر وأحدُّ من السيف طوله عشرات السنين
يعبُرُ فوقه المؤمنون إلى أرضِ الأعراف بين الجنَّة والنار
تدفعهم حسناتهم وتُثقلهم ذنوبهم
فينطلقون فوقه بقدرِ مسارعتهم إلى الخيرات وفِعْل الواجبات
وبقدرِ ابتعادهم عن الذنوب والشبهات
فأوَّلهم يجتازه كطرف العين أو كلمح البرق
وبعضهم كالريح أو كالطير أو كالخيل أو يجري أو يمشي
أو يزحفُ على بطنه ويسقط ويتعلَّق وتلفحه النار وتخدشه الكلاليب
جزاء تفريطه وتقصيره في حقِّ ربِّه U
وحقِّ نفسه وأهله ورعيَّته
فيا لَه مِن هولٍ عظيم وكَربٍ شديد ومشهدٍ فضيع مخيف
فوق جهنَّم لِسنين طويلة
والناس عنه غافلون متساهلون أو معاندون
} ألا يظنُّ أولَئِك أنَّهم مبعوثون، ليومٍ عظيم،
يوم يقوم الناس لِربِّ العالمين؟ {
ومِنهم من تُسقِطه أعماله في الجحيم، ويا للهول الجسيم!
فأيُّ بؤسٍ وشقاءٍ ينتظر هَؤلاء؟!
فالجحيم شيءٌ فضيع، مخيف، مفْزِع، مرعِب، مهين
لا يمكن تصوُّر لحظةٍ منه ولا بأقصَى درجات العذاب والهوان
والذلّ والبؤس والشقاء والجوع والعطش والألَم والمرض في الدنيا
فكيف بمن سيبقَى فيها أيّامًا وشهورًا وسنينا؟!
طعامهم الزقُّوم وشرابهم عصارة أهل الجحيم
وفضلاتهم وصديدهم
وماؤهم الحميم المغلي بحرارة الجحيم
فيشوي وجوههم قبل شربه ويقطِّعُ أمعاءهم بعد شُربه
وهم مُجبرون على الأكل والشرب لشدَّة جوعهم وعطشهم
فيتعذَّبون به دون أن يخفِّف جوعهم وعطشهم
بل هو يزيدهم جوعًا وعطشًا وألَمًا وعذابا
ثم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال خردلةٍ من إيمان
بعد أن يُعذَّب بذنوبه وتقصيره في حقِّ ربِّه
وحقِّ نفسه وأهله ورعيَّته
ويجتمع المؤمنون في أرضِ الأعراف يتقاصُّون فيها مظالمهم
ويدخل الفقراء الجنَّة قبل الأغنياء بخمسمائة عام
يُحاسَبُ فيها الغنيُّ حتَّى يتمنَّى أنَّه كان فقيرا
فما فائدة أن تكون غنيًّا مترَفًا منعَّمًا في الدنيا
ثم يسبقك الفقير إلى الجنَّة ويتنعَّم فيها 500 عام
قبل أن تدخلها أنت؟!
وأين نعيم الدنيا كلّها أمام لحظةٍ وموضع قدمٍ في الجنَّة؟!
لذلك قال النبي e
{قد أفلح من أسلَم ورُزِقَ كفافًا وقنَّعه الله بما آتاه}
{ويلٌ للمكثرين} {هَلَكَ المكثرون}
{إنَّ المكثرين هم الأرذلون}
{هم الأخسرون} {هم الأسفلون يوم القيامة
إلاَّ من قال بالمال هكذا وهكذا وكسبه من طَيِّب}
يعني أنفقه في كلِّ جانبٍ في الخير
{إيَّاك والتنعُّم فإنَّ عباد الله ليسوا بالمتنعِّمين}
{حلوة الدنيا مرَّة الآخرة، ومرَّة الدنيا حلوة الآخرة}
{من أحبَّ دنياه أضرَّ بآخِرته، ومن أحبَّ آخِرته أضرَّ بدنياه
فآثِروا ما يبقَى على ما يفنَى}
فالجنَّة . . . وما أدراك ما الجنَّة؟!
فيها ما لا يمكن تصوُّره من النعيم العظيم الدائم أبدا
حورٌ وقصورٌ وأشجارٌ وأنهار
ووِلدانٌ خدمٌ مخلَّدون في طُفولَتهم الجميلة
إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤًا منثورًا لشدَّة جمالهم وكثرتهم
} وإذا رأيتَ ثَمَّ رأيتَ نعيمًا ومُلْكًا كبيرا {
في جِنانٍ خَضِرةٍ نضِرةٍ وعيونٍ تجري وأنوارٍ تتلألأ
وجمالٍ عظيم وسعادةٍ خالصة وشبابٍ دائمٍ أبدًا
ولهم فيها ما يشتهون
بلا جوع ولا عطش ولا برد ولا حرّ ولا شمس
ولا خوف ولا هَمّ ولا مرَض ولا ألَم ولا تعب
ولا شيء يكرهونه
في حياةٍ دائمةٍ أبديَّةٍ بلا موت
أدناهم له مثل 10 أمثال الدنيا
وأعلاهم الذين غَرَسَ الله Y كرامتهم بيده وقال
} أعددتُ لعبادي الصالِحين ما لا عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سَمِعَت
ولا خَطَرَ على قلب بشر {
من الكرامة والنعيم في الفردوس الأعلَى من الجنَّة
وبينهما 100 درجة بين كلِّ درجتين كما بين السماء والأرض
ثمَّ {إذا صار أهل الجنَّة إلى الجنَّة وأهلُ النار إلى النار
جيء بالموت حتَّى يُجعَلَ بين الجنَّة والنار ثمَّ يُذبح،
ثمَّ ينادي منادٍ: يا أهل الجنَّة لا موت ويا أهل النار لا موت}
ومِنهم تارك الصلاة وجاحد الزكاة في عذابٍ خالِصٍ أبديّ
} يا أيُّها الإنسان ما غرَّك بربِّك الكريم؟! {
ومِن العجيب بعد هذا العِلْم
أن يحرِصَ أكثرنا على أن يكون رفيعًا في الدنيا الدنيئة
ولا يفوته شيءٌ من نعيمها الزائف وشهواتها ولَهْوِها ولَعِبها
وهو سيموت ويتركها، وقد يموت الآن!!
ثمَّ هو لا يحرص على أن يكون في أعلى درجات الجنَّة
وهي حياةٌ أبديَّةٌ بلا موت ونعيمٌ خالِصٌ بلا حدود!
فكيف ينسَى مصالحه الأبديَّة ويُضحِّي بسعادته وأمنه
في سبيل شهواته وشيطانه وغيره؟!
وكيف ينسَى والموت يطلبه
والقيامة والصراط والجنَّة والجحيم أمامه؟!!
{كن في الدنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل}
{وعُدَّ نفسك في أهل القبور}
من كتاب (حقيقة التقوى وفضائلها وتربيتها في القلوب)
الموضوع التالي (الحور العِين والجِنان والجحيم)
بسم الله وبحمده
} كلُّ نفسٍ ذائقة الموت {
ولا أحد يضمن لنفسه في الدنيا لحظة
فأنت قد تموت الآن في هذه اللحظة
عندها تبدأ رحلتك الكُبرَى إلى دار القرار في جنَّةٍ أو نار
لِتحصد نتائج أفعالك في دنياك
ففي اللحظات الأولى من هذه القصَّة
واللحظات الأخيرة من الدنيا
يرَى الإنسان ما يُسعده أو يُرعبه
بحسب غَلَبَة حسناته وذنوبه
ثمَّ تخرج الروح ويبدأ التكريم أو التعذيب
ويتمُّ الاختبار الأخير في البرزخ
ثمَّ يكون روضةً من رياض الجنَّة مدَّ البصر
فينام صاحبه سعيدًا منعَّما
أو يكون حفرةً من النيران إلى يوم القيامة
وفي ذلك البرزخ بين الدنيا والآخرة
يُعذَّب الذي يمشي بالنميمة والذي لا يستتر من بوله
فكيف بالذين لا يصلُّون الفجر في وقتها قبل طلوع الشمس؟
وكيف بأصحاب الهوائيات والأطباق التلفزيونية؟
وكيف بهاتكات الحجاب؟
وكيف بالمتكبِّرين؟
الذين إذا جاءهم الحقّ رفضوه بلا سببٍ مقبولٍ شرعا
ويوم القيامة يوم يقوم الناس لربِّ العالمين
شاخصةً أبصارهم، ذاهلةً عقولهم، فَزِعِين خائفين
إلاَّ عباد الله المؤمنين المتَّقين الصالِحين
} ألا إنَّ أولياء الله لا خوفٌ عليهِم ولا هم يحزنون،
الذين آمَنوا وكانوا يتَّقون {
ويوم القيامة خمسون ألف سنة تمرُّ على الناس بقدْر أعمالهم
حتَّى تكون على عباد الله المتَّقين كساعةٍ من نهار
وفي ذلك اليوم العظيم والهول الجسيم
يوم البعث والحساب والجزاء، يوم القارعة والطامَّة الكُبرَى
يقف الناس حفاةً عراةً تحت شمسٍ قريبةٍ شديدة
والعرق يحيط بهم على قدْر تقصيرهم
حتَّى يصل إلى رقابهم وأنوفهم
ويصيبهم من الغمِّ والكرب الشديد
ما لا يطيقون وما لا يحتمِلون
إلاَّ عباد الله المتَّقين الذين استحقُّوا كَرَمَ ربِّهم U ورحمته
فيُلبسهم الملابس الجميلة، ويُجلِسهم المجالِس الكريمة
تحتَ ظِلِّ عرشه
ويسقيهم شَرْبةً من حوض نبيّه e لا عَطَشَ بعدها أبدا
فاحرص أنْ تكون منهم وأنْ تُحِبّهم وتجالسهم
وفي تلك السنين الطويلة الشديدة
وذلك الكرب العظيم يوم الحسرة والندامة
يُعذَّب تارك الزكاة بكلِّ أمواله
في يومٍ كان مقداره 50000 سنة
وللمسبلين من الرجال يكون ما أسفل الكعبين في النار
في يومٍ كان مقداره 50000 سنة
ويتعلَّق الأبناء بآبائهم الذين ضيَّعوهم
فأهملوا تربيتهم ونُصحهم وتوجيههم
فيا للكرب الشديد
} قل هل ننبِّئكم بالأخسرين أعمالا؟
الذين ضَلَّ سعيهم في الحياة الدنيا
وهم يحسبون أنَّهم يُحسنون صنعا {
ويُعطَى آكل الربا سلاحًا لِيحارب الله به فيا لتعاسته وخسارته
ومَن أكَلَ حرامًا مُلئ بطنه نارًا أو جمرًا من الجحيم
{ولا يدخل الجنَّة لحمٌ غذِّي بحرام؛ النار أولى به}
ومِن الحرام ما جاء بطَريقٍ أو سببٍ غير مشروع
بكذبٍ أو تحايلٍ أو غصبٍ أو ظُلمٍ
أو بغير رِضَى صاحبه وطيبة نفسه
{وأكثر الناس شبعًا في الدنيا أطولهم جوعًا يوم القيامة}
يومٌ طوله خمسون ألف سنة
وهكذا وبعد انتظارٍ طويل
تحلُّ الشفاعة ويبدأ الحساب وتتطاير الصحف
وفيها كلُّ كلمةٍ قلتَها وكلُّ فِعلٍ ونِيَّةٍ ورغبةٍ ورهبةٍ وهمٍّ وظنّ
فحاسِب نفسك عليها الآن
قبل أن تُحاسَب عليها في ذلك اليوم الشديد
{ليس أحدٌ يُحاسَب يوم القيامة إلاّ هلَك}
{وليس أحدٌ يُناقَش الحساب يوم القيامة إلاّ عذِّب}
فلا تكُن كالذين قال الله فيهم
} وغرَّتكم الأماني حتَّى جاء أمرُ الله وغرَّكم بالله الغرور {
فمحاسبة النفس واتهامها بالخطأ والتقصير وتقويمها
مِن صفات العقلاء الأتقياء الصالحين
ثمَّ يُسحَب الكفَّار ومِنهم تارك الصلاة وجاحد الزكاة
على وجوههم بالسلاسل إلى الجحيم خالِدين فيها أبدا
ولو قالوا: لا إله إلاَّ الله، ليلاً ونهارا
ويُنصب الصراط فوق جهنَّم وهو جسرٌ دحضٌ مَزَلَّةٌ
أدقُّ من الشعر وأحدُّ من السيف طوله عشرات السنين
يعبُرُ فوقه المؤمنون إلى أرضِ الأعراف بين الجنَّة والنار
تدفعهم حسناتهم وتُثقلهم ذنوبهم
فينطلقون فوقه بقدرِ مسارعتهم إلى الخيرات وفِعْل الواجبات
وبقدرِ ابتعادهم عن الذنوب والشبهات
فأوَّلهم يجتازه كطرف العين أو كلمح البرق
وبعضهم كالريح أو كالطير أو كالخيل أو يجري أو يمشي
أو يزحفُ على بطنه ويسقط ويتعلَّق وتلفحه النار وتخدشه الكلاليب
جزاء تفريطه وتقصيره في حقِّ ربِّه U
وحقِّ نفسه وأهله ورعيَّته
فيا لَه مِن هولٍ عظيم وكَربٍ شديد ومشهدٍ فضيع مخيف
فوق جهنَّم لِسنين طويلة
والناس عنه غافلون متساهلون أو معاندون
} ألا يظنُّ أولَئِك أنَّهم مبعوثون، ليومٍ عظيم،
يوم يقوم الناس لِربِّ العالمين؟ {
ومِنهم من تُسقِطه أعماله في الجحيم، ويا للهول الجسيم!
فأيُّ بؤسٍ وشقاءٍ ينتظر هَؤلاء؟!
فالجحيم شيءٌ فضيع، مخيف، مفْزِع، مرعِب، مهين
لا يمكن تصوُّر لحظةٍ منه ولا بأقصَى درجات العذاب والهوان
والذلّ والبؤس والشقاء والجوع والعطش والألَم والمرض في الدنيا
فكيف بمن سيبقَى فيها أيّامًا وشهورًا وسنينا؟!
طعامهم الزقُّوم وشرابهم عصارة أهل الجحيم
وفضلاتهم وصديدهم
وماؤهم الحميم المغلي بحرارة الجحيم
فيشوي وجوههم قبل شربه ويقطِّعُ أمعاءهم بعد شُربه
وهم مُجبرون على الأكل والشرب لشدَّة جوعهم وعطشهم
فيتعذَّبون به دون أن يخفِّف جوعهم وعطشهم
بل هو يزيدهم جوعًا وعطشًا وألَمًا وعذابا
ثم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال خردلةٍ من إيمان
بعد أن يُعذَّب بذنوبه وتقصيره في حقِّ ربِّه
وحقِّ نفسه وأهله ورعيَّته
ويجتمع المؤمنون في أرضِ الأعراف يتقاصُّون فيها مظالمهم
ويدخل الفقراء الجنَّة قبل الأغنياء بخمسمائة عام
يُحاسَبُ فيها الغنيُّ حتَّى يتمنَّى أنَّه كان فقيرا
فما فائدة أن تكون غنيًّا مترَفًا منعَّمًا في الدنيا
ثم يسبقك الفقير إلى الجنَّة ويتنعَّم فيها 500 عام
قبل أن تدخلها أنت؟!
وأين نعيم الدنيا كلّها أمام لحظةٍ وموضع قدمٍ في الجنَّة؟!
لذلك قال النبي e
{قد أفلح من أسلَم ورُزِقَ كفافًا وقنَّعه الله بما آتاه}
{ويلٌ للمكثرين} {هَلَكَ المكثرون}
{إنَّ المكثرين هم الأرذلون}
{هم الأخسرون} {هم الأسفلون يوم القيامة
إلاَّ من قال بالمال هكذا وهكذا وكسبه من طَيِّب}
يعني أنفقه في كلِّ جانبٍ في الخير
{إيَّاك والتنعُّم فإنَّ عباد الله ليسوا بالمتنعِّمين}
{حلوة الدنيا مرَّة الآخرة، ومرَّة الدنيا حلوة الآخرة}
{من أحبَّ دنياه أضرَّ بآخِرته، ومن أحبَّ آخِرته أضرَّ بدنياه
فآثِروا ما يبقَى على ما يفنَى}
فالجنَّة . . . وما أدراك ما الجنَّة؟!
فيها ما لا يمكن تصوُّره من النعيم العظيم الدائم أبدا
حورٌ وقصورٌ وأشجارٌ وأنهار
ووِلدانٌ خدمٌ مخلَّدون في طُفولَتهم الجميلة
إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤًا منثورًا لشدَّة جمالهم وكثرتهم
} وإذا رأيتَ ثَمَّ رأيتَ نعيمًا ومُلْكًا كبيرا {
في جِنانٍ خَضِرةٍ نضِرةٍ وعيونٍ تجري وأنوارٍ تتلألأ
وجمالٍ عظيم وسعادةٍ خالصة وشبابٍ دائمٍ أبدًا
ولهم فيها ما يشتهون
بلا جوع ولا عطش ولا برد ولا حرّ ولا شمس
ولا خوف ولا هَمّ ولا مرَض ولا ألَم ولا تعب
ولا شيء يكرهونه
في حياةٍ دائمةٍ أبديَّةٍ بلا موت
أدناهم له مثل 10 أمثال الدنيا
وأعلاهم الذين غَرَسَ الله Y كرامتهم بيده وقال
} أعددتُ لعبادي الصالِحين ما لا عينٌ رأت ولا أُذُنٌ سَمِعَت
ولا خَطَرَ على قلب بشر {
من الكرامة والنعيم في الفردوس الأعلَى من الجنَّة
وبينهما 100 درجة بين كلِّ درجتين كما بين السماء والأرض
ثمَّ {إذا صار أهل الجنَّة إلى الجنَّة وأهلُ النار إلى النار
جيء بالموت حتَّى يُجعَلَ بين الجنَّة والنار ثمَّ يُذبح،
ثمَّ ينادي منادٍ: يا أهل الجنَّة لا موت ويا أهل النار لا موت}
ومِنهم تارك الصلاة وجاحد الزكاة في عذابٍ خالِصٍ أبديّ
} يا أيُّها الإنسان ما غرَّك بربِّك الكريم؟! {
ومِن العجيب بعد هذا العِلْم
أن يحرِصَ أكثرنا على أن يكون رفيعًا في الدنيا الدنيئة
ولا يفوته شيءٌ من نعيمها الزائف وشهواتها ولَهْوِها ولَعِبها
وهو سيموت ويتركها، وقد يموت الآن!!
ثمَّ هو لا يحرص على أن يكون في أعلى درجات الجنَّة
وهي حياةٌ أبديَّةٌ بلا موت ونعيمٌ خالِصٌ بلا حدود!
فكيف ينسَى مصالحه الأبديَّة ويُضحِّي بسعادته وأمنه
في سبيل شهواته وشيطانه وغيره؟!
وكيف ينسَى والموت يطلبه
والقيامة والصراط والجنَّة والجحيم أمامه؟!!
{كن في الدنيا كأنَّك غريب أو عابر سبيل}
{وعُدَّ نفسك في أهل القبور}
من كتاب (حقيقة التقوى وفضائلها وتربيتها في القلوب)
الموضوع التالي (الحور العِين والجِنان والجحيم)
الصفحة الأخيرة
قال الله تعالى: } فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين، يغشى الناس هذا عذاب أليم {(الدخان) قال ابن كثير في تفسيره: عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنّ ربّكم أنذركم ثلاثًا؛ الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ويأخذ الكافر فينفخ حتى يخرج من كلّ مسمعٍ منه، والثانية الدابة والثالثة الدجال} ورواه الطبراني عن هاشم بن مرثد عن محمد بن إسماعيل بن عياش به وهذا إسناد جيد. . . إلى أن قال: مما فيه مقنع ودلالة ظاهرة على أنَّ الدخان من الآيات المنتظرة مع أنَّه ظاهر القرآن، قال الله تبارك وتعالى: } فارتقب يوم تأتي السماء بدخانٍ مبين { أي بيِّن واضح يراه كلّ أحد، وعلى ما فسّر به ابن مسعود رضي الله عنه إنما هو خيال رأوه (يعني قريش) في أعينهم من شدّة الجوع والجهد وهكذا قوله تعالى: يغشى الناس؛ أي يتغشَّاهم ويعميهم، ولو كان أمرًا خيالياًّ يخصّ أهل مكَّة المشركين لَما قيل فيه يغشى الناس.
وهو بذلك يردّ على من قال إنّ المقصود بالدخان ما حدث لقريش حين أصابهم الجوع الشديد.
وقد تقدّم الحديث {إنَّ الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات...} وذكر منها الدخان، راجع الحديث في (الفتنة الرابعة).
ثمَّ يبعث الله الريح؛ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: {إنَّ الله يبعث ريحًا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدًا في قلبه مثقال ذرَّةٍ من إيمان إلاَّ قبضته}(صحيح مسلم) فلا يبقى إلاّ كافر، وعليهم تقوم الساعة، وهذه الريح هي خاتمة أمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم.
الموضوع التالي (خاتمة وتنبيه شديد الأهمية)