

أمن يجيب المضطر
محمد العريفي
الحمدلله رب العالمين وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء المرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم
أحببت أن أتكلم حول عبادة تكثر في هذا الشهر الكريم سواء في صلاة التراويح في القنوط والدعاء أو تكثر أحيانا ما بين
الأذان والإقامة وربما يقوم الناس متسحرين في آخر الليل ويكون لديهم دقائق أو لحظات قبيل الفجر فيشتغلون بهذه
العبادة التي هي الدعاء فـ لي أيها الإخوة والأخوات أربعة مسائل لعلي أسوقها باختصار.
المسألة الأولى:
أن الدعاء عبادة عظيمة كبقية العبادات ، كما أن الإنسان يحرص على صلاة الضحى، يحرص على صلاة الليل
يحرص على قراءة القرآن الكريم كذلك الدعاء عبادة يتعبد المرء بها لله سبحانه وتعالى، و الله سبحانه وتعالى يحب عباده الملحين بالدعاء وكلما صار العبد أكثر تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى بهذه العبادة صار يشعر نفسه أنه عبد مملوك للحي القيوم جل جلاله وصار يشعر فعلاً أنه كما قال فامدد يديك بحبل الله متصلاً فإنه الركن أرخى (...) أركاني ، أنت كلما رفعت يديك إلى الله داعيا صار الله تعالى إليك أقرب وصرت أنت أيضا إليه أقرب.
ذكروا أن سليمان عليه السلام خرج مرة مع جموع من الإنس والجن والوحوش لأجل الاستسقاء وكانوا قد توقف عنهم المطر، في أثناء الطريق رأى سليمان عليه السلام في وسط الطريق نملة رافعة قوائمها إلى السماء وتقول اللهم لا تعذبنا بذنوب خلقك، رآها تدعوا الله تعالى فالتفت إلى قومه وقال: ارجعوا لقد سقيتم بدعوة غيركم، ثم رجعوا وفعلا نزل عليهم المطر، كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم أول ما يفكرون إذا نزلت بهم الشدائد في الدعاء ، ألم ترى إلى ذاك الصحابي الذي أقبل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر أقبل الرجل ووقف عند الباب فإذا المسجد مليء بالناس لم ينظر إلى الناس ولم يلتفت إليهم لأمرٍ أهمه وأشغله، أخذ هذا الرجل ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو يهز أعواد منبره ويخطب الناس بدأ يصرخ الرجل، قال: يا رسول الله يا رسول الله ، التفت النبي صلى الله عليه وسلم إليه والتفت الناس، ماذا به يصرخ بالمسجد ، ما هذا الأمر المهم جدا الذي يجعل هذا الرجل يقطع الخطبة لأجله ولا يزال يصرخ حتى أجابه النبي صلى الله عليه وسلم وترك بقية الخطبة، قال ما بالك؟ قال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل وجاع العيال، ماذا نفعل؟ قال: فادعوا الله يغيثنا، إذا كانت القلوب أصلا معلقة بالدعاء كانت القلوب متصلة بهذا الدعاء ويرون أنه مفتاح المغاليق، كلما أغلق عليهم شيء أول ما يفكرون بفتحه في الدعاء مع بدر الأسباب الدنيوية، قال أنس فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه قال: فنظرت إلى السماء فإذا السماء والله كمثل الزجاجة و والله ما في السماء من سحاب ولا من قزعة ، السحاب هو الغيم الكثير المجتمع والقزع هو الغيم الأسود المتفرق ، يقول أنس يعني ما في أمل يطب علينا مطر، السماء كمثل الزجاجة ، الشمس ونحن في القايلة ، يقول: فما هو والله إلا أن رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه حتى اجتمع السحاب ولم يكن تم وحتى صار السحاب كأمثال الجبال، يقول والله كأنها جبال تنتشر فوقنا حتى ثار السحاب كأمثال الجبال، قال: فما خفض النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلا والمطر يتساقط من يديه أو قال من لحيته ، فاستمر عليهم المطر أسبوعاً كاملاً، يقول حتى كان الناس يخوضون في الماء، قال فلما كانت الجمعة التي بعدها أقبل الرجل وقف عند الباب، قطع الخطبة كما فعل المرة الأولى يا رسول الله هلكت الأموال انقطعت السبل ، المرة الأولى هلكت الأموال جوعاً وظمأً وانقطعت السبل لأن مافي مياه في وسط الطريق يستقون منها أثناء سفرهم ، فتوقفوا عن الأسفار، هذه المرة هلكت الأموال غرقاً وانقطعت السبل من كثرة الوديان التي سالت، قال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعوا الله يمسكها عنا ، نحن مالنا قوة ولا لنا تحكم إلا بما يشاء الله، ﴿ وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ﴾
قال أنس: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ، قال: " اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآثام والضراب وبطون الأودية" ، قال وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى السحاب فـ والله ما يشير إلى ناقية إلا تقشعت ، قال حتى صارت المدينة في مثل الجوبة ، صارت المدينة في مثل الجزيرة التي حولها المياه.
إذا يا أيها الإخوة والأخوات ، هذا الدعاء هو أصلا عبادة يتعبد المرء بها لله سبحانه وتعالى، سواء كنت تحتاج إلى الدعاء أو لا تحتاج إلى الدعاء ، اشتغل بالدعاء.
نحن مشكلتنا أننا أحيانا لا نفكر بالدعاء إلا إذا وقعنا في كرب،متى يرفع الإنسان يديه؟ ومتى يدعو في سجوده؟ ومتى إذا دعى الإمام قال آمين من قلبه؟ إذا كان واقعاً في كربة، إذا كان مثلا لديه ولد وتعرض لحادث سيارة وأُخذ للمستشفى وكان في غيبوبة، تجد أنه يدعو الله وهو فعلا مقبل بقلبه عليه، أو مثلا لو أن عليه دين، واتصل به صاحب الدين وهو داخل ٌ إلى المسجد، قال له إذا لم تسدد لي الدين غداً سيكون لقاءنا في الحقوق المدنية أو سيكون لقاءنا الأسبوع القادم في المحكمة، ،تجده يرفع يديه ويدعو وهو مقبل فعلاً.
أو مثلا إذا كان وهو خارج من بيته وقالت له زوجته أن الـ 10 آلاف التي أعطيتني إياها لا أعلم من أخذها وسأبحث عنها إلى أن تأتي، فتجده يرفع يديه وهو صادق يالله يا ربي يا من لا تخفى عليه خافية ، اللهم يسر لها أن تجدها ، أو مثلا لو أصيب بمرض وإن ذهب إلى المستشفى وأجريتا له التحاليل ووعدوه أن نتيجة التحاليل ستظهر بعد أربعة أو خمسة أيام، تجد ه يدعو الله.
شخص جسمه قوي والحمد لله ليس عليه دين، سيارته تمشي كما يشاء، أولاده طائعين، وزوجته معه على الحال الذي يكون عليه ليس لديه أية مشكلة فنحن إذا كانت أمورنا جيدة، تجد أننا في أحيان كثيرة ، إما نغفل عن الدعاء أو ندعو على سبيل التجربة أو النطق المجرد ، مثلا شخص يقول بين الأذان والإقامة اللهم اغفر لي وارحمني ، فقطع الدعاء ما أن أقاموا الصلاة وقام يصلي دون أن يكون هناك إقبال حقيقي في قلبه ورغبة حقيقية في استجابة هذا الدعاء.
كان النبي صلى الله عليه وسلم أيها الإخوة الكرام يدعو الله تعالى بأدعية حتى لو أنه لم يكن بحاجة لها ، صحيح أنه كان يدعو على قريش يقول" اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف" ي وكان يدعو الله تعالى أن يشفي أصحابه المرضى، ويدعوا الله تعالى على الأحزاب لما تجمعوا،و دعا الله تعالى في معركة بدر، وصحيح أنه كان يدعو في كربات لكن حتى في غير الكربة كان يدعو أيضاً، بماذا يدعو؟ يقول اشفي مرضي؟ أنا الحمدلله بخير. اقضي ديني؟ الحمدله ليست علي ديون. أصلح لي زوجتي؟ الحمدلله زوجته صالحة. انصر أصحابي؟ هم منتصرون، إذاً ماهو الدعاء الذي يدعو به؟ لا يدعوا بكشف كربة ، بل يدعو بحفظ نعمة ، يا رب لا تأخذ منا هذه النعمة.
بدلاٍ من أن أدعو الله وأقول اكشف مرضي، أدعو الله وأقول يا رب احفظ صحتي بما أنها موجودة.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو اللهم إن أعوذ بك من زوال نعمتك ، وفجاءة نقمتك. شخص تأتيه نقمةً فجأة ، تكون غضب من الله أو مصيبة أو بلاء ، مثلاً خرج ابنه ليحضر خبزاً وهو بعافية وصدمته سيارة وبقي مشلولاً شللاً رباعياً طوال حياته، هذه نقمة أو ي مصيبة جاءت عليه_ بصرف النظر هل هذه مصيبة عقوبة أم لا_ لكن بمجرد أن تأتيه تكون مصيبة.
اللهم أني أعوذ بك من زوال نعمتك وفجاءة نقمتك وتحول عافيتك، العافية التي أعطيتني إياها في بدني، في رزقي، في سمعت، الحمد لله أنني بعافية لم تفضحني ولا أوقعت علي مصيبة تفضحني أنا وبناتي ولا أبنائي ، ولا وحدة من بناتي قبض عليها في هيئة، ولا واحد من أبنائي ابتلي بمخدرات أو بلاء ، أعوذ بك ربي ، هذه العافية التي أعيش بها لا أريدك يا ربي أن تنزعها مني وتعطيها غيري ، اتركها يا ربي عندي ، أعوذ بك من زوال نعمتك وفجاءة نقمتك وتحول عافيتك وجميع سخطك، أرأيت كيف أن هذا الدعاء جميل؟ ، وجميع سخطك، أهم شيء هو أن يبقى هذا القلب متصلاً بالله سبحانه وتعالى وأهم شيء أيضا أن الله تعالى كلما نظر إلى عباده الضعفاء المساكين يجدك من بينهم رافعاً يديك، لا أن تكون مثل الشخص الذي يكون عند ملك من الملوك يتقرب إليه ويتبادل الحديث معه، ويخدمه فإذا أعجب به الملك وكان راتبه مثلا 3 آلاف ريال وهو دائما عند هذا الملك ، يتلطف معه بالعبارة وينظر إلى ما يريده ويقدمه له وإذا فيي يوم من الأيام أعجب به هذا الملك وأعطاه شيك بـ 10 ملايين وأعطاه قصر بقيمة 5 ملايين، ثم بعد ذلك لا يراه، يندم هذا الملك يقول والله لو علمنا لما أعطيناه النعم هذه كلها ، كنا سنتركه ذليل عندنا، انتبه أنت تتعامل مع الله بمثل هذا التعامل ، أريدك مهما وسع الله عليك في النعمة يراك ذليلاً بين يديه ، وكل ما زاد عليك النعمة تنطرح أشد انطراح بين يديه، ويراك الله تعالى تبكي مع الباكين ، تدعو مع الداعين ، يراك ضعيفاً مع الضعفاء ، مسكينٌ مع المساكين إذا رآك الله تعالى بهذا الحال أصبحت قريباً منه سبحانه وتعالى متعبداً إليه ، هذه هي النقطة الأولى وهي مهمة يا إخواني، أن الإنسان يعلم أن الدعاء عبادة يتعبد لله تعالى بها سواء كنت تحتاج إلى رفع نقمة أو لا تحتاج إلى ذلك.
المسألة الثانية:
لا ينبغي أن نستعجل بإجابة الدعاء ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: يستجاب لأحدكم مالم يستعجل أو قال مالم يعجل قالوا يا رسول الله كيف يعجل؟ بمعنى أن يقول اغفر لي اغفر لي اغفرلي؟هل هذه هي العجلة؟ كيف يعجل؟ قال يقول العبد دعوت و دعوت ودعوت فلم أرى يُستجاب لي قال: فيترك الدعاء. وبعض الناس على مثل هذا الحال يكون لديه فرضاً ولد مريض أو عليه دين فتجده أول ما يمرض ولده ويُنوم في المستشفى ، أو يصاب بغيبوبة تجده يرفع يديه ، يالله يارب تشفيه ، دعا الأسبوع الأول كاملاً ، فلم يشفى الولد ، دعا الأسبوع الثاني كاملاً فلم يشفى الولد ، يبدأ معدل الدعاء عنده بالنزول ، لماذا؟ لأنه لم يرى أنه يستجاب له فيترك الدعاء ، فيكون قد استعجل. قد يسأل بعضكم لماذا رب العالمين يؤخر الإجابة عن العبد، بما أن رب العالمين قال : ﴿ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ﴾ قال استجب لكم ، مباشرةً لم يقل سوف، بل قال أستجب ، أبناء يعقوب عليه السلام، لما قالوا يا أبانا
﴿ قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ﴾
لم يستغفر لهم على مباشر ، لا بل قال: ﴿ قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ﴾
انظر إلى البشر مع أنه مباشرة قال لما أقوم بالليل سأدعي لكم ، سوف أستغفر لكم ، هل تضمن يا نبي الله أن تعيش إلى الليل، قال سوف أستغفر لكم ربي ، أما الله فـلا .
لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يُسأل يغضب
الله كلما دعوته يزداد لك حباً ، ونحن كلما جاء الإنسان وطلب شيئاٍ ، ازدننا له بغضاً، عندما تطرق الباب على ناس وتطلب منهم شيئاً ربما يعطوك اياها أول يوم ثاني يوم، ثالث يوم لا يفتحون لك الباب أو يقولون ليس موجود.
بني آدم حين يسأل يغضب، أما الله فيختلف جل جلاله لأنه الخالق سبحانه وتعالى، لماذا يؤخر الله تعالى الإجابة مع قوله : ﴿ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ﴾
﴿ولله الأسماء الحسنى ﴾
ماذا نستفيد يارب أنك أخبرتنا أن لك أسماء حسنى؟
﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾
ما الفائدة من أنك تعرف أن الله اسمه الرزاق ، لأجل أن تقول يا رزاق ارزقني ، ما الفائدة أنك تعلم أن الله الشافي لأجل أن تقول يا شافي اشفني يا حليم احلم علي يا غفور اغفر لي يا غني اغنني ، ونحو ذلك.
لذلك التعبد لله تعالى بعبادة خاصة يرفع الله بها العبد درجات ، تدعوه بها
﴿وذروا الذين يلحدون في أسمائه ﴾
﴿قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ﴾
نوح عليه السلام دعا الله بثلاث كلمات: ربي إني مغلوب فانتصر ، فقط ما نتيجتها؟ اهتزت السماء واهتزت الأرض وتغير نظام الكون بثلاث كلمات: إني مغلوب فانتصر.
﴿ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ﴾
﴿وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ﴾
وبدأ الناس يغرقون وأناس يموتون وأناس يركبون مع نوح وتدمرت الدنيا كلها بثلاث كلمات إني مغلوب فانتصر ، فقط!
لوط عليه السلام دعا على قومه ، شعيب عليه السلام دعا على قومه ، أنظر إلى هذا الدعاء كيف أن العبد يهز به أبوب السماء،ويبقى السؤال يطرح نفسه لماذا يؤخر الله أحياناً إجابة الدعاء؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله ليؤخر الإجابة عن العبد لما يسمع من حسن تضرعه""
مثلا شخص عليه دين تجده يقول يا رب يا غني يا غني سبحانك يا من لا تحتاج إلى معين ، يثني يا غني يا كريم أنا عبدك أنا المسكين وأنا الفقير وأنت الغني ، يارب يسر لي قضاء ديّني ،لو أن الله يسر له قضاء دينه مباشرة لأوقف الدعاء ، والله تعالى يريد أن يسمع المناجاة الجميلة فيؤخر الإجابة قليلاً ،يأتي في اليوم التالي يدعو بنفس الدعاء واليوم الذي بعده يدعو بنفس الدعاء ، هذا العبد أحياناً يغضب يقول لم يُستجب لي الله، لم يستجب لك الله لأنه لمصلحتك.
لكن انتبه لفترة هذا الدعاء، تعجلا بذلك يا إخواني موسى عليه السلام لما دعا على فرعون ، لاحظ أن الذي يدعو نبي والذي يؤمن أيضاً نبي ، موسى يدعو وهارون عليه السلام يؤمن وكلهم أنبياء ، والدعاء ليس على شارب خمر ولا على مغتصب ولا على واحد قاتل ولا على مبتدع ولا على مشرك عبد أصناماً ، لا بل على واحد لم يترك كفراً أعظم إلا وفعله
قال ﴿فقال أنا ربكم الأعلى﴾
حتى إبليس لم يقلها! إبليس الشركي ، هذا يعني أن فرعون أكبر من إبليس ، الشرك الذي فعله إبليس _خلقتني من نار وخلقته من طين _ شرك الطاعة ،لن أطيعك صار مشركاً لعنه الله ، لكن فرعون تعدى هذه المرحلة أتى بشيء أعظم وأعظم، قال
﴿ فقال أنا ربكم الأعلى ﴾
عبارة حتى إبليس لم يقلها، ومع ذلك موسى عليه السلام يدعو على هذا الفاجر الزنديق
تخيل موسى وهو هاربٌ من فرعون وفرعون يقتل السحرة ويدور الموتى وموسى مختبئ يقول: ﴿وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ﴾
لك أن تتخيل موسى وهو ينتفض قهراً من فرعون الذي يقتل الأطفال ويرمل النساء ويستحي النساء ويستعبد الناس وواقف ويقول أنا ربكم الأعلى ﴿ فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى﴾
كفرٌ أعوذ بالله ، وهو يدعو عليه ، ربنا اطمس على أموالهم وهارون يقول آمين ، قال واشدد على قلوبهم ، قال هارون آمين ، قال فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم قال هارون آمين، عندما نظر الله إلى هاتين اليدين تنتفضان وإلى هارون يؤمن وموسى يدعو ، نبي مع نبي ويدعون على فاجر وما ترك كفراً إلا وفعله فرعون ، قال الله مباشرة:
﴿ قال قد أجيبت دعوتكما﴾
موسى دعى على فرعون ، أتعلم متى نزل العذاب فعلاً؟ الله قال قد أجيبت دعوتكما ، انتهينا ي يا موسى اطمئن، الدعاء الذي دعوته لقد استجبته انتهى الموضوع لا تنشغل استجاب الله ، تتوقع يا هارون استجاب الله أم لم يستجب ،قال لك الله استجبت انتهينا، أتعلم متى نزلت استجابة الدعاء؟
يقول ابن كثير ولم ينزل العذاب على فرعون إلا بعد أربعين سنة. أرأيتم؟ لماذا نحن نقول يا رب أنزله الآن لا بل أنزله غداً يا رب أعطنا فرصة أسبوع. لا لا لست أنت الذي تتحكم ، أنت عليك أن تدعو الله و الله عز وجل سبحانه وتعالى أعلم متى ينزل العذاب و مقدار هذا العذاب و كيف يكون هذا العذاب، هذا إلى الله سبحانه وتعالى.
لذلك الغنام في قصص أصحاب الأخدود لما دعا الله قال: اللهم اسقنيهم بما شئت. لم يقل اللهم غرق ثلاثة منهم وأربعة يقعون على رؤوسهم وستة يتطاعنون وسبعة ... لا! لا يتحكم ، الله عز وجل أعلم. وعندما جاءوا ليلقوه في البحر رفع الغلام يديه:" اللهم اسقنيهم بما شئت" قال فغرقوا،و لما صعدوا به الجبل ليطرحوه من فوق الجبل رفع يديه وقال:" اللهم اسقنيهم بما شئت، الله تعالى أعلم كيف يعذبهم.
لذلك ذكر أهل العلم أن من الاعتداء بالدعاء كما قال الله ﴿ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ﴾
قالوا من الاعتداء بالدعاء أنك تتحكم ، مثل ما مر أحد السلف بولده ، وسمع ولده يدعو فإذا الولد يقول اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الداخل إلى الجنة ، أنت (...) من رب العالمين القصر الذي يعطيك إياه ، اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين .. لا أريد الذي على اليسار لا بل الذي على يمين الداخل إلى الجنة ، فقام أبوه وقطع _ أبوه رجل صالح من الصحابة_ قال يا بني والله لقد دعوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أسمعه يدعو هذا الدعاء إن الله لا يحب المعتدين في الدعاء، يا بني ادعوا الله أن يدخلك الجنة فإذا دخلتها فلك ما تشاء فيها، لا أن تتحكم وتقول اللهم افعل كذا وكذا ، لذلك ينبغي علينا نحن أيضاً أن نتأدب حتى في العبارة وأن لا نستعجل ، ادعو الله تعالى و الله تعالى لا يضيع دعاء
المسألة الثالثة:
ولعلي أختم بها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه ما من داعٍ يدعو إلا آتاه الله بها إحدى ثلاث، هذه قاعدة، حديث رواه الترمذي وهو حديث صحيح
ما من داعٍ يدعو الله (...) دعوة إلا آتاه الله تعالى بها إحدى ثلاث ، يعطيك إحدى ثلاثة أشياء ، ماهي؟ قال: إما أن يستجيب له في الدنيا ، اشفي ولدي، وبعدها بساعات أو بيوم يومين قام الولد وليس به إلا العافية. إما أن يستجيب له في الدنيا وإما أن يدفع عنه من الشر بها، كيف؟ تكون أنت قد رفعت يديك اللهم اشفي ولدي اللهم اشفي ولدي مثلا ويكون الله تعالى قد قدر أن يزيد المرض فيموت الولد فتدعوا الله فيرتفع دعاءك وينزل القدر ، جاء في الحديث قال فيعتركان أو فيعتلجان، فيبدون يتخاصمون لا هذا يرتفع ولا هذا ينزل فأنت الآن دعوت ولا رأيت ولدك قد شفي فتقول لم استفدتمن الدعاء ، بل استفدت لكنك لا تعلم، لو لم تدعو لنزل الموت على الولد ولو لم تدعوا أن يقضي الله دينك صحيح دينك لم يقضى لكن لو لم تدعو لا زاد الدين وذهب صاحب الدين واشتكاك في المحكمة وسجنت أو لكان فضحك عند أهلك وعند أبيك وإخوانك و يقاضيك ، أنت حقيقة استفدت من الدعاء لكن ينبغي أن لا تظن أن الدعاء لم ينفعك. قال إما أن يستجيب له مباشرة ، أو أن يدفع عنه من الشر بها ، الثالثة: شخص دعا اشفي ولدي ومات الولد يعني لم يستفد من الدعاء لا استُجيب الدعاء ولا خفف،و مات الولد ما أعظم من الموت؟ قال وإما أن يؤخرها له إلى يوم القيامة فيؤتيه بها حسنة (...) نحن نتعامل مع ملك سبحانه وتعالى لا تكبر عليه حاجة أن يقضيها ولا تكبر عليه مصيبة أن يرفعهاو لا تلتبس عليه اللغات ولا يتبرم بكثرة الحاجات ولا يبخل بكثرة الأعطيات وليس سائلاً في أعطياتك هل تكلف على ملكه جل جلاله شيئاً؟ يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (...) حديث أبي ذر يقول: قال الله تعالى: يا عبادي لو أن أولكم _لاحظ أولكم _من عهد آدم يعني آدم نفسه وآخركم إلى قيام الساعة لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم ، الجن؟ نعم الجن، الجن خلقوا قبل الإنس يعني انظر الآن لما خلق آدم كان هناك جن أساساً، لذلك لما قال الله تعالى: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ﴾
ماذا؟ لأن الجن سكنوا الأرض قبلنا فسفكوا الدماء فلاحظ لو أن أولكم وآخركم وإنسكم كلهم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحد _هذا كلام الله في الحديث القدسي_ هذا كلام الملك سبحانه وتعالى الذي يقول ادعوني هذا خبره لنا قال قاموا في صعيدٍ واحد، سألوني هذا عجوز اللهم أحسن خاتمتي وهذا شاب يريد أن يتزوج اللهم ارزقني زوجه/ وهذا طفل اللهم أعطني لعبه وهذا عليه دين اللهم اقضي ديني وهذا ابنه مريض اللهم كذا، وهذا مظلوم اللهم انتقم ممن ظلمني وهذا يريد سيارة وهذا يريد بيتاً وهذا يريد .... فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر ، مخيط الإبرة يقول ما ينقص من ملكي، لو كلهم _ لاحظ ليس الخلق إلينا لا حتى الذين تتعدونا_ لو اجتمعوا معنا قال ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر ، لم يقل أدخل في الكأس أو أدخل في البئر بل قال إبره أدخلت في بحر وأخرجتها ماذا نقص من البحر؟ خمسين ستين لتر؟ حتى لو نقص مليون لتر بحار الدنيا لكم تصور عظم المياه التي بها ومع ذلك المخيط كم سينقص ربما جزء من الجرام ومع ذلك هذا بالنسبة إلى ملك الله كله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : أرأيتم لما قال يمين الله ملأى لا تغيضها نفقه سحاء الليل والنهار يعطي و يعطي و يعطي الليل والنهار ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : أرأيتم ما أنفق يعني الأشياء التي أعطاها منذ أن خلق السماء والأرض قالوا نعم قال: فإنه لم يغضي مافي يمينه، ما أنقص شي من مافي يمينه ، مثلما تذهب إلى شخص عنده مثلا مائة مليار فيعطيك منها مثلا 300 ريال ما الـ 300 ريال هذه؟ لا يلتفت إليها بالنسبة للمليارات التي عنده، و لله المثل الأعلى جل جلاله، لذلك أحبابي ينبغي علينا فعلاً إذا دعونا الله تعالى نعلم أنه ليس هناك حاجة تكبر على رب العالمين ، قبل أيام كان الإمام يدعو يقول:" اللهم إنا نسألك أن تفك أسرى إخواننا في غوانتنامو اللهم عليك بعتاة الأمريكان اللهم .." تلاحظ بعض الناس يقولون آمين على سبيل التجربة أو آمين تكملة عدد الناس يقولون آمين قال آمين .. غوانتنامو؟! هل هو سهل فكهم؟! ، عتاة الأمريكان؟! كم عندهم من طائرة كم عندهم من حاملة طائرات وبارجات التي في البحار كم عندهم من دبابات كم اشتروا من همم وكم... ،دعاء شيخ في زوايا مسجد اللهم عليك بهم هل يستجاب مباشرة؟ إذا كنتم تريدون أن يستجيب الله لكم جهزوا نفسكم وافعلوا وافعلوا فتجدنا إذا قال اللهم عليك بعتاة الأمريكان نقول آمين لكن آمين ليست من عقلنا لأن ليس فيهاا اقتناع ،بل آمين عاطفة كالذي سيلمس ابنه شيء ساخن يقول له اتركه اتركه اتركه مع أنه يعلم أن اتركه اتركه ضرر بسيط سيحرق إصبعه فقط، لكن عاطفة ،بينما لو ربما رأى ابن غيره سيقفز في نار لما صرخ بهذا الصراخ كله مع أن النار أعظم، لكن ومثل الذي يقول فك أسرى إخواننا في غوانتنامو أو مثلا شخص مصاب بشلل رباعي وعنده كسرٌ في فقرات الظهر ومنذ 20 سنة لا يتحرك إلا رأسه لو جاء شخص وقال له الله يشفيك يقول آمين يشفيني؟! وظهري مكسور ! هذي مشكلتنا أحياناً ، أحياناً هناك بعض الأشياء أي نقول آمين بناءً على العاطفة فقط أو بناءً على أننا مسلمون ودعاء ، قل آمين ليس ضارك لكن ليس لدينا أو ربما 10% ولا أريد أن أقول 1% حتى لا نطرح الإيمان تماماً لكن ولا 10% أو 20% عند الله سيستجيب مع أنك لو تدبرت بأحوال السابقين تجد أعاجيب، موسى يدعو على فرعون فيشق الله البحر لموسى ويمشي موسى عليه السلام فرعون يغرق ويصيبه ما أصابه.
قبل فترة شاب سبحان الله بسيط لكنه صالح كان في الصف الثالث الثانوي و فيه صلاح بر بوالديه، تلاحظ فيه أن بداخله دين وتقوى يضع نظارة سميكة لا أذكر مقياس نظره، لكن نظره ضعيف جداً جداً جداً ويضع نظارات سميكة ، كان معه ثلاثة أو أربعة من الشباب معتمرين وكأن الشباب الذين معه تضايقوا كانوا يمسكونه من يده وصدم في امرأة مرتين ثلاث، وضاق صدره ووقفوا عند ترمس زمزم ليشربوا في المسعى فأخذ كأس زمزم ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:"ماء زمزم لما شرب له" قال: اللهم إني أسألك أن ترد علي بصري وشرب الماء. يقول لي أحد الشباب من الذين معه :والله يا شيخ أنه رجع الكأس وأخرج النظارة وفجأة انطلق وانطلق يمشي ، أمسكوه أصدقاءه ،هو الآن بنظارة ويحتاج من يمسكه فكيف إذا ترك النظارة قال: لم أعد أحتاج النظارة ،الله أكبر اللهم لك الحمد بدء يبكي قالوا كيف؟ قال: رُد علي بصري قال له واحد منهم كم هذه قال 10و قال الساعة التي هناك كم قال التاسعة والنصف فإذا هو قد رد الله تعالى بصره تماما.ً هذه حادثة وقفت عليها بنفسي وليست صعبة على رب العالمين مثل ما قال زكريا، لما قال :
﴿ قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ﴾
يعني انظر مث أن يأتيك شخص مجنون مثلا وي يشرح موضوع لشخص أصم لا هذا يستطيع أن يشرح ولا ذاك يمكن أنه يسمعه، فتخيل زكريا هناك أربعة أشياء تجعله يستبعد أن يستجاب الدعاء ذكر رحمة ربك عبده زكريا ، ماهي الأشياء الأربعة إذ نادى ربه نداءً خفيا ، يستحي أن يدعو أمام الناس ارزقني ألاد ! لا زوجتك تستطيع أن تلد ولا أنت ممكن أن يكون لديك أولاد، أنت عمرك فوق المائة سنة ، مثل ما قالوا عنين ينكح عاقراً كيف يكون لديك أولاد ومع ذلك عندما (....) نادى ربه نداءً خفيا هذا أول شيئ يجعله يستبعد هو نفسه أن يستجاب دعاءه ، قال: ربي إني وهن ، وليس لديه قوة في جسمه كيف يكون لديك أولاد ، قال: إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً، (...) خفيا، وهن، اشتعل، ولم أكن بدعائك ربي شقيا وإني خفت ﴿وإني خفت الموالي من ورائي ﴾ يأتيني خوف وأنا كبير ويضيق صدري وتتغير نفسيتي، خفت الموالي من ورائي وأتى بالرابعة التي هي أعظم وأعظم وكانت امرأتي عاقراً ، ماذا تريد ؟ياالله حسن الخاتمة ! لا ! أريد أولاد ، زكريا كيف يكون لديك أولاد وامرأتك عاقر ورأسك اشتعل فيه الشيب والعظم وهن، وأنت تدعو كيف نعطيك أولاد ؟! لو قال اغفرلي يا الله حسن الخاتمة ممكن ﴿ا فهب لي من لدنك وليا ﴾ فإذا بالله تعالى ينادي زكريا ﴿فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ﴾ رجل عجوز محدب واقفٌ في المحراب، العظم قد وهن والشعر اشتعل شيباً ولحيته بيضاء وشعره أبيض ويدعو الله وهو قائم ﴿أن الله يبشرك بيحيى﴾ (...) يحيى يكون لديه أولاد! يعني لو قال الله (..) امرأتي عاقر وأنا عجوز، يبشرك بيحيى! قال في الآية الأخرى ﴿ قال رب أنى يكون لي غلام ﴾ كيف يأتيني أولاد؟ بدأ يتذكر الأسباب المانعة وكانت امرأتي عاقراً ، بدأ يعيد نفس الكلام يا ربي أكيد يأتيني أولاد؟، امرأتي عاقر وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتياً ، قال كذلك قال ربك انتهى الموضوع لا تقيس الأمر بمقاييسك لا بل قسها بمقاييس السماء نحن عندنا مقاييس تختلف عن مقاييسك يا زكريا ، وهن وشيب هذه ليست بمقاييسنا نحن مقاييسنا كن فيكون وانتهى الموضوع، قال كذلك قال ربك هو علي هين ، صعبة كن فيكون؟ هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً ، نحن خلقناك من عدم يعني لا نستطيع أن نخلق ولد من صلبك؟ وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً ، قال ربي اجعل لي آية من شدة الفرح قال يا ربي كيف أعلم أن زوجتي حامل ، يريد أن يفرح ،كيف أعلم؟ أنتظر إلى أن تقول انقطعت الدورة ولم تنقطعع الدورة؟ اذهبي حللي؟ لا، أريد أن أعرف بسرعة ، قال ربي أجعل لي آية ، اجعل لي علامة ، قال: ﴿ آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ﴾ ، وأنت سوي ليس فيك مرض تقوم في الصباح تريد أن تتكلم ولا تستطيع ، ليله ليلتين ثلاث وهو كل يوم (..) لا إنه يتكلم، خرج في ليلة من الليالي في أحد الأيام، أراد أن يتكلم إلا أنه لم يستطع، علم أن هذه هي العلامة، لذلك قال الله تعالى:
﴿فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ﴾ أوحى إليهم أي اشار عليهم ، أخذ يأشر لهم بأصابعه سبحوا وهللوا.
بعد ذلك جاءت التربية العظيمة ليحيى ، ﴿يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا(12) وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا (13)وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا (14)﴾
انظر إلى الآيات كيف تشرح لك حاله لأن زكري،ا ما استحال، لم يرفع يدينه وقال اللهم اعطني أولاداً يالله حسن الخاتمة يأتيني أولاد وأنا عجوز وزوجتي عاقر! يا الله اختم لي بالخير يا ربي وأنزل يديه، لا! بل رفع يديه و عنده يقين في قدرة الله تعالى على استجابة الدعاء فدعا الله تعالى واستجاب.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد وأن يجعلنا مِن مَن يلحون على الله تعالى بأنواع الدعاء قائمين قاعدين على جميع أحوالهم آميــن يـارب العالمين
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبيه محمد
محمد العريفي
الحمدلله رب العالمين وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء المرسلين نبينا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم
أحببت أن أتكلم حول عبادة تكثر في هذا الشهر الكريم سواء في صلاة التراويح في القنوط والدعاء أو تكثر أحيانا ما بين
الأذان والإقامة وربما يقوم الناس متسحرين في آخر الليل ويكون لديهم دقائق أو لحظات قبيل الفجر فيشتغلون بهذه
العبادة التي هي الدعاء فـ لي أيها الإخوة والأخوات أربعة مسائل لعلي أسوقها باختصار.
المسألة الأولى:
أن الدعاء عبادة عظيمة كبقية العبادات ، كما أن الإنسان يحرص على صلاة الضحى، يحرص على صلاة الليل
يحرص على قراءة القرآن الكريم كذلك الدعاء عبادة يتعبد المرء بها لله سبحانه وتعالى، و الله سبحانه وتعالى يحب عباده الملحين بالدعاء وكلما صار العبد أكثر تقرباً إلى الله سبحانه وتعالى بهذه العبادة صار يشعر نفسه أنه عبد مملوك للحي القيوم جل جلاله وصار يشعر فعلاً أنه كما قال فامدد يديك بحبل الله متصلاً فإنه الركن أرخى (...) أركاني ، أنت كلما رفعت يديك إلى الله داعيا صار الله تعالى إليك أقرب وصرت أنت أيضا إليه أقرب.
ذكروا أن سليمان عليه السلام خرج مرة مع جموع من الإنس والجن والوحوش لأجل الاستسقاء وكانوا قد توقف عنهم المطر، في أثناء الطريق رأى سليمان عليه السلام في وسط الطريق نملة رافعة قوائمها إلى السماء وتقول اللهم لا تعذبنا بذنوب خلقك، رآها تدعوا الله تعالى فالتفت إلى قومه وقال: ارجعوا لقد سقيتم بدعوة غيركم، ثم رجعوا وفعلا نزل عليهم المطر، كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم أول ما يفكرون إذا نزلت بهم الشدائد في الدعاء ، ألم ترى إلى ذاك الصحابي الذي أقبل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر أقبل الرجل ووقف عند الباب فإذا المسجد مليء بالناس لم ينظر إلى الناس ولم يلتفت إليهم لأمرٍ أهمه وأشغله، أخذ هذا الرجل ينظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو يهز أعواد منبره ويخطب الناس بدأ يصرخ الرجل، قال: يا رسول الله يا رسول الله ، التفت النبي صلى الله عليه وسلم إليه والتفت الناس، ماذا به يصرخ بالمسجد ، ما هذا الأمر المهم جدا الذي يجعل هذا الرجل يقطع الخطبة لأجله ولا يزال يصرخ حتى أجابه النبي صلى الله عليه وسلم وترك بقية الخطبة، قال ما بالك؟ قال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل وجاع العيال، ماذا نفعل؟ قال: فادعوا الله يغيثنا، إذا كانت القلوب أصلا معلقة بالدعاء كانت القلوب متصلة بهذا الدعاء ويرون أنه مفتاح المغاليق، كلما أغلق عليهم شيء أول ما يفكرون بفتحه في الدعاء مع بدر الأسباب الدنيوية، قال أنس فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه قال: فنظرت إلى السماء فإذا السماء والله كمثل الزجاجة و والله ما في السماء من سحاب ولا من قزعة ، السحاب هو الغيم الكثير المجتمع والقزع هو الغيم الأسود المتفرق ، يقول أنس يعني ما في أمل يطب علينا مطر، السماء كمثل الزجاجة ، الشمس ونحن في القايلة ، يقول: فما هو والله إلا أن رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه حتى اجتمع السحاب ولم يكن تم وحتى صار السحاب كأمثال الجبال، يقول والله كأنها جبال تنتشر فوقنا حتى ثار السحاب كأمثال الجبال، قال: فما خفض النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلا والمطر يتساقط من يديه أو قال من لحيته ، فاستمر عليهم المطر أسبوعاً كاملاً، يقول حتى كان الناس يخوضون في الماء، قال فلما كانت الجمعة التي بعدها أقبل الرجل وقف عند الباب، قطع الخطبة كما فعل المرة الأولى يا رسول الله هلكت الأموال انقطعت السبل ، المرة الأولى هلكت الأموال جوعاً وظمأً وانقطعت السبل لأن مافي مياه في وسط الطريق يستقون منها أثناء سفرهم ، فتوقفوا عن الأسفار، هذه المرة هلكت الأموال غرقاً وانقطعت السبل من كثرة الوديان التي سالت، قال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادعوا الله يمسكها عنا ، نحن مالنا قوة ولا لنا تحكم إلا بما يشاء الله، ﴿ وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ﴾
قال أنس: فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه ، قال: " اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآثام والضراب وبطون الأودية" ، قال وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يشير إلى السحاب فـ والله ما يشير إلى ناقية إلا تقشعت ، قال حتى صارت المدينة في مثل الجوبة ، صارت المدينة في مثل الجزيرة التي حولها المياه.
إذا يا أيها الإخوة والأخوات ، هذا الدعاء هو أصلا عبادة يتعبد المرء بها لله سبحانه وتعالى، سواء كنت تحتاج إلى الدعاء أو لا تحتاج إلى الدعاء ، اشتغل بالدعاء.
نحن مشكلتنا أننا أحيانا لا نفكر بالدعاء إلا إذا وقعنا في كرب،متى يرفع الإنسان يديه؟ ومتى يدعو في سجوده؟ ومتى إذا دعى الإمام قال آمين من قلبه؟ إذا كان واقعاً في كربة، إذا كان مثلا لديه ولد وتعرض لحادث سيارة وأُخذ للمستشفى وكان في غيبوبة، تجد أنه يدعو الله وهو فعلا مقبل بقلبه عليه، أو مثلا لو أن عليه دين، واتصل به صاحب الدين وهو داخل ٌ إلى المسجد، قال له إذا لم تسدد لي الدين غداً سيكون لقاءنا في الحقوق المدنية أو سيكون لقاءنا الأسبوع القادم في المحكمة، ،تجده يرفع يديه ويدعو وهو مقبل فعلاً.
أو مثلا إذا كان وهو خارج من بيته وقالت له زوجته أن الـ 10 آلاف التي أعطيتني إياها لا أعلم من أخذها وسأبحث عنها إلى أن تأتي، فتجده يرفع يديه وهو صادق يالله يا ربي يا من لا تخفى عليه خافية ، اللهم يسر لها أن تجدها ، أو مثلا لو أصيب بمرض وإن ذهب إلى المستشفى وأجريتا له التحاليل ووعدوه أن نتيجة التحاليل ستظهر بعد أربعة أو خمسة أيام، تجد ه يدعو الله.
شخص جسمه قوي والحمد لله ليس عليه دين، سيارته تمشي كما يشاء، أولاده طائعين، وزوجته معه على الحال الذي يكون عليه ليس لديه أية مشكلة فنحن إذا كانت أمورنا جيدة، تجد أننا في أحيان كثيرة ، إما نغفل عن الدعاء أو ندعو على سبيل التجربة أو النطق المجرد ، مثلا شخص يقول بين الأذان والإقامة اللهم اغفر لي وارحمني ، فقطع الدعاء ما أن أقاموا الصلاة وقام يصلي دون أن يكون هناك إقبال حقيقي في قلبه ورغبة حقيقية في استجابة هذا الدعاء.
كان النبي صلى الله عليه وسلم أيها الإخوة الكرام يدعو الله تعالى بأدعية حتى لو أنه لم يكن بحاجة لها ، صحيح أنه كان يدعو على قريش يقول" اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف" ي وكان يدعو الله تعالى أن يشفي أصحابه المرضى، ويدعوا الله تعالى على الأحزاب لما تجمعوا،و دعا الله تعالى في معركة بدر، وصحيح أنه كان يدعو في كربات لكن حتى في غير الكربة كان يدعو أيضاً، بماذا يدعو؟ يقول اشفي مرضي؟ أنا الحمدلله بخير. اقضي ديني؟ الحمدله ليست علي ديون. أصلح لي زوجتي؟ الحمدلله زوجته صالحة. انصر أصحابي؟ هم منتصرون، إذاً ماهو الدعاء الذي يدعو به؟ لا يدعوا بكشف كربة ، بل يدعو بحفظ نعمة ، يا رب لا تأخذ منا هذه النعمة.
بدلاٍ من أن أدعو الله وأقول اكشف مرضي، أدعو الله وأقول يا رب احفظ صحتي بما أنها موجودة.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو اللهم إن أعوذ بك من زوال نعمتك ، وفجاءة نقمتك. شخص تأتيه نقمةً فجأة ، تكون غضب من الله أو مصيبة أو بلاء ، مثلاً خرج ابنه ليحضر خبزاً وهو بعافية وصدمته سيارة وبقي مشلولاً شللاً رباعياً طوال حياته، هذه نقمة أو ي مصيبة جاءت عليه_ بصرف النظر هل هذه مصيبة عقوبة أم لا_ لكن بمجرد أن تأتيه تكون مصيبة.
اللهم أني أعوذ بك من زوال نعمتك وفجاءة نقمتك وتحول عافيتك، العافية التي أعطيتني إياها في بدني، في رزقي، في سمعت، الحمد لله أنني بعافية لم تفضحني ولا أوقعت علي مصيبة تفضحني أنا وبناتي ولا أبنائي ، ولا وحدة من بناتي قبض عليها في هيئة، ولا واحد من أبنائي ابتلي بمخدرات أو بلاء ، أعوذ بك ربي ، هذه العافية التي أعيش بها لا أريدك يا ربي أن تنزعها مني وتعطيها غيري ، اتركها يا ربي عندي ، أعوذ بك من زوال نعمتك وفجاءة نقمتك وتحول عافيتك وجميع سخطك، أرأيت كيف أن هذا الدعاء جميل؟ ، وجميع سخطك، أهم شيء هو أن يبقى هذا القلب متصلاً بالله سبحانه وتعالى وأهم شيء أيضا أن الله تعالى كلما نظر إلى عباده الضعفاء المساكين يجدك من بينهم رافعاً يديك، لا أن تكون مثل الشخص الذي يكون عند ملك من الملوك يتقرب إليه ويتبادل الحديث معه، ويخدمه فإذا أعجب به الملك وكان راتبه مثلا 3 آلاف ريال وهو دائما عند هذا الملك ، يتلطف معه بالعبارة وينظر إلى ما يريده ويقدمه له وإذا فيي يوم من الأيام أعجب به هذا الملك وأعطاه شيك بـ 10 ملايين وأعطاه قصر بقيمة 5 ملايين، ثم بعد ذلك لا يراه، يندم هذا الملك يقول والله لو علمنا لما أعطيناه النعم هذه كلها ، كنا سنتركه ذليل عندنا، انتبه أنت تتعامل مع الله بمثل هذا التعامل ، أريدك مهما وسع الله عليك في النعمة يراك ذليلاً بين يديه ، وكل ما زاد عليك النعمة تنطرح أشد انطراح بين يديه، ويراك الله تعالى تبكي مع الباكين ، تدعو مع الداعين ، يراك ضعيفاً مع الضعفاء ، مسكينٌ مع المساكين إذا رآك الله تعالى بهذا الحال أصبحت قريباً منه سبحانه وتعالى متعبداً إليه ، هذه هي النقطة الأولى وهي مهمة يا إخواني، أن الإنسان يعلم أن الدعاء عبادة يتعبد لله تعالى بها سواء كنت تحتاج إلى رفع نقمة أو لا تحتاج إلى ذلك.
المسألة الثانية:
لا ينبغي أن نستعجل بإجابة الدعاء ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: يستجاب لأحدكم مالم يستعجل أو قال مالم يعجل قالوا يا رسول الله كيف يعجل؟ بمعنى أن يقول اغفر لي اغفر لي اغفرلي؟هل هذه هي العجلة؟ كيف يعجل؟ قال يقول العبد دعوت و دعوت ودعوت فلم أرى يُستجاب لي قال: فيترك الدعاء. وبعض الناس على مثل هذا الحال يكون لديه فرضاً ولد مريض أو عليه دين فتجده أول ما يمرض ولده ويُنوم في المستشفى ، أو يصاب بغيبوبة تجده يرفع يديه ، يالله يارب تشفيه ، دعا الأسبوع الأول كاملاً ، فلم يشفى الولد ، دعا الأسبوع الثاني كاملاً فلم يشفى الولد ، يبدأ معدل الدعاء عنده بالنزول ، لماذا؟ لأنه لم يرى أنه يستجاب له فيترك الدعاء ، فيكون قد استعجل. قد يسأل بعضكم لماذا رب العالمين يؤخر الإجابة عن العبد، بما أن رب العالمين قال : ﴿ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ﴾ قال استجب لكم ، مباشرةً لم يقل سوف، بل قال أستجب ، أبناء يعقوب عليه السلام، لما قالوا يا أبانا
﴿ قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين ﴾
لم يستغفر لهم على مباشر ، لا بل قال: ﴿ قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم ﴾
انظر إلى البشر مع أنه مباشرة قال لما أقوم بالليل سأدعي لكم ، سوف أستغفر لكم ، هل تضمن يا نبي الله أن تعيش إلى الليل، قال سوف أستغفر لكم ربي ، أما الله فـلا .
لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يُسأل يغضب
الله كلما دعوته يزداد لك حباً ، ونحن كلما جاء الإنسان وطلب شيئاٍ ، ازدننا له بغضاً، عندما تطرق الباب على ناس وتطلب منهم شيئاً ربما يعطوك اياها أول يوم ثاني يوم، ثالث يوم لا يفتحون لك الباب أو يقولون ليس موجود.
بني آدم حين يسأل يغضب، أما الله فيختلف جل جلاله لأنه الخالق سبحانه وتعالى، لماذا يؤخر الله تعالى الإجابة مع قوله : ﴿ وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ﴾
﴿ولله الأسماء الحسنى ﴾
ماذا نستفيد يارب أنك أخبرتنا أن لك أسماء حسنى؟
﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها﴾
ما الفائدة من أنك تعرف أن الله اسمه الرزاق ، لأجل أن تقول يا رزاق ارزقني ، ما الفائدة أنك تعلم أن الله الشافي لأجل أن تقول يا شافي اشفني يا حليم احلم علي يا غفور اغفر لي يا غني اغنني ، ونحو ذلك.
لذلك التعبد لله تعالى بعبادة خاصة يرفع الله بها العبد درجات ، تدعوه بها
﴿وذروا الذين يلحدون في أسمائه ﴾
﴿قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ﴾
نوح عليه السلام دعا الله بثلاث كلمات: ربي إني مغلوب فانتصر ، فقط ما نتيجتها؟ اهتزت السماء واهتزت الأرض وتغير نظام الكون بثلاث كلمات: إني مغلوب فانتصر.
﴿ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ﴾
﴿وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر ﴾
وبدأ الناس يغرقون وأناس يموتون وأناس يركبون مع نوح وتدمرت الدنيا كلها بثلاث كلمات إني مغلوب فانتصر ، فقط!
لوط عليه السلام دعا على قومه ، شعيب عليه السلام دعا على قومه ، أنظر إلى هذا الدعاء كيف أن العبد يهز به أبوب السماء،ويبقى السؤال يطرح نفسه لماذا يؤخر الله أحياناً إجابة الدعاء؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله ليؤخر الإجابة عن العبد لما يسمع من حسن تضرعه""
مثلا شخص عليه دين تجده يقول يا رب يا غني يا غني سبحانك يا من لا تحتاج إلى معين ، يثني يا غني يا كريم أنا عبدك أنا المسكين وأنا الفقير وأنت الغني ، يارب يسر لي قضاء ديّني ،لو أن الله يسر له قضاء دينه مباشرة لأوقف الدعاء ، والله تعالى يريد أن يسمع المناجاة الجميلة فيؤخر الإجابة قليلاً ،يأتي في اليوم التالي يدعو بنفس الدعاء واليوم الذي بعده يدعو بنفس الدعاء ، هذا العبد أحياناً يغضب يقول لم يُستجب لي الله، لم يستجب لك الله لأنه لمصلحتك.
لكن انتبه لفترة هذا الدعاء، تعجلا بذلك يا إخواني موسى عليه السلام لما دعا على فرعون ، لاحظ أن الذي يدعو نبي والذي يؤمن أيضاً نبي ، موسى يدعو وهارون عليه السلام يؤمن وكلهم أنبياء ، والدعاء ليس على شارب خمر ولا على مغتصب ولا على واحد قاتل ولا على مبتدع ولا على مشرك عبد أصناماً ، لا بل على واحد لم يترك كفراً أعظم إلا وفعله
قال ﴿فقال أنا ربكم الأعلى﴾
حتى إبليس لم يقلها! إبليس الشركي ، هذا يعني أن فرعون أكبر من إبليس ، الشرك الذي فعله إبليس _خلقتني من نار وخلقته من طين _ شرك الطاعة ،لن أطيعك صار مشركاً لعنه الله ، لكن فرعون تعدى هذه المرحلة أتى بشيء أعظم وأعظم، قال
﴿ فقال أنا ربكم الأعلى ﴾
عبارة حتى إبليس لم يقلها، ومع ذلك موسى عليه السلام يدعو على هذا الفاجر الزنديق
تخيل موسى وهو هاربٌ من فرعون وفرعون يقتل السحرة ويدور الموتى وموسى مختبئ يقول: ﴿وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم ﴾
لك أن تتخيل موسى وهو ينتفض قهراً من فرعون الذي يقتل الأطفال ويرمل النساء ويستحي النساء ويستعبد الناس وواقف ويقول أنا ربكم الأعلى ﴿ فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى﴾
كفرٌ أعوذ بالله ، وهو يدعو عليه ، ربنا اطمس على أموالهم وهارون يقول آمين ، قال واشدد على قلوبهم ، قال هارون آمين ، قال فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم قال هارون آمين، عندما نظر الله إلى هاتين اليدين تنتفضان وإلى هارون يؤمن وموسى يدعو ، نبي مع نبي ويدعون على فاجر وما ترك كفراً إلا وفعله فرعون ، قال الله مباشرة:
﴿ قال قد أجيبت دعوتكما﴾
موسى دعى على فرعون ، أتعلم متى نزل العذاب فعلاً؟ الله قال قد أجيبت دعوتكما ، انتهينا ي يا موسى اطمئن، الدعاء الذي دعوته لقد استجبته انتهى الموضوع لا تنشغل استجاب الله ، تتوقع يا هارون استجاب الله أم لم يستجب ،قال لك الله استجبت انتهينا، أتعلم متى نزلت استجابة الدعاء؟
يقول ابن كثير ولم ينزل العذاب على فرعون إلا بعد أربعين سنة. أرأيتم؟ لماذا نحن نقول يا رب أنزله الآن لا بل أنزله غداً يا رب أعطنا فرصة أسبوع. لا لا لست أنت الذي تتحكم ، أنت عليك أن تدعو الله و الله عز وجل سبحانه وتعالى أعلم متى ينزل العذاب و مقدار هذا العذاب و كيف يكون هذا العذاب، هذا إلى الله سبحانه وتعالى.
لذلك الغنام في قصص أصحاب الأخدود لما دعا الله قال: اللهم اسقنيهم بما شئت. لم يقل اللهم غرق ثلاثة منهم وأربعة يقعون على رؤوسهم وستة يتطاعنون وسبعة ... لا! لا يتحكم ، الله عز وجل أعلم. وعندما جاءوا ليلقوه في البحر رفع الغلام يديه:" اللهم اسقنيهم بما شئت" قال فغرقوا،و لما صعدوا به الجبل ليطرحوه من فوق الجبل رفع يديه وقال:" اللهم اسقنيهم بما شئت، الله تعالى أعلم كيف يعذبهم.
لذلك ذكر أهل العلم أن من الاعتداء بالدعاء كما قال الله ﴿ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ﴾
قالوا من الاعتداء بالدعاء أنك تتحكم ، مثل ما مر أحد السلف بولده ، وسمع ولده يدعو فإذا الولد يقول اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الداخل إلى الجنة ، أنت (...) من رب العالمين القصر الذي يعطيك إياه ، اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين .. لا أريد الذي على اليسار لا بل الذي على يمين الداخل إلى الجنة ، فقام أبوه وقطع _ أبوه رجل صالح من الصحابة_ قال يا بني والله لقد دعوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أسمعه يدعو هذا الدعاء إن الله لا يحب المعتدين في الدعاء، يا بني ادعوا الله أن يدخلك الجنة فإذا دخلتها فلك ما تشاء فيها، لا أن تتحكم وتقول اللهم افعل كذا وكذا ، لذلك ينبغي علينا نحن أيضاً أن نتأدب حتى في العبارة وأن لا نستعجل ، ادعو الله تعالى و الله تعالى لا يضيع دعاء
المسألة الثالثة:
ولعلي أختم بها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه ما من داعٍ يدعو إلا آتاه الله بها إحدى ثلاث، هذه قاعدة، حديث رواه الترمذي وهو حديث صحيح
ما من داعٍ يدعو الله (...) دعوة إلا آتاه الله تعالى بها إحدى ثلاث ، يعطيك إحدى ثلاثة أشياء ، ماهي؟ قال: إما أن يستجيب له في الدنيا ، اشفي ولدي، وبعدها بساعات أو بيوم يومين قام الولد وليس به إلا العافية. إما أن يستجيب له في الدنيا وإما أن يدفع عنه من الشر بها، كيف؟ تكون أنت قد رفعت يديك اللهم اشفي ولدي اللهم اشفي ولدي مثلا ويكون الله تعالى قد قدر أن يزيد المرض فيموت الولد فتدعوا الله فيرتفع دعاءك وينزل القدر ، جاء في الحديث قال فيعتركان أو فيعتلجان، فيبدون يتخاصمون لا هذا يرتفع ولا هذا ينزل فأنت الآن دعوت ولا رأيت ولدك قد شفي فتقول لم استفدتمن الدعاء ، بل استفدت لكنك لا تعلم، لو لم تدعو لنزل الموت على الولد ولو لم تدعوا أن يقضي الله دينك صحيح دينك لم يقضى لكن لو لم تدعو لا زاد الدين وذهب صاحب الدين واشتكاك في المحكمة وسجنت أو لكان فضحك عند أهلك وعند أبيك وإخوانك و يقاضيك ، أنت حقيقة استفدت من الدعاء لكن ينبغي أن لا تظن أن الدعاء لم ينفعك. قال إما أن يستجيب له مباشرة ، أو أن يدفع عنه من الشر بها ، الثالثة: شخص دعا اشفي ولدي ومات الولد يعني لم يستفد من الدعاء لا استُجيب الدعاء ولا خفف،و مات الولد ما أعظم من الموت؟ قال وإما أن يؤخرها له إلى يوم القيامة فيؤتيه بها حسنة (...) نحن نتعامل مع ملك سبحانه وتعالى لا تكبر عليه حاجة أن يقضيها ولا تكبر عليه مصيبة أن يرفعهاو لا تلتبس عليه اللغات ولا يتبرم بكثرة الحاجات ولا يبخل بكثرة الأعطيات وليس سائلاً في أعطياتك هل تكلف على ملكه جل جلاله شيئاً؟ يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (...) حديث أبي ذر يقول: قال الله تعالى: يا عبادي لو أن أولكم _لاحظ أولكم _من عهد آدم يعني آدم نفسه وآخركم إلى قيام الساعة لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم ، الجن؟ نعم الجن، الجن خلقوا قبل الإنس يعني انظر الآن لما خلق آدم كان هناك جن أساساً، لذلك لما قال الله تعالى: ﴿إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ﴾
ماذا؟ لأن الجن سكنوا الأرض قبلنا فسفكوا الدماء فلاحظ لو أن أولكم وآخركم وإنسكم كلهم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحد _هذا كلام الله في الحديث القدسي_ هذا كلام الملك سبحانه وتعالى الذي يقول ادعوني هذا خبره لنا قال قاموا في صعيدٍ واحد، سألوني هذا عجوز اللهم أحسن خاتمتي وهذا شاب يريد أن يتزوج اللهم ارزقني زوجه/ وهذا طفل اللهم أعطني لعبه وهذا عليه دين اللهم اقضي ديني وهذا ابنه مريض اللهم كذا، وهذا مظلوم اللهم انتقم ممن ظلمني وهذا يريد سيارة وهذا يريد بيتاً وهذا يريد .... فسألوني فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر ، مخيط الإبرة يقول ما ينقص من ملكي، لو كلهم _ لاحظ ليس الخلق إلينا لا حتى الذين تتعدونا_ لو اجتمعوا معنا قال ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر ، لم يقل أدخل في الكأس أو أدخل في البئر بل قال إبره أدخلت في بحر وأخرجتها ماذا نقص من البحر؟ خمسين ستين لتر؟ حتى لو نقص مليون لتر بحار الدنيا لكم تصور عظم المياه التي بها ومع ذلك المخيط كم سينقص ربما جزء من الجرام ومع ذلك هذا بالنسبة إلى ملك الله كله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : أرأيتم لما قال يمين الله ملأى لا تغيضها نفقه سحاء الليل والنهار يعطي و يعطي و يعطي الليل والنهار ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : أرأيتم ما أنفق يعني الأشياء التي أعطاها منذ أن خلق السماء والأرض قالوا نعم قال: فإنه لم يغضي مافي يمينه، ما أنقص شي من مافي يمينه ، مثلما تذهب إلى شخص عنده مثلا مائة مليار فيعطيك منها مثلا 300 ريال ما الـ 300 ريال هذه؟ لا يلتفت إليها بالنسبة للمليارات التي عنده، و لله المثل الأعلى جل جلاله، لذلك أحبابي ينبغي علينا فعلاً إذا دعونا الله تعالى نعلم أنه ليس هناك حاجة تكبر على رب العالمين ، قبل أيام كان الإمام يدعو يقول:" اللهم إنا نسألك أن تفك أسرى إخواننا في غوانتنامو اللهم عليك بعتاة الأمريكان اللهم .." تلاحظ بعض الناس يقولون آمين على سبيل التجربة أو آمين تكملة عدد الناس يقولون آمين قال آمين .. غوانتنامو؟! هل هو سهل فكهم؟! ، عتاة الأمريكان؟! كم عندهم من طائرة كم عندهم من حاملة طائرات وبارجات التي في البحار كم عندهم من دبابات كم اشتروا من همم وكم... ،دعاء شيخ في زوايا مسجد اللهم عليك بهم هل يستجاب مباشرة؟ إذا كنتم تريدون أن يستجيب الله لكم جهزوا نفسكم وافعلوا وافعلوا فتجدنا إذا قال اللهم عليك بعتاة الأمريكان نقول آمين لكن آمين ليست من عقلنا لأن ليس فيهاا اقتناع ،بل آمين عاطفة كالذي سيلمس ابنه شيء ساخن يقول له اتركه اتركه اتركه مع أنه يعلم أن اتركه اتركه ضرر بسيط سيحرق إصبعه فقط، لكن عاطفة ،بينما لو ربما رأى ابن غيره سيقفز في نار لما صرخ بهذا الصراخ كله مع أن النار أعظم، لكن ومثل الذي يقول فك أسرى إخواننا في غوانتنامو أو مثلا شخص مصاب بشلل رباعي وعنده كسرٌ في فقرات الظهر ومنذ 20 سنة لا يتحرك إلا رأسه لو جاء شخص وقال له الله يشفيك يقول آمين يشفيني؟! وظهري مكسور ! هذي مشكلتنا أحياناً ، أحياناً هناك بعض الأشياء أي نقول آمين بناءً على العاطفة فقط أو بناءً على أننا مسلمون ودعاء ، قل آمين ليس ضارك لكن ليس لدينا أو ربما 10% ولا أريد أن أقول 1% حتى لا نطرح الإيمان تماماً لكن ولا 10% أو 20% عند الله سيستجيب مع أنك لو تدبرت بأحوال السابقين تجد أعاجيب، موسى يدعو على فرعون فيشق الله البحر لموسى ويمشي موسى عليه السلام فرعون يغرق ويصيبه ما أصابه.
قبل فترة شاب سبحان الله بسيط لكنه صالح كان في الصف الثالث الثانوي و فيه صلاح بر بوالديه، تلاحظ فيه أن بداخله دين وتقوى يضع نظارة سميكة لا أذكر مقياس نظره، لكن نظره ضعيف جداً جداً جداً ويضع نظارات سميكة ، كان معه ثلاثة أو أربعة من الشباب معتمرين وكأن الشباب الذين معه تضايقوا كانوا يمسكونه من يده وصدم في امرأة مرتين ثلاث، وضاق صدره ووقفوا عند ترمس زمزم ليشربوا في المسعى فأخذ كأس زمزم ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:"ماء زمزم لما شرب له" قال: اللهم إني أسألك أن ترد علي بصري وشرب الماء. يقول لي أحد الشباب من الذين معه :والله يا شيخ أنه رجع الكأس وأخرج النظارة وفجأة انطلق وانطلق يمشي ، أمسكوه أصدقاءه ،هو الآن بنظارة ويحتاج من يمسكه فكيف إذا ترك النظارة قال: لم أعد أحتاج النظارة ،الله أكبر اللهم لك الحمد بدء يبكي قالوا كيف؟ قال: رُد علي بصري قال له واحد منهم كم هذه قال 10و قال الساعة التي هناك كم قال التاسعة والنصف فإذا هو قد رد الله تعالى بصره تماما.ً هذه حادثة وقفت عليها بنفسي وليست صعبة على رب العالمين مثل ما قال زكريا، لما قال :
﴿ قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ﴾
يعني انظر مث أن يأتيك شخص مجنون مثلا وي يشرح موضوع لشخص أصم لا هذا يستطيع أن يشرح ولا ذاك يمكن أنه يسمعه، فتخيل زكريا هناك أربعة أشياء تجعله يستبعد أن يستجاب الدعاء ذكر رحمة ربك عبده زكريا ، ماهي الأشياء الأربعة إذ نادى ربه نداءً خفيا ، يستحي أن يدعو أمام الناس ارزقني ألاد ! لا زوجتك تستطيع أن تلد ولا أنت ممكن أن يكون لديك أولاد، أنت عمرك فوق المائة سنة ، مثل ما قالوا عنين ينكح عاقراً كيف يكون لديك أولاد ومع ذلك عندما (....) نادى ربه نداءً خفيا هذا أول شيئ يجعله يستبعد هو نفسه أن يستجاب دعاءه ، قال: ربي إني وهن ، وليس لديه قوة في جسمه كيف يكون لديك أولاد ، قال: إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً، (...) خفيا، وهن، اشتعل، ولم أكن بدعائك ربي شقيا وإني خفت ﴿وإني خفت الموالي من ورائي ﴾ يأتيني خوف وأنا كبير ويضيق صدري وتتغير نفسيتي، خفت الموالي من ورائي وأتى بالرابعة التي هي أعظم وأعظم وكانت امرأتي عاقراً ، ماذا تريد ؟ياالله حسن الخاتمة ! لا ! أريد أولاد ، زكريا كيف يكون لديك أولاد وامرأتك عاقر ورأسك اشتعل فيه الشيب والعظم وهن، وأنت تدعو كيف نعطيك أولاد ؟! لو قال اغفرلي يا الله حسن الخاتمة ممكن ﴿ا فهب لي من لدنك وليا ﴾ فإذا بالله تعالى ينادي زكريا ﴿فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب ﴾ رجل عجوز محدب واقفٌ في المحراب، العظم قد وهن والشعر اشتعل شيباً ولحيته بيضاء وشعره أبيض ويدعو الله وهو قائم ﴿أن الله يبشرك بيحيى﴾ (...) يحيى يكون لديه أولاد! يعني لو قال الله (..) امرأتي عاقر وأنا عجوز، يبشرك بيحيى! قال في الآية الأخرى ﴿ قال رب أنى يكون لي غلام ﴾ كيف يأتيني أولاد؟ بدأ يتذكر الأسباب المانعة وكانت امرأتي عاقراً ، بدأ يعيد نفس الكلام يا ربي أكيد يأتيني أولاد؟، امرأتي عاقر وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتياً ، قال كذلك قال ربك انتهى الموضوع لا تقيس الأمر بمقاييسك لا بل قسها بمقاييس السماء نحن عندنا مقاييس تختلف عن مقاييسك يا زكريا ، وهن وشيب هذه ليست بمقاييسنا نحن مقاييسنا كن فيكون وانتهى الموضوع، قال كذلك قال ربك هو علي هين ، صعبة كن فيكون؟ هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً ، نحن خلقناك من عدم يعني لا نستطيع أن نخلق ولد من صلبك؟ وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً ، قال ربي اجعل لي آية من شدة الفرح قال يا ربي كيف أعلم أن زوجتي حامل ، يريد أن يفرح ،كيف أعلم؟ أنتظر إلى أن تقول انقطعت الدورة ولم تنقطعع الدورة؟ اذهبي حللي؟ لا، أريد أن أعرف بسرعة ، قال ربي أجعل لي آية ، اجعل لي علامة ، قال: ﴿ آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا ﴾ ، وأنت سوي ليس فيك مرض تقوم في الصباح تريد أن تتكلم ولا تستطيع ، ليله ليلتين ثلاث وهو كل يوم (..) لا إنه يتكلم، خرج في ليلة من الليالي في أحد الأيام، أراد أن يتكلم إلا أنه لم يستطع، علم أن هذه هي العلامة، لذلك قال الله تعالى:
﴿فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ﴾ أوحى إليهم أي اشار عليهم ، أخذ يأشر لهم بأصابعه سبحوا وهللوا.
بعد ذلك جاءت التربية العظيمة ليحيى ، ﴿يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا(12) وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا (13)وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا (14)﴾
انظر إلى الآيات كيف تشرح لك حاله لأن زكري،ا ما استحال، لم يرفع يدينه وقال اللهم اعطني أولاداً يالله حسن الخاتمة يأتيني أولاد وأنا عجوز وزوجتي عاقر! يا الله اختم لي بالخير يا ربي وأنزل يديه، لا! بل رفع يديه و عنده يقين في قدرة الله تعالى على استجابة الدعاء فدعا الله تعالى واستجاب.
أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد وأن يجعلنا مِن مَن يلحون على الله تعالى بأنواع الدعاء قائمين قاعدين على جميع أحوالهم آميــن يـارب العالمين
هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبيه محمد

قصة سجين
محمد العريفي
الحمد لله رب العالمين الذي انشأ خلقه وبرا... وقسّم أحوال عباده غنا وفقرا... وانزل الماء وشقّ أسباب الثرى...أحمده سبحانه فهو الذي أجرى على الطائعين اجره وأسبل على العاقلين سترا...هو سبحانه الذي يعلم ما فوق السماء وما تحت الثرى... ولا يغيب عن علمه دبيب النمل في الليل أذا سرى ... سّبحت له السموات وأملاكها وسبحت له النجوم وأفلاكها...وسبحت له الانهار وأسماكها...وسبحت له الآرض وسكانها...وسبحت له البحار وحيتانها...وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم... فأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له لاند له ولا شبيه ولا كفأ ولا مثل ولا نظير...وأشهد ان محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله...وخيرته من خلقه...وأمينه على وحيه...وارسله رحمه للعالمين...وحجه على الناس اجمعين...فصلوات الله وسلامه عليه...ما ذكره الذاكرون الآبرار...وصلوت الله وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار...ونسأل الله تعالى ان يجعلنا جميعا من صالح امته...وان يحشرنا يوم القيامه في زمرته...
أما بعد أيها الآخوة والاخوات:
ان الله عزوجل قد ذكرفي كتابه عبر وحكى علينا من اخبار السابقين قصصا وأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ان يحكي لنا شيئا من هذه الأخبار ويقصّ علينا من تلك الأثار من ذلك ان الله جل وعلا قص في كتابه قصة يوسف عليه السلام ثم قال في أخر القصة( لقد كان في قصصهم عبره لاولي الالباب ما كان حديثي الثرى ) ومن اصدق من الله قيلى نعم ما كان حديثي الثرى ولمّا جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينظر في كتاب الله وينظر في قصص الآولين كان مما تلى من كتاب الله جل وعلا قول الله سبحانه وتعالى(فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)وقوله جلّ جلاله(وكذلك نقصّ عليك من انباء الرسل ما نثبّت فيه فؤادك)وفي الآيه الاخرىقال سبحانه وتعالى(كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد أتيناك من لدنا ذكرا) عندها جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقص لآصحابه ما يثبّت به أفئدتهم على الخير فكما تلى في القراءن قصة نوح عليه السلام جعل يقص شيئامن ذلك لآصحابه وكما تلى في القراءن قصة لوط وشعيب وغيره من الآنبياء جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقص من مثل هذه الآخبار على اصحابه وانك اذا نظرت بلتاريخ وجدت أن فيه من العبر ما بتجاذبك من كل ناحية خاصه اذا نظرت في التاريخ النبوي على صاحبه افضل الصلاة والسلام تتعجب عن ماذا تتحدث هل تتحدث عن عبادته صلى الله عليه وسلم؟! ام تتحدث عن قيامه لليل ؟!ام قيامه للنهار؟!ام تتحدث عن حرصه على تعليم الناس وعلى دعوتهم و الآمر بلمعروف والنهي عن المنكر؟!تتجاذبك ابواب الفضائل والبطوله من كل ناحيه فلا تدري والله ماذا تختار منها لذا احببت ان أقف معكم على باب من هذه الآبواب الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على حفظه ويحرّص أصحابه على حفظه بل كان الرجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اكثر ما يدخل الناس الى النار فيشير له النبي صلى الله عليه وسلم الى هذا الشيء الذي سوف نتكلم عنه.
هذا الشيء الذي لعلنا نتذاكر شيئا من حال النبي صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه معه هو شيء صغير في جرمه ولكنه كبير في جرمه ألا وهو اللسان.
أيها احبة الكرام:
خلق الله تعالى الآنسان ووهب له نعما متنوعه . وقسّم الله تعالى هذه النعم بين الناس فمن الناس من اتاه الله تعالى مالا ولم يؤته صحة فتجده مقعدا على سرير ابيض مع انه يملك الملايين ومنهم من أتاه الله تعالى صحة وقوتا في بدنه لكنه لم يؤته مالا فتجده يشتغل حمالا في سوق او عاملا في منجم ومن الناس من أتاه الله تعالى صحه ووسّع عليه في المال لكنه أخذ منه العقل فنجده محبوسافي غرفة في مستشفى المجانين ومن الناس من أخذ الله تعالى سمعه فتجده يتلفت بين الناس بعينيه ويشير لهم بيديه فلا هو يفهمهم ولا هم يكادون يفهمونه ومنهم من أخذ الله تعالى بصره ومنهم من أبكم لسانه وقد قال الله جل وعلا (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخرّيا ورحمه ربك خير مما يجمعون).
حدثني أحد الآخوه أنه وقف مرة عند أشاره مرورقال فسمعت صوت غناء بصوت عال جدا حتى ازعجني وأزعج الناس الذين حولنا فلتفت يمينا ويسارا ابحث عن مصدره فاذا بسياره بجانبي قد فتح صاحبها جميع نوافذها وشغّل المسجل على صوت عال يفصح بلغناء واذا بلسيارات التي حوله كلهم يلتفتون اليه ويتعجبون من رفعه الغناء الى هذا الحد. قال فضربت على منبه السياره مرارا لاجل ان يلتفت الي ولاجل ان انبهه الى ان يخفض صوت هذا المسجل او ان يطفئه او ان يشغل بدله ما هو خير منه من القراءن الكريم لكن الرجل لم يلتفت الّي ابدا مع كثرة التنبيه له بسيارتي فتقدمت بلسياره قليلا لاجل ان اشير له بيدي فلما التفت اليه انظر فأذا هو شاب قد أسدل غطرته على يمينه ويساره واذ له لحية تكاد تصل الى صدره قال فتعجبت شاب بهذه الصوره رجل قد اعفى لحيته حتى لو اراد ان يسمع العزف كيف يسمعه بهذه الصوره التي تدل على الجرأه الشديده وعلى عدم الالتفات الى الناس ابدا قال فضربت منبه السياره عدة مرات فلم يلتفت الي ايضا حتى اضاءت الاشاره الخضراء فمشى ومشيت ورائه قال جعلت أحاولت ان اوقفه لاجل المناصحه ان اذكره بالله ان انبهه الى ان هذا حقا هو حرام وفعلك له امام الناس بكل هذه الجرأه يزيده حرمه لانه فيه نوع من المجاهره لكن الرجل لم يلتفت الي ابدا حتى وقف بسيارته عند بقاله قال فأوقفت سيارتي وراءه ونزل الرجل يمشي الى البقاله فاذا ثوبه قصير فوق الكعبين رجلا ليس(مسبلا )فتعجبت فدخل البقاله فقلت في نفسي سيخرج الان ومعه علبة دخان او نحو ذلك .
قال فلما خرج فاذا بيده مجلة اسلاميه قلت لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم كيف يكون الحال كذلك قال ثم أقبل الى سيارته ثم شغلها واشتغلت الموسيقى مباشرة فقلت ما على هذا صبر نزلت من سيارتي واقبلت اليه وجعلت اصيح به فلم يلتفت الي فتمسكت بباب سيارته قبل ان يقفله ثم قلت يا اخي ما تتقي الله؟!ما تخاف الله؟!تشغّل الموسيقى طوال هذه المسافه وتشغّلها الان بصوت عال يا اخي اذا تريد ان تسمع المعازف فاسمعها لوحدك اعوذ بالله ان تسمع الناس معك ما تخاف من الله ما تتقي الله يقول والرجل ينظر الي و يتعجب من صراخي ثم يخفض رأسه ويرفعه وهو ينظر الي قال فلما رأني قد احتددت بلصراخ عليه جعل يشير لي باصابعه على اذنيه و على لسانه ويشير بيديه ان لا لا.. ففهمت ان الرجل لا يسمع ولا يتكلم أصم و أبكم قال كدت ان ابكي وخفضت راسي وأدخلت يدي برفق الى سيارته وأقفلت هذا المسجل قال فجعل الرجل يشير الي بيده ماذا تريد؟ لماذا انت زعلان؟!ثم تحسس دفترا بجانبه وقلما واعطاني الورقه والقلم وجعل يشير بيده يعني اكتب ما تريد فكتبت له انت يا اخي الكريم قد شغّلت الموسيقى بصوت عال جدا جدا جدا وقد كنت قبل قليل عند الاشاره والسيارت التي حولك كلها تتلفت عليك مما جعلني أتبعك حتى انصحك فيما تفعل قال فلما اخد الورقه وقرأها خفض راسه قليلا ثم جعل يهز رأسه يعني كهيئه الحزين ثم كتب أسفل كلامي جزاك الله خيرا على نصيحتك لكن أعلم يا اخي اني رجل أصم أبكم لا أسمع ولا اتكلم وهذه سيارة اخي ووالله العظيم اني لم أعلم أصلا بان الموسيقى شغاله الآ لما نبهتني انت على ذلك فجزاك الله خيرا.
انظر سبحان الله الى حال هذا الرجل نعم قد أخذ الله تعالى سمعه فجعله أصما أبكما ومع ذلك هو حريص على الطاعات ومن يدري من يدري ربما لو ان الله تعالى اعطاه السمع والكلام لكانت هي سبب هلاكه يوم القيامه فكم من رجل تردّى في النار بسبب كلمة من لسانه ففي الصححين قال عليه الصلاة والسلام ان العبد ليتكلم بلكلمه ما يتبين فيها يعني يخرج الكلمه في مجلس,في سياره,مع رجل يتحدث معه في قطار او طائره,او في سوق هكذا يطلق الكلام دون ان يفكر فيه من غضب الله و من سخطه ومن الحرام قال(أن الرجل ليتكلم بلكلمه ما يتبين فيها يزلّ بها في النار ابعد مما بين المشرق والمغرب)
واذا جمع الله الاولين والآخرين يوم القيامه.ونصب كرسيه لفصل القضاء وارتعدت الفرائق وبلغت القلوب الحناجر وزاغت الابصار في المحاجر وجثت الامم على الركب وانهكهم الخوف والتعب عندها تجمع الحيوانات ليفصل القضاء بينها وفي الحديث الصحيح انه صلى الله عليه وسلم أخبر انه(يقاد للشاه الجلحاء من الشاة القرناء )الشاة الجلحاء التي لم ينبت لها قرن أصلا .والشاة القرناء هي التي لها قرن فان كانت الشاه القرناء قد نطحت الشاة الجلحاء فلدنيا نزع القرنان من القرناء يوم القيامه وجعلت للشاة الجلحاء التي لم يكن لها قرن ثم قيل لها انطحيها الان واقتصي كما نطحتكي بلدنيا ثم يقضى بين الابل والبقر وبين الوحوش والحشرات فأذا فرغ من القضاء بينها يقال لها كوني ترابا عندها ينظر قوم من الناس الى هذا المنظر ويتمنون لو انهم يكونون أيضا ترابا قال الله تعالى (ان انذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا)
نعم يتمنى كل من كفر بالله انه لو كان في الدنيا حمارا يتمنى لو لم يكن انسانا يتمنى لو انا كان حمارا او خنزيرا او حشره او ذبابه لاجل ان يكون يوم القيامة ترابا ومن يدري من يدري!! ربما يتمنى اقوام يوم القيامه ان لو كانوا عميا لا يبصرون لانه ما ثّقل موازنيهم بلسيئات الآ ما نظروا اليه من المحرمات وربما يتمنى البعض لو انهم كانوا بكما لا يتكلمون لانه ما اوثقهم أصلا في صحائفهم الآ ما فيها من غيبة وسباب وكذب والفحشاء قال الله تعالى(ان السمع والبصر والفؤاد كل اؤلئك كان عنه مسؤولا)
الكلمه والنظره وما في القلب يكون الانسان عنه يوم القيامة مسؤولا وعند الترمذي من حديث بلال ابن الحارث الموزني ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال ان الرجل ليتكلم بلكلمه من رضوان الله ما كان يظن انا تبلغ ما بلغت يعني الرجل يلقي كلمة نصيحه في مجلس او يقدم نصيحه الى انسان او يذب عن عرض اخيه المسلم اي كلام فيه نوع من رضوان الله او تسبيح او غير ذلك اهم شيء انه نوع من رضوان الله تعالى قال(ان الرجل ليتكلم بلكلمه من رضوان الله تعالى ما كان يظن ان تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى له بها رضوانه الي يوم يلقاه ثم قال وان الرجل ليتكلم بلكلمه من سخط الله ما كان يظن ان تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى بها عليه سخطه الى يوم يلقاه)
اعوذ بالله ان يكون الانسان ينام ويأكل ويشرب ويذهب ويجيء وهو قضى شهرا او سنه او عشر سنوات قد تساهل بكلمه من سخط الله فالقاها ولا يزال الله ساخطا عليه لمده عشرين سنه او اربعين او خمسين سنه الى ان يموت لا يزال الله ساخطا عليه الى يوم يلقاه هل نظرت في مقدار عظمه هذه الكلمات يقول علقمه رحمه الله وهو احد رواة هذا الحديث يقول والله كم من كلام اردت ان اتكلم به فمنعنيه حديث بلال ابن الحارث يعني هذا الحديث قال عليه الصلاة والسلام(من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنه) ما بين لحييه اي ما بين فكيه ولما سئل صلى الله عله وسلم عن اكثر ما يدخل الناس الى النار ما قال الربى,وعقوق الوالدين , واكل اموال الناس بلباطل, قال عليه الصلاه والسلام مع عظمه هذه الامور بلا شك وانما بين امورا اخرى تدخل الناس الى النار قال عليه الصلاة والسلام(اكثر ما يدخل الناس الى النار الفم والفرج)اما الفم فهو فيما يتكلم به من الحرام او فيما ياكله من الحرام والفرج فيما يقع فيه من الفواحش وان شئت فانتقل معي الان الى هناك انتقل الى حال النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه في المدينه كيف كانوا يتكلمون كيف كانوا يحاسبون انفسهم على ما يخرج منهم من عبارات او اعتراضات اواحيانا سواليف بلمجالس كيف كان الواحد يقف مع نفسه وقفه جاده في محاسبة النفس على كل ما ينطق به لسانه سواء كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة او كانوا معه في غزوة من الغزوات او كانوا معه في مكة او كانوا في غير ذلك لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع اصحابه يريدون العمره خرج عليه الصلاه والسلام معه الف واربعمئه من الصحابة يريدون ان يعتمروا الى البيت الحرام في هذه الاثناء وصلوا الى هناك فمنعتهم قريش من ان يدخلوا الى مكه لاجل ان يطوفوا في البيت كما هو معلوم في القصة الطويله للحديبيه وما وقع فيها من صلح اقبل قوم من قريش مرارا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون ان يصالحوان يحلوا المشكله التي بينهم وبينه من منعهم اياه من دخول مكه بين هؤلاء الذين جاءوا سهيل ابن عمر اقبل الى النبي صلى الله عليه وسلم بعدما جاءه عدد من اصحابه اقبل هو الاخير الى النبي عليه الصلاة والسلام واتفق اتفاقا من بين بنود هذا الصلح ان من ارتد عن دينه من المسلمين الذين في المدينه ثم أراد ان يذهب الى مكه ليقيم بين اهلها الكفار فان اهل مكه يقبلونه والمسلمون لا يمنعونه ومن اسلم من الكافرين دخل في الاسلام واراد ان يهاجر الى المدينة لاجل ان يقيم بين ظهراني المسلمين لاجل ان يتقوى على الدين ويتمسك بلشريعه فان الكفار يمنعونه ولو تفلت من بينهم فان المسلمين لا يقبلونه تعجب الصحابه كيف!!! يعني اذا واحد ارتد من عندنا نقول اذهب الى مكه يعينونك على كفرك واذا واحد اسلم نقول له لا نقبلك اذهب وابقى في مكه ليردوك عن اسلامك سكت الصحابه واقبل عمر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر ماذا تكلم ماذا قال ثم انظر الى تأثير هذا الكلام عليه بعد ذلك مع انه الان ما تعمد ان يتنقص احدا ولم يسب احدا ولم يغتب احدا انما الان يعرض وجهة نظره عنده اقبل الى رسول الله وقال يا رسول الله اولسنا مسلمين لاجل ان يصل الى نتيجه اولسنا مسلمين؟قال بلى والى الان النبي صلى الله عليه وسلم لعله لا يدري ماذا يريد عمر بهذا السؤال قال اوليسوا بلمشركين؟ قال بلى قال اولسنا على الحق؟ قال بلى قال اوليسوا على الباطل؟ قال بلى قال يا رسول فعلى ما نعطي الدنية في ديننا لماذا نكون نحن الآذلةّ! ونحن الذين نوافق على كل شرط يذكرونه على ما نعطي الدنية في ديننا فقال عليه الصلاة والسلام اولست رسول الله انت مؤمن اني رسول ام لا؟ اولست رسول الله؟ قال بلى فقال عليه الصلاه والسلام اني رسول الله ولن يضيعني قال يا رسول الله الم تكن تحدثنا ونحن في المدنيه انا نعتمر بلبيت الحرام انت ما قلت لنا اننا سوف نطوف بلكعبة نحن الان جئنا وهم يمنعوننا وانت توافق اولم تكن تحدثنا ونحن بلمدينه انا نطوف بلبيت الحرام فقال عليه الصلاه والسلام اوى قلت لك انك ستطوف به في عامك هذاانا قلت لك هذه السنه سوف تطوف؟ قال لا قال رسوال الله فاني صادق انا قلت لك ستطوف يعني ستطوف انك ات الى البيت ومطوف به انا لم اقل لك هذه السنه يمكن بعد سنه سنتين ثلاثه ومضت الايام واسمع ماذا يقول عمر رضي الله تعالى عنه بعد ذلك يقول والله ما زلت اصوم واتصدق واصلي واعتق من الذي صنعت في الحديبيه مخافة عاقبه كلامي الذي تكلمت به وهذا يا جماعة وعمر يقدم اقتراحا يعني لم يعترض لم يسب الدين لم يكفر بالله لم يغتب احدا لم يخالط بلفظه فيها مخالفه صريحه انما مجرد تقديم اقتراح ومع ذلك هذا الكلام الذي تكلم به يقول والله ما زلت اعمل اعمال صالحه حتى يكفر الله وتعالى عني هذه الكلمات التي قدمتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بالله عليك اكتب هذا الكلام الذي قاله عمر وابعثه رساله الى بعض من يتكلم باعراض الناس ولا يهتم الى بعض من يستهزيء بلصالحين ولا يهتم الى بعض من يتنقص الناس بلمجالس ولا يلتفت الى كلامه انظر الى محاسبة عمر رضي الله عنه لنفسه ومع ذلك تجد بعضنا يتكلم بكلام اعظم من هذا ولا يهمه ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم يتكلم الرجل بلكلمه لا يظن بها انا تبلغ ما بلغت ثم تكون العاقبه يهوي بها في النار ابعد مما بين المشرق والمغرب لما خرج صلى الله عليه وسلم الى معركة بدر وصل وقد فاتتهم القافله التي خرجوا لاجلها قافله ابي سفيان التي خرجوا لاجل اخد ما معها فاتتهم وذهبت مع طريق اخر واقبل جموع المشركين في جيش من مكه لقتال المسلمين لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم الى مكان معركة بدر علم بانهم الان في ساحة قتال وعلم ان المشركين قد جائوا( بجيوشهم) لقتال المسلمين كان من بين الذين مع المشركين العباس ابن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل ان العباس كان مسلما يكتم اسلامه وكان يشتغل وكان يستفيد منه النبي صلى الله عليه وسلم من مقامه في مكه انه ينقل اليه الاخبار وما تكيد به قريش وما تخطط به له فكان النبي صلى الله عليه وسلم يستفيد من العباس والعباس يصلي خفيه لا يظهر اسلامه ابدا امامهم وقيل انه لم يسلم بعد هما قولان لاهل العلم المقصود ان النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف امام اصحابه التفت الى الجيش فاذا كلهم رجال ابطال قد استعدوا الان لاجل الحرب والقتال فقال عليه الصلاة والسلام لآصحابه اني قد عرفت رجالا من بين هاشم وغيرهم قد اخرجوا كرها قد اخرجتهم قريش غصب عنهم بغير رضاهم قد اخرجوا كرها لا حاجه لهم بقتالنا يعني سوف يحضرون ساحه القتال لكن اعلموا انهم لن يقتلونا سيكونون في مكان بجانب المعركه لن يقتلونا ولن يرفعوا علينا سيفا طيب من هم يا رسول الله هؤلاء الذين لن يقاتلونا قال لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم احدا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي ابا البختري بن هشام بن حارث فلا يقتله ومن لقي العباس ابن عبد المطلب فلا يقتله عندها جعل الصحابه يلتفت بعضهم الى بعض حذيفه ابن عتبه ابن ربيعه رضي الله تعالى عن حذيفه كان رجلا صالحا من الصحابه ومن خيارهم وهو رجل بدري ويكفيك ان النبي صلى الله عليه وسلم اخبر ان الله اطلع على اهل بدر فغفر لهم وقال اعملوا ما شئتم لقد غفرت لكم والبدريون هم خيار الصحابه قام حذيفه وهو يتذكر اباه عتبه بن ربيعه راس من رؤوس الكافرين سوف يأتي الان يقاتلنا كيف يعني يا رسول الله فقام حذيفه رضي الله عنه من شدة ما في قلبه من غيظ على الكافرين اجمعين ومن تفاعل مشاعر في داخله كيف تفوت القافله كيف الان نقاتل اكثر من الف وثلاثمئه ونحن مجرد ثلاثمئه وسبعه عشر رجلا ما استعددنا لقتال يعني مشاعر وعواطف في داخل نفسه لم يستطع كبتها فقام وقال يا رسول الله انقتل ابائنا وابنائنا واخواننا ونترك العباس؟! والله لآن لقيته لالحمن السيف في عنقه عندها التفت الرسول صلى الله عليه وسلم الى عمر قال يا عمر ايضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسيف وهذا من ذكائه عليه الصلاة والسلام لم يحب ان يقول يا حذيفه ترى العباس مسلم يكتم اسلامه مشكله ان تخرج للناس مثل هذا الخبر فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم باسلوب اخر لحل هذا الكلام قال يا عمر ايضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسيف يا ابا حق قال عمر فوالله انها لاول مره يكنيني بها النبي صلى الله عليه وسلم ويقول لي يا ابا حق سلّ عمر سيفه قال يا رسول الله اأضرب عنقه فوالله لقد نافق ! قال لا دعه قال حذيفه رضي الله تعالى عنه اسمع كيف كان يحاسب نفسه بعد هذا قال رضي الله تعالى عنه والله ما انا بأمن بعد تلك الكلمه التي قلت مع ان الرجل بدري وذاهب ليقاتل مع المسلمين وفي ساحة قتال والنبي عليه الصلاه والسلام ما حكم عليه باي شيء ولا ضربه ولا ذكر فيه حديثا ولا نزلت فيه أيات يقول والله ما انا بأمن على نفسي من العذاب بعد تلك الكلمه التي قلت يومئذ ولا ازال منها خائفا ووالله لا ارى يكفرها عني الا الشهادة في سبيل الله يقول هلكلمه الكبيره كبيره عنده رضي الله عنه يقول ما ارى انه يكفرها عني ويغفرها لي الا حسنه كبيره جدا وهي اني اموت شهيد في سبيل الله فقتل رضي الله تعالى عنه شهيدا في يوم اليمامة
ايها الاحبه الكرام : كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم على هذا الحال من حفظ السنتهم والتدقيق في كلامهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم ايضا يدقق عليهم في عباراتهم روى ابو داوود و الترمذي انه صلى الله عليه وسلم جلس يوما مع عائشه فزكرت له صفيه احدى زوجاته تعلمون ما يقع بين الضرائر من الغيره الشديدة في لنفوس فقالت له عائشه يا رسول الله حسبك من صفيه يعني يكفيك ذما في صفيه زوجتك الثانيه انها كذا وكذا واشارت بيدها تعني انها قصيرة فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم اليها وغضب غضب وقال يا عائشه نه يعني اصمتي لقد قلتي كلمه لو مزجت بماء البحر لمزجته يعني هذه الكلمة يا عائشه التي لم تعرفي خطرها ولا كبرها هذه الكلمه لو تؤخذ و توضع مع ماء البحر لمزجته وغيرت ريحه او غيرت طعمه او غيرت لونه هلكلمه التي ترينها ضغيره لو تمزج بماء البحر كله لغيرته من كبرها عند الله تعالى وقالت عائشه رضي الله عنهاو جلست يوما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكيت له انسانا يعني قلدت له انسانا ما ذكرت له هذا الانسان لعلها قلدت احدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم او غير ذلك حكيت له انسانا على هيئه الضحك عليه والاستهزاء به يعني نوع من الغيبه حكيت له انسانا قلدته اما بحركه يدي او بحركه فمي او طريقه كلامي قالت فالتفت الي صلى الله عليه وسلم وقال منكرا عليها قال ما احب اني حكيت انسانا وان لي كذا وكذا يعني لو اعطى من كذا وكذا اشياء من عظيمه في الدنيا ويقال لي قلد انسان على سبيل الاستهزاء لما وافقت على ذلك وفي يوم ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم حال امراه وذكر له من صلاتها وصيامها وعبادتها قالوا يا رسول الله هذه امراه صالحه قيام ليل صيام نهار عبادات تبتل قراءة قراءن بكاء من خشية الله ما في اصلح منها ما شاء الله عليها يا رسول الله هذه فلانه تصلي وتصوم وتتصدق وتفعل وتفعل قالوا يا رسول الله غير انها تؤذي جيرانها بلسانها تغتاب تسب تصرخ تتكلم عليهم تشتمهم عباده خذ عباده صلاه صيام قيام ليل بكاء خشوع صدقه خذ غير انها تؤذي جيرانها بلسانها فماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل قال حسناتها تذهب سيئاتها وهي قد بلغت درجه عظيمه ان شاء الله رب العالمين يتجاوز عنها لاااا تدري ماذا قال عنها ؟ قال صلى الله عليه وسلم اول ثلاث كلمات حكم عليها اول ما قال هي في النار هي في النار !!! قال هي في الناااااار اذا تاملت في هذه الاحاديث وجدتها تدور على شيء واحد صغير في جرمه لكنه كبير في جرمه الا وهو اللسان الذي شدد الله تعالى الرقابة عليه فقال(ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد)وتوعد الله تعالى على اطلاقه في الحرام فقال جل جلاله(اذا تلقونه بالسنتكم وتقولون بافواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) ولشدة خطره وعظيم جرمه جعل الله تعالى عليه غطائين الفكين والشفتين حتى ما يتفلت من سجنه فيؤذي الاّمنين قال عبد الله ابن مسعود رضي اللله عنه(ما من شيء احق بلسجن من اللسان) وقال غيره(مثل اللسان كمثل السبع ان لم توثقه عدا عليك فاكلك)
وكان ابو بكر رضي الله عنه يمسك لسانه ثم يقول هذا الذي اوردني الموارد يعني هذا الذي اوقعني في المهالك هذا الذي جائني بلمصائب هذا الذي ورطني هذا الذي اهلكني كانوا يحرضون على سجنه ويخافون من جرمه فما قصه هذا السجين؟ وكيف تواصى العلماء بسجنه؟ ولماذا حذر العقلاء من فك قيده؟ ولماذا كانوا يؤثرون السكوت على الكلام؟ كان محمد ابن واسع كثير السكوت كثير الصمت الا في درس او حديث او خير او مؤانسه لاصحابه او كلام مباح حتى قال بعض اصحابه والله لو شئت لعددت كلامه من الجمعه الى الجمعه وكان ابن عباس رضي اله عنهما ياخد بلسانه ويقول ويحك ويحك قل خيرا تغنم او اسكت عن شر تسلم اللسان اوصى النبي عليه الصلاة والسلام الا يطلق من سجنه ولا يحل من قيده الا في خير فقال عليه الصلاه والسلام كما في الصحيحين(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراو ليصمت) قل خيرا او اصمت اجعل لسانك مسجونا لا تخرجه من زنزانته اجعل الفكين على حالهما مغلقين واجعل الشفتين كذلك
وعند الترمذي ان عقبه ابن عامر رضي الله تعالى عنه اقبل يوما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسال النبي صلى الله عليه وسلم بعض الوصايا قال يا رسول الله ما النجاة؟ كيف الواحد ينجو في هذه الدنيا الكثيرة الفتن؟ فقال (امسك عليك لسانك وليسعك( بيتك)و ابكي على خطيئتك) وصح عند الامام احمد ان اعرابي جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنه سؤال جميل مختصر .. فقال صلى الله عليه وسلم( لئن كنت اقصرت الخطبة يعني كلامك قليل لقد اعرضت المساله الا ان سؤالك يحتاج الى جواب طويلاعتق النسمه وفك الرقبه قال يا رسول الله اليست بواحده اعتاق النسمه وفك الرقبه؟!فقال لا ان عتق النسمه ان تفرد بعتقها ان تاتي بعبد مملوك ثم تعتقه وفك الرقبه ان تعين على عتقها ثم قال والمنحه الوكوب يعني ان تقبل الى اهل بيت فقراء فتمنحهم تهدي اليهم شاة فيها لبن او ناقه فيها لبن والفيء على ذي الرحم الظالم ثم قال فان لم تطق ذلك فاطعم الجائع واسقي الظمأن اذا لم تستطع ان تعتق النسمه ولا تفك الرقبه وليس عندك مال تهدي اليهم ناقه او شاة اطعم الجائع واسقي الظمان وامر بلمعروف وانهى عن المنكر ثم قال فان لم تطق ذلك فكف لسانك الا من خير ما دام انك ما تستيطع ان تفعل اي من هذه الامورمن الصالحات عالاقل امسك عليك لسانك ويروى ان قس ابن ساعده واكثم ابن الصيفي وكلاهما من كبار العقلاء والحكماء جلس احدهما عند الاخر فقال احدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن ادم من العيوب؟ الاخطاء التي تقع من الناس وغير ذلك فقال هي اكثر من ان تحصى ولقد احصيت منها ثمانيه الاف عيب التي تقع من الناس بالاخطاء ثم قال فما اعظمها؟ قال قد وجدت والله خصله ان استعملتها اذا انت فعلتها سترت هذه العيوب كلها قال وما هي قال ان تحفظ لسانك يعني من العيوب السب فاحفظ لسانك ولا تسب ومن العيوب ما يقع من خلافات بين الرجل وزوجته لوحفظ لسانه وحفظت لسانها لكف كثير من هذه الخلافات ومن العيوب غيبه الناس فكيف تستطيع الكف عن ذلك احفظ لسانك من العيوب ما يقع في قلوب الناس عليك من حقد لو نظرت احيانا لو وجدت انه بسبب كلمه خرجت منك حقدوا عليك بسببها طيب والحل؟احفظ لسانك من العيوب التنابز بالالقاب طيب والحل؟ احفظ لسانك من العيب السخريه من الاخرين طيب والحل؟ احفظ لسانك ولو ذهبت تنظر في عيوب كثيره سببها هذا اللسان لما استطعت ان تقف على موقف في ذلك الا بشق الانفس من كثره هذه العيوب فكم بهذه الالسنه عبد غير الله تعالىواشرك وكم بهذه الالسنه حكم بغيرحكمه سبحانه وتعالى وكم بهذه الالسنه احدثت بدع.. وادميت افئده.. وقرحت اكباد.. كم بهذه الالسنه ارحام تقطعت.. واوصال تحطمت.. وقلوب تفرقت.. كم بهذه الالسنه نزفت دماء.. وقتل ابرياء.. وعذب مظلومون.. كم بها طلقت امهات.. وقذفت محصنات.. كم بها من اموال اكلت.. واعراض انتهكت.. ونفوس زهقت.. يموت الفتى من عثرة بلسانه وليش يموت المرء من عثره الرجل
في يوم من الايام القيت محاضره في احد السجون جمع علي السجناء في المسجد الكبير قرابه الخمسمئه او الالف سجين انتهيت من المحاضره اول ما انتهيت قال لي احد الاخوه وهو مشرف على بعض المحاضرات في السجن قال يا شيخ هنا الجناح الخاص باصحاب القضايا الكبيره وجناح الانفرادي لم يحضروا معك المحاضره فليتك ان تمر بهم وتلقي عليهم كلمه و تجيب على اسئلتهم ان كان عندهم اسئله قلت حسنا اقبل فاذا بمجموعه كل واحد في زنزانة خاصه به مررنا بهم واقليت عليهم كلمه يسيره ثم اجبت على اسئلتهم مررت باثناء ذلك مررت بزنزانه فيها شاب عمره تقريبا 23 سنه او في الخامس والعشرين سنه تقريبا كان جالسا هادئا في زنزانته مررت به وسلمت عليه فكان هادئا لطيفا ثم تجاوزته سالت صاحبي ما قضيته هل هو عليه سرقات او مشكله مع احد ادت الى قتله ما قضيته؟ قال هذا الشاب يا شيخ عليه جريمه قتل لزوجته قتل لزوجته!! ما هو السبب؟ قال هل تصدق انه ما مضى على زواجهما الا قرابه الثلاثة اشهر وقتلها فقلت كيف قتلها اعوذ بالله؟! هل وجدها على فعل معين او محرم او فاحشه او وجدها مع رجل مع انه لا يجوز ان يعاملها بلقتل في مثل هذه المواقف لكن احيانا بعض الناس قد يثور ويتهورو يضربها بشيء فتموت بسببه قال لا قد ذبحها بلسكين انا لله وانا اليه راجعون قلت كيف؟ قال هذا تجوز و سكن مع زوجته على احسن حال فحقد عليه مجموعه من الناس ربما بينه وبينهم مشاكل في القديم اوانهم كانوا يريدون ان يتجوزوا هذه الفتاه المقصود انهم حقدوا عليه فاقبل اليه احدهم قال يا فلان قال ما تريد؟ قال انت اشتريت سيارة خضراء بدل سيارتك وذكر له احد انواع السيارات قال لا والله انا ما اشتريت معي سيارتي السوداء التي معي وتعرفونها قال والله ماادري ولكن انا امس الضحى وانت في العمل خرجت في حاجه ومررت امام بيتك ورأيت سياره خضراء واقفه عند الباب وخرجت امراه من بيتك وركبت معه وبعد ساعتين رجعت الى البيت قال انت عندك يمكن بلبيت احد قال لا والله ما في الا زوجتي حتى ما عندي خادمه ولا عندي احد قال ما ادري بس ان شاء الله ان شاء الله ما تكون زوجتك ومضى بعد ذلك بدء الرجل يشك بزوجته في احد جاء في احد ذهب بعدها بيومين ثلاثه اقبل اليه رجل اخر قد اتفق مع الآول قال يا فلان قال نعم قال انت غيرت سيارتك؟ هل اشتريت سياره بيضاء قال لا والله هذه سيارتي تحت واقفه قال والله ما ادري بس انا امس العصر بس يبدو انت ما كنت بلبيت في سياره بيضاء وقفت عند البيت واقبلت امراه وركبت معه وذهبت جعل الرجل ينتفض ثم جائوا عليه بيوم ثالث وزادوا عليه بلكلام وفي اليوم الرابع انظر كيف الالسنه تحدث من عقوق وقطيعه فلا زالوا به حتى تخاصم مع زوجته واكثر عليها الكلام وهي صرخت عليه كيف تتهمني بعرضي قال نعم اتهمك اعترفي كثر الكلام فذهبت الى بيت اهلها لبثت عند اهلها ايام فلم يرضهم ذلك اقبلوا اليه قالوا يا اخي ترى السيارات نفسها تقف عند بيت اهلها بكره البنت تحمل وبعدين تقول هذا ولدك انت لست رجلا انت ما عندك مروءه انت تلعب بعقلك الفتاة والله لو انك رجل فلم يزالوا يعينون الشيطان عليه بلوساوس حتى تغلب عليه الشيطان في ليله من الليالي فخرج من بيته ومضى الى بيت اهلها وقفز من فوق السور ودخل الى البيت والكل نائم مضى الى المطبخ و اخذ سكينا ثم مضى الى غرفتها ودخلها بهدوء واذا الفتاة نائمه في من امان الله قد نامت على بطنها في امان الله على فراشها فاقبل من خلف رقبتها وابعد شعرها قليلا وذبح حتى قطع اوداجها انتفضت قليلا وماتت مسح السكين بثيابها وتركها وذهب الى مركز الشرطه وقال انا قتلت فلانه ادري اني ساتعب لو هربت وسوف الاحق في كل مكان من الان انا قتلتها ولكن بردت ما في قلبي وحكم عليه بلقصاص النفس بلنفس شاب يعني لو ترونه من احسن الشباب خلقة واقواهم بدنا لكن من كثره ما وقع من ألسنه اؤلئك الفجرة انظر كيف تحولت الامور قد هتكت بها اعراض وهدمت بيوت بسبب ما يخرج من هذا اللسان(ياأيها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهاله بتصبحوا على ما فعلتم نادمين) لما اقبل ابو موسى الاشعري الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنصحا قال يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ وفي رواية اي المسلمين خير؟ ما قال صلى الله عليه وسلم خير المسلمين قوّام الليل ولا قال خير المسلمين صوّام النهار ولا قال خير المسلمين الحجاج والمعتمرو ن ا والمجاهدون لا ترك كل هذه الفضائل مع حسنها و قال رسول الله(خير المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده) وبلبخاري قال عليه الصلاة والسلام( اذاأصبح ابن ادم فان الاعضاء كلها تكفر اللسان تقول اتقي الله فينا فانما نحن منك فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا)تكفر اللسان اي تخوفه اليد تكلم اللسان الرجل تكلم اللسان اتقي الله فينا فانما نحن منك يعني نحن لك سبعه فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا فعلا تجد بعض الناس يده هادئه ورجله هادئه و جالس على كرسي ثم يبدأ لسانه يتحرك ويسب الذي امامه فلذي امامه يثور ويسبه بمثلها ثم(يتشاكلان )فتتحرك اليد بلضرب والرجل بلمشي ويتحرك الراس بغيره من ضرب او نحوه فتقول له هذه الاعضاء انما نحن منك فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا لذا كان السلف ايها الاخوه والاخوات يدققون على كلامهم المباح فضلا عن الكلام المحرم جلست عائشه ام المؤمنين رضي الله تعالى عنها يوما وبين صلاه المغرب وهي صائمه فأذن لصلاة المغرب فأقبلت اليها الجارية قالت يا ام المؤمنين اقرب اليك المائده؟ اي اقرب اليك فطورك وكانت عائشه ليست بجائعه وليست عطشانه وهذا يقع احيانا لبعض الصائمين يكون لم يبذل جهدا والجو جميل ليس حارا فلا يشعر بلجوع والعطش احيانا الى المغرب الى العشاء فقالت عائشه والله مالي بلطعام حاجة يعني انا صائمه صحيح ولكن لا اشعر بلحاجه الى الطعام لكن قربي المائده نلهو بها قليلا اي ناكل من هنا ومن هنا نلهو بها ثم قالت عائشه استغفر الله استغفر الله الهو بنعمه الله اي العب بنعمة الله مع انها تقصد الهو يعني اخذ من هنا قليلا ومن هنا قليلا فقط من اجل ان افطر عليه قفالت استغفر الله الهو بنعمه الله ثم بكت وجمعت ما عندها من مال واشترت به عبدين مملوكين واعتقتهما لوجه الله توبة من هذه الكلمه هذه يا جماعه هي لم تغتاب احد ولا سبت ولا لعنت ولا كفرت بكلمه مجرد ان تقول نتسلى بلطعام هات الطعام نلهو به والامام احمد رحمه الله دخل مره يزور مريضا فلما زاره سال الامام احمدا هذا الرجل قال يا ايها المريض هل رأك الطبيب؟ هل طبيب جاءك يريد ان يطمئن على صحته قال نعم ذهبت الى فلان الطبيب فقال احمد اذهب الى فلان الاخر فانه اطب منه يعني اعلم بلطب منه وهي كلمه عاديه ثم قال الامام احمد استغفر الله تراني قد اغتبت الاول استغفر الله لانه قال اذهب الى الطبيب الثاني تراه احسن من الاول يقول استغفر الله لماذا اغتاب الاول المفروض ما اقول انه افضل منه اقول جرب فلانا قال استغفر الله تراني قد اغتبت الاول والمعافى ابن سليمان ذكروا في سيرته انه كان يمسك لسانه عن جميع الكلام الا ما فيه طاعه او فيما يرجي منه ثواب يوم من الايام كان المعافى ابن سليمان يمشي بطريق بجانب رجل والمعافى يستغفر ويسبح ويهلل ويامر بلمعروف وينهى عن المنكر فقال الرجل ما أشد البرد اليوم فالتفت اليه المعافى ثم قال استدفئت الان! يعني لما قلت هذه الكلمه دفيت قال لا قال اذن لماذا قلتها! دام انك حركت لسانك فسبح وهلل شوف سبحان الله هلدقه يقول انت تتكلم بهذا الكلام ماذا استفدت من هذه الكلمه ندري انها برد ما دام انك متكلم متكلم سبح وهلل يا اخي جمعلك كم حسنه اذا هممت بلنطق بلباطل فاجعل مكانه تسبيحا والامام الشافعي رحمه الله تعالى كان جالسا مره مع صاحبه الموزاني كلاهما من العلماء وكانوا يدرسون اسانيد الاحاديث يمرون على بعض الاحاديث يدرسون الاسناد والاسناد هو ان يقول الشيخ حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن ابي بكر او عن ابي هريرة او عن كذا من الصحابه ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال كذا هذه السلسله من الرجال هي الاسناد حتى تعرف هل هذا الحديث صحيح ام ضعيف تحتاج ان تتاكد من هذه السلسله كلها هل هم يكذبون هل حسبهم قوي هل هم ثقات او ليسوا ثقات هل هم عدول ام ليسوا بعدول الموزاني جلس مع الشافعي يتذاكران بعض الاحاديث فقال له الشافعي:ما تقول في فلان؟ فقال الموزني فلان كذاب فقاله له الشافعي: يا ابراهيم اكسوا الفاظك يعني لا تخرج الفاظك عارية لبسّها جملها اكسوا الفاظك احسنها لا تقل كذاب قل حديثه ليش بشيء تلطف شوي بلعباره ولما جلس يحيى ابن معين يوما يفصل الكلام في بعض الاسانيد يقول فلان ليش بشيء فلان كذاب فلان وضّاع فلان ينسى كثيرا ولو لم يقل هذا الكلام لاّخذ الناس بعض احاديثهم واعتبروها صحيحه فاقبل رجل من العبّاد رجل ما عنده معرفة بالاحاديث والاسانيد والرجال لكن عنده تقوى شديده ما يحب الكلام في الناس ولا اعراضهم ولا الوقيعه فيهم اقبل وجلس في الحلقه يستمع فسمع يحيى ابن معين ويحيى ابن معين امام من ائمه الجرح والتعديل سمع هذا الرجل ويحيى ابن معين وهو يقول هذا الرجل لا لا فلان كذاب فلان لالا يضع الحديث فلان هذا سيء الحفظ فلان هذا يكذب في حديثه فقال ذلك الرجل يا شيخ يا شيخ قال الامام نعم قال الرجل اتتكلم بأقوام احياء ام اموت؟ واكثرهم اموات الي مات من مئه سنه فقال بل اموات قال انك لتتكلم في أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة فبكى يحيى ابن معين مع انه يتكلم في كلام حلال والعلماء الفوا كتبا على أحد عشر مجلد عشرين مجلد في الكلام في الجرح والتعديل واحوال الرجال لكنه يحيى انتفض من هذه الموعظه وقطع درسه وخرج باكيا لما قال تتكلم في اقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة وهذا يا جماعه يتكلم بحق فما بالك بلله عليك بمن يتكلم بغير ذلك ومر سفيان الثوري يوما بقوما يتحدثون فوقف عليهم ثم قال فسالهم لو كان معكم من ينقل الكلام الى السلطان اكنتم تتخيرون الكلام؟ اي بعض الكلام تتركونه قالوا نعم لو نعلم ان احدا ينقل الكلام للسلطان بعض الكلام نحذفه وبعض الكلام نزيده لاجل ان نرضي سمع السلطان اذا سمع كلامنا قفال لهم ويحكم فانه والله من بينكم من ينقل الكلام الى الرحمان جل جلاله فأنظروا فيما تتكلمون
وعند الترمذي وابن ماجه عن سفيان ابن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله حدثني بأمر اعتصم به وما أجمل هذه الآحاديث أيها الفضلاء لما يأتي واحد من الصحابه يا رسول الله أعطني وصيه يا رسول الله علمني شيئا يدخلني الجنه وصايا تصلح لهم ولمن يجيء بعدهم وصايا جامعه يا رسول الله حدثني بأمر اعتصم به يعني اتمسك به فقال عليه الصلاه والسلام قل ربي الله ثم استقم فقلت يا رسول الله ما اخوف ما تخاف عليه اي ما هي العوائق والحفر والاخطار التي يمكن ان اقع فيها في طريق الطاعه ما اكثر شيء تخاف عليه فاخد صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه وقال هذا وعند الترمذي انه صلى الله عليه وسلم( قال لمعاذ: يا معاذ ألا اخبرك براس الآمر وعموده وذروه سنامه قلت بلى يا رسول الله قال رأس الآمر الآسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ثم قال الآ أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا رسول الله قال فأخذ بلسان نفسه قال فأخد بلسانه وقال كف عليك هذا قلت يا رسول الله وأنّا لمؤاخذون بما نتكلم به قفال عليه الصلاة والسلام ثكلتك امك اي فقدتك امك يا معاذ وهل يكب الناس في النارعلى وجوههم الا حصائد ألسنتهم) لاحظ كل واحد من الصحابه يوصيه بلوصيه نفسها لعظمها وهل يكب الناس في النار على وجوههم الا حصائد ألسنتهم يعني ما الذي جاء بلمصائب للناس وأدخلهم الى النار الا ما يتكلمون به بالسنتهم نعم حصائد السنتهم صارت بوابه لهم الى النار فكم من هذه الحصائد في مجالسنا من بذائه بالالفاظ وفحش بلكلام ومن سب ولعن وشتم باساليب عديده ومع الاسف لا تطيب المجالس عند البعض ولا يحلو الحديث الا بهذه الاساليب والانكى من ذلك والآشد ان بعض النفوس التي استمرئت عليك يرون انه من باب المزاح والتسليه وقضاء الاوقات و تحليةالمجالس وما علم هؤلاء انهم وقعوا بذلك بلفسق واضاعوا اوقاتهم بل وحمّلوا انفسهم الاوزار وربما كان الرجل او المرأه حريصا على سلامة ماله من الربا وسلامة سمعه من الغناء وسلامة يده من الاذى وربما غض بصره وحفظ فرجه تجده لا ينظر الى الحرام ويغض بصره عن الصور التي في المجلات والتي في القنوات لكنه لا يستطيع ان يتحكم في حركه لسانه من احتقار للناس واستهزاء بهم والوقيعه باعراضهم فيأتي يوم القيامه مفلسا نعم ياتي يوم القيامه مفلسا اتدرون من المفلس قال عليه الصلاة والسلام لاصحابه كما عند مسلم(أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع فقال المفلس من امتي من ياتي يوم القيامة في صلاة وصيام وزكاة ياتي وقد شتم هذا وقذف هذا ثم قال واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فقال فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) يعني قد يكون الرجل صالحا قد يكون طالب علم او رجل تقي او له نشاط في الدعوه في الآمر بلمعروف والنهي عن المنكر ياتي بصلاه وصيام وزكاة ياتي وقد بدأ الرسول بماذا من المعاصي هل قال وياتي وقد زنا لا ما قال وقد زنا ياتي وهو يشرب خمرا لا مهو رجل يصلي ويصوم يزكي اسمع ماذا بدأ من الآخطاء التي وقعت منه ما قال وقد نظر الى حرام ياتي وقد أكل شيئا من الحرام بل ياتي وقد شتم هذا بدأ بللسان ثم ذكر أمرا أخر يتعلق بللسان وقذف هذا لاحظ انها كلها تتعلق بللسان ثم قال واكل مال هذا وسفك دم هذا يعني نصف ما في الحديث يتعلق بللسان الشتم والقدف ثم قال اكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا أذن
اسجن لسانك الغيبه في الناس والوقيعه في اعراضهم والاستهزاء بهم في اشكالهم او في وظائفهم او في بيوتهم سواء انتقصت اخاك في بدنه او في دينه او في دنياه او في ماله او في اهله او في مشيته اوذكرته بلفظك او بكتابتك او اشرت اليه بعينك او يدك او رأسك كل هذا حرام و عند مسلم قال عليه الصلاة والسلام(أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله اعلم قال ذكرك اخاك بما يكره) وفي الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم رقا يخطب اصحابهفي الحج فنظر فأذا بين يديه اكثر من مئه الف فيهم الكبير والصغير الغني والفقير العربي والاعجمي الحر والعبد الاسود والابيض فخطب بهم صلى الله عليه وسلم وقال(أن دمائكم واموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد) وقصد باعراضكم اما ان تعتدي عليهم بلفاحشه او ان تعتدي بلكلام غيبه استهزاء السخريه تنابز بالالقاب وصح عند الامام احمد انه صلى الله عليه وسلم قال لما عرج بي قال مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم قلت من هؤلاء يا جبريل فقال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم لذا كان جزاء المغتاب ان يعامل بنقيض قذفه فهو يغتاب الناس لآجل ان يضرهم من بغضه لهم فيكأفئه الله تعالى بان يأخد من حسناته يوم القيامه فيسر ويضر هو ويحزن الحسن البصري رحمه الله تعالى اقبل اليه رجل قال بلغني انك تغتابني الرجل يقول للحسن بلغني الناس يقولون لي انك تغتابني فقال الحسن والله ما بلغ قدرك عندي ان اهديك من حسناتي ثم قال الحسن ولو كنت مغتابا احدا لآغتبت أمي وأبي فانهم أحق الناس باخذ حسناتي ما دام اني بعطي حسنات خلني اعطي امي وابي وفي يوم من الآيام كان الحسن في بيته فأقبل اليه رجل طرق عليه الباب العصر فتح الحسن الباب ما تريد؟ قال يا ابا سعيد قال ما تريد؟ قال اما والله لو كنت معنا الضحى في مجلس فلان ليه ما هو الخبر ما هو الذي فاتني؟ ختمتوا القراءن ام حدثتم باحاديث ما هو الذي فاتني قال لا فلان قد اغتابك ماذا قال الحسن وقتها هل قال ماذا قال بسرعه بسرعه اخبرني ماذا قال عني وهل احد رد عليه لا لا التفت اليه الحسن فقال اعوذ بالله ما وجد الشيطان احدا ان يرسله غيرك انت جئت لاجل ان تفسد ابليس ما وجد احد يرسله يخبرني بهلموضوع غيرك انت اخرج ثم طرده( بين يديه) ثم دخل الحسن وأخد رطبا من عنده في البيت تمرا جميلا وذهب اليه الى ذاك الرجل في طبق الرجل الذي اغتابه!! وطرق عليه الباب فتح الرجل الباب فقال له الحسن البصري خذ هذا هدية جزاك الله خير قال الرجل والله اشكرك على الهدية لكن ما هي المناسبه قال الحسن والله لقد بلغني بانك اهديتني اليوم الضحى حسنات فاحببت ان اقدم لك هديه بدل الهديه التي اعطيتني خذ جزاك الله خير انظروا يا جماعه الي الفقه الذي كانوا يعيشونه ويجب على من سمع غيبه مسلم ان يردها وان يستر قائلها وصح عند الترمذي انه صلى الله عليه وسلم قال(من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) وفي الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم كان مع بعض اصحابه يوما فقال رجل اين مالك ابن الدخشم؟ فقال رجل ذاك منافق لايحب اللله ورسوله يعني لاجل ذلك ما جاء يحضر مجلسنا فغضب النبي صلى الله عليه وسلم والتفت اليه يذب عن عرض اخيه قال له لا تقل ذلك الا تراه قد قال لا اله الا الله يريد بذلك وجه الله انظر الى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه يذب عن اعراض الناس الذين حوله وصح عند ابي داوود انه صلى الله عليه وسلم قال( ما من امريء يخذل امرءا مسلما في موطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه الا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته ثم قال وما من امريء ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته الا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته)اذا تكلموا عن احد المسلمين وانت ساكت ماذا فعلت؟ خذلت اخاك المسلم سيخذلك الله في موطن انت تحب فيه النصره سفيان ابن الحصين كان جالسا يوما عند اياس ابن معاوية فجاء رجل فنال منه سفيان سفيان ابن الحصين تكلم عن ذلك الرجل فقال اياس اسكت يا سفيان فسكت ثم التفت اليه وساله قال له هل غزوت الروم؟ عجيب ما دخل الروم بلموضوع! المفروض يقول اتقي الله الغيبه حرام فقال له هل غزوت الروم قال سفيان لا قفال اياس هل غزوت الترك؟ قال سفيان لا قال هل غزوت كذا وكذا وجعل يعدد عليه الاعداء وهو يقول لا لا فقال له اياس سبحان الله سلم منك الروم وسلم منك الترك وسلم منك المجوس ولم يسلم منك اخوانك المسلمون ومن اعظم الغيبه ان يستهزيء المرء بمن صلح في دينه او ارتفع شانه في عبادته غيبه العلماء , غيبه الدعاة, غيبه طلبة العلم, غيبه ائمه المساجد غيبه الناس خاصه اذا كانت الغيبه بسبب دينهم يعني ما اغتبته بسبب سيارته او بسبب شكل ثوبه او لون غطرته او اغتبته لون حذائه لا بل اغتبته بسبب دينه اي ان تتكلم في لحيته تتكلم في قصر ثوبه تتكلم في اسلوبه بلخطابه ان تتكلم فيه لاجل دينه او تستهزيء به لاجل دينه هذا من اعظم الحرام لانه في الحقيقه استهزاء في الدين الله الذي أمره ان يعفي لحيته الله الذي أمره ان يقصر ثوبه الله الذي امره ان يحجب نسائه الله الذي أمره ان ينصح الناس ان يخطب فيهم الجمعه انظر الى النبي صلى الله عليه وسلم كيف لما وقع في عصره شيء من ذلك كيف كانت الآيات تنزل وتتلى الى يوم القيامه خرج عليه الصلاه والسلام مع اصحابه في غزوة تبوك في ساعة عسرة شديده وحر حارق و رمضاء وغبار ومكثوا هناك في تبوك ما شاء الله ثم رجعوا الى المدينة كان خيار الصحابه حول رسول الله عليه وسلم يمشون معه يشاورهم ويشاورونه حقد جمع من المنافقين عليهم حقدوا على ابو بكر, عمر, عثمان, علي , طلحه, الزبير, على أبي ابن كعب, عبد الله ابن مسعود على هلصحابه الاخيار الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يجالسهم يستمع منهم القراءه احيانا يقرءون وهو يسمع من القراء حقد هلمنافقون على هؤلاء الصحابه فجعلوا يستهزئون يحدثون النكت والطرائف على هؤلاء الصحابه يعني ما بقي على وجه الارض الا هؤلاء الصالحون حتى تنكسون عليهم وتجعلونهم مجالا للطرفه والضحك حتى قال واحد منهم ما رأينا مثل قرّائنا مثل هلمشايخ مثل هلمطاوعه مثل هلصالحين ما رايت مثل قراّئنا هؤلاء ارغب بطونا ولا اكذب السننا ولا اجفل عند اللقاء يقول هؤلاء جايين بس للاكل والشرب لكن عند الكلام ثلاث ارباع كلامهم كذب وجفله لا يشاركون بمعركه ولا قتال فسمعه عوف ابن مالك كيف يتكلم على اخوانه المسلمين لا بد ان يذب عن اعراضهم فقال كذبت كذبت لكنك منافق لاخبرن عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قفز عوف ابن مالك الى النبي صلى الله عليه وسلم فاذا القراءن قد سبقه كلها لعلها دقائق او لحظات فاذا القراءن قد سبقه انزل الله تعالى قوله( ولئن سألتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب قل أبلله وأياته ورسوله كنتم تستهزئون لاتعتذروا قد كفرتم بعد أيمانكم) يعني ما وجدتم شيئا تخوضون وتلعبون فيه الا الدين اعوذ بالله قلت الاشياء الي ممكن تنكت عليها وتضحك عليها او تكتب فيها مقالات في جريده والا في انترنت او في غيره ما وجدت الا اهل الدين قل ابلله واياته ورسوله كنت تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم لاحظ الايه كيف صريحة ابالله وايته ورسوله كنت تستهزئون فلا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم نزلت الايات وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتلوها انتفض الصحابه فاقبل هؤلاء يعتذرون اتعتذر! وهل تظن المساله سهله لهدرجه اقبلوا يعتذرون والنبي صلى الله عليه وسلم لا يلتفت اليهم ماشي ثم ركب ناقته وقال ايها الناس ارتحلوا فاقبلوا اليه يعتذرون وهو يردد أبالله وأياته ورسوله كنتم تستهزئون حتى اقبل اليه ذلك الرجل الذي اخرج ذلك الكلام كبيرهم وجعل يتعلق بخطام ناقه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ابن عمر وانا أراه يمشي النبي صلى الله عليه وسلم بناقته والرجل متعلق بلخطام والحجارة تضرب في قدميه الناقه رفيعه وتمشي بسرعه والرجل يريد ان يلحق يقول والحجاره تضرب في قدميه ويقول يا رسول الله انما هو كلام وحديث الركب نقطّع به على( اطاريف) سواليف يا رسول الله فقط يعني لهدرجه الموضوع صار كبير يقول والنبي صلى الله عليه وسلم لا يلتفت اليه وانما يردد أبلله وأياته ورسوله كنتم تستهزئون لاتعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ولا يزال الرجل يبكي والرسول صلى الله عليه وسلم يقول له مثل هذا الكلام اذن ايها الاحبه الكرام من وفق في الحقيقه لحفظ لسانه عن اعراض المسلمين فهو المنتصر في دنياه وهو الموفق في أخراه ولو ذهبت اتكلم عن بقيه أفات اللسان من كذب وانواع النميمه وانواع السباب والشتام التي قد تصل احيانا الى سب الذات الالهيه تعالى الله جل جلاله لاحتجنا في ذلك الى محاضرات لكن لعل فيما تقدم معنا من تنبيهات ان يكون عبرة لمن أراد ان يتذكر او ألقى السمع وهو شهيد اسال الله تعالى ان يعيننا جميعا على حفظ ألستنا وان يجعلنا ممكن يستعملونه في طاعه الله تعالى فيجعلنا جميعا من الذاكرين الله كثيرا ويجعل اخواتنا من الذاكرات واسال الله تعالى ان يجعلنا واياكم مباركين اينما كنا والله تعالى أجلّ واكرم واعلم فصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى أله واصحابه اجمعين.........
محمد العريفي
الحمد لله رب العالمين الذي انشأ خلقه وبرا... وقسّم أحوال عباده غنا وفقرا... وانزل الماء وشقّ أسباب الثرى...أحمده سبحانه فهو الذي أجرى على الطائعين اجره وأسبل على العاقلين سترا...هو سبحانه الذي يعلم ما فوق السماء وما تحت الثرى... ولا يغيب عن علمه دبيب النمل في الليل أذا سرى ... سّبحت له السموات وأملاكها وسبحت له النجوم وأفلاكها...وسبحت له الانهار وأسماكها...وسبحت له الآرض وسكانها...وسبحت له البحار وحيتانها...وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم... فأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له لاند له ولا شبيه ولا كفأ ولا مثل ولا نظير...وأشهد ان محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله...وخيرته من خلقه...وأمينه على وحيه...وارسله رحمه للعالمين...وحجه على الناس اجمعين...فصلوات الله وسلامه عليه...ما ذكره الذاكرون الآبرار...وصلوت الله وسلامه عليه ما تعاقب الليل والنهار...ونسأل الله تعالى ان يجعلنا جميعا من صالح امته...وان يحشرنا يوم القيامه في زمرته...
أما بعد أيها الآخوة والاخوات:
ان الله عزوجل قد ذكرفي كتابه عبر وحكى علينا من اخبار السابقين قصصا وأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ان يحكي لنا شيئا من هذه الأخبار ويقصّ علينا من تلك الأثار من ذلك ان الله جل وعلا قص في كتابه قصة يوسف عليه السلام ثم قال في أخر القصة( لقد كان في قصصهم عبره لاولي الالباب ما كان حديثي الثرى ) ومن اصدق من الله قيلى نعم ما كان حديثي الثرى ولمّا جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينظر في كتاب الله وينظر في قصص الآولين كان مما تلى من كتاب الله جل وعلا قول الله سبحانه وتعالى(فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)وقوله جلّ جلاله(وكذلك نقصّ عليك من انباء الرسل ما نثبّت فيه فؤادك)وفي الآيه الاخرىقال سبحانه وتعالى(كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد أتيناك من لدنا ذكرا) عندها جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقص لآصحابه ما يثبّت به أفئدتهم على الخير فكما تلى في القراءن قصة نوح عليه السلام جعل يقص شيئامن ذلك لآصحابه وكما تلى في القراءن قصة لوط وشعيب وغيره من الآنبياء جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقص من مثل هذه الآخبار على اصحابه وانك اذا نظرت بلتاريخ وجدت أن فيه من العبر ما بتجاذبك من كل ناحية خاصه اذا نظرت في التاريخ النبوي على صاحبه افضل الصلاة والسلام تتعجب عن ماذا تتحدث هل تتحدث عن عبادته صلى الله عليه وسلم؟! ام تتحدث عن قيامه لليل ؟!ام قيامه للنهار؟!ام تتحدث عن حرصه على تعليم الناس وعلى دعوتهم و الآمر بلمعروف والنهي عن المنكر؟!تتجاذبك ابواب الفضائل والبطوله من كل ناحيه فلا تدري والله ماذا تختار منها لذا احببت ان أقف معكم على باب من هذه الآبواب الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على حفظه ويحرّص أصحابه على حفظه بل كان الرجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن اكثر ما يدخل الناس الى النار فيشير له النبي صلى الله عليه وسلم الى هذا الشيء الذي سوف نتكلم عنه.
هذا الشيء الذي لعلنا نتذاكر شيئا من حال النبي صلى الله عليه وسلم وحال أصحابه معه هو شيء صغير في جرمه ولكنه كبير في جرمه ألا وهو اللسان.
أيها احبة الكرام:
خلق الله تعالى الآنسان ووهب له نعما متنوعه . وقسّم الله تعالى هذه النعم بين الناس فمن الناس من اتاه الله تعالى مالا ولم يؤته صحة فتجده مقعدا على سرير ابيض مع انه يملك الملايين ومنهم من أتاه الله تعالى صحة وقوتا في بدنه لكنه لم يؤته مالا فتجده يشتغل حمالا في سوق او عاملا في منجم ومن الناس من أتاه الله تعالى صحه ووسّع عليه في المال لكنه أخذ منه العقل فنجده محبوسافي غرفة في مستشفى المجانين ومن الناس من أخذ الله تعالى سمعه فتجده يتلفت بين الناس بعينيه ويشير لهم بيديه فلا هو يفهمهم ولا هم يكادون يفهمونه ومنهم من أخذ الله تعالى بصره ومنهم من أبكم لسانه وقد قال الله جل وعلا (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخرّيا ورحمه ربك خير مما يجمعون).
حدثني أحد الآخوه أنه وقف مرة عند أشاره مرورقال فسمعت صوت غناء بصوت عال جدا حتى ازعجني وأزعج الناس الذين حولنا فلتفت يمينا ويسارا ابحث عن مصدره فاذا بسياره بجانبي قد فتح صاحبها جميع نوافذها وشغّل المسجل على صوت عال يفصح بلغناء واذا بلسيارات التي حوله كلهم يلتفتون اليه ويتعجبون من رفعه الغناء الى هذا الحد. قال فضربت على منبه السياره مرارا لاجل ان يلتفت الي ولاجل ان انبهه الى ان يخفض صوت هذا المسجل او ان يطفئه او ان يشغل بدله ما هو خير منه من القراءن الكريم لكن الرجل لم يلتفت الّي ابدا مع كثرة التنبيه له بسيارتي فتقدمت بلسياره قليلا لاجل ان اشير له بيدي فلما التفت اليه انظر فأذا هو شاب قد أسدل غطرته على يمينه ويساره واذ له لحية تكاد تصل الى صدره قال فتعجبت شاب بهذه الصوره رجل قد اعفى لحيته حتى لو اراد ان يسمع العزف كيف يسمعه بهذه الصوره التي تدل على الجرأه الشديده وعلى عدم الالتفات الى الناس ابدا قال فضربت منبه السياره عدة مرات فلم يلتفت الي ايضا حتى اضاءت الاشاره الخضراء فمشى ومشيت ورائه قال جعلت أحاولت ان اوقفه لاجل المناصحه ان اذكره بالله ان انبهه الى ان هذا حقا هو حرام وفعلك له امام الناس بكل هذه الجرأه يزيده حرمه لانه فيه نوع من المجاهره لكن الرجل لم يلتفت الي ابدا حتى وقف بسيارته عند بقاله قال فأوقفت سيارتي وراءه ونزل الرجل يمشي الى البقاله فاذا ثوبه قصير فوق الكعبين رجلا ليس(مسبلا )فتعجبت فدخل البقاله فقلت في نفسي سيخرج الان ومعه علبة دخان او نحو ذلك .
قال فلما خرج فاذا بيده مجلة اسلاميه قلت لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم كيف يكون الحال كذلك قال ثم أقبل الى سيارته ثم شغلها واشتغلت الموسيقى مباشرة فقلت ما على هذا صبر نزلت من سيارتي واقبلت اليه وجعلت اصيح به فلم يلتفت الي فتمسكت بباب سيارته قبل ان يقفله ثم قلت يا اخي ما تتقي الله؟!ما تخاف الله؟!تشغّل الموسيقى طوال هذه المسافه وتشغّلها الان بصوت عال يا اخي اذا تريد ان تسمع المعازف فاسمعها لوحدك اعوذ بالله ان تسمع الناس معك ما تخاف من الله ما تتقي الله يقول والرجل ينظر الي و يتعجب من صراخي ثم يخفض رأسه ويرفعه وهو ينظر الي قال فلما رأني قد احتددت بلصراخ عليه جعل يشير لي باصابعه على اذنيه و على لسانه ويشير بيديه ان لا لا.. ففهمت ان الرجل لا يسمع ولا يتكلم أصم و أبكم قال كدت ان ابكي وخفضت راسي وأدخلت يدي برفق الى سيارته وأقفلت هذا المسجل قال فجعل الرجل يشير الي بيده ماذا تريد؟ لماذا انت زعلان؟!ثم تحسس دفترا بجانبه وقلما واعطاني الورقه والقلم وجعل يشير بيده يعني اكتب ما تريد فكتبت له انت يا اخي الكريم قد شغّلت الموسيقى بصوت عال جدا جدا جدا وقد كنت قبل قليل عند الاشاره والسيارت التي حولك كلها تتلفت عليك مما جعلني أتبعك حتى انصحك فيما تفعل قال فلما اخد الورقه وقرأها خفض راسه قليلا ثم جعل يهز رأسه يعني كهيئه الحزين ثم كتب أسفل كلامي جزاك الله خيرا على نصيحتك لكن أعلم يا اخي اني رجل أصم أبكم لا أسمع ولا اتكلم وهذه سيارة اخي ووالله العظيم اني لم أعلم أصلا بان الموسيقى شغاله الآ لما نبهتني انت على ذلك فجزاك الله خيرا.
انظر سبحان الله الى حال هذا الرجل نعم قد أخذ الله تعالى سمعه فجعله أصما أبكما ومع ذلك هو حريص على الطاعات ومن يدري من يدري ربما لو ان الله تعالى اعطاه السمع والكلام لكانت هي سبب هلاكه يوم القيامه فكم من رجل تردّى في النار بسبب كلمة من لسانه ففي الصححين قال عليه الصلاة والسلام ان العبد ليتكلم بلكلمه ما يتبين فيها يعني يخرج الكلمه في مجلس,في سياره,مع رجل يتحدث معه في قطار او طائره,او في سوق هكذا يطلق الكلام دون ان يفكر فيه من غضب الله و من سخطه ومن الحرام قال(أن الرجل ليتكلم بلكلمه ما يتبين فيها يزلّ بها في النار ابعد مما بين المشرق والمغرب)
واذا جمع الله الاولين والآخرين يوم القيامه.ونصب كرسيه لفصل القضاء وارتعدت الفرائق وبلغت القلوب الحناجر وزاغت الابصار في المحاجر وجثت الامم على الركب وانهكهم الخوف والتعب عندها تجمع الحيوانات ليفصل القضاء بينها وفي الحديث الصحيح انه صلى الله عليه وسلم أخبر انه(يقاد للشاه الجلحاء من الشاة القرناء )الشاة الجلحاء التي لم ينبت لها قرن أصلا .والشاة القرناء هي التي لها قرن فان كانت الشاه القرناء قد نطحت الشاة الجلحاء فلدنيا نزع القرنان من القرناء يوم القيامه وجعلت للشاة الجلحاء التي لم يكن لها قرن ثم قيل لها انطحيها الان واقتصي كما نطحتكي بلدنيا ثم يقضى بين الابل والبقر وبين الوحوش والحشرات فأذا فرغ من القضاء بينها يقال لها كوني ترابا عندها ينظر قوم من الناس الى هذا المنظر ويتمنون لو انهم يكونون أيضا ترابا قال الله تعالى (ان انذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا)
نعم يتمنى كل من كفر بالله انه لو كان في الدنيا حمارا يتمنى لو لم يكن انسانا يتمنى لو انا كان حمارا او خنزيرا او حشره او ذبابه لاجل ان يكون يوم القيامة ترابا ومن يدري من يدري!! ربما يتمنى اقوام يوم القيامه ان لو كانوا عميا لا يبصرون لانه ما ثّقل موازنيهم بلسيئات الآ ما نظروا اليه من المحرمات وربما يتمنى البعض لو انهم كانوا بكما لا يتكلمون لانه ما اوثقهم أصلا في صحائفهم الآ ما فيها من غيبة وسباب وكذب والفحشاء قال الله تعالى(ان السمع والبصر والفؤاد كل اؤلئك كان عنه مسؤولا)
الكلمه والنظره وما في القلب يكون الانسان عنه يوم القيامة مسؤولا وعند الترمذي من حديث بلال ابن الحارث الموزني ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال ان الرجل ليتكلم بلكلمه من رضوان الله ما كان يظن انا تبلغ ما بلغت يعني الرجل يلقي كلمة نصيحه في مجلس او يقدم نصيحه الى انسان او يذب عن عرض اخيه المسلم اي كلام فيه نوع من رضوان الله او تسبيح او غير ذلك اهم شيء انه نوع من رضوان الله تعالى قال(ان الرجل ليتكلم بلكلمه من رضوان الله تعالى ما كان يظن ان تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى له بها رضوانه الي يوم يلقاه ثم قال وان الرجل ليتكلم بلكلمه من سخط الله ما كان يظن ان تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى بها عليه سخطه الى يوم يلقاه)
اعوذ بالله ان يكون الانسان ينام ويأكل ويشرب ويذهب ويجيء وهو قضى شهرا او سنه او عشر سنوات قد تساهل بكلمه من سخط الله فالقاها ولا يزال الله ساخطا عليه لمده عشرين سنه او اربعين او خمسين سنه الى ان يموت لا يزال الله ساخطا عليه الى يوم يلقاه هل نظرت في مقدار عظمه هذه الكلمات يقول علقمه رحمه الله وهو احد رواة هذا الحديث يقول والله كم من كلام اردت ان اتكلم به فمنعنيه حديث بلال ابن الحارث يعني هذا الحديث قال عليه الصلاة والسلام(من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنه) ما بين لحييه اي ما بين فكيه ولما سئل صلى الله عله وسلم عن اكثر ما يدخل الناس الى النار ما قال الربى,وعقوق الوالدين , واكل اموال الناس بلباطل, قال عليه الصلاه والسلام مع عظمه هذه الامور بلا شك وانما بين امورا اخرى تدخل الناس الى النار قال عليه الصلاة والسلام(اكثر ما يدخل الناس الى النار الفم والفرج)اما الفم فهو فيما يتكلم به من الحرام او فيما ياكله من الحرام والفرج فيما يقع فيه من الفواحش وان شئت فانتقل معي الان الى هناك انتقل الى حال النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه في المدينه كيف كانوا يتكلمون كيف كانوا يحاسبون انفسهم على ما يخرج منهم من عبارات او اعتراضات اواحيانا سواليف بلمجالس كيف كان الواحد يقف مع نفسه وقفه جاده في محاسبة النفس على كل ما ينطق به لسانه سواء كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة او كانوا معه في غزوة من الغزوات او كانوا معه في مكة او كانوا في غير ذلك لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع اصحابه يريدون العمره خرج عليه الصلاه والسلام معه الف واربعمئه من الصحابة يريدون ان يعتمروا الى البيت الحرام في هذه الاثناء وصلوا الى هناك فمنعتهم قريش من ان يدخلوا الى مكه لاجل ان يطوفوا في البيت كما هو معلوم في القصة الطويله للحديبيه وما وقع فيها من صلح اقبل قوم من قريش مرارا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون ان يصالحوان يحلوا المشكله التي بينهم وبينه من منعهم اياه من دخول مكه بين هؤلاء الذين جاءوا سهيل ابن عمر اقبل الى النبي صلى الله عليه وسلم بعدما جاءه عدد من اصحابه اقبل هو الاخير الى النبي عليه الصلاة والسلام واتفق اتفاقا من بين بنود هذا الصلح ان من ارتد عن دينه من المسلمين الذين في المدينه ثم أراد ان يذهب الى مكه ليقيم بين اهلها الكفار فان اهل مكه يقبلونه والمسلمون لا يمنعونه ومن اسلم من الكافرين دخل في الاسلام واراد ان يهاجر الى المدينة لاجل ان يقيم بين ظهراني المسلمين لاجل ان يتقوى على الدين ويتمسك بلشريعه فان الكفار يمنعونه ولو تفلت من بينهم فان المسلمين لا يقبلونه تعجب الصحابه كيف!!! يعني اذا واحد ارتد من عندنا نقول اذهب الى مكه يعينونك على كفرك واذا واحد اسلم نقول له لا نقبلك اذهب وابقى في مكه ليردوك عن اسلامك سكت الصحابه واقبل عمر الى رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر ماذا تكلم ماذا قال ثم انظر الى تأثير هذا الكلام عليه بعد ذلك مع انه الان ما تعمد ان يتنقص احدا ولم يسب احدا ولم يغتب احدا انما الان يعرض وجهة نظره عنده اقبل الى رسول الله وقال يا رسول الله اولسنا مسلمين لاجل ان يصل الى نتيجه اولسنا مسلمين؟قال بلى والى الان النبي صلى الله عليه وسلم لعله لا يدري ماذا يريد عمر بهذا السؤال قال اوليسوا بلمشركين؟ قال بلى قال اولسنا على الحق؟ قال بلى قال اوليسوا على الباطل؟ قال بلى قال يا رسول فعلى ما نعطي الدنية في ديننا لماذا نكون نحن الآذلةّ! ونحن الذين نوافق على كل شرط يذكرونه على ما نعطي الدنية في ديننا فقال عليه الصلاة والسلام اولست رسول الله انت مؤمن اني رسول ام لا؟ اولست رسول الله؟ قال بلى فقال عليه الصلاه والسلام اني رسول الله ولن يضيعني قال يا رسول الله الم تكن تحدثنا ونحن في المدنيه انا نعتمر بلبيت الحرام انت ما قلت لنا اننا سوف نطوف بلكعبة نحن الان جئنا وهم يمنعوننا وانت توافق اولم تكن تحدثنا ونحن بلمدينه انا نطوف بلبيت الحرام فقال عليه الصلاه والسلام اوى قلت لك انك ستطوف به في عامك هذاانا قلت لك هذه السنه سوف تطوف؟ قال لا قال رسوال الله فاني صادق انا قلت لك ستطوف يعني ستطوف انك ات الى البيت ومطوف به انا لم اقل لك هذه السنه يمكن بعد سنه سنتين ثلاثه ومضت الايام واسمع ماذا يقول عمر رضي الله تعالى عنه بعد ذلك يقول والله ما زلت اصوم واتصدق واصلي واعتق من الذي صنعت في الحديبيه مخافة عاقبه كلامي الذي تكلمت به وهذا يا جماعة وعمر يقدم اقتراحا يعني لم يعترض لم يسب الدين لم يكفر بالله لم يغتب احدا لم يخالط بلفظه فيها مخالفه صريحه انما مجرد تقديم اقتراح ومع ذلك هذا الكلام الذي تكلم به يقول والله ما زلت اعمل اعمال صالحه حتى يكفر الله وتعالى عني هذه الكلمات التي قدمتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بالله عليك اكتب هذا الكلام الذي قاله عمر وابعثه رساله الى بعض من يتكلم باعراض الناس ولا يهتم الى بعض من يستهزيء بلصالحين ولا يهتم الى بعض من يتنقص الناس بلمجالس ولا يلتفت الى كلامه انظر الى محاسبة عمر رضي الله عنه لنفسه ومع ذلك تجد بعضنا يتكلم بكلام اعظم من هذا ولا يهمه ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم يتكلم الرجل بلكلمه لا يظن بها انا تبلغ ما بلغت ثم تكون العاقبه يهوي بها في النار ابعد مما بين المشرق والمغرب لما خرج صلى الله عليه وسلم الى معركة بدر وصل وقد فاتتهم القافله التي خرجوا لاجلها قافله ابي سفيان التي خرجوا لاجل اخد ما معها فاتتهم وذهبت مع طريق اخر واقبل جموع المشركين في جيش من مكه لقتال المسلمين لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم الى مكان معركة بدر علم بانهم الان في ساحة قتال وعلم ان المشركين قد جائوا( بجيوشهم) لقتال المسلمين كان من بين الذين مع المشركين العباس ابن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل ان العباس كان مسلما يكتم اسلامه وكان يشتغل وكان يستفيد منه النبي صلى الله عليه وسلم من مقامه في مكه انه ينقل اليه الاخبار وما تكيد به قريش وما تخطط به له فكان النبي صلى الله عليه وسلم يستفيد من العباس والعباس يصلي خفيه لا يظهر اسلامه ابدا امامهم وقيل انه لم يسلم بعد هما قولان لاهل العلم المقصود ان النبي صلى الله عليه وسلم لما وقف امام اصحابه التفت الى الجيش فاذا كلهم رجال ابطال قد استعدوا الان لاجل الحرب والقتال فقال عليه الصلاة والسلام لآصحابه اني قد عرفت رجالا من بين هاشم وغيرهم قد اخرجوا كرها قد اخرجتهم قريش غصب عنهم بغير رضاهم قد اخرجوا كرها لا حاجه لهم بقتالنا يعني سوف يحضرون ساحه القتال لكن اعلموا انهم لن يقتلونا سيكونون في مكان بجانب المعركه لن يقتلونا ولن يرفعوا علينا سيفا طيب من هم يا رسول الله هؤلاء الذين لن يقاتلونا قال لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي منكم احدا من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي ابا البختري بن هشام بن حارث فلا يقتله ومن لقي العباس ابن عبد المطلب فلا يقتله عندها جعل الصحابه يلتفت بعضهم الى بعض حذيفه ابن عتبه ابن ربيعه رضي الله تعالى عن حذيفه كان رجلا صالحا من الصحابه ومن خيارهم وهو رجل بدري ويكفيك ان النبي صلى الله عليه وسلم اخبر ان الله اطلع على اهل بدر فغفر لهم وقال اعملوا ما شئتم لقد غفرت لكم والبدريون هم خيار الصحابه قام حذيفه وهو يتذكر اباه عتبه بن ربيعه راس من رؤوس الكافرين سوف يأتي الان يقاتلنا كيف يعني يا رسول الله فقام حذيفه رضي الله عنه من شدة ما في قلبه من غيظ على الكافرين اجمعين ومن تفاعل مشاعر في داخله كيف تفوت القافله كيف الان نقاتل اكثر من الف وثلاثمئه ونحن مجرد ثلاثمئه وسبعه عشر رجلا ما استعددنا لقتال يعني مشاعر وعواطف في داخل نفسه لم يستطع كبتها فقام وقال يا رسول الله انقتل ابائنا وابنائنا واخواننا ونترك العباس؟! والله لآن لقيته لالحمن السيف في عنقه عندها التفت الرسول صلى الله عليه وسلم الى عمر قال يا عمر ايضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسيف وهذا من ذكائه عليه الصلاة والسلام لم يحب ان يقول يا حذيفه ترى العباس مسلم يكتم اسلامه مشكله ان تخرج للناس مثل هذا الخبر فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم باسلوب اخر لحل هذا الكلام قال يا عمر ايضرب وجه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسيف يا ابا حق قال عمر فوالله انها لاول مره يكنيني بها النبي صلى الله عليه وسلم ويقول لي يا ابا حق سلّ عمر سيفه قال يا رسول الله اأضرب عنقه فوالله لقد نافق ! قال لا دعه قال حذيفه رضي الله تعالى عنه اسمع كيف كان يحاسب نفسه بعد هذا قال رضي الله تعالى عنه والله ما انا بأمن بعد تلك الكلمه التي قلت مع ان الرجل بدري وذاهب ليقاتل مع المسلمين وفي ساحة قتال والنبي عليه الصلاه والسلام ما حكم عليه باي شيء ولا ضربه ولا ذكر فيه حديثا ولا نزلت فيه أيات يقول والله ما انا بأمن على نفسي من العذاب بعد تلك الكلمه التي قلت يومئذ ولا ازال منها خائفا ووالله لا ارى يكفرها عني الا الشهادة في سبيل الله يقول هلكلمه الكبيره كبيره عنده رضي الله عنه يقول ما ارى انه يكفرها عني ويغفرها لي الا حسنه كبيره جدا وهي اني اموت شهيد في سبيل الله فقتل رضي الله تعالى عنه شهيدا في يوم اليمامة
ايها الاحبه الكرام : كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم على هذا الحال من حفظ السنتهم والتدقيق في كلامهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم ايضا يدقق عليهم في عباراتهم روى ابو داوود و الترمذي انه صلى الله عليه وسلم جلس يوما مع عائشه فزكرت له صفيه احدى زوجاته تعلمون ما يقع بين الضرائر من الغيره الشديدة في لنفوس فقالت له عائشه يا رسول الله حسبك من صفيه يعني يكفيك ذما في صفيه زوجتك الثانيه انها كذا وكذا واشارت بيدها تعني انها قصيرة فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم اليها وغضب غضب وقال يا عائشه نه يعني اصمتي لقد قلتي كلمه لو مزجت بماء البحر لمزجته يعني هذه الكلمة يا عائشه التي لم تعرفي خطرها ولا كبرها هذه الكلمه لو تؤخذ و توضع مع ماء البحر لمزجته وغيرت ريحه او غيرت طعمه او غيرت لونه هلكلمه التي ترينها ضغيره لو تمزج بماء البحر كله لغيرته من كبرها عند الله تعالى وقالت عائشه رضي الله عنهاو جلست يوما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكيت له انسانا يعني قلدت له انسانا ما ذكرت له هذا الانسان لعلها قلدت احدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم او غير ذلك حكيت له انسانا على هيئه الضحك عليه والاستهزاء به يعني نوع من الغيبه حكيت له انسانا قلدته اما بحركه يدي او بحركه فمي او طريقه كلامي قالت فالتفت الي صلى الله عليه وسلم وقال منكرا عليها قال ما احب اني حكيت انسانا وان لي كذا وكذا يعني لو اعطى من كذا وكذا اشياء من عظيمه في الدنيا ويقال لي قلد انسان على سبيل الاستهزاء لما وافقت على ذلك وفي يوم ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم حال امراه وذكر له من صلاتها وصيامها وعبادتها قالوا يا رسول الله هذه امراه صالحه قيام ليل صيام نهار عبادات تبتل قراءة قراءن بكاء من خشية الله ما في اصلح منها ما شاء الله عليها يا رسول الله هذه فلانه تصلي وتصوم وتتصدق وتفعل وتفعل قالوا يا رسول الله غير انها تؤذي جيرانها بلسانها تغتاب تسب تصرخ تتكلم عليهم تشتمهم عباده خذ عباده صلاه صيام قيام ليل بكاء خشوع صدقه خذ غير انها تؤذي جيرانها بلسانها فماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل قال حسناتها تذهب سيئاتها وهي قد بلغت درجه عظيمه ان شاء الله رب العالمين يتجاوز عنها لاااا تدري ماذا قال عنها ؟ قال صلى الله عليه وسلم اول ثلاث كلمات حكم عليها اول ما قال هي في النار هي في النار !!! قال هي في الناااااار اذا تاملت في هذه الاحاديث وجدتها تدور على شيء واحد صغير في جرمه لكنه كبير في جرمه الا وهو اللسان الذي شدد الله تعالى الرقابة عليه فقال(ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد)وتوعد الله تعالى على اطلاقه في الحرام فقال جل جلاله(اذا تلقونه بالسنتكم وتقولون بافواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) ولشدة خطره وعظيم جرمه جعل الله تعالى عليه غطائين الفكين والشفتين حتى ما يتفلت من سجنه فيؤذي الاّمنين قال عبد الله ابن مسعود رضي اللله عنه(ما من شيء احق بلسجن من اللسان) وقال غيره(مثل اللسان كمثل السبع ان لم توثقه عدا عليك فاكلك)
وكان ابو بكر رضي الله عنه يمسك لسانه ثم يقول هذا الذي اوردني الموارد يعني هذا الذي اوقعني في المهالك هذا الذي جائني بلمصائب هذا الذي ورطني هذا الذي اهلكني كانوا يحرضون على سجنه ويخافون من جرمه فما قصه هذا السجين؟ وكيف تواصى العلماء بسجنه؟ ولماذا حذر العقلاء من فك قيده؟ ولماذا كانوا يؤثرون السكوت على الكلام؟ كان محمد ابن واسع كثير السكوت كثير الصمت الا في درس او حديث او خير او مؤانسه لاصحابه او كلام مباح حتى قال بعض اصحابه والله لو شئت لعددت كلامه من الجمعه الى الجمعه وكان ابن عباس رضي اله عنهما ياخد بلسانه ويقول ويحك ويحك قل خيرا تغنم او اسكت عن شر تسلم اللسان اوصى النبي عليه الصلاة والسلام الا يطلق من سجنه ولا يحل من قيده الا في خير فقال عليه الصلاه والسلام كما في الصحيحين(من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراو ليصمت) قل خيرا او اصمت اجعل لسانك مسجونا لا تخرجه من زنزانته اجعل الفكين على حالهما مغلقين واجعل الشفتين كذلك
وعند الترمذي ان عقبه ابن عامر رضي الله تعالى عنه اقبل يوما الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسال النبي صلى الله عليه وسلم بعض الوصايا قال يا رسول الله ما النجاة؟ كيف الواحد ينجو في هذه الدنيا الكثيرة الفتن؟ فقال (امسك عليك لسانك وليسعك( بيتك)و ابكي على خطيئتك) وصح عند الامام احمد ان اعرابي جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنه سؤال جميل مختصر .. فقال صلى الله عليه وسلم( لئن كنت اقصرت الخطبة يعني كلامك قليل لقد اعرضت المساله الا ان سؤالك يحتاج الى جواب طويلاعتق النسمه وفك الرقبه قال يا رسول الله اليست بواحده اعتاق النسمه وفك الرقبه؟!فقال لا ان عتق النسمه ان تفرد بعتقها ان تاتي بعبد مملوك ثم تعتقه وفك الرقبه ان تعين على عتقها ثم قال والمنحه الوكوب يعني ان تقبل الى اهل بيت فقراء فتمنحهم تهدي اليهم شاة فيها لبن او ناقه فيها لبن والفيء على ذي الرحم الظالم ثم قال فان لم تطق ذلك فاطعم الجائع واسقي الظمأن اذا لم تستطع ان تعتق النسمه ولا تفك الرقبه وليس عندك مال تهدي اليهم ناقه او شاة اطعم الجائع واسقي الظمان وامر بلمعروف وانهى عن المنكر ثم قال فان لم تطق ذلك فكف لسانك الا من خير ما دام انك ما تستيطع ان تفعل اي من هذه الامورمن الصالحات عالاقل امسك عليك لسانك ويروى ان قس ابن ساعده واكثم ابن الصيفي وكلاهما من كبار العقلاء والحكماء جلس احدهما عند الاخر فقال احدهما لصاحبه: كم وجدت في ابن ادم من العيوب؟ الاخطاء التي تقع من الناس وغير ذلك فقال هي اكثر من ان تحصى ولقد احصيت منها ثمانيه الاف عيب التي تقع من الناس بالاخطاء ثم قال فما اعظمها؟ قال قد وجدت والله خصله ان استعملتها اذا انت فعلتها سترت هذه العيوب كلها قال وما هي قال ان تحفظ لسانك يعني من العيوب السب فاحفظ لسانك ولا تسب ومن العيوب ما يقع من خلافات بين الرجل وزوجته لوحفظ لسانه وحفظت لسانها لكف كثير من هذه الخلافات ومن العيوب غيبه الناس فكيف تستطيع الكف عن ذلك احفظ لسانك من العيوب ما يقع في قلوب الناس عليك من حقد لو نظرت احيانا لو وجدت انه بسبب كلمه خرجت منك حقدوا عليك بسببها طيب والحل؟احفظ لسانك من العيوب التنابز بالالقاب طيب والحل؟ احفظ لسانك من العيب السخريه من الاخرين طيب والحل؟ احفظ لسانك ولو ذهبت تنظر في عيوب كثيره سببها هذا اللسان لما استطعت ان تقف على موقف في ذلك الا بشق الانفس من كثره هذه العيوب فكم بهذه الالسنه عبد غير الله تعالىواشرك وكم بهذه الالسنه حكم بغيرحكمه سبحانه وتعالى وكم بهذه الالسنه احدثت بدع.. وادميت افئده.. وقرحت اكباد.. كم بهذه الالسنه ارحام تقطعت.. واوصال تحطمت.. وقلوب تفرقت.. كم بهذه الالسنه نزفت دماء.. وقتل ابرياء.. وعذب مظلومون.. كم بها طلقت امهات.. وقذفت محصنات.. كم بها من اموال اكلت.. واعراض انتهكت.. ونفوس زهقت.. يموت الفتى من عثرة بلسانه وليش يموت المرء من عثره الرجل
في يوم من الايام القيت محاضره في احد السجون جمع علي السجناء في المسجد الكبير قرابه الخمسمئه او الالف سجين انتهيت من المحاضره اول ما انتهيت قال لي احد الاخوه وهو مشرف على بعض المحاضرات في السجن قال يا شيخ هنا الجناح الخاص باصحاب القضايا الكبيره وجناح الانفرادي لم يحضروا معك المحاضره فليتك ان تمر بهم وتلقي عليهم كلمه و تجيب على اسئلتهم ان كان عندهم اسئله قلت حسنا اقبل فاذا بمجموعه كل واحد في زنزانة خاصه به مررنا بهم واقليت عليهم كلمه يسيره ثم اجبت على اسئلتهم مررت باثناء ذلك مررت بزنزانه فيها شاب عمره تقريبا 23 سنه او في الخامس والعشرين سنه تقريبا كان جالسا هادئا في زنزانته مررت به وسلمت عليه فكان هادئا لطيفا ثم تجاوزته سالت صاحبي ما قضيته هل هو عليه سرقات او مشكله مع احد ادت الى قتله ما قضيته؟ قال هذا الشاب يا شيخ عليه جريمه قتل لزوجته قتل لزوجته!! ما هو السبب؟ قال هل تصدق انه ما مضى على زواجهما الا قرابه الثلاثة اشهر وقتلها فقلت كيف قتلها اعوذ بالله؟! هل وجدها على فعل معين او محرم او فاحشه او وجدها مع رجل مع انه لا يجوز ان يعاملها بلقتل في مثل هذه المواقف لكن احيانا بعض الناس قد يثور ويتهورو يضربها بشيء فتموت بسببه قال لا قد ذبحها بلسكين انا لله وانا اليه راجعون قلت كيف؟ قال هذا تجوز و سكن مع زوجته على احسن حال فحقد عليه مجموعه من الناس ربما بينه وبينهم مشاكل في القديم اوانهم كانوا يريدون ان يتجوزوا هذه الفتاه المقصود انهم حقدوا عليه فاقبل اليه احدهم قال يا فلان قال ما تريد؟ قال انت اشتريت سيارة خضراء بدل سيارتك وذكر له احد انواع السيارات قال لا والله انا ما اشتريت معي سيارتي السوداء التي معي وتعرفونها قال والله ماادري ولكن انا امس الضحى وانت في العمل خرجت في حاجه ومررت امام بيتك ورأيت سياره خضراء واقفه عند الباب وخرجت امراه من بيتك وركبت معه وبعد ساعتين رجعت الى البيت قال انت عندك يمكن بلبيت احد قال لا والله ما في الا زوجتي حتى ما عندي خادمه ولا عندي احد قال ما ادري بس ان شاء الله ان شاء الله ما تكون زوجتك ومضى بعد ذلك بدء الرجل يشك بزوجته في احد جاء في احد ذهب بعدها بيومين ثلاثه اقبل اليه رجل اخر قد اتفق مع الآول قال يا فلان قال نعم قال انت غيرت سيارتك؟ هل اشتريت سياره بيضاء قال لا والله هذه سيارتي تحت واقفه قال والله ما ادري بس انا امس العصر بس يبدو انت ما كنت بلبيت في سياره بيضاء وقفت عند البيت واقبلت امراه وركبت معه وذهبت جعل الرجل ينتفض ثم جائوا عليه بيوم ثالث وزادوا عليه بلكلام وفي اليوم الرابع انظر كيف الالسنه تحدث من عقوق وقطيعه فلا زالوا به حتى تخاصم مع زوجته واكثر عليها الكلام وهي صرخت عليه كيف تتهمني بعرضي قال نعم اتهمك اعترفي كثر الكلام فذهبت الى بيت اهلها لبثت عند اهلها ايام فلم يرضهم ذلك اقبلوا اليه قالوا يا اخي ترى السيارات نفسها تقف عند بيت اهلها بكره البنت تحمل وبعدين تقول هذا ولدك انت لست رجلا انت ما عندك مروءه انت تلعب بعقلك الفتاة والله لو انك رجل فلم يزالوا يعينون الشيطان عليه بلوساوس حتى تغلب عليه الشيطان في ليله من الليالي فخرج من بيته ومضى الى بيت اهلها وقفز من فوق السور ودخل الى البيت والكل نائم مضى الى المطبخ و اخذ سكينا ثم مضى الى غرفتها ودخلها بهدوء واذا الفتاة نائمه في من امان الله قد نامت على بطنها في امان الله على فراشها فاقبل من خلف رقبتها وابعد شعرها قليلا وذبح حتى قطع اوداجها انتفضت قليلا وماتت مسح السكين بثيابها وتركها وذهب الى مركز الشرطه وقال انا قتلت فلانه ادري اني ساتعب لو هربت وسوف الاحق في كل مكان من الان انا قتلتها ولكن بردت ما في قلبي وحكم عليه بلقصاص النفس بلنفس شاب يعني لو ترونه من احسن الشباب خلقة واقواهم بدنا لكن من كثره ما وقع من ألسنه اؤلئك الفجرة انظر كيف تحولت الامور قد هتكت بها اعراض وهدمت بيوت بسبب ما يخرج من هذا اللسان(ياأيها الذين امنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهاله بتصبحوا على ما فعلتم نادمين) لما اقبل ابو موسى الاشعري الى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستنصحا قال يا رسول الله أي المسلمين أفضل؟ وفي رواية اي المسلمين خير؟ ما قال صلى الله عليه وسلم خير المسلمين قوّام الليل ولا قال خير المسلمين صوّام النهار ولا قال خير المسلمين الحجاج والمعتمرو ن ا والمجاهدون لا ترك كل هذه الفضائل مع حسنها و قال رسول الله(خير المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده) وبلبخاري قال عليه الصلاة والسلام( اذاأصبح ابن ادم فان الاعضاء كلها تكفر اللسان تقول اتقي الله فينا فانما نحن منك فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا)تكفر اللسان اي تخوفه اليد تكلم اللسان الرجل تكلم اللسان اتقي الله فينا فانما نحن منك يعني نحن لك سبعه فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا فعلا تجد بعض الناس يده هادئه ورجله هادئه و جالس على كرسي ثم يبدأ لسانه يتحرك ويسب الذي امامه فلذي امامه يثور ويسبه بمثلها ثم(يتشاكلان )فتتحرك اليد بلضرب والرجل بلمشي ويتحرك الراس بغيره من ضرب او نحوه فتقول له هذه الاعضاء انما نحن منك فان استقمت استقمنا وان اعوججت اعوججنا لذا كان السلف ايها الاخوه والاخوات يدققون على كلامهم المباح فضلا عن الكلام المحرم جلست عائشه ام المؤمنين رضي الله تعالى عنها يوما وبين صلاه المغرب وهي صائمه فأذن لصلاة المغرب فأقبلت اليها الجارية قالت يا ام المؤمنين اقرب اليك المائده؟ اي اقرب اليك فطورك وكانت عائشه ليست بجائعه وليست عطشانه وهذا يقع احيانا لبعض الصائمين يكون لم يبذل جهدا والجو جميل ليس حارا فلا يشعر بلجوع والعطش احيانا الى المغرب الى العشاء فقالت عائشه والله مالي بلطعام حاجة يعني انا صائمه صحيح ولكن لا اشعر بلحاجه الى الطعام لكن قربي المائده نلهو بها قليلا اي ناكل من هنا ومن هنا نلهو بها ثم قالت عائشه استغفر الله استغفر الله الهو بنعمه الله اي العب بنعمة الله مع انها تقصد الهو يعني اخذ من هنا قليلا ومن هنا قليلا فقط من اجل ان افطر عليه قفالت استغفر الله الهو بنعمه الله ثم بكت وجمعت ما عندها من مال واشترت به عبدين مملوكين واعتقتهما لوجه الله توبة من هذه الكلمه هذه يا جماعه هي لم تغتاب احد ولا سبت ولا لعنت ولا كفرت بكلمه مجرد ان تقول نتسلى بلطعام هات الطعام نلهو به والامام احمد رحمه الله دخل مره يزور مريضا فلما زاره سال الامام احمدا هذا الرجل قال يا ايها المريض هل رأك الطبيب؟ هل طبيب جاءك يريد ان يطمئن على صحته قال نعم ذهبت الى فلان الطبيب فقال احمد اذهب الى فلان الاخر فانه اطب منه يعني اعلم بلطب منه وهي كلمه عاديه ثم قال الامام احمد استغفر الله تراني قد اغتبت الاول استغفر الله لانه قال اذهب الى الطبيب الثاني تراه احسن من الاول يقول استغفر الله لماذا اغتاب الاول المفروض ما اقول انه افضل منه اقول جرب فلانا قال استغفر الله تراني قد اغتبت الاول والمعافى ابن سليمان ذكروا في سيرته انه كان يمسك لسانه عن جميع الكلام الا ما فيه طاعه او فيما يرجي منه ثواب يوم من الايام كان المعافى ابن سليمان يمشي بطريق بجانب رجل والمعافى يستغفر ويسبح ويهلل ويامر بلمعروف وينهى عن المنكر فقال الرجل ما أشد البرد اليوم فالتفت اليه المعافى ثم قال استدفئت الان! يعني لما قلت هذه الكلمه دفيت قال لا قال اذن لماذا قلتها! دام انك حركت لسانك فسبح وهلل شوف سبحان الله هلدقه يقول انت تتكلم بهذا الكلام ماذا استفدت من هذه الكلمه ندري انها برد ما دام انك متكلم متكلم سبح وهلل يا اخي جمعلك كم حسنه اذا هممت بلنطق بلباطل فاجعل مكانه تسبيحا والامام الشافعي رحمه الله تعالى كان جالسا مره مع صاحبه الموزاني كلاهما من العلماء وكانوا يدرسون اسانيد الاحاديث يمرون على بعض الاحاديث يدرسون الاسناد والاسناد هو ان يقول الشيخ حدثنا فلان عن فلان عن فلان عن ابي بكر او عن ابي هريرة او عن كذا من الصحابه ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال كذا هذه السلسله من الرجال هي الاسناد حتى تعرف هل هذا الحديث صحيح ام ضعيف تحتاج ان تتاكد من هذه السلسله كلها هل هم يكذبون هل حسبهم قوي هل هم ثقات او ليسوا ثقات هل هم عدول ام ليسوا بعدول الموزاني جلس مع الشافعي يتذاكران بعض الاحاديث فقال له الشافعي:ما تقول في فلان؟ فقال الموزني فلان كذاب فقاله له الشافعي: يا ابراهيم اكسوا الفاظك يعني لا تخرج الفاظك عارية لبسّها جملها اكسوا الفاظك احسنها لا تقل كذاب قل حديثه ليش بشيء تلطف شوي بلعباره ولما جلس يحيى ابن معين يوما يفصل الكلام في بعض الاسانيد يقول فلان ليش بشيء فلان كذاب فلان وضّاع فلان ينسى كثيرا ولو لم يقل هذا الكلام لاّخذ الناس بعض احاديثهم واعتبروها صحيحه فاقبل رجل من العبّاد رجل ما عنده معرفة بالاحاديث والاسانيد والرجال لكن عنده تقوى شديده ما يحب الكلام في الناس ولا اعراضهم ولا الوقيعه فيهم اقبل وجلس في الحلقه يستمع فسمع يحيى ابن معين ويحيى ابن معين امام من ائمه الجرح والتعديل سمع هذا الرجل ويحيى ابن معين وهو يقول هذا الرجل لا لا فلان كذاب فلان لالا يضع الحديث فلان هذا سيء الحفظ فلان هذا يكذب في حديثه فقال ذلك الرجل يا شيخ يا شيخ قال الامام نعم قال الرجل اتتكلم بأقوام احياء ام اموت؟ واكثرهم اموات الي مات من مئه سنه فقال بل اموات قال انك لتتكلم في أقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة فبكى يحيى ابن معين مع انه يتكلم في كلام حلال والعلماء الفوا كتبا على أحد عشر مجلد عشرين مجلد في الكلام في الجرح والتعديل واحوال الرجال لكنه يحيى انتفض من هذه الموعظه وقطع درسه وخرج باكيا لما قال تتكلم في اقوام لعلهم قد حطوا رحالهم في الجنة وهذا يا جماعه يتكلم بحق فما بالك بلله عليك بمن يتكلم بغير ذلك ومر سفيان الثوري يوما بقوما يتحدثون فوقف عليهم ثم قال فسالهم لو كان معكم من ينقل الكلام الى السلطان اكنتم تتخيرون الكلام؟ اي بعض الكلام تتركونه قالوا نعم لو نعلم ان احدا ينقل الكلام للسلطان بعض الكلام نحذفه وبعض الكلام نزيده لاجل ان نرضي سمع السلطان اذا سمع كلامنا قفال لهم ويحكم فانه والله من بينكم من ينقل الكلام الى الرحمان جل جلاله فأنظروا فيما تتكلمون
وعند الترمذي وابن ماجه عن سفيان ابن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال قلت يا رسول الله حدثني بأمر اعتصم به وما أجمل هذه الآحاديث أيها الفضلاء لما يأتي واحد من الصحابه يا رسول الله أعطني وصيه يا رسول الله علمني شيئا يدخلني الجنه وصايا تصلح لهم ولمن يجيء بعدهم وصايا جامعه يا رسول الله حدثني بأمر اعتصم به يعني اتمسك به فقال عليه الصلاه والسلام قل ربي الله ثم استقم فقلت يا رسول الله ما اخوف ما تخاف عليه اي ما هي العوائق والحفر والاخطار التي يمكن ان اقع فيها في طريق الطاعه ما اكثر شيء تخاف عليه فاخد صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه وقال هذا وعند الترمذي انه صلى الله عليه وسلم( قال لمعاذ: يا معاذ ألا اخبرك براس الآمر وعموده وذروه سنامه قلت بلى يا رسول الله قال رأس الآمر الآسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ثم قال الآ أخبرك بملاك ذلك كله قلت بلى يا رسول الله قال فأخذ بلسان نفسه قال فأخد بلسانه وقال كف عليك هذا قلت يا رسول الله وأنّا لمؤاخذون بما نتكلم به قفال عليه الصلاة والسلام ثكلتك امك اي فقدتك امك يا معاذ وهل يكب الناس في النارعلى وجوههم الا حصائد ألسنتهم) لاحظ كل واحد من الصحابه يوصيه بلوصيه نفسها لعظمها وهل يكب الناس في النار على وجوههم الا حصائد ألسنتهم يعني ما الذي جاء بلمصائب للناس وأدخلهم الى النار الا ما يتكلمون به بالسنتهم نعم حصائد السنتهم صارت بوابه لهم الى النار فكم من هذه الحصائد في مجالسنا من بذائه بالالفاظ وفحش بلكلام ومن سب ولعن وشتم باساليب عديده ومع الاسف لا تطيب المجالس عند البعض ولا يحلو الحديث الا بهذه الاساليب والانكى من ذلك والآشد ان بعض النفوس التي استمرئت عليك يرون انه من باب المزاح والتسليه وقضاء الاوقات و تحليةالمجالس وما علم هؤلاء انهم وقعوا بذلك بلفسق واضاعوا اوقاتهم بل وحمّلوا انفسهم الاوزار وربما كان الرجل او المرأه حريصا على سلامة ماله من الربا وسلامة سمعه من الغناء وسلامة يده من الاذى وربما غض بصره وحفظ فرجه تجده لا ينظر الى الحرام ويغض بصره عن الصور التي في المجلات والتي في القنوات لكنه لا يستطيع ان يتحكم في حركه لسانه من احتقار للناس واستهزاء بهم والوقيعه باعراضهم فيأتي يوم القيامه مفلسا نعم ياتي يوم القيامه مفلسا اتدرون من المفلس قال عليه الصلاة والسلام لاصحابه كما عند مسلم(أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم عنده ولا متاع فقال المفلس من امتي من ياتي يوم القيامة في صلاة وصيام وزكاة ياتي وقد شتم هذا وقذف هذا ثم قال واكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فقال فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فان فنيت حسناته قبل ان يقضى ما عليه اخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) يعني قد يكون الرجل صالحا قد يكون طالب علم او رجل تقي او له نشاط في الدعوه في الآمر بلمعروف والنهي عن المنكر ياتي بصلاه وصيام وزكاة ياتي وقد بدأ الرسول بماذا من المعاصي هل قال وياتي وقد زنا لا ما قال وقد زنا ياتي وهو يشرب خمرا لا مهو رجل يصلي ويصوم يزكي اسمع ماذا بدأ من الآخطاء التي وقعت منه ما قال وقد نظر الى حرام ياتي وقد أكل شيئا من الحرام بل ياتي وقد شتم هذا بدأ بللسان ثم ذكر أمرا أخر يتعلق بللسان وقذف هذا لاحظ انها كلها تتعلق بللسان ثم قال واكل مال هذا وسفك دم هذا يعني نصف ما في الحديث يتعلق بللسان الشتم والقدف ثم قال اكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا أذن
اسجن لسانك الغيبه في الناس والوقيعه في اعراضهم والاستهزاء بهم في اشكالهم او في وظائفهم او في بيوتهم سواء انتقصت اخاك في بدنه او في دينه او في دنياه او في ماله او في اهله او في مشيته اوذكرته بلفظك او بكتابتك او اشرت اليه بعينك او يدك او رأسك كل هذا حرام و عند مسلم قال عليه الصلاة والسلام(أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله اعلم قال ذكرك اخاك بما يكره) وفي الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم رقا يخطب اصحابهفي الحج فنظر فأذا بين يديه اكثر من مئه الف فيهم الكبير والصغير الغني والفقير العربي والاعجمي الحر والعبد الاسود والابيض فخطب بهم صلى الله عليه وسلم وقال(أن دمائكم واموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد) وقصد باعراضكم اما ان تعتدي عليهم بلفاحشه او ان تعتدي بلكلام غيبه استهزاء السخريه تنابز بالالقاب وصح عند الامام احمد انه صلى الله عليه وسلم قال لما عرج بي قال مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم قلت من هؤلاء يا جبريل فقال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم لذا كان جزاء المغتاب ان يعامل بنقيض قذفه فهو يغتاب الناس لآجل ان يضرهم من بغضه لهم فيكأفئه الله تعالى بان يأخد من حسناته يوم القيامه فيسر ويضر هو ويحزن الحسن البصري رحمه الله تعالى اقبل اليه رجل قال بلغني انك تغتابني الرجل يقول للحسن بلغني الناس يقولون لي انك تغتابني فقال الحسن والله ما بلغ قدرك عندي ان اهديك من حسناتي ثم قال الحسن ولو كنت مغتابا احدا لآغتبت أمي وأبي فانهم أحق الناس باخذ حسناتي ما دام اني بعطي حسنات خلني اعطي امي وابي وفي يوم من الآيام كان الحسن في بيته فأقبل اليه رجل طرق عليه الباب العصر فتح الحسن الباب ما تريد؟ قال يا ابا سعيد قال ما تريد؟ قال اما والله لو كنت معنا الضحى في مجلس فلان ليه ما هو الخبر ما هو الذي فاتني؟ ختمتوا القراءن ام حدثتم باحاديث ما هو الذي فاتني قال لا فلان قد اغتابك ماذا قال الحسن وقتها هل قال ماذا قال بسرعه بسرعه اخبرني ماذا قال عني وهل احد رد عليه لا لا التفت اليه الحسن فقال اعوذ بالله ما وجد الشيطان احدا ان يرسله غيرك انت جئت لاجل ان تفسد ابليس ما وجد احد يرسله يخبرني بهلموضوع غيرك انت اخرج ثم طرده( بين يديه) ثم دخل الحسن وأخد رطبا من عنده في البيت تمرا جميلا وذهب اليه الى ذاك الرجل في طبق الرجل الذي اغتابه!! وطرق عليه الباب فتح الرجل الباب فقال له الحسن البصري خذ هذا هدية جزاك الله خير قال الرجل والله اشكرك على الهدية لكن ما هي المناسبه قال الحسن والله لقد بلغني بانك اهديتني اليوم الضحى حسنات فاحببت ان اقدم لك هديه بدل الهديه التي اعطيتني خذ جزاك الله خير انظروا يا جماعه الي الفقه الذي كانوا يعيشونه ويجب على من سمع غيبه مسلم ان يردها وان يستر قائلها وصح عند الترمذي انه صلى الله عليه وسلم قال(من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة) وفي الصحيحين انه صلى الله عليه وسلم كان مع بعض اصحابه يوما فقال رجل اين مالك ابن الدخشم؟ فقال رجل ذاك منافق لايحب اللله ورسوله يعني لاجل ذلك ما جاء يحضر مجلسنا فغضب النبي صلى الله عليه وسلم والتفت اليه يذب عن عرض اخيه قال له لا تقل ذلك الا تراه قد قال لا اله الا الله يريد بذلك وجه الله انظر الى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه يذب عن اعراض الناس الذين حوله وصح عند ابي داوود انه صلى الله عليه وسلم قال( ما من امريء يخذل امرءا مسلما في موطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه الا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته ثم قال وما من امريء ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته الا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته)اذا تكلموا عن احد المسلمين وانت ساكت ماذا فعلت؟ خذلت اخاك المسلم سيخذلك الله في موطن انت تحب فيه النصره سفيان ابن الحصين كان جالسا يوما عند اياس ابن معاوية فجاء رجل فنال منه سفيان سفيان ابن الحصين تكلم عن ذلك الرجل فقال اياس اسكت يا سفيان فسكت ثم التفت اليه وساله قال له هل غزوت الروم؟ عجيب ما دخل الروم بلموضوع! المفروض يقول اتقي الله الغيبه حرام فقال له هل غزوت الروم قال سفيان لا قفال اياس هل غزوت الترك؟ قال سفيان لا قال هل غزوت كذا وكذا وجعل يعدد عليه الاعداء وهو يقول لا لا فقال له اياس سبحان الله سلم منك الروم وسلم منك الترك وسلم منك المجوس ولم يسلم منك اخوانك المسلمون ومن اعظم الغيبه ان يستهزيء المرء بمن صلح في دينه او ارتفع شانه في عبادته غيبه العلماء , غيبه الدعاة, غيبه طلبة العلم, غيبه ائمه المساجد غيبه الناس خاصه اذا كانت الغيبه بسبب دينهم يعني ما اغتبته بسبب سيارته او بسبب شكل ثوبه او لون غطرته او اغتبته لون حذائه لا بل اغتبته بسبب دينه اي ان تتكلم في لحيته تتكلم في قصر ثوبه تتكلم في اسلوبه بلخطابه ان تتكلم فيه لاجل دينه او تستهزيء به لاجل دينه هذا من اعظم الحرام لانه في الحقيقه استهزاء في الدين الله الذي أمره ان يعفي لحيته الله الذي أمره ان يقصر ثوبه الله الذي امره ان يحجب نسائه الله الذي أمره ان ينصح الناس ان يخطب فيهم الجمعه انظر الى النبي صلى الله عليه وسلم كيف لما وقع في عصره شيء من ذلك كيف كانت الآيات تنزل وتتلى الى يوم القيامه خرج عليه الصلاه والسلام مع اصحابه في غزوة تبوك في ساعة عسرة شديده وحر حارق و رمضاء وغبار ومكثوا هناك في تبوك ما شاء الله ثم رجعوا الى المدينة كان خيار الصحابه حول رسول الله عليه وسلم يمشون معه يشاورهم ويشاورونه حقد جمع من المنافقين عليهم حقدوا على ابو بكر, عمر, عثمان, علي , طلحه, الزبير, على أبي ابن كعب, عبد الله ابن مسعود على هلصحابه الاخيار الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يجالسهم يستمع منهم القراءه احيانا يقرءون وهو يسمع من القراء حقد هلمنافقون على هؤلاء الصحابه فجعلوا يستهزئون يحدثون النكت والطرائف على هؤلاء الصحابه يعني ما بقي على وجه الارض الا هؤلاء الصالحون حتى تنكسون عليهم وتجعلونهم مجالا للطرفه والضحك حتى قال واحد منهم ما رأينا مثل قرّائنا مثل هلمشايخ مثل هلمطاوعه مثل هلصالحين ما رايت مثل قراّئنا هؤلاء ارغب بطونا ولا اكذب السننا ولا اجفل عند اللقاء يقول هؤلاء جايين بس للاكل والشرب لكن عند الكلام ثلاث ارباع كلامهم كذب وجفله لا يشاركون بمعركه ولا قتال فسمعه عوف ابن مالك كيف يتكلم على اخوانه المسلمين لا بد ان يذب عن اعراضهم فقال كذبت كذبت لكنك منافق لاخبرن عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قفز عوف ابن مالك الى النبي صلى الله عليه وسلم فاذا القراءن قد سبقه كلها لعلها دقائق او لحظات فاذا القراءن قد سبقه انزل الله تعالى قوله( ولئن سألتهم ليقولن انما كنا نخوض ونلعب قل أبلله وأياته ورسوله كنتم تستهزئون لاتعتذروا قد كفرتم بعد أيمانكم) يعني ما وجدتم شيئا تخوضون وتلعبون فيه الا الدين اعوذ بالله قلت الاشياء الي ممكن تنكت عليها وتضحك عليها او تكتب فيها مقالات في جريده والا في انترنت او في غيره ما وجدت الا اهل الدين قل ابلله واياته ورسوله كنت تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم لاحظ الايه كيف صريحة ابالله وايته ورسوله كنت تستهزئون فلا تعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم نزلت الايات وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتلوها انتفض الصحابه فاقبل هؤلاء يعتذرون اتعتذر! وهل تظن المساله سهله لهدرجه اقبلوا يعتذرون والنبي صلى الله عليه وسلم لا يلتفت اليهم ماشي ثم ركب ناقته وقال ايها الناس ارتحلوا فاقبلوا اليه يعتذرون وهو يردد أبالله وأياته ورسوله كنتم تستهزئون حتى اقبل اليه ذلك الرجل الذي اخرج ذلك الكلام كبيرهم وجعل يتعلق بخطام ناقه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ابن عمر وانا أراه يمشي النبي صلى الله عليه وسلم بناقته والرجل متعلق بلخطام والحجارة تضرب في قدميه الناقه رفيعه وتمشي بسرعه والرجل يريد ان يلحق يقول والحجاره تضرب في قدميه ويقول يا رسول الله انما هو كلام وحديث الركب نقطّع به على( اطاريف) سواليف يا رسول الله فقط يعني لهدرجه الموضوع صار كبير يقول والنبي صلى الله عليه وسلم لا يلتفت اليه وانما يردد أبلله وأياته ورسوله كنتم تستهزئون لاتعتذروا قد كفرتم بعد ايمانكم ولا يزال الرجل يبكي والرسول صلى الله عليه وسلم يقول له مثل هذا الكلام اذن ايها الاحبه الكرام من وفق في الحقيقه لحفظ لسانه عن اعراض المسلمين فهو المنتصر في دنياه وهو الموفق في أخراه ولو ذهبت اتكلم عن بقيه أفات اللسان من كذب وانواع النميمه وانواع السباب والشتام التي قد تصل احيانا الى سب الذات الالهيه تعالى الله جل جلاله لاحتجنا في ذلك الى محاضرات لكن لعل فيما تقدم معنا من تنبيهات ان يكون عبرة لمن أراد ان يتذكر او ألقى السمع وهو شهيد اسال الله تعالى ان يعيننا جميعا على حفظ ألستنا وان يجعلنا ممكن يستعملونه في طاعه الله تعالى فيجعلنا جميعا من الذاكرين الله كثيرا ويجعل اخواتنا من الذاكرات واسال الله تعالى ان يجعلنا واياكم مباركين اينما كنا والله تعالى أجلّ واكرم واعلم فصلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى أله واصحابه اجمعين.........

كيف مات هؤلاء
عبدالله المعيدي
الحمدلله الذي بيده الملك، والملكوت، وله العزة والجبروت، أحمده سبحانه وأشكره، له العظمة والكبرياء، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحدة لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، الموصوف بجميل النعوت، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين:
أخي ..
في الحياة ومواقفها عبر لمن اعتبر، وفي تقلب النّاس وتبدل أحوالهم ذكرى لمن تذكر ..
يسير النّاس كل النّاس في هذه الدنيا فرحيين جذلين يتسابقون في دنياهم ويلهثون وراء أمانيهم، كلٌّ بحسبه: الصغير والكبير الرجال والنساء .. ترمقهم من حولك يجرون ويلهثون، كلٌّ يسعى لشأنه.. والمعظم منهم قد غرق في غيه ولهوه وشهوته وأمانيه .
لكن يا رعاك الله، أعطني قلبك وافتح لي سويداء فؤادك، ودعني وإيّاك نتأمل في هذا المشهد العظيم وذلك المنظر الرهيب .. أما سمعت عنه؟
أما تخيلته يوماً ما .. إنّه مشهدٌ جدير بنا جميعاً أن نتذكره وأن نتأمل فيه، بل جدير بنا أن لا يفارقنا: بينما أنت بين أهلك وأطفالك تغمرك السعادة، ويغشاك السرور وتمازح هذا وتلاطف ذاك.. بهيُّ الطلعة، فصيح اللسان، قائم الأركان، إذ بقدميك تعجزان عن حملك لتسقط شاحب الوجه شاخص البصر، قد أعجم لسانك وأعطلت أركانك، والأهل حولك قد تحلقوا وبأبصارهم إليك نظروا.. وبك صرخوا.. ينادونك فهل تجيب؟.. بماذا تحس؟ بماذا تشعر؟ وأنت تنظر إليهم بعينين ذابلتين، تريد الحديث فما تستطيع، ترفع يديك لتضمهما إليك فما تقدر..
أمك قد غصّت بدموعها وأبناؤك قد ارتموا على صدرك الحنون، وزوجتك قد غشاها الذهول .. فليت شعري أيُّ حال هي حالك؟! ..
ووالله يا عبدالله، ما حالي وحالك إلاّ كما قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ : "ألا أدلك بيومين وليلين لم تسمع الخلائث بمثلها؟.. أول يوم يجيؤك البشير من الله إمّا برضاه وإمّا بسخطه، واليوم الثاني يوم تعرض فيه على ربّك آخذاً كتابك إمّا بيمينك وإمّا بشمالك .. وأول ليلة تبيتها في القبر والليلة الثانية صبحها يوم القيامة".
نعم يا عبدالله: ليلتان اثنتان .. ليلتان اثنتان يجعلهما كل مسلم في مخيلته .. ليلة في بيته مع أهله وأبنائه متعاً سعيداً فرحاً مسروراً يضاحك أولاده ويضاحكونه، والليلة التي تليها مباشرة أتاه ملك الموت فنقله بأمر ربّه من الدور إلى القبور ومن السعة إلى الضيق ومن الفرش الوثيرة والقصور المثيرة إلى ظلمة مخيفة ووحشة رهيبة وسفر بعيد، وهول مطلع شديد: { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)} .
أول ليلة في القبر يا عبدالله شكا منها العلماء وشكا من هولها الأولياء وصنفت فيها المصنفات.
حين حضرت العالم العابد محمد بن سيرين الوفاة بكى.. فقيل: ما يبكيك؟ فقال: أبكي لتفريطي وقلة عملي للجنّة العالية، وما ينجيني من النّار الحامية.
إنّها حقيقة الموت وما بعد الموت.. الموت الذي سيذوقه كل واحد منّا، فقيراً كان أو غنياً، صحيحاً كان أو سقيماً، كبيراً كان أو صغيراً، رئيساً أو مرءوساً، ولن ينجو من الموت أحد ولو فر إلى مكان بعيد أو برج عال أو واد سحيق، قال تعالى: {اَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} .
الموت يا محب ـ على وضوح شأنه وظهور آثاره ـ سرٌّ من الأسرار التي حيرت الألباب وأذهلت العقول..
الموت حقيقة ما أقربها! وما أسرع مجيئها! فما الأعمار في الحقيقة إلاّ أزهار تتفتح ثم تذبل، أو مصباح ينير ثم ينطفئ، وليبحث أرباب المطالع وطلاب الدنيا، ليبحثوا فوق رمال تلك القبور المبعثرة وبين أحجارها المتهدمة المتساقطة، ليعلموا أنّ طرق الشهوات والملذات المحرمة وإن كانت تلوح لناظريه بالأزهار، فإنّ نهايتها تلك القبور المظلمة والحفر الموحشة، فطوبى!! لمن أتاه بريد الموت بالإشخاص قبل أن يفتح ناظريه على هؤلاء الأشخاص..
الموت باب، وكل الناس داخله *** ياليت شعري بعد الموت ما الدار؟
الدار جنة الخلد إن عملــت بما *** يرضى الإله وإن قصــّرت فالنــار
يا عبدالله، عند الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها يكون النّاس فريقين فريقاً يثبت عند المصائب، ويؤمن من المخاوف، ويبشر بالجنّة، وفريقاً يكابد غاية الخزي والإذلال والشقاء والهوان..
وعند النهاية تميز النهاية.. نعم إنّها النهاية.. محطة أقلقت الخائفين.. وأرقت عيون العارفين.. وأسهرت بالإسحار عيون عباد الله المتقين.. محطة لطالما تساقط عندها المذنبون وهلك بأرضها الهالكون..
عند الموت يا عبدالله تكون حال الإنسان إحدى حالتين .. إمّا أن يكون من أهل الخير والصلاح فهذا ميتته ميتة طيبة ويبشر بالعفو والغفران ورب راض غير غضبان قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)} .
وأمّا إن كان العبد من أهل الكفر والضلال والفجور والفساد فهذا يبشر بالويل والعذاب: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} .
أخي الكريم..
إنّ مصير المرء بعد موته ـ وإن كان الله قد أستأثر بعلمه والكلام عنه من الرجم بالغيب ـ ولكن لما كانت الخاتمة من القرائن المبيّنة لمصير الآخرة فقد جاء التأكيد عليها والتحذير من الغفلة عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: «إنّما الأعمال بالخواتيم».
وإن آخر ساعة في حياة الإنسان هي الملخص لما كانت عليه حياته كلها، وهي ترجمة لما كان يفعله المرء أثناء عمره من الخير والشر..
والقلب أثناء نزول الموت بالمرء، لا يظهر منه إلاّ ما كان بداخله وما استهواه صاحبه، فانظر ما في قلبك وما تحب في الدنيا فهو خارج منه أثناء النهاية شاء ذلك صاحبه أم أبى.
وهذه صور لنهايات كان أصحابها يعيشون كما نعيش وسنموت كما ماتوا: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)}، أسوقها لعل فيها عبرة للمعتبرين وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
علامات حسن الخاتمة
إنّ حسن الخاتمة أن يتوفاك الله على الإسلام، وأن يوفق الله العبد للتوبة عن الذنوب والمعاصي والإقبال على الطاعات.
وإن من أعظم علامات حسن الخاتمة ما يبشر به العبد عند موته من رضا الله تعالى واستحقاقه كرامته تفضيلاً منه ـ تعالى ـ كما قال تعالى:
{اِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ اَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَاَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} .
من علامات حسن الخاتمة أيضاً، الموت على عمل صالح من صلاة أو صيام او جهاد أو قراءة قرآن.
صور لحسن الخاتمة
ذكر أهل السير أنّ أبا مريم الغسّاني ـ رحمه الله ـ كان صائماً يوماً من الأيّام، فنزل به الموت واشتد به الكرب، فقال له من حوله: لو جرعت جرعة من ماء. فقال بيده: لا .. فلما دخل المغرب قال: أذن ؟! قالوا: نعم ففطَّروه وجعلوا في فمه قطرة ماء ثم مات بعدها.
وذكر بعض الفضلاء أن امرأة عجوزاً كانت من أهل الصلاة والطاعة، وفي يوم وهي في مصلاها ساجدة، أرادت أن ترفع من سجودها فلم تستطع، صاحب بابنها، أجلسها كهيئة السجود، حملها إلى المستشفى، ولكن لا فائدة، فقد تجمدت أعضاؤها على هذه الحال، قالت يا بني خذني إلى مصلاي أتعبد وأصلي إلى أن يفعل الله ما يشاء، ولم تزل في صلاة وهي على هيئة السجود لا تقوى على الحراك، فقبض الله روحها وهي ساجدة، غسولها وهي ساجدة، كفنوها وهي ساجدة، أدخلت إلى قبرها وهي ساجدة، وتبعث يوم القيامة بإذن الله وهي ساجدة.
وإنّ من أعظم علامات حسن الخاتمة الموت في سبيل الله: أن يموت العبد، وقد قدم نفسه وأرخص روحه وباع مهجته الله تعالى .. مجاهداً أعداء الدين ومدافعاً عن عباد الله المؤمنين.
ذكر الذهبي في السير عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعيد بن الربيع، فقال لي: " إن رأيته فاقرئه مني السلام وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تجدك؟ فطفت بين القتلى فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة " .. فأخبرته .. فقال: على رسول الله السلام وعليك، قل له يا رسول الله !!! إنّي أجد ريح الجنة .. وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله، إن خُلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرق قال وفاضت نفسه رضي الله عنه وأرضاه .
وذكر أنّ أحد الصالحين مرض مرض الموت وكان صائماً فقال له أبناؤه: افطر، فقال: لا، فلما أصروا على ذلك وقربوا له الماء رده بيده، وقال: إنّي لأجد ريح الجنّة، فمات صائماً قبل المغرب.
علامات الخاتمة السيئة
وفي المقابل هناك صور للخاتمة السيئة أعاذنا الله وإيّاك منها، وإن من علامات الخاتمة السيئة أن يتوفى الله العبد على غير الإسلام أو أن تكون وفاة الإنسان وهو معرض عن ربّه ـ جل وعلا ـ مقيم على ما يسخطه، مضيع ما أوجبه، أو أن يتوفاه الله وهو معاقر لمنكر. ولا ريب تلك النهاية سيئة بسيئة طالما خافها المتقون وعباد الله المؤمنون.
وإنّ من أسباب سوء الخاتمة يا عبدالله، أن يصر العبد على المعاصي وما ألفها، فإنّ الإنسان إذا ألف شيئاً مدة حياته أحبه فعلق قلبه به، فالغالب أنه يموت عليه إن لم يتب من ذلك.
صور لسوء الخاتمة
في أحد الطرق كان ثلاثة من الشباب يستقلون سيارتهم بسرعة البرق، والموسيقى تصيح بصوت مرتفع، وهم فرحون بذلك كحال كثير من شبابنا ـ إلاّ من رحم الله ـ كان من أبعد ما يفكرون فيه أن يفارقوا هذه الدنيا، كانت الآمال تطير بهم وهم يتابعون تلك المزامير، وفجأة حدث ما لم يكن بالحسبان.. انقلبت السيارة عدة مرات.. وصلت سيارة الإسعاف، حملت المصابين أحدهم كان مصاباً إصابات بليغة، جلس صديقاه بجانبه كان يتنفس بصعوبة، والدم قد غطى جسده حتى غيّر ملامحه حينئذ علم الضابط أنّه يلفظ أنفاسه الأخيرة.. عرف اسمه من صاحبيه قال له: يا فلان قل لا إله إلاّ الله، يا فلان قل لا إله إلاّ الله. فيقول: هو .. (يقصد نفسه) في سقر. فيقول: يا فلان قل لا إله إلاّ الله. فيقول: هو في سقر ثم سقط رأسه ولفظ أنفاسه ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وكم سمعنا وسمعت عمّن مات مغشياً أو لفظ أنفاسه وهو يعد أمواله وينمي دراهمه.
ذكر ابن قيم في كتابه القيم (الداء والدواء) هذه القصة العجيبة فقال: "يروى أنّه كان بمصر رجل يلزم مسجداً للأذان والإقامة والصلاة، وعليه بهاء الطاعة وأنوار العبادة، فرقي يوماً المنارة على عادته للأذان، وكان تحت المنارة دار لنصراني، فاطلع فيها فرأى ابنة صاحب الدار فافتتن بها فترك الأذان ونزل إليها، ودخل الدار عليها فقالت: ما شأنك وماتريد، قال: أريدك، فقالت: لماذا؟ قال: قد سبيت لبي وأخذت بمجامع قلبي، قالت: لا أجيبك لريبة أبداً، قال: أتزوجك، قالت: أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك، قال: اتنصر!! قالت: إن فعلت أفعل، فتنصر الرجل ليتزوجها، وأقام معهم في الدار، فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقى إلى سطح كان في الدار فسقط منه فمات، فلم يظفر بها، وفاته دينه!!".
فليحذر العبد المعصية أن تخونه عند موته يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ: "إنّ الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت".
ويقول ابن القيم نقلاً عن الإشبيلي ـ رحمه الله ـ: "وسوء الخاتمة لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، إنّما تكون لمن له فساد في العقيدة أو إصرار على الكبيرة أو إقدام على العظائم، فربّما غلب ذلك عليه حتى ينزل عليه الموت قبل التوبة فيأخذه قبل إصلاح الطوية ويصطدم قبل الإنابة والعياذ بالله.
والقصص في هذا كثير يطول المقام بذكره ولكن المقصود من القصة أخذ العبرة والاستفادة.
الإكثار من ذكر الموت
يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أكثروا ذكر هادم اللذات» يعني الموت، وذكر الموت يقلل كل كثير ويكثر كل قليل، ويزهد في الدنيا، ويعين على العمل الصالح والإكثار من ذكر الله هو سبيل المؤمنين وعباد الله المتقين.
كان الحسن بن يسار كثيراً ما يقول: "يا ابن آدم! نطفة بالأمس، وجيفة غداً، والبلى فيما بين ذلك يمسح جبينك كأن الأمر يعني بع غيرك،إن الصحيح من لم تمرضه القلوب، وإن الطاهر من لم تنجسه الخطايا، وإن أكثركم ذكراً للآخرة أنساكم للدنيا، وإن أنسى النّاس للآخرة أكثرهم ذكراً للدنيا، وإنّ أهل العبادة من أمسك نفسه عن الشر، وإن البصير من أبصر الحرام فلم يقربه، وإنّ العاقل من يذكر يوم القيامة ولم ينس الحساب".
وهذا مالك بن دينار ـ رحمه الله ـ كان يقول طوال ليلته قابضاً على لحيته ويقول: "يا رب قد علمت ساكن الجنّة! وعلمت ساكن النّار ! ففي أي الدارين منزل مالك؟ .. "
ويبكي بعضهم عند الموت، فسئل عن ذلك فقال: "إني سمعت رسول الله يقول: {و َبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} ".
أخي..
إنّ فئاماً من النّاس لا يحبون أو لا يحبذون الحديث عن الموت وساعة الاحتضار.. لأنّ ذلك على حد زعمهم يؤلمهم ويشعرهم باليأس ويقطع حبل أملهم ويؤرّق حياتهم فهم يريدون العيش دون سماع ما ينغَّص حياتهم ويفزع خواطرهم.. وأغلب هؤلاء ممّن قصروا في حق ربّهم وخانوا أنفسهم .. وإن الحديث عن الموت يا محب كما أنّه شرع ودين فهو سجية العقلاء والراشدين.
يقول عبدالرحمن بن مهدي: "لو قيل لحماد بن سلمة أنك تموت غداً، ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً لأن أوقاته بالتعبد معمورة وعن الشر يديه مقصورة".
والاستعداد للموت ليس بالأماني الباطلة والألفاظ المعسولة بل هو بهجر المنكرات، والثواب إلى رب الأرض والسموات، وإزالة الشحناء والبغضاء والعداوة من القلوب وبر الوالدين وصلى الرحم.
ولكن يا عبدالله متى يستعد للموت من تظلله سحائب الهوان ويسير في أودية الغفلة؟!
متى يستعد للموت من لا يبالي بأمر الله في حلال أو حرام؟!
متى يستعد للموت من هجر القرآن، ولا يعرف صلاة الفجر من الجماعة، من أكل أموال النّاس بالباطل وأكل الربا وارتكب الزنا؟!
كيف يكون مستعداً للموت من لوث لسانه بالغيبة والنميمة وامتلأ بالحقد والحسد وضيع أوقات عمره في تتبع عورات المسلمين والوقوع في أعراضهم؟!
فيا أيّها المذنب وكلنا كذلك عد إلى ربّك وجدد التوبة قبل فوات الآوان ولات ساعة مندم، فالحذر الحذر يا عبدالله والبدار البدار والتوبة التوبة وعلينا جميعاً الاستعداد لذلك اليوم وتلك النهاية كما كان هو دأب السلف الصالح.
وصل اللّهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
عبدالله المعيدي
الحمدلله الذي بيده الملك، والملكوت، وله العزة والجبروت، أحمده سبحانه وأشكره، له العظمة والكبرياء، أشهد أن لا إله إلاّ الله وحدة لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، الموصوف بجميل النعوت، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين:
أخي ..
في الحياة ومواقفها عبر لمن اعتبر، وفي تقلب النّاس وتبدل أحوالهم ذكرى لمن تذكر ..
يسير النّاس كل النّاس في هذه الدنيا فرحيين جذلين يتسابقون في دنياهم ويلهثون وراء أمانيهم، كلٌّ بحسبه: الصغير والكبير الرجال والنساء .. ترمقهم من حولك يجرون ويلهثون، كلٌّ يسعى لشأنه.. والمعظم منهم قد غرق في غيه ولهوه وشهوته وأمانيه .
لكن يا رعاك الله، أعطني قلبك وافتح لي سويداء فؤادك، ودعني وإيّاك نتأمل في هذا المشهد العظيم وذلك المنظر الرهيب .. أما سمعت عنه؟
أما تخيلته يوماً ما .. إنّه مشهدٌ جدير بنا جميعاً أن نتذكره وأن نتأمل فيه، بل جدير بنا أن لا يفارقنا: بينما أنت بين أهلك وأطفالك تغمرك السعادة، ويغشاك السرور وتمازح هذا وتلاطف ذاك.. بهيُّ الطلعة، فصيح اللسان، قائم الأركان، إذ بقدميك تعجزان عن حملك لتسقط شاحب الوجه شاخص البصر، قد أعجم لسانك وأعطلت أركانك، والأهل حولك قد تحلقوا وبأبصارهم إليك نظروا.. وبك صرخوا.. ينادونك فهل تجيب؟.. بماذا تحس؟ بماذا تشعر؟ وأنت تنظر إليهم بعينين ذابلتين، تريد الحديث فما تستطيع، ترفع يديك لتضمهما إليك فما تقدر..
أمك قد غصّت بدموعها وأبناؤك قد ارتموا على صدرك الحنون، وزوجتك قد غشاها الذهول .. فليت شعري أيُّ حال هي حالك؟! ..
ووالله يا عبدالله، ما حالي وحالك إلاّ كما قال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ : "ألا أدلك بيومين وليلين لم تسمع الخلائث بمثلها؟.. أول يوم يجيؤك البشير من الله إمّا برضاه وإمّا بسخطه، واليوم الثاني يوم تعرض فيه على ربّك آخذاً كتابك إمّا بيمينك وإمّا بشمالك .. وأول ليلة تبيتها في القبر والليلة الثانية صبحها يوم القيامة".
نعم يا عبدالله: ليلتان اثنتان .. ليلتان اثنتان يجعلهما كل مسلم في مخيلته .. ليلة في بيته مع أهله وأبنائه متعاً سعيداً فرحاً مسروراً يضاحك أولاده ويضاحكونه، والليلة التي تليها مباشرة أتاه ملك الموت فنقله بأمر ربّه من الدور إلى القبور ومن السعة إلى الضيق ومن الفرش الوثيرة والقصور المثيرة إلى ظلمة مخيفة ووحشة رهيبة وسفر بعيد، وهول مطلع شديد: { وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)} .
أول ليلة في القبر يا عبدالله شكا منها العلماء وشكا من هولها الأولياء وصنفت فيها المصنفات.
حين حضرت العالم العابد محمد بن سيرين الوفاة بكى.. فقيل: ما يبكيك؟ فقال: أبكي لتفريطي وقلة عملي للجنّة العالية، وما ينجيني من النّار الحامية.
إنّها حقيقة الموت وما بعد الموت.. الموت الذي سيذوقه كل واحد منّا، فقيراً كان أو غنياً، صحيحاً كان أو سقيماً، كبيراً كان أو صغيراً، رئيساً أو مرءوساً، ولن ينجو من الموت أحد ولو فر إلى مكان بعيد أو برج عال أو واد سحيق، قال تعالى: {اَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} .
الموت يا محب ـ على وضوح شأنه وظهور آثاره ـ سرٌّ من الأسرار التي حيرت الألباب وأذهلت العقول..
الموت حقيقة ما أقربها! وما أسرع مجيئها! فما الأعمار في الحقيقة إلاّ أزهار تتفتح ثم تذبل، أو مصباح ينير ثم ينطفئ، وليبحث أرباب المطالع وطلاب الدنيا، ليبحثوا فوق رمال تلك القبور المبعثرة وبين أحجارها المتهدمة المتساقطة، ليعلموا أنّ طرق الشهوات والملذات المحرمة وإن كانت تلوح لناظريه بالأزهار، فإنّ نهايتها تلك القبور المظلمة والحفر الموحشة، فطوبى!! لمن أتاه بريد الموت بالإشخاص قبل أن يفتح ناظريه على هؤلاء الأشخاص..
الموت باب، وكل الناس داخله *** ياليت شعري بعد الموت ما الدار؟
الدار جنة الخلد إن عملــت بما *** يرضى الإله وإن قصــّرت فالنــار
يا عبدالله، عند الموت وشدته، والقبر وظلمته، وفي القيامة وأهوالها يكون النّاس فريقين فريقاً يثبت عند المصائب، ويؤمن من المخاوف، ويبشر بالجنّة، وفريقاً يكابد غاية الخزي والإذلال والشقاء والهوان..
وعند النهاية تميز النهاية.. نعم إنّها النهاية.. محطة أقلقت الخائفين.. وأرقت عيون العارفين.. وأسهرت بالإسحار عيون عباد الله المتقين.. محطة لطالما تساقط عندها المذنبون وهلك بأرضها الهالكون..
عند الموت يا عبدالله تكون حال الإنسان إحدى حالتين .. إمّا أن يكون من أهل الخير والصلاح فهذا ميتته ميتة طيبة ويبشر بالعفو والغفران ورب راض غير غضبان قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31)} .
وأمّا إن كان العبد من أهل الكفر والضلال والفجور والفساد فهذا يبشر بالويل والعذاب: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} .
أخي الكريم..
إنّ مصير المرء بعد موته ـ وإن كان الله قد أستأثر بعلمه والكلام عنه من الرجم بالغيب ـ ولكن لما كانت الخاتمة من القرائن المبيّنة لمصير الآخرة فقد جاء التأكيد عليها والتحذير من الغفلة عنها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في البخاري: «إنّما الأعمال بالخواتيم».
وإن آخر ساعة في حياة الإنسان هي الملخص لما كانت عليه حياته كلها، وهي ترجمة لما كان يفعله المرء أثناء عمره من الخير والشر..
والقلب أثناء نزول الموت بالمرء، لا يظهر منه إلاّ ما كان بداخله وما استهواه صاحبه، فانظر ما في قلبك وما تحب في الدنيا فهو خارج منه أثناء النهاية شاء ذلك صاحبه أم أبى.
وهذه صور لنهايات كان أصحابها يعيشون كما نعيش وسنموت كما ماتوا: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)}، أسوقها لعل فيها عبرة للمعتبرين وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
علامات حسن الخاتمة
إنّ حسن الخاتمة أن يتوفاك الله على الإسلام، وأن يوفق الله العبد للتوبة عن الذنوب والمعاصي والإقبال على الطاعات.
وإن من أعظم علامات حسن الخاتمة ما يبشر به العبد عند موته من رضا الله تعالى واستحقاقه كرامته تفضيلاً منه ـ تعالى ـ كما قال تعالى:
{اِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ اَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَاَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} .
من علامات حسن الخاتمة أيضاً، الموت على عمل صالح من صلاة أو صيام او جهاد أو قراءة قرآن.
صور لحسن الخاتمة
ذكر أهل السير أنّ أبا مريم الغسّاني ـ رحمه الله ـ كان صائماً يوماً من الأيّام، فنزل به الموت واشتد به الكرب، فقال له من حوله: لو جرعت جرعة من ماء. فقال بيده: لا .. فلما دخل المغرب قال: أذن ؟! قالوا: نعم ففطَّروه وجعلوا في فمه قطرة ماء ثم مات بعدها.
وذكر بعض الفضلاء أن امرأة عجوزاً كانت من أهل الصلاة والطاعة، وفي يوم وهي في مصلاها ساجدة، أرادت أن ترفع من سجودها فلم تستطع، صاحب بابنها، أجلسها كهيئة السجود، حملها إلى المستشفى، ولكن لا فائدة، فقد تجمدت أعضاؤها على هذه الحال، قالت يا بني خذني إلى مصلاي أتعبد وأصلي إلى أن يفعل الله ما يشاء، ولم تزل في صلاة وهي على هيئة السجود لا تقوى على الحراك، فقبض الله روحها وهي ساجدة، غسولها وهي ساجدة، كفنوها وهي ساجدة، أدخلت إلى قبرها وهي ساجدة، وتبعث يوم القيامة بإذن الله وهي ساجدة.
وإنّ من أعظم علامات حسن الخاتمة الموت في سبيل الله: أن يموت العبد، وقد قدم نفسه وأرخص روحه وباع مهجته الله تعالى .. مجاهداً أعداء الدين ومدافعاً عن عباد الله المؤمنين.
ذكر الذهبي في السير عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعيد بن الربيع، فقال لي: " إن رأيته فاقرئه مني السلام وقل له يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تجدك؟ فطفت بين القتلى فأصبته وهو في آخر رمق وبه سبعون ضربة " .. فأخبرته .. فقال: على رسول الله السلام وعليك، قل له يا رسول الله !!! إنّي أجد ريح الجنة .. وقل لقومي الأنصار لا عذر لكم عند الله، إن خُلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرق قال وفاضت نفسه رضي الله عنه وأرضاه .
وذكر أنّ أحد الصالحين مرض مرض الموت وكان صائماً فقال له أبناؤه: افطر، فقال: لا، فلما أصروا على ذلك وقربوا له الماء رده بيده، وقال: إنّي لأجد ريح الجنّة، فمات صائماً قبل المغرب.
علامات الخاتمة السيئة
وفي المقابل هناك صور للخاتمة السيئة أعاذنا الله وإيّاك منها، وإن من علامات الخاتمة السيئة أن يتوفى الله العبد على غير الإسلام أو أن تكون وفاة الإنسان وهو معرض عن ربّه ـ جل وعلا ـ مقيم على ما يسخطه، مضيع ما أوجبه، أو أن يتوفاه الله وهو معاقر لمنكر. ولا ريب تلك النهاية سيئة بسيئة طالما خافها المتقون وعباد الله المؤمنون.
وإنّ من أسباب سوء الخاتمة يا عبدالله، أن يصر العبد على المعاصي وما ألفها، فإنّ الإنسان إذا ألف شيئاً مدة حياته أحبه فعلق قلبه به، فالغالب أنه يموت عليه إن لم يتب من ذلك.
صور لسوء الخاتمة
في أحد الطرق كان ثلاثة من الشباب يستقلون سيارتهم بسرعة البرق، والموسيقى تصيح بصوت مرتفع، وهم فرحون بذلك كحال كثير من شبابنا ـ إلاّ من رحم الله ـ كان من أبعد ما يفكرون فيه أن يفارقوا هذه الدنيا، كانت الآمال تطير بهم وهم يتابعون تلك المزامير، وفجأة حدث ما لم يكن بالحسبان.. انقلبت السيارة عدة مرات.. وصلت سيارة الإسعاف، حملت المصابين أحدهم كان مصاباً إصابات بليغة، جلس صديقاه بجانبه كان يتنفس بصعوبة، والدم قد غطى جسده حتى غيّر ملامحه حينئذ علم الضابط أنّه يلفظ أنفاسه الأخيرة.. عرف اسمه من صاحبيه قال له: يا فلان قل لا إله إلاّ الله، يا فلان قل لا إله إلاّ الله. فيقول: هو .. (يقصد نفسه) في سقر. فيقول: يا فلان قل لا إله إلاّ الله. فيقول: هو في سقر ثم سقط رأسه ولفظ أنفاسه ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وكم سمعنا وسمعت عمّن مات مغشياً أو لفظ أنفاسه وهو يعد أمواله وينمي دراهمه.
ذكر ابن قيم في كتابه القيم (الداء والدواء) هذه القصة العجيبة فقال: "يروى أنّه كان بمصر رجل يلزم مسجداً للأذان والإقامة والصلاة، وعليه بهاء الطاعة وأنوار العبادة، فرقي يوماً المنارة على عادته للأذان، وكان تحت المنارة دار لنصراني، فاطلع فيها فرأى ابنة صاحب الدار فافتتن بها فترك الأذان ونزل إليها، ودخل الدار عليها فقالت: ما شأنك وماتريد، قال: أريدك، فقالت: لماذا؟ قال: قد سبيت لبي وأخذت بمجامع قلبي، قالت: لا أجيبك لريبة أبداً، قال: أتزوجك، قالت: أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك، قال: اتنصر!! قالت: إن فعلت أفعل، فتنصر الرجل ليتزوجها، وأقام معهم في الدار، فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقى إلى سطح كان في الدار فسقط منه فمات، فلم يظفر بها، وفاته دينه!!".
فليحذر العبد المعصية أن تخونه عند موته يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ: "إنّ الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت".
ويقول ابن القيم نقلاً عن الإشبيلي ـ رحمه الله ـ: "وسوء الخاتمة لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، إنّما تكون لمن له فساد في العقيدة أو إصرار على الكبيرة أو إقدام على العظائم، فربّما غلب ذلك عليه حتى ينزل عليه الموت قبل التوبة فيأخذه قبل إصلاح الطوية ويصطدم قبل الإنابة والعياذ بالله.
والقصص في هذا كثير يطول المقام بذكره ولكن المقصود من القصة أخذ العبرة والاستفادة.
الإكثار من ذكر الموت
يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «أكثروا ذكر هادم اللذات» يعني الموت، وذكر الموت يقلل كل كثير ويكثر كل قليل، ويزهد في الدنيا، ويعين على العمل الصالح والإكثار من ذكر الله هو سبيل المؤمنين وعباد الله المتقين.
كان الحسن بن يسار كثيراً ما يقول: "يا ابن آدم! نطفة بالأمس، وجيفة غداً، والبلى فيما بين ذلك يمسح جبينك كأن الأمر يعني بع غيرك،إن الصحيح من لم تمرضه القلوب، وإن الطاهر من لم تنجسه الخطايا، وإن أكثركم ذكراً للآخرة أنساكم للدنيا، وإن أنسى النّاس للآخرة أكثرهم ذكراً للدنيا، وإنّ أهل العبادة من أمسك نفسه عن الشر، وإن البصير من أبصر الحرام فلم يقربه، وإنّ العاقل من يذكر يوم القيامة ولم ينس الحساب".
وهذا مالك بن دينار ـ رحمه الله ـ كان يقول طوال ليلته قابضاً على لحيته ويقول: "يا رب قد علمت ساكن الجنّة! وعلمت ساكن النّار ! ففي أي الدارين منزل مالك؟ .. "
ويبكي بعضهم عند الموت، فسئل عن ذلك فقال: "إني سمعت رسول الله يقول: {و َبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} ".
أخي..
إنّ فئاماً من النّاس لا يحبون أو لا يحبذون الحديث عن الموت وساعة الاحتضار.. لأنّ ذلك على حد زعمهم يؤلمهم ويشعرهم باليأس ويقطع حبل أملهم ويؤرّق حياتهم فهم يريدون العيش دون سماع ما ينغَّص حياتهم ويفزع خواطرهم.. وأغلب هؤلاء ممّن قصروا في حق ربّهم وخانوا أنفسهم .. وإن الحديث عن الموت يا محب كما أنّه شرع ودين فهو سجية العقلاء والراشدين.
يقول عبدالرحمن بن مهدي: "لو قيل لحماد بن سلمة أنك تموت غداً، ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً لأن أوقاته بالتعبد معمورة وعن الشر يديه مقصورة".
والاستعداد للموت ليس بالأماني الباطلة والألفاظ المعسولة بل هو بهجر المنكرات، والثواب إلى رب الأرض والسموات، وإزالة الشحناء والبغضاء والعداوة من القلوب وبر الوالدين وصلى الرحم.
ولكن يا عبدالله متى يستعد للموت من تظلله سحائب الهوان ويسير في أودية الغفلة؟!
متى يستعد للموت من لا يبالي بأمر الله في حلال أو حرام؟!
متى يستعد للموت من هجر القرآن، ولا يعرف صلاة الفجر من الجماعة، من أكل أموال النّاس بالباطل وأكل الربا وارتكب الزنا؟!
كيف يكون مستعداً للموت من لوث لسانه بالغيبة والنميمة وامتلأ بالحقد والحسد وضيع أوقات عمره في تتبع عورات المسلمين والوقوع في أعراضهم؟!
فيا أيّها المذنب وكلنا كذلك عد إلى ربّك وجدد التوبة قبل فوات الآوان ولات ساعة مندم، فالحذر الحذر يا عبدالله والبدار البدار والتوبة التوبة وعلينا جميعاً الاستعداد لذلك اليوم وتلك النهاية كما كان هو دأب السلف الصالح.
وصل اللّهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الصفحة الأخيرة
ناصر الاحمد
الصحابة رضي الله عنهم هم صدارة هذه البشرية بعد الأنبياء والرسل، تحقق فيهم رضي الله عنهم ما لم يتحقق في غيرهم من بدء الخليقة، ولن يتحقق في غيرهم حتى قيام الساعة. إن عوامل الخير تجمعت فيهم ما لم يتجمع في جيل قبلهم ولن يتجمع في جيل بعدهم، فهم بحق كما وصفهم صاحب الظلال رحمة الله تعالى عليه في معالمه، جيل قرآني فريد. كان لهم من الشرف والكرامة عند الله جل وعلا ما ليس لغيرهم، لماذا هذا الشرف؟ ولماذا هذه الكرامة؟ لأنهم أخلصوا دينهم لله، وجردوا متابعتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم على التمام والكمال، ودافعوا عنه في جميع الأحوال، لقد هان عليهم في سبيل هذا الدين الأموال والأرواح والدماء، غادروا الأوطان وهي عزيزة عليهم راضين مختارين، تاركين ورائهم كل شيء، والعجيب في تضحية أولئك الرجال، أن مغادرتهم وذهابهم كان إلى أراضي لا عهد لهم بها، لا يعرفون شيئاً عن تلك البلاد التي ذهبوا إليها، ذهبوا إلى أمم لا نسب لهم بها، ولا ألفة بينهم وبين أهلها، ومكثوا وراء البحر في بلاد الحبشة سنين وأعواماً حتى أعز الله دينه، ونصر جنده، وأعلى كلمته، خرجوا من مكة مهاجرين إلى المدينة، كل على قدر حاله وقوته، إما سراً وإما إعلاناً، وكان من جملة المهاجرين من مكة صهيب الرومي رضي الله عنه، تبعه نفر من قريش فقالوا له، أتيتنا صعلوكاً حقيراً فكثر مالك عندنا، فبلغت ما بلغت ثم تنطلق بنفسك ومالك؟ والله لا يكون ذلك. فنـزل عن راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم رجلاً، وأيم الله لا تصلون إليّ حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي، ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، فافعلوا ما شئتم، فإن شئتم دللتكم على مالي وخليتم سبيلي قالوا: نعم، ففعل، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ربح البيع أبا يحيى ربح البيع"، فنـزل قول الله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد). هكذا كانوا رضي الله عنهم، إذا طمع غيرهم في المال والمتاع، جعلوه فداءً لعقيدتهم.
وأما دفاعهم وذبهم رضي الله عنهم عن نبيهم، واسترخاصهم كل شيء في سبيل ذلك، فقد نوه الله عز وجل بذلك وسجله لهم في كتابه العزيز بقوله: (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، وما زادهم إلا إيماناً وتسليما، من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا).
لقد حفظت لنا كتب السير والتواريخ ما أجاب به المهاجرون والأنصار النبي صلى الله عليه وسلم، من القول الدال على عظيم استجابتهم لله ولرسوله في غزوة بدر لما لاقوا العدو على غير ميعاد وغير استعداد، قام فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فقال: "أشيروا عليّ أيها الناس"، فقام الصديق فقال وأحسن القول، ثم قام عمر فقال وأحسن القول، ثم قام المقداد بن عمرو فقال: يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لوسرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك دونه حتى تبلغه.
وإذا تأمل الإنسان مساومة قريش لزيد بن الدثنه عندما أخرجته قريش من مكة لتقتله في الحل، بعد أن أسر هو وخبيب بن عدي يوم الرجيع، رأى صلابة الصحابة في الدين، وحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولتملّكه العجب كما تملّك أبا سفيان بن حرب، فإنه قال لزيد بن الدثنة عندما قُدّم ليقتل: أنشدك الله يا زيد أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه، وإنك في أهلك؟ قال والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي، قال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً.
وليس هذا التفاني والإخلاص أحرزه الرجال دون النساء، بل كانوا جميعاً سواء، يتسابقون في مرضاة الله ورسوله، ويتهافتون على حياض الموت في سبيل الله، وما قصة تلك المرأة من بني دينار التي أصيب زوجها وأخوها وأبوها في غزوة أحد، فلما جاءها نعيهم ماذا فعلت، وماذا قالت؟ قالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنه لا يهمها زوجها ولا أخوها ولا أبوها، إنها لا تسأل إلا عن رسولها صلى الله عليه وسلم. فطلبت أن تراه لكي تطمئن، فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل، أي لا شيء. أي بشر كان هؤلاء، أنهم ولا شك بشر لكن عجبٌ من البشر.
وأما بذلهم للمال والمتاع، فو الله الذي لا إله إلا هو لم تشهد الأرض في مسيرة بني آدم الطويلة عليها، أن توارث قوم فيما بينهم من غير قرابة ولا رابطة دم، وعن طواعية واختيار، إلا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تتفجر ينابيع السخاء والكرم في أمة من الأمم، كما تفجرت في جيل الصحابة، ولذلك استحقوا ثناء الله عز وجل عليهم، الذي تتلوه الألسنة على الدوام وعلى مر السنين والأعوام: (والذين تبوأو الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
إن الصحابة رضي الله عنهم، هم أعلام الفضيلة، ودعاة الهداية، هم الذين حملوا نور الإسلام في أنحاء المعمورة، بهم أنقذ الله البشرية من أغلال الوثنية، أرسوا قواعد الحق والخير والعدل، نشروا كلمة الله حتى علت في الأرض، ورفرف علم الإسلام في الآفاق. لقد بذلوا في سبيل ذلك قصارى جهدهم، سهروا من أجل تبليغ كلمة الله، ونشرها ليلاً ونهاراً دون ملل أو كلل، بل كانوا كما أخبر الله عنهم: (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعفوا وما استكانوا). لم يميلوا إلى دعة ولا أخلدوا إلى راحة، ولم تغرهم الحياة الدنيا بزخارفها وبهرجها، ضحوا بكل غال ورخيص لكي يخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
هؤلاء هم الصحابة، بشر كما قلت لكن عجب من البشر، قاموا بمعالم الدين، وناصحوا الاجتهاد للمسلمين، حتى تهذبت طرقه، وقويت أسبابه، وظهرت آلاء الله، واستقر دينه، ووضحت أعلامه، فأذل الله بهم الشرك، وأزال رؤوسه، ومحا دعائمه، حتى صارت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، فرضوان الله ورحمته على تلك النفوس الزكية، والأرواح الطاهرة العالية، فقد كانوا في الحياة لله أولياء، وكانوا بعد الموت أحياء، وكانوا لعباد الله نصحاء، رحلوا إلى الآخرة قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا وهم بعد فيها.
الصحابة هم علماء الأمة، وهم أعلم الناس، بل إن من جاء بعدهم من علماء الأمة تلاميذهم، فهؤلاء الأئمة الأربعة الذين طبق علمهم الأرض شرقاً وغرباً هم تلاميذ تلاميذهم، لأنهم حرصوا على ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذوا عنه الكتاب والسنة، ثم بلغوهما إلى من جاء بعدهم، من غير زيادة ولا نقصان، إذاً هم الواسطة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كل الأمة ممن جاء بعدهم.
إن الله جل وتعالى لما جعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء جعل الصحابة أفضل الحواريين واختارهم الله تعالى لصحبة رسوله وحمل دينه وتبليغ شرعه، فقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن الصحابة هم رؤوس الأولياء وصفوة الأتقياء وقدوة المؤمنين وأسوة المسلمين وخير عباد الله بعد الأنبياء والمرسلين، شرّفهم الله بمشاهدة خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم وصُحبته في السراء والضراء، وبذلهم أنفسهم وأموالهم في الجهاد في سبيل الله عز وجل حتى صاروا خيرة الخيره، وأفضل القرون بشهادة المعصوم صلى الله عليه وسلم، فهم خير الأمم سابقهم ولاحقهم وأولهم وآخرهم، هم الذين أقاموا أعمدة الاسلام بسيوفهم، وشادوا قصور الدين برماحهم، واستباحوا الممالك الكسروية، وأطفأوا الملة النصرانية والمجوسية، وقطعوا حبائل الشرك من الطوائف المشركة العربية والعجمية، وأوصلوا دين الله إلى أطراف المعمورة شرقها وغربها ويمينها وشمالها.
أولئك قوم شيّد الله فخرهم فما فوقه فخر وإن عظم الفخر
عن أبي وائل قال: قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إن الله تعالى اطلع في قلوب العباد فاختار محمداً صلى الله عليه وسلم فبعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد، فاختار له أصحاباً فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال الطحاوي رحمه الله في عقيدته: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم الا بخير، وحبهم دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.
وقال أيوب السختياني رحمه الله: من أحب أبابكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق.
لقد عُزلت هذه الأمة طويلاً عن دراسة تاريخ أسلافها، وأفلح خصومها في إحداث فجوةٍ سحيقةٍ بين ماضيها وحاضرها لتظل غارقةً في نومها، واليوم وقد بدأت الأمة تستيقظُ من غفلتها، وتستردُ شيئاً من عافيتها، فقد آن الأوان أن تعيد دراستها لتاريخها المجيد، وتتأمل منهج الأصحابِ في صناعةِ ذلك المجدِ الفقيد، لتأخذَ العبرةَ وتستلهم الفكرةَ وتكرر المحاولة، فلن يصلح حالُ آخر هذه الأمة إلا بما صلح به حالُ أولها. لم لا وإن من أولويات ما تجبُ دراسته هو تأمل عوامل النجاح التي من خلالها تمكن الصحابةَ من حمل الإسلام إلى العالم، و نشر الدين في أصقاع المعمورة، حتى وصلت خيولُ المسلمين إلى أطراف الصين شرقاً، و قرعت أبواب فرنسا الصليبية غرباً، فما سر نجاحهم يا ترى؟ كيف نجحوا في بلوغ غاياتهم وتحقيق أهدافهم؟ وكيف أسعدوا البشرية بنور الوحيين الشريفين وخلصوا الإنسانية من جحيم الجاهلية ونتنها.
إن ثمة عوامل متعددة وأسباباً مهمة أفرزت ذلك النجاح الباهر وحققت ذلك الإنجاز المعجزة، يقف على رأسها وهو العامل الأول: قوة العزيمة وصلابة الإرادة، هذه مدينة النبي صلى الله عليه وسلم تموج وتضطرب حيث ذهلت النفوس، وحارت العقول، وتشنجت الأعصاب، وذهب الحزم والصواب، وقد أُشعل ذلك الإعلان المهيب وأُشعل الفتنة، فارتدت القبائل عن الإسلام، وعطلت الجمعة فلم تعد تقام إلا في مكة والمدينة، في مثل هذه الفتنة العمياء، ومواجهة المرتدين بحزمٍ وبأس نادرين، فيأتيه أعقل الناس وأشدهم بأساً في دين الله، يأتيه عمر فيقول: يا خليفة رسول الله كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله r أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله، كيف تقاتلهم يا خليفة رسول الله؟ فيجيبه الصدّيق بلغة الواثق ومنطق المطمئن، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، إنها العزيمة الحديدية والإرادة الفولاذية، التي لا تصلح السياسة إلا بها، لقد كان الصدّيق بدهائه الخارق يدرك أن أي إبطاءٍ في تأديب المرتدين الساخرين من شرائع الإسلام، الراغبين في خلخلة وحدةِ الأمة من خلال تصرفاتهم اللامسؤولة، كان يدرك أن أي إبطاءٍ في تأديب هؤلاء كفيل بإحداث انهيار مدمر وشرخ خارق في صرح الإسلام، ذلك الصرح الذي بني بدماء القتلى والشهداء، وسُقي بأنهار من الدموع والبكاء، إنك لتعجب من موقف أبي بكر وإصراره على قتال المرتدين، ولكنك تعجب أكثر من عزمه في الوقت نفسه على إنفاذ جيش أسامة الواقف على أطراف المدينة ويقسم صادقاً: والله لا أُحل عقدة عقدها رسول الله r حتى لو جرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين، وحتى لو لم يبق في المدينة غيري. هذه العزيمة الخارقة والإرادة الصلبة سر من أسرار نجاحهم، وعامل من عوامل إبداعهم.
وأما العامل الثاني: فيتضح لك من خلال مشهد ذلك الأعرابي يوم دخل على رسول الله r فقال: "يا ابن عبد المطلب، أسألك بربك ورب من قبلك ءآلله أرسلك؟. قال: نعم. قال ءآلله أمرك أن نصلي خمس مرات في اليوم والليلة؟. قال: نعم. قال ءآالله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟. قال: نعم. قال ءآالله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة فتدفعها للفقراء والمساكين؟. قال: نعم. قال الأعرابي: آمنت بك يا محمد و بما جئت به، وأنا ضمام بن ثعلبة، وإني رسول من ورائي من قومي". تأمل رحمك الله، فلقد أعلن ضمام إسلامه في الحال، وأعلن على الفور بأنه سيكون داعية الإسلام في قومه، فلم تكن مسافة زمنية تذكر بين تعلم ضمام مبادئ الإسلام وبين انطلاقته داعياً إلى تلك المبادئ، لقد شعر بواجبه بداهةً وحتى قبل أن يتلقى من النبي أمراً أو توجيهاً بضرورة العمل، إذ أن ذلك أمرٌ بديهي في حس المؤمن لا يحتاج إلى تأكيده والإلحاح به، فالشعور بضرورة العمل ووجوب البلاغ والدعوة أمر منتهي ومسألة محسومة في حس الصحابة رضي الله عنهم، إنك لتجد كما في صحيح البخاري أن رجلاً مقنعاً بالحديد جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله أسلم أو أقاتل؟ قال بل أسلم ثم قاتل، فأسلم فقاتل حتى قتل". هذا الرجل يشعر بفطرته ويدرك بجبلته بحتمية العمل وتنتابه رغبة شديدة في الجهاد بالرغم من أن فكرة الإسلام لا زالت مجرد هاجس في ذهنه لم تترجم بعد إلى إعلان حقيقي، مع هذا يأتي متسائلاً أيسلم أولاً أم يقاتل أولاً؟.
وأما العامل الثالث من عوامل نجاحهم: فهو إيثار ما عند الله وتقديم الآخرة على الفانية. هذا أبو خيثمة يرجع إلى أهله في يوم شديد الحر لافح السمومِ فيجد إمرأتاه في عريش لهما داخل بستان وقد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت فيه ماءً وهيأت طعاماً، فلما دخل وقف على باب العريش فنظر إلى زوجتيه ما صنعتا له فقال: رسول الله في الضح والريح والحر وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء، ما هذا بالعدل، ما هذا بالعدل، والله لا أدخل عريشاً واحدةٍ منكما حتى التحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهيئا له زاداً فارتحل لاحقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك. انظر يا رعاك الله كيف يكون الزهد في العرض الزائل والمتاع الرخيص إيثاراً لما عند الله، ماءٌ بارد وطعامٌ مهيأ وزوجة حسناء وروضة غناء، فلا يكترث لشيء منها ولا يلتفت يعبأ بها، ولكن هيئوا لي دابتي واحزموا لي متاعي، فليس من الإنصاف أن أهنأ بالنعيم ورسول الله في الضح والحر.
ولئن عجبت من زهد أبي خيثمة وإصراره على اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك راكباً بعيره مستقلاً دابته، فأعجب منه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه حين ركب بعيره لاحقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أيضاً، فيستعصي عليه بعيره ويصعب عليه قياده، فينطلق ماشياً على قدميه يشق المغاور وحده، تحرقه الشمس ويلفحه السموم وتسمه الريح، فلما هذا يا صاحب رسول الله؟ أما كان يسعك أن تتعجل عائداً إلى المدينة بعد أن فقدت الظهر، واستعصت عليك دابتك؟ لما كل هذا العناء؟ لما كل هذا يا صاحب رسول الله؟. إنه الإيثار لما عند الله والحماسة لهذا الدين والإخلاص لنصرته، لذا لم يكن استعصاء بعير أبي ذر يحتاج منه إلى مراجعة حساباته لينظر أينطلق إلى تبوك أم يعود إلى المدينة؟.
وأمَّا العامل الرابع من عوامل نجاحهم في حمل الإسلام وإبلاغه للناس كافة: فهو شجاعة القلب ورباطة الجأش. لن نذكر خالداً وبسالته، ولا الزبير وصلابته، ولا المقداد وصولته، ولا سعداً وجولاته، ولكن أسماء المرأة الضعيفة البنية، الكفيفة البصر، نذكر أسماء في موقفها مع الحجاج يوم قتل ابنها وصلبه على جدار الكعبة، فأرسل إليها لتأتي فامتنعت، فأرسل إليها ثانية لتأتي أو لأبعثن من يسحبك من قرونك، فقالت: لستُ آتيةً وليبعث من يسحبني من قروني، فجاءها الظالم بنفسه فدخل عليها فقال: كيف رأيتيني صنعتُ بعبد الله، يقصد ابنها، قالت: أرى أنك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك، أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أنه سيكون في ثقيف دجال ومبير، أما الدجال فقد عرفناه، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت. فانصرف خاسئاً وهو حسير، أما الدجال فقد عرفناه، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت. تقوله لمن؟ لرجل لا تعرف الرحمة طريقاً إلى قلبه ولا الشفقة سبيلاً إلى فؤاده، وبمثل هذه الشجاعة كانت كلمة الحق ترفرف في العلياء لا يخاف قائلها في الله لومة لائم.
العامل الخامس من أسرار نجاحهم وعوامل انتصارهم: تلك الروح الجماعية في الأداء. فقد كانوا أشبه ما يكونون بفريق عملٍ موحد، لا يجد أحدهم أدنى عضاضة بأن يعمل في أي موقع يوجه إليه ما دام يشعر بأنه يخدم دينه وعقيدته. استعمل أبو بكر عمرو بن العاص على صدقات قضاعة، ثم كتب إليه يستنفره إلى الشام، فقال إني كنت قد رددتك على العمل الذي ولاكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك؟ فكتب إليه عمرو رضي الله عنه: إني سهم من سهام الإسلام، وأنت عبد الله الرامي بها والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها فارم بي فيها. سبحانك إلهي! أي رجال هؤلاء، إن عمرواً لا يرى نفسه إلا مجرد سهمٍ في كنانة الإسلام، يُرمى بالسهم أنى تكون مصلحة الإسلام. وأبلغ من موقف عمرو موقف خالد يوم كتب إليه عمر يأمره بتسليم قيادة الجيش لأبي عبيدة مع أن سيفه لا يزال يقطرُ من دماء الروم، فيسلمها أبا عبيدة بكل تواضع ويعود جندياً بين الجنود بل أسداً ضمن الأسود، فلم تكن المناصب تحرك شعرةً في رؤوسهم أو تساوي بعرة في نفوسهم، فقد تركوها يتطاحن عليها الفارغون، وطاروا إلى الجنة بمنصب خدمة الإسلام، و لُقّبوا عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً.
إننا اليوم في مرحلةٍ ينبغي أن نتجاوز فيها مهزلة توزيع المسئوليات وتقسيم الواجبات على الآخرين، في مقابل الفرجة التامة والعزلة الكاملة، فإن ثمة أقواماً يُجيدون اللوم وإلقاء التبعة على الآخرين، أما هم فقد حازوا شهادة براءةٍ وصكوك غفرانٍ، فلا عليهم بعد ذلك أن يقبعوا في جحورهم ويركنوا في زواياهم دون عمل شيء لخدمة الإسلام، لقد حقق أسلافنا المعجزات وقهروا المعضلات بقوة عزائمهم وحسن توكلهم وشدة بأسهم وجماعية أدائهم، ونحن اليوم قادرون على إعادة الكرة بإذن الله وتحقيق المعجزة بحول الله، متى تشبهنا بأولئك الأخيار واقتفينا آثارهم، والله جل وتعالى يقول: (وكان حقاً علينا نصرة المؤمنين).
وأخيراً ماذا يجب علينا تجاه الصحابة؟:
وبعدما عرفنا بأن الصحابة بهذه المرتبه، وبهذه المنـزله والمكانه، وبعدما سمعنا طرفاً من حياتهم وما قدموه فى سبيل خدمه الدين. يأتى السؤال: ماذا يجب علينا تجاه الصحابه؟.
إن الذى يجب علينا تجاه الصحابه الكثير والكثير يكفيهم، بأن لهم فى أعناقنا أن هذا الدين ما وصلنا إلا عن طريقهم، وأننا لم نهتدى إلى شرع الله إلا بواسطتهم، فهم نقله الشريعه، وحملة الملة، وهم الواسطة بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فالذى يجب علينا تجاههم:
أولاً: حبهم:
من عقائد أهل السنه والجماعه، وجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيمهم وتوقيرهم وتكريمهم، ويحرم بغض أحد من الصحابه البته قال الله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل فى قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم). وروى الترمذى بإسناده إلى عبد الله بن مغفل المزنى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله الله فى أصحابى، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبى أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن أذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه". هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بغض الصحابه، فكيف بالذى يناصبهم العداوة ويسبهم ويشتمهم، بل ربما قال بكفرهم والعياذ بالله، نعوذ بالله من الخذلان.
سئل الحسن البصرى رحمه الله تعالى: حب أبى بكر وعمر رضى الله عنهما سنه؟ قال: لا، فريضة. وقال الإمام الطحاوى رحمه الله تعالى فى عقيدته: "ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط فى حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".
ثانياً: الدعاء والاستغفار لهم:
وهذا أمر يغيب على كثير من الناس، بل كثير من خواص المسلمين من يغفل هذه القضية، بل البعض من طلبه العلم لا يعلم أن من حق الصحابه عليه أن يدعو لهم وأن يستغفر لهم. من حق الصحابه الكرام رضى الله عنهم على كل من جاء بعدهم من عباد الله المؤمنين أن يدعو لهم ويستغفر لهم ويترحم عليهم، وذلك لما لهم من الفضل على من أتى بعدهم. قال الله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان، ولا تجعل فى قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا انك رؤف رحيم) وقد فهم أهل السنة والجماعة أن المراد من الآية السابقة الأمر بالدعاء والاستغفار من اللاحق للسابق، ومن الخلف للسلف الذين هم أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم.
روى مسلم فى صحيحه بإسنادة إلى هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: يابن أختي أُمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم". قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: قولها "أُمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم" قال القاضي: الظاهر أنها قالت هذا عندما سمعت أهل مصر يقولون فى عثمان ما قالوا، وأهل الشام فى علي ما قالوا، والحرورية فى الجميع ما قالوا. وذكر الإمام البغوي رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم) عن مالك قال: عامر الشعبى: يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى الرافضة بخصلة، سُئلت اليهود: من خير أهل ملّتكم، فقالوا: أصحاب موسى عليه السلام، وسئلت النصارى: من خير أهل ملّتكم، فقالوا حواري عيسى عليه السلام، وسئلت الرافضة: من شر أهل ملّتكم، فقالوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أُمروا بالاستغفار لهم فسبوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة.
ثالثاً: الشهادة لهم جميعاً بالجنة:
فأولاً: نشهد لأناس مخصوصين سماهم النبى صلى الله عليه وسلم بأسمائهم أنهم فى الجنة.
ثانياً: نشهد لجميع الصحابة على العموم بالجنة بنص كتاب الله.
فأما الذين شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأسمائهم ففي مقدمتهم العشرة المبشرين بالجنة. وبلال بن رباح، لما روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الغداة: يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام، فإني سمعت الليله خشف نعليك بين يدى فى الجنة، قال بلال ما عملت عملاً في الاسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لى أن أصلي. وأيضاً ممن شهد له الرسول بالجنه زيد بن حارثه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فاستقبلتني جارية شابة فقلت لمن أنت؟ قالت أنا لزيد بن حارثة". وممن شهد لهم الرسول الله صلى الله عليه بالجنة حاطب بن أبى بلتعة، وعكاشه بن محصن، وسعد بن معاذ، وثابت بن قيس بن شماس، وحارثة بن سراقة، وعبد الله بن سلام، وأم سليم بنت ملحان، وكل هؤلاء قد ثبت فى حقهم أحاديث صحاح. وهناك جماعة من أهل بيت النبوة غير علي بن أبى طالب رضى الله عنه وردت نصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها دلاله واضحه في أنهم ممن يقطع لهم بدخول الجنة منهم: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، فقد بشرها رسول الله صلى الله علية وسلم ببيت فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، وابنته فاطمة أخبر بأنها سيدة نساء أهل الجنة، وولداها الحسن والحسين أخبر بأنها سيدا شباب أهل الجنة، كما شهد صلى الله عليه وسلم لخلق كثير من الصحابة على سبيل الجمع كأهل بدر وأهل بيعه الرضوان.
أما القسم الثانى فهو الشهادة لجميع الصحابه بالجنة من مهاجرين وأنصار حسب وعد الله لهم بالحسنى وهى الجنة كما قال تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجه من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) فالصحابة كلهم إما منفق من قبل الفتح ومقاتل، أو منفق من بعد الفتح ومقاتل، وكلاً وعد الله الحسنى وهي الجنة.
رابعاً: مما يجب علينا تجاه الصحابه، تحريم سبهم:
إعلم أن سب أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم محرم بنص كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) والذي يرضى عنه الله لا يسخط عليه أبداً فدلت الآية على تحريم سبهم. وقال جل وعز: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً) ولا شك بأن سب الصحابة فيه إيذاء لله ولرسوله. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه". وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ومن سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" والحديث صحيح.
فكل هذه النصوص وغيرها تدل على تحريم سب الصحابة وأن من فعل ذلك فقد أنزل نفسه أقبح المنازل وتجرأ على خيار المؤمنين وعصى سيد المرسلين. وقد كان السلف رحمهم الله تعالى يشنعون على من سب الصحابة وكانوا يعدون هذا الأمر جرماً عظيماً.
روى ابن بطة باسناده إلى هارون بن زياد قال: سمعت الفريابى ورجل يسأله عمن شتم أبا بكر فقال: كافر، قال فنصلى عليه، قال: لا، فسألته كيف نصنع به وهو يقول: لا إله إلا الله، قال: لا تمسوه بأيديكم ادفعوه بالخشب حتى تواروه فى حفرته. وقال بشر بن الحارث: من شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين. وقال أبو بكر المروزى : سألت أبا عبد الله عمن شتم أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله تعالى عنهم فقال: ما أراه على الإسلام. وقال محمد بن بشار قلت لعبد الرحمن بن مهدى، أحضر جنازة من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو كان من عصبتى ما ورثته. فهذه الآثار عن هؤلاء الأئمة كلها دلت على تحريم سب الصحابة عموماً أو فيها بيان الخسارة الواضحة التى تلحق من أقحم نفسه فى هذا الجرم الكبير. فكيف بالذى اتخذ سب الصحابة ديناً له، فأي دين هذا الذي يدينون به وأي عقيدة هذه التي يعتقدونها.
وقد ذهب جمع كبير من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة، وأنهم ليسوا بمسلمين وإن ادعوا الإسلام وأن عقوبته القتل. قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله: "وقد قطع طائفه من الفقهاء من أهل الكوفه وغيرهم بقتل من سب الصحابة".
هذا بالنسبة لعموم الصحابة أما من سب عائشة رضى الله عنها وطعن فى براءتها، فإن أهل العلم من أهل السنة والجماعة أجمعوا قاطبة على أن من طعن فيها بما برأها الله منه وبما رماها به المنافقون من الإفك فإنه كافر مكذب بما ذكره الله فى كتابه من إخباره ببراءتها وطهارتها، وقالوا إنه يجب قتله لأنه يعتبر قد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قتل.
عجبٌ والله، كيف يُطعن في أناس اختارهم الله أن يكونوا هم جلساء الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم ثلته وجماعته، الذين يرافقونه في سفره وإقامته، وفي ذهابه ومجيئه.
قال أبوزرعة الرازي رحمه الله: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة".
إن التطاول على الصحابة رضي الله عنهم والجرأة في تنقُّصهم سنّة الزنادقة وأهل الأهواء قديماً وحديثاً. واللافت للنظر أن هذه الجرأة ازدادت حدّتها في الآونة الأخيرة بشكل يثير الاستغراب، تارةً باسم النقد التاريخي، وتارةً باسم البحث العلمي، وتارةً تحت عنوان حرية الفكر. والجديد في هذا السياق أمران:
الأول: أن الباطنيين راحوا يؤزّون بعض أهل الأهواء من العلمانيين والليبراليين وخاصة بعض أُغَيْلِمَة الصحافة لمثل هذه المرتقيات الصعبة، ويستثيرونهم لافتعال ذلك النقد المزعوم دون تحقيق علمي أو دراسة موضوعية، وصدق المولى جلَّ وعلا: (وَإخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُون).
الثاني: تطاول بعض أهل الفنِّ على الصحابة رضي الله عنهم من خلال المسلسلات التاريخية التي هدفها في الظاهر إبراز مآثر المسلمين التاريخية وفي باطنها لمزُ بعض الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم وإسقاط هيبتهم والعبث بتاريخهم. لقد أدرك علماء الأمة منذ وقت مبكر أن القدح في الصحابة رضي الله عنهم قدحٌ في النبي صلى الله عليه وسلم، وقدحٌ في دين الإسلام، ولهذا اشتدَّ نكيرهم على أولئك المتطاولين، وتواتر تحذيرهم منهم، وها هو ذا الإمام مالك رحمه الله يقول في الذين يسبون الصحابة رضي الله عنهم: "إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يمكنهم ذلك فقدحوا في أصحابه، حتى يُقال: رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين". وقد آن الأوان أن نجتهد في الذبِّ عن الصحابة رضي الله عنهم، ونبرز مآثرهم وسيرهم العطرة، ونقدّمهم قدوات مباركات يهتدي بها من أراد الهداية (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيم).
ورحم الله الإمام القحطاني إذ يقول في نونيته:
قل إن خير الأنبياء محمدٍ وأجل من يمشي على الكثبان
وأجل صحب الرسل صحب محمد وكذاك أفضل صحبه العُمران
إلى قوله:
لا تركنن إلى الروافض إنهم شتموا الصحابة دونما برهان
لَعنوا كما بغضوا صحابة أحمد وودادهم فرض على الإنسان
حب الصحابة والقرابة سنة ألقى بها ربي اذا أحياني
والحمد لله ...
المصدر موقع فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن محمد الاحمد