هل قطفت ثمار الصيام
عبدالحكيم خريسات
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
إن الله تعالى لم يشرع لنا عبادة إلا ولها غاية ومن ورائها حكمة ولابد أن يقطف المسلم بعد أدائها ثمرة ، وهذه الحكم قد ندركها أحيانا وقد لا ندركها ، ولوتتبعنا أهم العبادات لوجدنا هذه الحقيقة .
فعماد الدين (( الصلاة )) التي أمرنا الله عزوجل أن نؤديها خمس مرات فياليوم والليلة فيها من الحكم والدروس الشيء الكثير ، فالمسلم في صلاته يقف خاضعا في جسده وقلبه وجوارحه بين يدي الله تبارك وتعالى ففي هذا الوقوف تعويد لقلب المسلم وأركانه وجوارحه أن تكون دائما خاضعة منقادة لله تبارك وتعالى ، ولذلك قال الله عز وجل : وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ قال ابن عباس : في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله ، وقال : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدًا .
وكذلك فريضة الحج فإن الله تعالى لما ذكر آيات الحج في سورة البقرةقال سبحانه وتعالى في آخر الآيات : وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وكأن المسلم حين يترك أهله ووطنه للذهاب إلى الحج فإنه يتذكر الرحيل من هذه الدنيا إلى عالم الآخرة ، وأيضا فإن شعائر الحج واجتماع الناس فيها يذكر المسلم بحشر الناس يوم القيامة واجتماعهم عند ربهم للجزاء .
والزكاة أيضا فإن الله تعالى قال فيها خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا فالزكاة فيها تطهير للنفس من الشح الذي جبلت عليه ومن دنس البخل والطمع والتكبر على الفقراء والمحتاجين ، والإرتقاء بهذه النفس بالتطلع إلى ما عند الله تعالى.
أما الصيام فإنه مدرسة عظيمة فيها من الدروس والحكم الشيءالكثير ، فالله تبارك وتعالى ماشرع الصيام فقط ليكون فيه إمتناع عن الطعام والشراب والشهوة – مع أن الصيام لايصح إلا به – دون التطلع إلى حكم الصيام وغاياته ، ولذلك ذم نبينا صلى الله عليه وسلم من ينظر إلى الصيام هذه النظرة القاصرة ففي البخاري عنأبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه )) . وروي عن أبي هريرة مرفوعا : (( الصائم في عبادة مالم يغتب مسلما أو يؤذه )) رواه ابن أبي شيبة . وعن أنس(( ماصام من ظل يأكل لحوم الناس )) رواه ابن أبي شيبة مرفوعا .
إذا لم يكن في السمع مني تصـاون * * * وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فحظي إذاً من صومي الجوع والظمأ * * * فـإن قلت إني صمت يوماً فماصمت
إذا فالمسلم بعد صيامه لابد أن ينظر إلى الثمار التي جناها بعد إنتهاء هذا الشهر المبارك فانظر إلى حالك وإليك هذه الثمرات :
أولا : تقوى الله عز وجل .
فأهم ثمرات الصيام تقوى الله عز وجل وهي الغاية التي شرع الله تعالى الصيام من أجلها فالتقوى : هي أن يفعل الإنسان ماأمر الله وأن ينتهي عما نهى ، وإن كانت نفسه تنازعه وتلح عليه بالتفلت من هذه الأوامر وارتكاب المعاصي والمحرمات ، وبالصيام فإن المسلم يمتنع عن الطعام والشراب وغيرها من المفطرات إمتثالا لأمر الله تعالى وإن كانت النفس تطلبها وتشتهيها وتلح عليه بفعلها فإنه يتجاهلها مقدما امر الله تعالى عليها .
ثانيا : مراقبة الله تعالى
ومن ثمرات الصيام مراقبة الله تعالى في أي مكان وفي كل حين فالمراقبة : أن تعلم أن الله تعالى ناظر إليك مطلع على سريرتك ، وبالصيام فالمسلم يمتنع عن تناول وفعل مايفسد صيامه في أي مكان وفي كل حين لأنه يعلم أن الله تعالى يراه ومطلع عليه ولا يخفى عليه شيء .
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل * * * خلوت ولكن قل علي رقيب.
ولاتحسبن الله يغفـل ســاعة * * * ولا أن ما تخفي عليه يغيب.
ثالثا : الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية .
ومن ثمرات الصيام الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية رجاء الثواب الذي أعده الله لعباده في الآخرة وانها أيام معدودة في الدنيا ثم نغادرها لنفضي الى ماقدمنا ، وأن الصبرعاقبته حميدة ولذلك يقول الله تعالى لعباده المؤمنين يوم القيامة : كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ فبعد الثواب ينسى المسلم التعب وينال ثواب الله تعالى على ماقدم .
قال الحسنُ رحمه الله : إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته ، فسبق قوم ففازوا ، وتخلَّف آخرون فخابوا ، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المُحسنون ، ويخسر فيه المبطلون ثم يَبكي رحمه الله .
وبالصيام فإن المسلم يصبر على الجوع والعطش فترة محدودة يعقبها فرحة الإفطار الذي ينسى بعدها التعب وشدة الجوع والعطش .
رابعا : الإرادة والعزيمة .
ومن ثمرات الصيام الإرادة والعزيمة وهي بذل الوسع والطاقة دون توقف أو فتور حتى يحقق المرء مايريد متجاهلا دعوات نفسه للدعة والراحة، وبالصيام فالمسلم يبدأ صيامه بإرادة قوية وعزيمة جامحة دون التطلع إلى دعوات نفسه للدعة والراحة ولا الإستجابة لما تطلبه وفعل ماتشتهيه فيسوق نفسه ويطوعها حتى يحقق مراده من الصيام .
خامسا : معرفة قيمة الحياة .
ومن ثمرات الصيام معرفة قيمة الحياة والحرص على أيامها ولياليها وأنها ميدان للتنافس وان هذا الميدان سيغلق بعد حين وكذلك بالصيام فإنه أيام معدودة ثم تنقضي فمن اغتنمها بفعل الطاعات وترك المنكرات نال رضا الله تبارك وتعالى ، ومن ضيعها بالتكاسل وفعل المعاصي
والذنوب فإنه لن يجني إلا الندم ولن يحصد إلاالشقاء .
تفنى اللذاذة ممن ذاق صبوتها * * * من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها * * * لاخير في لذة من بعدها النار
سادسا : المسارعة إلى فعل الخيرات .
ومن ثمرات الصيام المسارعة إلى فعل الخيرات دون التعذر بأوقات دون أوقات والتأجيل والتسويف حتى تروق نفسه لذلك .
إذا كان يؤذيك حرّ المصيف * * * وكرب الخريف وبرد الشتا
ويلهيك حسن زمان الربيع * * * فأخذك للعلم قل لي : مـتى ؟
والصائم مع جوعه وعطشه فإنه لايتأخر عن أداءالصلوات وفعل الطاعات مع طلب النفس للدعة والراحة .
سابعا : التطلع إلى ماعند الله في الدار الآخرة .
ومن ثمرات الصيام التطلع إلى ماعند الله في الدار الآخرة والجد والإجتهاد في الأعمال الصالحة التي تقرب الى الجنة وإجتناب المعاصي والذنوب التي تقرب إلى النار والصائم في شهر الصيام يجد ويجتهد ويصبر ليحافظ على صيامه ، ويترك مايغضب الله تبارك وتعالى حتى لايكون ذلك سببا في عدم قبول صيامه ثم ينتهي هذا الشهر بفرحة العيد للطائعين والندم والحسرة للمفرطين
غدا توفى النفوس ما كسبت * * * و يحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم * * * و إن أساءوا فبئس ما صنعوا
حقا إن الصيام مدرسة عظيمة نستلهم منها الدروس والعبر لنبدأ سنة جديدة في طاعة الله تبارك وتعالى .
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
كتبها :
عبدالحكيم خريسات

نور وظلمات
عبدالواحد المغربي
أيها الأحبة في الله ..حديثي إليكم عن نور وظلمات فيا ترى.. ما هذا النور وتلك الظلمات؟؟
إن هذا النور هو نور الحق الذي بعث فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
فأشرقت به الأرض والسماوات.. ودخل الناس بهذا النور أفواجاً بعد الظلمات
إن هذا النور هو طريقنا إلى الجنات..إن هذا النور هو ما بينه القرآن وبينته السنة على لسان رسولنا وقدوتنا وإمامنا ..ونورنا إذا احلولكت المصائب والبليات.. أيها الأحباب..يقول الله تعالى مبيناً ذلك النور من تلك الظلمات
فمن يتدبر القرآن..ومن يتعظ بالقرآن؟؟ ومن يعمل بذاك النور ويبتعد عن الظلمات؟؟
اسمعوا أيها الإخوة والأخوات كلام الله عن النور والظلمات
اسمع لتلك الحياة الحقيقة بعد الموت في الظلمات
قال تعالى
(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
يقول السعدي يرحمه الله في تفسيره لهذه الآية بكلام جميل جداً
إن هذا الكلام هو الذي يهدينا في الظلمات
يقول رحمه الله :أومن كان قبل الهداية في ظلمات الكفر والجهل والمعاصي
فأحييناه بنور العلم والإيمان والطاعة، فصار يمشي بين الناس بهذا النور متبصراً في أموره ،مهتدياً لسبيله، عارف للخير مؤثراً له، مجتهداً في تنفيذه،
عارفِ للشر مبغضاً له، مجتهداً في تركه ، أيستوي هذا بمن هو في الظلمات ..ظلمات الجهل والكفر والمعاصي؟؟ انتهى كلامه رحمه الله
كلا والله أيها الأحباب ..لا يستوي هذا النور بهذه الظلمات ، كلا والله .وقد قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)
وقال تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ * وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَآءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ اِنَّ اللـه يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ) ( فاطر/19-22)
أسمعتم؟ أسمعتم يا من يريد النور؟ أسمعتم كلام الله ؟
إذاً هيا لبيان النور من الظلمات..هيا لنعرف حقيقة ذلك النور من تلك الظلمات .
إن هذا النور الذي نريده ونتمناه يجعل العبد يخشى الله ويخاف عقابه وسخطه ، ويجعله يعمل على نور من الله بطاعته سبحانه، يرجو ثواب الله ،ويترك
المعاصي..على نور من الله يخاف عقابه، إن هذا النور الذي نبحث عنه
يجعل الواحد منا يعظم الله أشد التعظيم ،فيطيع العبد ربه ولا يعصيه ، ويذكره
ولا ينساه، ويشكره ولا يكفره أبداً، يشكره بقلبه ولسانه وحركاته وسكناته
وجميع جوارحه..إن هذا النور يجعل العبد ينظر إلى ما أمامه وإلى خلفه
وعن يمينه وشماله ،فلا يجعل للشيطان عليه سبيلاً أبداً ،كأنه ماشٍ في طريق
في شوك ،فيحذر الشوك من جميع الجهات خوفاً على النور الذي معه
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ..ذاك التقى واصنع كماش فوق أرض الشوك
يحذر ما يرى ..لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى
إن هذا النور أيها الأحباب.. هو من أعظم أسباب الفوز والفلاح في الدنيا
والآخرة، لماذا أيها الإخوة والأخوات؟؟ لأنه والله وصية الله للأولين والآخرين
قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)
فهل نلتزم بهذه الوصية التي لها النور لنا في الدنيا والآخرة أم نتركها خلف
ظهورنا؟ فتكون عاقبتنا الظلمات في الدنيا والآخرة والعياذ بالله
أيها الأحبة.. إن هذا النور هو حاذي الأرواح إلى بلاد الأفراح
نعم.. إنه حاذي النفوس الأبية التي لا ترضى بالدون والقليل ، إنها النفوس
المؤمنة التقية ، التي دائماً تسأل ربها الجنة ..انظروا إلى نفوس الصحابة
رضوان الله عليهم لما سألوا نبيهم صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل
الناس الجنة فقال : (تقوى الله، وحسن الخلق) وسئل عن أكثر ما يدخل
النار قال: (الفم والفرج) فهلا اتعظنا بذلك؟ وبذلنا أرواحنا وأموالنا وأوقاتنا في سبيل الجنة ..أم أننا والعياذ بالله تقاعسنا عن ذلك ..نسأل الله السلامة والعافية
إن هذا النور أيها الأحباب يظهر على الإنسان في أقواله وأفعاله وحركاته،فإذا
ما أردت أن تحكم على إنسان أنه يخاف الله ويتقيه ،فانظر إلى أقواله وأفعاله
فتحكم عليه،فإذا ما رأيت أقواله وأفعاله التقوى فقد كساني نفسه بلباس التقوى
الذي هو خير وقد قال تعالى:)(يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) (
إذا المرء لم يلبس لباس التقى....تقلب عرياناً ولو كان كاسياً
وخير لباس المرء طاعة ربه....ولا خير في من كان لله عاصياً
ولا خير أيها الأحباب والله في من كان لله عاصياً لأنه والعياذ بالله في الظلمات
إن هذا النور والله هو أهم من الطعام والشراب ،فلو فقد الإنسان الطعام والشراب
ومات من شدة الجوع وهو متقٍ لله ،فهو مغفور له بإذن الله، ولكن لو مات من
شدة الجوع وهو في أوحال الظلمات والمعاصي والموبقات والمحرمات ،فيا
خسراه ويا ندامتاه يوم القيامة وقد قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ)
تزود من التقوى فإنك لا تدري....إذا جن ليلاً هل تعيش إلى الفجر
وكم من صحيح مات من غير علة....وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
أرأيتم أيها الإخوة والأخوات نوراً أفضل من هذا النور؟؟
هل مر بكم صفاته وكراماته وخيريته أحسن من هذا النور؟؟
وهل هناك أحد غير الله أخبر بنور غير هذا النور؟؟ كلا وربي لا يوجد أحد
أخبر من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ..كلا والله لا يوجد نورٍ أحسن
من نور على نور ،يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ،كلا والله
لا يوجد نور يهدى به الإنسان من الظلمات إلى النور أفضل من نور الله
وقد قال تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
بين الله أيها الأحبة في هذه الآية أنه سبحانه نور بذاته ،وبين تعالى أن كتابه
نور وشرعه نور، والإيمان نور ،والتقوى نور،ومثل الله هذا النور بالمصباح
ووجه المثل هو حال المؤمن المستهدي بنور الله ،المستهدي بنور العلم والإيمان
والتقوى ،ويضرب الله الأمثال للناس ليتفكروا وليبحثوا عن هذا النور المفقود
عند كثير من الناس اليوم
يا رب إنك للخلائق نور....يسفي الضلال فيسقط الديزور
وتضيء ألباب البرايا بالنهى....فتعود بالآي الحصيف تمور
وبك النفوس تعيش كل سكينة....لا الخوف يضنيها وليس تخور
فاملأ إلهي باليقين صدورنا....ليعم فينا راحة وسرور
إذاً هيا أيها الأحباب نسارع إلى هذا النور هيا نبحث ،ونعمل، ونجتهد،
لكي يتحصل لنا النور من الله تعالى وقد قال تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)
ثم اعلموا أيها الأحباب علم اليقين أن هذا النور الذي نسعى إليه إذا
وجد في واحد منا ،فسينال صاحبه أنواراً من الله في الدنيا ،ونور عند
اللحظات الحاسمة عند الموت، ونور في قبره، ونور في عرصات يوم القيامة
وخصوصاً عند جسر جهنم ،ونور في الجنة ونعيمها ..فتعالوا معنا نأخذ الأنوار
نوراً نورا في الدنيا، إلى أن نصل إلى الجنة مكان النور ،تعالوا نعدد الثمرات
والأنوار للمتقين في الدنيا ..فأول ثمرة يجنيها المتقي صاحب ذاك النور وأول
نور يحصل عليه ،وأول وسام يأخذه إن كان من المتقين في الدنيا أنه ينتفع
بالقرآن ،فالمتقين دائماً يسمعون القرآن فينتفعون بتلاوته وينتفعون به ،لا
يحدثون أنفسهم بشيء إذا قرأ القرآن ،إلا بالقرآن ..فالقرآن عندهم بستان
العارفين ،أينما حلوا منه حلو في رياض نضرة، المتقين أهل تدبر وتفكر
واتعاظ بالقرآن ، اسمع لمحمد ابن المنكدر عندما سأله أبو حازم عن البكاء
طيلة ليله فيقول : آية من كتاب الله أبكتني وهي قوله تعالى (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)
وقال طبيب القلوب وهيب ابن الورد :لم نجد شيئاً أرق للقلوب ولا أشد استجلاباً
للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره ..فرحم الله أيها الأحباب أقواماً كانوا إذا
مروا بآية فيها ذكر النار ،فكأن زفيرها في آذانهم
منع القرآن بوعده ووعيده....مقل العيون بليلها لا تهجع
فهموا عن الملك الجليل كلامه....فهماً تذل له الرقاب وتخضع
ثم اسمع لعبد الرحمن التميمي إذ يقول : لأغلبن الليلة على المقام. قال : فلما صليت العتمة تخلصت إلى المقام حتى قمت فيه. قال : فبينما أنا قائم إذا رجل وضع يده بين كتفي فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه! قال فبدأ بأم القران فقرأ حتى ختم القران فركع وسجد ثم أخذ نعليه فلا أدري أصلى قبل ذلك شيئا أم لا
فقد كان يرحمه الله يقرأ القرآن في ركعة ثم يوتر فيها في حديث إسناده صحيح
قال ابن كثير في تفسيره :روي عن ابن عمر أنه قال في قوله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)
قال ابن عمر :هو عثمان ابن عفان ..هو عثمان ابن عفان
وقال ابن سيرين : قالت امرأة عثمان حين قتل رحمه الله والله لقد قتلتموه
وإنه ليحيي الليل كله بالقرآن في ركعة .
أرأيتم الحياة الحقيقية للمتقين، عندما يكون القرآن ربيعاً لقلوبهم
ثم اسمع لهذا الخبر وهذا النور من أنوار التقوى بالقرآن...
ذكر الذهبي في معرفة القراء الكبار عن إمام المدينة نافع ابن عبد الرحمن
يرحمه الله .. أن رجلاً ممن قرأ على نافع قال : إن نافعاً كان إذا تكلم يشم
من فيه رائحة المسك ،فقلت له يا أبا عبد الله أتتطيب كلما قعدت تقرئ الناس
فقال: والله ما أمس طيباً ،ولكني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
وهو يقرأ في في فمن ذلك الوقت أشم من في هذه الرائحة ...فرحم الله شيخ
القراء نافعاً فقد قرأ على سبعين من التابعين وأقرأ الناس دهراً طويلاً، وجعل
الله القرآن نوراً له في الدنيا ،ونوراً لنا ..نسأل الله أن يكون لنا نوراً في الدنيا
وفي الآخرة ..إنه ولي ذلك والقادر عليه
سل القلوب التي لاذت من خالقها وأشعلت لسن الإيمان قنديلاً
سل العيون التي فاضت مدامعها من خشية الله إشفاقاً وتبجيلاً
سل النفوس التي بالأمس يوقظها كتاب ربي فتحيي الليل ترتيلا
سل المحاريب كم ضجت بمبتهلِ وكم ترقرق فيها الدمع مسبولاً
تاقت إلى الحور والفردوس أنفسهم فذللوا دربهم للخلد تذليلاً
قد أدخلوا جنة الدنيا فواله في ممن يقاسي لظى الحرمان مغلولاً
والله والله أيماناً أصيح بها لا والذي نزل القرآن تنزيلاً
من لم ينل جنة الدنيا فحاجبه عن جنة الخلد قلب بات سجيلاً
نعم... من لم ينل أيها الأحبة جنة الدنيا بذكر الله وبالقرآن ، فهو عن
جنة الخلد قلب بات سجيلاً
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا محبة الله لهم ومعيته لهم في الدنيا
والذي يدل ذلك من الأدلة في الكتاب والسنة قوله تعالى:
(بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128)
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي )
ثم اعلموا أيها الأحباب أن الله إذا أحب عبداً ،وضع له القبول في الأرض
فيقبل الناس منه كلامه ودعوته وأمره ونهيه على نهج من الكتاب والسنة
نسأل الله أن يحبنا الله وأن نكون مع الأنبياء والرسل ثم الأمثل فالأمثل.
أيها الأحباب ،ومن ثمرات أنوار المتقين في الدنيا ،أن المتقين لا يخافون من
كيد الكائدين ولا عدوان المعتدين مهما كادوا ومكروا واعتدوا على المؤمنين
المتقين ..فالله مع المتقين...فالله مع المتقين
(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)
استمع لهذه القصة من خبر ذاك العابد الزاهد الورع التقي الربيع ابن خثيم
حيث إن أناس أرادوا المكيدة للربيع وفتنته عن الحق والنور، وأرادوا إضلاله
فأمروا امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع ابن خثيم لعلها تفتنه، وجعلوا
لها إن فعلت ذلك ألف درهم فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيبت
بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده، فنظر إليها ،فراعه
أمرها ،فأقبلت عليه وهي سافرة فقال لها الربيع بقوة وحزم : كيف بك لو قد
نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لون بهجتك ،أم كيف بك لو قد نزل
بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتيد ،أم كيف بك لو سألك منكر ونكير فصرخت
المرآة صرخة فسقطت مغشياً عليها...
يقول الراوي :فوالله ..لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها ما أنها كانت يوم ماتت
كأنها جذع محترق أرأيتم أيها الأحبة أن نور التقوى لم يفقد بل أعطاه الربيع لتلك المرأة التي كانت تعيش في الظلمات فعاشت بذلك النور إلى أن ماتت على العبادة يرحمها الله..
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ،أن الله يمد المتقين بمدد من السماء
بأنهم أولياء الله تعالى ،فولي الله مستجاب الدعوة..فلماذا مستجاب الدعوة ؟؟
لأنه متق لله ،يمشي بنور الله ،فنور الله يهديه في الظلمات ،ويصرف عنه المكر
والكيد في الأزمات ..تأملوا أيها الأحباب حال نبيكم صلى الله عليه وسلم في
غزوة بدر ومعه نفر قليل ،عددهم قليل بالنسبة لعدد المشركين ولكن الله
نصر نبيه وصحابته الكرام على أعدائهم ،وما ذلك أيها الأحباب إلا بنور التقوى
واليقين والصدق مع الله فقال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (آل عمران \123)
تأملوا هذه الآية بقلوبكم، تجدون أن الذي نصر القوم هو نور التقوى كما هو
واضح في الآية، ومن ثمرات أنوار المتقين في الدنيا ،أن التقوى تحجب
وتمنع صاحبها من الزيغ والضلال بعد الهداية ..نعم أيها الأحبة ،التقوى
تكون حجاباً لصاحبها في الدنيا من الانحراف والانتكاس بعد ما من الله عليه
بالالتزام والهداية، والذي يدل لذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث
عرض الفتن عن القلوب فقال : (فمن القلوب من ينكر الفتن ويبتعد عنها )
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (يكون متق لله )لذلك فلا تضره فتنة مادامت
السماوات والأرض وهذا وعد من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، قال تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتًاوَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً
وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً)
اسمع لهذه القصة ،قصة ذاك الشاب المتقي لله ،الذي حماه الله من الزيغ و
الضلال والولوع في أوحال الظلمات ،ظلمات الكفر والموبقات والمعاصي
قيل لأبي بكر المسكي إنا نشم منك رائحة المسك مع الدوام ،فما سببه
يرحمك الله ؟ فقال والله لي سنين عديدة لم أستعمل المسك ولكن سبب ذلك
أن امرأة احتالت علي حتى أدخلتني دارها وأغلقت دوني الأبواب وراودتني
عن نفسي ،فتحيرت في أمري فضاقت بي الحيل،فقلت لها إن لي حاجة إلى
الطهارة.فأمرت جارية لها أن تمضي بي إلى بيت الراحة ..ففعلت،فلما دخلت بيت
الراحة أخذت العذرة –أكرمكم الله- وألقيتها على جميع جسمي ثم رجعت إليها وأنا على تلك الحالة فلما رأتني دهشت ثم أمرت بإخراجي فمضيت واغتسلت فلما كانت تلك الليلة رأيت في المنام قائلاً يقول : ( فعلت ما لم يفعله أحد غيرك لأطيبن ريحك في الدنيا والآخرة ) فأصبحت والمسك يفوح مني واستمر ذلك إلى الآن.
أرأيتم الرجال أيها الأحباب ،وحياتهم ،وكراماتهم بسبب تقواهم وإخلاصهم لله
إنهم رجال ركبوا تلك السلامة وجروا بريح التقوى والاستقامة ،فقطعوا بحار
العقب والندامة ،ونجوا من الأهوال يوم القيامة فقال فيهم الشاعر
لله قـوم لـدار الخلـد أخلصهـم ..وخصهم لجزيـل الملـك مولانـا
فلو تراهم غداً فـي دار ملكهـم ..قد توجوا من حلي الكون تيجانـا
وقد دعاهم إلى الفردوس سيدهـم ..إلي الزيـارة والتسليـم ركبانـا
قد جاوزوا دار السلام وقـد ..أبدي لهم وجهه الرحمن سبحانـا
خـروا سجوداً فناداهـم بعزتـه ..إني رضيت بكـم قربـاً وجيرانـاً
إني خلقت لكـم دار النعيـم فـلا.. ترون بؤساً ولا تخشون أحزانـا
وهو الجزاء مني لكم على عمـل.. أخلصتموه وكنتـم فـي إخوانـا
أيها الأحباب..ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ..أن التقوى تفتح لأصحابها
البركات من السماء والأرض ،فينال المتقي لله البركة في رزقه وماله وأولاده
ووقته وجميع ما يملك ،وجميع أفعاله وحياته،فهو رجل مبارك لأنه متقي لله
بأقواله وأفعاله ،قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)
لكنهم لم يؤمنوا حقيقة الإيمان ،لكنهم لم يتقوا الله حقيقة التقوى ،فكانت
العقوبات كما ترون وكانت نزع البركات وكثرة الآفات ،فالجزاء والله يا أيها
الأحباب من جنس العمل ..ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ،أن التقوى
تجعل صاحبها يفرق بين الحق والباطل ،وينال العبد بعدها الفضل العظيم
من الله تعالى بتكفير السيئات وتبديلها حسنات من الله، ثم ينال العبد بعدها
مغفرة الله ورحمته ورضوانه إلى يوم القيامة ،قال تعالى مبيناً ذلك :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
فيعرف العبد بعد ذلك الحلال والحرام ،ويعرف المشتبهات فلا يقع في الفتن
والضلال،فينال بعد ذلك الأجر العظيم من الله والثواب الجزيل منه سبحانه
ويمشي المتقي بنور من الله تعالى، بنور العلم والهدى في ظلمات الجهل
والسيئات ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أن الله يحمي عبده المتقي المؤمن من
الشيطان وجنده يحميه من همزه ولمزه ونفخه ،يحميه من وسوسته
وإغوائه وكيده ،يحميه من طرقه ومداخله وشبهاته المضلة لبني البشر، يحميه من
أمره ونهيه وضلاله وتزيينه وتلبيسه ،قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ)
ففرق الله في هذه الآية بين المتقين، الذين إذا أحسوا بالذنب أو فعلوا الذنب
رجعوا إلى الله ،واستغفروا وأنابوا واستدركوا ما فات منهم بالتوبة النصوح
على عكس إخوان الشياطين ،وأولياء الشيطان، فهم لا يزالون من الغواية
والضلال من الشيطان كأنهم مسلسلين بالقيود والعياذ بالله .
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أن أهل التقوى دائماً في ذكر وتوبة
واستغفار الله في كل حال، في الحل والترحال ،وخصوصاً وقت السحر،
وقت النزول الإلهي ، قال تعالى (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) من هم ؟؟ (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)
وإليكم أيها الأحبة هذه النماذج عن حال وأنوار المتقين في الدنيا ،وذكرهم
لله وشدة عبادتهم له باستغلال أوقاتهم للذكر والعبادة
ذكر الحافظ البزار في الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية قدس الله روحه
قال عنه
(أما تعبده رضي الله عنه فإنه قل إن سمع بمثله لأنه قد قطع جل وقته وزمانه فيه حتى انه لم يجعل لنفسه شاغل يشغله عن الله تعالى)
يقول: (فلا يزال في الذكر يسمع نفسه ومن إلى جانبه ،هكذا دأبه رحمه الله
حتى ترتفع الشمس )
يقول ابن القيم تلميذه يرحمه الله في الوابل الصيب يقول : سمعت شيخ الإسلام
ابن تيمية قدس الله روحه يقول: ( الذكر للقلب مثل الماء للسمك ،فكيف يكون
حال السمك إذا فارق الماء ) فسبحان الله ..سبحان الله من أشهد عباده جنته
قبل لقائه ،وفتح لهم أبوابها في دار العمل ،فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها
ما استفرغ قواهم لطلبها .. قال بعض العارفين : مساكين أهل الدنيا ،خرجوا
من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها .قيل وما أطيب ما فيها ؟ قال :محبة الله
ومعرفته وذكره ..وقال آخر : إنه لتمر للقلب أوقات يرقص فيها القلب طرباً
فأقول : إن كان أهل الجنة في مثل هذا إن هم والله لفي عيش طيب
يا من يذكرني بعهد أحبتي .. طاب الحديث بذكرهم ويطيب
أعد الحديث علي من جنباته ..إن الحديث عن الحبيب حبيب
حبيب ملأ الضلوع و فاض عن أجنابها.. قلب إذا ذكر الحبيب يذوب
ما زال يخفق ضاربا بجناحه.. يا ليت شعري هل تطير قلوب
وقال ابن القيم رحمه الله : محبة الله ومعرفته ودوام ذكره هو جنة الدنيا
وهو النعيم الذي لا يشبهه نعيم ، وهو قرة عيون المحبين وحياة العارفين
يا ذا الذي أنس الفؤاد..أنت الذي ما إن سواه أريد
تفنى الليالي والزمان بأسره..وهواك غضٌّ في الفؤاد جديد
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أيها الأحباب ، أن المتقين لله يحصل
لهم الفرج والمخرج من كل شدة ومشقة وكرب ،ويرزق الله المتقين من حيث
لا يحتسبوا ، وييسر الله بها أمورهم في الحياة والشواهد على ذلك كثيرة
قال تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )
( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (الطلاق\4)
تأملوا حال المتقين في الدنيا ،وأنوار التقوى تشع من وجوههم ،تأملوهم وكيف
أن الله يفرج عنهم ويخرجهم من الكروب والشدائد ،وذلك بدعائهم وإخباتهم لله
حين الكرب، فهم أولياؤه المتقون ،كيف لا يفرج عنهم وهم متوكلون عليه؟
كيف لا ينجيهم القانتون العابدون التائبون إليه سبحانه وتعالى
اسمع هذا الخبر عن هذا الرجل المتقي لله ، إنه من السلف، إنه رجل جعل
تقوى الله نصب عينيه فلم يحد عنها يمنة ويسرى ، إنه الزاهد العابد التقي
إبراهيم ابن أدهم .. قال عبد الجبار ابن كليب : كنا مع إبراهيم ابن أدهم في سفر
فعرض لنا ( السبع ) فقال إبراهيم دعاء وقال قولوا به فإن الله يحرسكم به قال قولوا : اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام , واحفظنا بركنك الذي لا يرام , وارحمنا بقدرتك علينا , لا نهلك وأنت رجائنا يا الله يا الله
قال الراوي : فولى السبع هاربا ، فأنا أدعوا به عند كل أمر مخوف فما رأيت من هذا الدعاء إلا خيرا
وذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان ( أن إبراهيم بن أدهم في البحر، وهبت ريح، واضطربت السفن، وبكى الناس، فقيل لبعضهم: هذا إبراهيم بن أدهم، لو سألتموه أن يدعو الله فهو مستجاب الدعوة
وكان إبراهيم قائماً في ناحية من السفينة ملفوفاً رأسه ،فد دنا إليه رجل لا يريد
إبراهيم أن يعرفه وقال: يا أبا إسحاق، ما ترى ما فيه الناس؟ ادع لهم وأنت
ترى حالهم ..فرفع رأسه، وقال: اللهم قد رأيتنا قدرتك فأرنا رحمتك.
قد أريتنا قدرتك فأرنا رحمتك..يقول الراوي فهدأت السفن.)
أرأيتم أيها الأحباب كيف ينجي الله المتقين بدعائهم، أرأيتم نور التقوى ماذا
تفعل بأصحابها في الدنيا .. فماذا ننتظر أيها الأحبة بعد ذلك؟؟
ماذا ننتظر ؟؟أننتظر أن يمدنا الله بالتقوى بدون عمل ..كلا والله فإن السماء لا
تمطر أبداً ذهباً ولا فضة .
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ..أن المتقين هم دائماً أهل خشية والإنابة
هم أهل العظة والاعتبار هم أهل الزواجر .. وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم
(هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ )
فالمتقون ،هم أهل البكاء من خشية الله ،إذا ذكرت النار خافوا وفزعوا ،إذا ذكر
القبر ارتعدت فرائسهم خوفاً أن يكون مصيرهم العذاب في النار وبأس القرار
فعن عبد الله ابن الشخير رضي الله عنه قال ( رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ) بأبي هو وأمي يبكي
حتى يبل ثوبه ،ويبل الثرى بدموعه ونحن أيها الأحباب والله، تمر علينا الآيات
والمواعظ والزواجر ولا نبكي إلى قلوبنا القاسية من كثرة الظلمات وقد قال تعالى
(فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) (الزمر\22)
مر النبي صلى الله عليه وسلم أيها الأحباب بقبر يدفنوه صحابته فبدر من بين
أيديهم ثم واجه القبر حتى بلّ الثرى من دموعه ، و قال عليه الصلاة و السلام : (أي أخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا . ) لمثل هذا اليوم فأعدوا .. فهل أعددنا أيها
الأحباب أنواراً ليوم القبر ،أم أعددنا ظلمات والعياذ بالله؟
لما احتضر سفيان الثوري جعل يبكي فقيل له: يا أبا عبد الله عليك بالرجاء فإن عفو الله أعظم من ذنوبك ,
فقال : أو على ذنوبي أبكي ؟؟؟ لو علمت أني أموت على التوحيد , لم أبال بأن ألقى الله بأمثال الجبال من الخطايا، ولكني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت
فيا سبحان الله .. يا سبحان الله
عوتب الحسن البصري في شدة حزنه وخوفه فقال :ما يؤمنني أن يكون الله
تعالى قد اطلع فيّ على بعض ما يكره فمقتني فقال: اذهب فلا غفرت لك
فرحم الله البكائين من خشية الله، رحم الله المتقين لله خوفاً من الله
رحم الله تلك الأنوار التي كانت تشع منها الصدق واليقين والخشية والخوف
من الله .. والله أيها الأحباب، لن تغني عنا الدنيا بملذاتها ولا شهواتها إذا نحن
لا نخاف من الله ، مثلما خافوه ، والله لن تنفعنا أموالنا ولا أولادنا ولا قصورنا
ولا دورنا إذا لم نعظمه سبحانه وتعالى أشد التعظيم ،ونخشاه أشد الخشية مثل
أولئك القوم الذين كانت حياتهم نوراً وتقوىً من الله
بكيت على هول الصراط وذكره ...وهول زفير النار من أعظم الذكر
وكيف يطيق الصبر من كان عاصيا... لخالق كل الخلق في السر والجهر
ومن يك ذا خوف شديد لهوله... فإن له أمنا من الهول في الحشر
فليس لمن يبكي لهول صراطه جزاء سوى دار النعيم مع الفخر
فيا له من هول فظيع يجوزه... رجال أطاعوا الله في سالف العمر
وبعد هذه الثمرات والأنوار من المتقين أيها الأحبة في الدنيا قبل الممات، نذكر
لكم تلك الأنوار في اللحظات الحاسمة ،تلك اللحظات الحرجة التي هي حسن
الختام للمتقين ،تلك السكرات التي قال عنها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
(إن للموت سكرات ) الله هون علينا سكرات الموت
ثم انظر لحال المتقين في اللحظات الأخيرة وهم يرجعون للدنيا.. انظر لحالهم مع
هذه القصة المؤثرة لرجل كان من المتقين ،انظر لحاله عند الموت، هذه القصة
والله حقيقية.يرويها ولد ابنه فيقول : كان جدي حافظاً لكتاب الله ويعلم الناس
بدون أجر، فكبر سنه ورق عظمه ،وبلغ من الكبر عتياً ،حتى أنه فقد الذاكرة
فنسي جميع من يعرفهم ،حتى أسماء أبنائه ..واستمرت هذه الحالة عشرين سنة
ولكن العجيب ..أنه إذا قرأ القرآن وكنت بجواره أسمعه لا يخطئ في حرف واحد
أبداً، وفي يوم من الأيام ،وفي وقت السحر ،وقت نزول الرحمن الذي يليق
بجلاله، وإذا بجدي ينادي باسم أبي :يا عبد الله ..يا عبد الله ..وقد نسيه منذ
عشرين سنة ،فرح أبي وانطلق إلى غرفة أبيه فرحاً بأنهم استعاد الذاكرة فقال
ماذا تريد يا أبي فقال: فكان جدي رحمه الله ينظر إلى ناحية من الغرفة فقال:
يا بني ..هل ترى هذين الرجلين الجميلين، الذي يرتدي كل واحد منهما عمامة
بيضاء .؟ التفت أبي فما رأى شيئاً..فقال يا أبي.. إني لا أرى شيئاً فقال جدي
يرحمه الله : صدق الله حين قال (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد)
وكأن الله يشير إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البراء ابن
عازب (أن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر) الحديث
ثم يقول :فرفع جدي سبابته ثم قال :أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً
رسول الله ..ثم فاضت روحه إلى الله نسأل الله أن يبعثه يوم القيامة قارئاً للقرآن
انظر يا أخي في الله إلى هذه الخاتمة الحسنة أن يموت الإنسان قارئاً لكتاب الله
ويحشر على هذه الحال،أو أن يموت والعياذ بالله مغنياً أو مطبلاً ،نسأل الله
السلامة والعافية
ثم انظروا أيها الأحباب وتأملوا حال المتقين في البرزخ، كيف أن الله سبحانه
وتعالى يفتح للمتقي باقة من الجنة ،يأتيه من روحها ونسيمها وطيبها،ويقال
له نم نومة العروس حتى تقوم الساعة ، ثم انظر لحال المتقين يوم القيامة
حيث أن الله سبحانه وتعالى حكى ذلك في القرآن وقال في عرصات يوم القيامة
واسمعوا لهذه الآيات فوالله إن فيها أنوار للمتقين يوم القيامة ،يقول:
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
هذا هو الفوز أيها الأحبة،و والله هذا هو الفوز العظيم للمتقين كيف كانت حياتهم
كيف كانت أقوالهم ،كيف كانت أوقاتهم ،إنها تقوى من الله وخوف وخشية منه
سبحانه وتعالى..أعلمتم أيها الأحبة علم اليقين بعد هذه الثمرات والأنوار للمتقين
كيف أن الله أعطاهم الجزاء الأحسن والأفضل لهم ،وهل جزاء الإحسان إلا
الإحسان، إذا علمنا ذلك فلماذا لا نسارع إلى الجنة ؟لماذا لا نشتاق إلى الجنة
لماذا لا نعمل بنور التقوى والإيمان حتى نصل إلى الجنة التي هي ميراث المتقين
قال تعالى : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً ) (مريم \63)
فيا من يريد العاقبة الحميدة ،ويريد قبول الأعمال الصالحة له ،ما عليك إلا أن
تلحق بركاب المتقين ،فالجنة لا يدخلها إلا المتقين قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص\83)
وشتان أيها الأحبة بين نور المتقين وظلمات المعاصي والظالمين
شتان بين النور والظلمات....نزلت بذلك محكم الآيات
يا غافلاً والموت يطلبه أما....فكرت فيما تمضي الساعات
أقبل على الرحمن واطلب عفوه....فعسى المهيمن يغفر الزلات
أقصاك ليل الجهل والران الذي....أغشى فؤادك حالك الظلمات
ماذا جنيت به سوى الألم الذي ....أسقاك طعم مرارة المأساة
فالذنب أعظم ما يخاف ويتقى ....وعليه تسكب أصدق العبرات
وأطار نوم الصالحين فليلهم ....قد طاب بين تبتل وصلاة
سئمت عيونهم لذاذات الكرى....وترفعت ورعاً عن القلوات
فأنار قيوم السماء وجوههم....وأثابهم بإجابة الدعوات
تشكي قلوب ذوي المعاصي وحشة....وتعيش بين تولع وشتات
البر يحييها ويقتلها الخنى....هل يستوي الأحياء بالأموات
فالبر نور والمعاصي ظلمة....شتان بين النور والظلمات
أيها الأحباب،وبعد ذكر تلك النور والثمرات المتحققة للمتقين في الدنيا
وفي سكرات الموت، وفي القبر ،وفي عرصات يوم القيامة إلى أن يصلوا
إلى الجنة،نسأل الله أن نكون منهم ..تعالوا معنا أيها الأحباب،نبين لكم عكس
النور ..الظلمة ، بل ظلمات بعضها فوق بعض ، كما قال الله تعالى : (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إذَا أخْرَجَ يَدَهُ لمْ يَكَدْ يَرَاهَا ومَّن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) (النور\40)
إنها والله أيها الأحبة ظلمات الإشراك بالله، والتعلق بغير الله ،إنهم يتعلقون
ويلتجئون لقبور لا تضر ولا تنفع والعياذ بالله، إنها ظلمات الجهل والمعاصي
والذنوب والموبقات، إنها ظلمات العصيان لله وترك الانقياد له سبحانه ، إنها
ظلمات التعدي والجور والظلم للنفس التي تؤدي بصاحبها إلى النار والخلود
فيها والعذاب المهين ، إنها ظلمات الفسوق والعصيان والكفر والطغيان وعصيان
المنان، إنها ظلمات الخطايا والسيئات ، والإثم والفساد والعتو والإصرار ،إنها
ظلمات الفتنة بالدنيا والمال والأولاد والزوجة والعياذ بالله..إنها ظلمات ضعف
الإيمان واليقين بالله، وعدم مراقبة الله عز وجل ،وعدم إجلاله ومحبته وتعظيمه
سبحانه وتعالى، إنها ظلمات الشبهات التي توقع صاحبها في القتل والإجرام
وهتك الأعراض، وقتل الأنفس المعصومة البريئة بدون وجه حق ، إنها ظلمات
الشهوات في النفوس ،من معاص وبدع ومحرماتٍ حتى توقع صاحبها في الشرك
والعياذ بالله ..إنها ظلمات سببها الشيطان الذي هو شيطان الإنس والجن كما قال
تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)
فلنحذر من طرقه ومكره وكيده وضلاله ،نعوذ بالله من شره ونفخه ونفثه
أتعلمون أيها الأحبة سبب تلك الظلمات؟ إنها والله النفس الأمارة بالسوء
إنها عدو الإنسان ،فكم أدخلت تلك النفس للإنسان الشهوات ،وزينت له
الشبهات ،حتى أوقعته في بحار الظلمات ،كم زينت له النظر المحرم والكلام
المحرم والسماع المحرم ،فأفسدت له قلبه وعقله ولسانه وسمعه ويده فيصبح
العبد بعد ذلك غافلاً ساهياُ عن علام الغيوب ،ويصير والعياذ بالله كاللعبة في يد
الشيطان ،يحركه كيف شاء، يدخله من ظلمة إلى ظلمة ، فيعيش في أوحال
الظلمات، إنها والله ظلمات..إنها والله ظلمات ، بل ندامات وحسرات عند
السفرات..إنها ظلمات في الدنيا ، وظلمات عند الموت، وظلمات في القبر،
وظلمات في عرصات يوم القيامة ،وظلمات على جسر جهنم ،حتى يصل صاحب
تلك الظلمات إلى النار والعياذ بالله، نهارك يا مغرور سهو وغفلة ،وليلك نوم
والردى لك لازم ،وفعلك فعل الجاهلين بربهم ،وعمرك في النقصان بل أنت ظالم
فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم ،ولا أنت في النوام ناج فسالم ،تسر بما يفنى
وتفرح بالمنى، كما سر باللذات في النوم حالم، فلا تحمد الدنيا ولكن فذمها ولا
تكثر العصيان إنك ظالم..أيها الإخوة والأخوات ،إن للمعاصي والموبقات ظلمات
في الدنيا، وآثارها عديدة على الفرد والمجتمع والأمة بأسرها، فالمعاصي لها
ظلمات على القلب والبدن والدين والنفس ،وكذلك ظلماتها على الأمم والشعوب
وظلماتها كذلك على العمر والرزق والعلم والعمل ..أسمعتم ؟ أسمعتم ظلمات
المعاصي والموبقات ،فمن ظلمات المعاصي على القلوب أنها تسبب ضرراً على
قلوب العاصين كالسموم والمخدرات على الأبدان ،فيحرم صاحب ذاك القلب
نور العلم وتعمى بصيرته، وهدايته إلى الله ،فيصبح القلب قلباً مرباداً كالكوز
المجخية ،لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، فقلبه والعياذ
بالله بيت لا روح فيه ....جلس الشافعي يوماً بين يدي مالك يقرأ عليه فقال له
الإمام مالك ،واسمعوا لهذا الكلام النفيس أيها الأحباب من إمام دار الهجرة
قال للشافعي: إني قد أرى قد ألقى الله على قلبك نورا،فلا تطفئه بظلمة المعصية
فنظر الشافعي يوماً إلى كعب امرأة فأثر ذلك في حفظه فقال:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي ....فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي
وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُورٌ.... ونورُ الله لا يهدى لعاصي
نعم، والله نور الله لا يهدى لعاصي أيها الأحباب
ومن ظلمات المعاصي على القلوب ،أنها توهن القلب وتضعفه ،فيصبح
القلب غير معظم لله ،غير خائف من الله ،يستخفي هذا العبد من الناس
ولا يستخفي من الله كما قال تعالى : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) (النساء\108)
قال ابن عباس : إن للسيئة سواد في الوجه ،وظلمة في القلب،ووهناً في البدن
ونقصاً في الرزق ،وبغضة في قلوب الخلق . ومن ظلمات المعاصي على القلوب
أنها تحجبه عن الله ،فيألف المعصية ،وتصبح المعصية جزءً من حياته لا
يستطيع تركها ،فينسلخ قلبه ويكون أسيراً لشهوته والعياذ بالله ،فيطبع الله
على صاحب ذاك القلب كما قال تعالى : (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) العقوبة (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين\14-15)
ومن ظلمات المعاصي على قلوب العاصين ،أن الذنوب عنده سهلة وميسورة
وهينة على قلبه وعلى عينه ولسانه، على عكس ذاك المؤمن المتقي كما قال
ابن مسعود رضي الله عنه : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل ،خاف
أن يقع عليه ،وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على ذنبه وقال به هكذا .
ومن ظلماته على القلوب ،أنها تورث الذل في أصحابها ،فيذل ذاك الظالم لنفسه
نفسه ،ويحقر نفسه ،ويبيع عرضه،بل يبيع والعياذ بالله شرفه ونفسه ودينه من
أجل شهوته، لذلك كان من دعاء السلف واحفظوا أيها الأحباب هذا الدعاء
احفظوه جيداً، وكرروه في أدعيتكم ،كان من دعاء السلف (اللهم أعزني بطاعتك
ولا تذلني بمعصيتك ) فأبى الله أيها الأحباب والله إلا أن يذل من عصاه ،وإلا أن
يجعل ذل المعصية لا يفارق والعياذ بالله قلوب العاصين
رأيت الذنوب تميت القلوب...وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب...وخير لنفسك عصيانها
ومن ظلمات المعاصي أيها الأحبة على القلوب، أنها تطفئ غيرة القلب،فلا يغار
صاحب ذاك القلب على نفسه من المعاصي ولا على أهله ولا على الناس،فيشاهد
هو وأهله الفحش والفجور عبر الفضائيات ،يشاهد العار والشنار ،يشاهد الخنى
والعهر ،فلا يحرك ساكناً، بل ربما والعياذ بالله أثار غيره إلى مشاهدة ذلك فنسأل
الله السلامة والعافية.
أيها الأحباب..أرأيتم الظلمات؟ أرأيتم ذهاب الحياء من قلوب العاصين؟
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن قال : ( إن مما أدرك الناس من
كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت..)
فكم صنع الناس أيها الأحبة اليوم من أمور وموبقات ومهلكات، لا حياء فيها
كم رأى بعض الناس من المحرمات فأفسدت قلوبهم بل ربما نكست قلوبهم حتى
يرى الباطل حقاً والحق باطلاً، بل ربما اشترى الضلالة بالهدى وهو يرى أنه
على الهدى وقد قال تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف\103-104)
أيها الإخوة والأخوات ،كم أوقع العاصين أنفسهم في الظلمات ،حتى ضاقت
صدورهم ، وكثرت همومهم وأحزانهم في عدم حصول المعصية لهم
كم أوقع العاصين أنفسهم في الظلمات فلم يقبلوا الحق من العلماء وطلاب العلم
الأتقياء ،فعاشوا والعياذ بالله في الظلماء ،وقد قال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)(الأنعام\125)
كم جلبت المعاصي أيها الإخوة والأخوات بأصحابها الذم بعد المدح
فصار يسمى العاق لوالديه، ويسمى الفاجر،ويسمى العاصي ،ويسمى
القاطع لرحمه ،ويسمى الكاذب والزاني والخائن والظالم ، كم جلبت المعاصي
لأصحابها المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ، والعذاب الأليم في الآخرة
وقد قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) (طه\124-126)
كم جلبت المعاصي لأصحابها الصحبة الفاسدة السيئة ، التي تجره إلى الرذيلة
فيجتمع عنده قرين السوء والشيطان معاً ،وقد قال تعالى عن أولئك
(وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ )(الزخرف\36)
الذي يعيش عن ذكر الرحمن ،الله يقيض له شيطان فهو له قرين يؤزه إلى
المعاصي أزاً ،كم جلبت المعاصي أيها الأحبة من تعسير الأمور، فيجد العاصي
الأبواب أمامه مقفلة ،ممحوق البركة في ماله ورزقه وولده وأهله ،وعظم تلك
الظلمات ضياع تعبه سدى وهباء منثوراً ، من صلاة وصيام وعبادة لأنه والعياذ
بالله يضيعها بمعاصيه وذنوبه ،فهو المفلس يوم القيامة كما أخبر بذلك رسولنا
صلى الله عليه وسلم .
ومن ظلمات المعاصي،ظلماتها على الرزق، فالمعاصي تحرم الرزق ،وتزيل النعم
وتحل النقم ،فما نزل بلاء إلى بذنب ،ولا رفع إلا بتوبة ،قال تعالى: (ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (الأنفال\153)
وكذلك المعاصي تمحق البركة في العمر والعلم والعمل ،فيعمر العاصي مئة سنة
أو أقل أو أكثر ،ولكنها ظلمات في ظلمات والعياذ بالله .
ومن ظلمات المعاصي ،ظلماتها على الأمم والشعوب التي كانت قبلنا ،فهي والله
سبب هلاكهم ودمارهم ،فبالله عليكم قولوا لي...ما الذي أخرج آدم وأمنا من
الجنة ؟دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب
أليست الذنوب والمعاصي؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده
ولعنه؟؟ أليس عناده واستكباره على الله؟ وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى
على الماء فوق رؤوس الجبال ؟أليست الذنوب والمعاصي يا عباد الله ؟
وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم
أعجاز نخل خاوية ،ودمرت ما مروا عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم
ودوابهم ،حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة ؟أليست الذنوب والمعاصي يا
عباد الله ؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في
أجوافهم وماتوا عن آخرهم ؟أليست الذنوب والمعاصي؟
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ،ثم قلبها عليهم
الله ،فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعاً؟؟ أليست الذنوب والمعاصي يا عباد
الله؟؟ وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ،فما صار فوق
رؤوسهم ،أمطر عليهم ناراً تلظى ؟أليست الذنوب والمعاصي ؟؟
وما الذي أغرق فرعون وقومهم في البحر ،ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم،فالأجساد
للغرق ،والأرواح للحرق ..أليست الذنوب والمعاصي؟ وما الذي خسف بقارون
وداره وماله وأهله ،وما الذي أهلك قارون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها
تدميراً..أليست الذنوب والمعاصي يا عباد الله ؟
لا شك بأن ما أصاب هؤلاء جميعاً وأهلكهم هي ذنوبهم ،وإن لم نرجع إلى الله
فسيهلكنا الله مثلما أهلكهم .
أيها الأحباب .. ومن ظلمات المعاصي ،نزول العقوبات المهلكة ،والأمراض
الفتاكة ،والأمراض المستعصية مثل الطاعون والإيدز ،وكذلك منع القطر من
السماء ،وإن نزل فهو بدون بركة ،ولولا البهائم أيها الأحباب لم نمطر .
وكذلك من الظلمات ومن العقوبات ،تسليط الأعداء علينا بسبب ذنوبنا ومعاصينا
فعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال : أقبل علينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: ( يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن يا - وأعوذ بالله أن تدركوهن - : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)
لنتأمل أيها الأحباب قليلاً، فيما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام
يوم أحد،لما حصل منهم ذنب واحد ،فكان ذلك سبب هزيمة المسلمين ،وليست
هزيمة،بل هو نصر لهم بعد أن كانوا منتصرين ...فكم من المعاصي أيها الأحباب
التي تكون عندنا اليوم عند المسلمين،التي سببت لنا الهزائم ولأمة الإسلام،سببت
لها هزائم كثيرة،فهي ضعيفة الشأن غير مرهوبة الجانب ،فنسأل الله بمنه وكرمه
أن يعز دينه وأن يعلي كلمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه ..أيها الإخوة والأخوات
هذه هي ظلمات المعاصي والموبقات على أصحابها في الدنيا ،أما ظلماتها عند
السكرات واللحظات الحاسمة، فندامات وحسرات وآهات ،وقد قال تعالى : (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ **لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ) قال الله له ( كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا) (المؤمنون \99-100)
عند اللحظات الحاسمة ،عند السكرات تسود وجوه فلا توفق لقول لا إله إلا الله
لأنه لا يعرفها ،عند اللحظات يقال لتلك النفس ، يا أيتها النفس الخبيثة أخرجي
إلى سخط من الله وغضبه، فتتفرق في جسده فتنتزع من جسده كما ينتزع
السفود من الصوف المبلول ،عند اللحظات، تنطق الألسن والأعين والقلوب بما
كانت عليه في الدنيا من ظلمات المعاصي، فمنهم من قال كلمة الكفر، ومنهم من
نطق بأغنية المجون والحب والهيام، ومنهم من أراد الزنى واللواط وهو في
سكرات الموت والعياذ بالله ،فمن شب على شيء شاب عليه..نسأل الله السلامة
والعافية ... هذه هي ظلمات المعاصي عند السكرات ،فما هي ظلماته في القبر
فعندما يوضع ذاك العاصي في قبره ،يسأل ثلاثة أشياء .. من ربك؟ما دينك؟؟من
نبيك؟؟ فماذا يكون الجواب؟؟..لا يجاوب ولا يستطيع، مع أنه يعرفها في الدنيا ،
يقول هااه هااه ..لا أدري !! فيكون العقاب ،فيضرب بمطرقة من حديد يغوص
في الأرض والعياذ بالله سبعون ذراعا ..نسأل الله السلامة والعافية..
أما ظلمات المعاصي في عرصات يوم القيامة ،وعند جسر جنهم فاسمع ماذا
يقول الله عنهم ، يقول الله تعالى : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الحديد\13-15)
فمثل أخي الحبيب،ومثلي أختي المسلمة نفسك مكان هؤلاء ،ماذا يكون حالكم
يوم القيامة ..نسأل الله بمنه وكرمه أن ينجينا يوم القيامة
مثل لقلبك أيها المغرور ... يوم القيامة والسماء تمور
قد كورت شمس النهار وأدريت ... حر أعلى روس العباد تفور
وإذا الجبال تقلعت بأصولها ... فرأيتها مثل السحاب تسير
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت ... تبدلت بعد الضياء كدور
وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت ... وتقول للأملاك أين نسير
فيقال سيروا تشهدون فضائحا … وعجائبا قد أحضرت وأمور
وإذا الجنين بأمه متعلق … خوف الحساب وقلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف لهوله ... كيف المقيم على الذنوب دهور
هذا بلا ذنب أيها الأحباب يخاف هول يوم القيامة ، كيف والعياذ بالله من يقيم
سنين عديدة وهو على ذنب وهو لا يشعر، نسأل الله العافية ..
أيها الأحبة ،وبعد بيان النور من الظلمات ،ألم يئن للقلوب القاسية أن تلين إلى
ربها ؟ألم يحن الوقت لمن عصى الله ليل نهار أن يتوب إلى الله ،وبعد بيان ذاك
النور من تلك الظلمات ،أما آن لتارك الصلاة أن يصلي؟ ولعاق الوالدين أن
يبرهما ولو بعد موتهما؟ أما آن لمن عاش في ظلمات المعاصي أن يرجع إلى
ربه بصدق ويقين ..لعل الله أن يبدل سيئاته وظلماته حسنات
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)
ألا زال قلبك أخي قاسياً لا يخشع ولا يلين؟ ألا زالت عينك لا تدمع ؟
أيها الإخوة والأخوات ، نداء أبثه من الأعماق لمن حاد عن طريق النور والحياة
السعيدة ،أن يتذوق حلاوة الإيمان ..تذوق أخي حلاوة الإيمان ولو مرة واحدة
فوالله لن تتركها أبداً، عليك أخي بالتوبة النصوح،والرجوع إلى الله والمسارعة
إليه سبحانه، فقد قال (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)
فتقوى الله هي النور والهادي لك إلى أن تصل إلى جنة عرضها السماوات
والأرض، ثم أوصيك أخي بالدعاء الخالص من القلب أن يتقبل الله توبتك وأن
يثبتك على الهداية والاستقامة، وعلى نور الحق والصدق ..اسأل أخي ربك
الهداية والسداد، اسأله المغفرة لجميع ذنوبك ،اسأله تعالى الجنة فهو كريم
لا يعذب خلقه بالنار
قف إلى ربك، قف إليه منقطعاً إليه، وارفع يديك متضرعاً إليه، وقل لربك
مهما كانت ذنوبك وظلماتك
قل له
بذكرك يا مولى الورى نتنعم ....وقد خاب قوم عن سبيلك قد عموا
شهدنا يقيناً أن علمك واسع,,,,فأنت ترى ما في القلوب وتعلم
إلهى تحملنا ذنوباً عظيمة ....أسأنا وقصرنا وجودك أعظم
سترنا معاصينا عن الخلق غفلة.....وأنت ترانا ثم تعفو وترحم
إلهي فجد واصفح وأصلح قلوبنا....فأنت الذي تولي الجميل وتكرم
وأنت الذي قربت قوماً فوافقوا....ووفقتهم حتى أنابوا وسلموا
نظرت إليهم نظرة بتعطف...فعافوا بها والناس سكرى ونوم
لك الحمد عاملنا بما أنت أهله....وسامح وسلمنا فأنت المسلم
سبحانك رب العزة عما يصفون..وسلام على المرسلين..والحمد لله رب العالمين
عبدالواحد المغربي
أيها الأحبة في الله ..حديثي إليكم عن نور وظلمات فيا ترى.. ما هذا النور وتلك الظلمات؟؟
إن هذا النور هو نور الحق الذي بعث فيه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
فأشرقت به الأرض والسماوات.. ودخل الناس بهذا النور أفواجاً بعد الظلمات
إن هذا النور هو طريقنا إلى الجنات..إن هذا النور هو ما بينه القرآن وبينته السنة على لسان رسولنا وقدوتنا وإمامنا ..ونورنا إذا احلولكت المصائب والبليات.. أيها الأحباب..يقول الله تعالى مبيناً ذلك النور من تلك الظلمات
فمن يتدبر القرآن..ومن يتعظ بالقرآن؟؟ ومن يعمل بذاك النور ويبتعد عن الظلمات؟؟
اسمعوا أيها الإخوة والأخوات كلام الله عن النور والظلمات
اسمع لتلك الحياة الحقيقة بعد الموت في الظلمات
قال تعالى
(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
يقول السعدي يرحمه الله في تفسيره لهذه الآية بكلام جميل جداً
إن هذا الكلام هو الذي يهدينا في الظلمات
يقول رحمه الله :أومن كان قبل الهداية في ظلمات الكفر والجهل والمعاصي
فأحييناه بنور العلم والإيمان والطاعة، فصار يمشي بين الناس بهذا النور متبصراً في أموره ،مهتدياً لسبيله، عارف للخير مؤثراً له، مجتهداً في تنفيذه،
عارفِ للشر مبغضاً له، مجتهداً في تركه ، أيستوي هذا بمن هو في الظلمات ..ظلمات الجهل والكفر والمعاصي؟؟ انتهى كلامه رحمه الله
كلا والله أيها الأحباب ..لا يستوي هذا النور بهذه الظلمات ، كلا والله .وقد قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)
وقال تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ * وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَآءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ اِنَّ اللـه يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ ) ( فاطر/19-22)
أسمعتم؟ أسمعتم يا من يريد النور؟ أسمعتم كلام الله ؟
إذاً هيا لبيان النور من الظلمات..هيا لنعرف حقيقة ذلك النور من تلك الظلمات .
إن هذا النور الذي نريده ونتمناه يجعل العبد يخشى الله ويخاف عقابه وسخطه ، ويجعله يعمل على نور من الله بطاعته سبحانه، يرجو ثواب الله ،ويترك
المعاصي..على نور من الله يخاف عقابه، إن هذا النور الذي نبحث عنه
يجعل الواحد منا يعظم الله أشد التعظيم ،فيطيع العبد ربه ولا يعصيه ، ويذكره
ولا ينساه، ويشكره ولا يكفره أبداً، يشكره بقلبه ولسانه وحركاته وسكناته
وجميع جوارحه..إن هذا النور يجعل العبد ينظر إلى ما أمامه وإلى خلفه
وعن يمينه وشماله ،فلا يجعل للشيطان عليه سبيلاً أبداً ،كأنه ماشٍ في طريق
في شوك ،فيحذر الشوك من جميع الجهات خوفاً على النور الذي معه
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ..ذاك التقى واصنع كماش فوق أرض الشوك
يحذر ما يرى ..لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى
إن هذا النور أيها الأحباب.. هو من أعظم أسباب الفوز والفلاح في الدنيا
والآخرة، لماذا أيها الإخوة والأخوات؟؟ لأنه والله وصية الله للأولين والآخرين
قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)
فهل نلتزم بهذه الوصية التي لها النور لنا في الدنيا والآخرة أم نتركها خلف
ظهورنا؟ فتكون عاقبتنا الظلمات في الدنيا والآخرة والعياذ بالله
أيها الأحبة.. إن هذا النور هو حاذي الأرواح إلى بلاد الأفراح
نعم.. إنه حاذي النفوس الأبية التي لا ترضى بالدون والقليل ، إنها النفوس
المؤمنة التقية ، التي دائماً تسأل ربها الجنة ..انظروا إلى نفوس الصحابة
رضوان الله عليهم لما سألوا نبيهم صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل
الناس الجنة فقال : (تقوى الله، وحسن الخلق) وسئل عن أكثر ما يدخل
النار قال: (الفم والفرج) فهلا اتعظنا بذلك؟ وبذلنا أرواحنا وأموالنا وأوقاتنا في سبيل الجنة ..أم أننا والعياذ بالله تقاعسنا عن ذلك ..نسأل الله السلامة والعافية
إن هذا النور أيها الأحباب يظهر على الإنسان في أقواله وأفعاله وحركاته،فإذا
ما أردت أن تحكم على إنسان أنه يخاف الله ويتقيه ،فانظر إلى أقواله وأفعاله
فتحكم عليه،فإذا ما رأيت أقواله وأفعاله التقوى فقد كساني نفسه بلباس التقوى
الذي هو خير وقد قال تعالى:)(يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) (
إذا المرء لم يلبس لباس التقى....تقلب عرياناً ولو كان كاسياً
وخير لباس المرء طاعة ربه....ولا خير في من كان لله عاصياً
ولا خير أيها الأحباب والله في من كان لله عاصياً لأنه والعياذ بالله في الظلمات
إن هذا النور والله هو أهم من الطعام والشراب ،فلو فقد الإنسان الطعام والشراب
ومات من شدة الجوع وهو متقٍ لله ،فهو مغفور له بإذن الله، ولكن لو مات من
شدة الجوع وهو في أوحال الظلمات والمعاصي والموبقات والمحرمات ،فيا
خسراه ويا ندامتاه يوم القيامة وقد قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ)
تزود من التقوى فإنك لا تدري....إذا جن ليلاً هل تعيش إلى الفجر
وكم من صحيح مات من غير علة....وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر
أرأيتم أيها الإخوة والأخوات نوراً أفضل من هذا النور؟؟
هل مر بكم صفاته وكراماته وخيريته أحسن من هذا النور؟؟
وهل هناك أحد غير الله أخبر بنور غير هذا النور؟؟ كلا وربي لا يوجد أحد
أخبر من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ..كلا والله لا يوجد نورٍ أحسن
من نور على نور ،يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ،كلا والله
لا يوجد نور يهدى به الإنسان من الظلمات إلى النور أفضل من نور الله
وقد قال تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
بين الله أيها الأحبة في هذه الآية أنه سبحانه نور بذاته ،وبين تعالى أن كتابه
نور وشرعه نور، والإيمان نور ،والتقوى نور،ومثل الله هذا النور بالمصباح
ووجه المثل هو حال المؤمن المستهدي بنور الله ،المستهدي بنور العلم والإيمان
والتقوى ،ويضرب الله الأمثال للناس ليتفكروا وليبحثوا عن هذا النور المفقود
عند كثير من الناس اليوم
يا رب إنك للخلائق نور....يسفي الضلال فيسقط الديزور
وتضيء ألباب البرايا بالنهى....فتعود بالآي الحصيف تمور
وبك النفوس تعيش كل سكينة....لا الخوف يضنيها وليس تخور
فاملأ إلهي باليقين صدورنا....ليعم فينا راحة وسرور
إذاً هيا أيها الأحباب نسارع إلى هذا النور هيا نبحث ،ونعمل، ونجتهد،
لكي يتحصل لنا النور من الله تعالى وقد قال تعالى: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)
ثم اعلموا أيها الأحباب علم اليقين أن هذا النور الذي نسعى إليه إذا
وجد في واحد منا ،فسينال صاحبه أنواراً من الله في الدنيا ،ونور عند
اللحظات الحاسمة عند الموت، ونور في قبره، ونور في عرصات يوم القيامة
وخصوصاً عند جسر جهنم ،ونور في الجنة ونعيمها ..فتعالوا معنا نأخذ الأنوار
نوراً نورا في الدنيا، إلى أن نصل إلى الجنة مكان النور ،تعالوا نعدد الثمرات
والأنوار للمتقين في الدنيا ..فأول ثمرة يجنيها المتقي صاحب ذاك النور وأول
نور يحصل عليه ،وأول وسام يأخذه إن كان من المتقين في الدنيا أنه ينتفع
بالقرآن ،فالمتقين دائماً يسمعون القرآن فينتفعون بتلاوته وينتفعون به ،لا
يحدثون أنفسهم بشيء إذا قرأ القرآن ،إلا بالقرآن ..فالقرآن عندهم بستان
العارفين ،أينما حلوا منه حلو في رياض نضرة، المتقين أهل تدبر وتفكر
واتعاظ بالقرآن ، اسمع لمحمد ابن المنكدر عندما سأله أبو حازم عن البكاء
طيلة ليله فيقول : آية من كتاب الله أبكتني وهي قوله تعالى (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ)
وقال طبيب القلوب وهيب ابن الورد :لم نجد شيئاً أرق للقلوب ولا أشد استجلاباً
للحزن من قراءة القرآن وتفهمه وتدبره ..فرحم الله أيها الأحباب أقواماً كانوا إذا
مروا بآية فيها ذكر النار ،فكأن زفيرها في آذانهم
منع القرآن بوعده ووعيده....مقل العيون بليلها لا تهجع
فهموا عن الملك الجليل كلامه....فهماً تذل له الرقاب وتخضع
ثم اسمع لعبد الرحمن التميمي إذ يقول : لأغلبن الليلة على المقام. قال : فلما صليت العتمة تخلصت إلى المقام حتى قمت فيه. قال : فبينما أنا قائم إذا رجل وضع يده بين كتفي فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه! قال فبدأ بأم القران فقرأ حتى ختم القران فركع وسجد ثم أخذ نعليه فلا أدري أصلى قبل ذلك شيئا أم لا
فقد كان يرحمه الله يقرأ القرآن في ركعة ثم يوتر فيها في حديث إسناده صحيح
قال ابن كثير في تفسيره :روي عن ابن عمر أنه قال في قوله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ)
قال ابن عمر :هو عثمان ابن عفان ..هو عثمان ابن عفان
وقال ابن سيرين : قالت امرأة عثمان حين قتل رحمه الله والله لقد قتلتموه
وإنه ليحيي الليل كله بالقرآن في ركعة .
أرأيتم الحياة الحقيقية للمتقين، عندما يكون القرآن ربيعاً لقلوبهم
ثم اسمع لهذا الخبر وهذا النور من أنوار التقوى بالقرآن...
ذكر الذهبي في معرفة القراء الكبار عن إمام المدينة نافع ابن عبد الرحمن
يرحمه الله .. أن رجلاً ممن قرأ على نافع قال : إن نافعاً كان إذا تكلم يشم
من فيه رائحة المسك ،فقلت له يا أبا عبد الله أتتطيب كلما قعدت تقرئ الناس
فقال: والله ما أمس طيباً ،ولكني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
وهو يقرأ في في فمن ذلك الوقت أشم من في هذه الرائحة ...فرحم الله شيخ
القراء نافعاً فقد قرأ على سبعين من التابعين وأقرأ الناس دهراً طويلاً، وجعل
الله القرآن نوراً له في الدنيا ،ونوراً لنا ..نسأل الله أن يكون لنا نوراً في الدنيا
وفي الآخرة ..إنه ولي ذلك والقادر عليه
سل القلوب التي لاذت من خالقها وأشعلت لسن الإيمان قنديلاً
سل العيون التي فاضت مدامعها من خشية الله إشفاقاً وتبجيلاً
سل النفوس التي بالأمس يوقظها كتاب ربي فتحيي الليل ترتيلا
سل المحاريب كم ضجت بمبتهلِ وكم ترقرق فيها الدمع مسبولاً
تاقت إلى الحور والفردوس أنفسهم فذللوا دربهم للخلد تذليلاً
قد أدخلوا جنة الدنيا فواله في ممن يقاسي لظى الحرمان مغلولاً
والله والله أيماناً أصيح بها لا والذي نزل القرآن تنزيلاً
من لم ينل جنة الدنيا فحاجبه عن جنة الخلد قلب بات سجيلاً
نعم... من لم ينل أيها الأحبة جنة الدنيا بذكر الله وبالقرآن ، فهو عن
جنة الخلد قلب بات سجيلاً
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا محبة الله لهم ومعيته لهم في الدنيا
والذي يدل ذلك من الأدلة في الكتاب والسنة قوله تعالى:
(بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)
وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) (النحل:128)
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي )
ثم اعلموا أيها الأحباب أن الله إذا أحب عبداً ،وضع له القبول في الأرض
فيقبل الناس منه كلامه ودعوته وأمره ونهيه على نهج من الكتاب والسنة
نسأل الله أن يحبنا الله وأن نكون مع الأنبياء والرسل ثم الأمثل فالأمثل.
أيها الأحباب ،ومن ثمرات أنوار المتقين في الدنيا ،أن المتقين لا يخافون من
كيد الكائدين ولا عدوان المعتدين مهما كادوا ومكروا واعتدوا على المؤمنين
المتقين ..فالله مع المتقين...فالله مع المتقين
(وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)
استمع لهذه القصة من خبر ذاك العابد الزاهد الورع التقي الربيع ابن خثيم
حيث إن أناس أرادوا المكيدة للربيع وفتنته عن الحق والنور، وأرادوا إضلاله
فأمروا امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع ابن خثيم لعلها تفتنه، وجعلوا
لها إن فعلت ذلك ألف درهم فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيبت
بأطيب ما قدرت عليه ثم تعرضت له حين خرج من مسجده، فنظر إليها ،فراعه
أمرها ،فأقبلت عليه وهي سافرة فقال لها الربيع بقوة وحزم : كيف بك لو قد
نزلت الحمى بجسمك فغيرت ما أرى من لون بهجتك ،أم كيف بك لو قد نزل
بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتيد ،أم كيف بك لو سألك منكر ونكير فصرخت
المرآة صرخة فسقطت مغشياً عليها...
يقول الراوي :فوالله ..لقد أفاقت وبلغت من عبادة ربها ما أنها كانت يوم ماتت
كأنها جذع محترق أرأيتم أيها الأحبة أن نور التقوى لم يفقد بل أعطاه الربيع لتلك المرأة التي كانت تعيش في الظلمات فعاشت بذلك النور إلى أن ماتت على العبادة يرحمها الله..
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ،أن الله يمد المتقين بمدد من السماء
بأنهم أولياء الله تعالى ،فولي الله مستجاب الدعوة..فلماذا مستجاب الدعوة ؟؟
لأنه متق لله ،يمشي بنور الله ،فنور الله يهديه في الظلمات ،ويصرف عنه المكر
والكيد في الأزمات ..تأملوا أيها الأحباب حال نبيكم صلى الله عليه وسلم في
غزوة بدر ومعه نفر قليل ،عددهم قليل بالنسبة لعدد المشركين ولكن الله
نصر نبيه وصحابته الكرام على أعدائهم ،وما ذلك أيها الأحباب إلا بنور التقوى
واليقين والصدق مع الله فقال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (آل عمران \123)
تأملوا هذه الآية بقلوبكم، تجدون أن الذي نصر القوم هو نور التقوى كما هو
واضح في الآية، ومن ثمرات أنوار المتقين في الدنيا ،أن التقوى تحجب
وتمنع صاحبها من الزيغ والضلال بعد الهداية ..نعم أيها الأحبة ،التقوى
تكون حجاباً لصاحبها في الدنيا من الانحراف والانتكاس بعد ما من الله عليه
بالالتزام والهداية، والذي يدل لذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث
عرض الفتن عن القلوب فقال : (فمن القلوب من ينكر الفتن ويبتعد عنها )
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (يكون متق لله )لذلك فلا تضره فتنة مادامت
السماوات والأرض وهذا وعد من الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، قال تعالى (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدّ تَثْبِيتًاوَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً
وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً)
اسمع لهذه القصة ،قصة ذاك الشاب المتقي لله ،الذي حماه الله من الزيغ و
الضلال والولوع في أوحال الظلمات ،ظلمات الكفر والموبقات والمعاصي
قيل لأبي بكر المسكي إنا نشم منك رائحة المسك مع الدوام ،فما سببه
يرحمك الله ؟ فقال والله لي سنين عديدة لم أستعمل المسك ولكن سبب ذلك
أن امرأة احتالت علي حتى أدخلتني دارها وأغلقت دوني الأبواب وراودتني
عن نفسي ،فتحيرت في أمري فضاقت بي الحيل،فقلت لها إن لي حاجة إلى
الطهارة.فأمرت جارية لها أن تمضي بي إلى بيت الراحة ..ففعلت،فلما دخلت بيت
الراحة أخذت العذرة –أكرمكم الله- وألقيتها على جميع جسمي ثم رجعت إليها وأنا على تلك الحالة فلما رأتني دهشت ثم أمرت بإخراجي فمضيت واغتسلت فلما كانت تلك الليلة رأيت في المنام قائلاً يقول : ( فعلت ما لم يفعله أحد غيرك لأطيبن ريحك في الدنيا والآخرة ) فأصبحت والمسك يفوح مني واستمر ذلك إلى الآن.
أرأيتم الرجال أيها الأحباب ،وحياتهم ،وكراماتهم بسبب تقواهم وإخلاصهم لله
إنهم رجال ركبوا تلك السلامة وجروا بريح التقوى والاستقامة ،فقطعوا بحار
العقب والندامة ،ونجوا من الأهوال يوم القيامة فقال فيهم الشاعر
لله قـوم لـدار الخلـد أخلصهـم ..وخصهم لجزيـل الملـك مولانـا
فلو تراهم غداً فـي دار ملكهـم ..قد توجوا من حلي الكون تيجانـا
وقد دعاهم إلى الفردوس سيدهـم ..إلي الزيـارة والتسليـم ركبانـا
قد جاوزوا دار السلام وقـد ..أبدي لهم وجهه الرحمن سبحانـا
خـروا سجوداً فناداهـم بعزتـه ..إني رضيت بكـم قربـاً وجيرانـاً
إني خلقت لكـم دار النعيـم فـلا.. ترون بؤساً ولا تخشون أحزانـا
وهو الجزاء مني لكم على عمـل.. أخلصتموه وكنتـم فـي إخوانـا
أيها الأحباب..ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ..أن التقوى تفتح لأصحابها
البركات من السماء والأرض ،فينال المتقي لله البركة في رزقه وماله وأولاده
ووقته وجميع ما يملك ،وجميع أفعاله وحياته،فهو رجل مبارك لأنه متقي لله
بأقواله وأفعاله ،قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)
لكنهم لم يؤمنوا حقيقة الإيمان ،لكنهم لم يتقوا الله حقيقة التقوى ،فكانت
العقوبات كما ترون وكانت نزع البركات وكثرة الآفات ،فالجزاء والله يا أيها
الأحباب من جنس العمل ..ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ،أن التقوى
تجعل صاحبها يفرق بين الحق والباطل ،وينال العبد بعدها الفضل العظيم
من الله تعالى بتكفير السيئات وتبديلها حسنات من الله، ثم ينال العبد بعدها
مغفرة الله ورحمته ورضوانه إلى يوم القيامة ،قال تعالى مبيناً ذلك :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
فيعرف العبد بعد ذلك الحلال والحرام ،ويعرف المشتبهات فلا يقع في الفتن
والضلال،فينال بعد ذلك الأجر العظيم من الله والثواب الجزيل منه سبحانه
ويمشي المتقي بنور من الله تعالى، بنور العلم والهدى في ظلمات الجهل
والسيئات ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أن الله يحمي عبده المتقي المؤمن من
الشيطان وجنده يحميه من همزه ولمزه ونفخه ،يحميه من وسوسته
وإغوائه وكيده ،يحميه من طرقه ومداخله وشبهاته المضلة لبني البشر، يحميه من
أمره ونهيه وضلاله وتزيينه وتلبيسه ،قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ)
ففرق الله في هذه الآية بين المتقين، الذين إذا أحسوا بالذنب أو فعلوا الذنب
رجعوا إلى الله ،واستغفروا وأنابوا واستدركوا ما فات منهم بالتوبة النصوح
على عكس إخوان الشياطين ،وأولياء الشيطان، فهم لا يزالون من الغواية
والضلال من الشيطان كأنهم مسلسلين بالقيود والعياذ بالله .
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أن أهل التقوى دائماً في ذكر وتوبة
واستغفار الله في كل حال، في الحل والترحال ،وخصوصاً وقت السحر،
وقت النزول الإلهي ، قال تعالى (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) من هم ؟؟ (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)
وإليكم أيها الأحبة هذه النماذج عن حال وأنوار المتقين في الدنيا ،وذكرهم
لله وشدة عبادتهم له باستغلال أوقاتهم للذكر والعبادة
ذكر الحافظ البزار في الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية قدس الله روحه
قال عنه
(أما تعبده رضي الله عنه فإنه قل إن سمع بمثله لأنه قد قطع جل وقته وزمانه فيه حتى انه لم يجعل لنفسه شاغل يشغله عن الله تعالى)
يقول: (فلا يزال في الذكر يسمع نفسه ومن إلى جانبه ،هكذا دأبه رحمه الله
حتى ترتفع الشمس )
يقول ابن القيم تلميذه يرحمه الله في الوابل الصيب يقول : سمعت شيخ الإسلام
ابن تيمية قدس الله روحه يقول: ( الذكر للقلب مثل الماء للسمك ،فكيف يكون
حال السمك إذا فارق الماء ) فسبحان الله ..سبحان الله من أشهد عباده جنته
قبل لقائه ،وفتح لهم أبوابها في دار العمل ،فأتاهم من روحها ونسيمها وطيبها
ما استفرغ قواهم لطلبها .. قال بعض العارفين : مساكين أهل الدنيا ،خرجوا
من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها .قيل وما أطيب ما فيها ؟ قال :محبة الله
ومعرفته وذكره ..وقال آخر : إنه لتمر للقلب أوقات يرقص فيها القلب طرباً
فأقول : إن كان أهل الجنة في مثل هذا إن هم والله لفي عيش طيب
يا من يذكرني بعهد أحبتي .. طاب الحديث بذكرهم ويطيب
أعد الحديث علي من جنباته ..إن الحديث عن الحبيب حبيب
حبيب ملأ الضلوع و فاض عن أجنابها.. قلب إذا ذكر الحبيب يذوب
ما زال يخفق ضاربا بجناحه.. يا ليت شعري هل تطير قلوب
وقال ابن القيم رحمه الله : محبة الله ومعرفته ودوام ذكره هو جنة الدنيا
وهو النعيم الذي لا يشبهه نعيم ، وهو قرة عيون المحبين وحياة العارفين
يا ذا الذي أنس الفؤاد..أنت الذي ما إن سواه أريد
تفنى الليالي والزمان بأسره..وهواك غضٌّ في الفؤاد جديد
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا أيها الأحباب ، أن المتقين لله يحصل
لهم الفرج والمخرج من كل شدة ومشقة وكرب ،ويرزق الله المتقين من حيث
لا يحتسبوا ، وييسر الله بها أمورهم في الحياة والشواهد على ذلك كثيرة
قال تعالى (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ )
( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) (الطلاق\4)
تأملوا حال المتقين في الدنيا ،وأنوار التقوى تشع من وجوههم ،تأملوهم وكيف
أن الله يفرج عنهم ويخرجهم من الكروب والشدائد ،وذلك بدعائهم وإخباتهم لله
حين الكرب، فهم أولياؤه المتقون ،كيف لا يفرج عنهم وهم متوكلون عليه؟
كيف لا ينجيهم القانتون العابدون التائبون إليه سبحانه وتعالى
اسمع هذا الخبر عن هذا الرجل المتقي لله ، إنه من السلف، إنه رجل جعل
تقوى الله نصب عينيه فلم يحد عنها يمنة ويسرى ، إنه الزاهد العابد التقي
إبراهيم ابن أدهم .. قال عبد الجبار ابن كليب : كنا مع إبراهيم ابن أدهم في سفر
فعرض لنا ( السبع ) فقال إبراهيم دعاء وقال قولوا به فإن الله يحرسكم به قال قولوا : اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام , واحفظنا بركنك الذي لا يرام , وارحمنا بقدرتك علينا , لا نهلك وأنت رجائنا يا الله يا الله
قال الراوي : فولى السبع هاربا ، فأنا أدعوا به عند كل أمر مخوف فما رأيت من هذا الدعاء إلا خيرا
وذكر ابن خلكان في وفيات الأعيان ( أن إبراهيم بن أدهم في البحر، وهبت ريح، واضطربت السفن، وبكى الناس، فقيل لبعضهم: هذا إبراهيم بن أدهم، لو سألتموه أن يدعو الله فهو مستجاب الدعوة
وكان إبراهيم قائماً في ناحية من السفينة ملفوفاً رأسه ،فد دنا إليه رجل لا يريد
إبراهيم أن يعرفه وقال: يا أبا إسحاق، ما ترى ما فيه الناس؟ ادع لهم وأنت
ترى حالهم ..فرفع رأسه، وقال: اللهم قد رأيتنا قدرتك فأرنا رحمتك.
قد أريتنا قدرتك فأرنا رحمتك..يقول الراوي فهدأت السفن.)
أرأيتم أيها الأحباب كيف ينجي الله المتقين بدعائهم، أرأيتم نور التقوى ماذا
تفعل بأصحابها في الدنيا .. فماذا ننتظر أيها الأحبة بعد ذلك؟؟
ماذا ننتظر ؟؟أننتظر أن يمدنا الله بالتقوى بدون عمل ..كلا والله فإن السماء لا
تمطر أبداً ذهباً ولا فضة .
ومن ثمرات وأنوار المتقين في الدنيا ..أن المتقين هم دائماً أهل خشية والإنابة
هم أهل العظة والاعتبار هم أهل الزواجر .. وقد قال الله سبحانه وتعالى عنهم
(هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ )
فالمتقون ،هم أهل البكاء من خشية الله ،إذا ذكرت النار خافوا وفزعوا ،إذا ذكر
القبر ارتعدت فرائسهم خوفاً أن يكون مصيرهم العذاب في النار وبأس القرار
فعن عبد الله ابن الشخير رضي الله عنه قال ( رأيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء ) بأبي هو وأمي يبكي
حتى يبل ثوبه ،ويبل الثرى بدموعه ونحن أيها الأحباب والله، تمر علينا الآيات
والمواعظ والزواجر ولا نبكي إلى قلوبنا القاسية من كثرة الظلمات وقد قال تعالى
(فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) (الزمر\22)
مر النبي صلى الله عليه وسلم أيها الأحباب بقبر يدفنوه صحابته فبدر من بين
أيديهم ثم واجه القبر حتى بلّ الثرى من دموعه ، و قال عليه الصلاة و السلام : (أي أخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا . ) لمثل هذا اليوم فأعدوا .. فهل أعددنا أيها
الأحباب أنواراً ليوم القبر ،أم أعددنا ظلمات والعياذ بالله؟
لما احتضر سفيان الثوري جعل يبكي فقيل له: يا أبا عبد الله عليك بالرجاء فإن عفو الله أعظم من ذنوبك ,
فقال : أو على ذنوبي أبكي ؟؟؟ لو علمت أني أموت على التوحيد , لم أبال بأن ألقى الله بأمثال الجبال من الخطايا، ولكني أخاف أن أسلب الإيمان قبل أن أموت
فيا سبحان الله .. يا سبحان الله
عوتب الحسن البصري في شدة حزنه وخوفه فقال :ما يؤمنني أن يكون الله
تعالى قد اطلع فيّ على بعض ما يكره فمقتني فقال: اذهب فلا غفرت لك
فرحم الله البكائين من خشية الله، رحم الله المتقين لله خوفاً من الله
رحم الله تلك الأنوار التي كانت تشع منها الصدق واليقين والخشية والخوف
من الله .. والله أيها الأحباب، لن تغني عنا الدنيا بملذاتها ولا شهواتها إذا نحن
لا نخاف من الله ، مثلما خافوه ، والله لن تنفعنا أموالنا ولا أولادنا ولا قصورنا
ولا دورنا إذا لم نعظمه سبحانه وتعالى أشد التعظيم ،ونخشاه أشد الخشية مثل
أولئك القوم الذين كانت حياتهم نوراً وتقوىً من الله
بكيت على هول الصراط وذكره ...وهول زفير النار من أعظم الذكر
وكيف يطيق الصبر من كان عاصيا... لخالق كل الخلق في السر والجهر
ومن يك ذا خوف شديد لهوله... فإن له أمنا من الهول في الحشر
فليس لمن يبكي لهول صراطه جزاء سوى دار النعيم مع الفخر
فيا له من هول فظيع يجوزه... رجال أطاعوا الله في سالف العمر
وبعد هذه الثمرات والأنوار من المتقين أيها الأحبة في الدنيا قبل الممات، نذكر
لكم تلك الأنوار في اللحظات الحاسمة ،تلك اللحظات الحرجة التي هي حسن
الختام للمتقين ،تلك السكرات التي قال عنها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
(إن للموت سكرات ) الله هون علينا سكرات الموت
ثم انظر لحال المتقين في اللحظات الأخيرة وهم يرجعون للدنيا.. انظر لحالهم مع
هذه القصة المؤثرة لرجل كان من المتقين ،انظر لحاله عند الموت، هذه القصة
والله حقيقية.يرويها ولد ابنه فيقول : كان جدي حافظاً لكتاب الله ويعلم الناس
بدون أجر، فكبر سنه ورق عظمه ،وبلغ من الكبر عتياً ،حتى أنه فقد الذاكرة
فنسي جميع من يعرفهم ،حتى أسماء أبنائه ..واستمرت هذه الحالة عشرين سنة
ولكن العجيب ..أنه إذا قرأ القرآن وكنت بجواره أسمعه لا يخطئ في حرف واحد
أبداً، وفي يوم من الأيام ،وفي وقت السحر ،وقت نزول الرحمن الذي يليق
بجلاله، وإذا بجدي ينادي باسم أبي :يا عبد الله ..يا عبد الله ..وقد نسيه منذ
عشرين سنة ،فرح أبي وانطلق إلى غرفة أبيه فرحاً بأنهم استعاد الذاكرة فقال
ماذا تريد يا أبي فقال: فكان جدي رحمه الله ينظر إلى ناحية من الغرفة فقال:
يا بني ..هل ترى هذين الرجلين الجميلين، الذي يرتدي كل واحد منهما عمامة
بيضاء .؟ التفت أبي فما رأى شيئاً..فقال يا أبي.. إني لا أرى شيئاً فقال جدي
يرحمه الله : صدق الله حين قال (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد)
وكأن الله يشير إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البراء ابن
عازب (أن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر) الحديث
ثم يقول :فرفع جدي سبابته ثم قال :أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً
رسول الله ..ثم فاضت روحه إلى الله نسأل الله أن يبعثه يوم القيامة قارئاً للقرآن
انظر يا أخي في الله إلى هذه الخاتمة الحسنة أن يموت الإنسان قارئاً لكتاب الله
ويحشر على هذه الحال،أو أن يموت والعياذ بالله مغنياً أو مطبلاً ،نسأل الله
السلامة والعافية
ثم انظروا أيها الأحباب وتأملوا حال المتقين في البرزخ، كيف أن الله سبحانه
وتعالى يفتح للمتقي باقة من الجنة ،يأتيه من روحها ونسيمها وطيبها،ويقال
له نم نومة العروس حتى تقوم الساعة ، ثم انظر لحال المتقين يوم القيامة
حيث أن الله سبحانه وتعالى حكى ذلك في القرآن وقال في عرصات يوم القيامة
واسمعوا لهذه الآيات فوالله إن فيها أنوار للمتقين يوم القيامة ،يقول:
(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
هذا هو الفوز أيها الأحبة،و والله هذا هو الفوز العظيم للمتقين كيف كانت حياتهم
كيف كانت أقوالهم ،كيف كانت أوقاتهم ،إنها تقوى من الله وخوف وخشية منه
سبحانه وتعالى..أعلمتم أيها الأحبة علم اليقين بعد هذه الثمرات والأنوار للمتقين
كيف أن الله أعطاهم الجزاء الأحسن والأفضل لهم ،وهل جزاء الإحسان إلا
الإحسان، إذا علمنا ذلك فلماذا لا نسارع إلى الجنة ؟لماذا لا نشتاق إلى الجنة
لماذا لا نعمل بنور التقوى والإيمان حتى نصل إلى الجنة التي هي ميراث المتقين
قال تعالى : (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً ) (مريم \63)
فيا من يريد العاقبة الحميدة ،ويريد قبول الأعمال الصالحة له ،ما عليك إلا أن
تلحق بركاب المتقين ،فالجنة لا يدخلها إلا المتقين قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص\83)
وشتان أيها الأحبة بين نور المتقين وظلمات المعاصي والظالمين
شتان بين النور والظلمات....نزلت بذلك محكم الآيات
يا غافلاً والموت يطلبه أما....فكرت فيما تمضي الساعات
أقبل على الرحمن واطلب عفوه....فعسى المهيمن يغفر الزلات
أقصاك ليل الجهل والران الذي....أغشى فؤادك حالك الظلمات
ماذا جنيت به سوى الألم الذي ....أسقاك طعم مرارة المأساة
فالذنب أعظم ما يخاف ويتقى ....وعليه تسكب أصدق العبرات
وأطار نوم الصالحين فليلهم ....قد طاب بين تبتل وصلاة
سئمت عيونهم لذاذات الكرى....وترفعت ورعاً عن القلوات
فأنار قيوم السماء وجوههم....وأثابهم بإجابة الدعوات
تشكي قلوب ذوي المعاصي وحشة....وتعيش بين تولع وشتات
البر يحييها ويقتلها الخنى....هل يستوي الأحياء بالأموات
فالبر نور والمعاصي ظلمة....شتان بين النور والظلمات
أيها الأحباب،وبعد ذكر تلك النور والثمرات المتحققة للمتقين في الدنيا
وفي سكرات الموت، وفي القبر ،وفي عرصات يوم القيامة إلى أن يصلوا
إلى الجنة،نسأل الله أن نكون منهم ..تعالوا معنا أيها الأحباب،نبين لكم عكس
النور ..الظلمة ، بل ظلمات بعضها فوق بعض ، كما قال الله تعالى : (ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إذَا أخْرَجَ يَدَهُ لمْ يَكَدْ يَرَاهَا ومَّن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) (النور\40)
إنها والله أيها الأحبة ظلمات الإشراك بالله، والتعلق بغير الله ،إنهم يتعلقون
ويلتجئون لقبور لا تضر ولا تنفع والعياذ بالله، إنها ظلمات الجهل والمعاصي
والذنوب والموبقات، إنها ظلمات العصيان لله وترك الانقياد له سبحانه ، إنها
ظلمات التعدي والجور والظلم للنفس التي تؤدي بصاحبها إلى النار والخلود
فيها والعذاب المهين ، إنها ظلمات الفسوق والعصيان والكفر والطغيان وعصيان
المنان، إنها ظلمات الخطايا والسيئات ، والإثم والفساد والعتو والإصرار ،إنها
ظلمات الفتنة بالدنيا والمال والأولاد والزوجة والعياذ بالله..إنها ظلمات ضعف
الإيمان واليقين بالله، وعدم مراقبة الله عز وجل ،وعدم إجلاله ومحبته وتعظيمه
سبحانه وتعالى، إنها ظلمات الشبهات التي توقع صاحبها في القتل والإجرام
وهتك الأعراض، وقتل الأنفس المعصومة البريئة بدون وجه حق ، إنها ظلمات
الشهوات في النفوس ،من معاص وبدع ومحرماتٍ حتى توقع صاحبها في الشرك
والعياذ بالله ..إنها ظلمات سببها الشيطان الذي هو شيطان الإنس والجن كما قال
تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)
فلنحذر من طرقه ومكره وكيده وضلاله ،نعوذ بالله من شره ونفخه ونفثه
أتعلمون أيها الأحبة سبب تلك الظلمات؟ إنها والله النفس الأمارة بالسوء
إنها عدو الإنسان ،فكم أدخلت تلك النفس للإنسان الشهوات ،وزينت له
الشبهات ،حتى أوقعته في بحار الظلمات ،كم زينت له النظر المحرم والكلام
المحرم والسماع المحرم ،فأفسدت له قلبه وعقله ولسانه وسمعه ويده فيصبح
العبد بعد ذلك غافلاً ساهياُ عن علام الغيوب ،ويصير والعياذ بالله كاللعبة في يد
الشيطان ،يحركه كيف شاء، يدخله من ظلمة إلى ظلمة ، فيعيش في أوحال
الظلمات، إنها والله ظلمات..إنها والله ظلمات ، بل ندامات وحسرات عند
السفرات..إنها ظلمات في الدنيا ، وظلمات عند الموت، وظلمات في القبر،
وظلمات في عرصات يوم القيامة ،وظلمات على جسر جهنم ،حتى يصل صاحب
تلك الظلمات إلى النار والعياذ بالله، نهارك يا مغرور سهو وغفلة ،وليلك نوم
والردى لك لازم ،وفعلك فعل الجاهلين بربهم ،وعمرك في النقصان بل أنت ظالم
فلا أنت في الأيقاظ يقظان حازم ،ولا أنت في النوام ناج فسالم ،تسر بما يفنى
وتفرح بالمنى، كما سر باللذات في النوم حالم، فلا تحمد الدنيا ولكن فذمها ولا
تكثر العصيان إنك ظالم..أيها الإخوة والأخوات ،إن للمعاصي والموبقات ظلمات
في الدنيا، وآثارها عديدة على الفرد والمجتمع والأمة بأسرها، فالمعاصي لها
ظلمات على القلب والبدن والدين والنفس ،وكذلك ظلماتها على الأمم والشعوب
وظلماتها كذلك على العمر والرزق والعلم والعمل ..أسمعتم ؟ أسمعتم ظلمات
المعاصي والموبقات ،فمن ظلمات المعاصي على القلوب أنها تسبب ضرراً على
قلوب العاصين كالسموم والمخدرات على الأبدان ،فيحرم صاحب ذاك القلب
نور العلم وتعمى بصيرته، وهدايته إلى الله ،فيصبح القلب قلباً مرباداً كالكوز
المجخية ،لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، فقلبه والعياذ
بالله بيت لا روح فيه ....جلس الشافعي يوماً بين يدي مالك يقرأ عليه فقال له
الإمام مالك ،واسمعوا لهذا الكلام النفيس أيها الأحباب من إمام دار الهجرة
قال للشافعي: إني قد أرى قد ألقى الله على قلبك نورا،فلا تطفئه بظلمة المعصية
فنظر الشافعي يوماً إلى كعب امرأة فأثر ذلك في حفظه فقال:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي ....فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي
وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلْمَ نُورٌ.... ونورُ الله لا يهدى لعاصي
نعم، والله نور الله لا يهدى لعاصي أيها الأحباب
ومن ظلمات المعاصي على القلوب ،أنها توهن القلب وتضعفه ،فيصبح
القلب غير معظم لله ،غير خائف من الله ،يستخفي هذا العبد من الناس
ولا يستخفي من الله كما قال تعالى : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) (النساء\108)
قال ابن عباس : إن للسيئة سواد في الوجه ،وظلمة في القلب،ووهناً في البدن
ونقصاً في الرزق ،وبغضة في قلوب الخلق . ومن ظلمات المعاصي على القلوب
أنها تحجبه عن الله ،فيألف المعصية ،وتصبح المعصية جزءً من حياته لا
يستطيع تركها ،فينسلخ قلبه ويكون أسيراً لشهوته والعياذ بالله ،فيطبع الله
على صاحب ذاك القلب كما قال تعالى : (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) العقوبة (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين\14-15)
ومن ظلمات المعاصي على قلوب العاصين ،أن الذنوب عنده سهلة وميسورة
وهينة على قلبه وعلى عينه ولسانه، على عكس ذاك المؤمن المتقي كما قال
ابن مسعود رضي الله عنه : إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل ،خاف
أن يقع عليه ،وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على ذنبه وقال به هكذا .
ومن ظلماته على القلوب ،أنها تورث الذل في أصحابها ،فيذل ذاك الظالم لنفسه
نفسه ،ويحقر نفسه ،ويبيع عرضه،بل يبيع والعياذ بالله شرفه ونفسه ودينه من
أجل شهوته، لذلك كان من دعاء السلف واحفظوا أيها الأحباب هذا الدعاء
احفظوه جيداً، وكرروه في أدعيتكم ،كان من دعاء السلف (اللهم أعزني بطاعتك
ولا تذلني بمعصيتك ) فأبى الله أيها الأحباب والله إلا أن يذل من عصاه ،وإلا أن
يجعل ذل المعصية لا يفارق والعياذ بالله قلوب العاصين
رأيت الذنوب تميت القلوب...وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب...وخير لنفسك عصيانها
ومن ظلمات المعاصي أيها الأحبة على القلوب، أنها تطفئ غيرة القلب،فلا يغار
صاحب ذاك القلب على نفسه من المعاصي ولا على أهله ولا على الناس،فيشاهد
هو وأهله الفحش والفجور عبر الفضائيات ،يشاهد العار والشنار ،يشاهد الخنى
والعهر ،فلا يحرك ساكناً، بل ربما والعياذ بالله أثار غيره إلى مشاهدة ذلك فنسأل
الله السلامة والعافية.
أيها الأحباب..أرأيتم الظلمات؟ أرأيتم ذهاب الحياء من قلوب العاصين؟
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن قال : ( إن مما أدرك الناس من
كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت..)
فكم صنع الناس أيها الأحبة اليوم من أمور وموبقات ومهلكات، لا حياء فيها
كم رأى بعض الناس من المحرمات فأفسدت قلوبهم بل ربما نكست قلوبهم حتى
يرى الباطل حقاً والحق باطلاً، بل ربما اشترى الضلالة بالهدى وهو يرى أنه
على الهدى وقد قال تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف\103-104)
أيها الإخوة والأخوات ،كم أوقع العاصين أنفسهم في الظلمات ،حتى ضاقت
صدورهم ، وكثرت همومهم وأحزانهم في عدم حصول المعصية لهم
كم أوقع العاصين أنفسهم في الظلمات فلم يقبلوا الحق من العلماء وطلاب العلم
الأتقياء ،فعاشوا والعياذ بالله في الظلماء ،وقد قال تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)(الأنعام\125)
كم جلبت المعاصي أيها الإخوة والأخوات بأصحابها الذم بعد المدح
فصار يسمى العاق لوالديه، ويسمى الفاجر،ويسمى العاصي ،ويسمى
القاطع لرحمه ،ويسمى الكاذب والزاني والخائن والظالم ، كم جلبت المعاصي
لأصحابها المعيشة الضنك في الدنيا وفي البرزخ، والعذاب الأليم في الآخرة
وقد قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) (طه\124-126)
كم جلبت المعاصي لأصحابها الصحبة الفاسدة السيئة ، التي تجره إلى الرذيلة
فيجتمع عنده قرين السوء والشيطان معاً ،وقد قال تعالى عن أولئك
(وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ )(الزخرف\36)
الذي يعيش عن ذكر الرحمن ،الله يقيض له شيطان فهو له قرين يؤزه إلى
المعاصي أزاً ،كم جلبت المعاصي أيها الأحبة من تعسير الأمور، فيجد العاصي
الأبواب أمامه مقفلة ،ممحوق البركة في ماله ورزقه وولده وأهله ،وعظم تلك
الظلمات ضياع تعبه سدى وهباء منثوراً ، من صلاة وصيام وعبادة لأنه والعياذ
بالله يضيعها بمعاصيه وذنوبه ،فهو المفلس يوم القيامة كما أخبر بذلك رسولنا
صلى الله عليه وسلم .
ومن ظلمات المعاصي،ظلماتها على الرزق، فالمعاصي تحرم الرزق ،وتزيل النعم
وتحل النقم ،فما نزل بلاء إلى بذنب ،ولا رفع إلا بتوبة ،قال تعالى: (ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) (الأنفال\153)
وكذلك المعاصي تمحق البركة في العمر والعلم والعمل ،فيعمر العاصي مئة سنة
أو أقل أو أكثر ،ولكنها ظلمات في ظلمات والعياذ بالله .
ومن ظلمات المعاصي ،ظلماتها على الأمم والشعوب التي كانت قبلنا ،فهي والله
سبب هلاكهم ودمارهم ،فبالله عليكم قولوا لي...ما الذي أخرج آدم وأمنا من
الجنة ؟دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب
أليست الذنوب والمعاصي؟ وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده
ولعنه؟؟ أليس عناده واستكباره على الله؟ وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى
على الماء فوق رؤوس الجبال ؟أليست الذنوب والمعاصي يا عباد الله ؟
وما الذي سلط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم
أعجاز نخل خاوية ،ودمرت ما مروا عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم
ودوابهم ،حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة ؟أليست الذنوب والمعاصي يا
عباد الله ؟ وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في
أجوافهم وماتوا عن آخرهم ؟أليست الذنوب والمعاصي؟
وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم ،ثم قلبها عليهم
الله ،فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعاً؟؟ أليست الذنوب والمعاصي يا عباد
الله؟؟ وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ،فما صار فوق
رؤوسهم ،أمطر عليهم ناراً تلظى ؟أليست الذنوب والمعاصي ؟؟
وما الذي أغرق فرعون وقومهم في البحر ،ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم،فالأجساد
للغرق ،والأرواح للحرق ..أليست الذنوب والمعاصي؟ وما الذي خسف بقارون
وداره وماله وأهله ،وما الذي أهلك قارون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها
تدميراً..أليست الذنوب والمعاصي يا عباد الله ؟
لا شك بأن ما أصاب هؤلاء جميعاً وأهلكهم هي ذنوبهم ،وإن لم نرجع إلى الله
فسيهلكنا الله مثلما أهلكهم .
أيها الأحباب .. ومن ظلمات المعاصي ،نزول العقوبات المهلكة ،والأمراض
الفتاكة ،والأمراض المستعصية مثل الطاعون والإيدز ،وكذلك منع القطر من
السماء ،وإن نزل فهو بدون بركة ،ولولا البهائم أيها الأحباب لم نمطر .
وكذلك من الظلمات ومن العقوبات ،تسليط الأعداء علينا بسبب ذنوبنا ومعاصينا
فعن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال : أقبل علينا رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: ( يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن يا - وأعوذ بالله أن تدركوهن - : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)
لنتأمل أيها الأحباب قليلاً، فيما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام
يوم أحد،لما حصل منهم ذنب واحد ،فكان ذلك سبب هزيمة المسلمين ،وليست
هزيمة،بل هو نصر لهم بعد أن كانوا منتصرين ...فكم من المعاصي أيها الأحباب
التي تكون عندنا اليوم عند المسلمين،التي سببت لنا الهزائم ولأمة الإسلام،سببت
لها هزائم كثيرة،فهي ضعيفة الشأن غير مرهوبة الجانب ،فنسأل الله بمنه وكرمه
أن يعز دينه وأن يعلي كلمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه ..أيها الإخوة والأخوات
هذه هي ظلمات المعاصي والموبقات على أصحابها في الدنيا ،أما ظلماتها عند
السكرات واللحظات الحاسمة، فندامات وحسرات وآهات ،وقد قال تعالى : (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ **لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ) قال الله له ( كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا) (المؤمنون \99-100)
عند اللحظات الحاسمة ،عند السكرات تسود وجوه فلا توفق لقول لا إله إلا الله
لأنه لا يعرفها ،عند اللحظات يقال لتلك النفس ، يا أيتها النفس الخبيثة أخرجي
إلى سخط من الله وغضبه، فتتفرق في جسده فتنتزع من جسده كما ينتزع
السفود من الصوف المبلول ،عند اللحظات، تنطق الألسن والأعين والقلوب بما
كانت عليه في الدنيا من ظلمات المعاصي، فمنهم من قال كلمة الكفر، ومنهم من
نطق بأغنية المجون والحب والهيام، ومنهم من أراد الزنى واللواط وهو في
سكرات الموت والعياذ بالله ،فمن شب على شيء شاب عليه..نسأل الله السلامة
والعافية ... هذه هي ظلمات المعاصي عند السكرات ،فما هي ظلماته في القبر
فعندما يوضع ذاك العاصي في قبره ،يسأل ثلاثة أشياء .. من ربك؟ما دينك؟؟من
نبيك؟؟ فماذا يكون الجواب؟؟..لا يجاوب ولا يستطيع، مع أنه يعرفها في الدنيا ،
يقول هااه هااه ..لا أدري !! فيكون العقاب ،فيضرب بمطرقة من حديد يغوص
في الأرض والعياذ بالله سبعون ذراعا ..نسأل الله السلامة والعافية..
أما ظلمات المعاصي في عرصات يوم القيامة ،وعند جسر جنهم فاسمع ماذا
يقول الله عنهم ، يقول الله تعالى : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (الحديد\13-15)
فمثل أخي الحبيب،ومثلي أختي المسلمة نفسك مكان هؤلاء ،ماذا يكون حالكم
يوم القيامة ..نسأل الله بمنه وكرمه أن ينجينا يوم القيامة
مثل لقلبك أيها المغرور ... يوم القيامة والسماء تمور
قد كورت شمس النهار وأدريت ... حر أعلى روس العباد تفور
وإذا الجبال تقلعت بأصولها ... فرأيتها مثل السحاب تسير
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت ... تبدلت بعد الضياء كدور
وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت ... وتقول للأملاك أين نسير
فيقال سيروا تشهدون فضائحا … وعجائبا قد أحضرت وأمور
وإذا الجنين بأمه متعلق … خوف الحساب وقلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف لهوله ... كيف المقيم على الذنوب دهور
هذا بلا ذنب أيها الأحباب يخاف هول يوم القيامة ، كيف والعياذ بالله من يقيم
سنين عديدة وهو على ذنب وهو لا يشعر، نسأل الله العافية ..
أيها الأحبة ،وبعد بيان النور من الظلمات ،ألم يئن للقلوب القاسية أن تلين إلى
ربها ؟ألم يحن الوقت لمن عصى الله ليل نهار أن يتوب إلى الله ،وبعد بيان ذاك
النور من تلك الظلمات ،أما آن لتارك الصلاة أن يصلي؟ ولعاق الوالدين أن
يبرهما ولو بعد موتهما؟ أما آن لمن عاش في ظلمات المعاصي أن يرجع إلى
ربه بصدق ويقين ..لعل الله أن يبدل سيئاته وظلماته حسنات
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)
ألا زال قلبك أخي قاسياً لا يخشع ولا يلين؟ ألا زالت عينك لا تدمع ؟
أيها الإخوة والأخوات ، نداء أبثه من الأعماق لمن حاد عن طريق النور والحياة
السعيدة ،أن يتذوق حلاوة الإيمان ..تذوق أخي حلاوة الإيمان ولو مرة واحدة
فوالله لن تتركها أبداً، عليك أخي بالتوبة النصوح،والرجوع إلى الله والمسارعة
إليه سبحانه، فقد قال (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)
فتقوى الله هي النور والهادي لك إلى أن تصل إلى جنة عرضها السماوات
والأرض، ثم أوصيك أخي بالدعاء الخالص من القلب أن يتقبل الله توبتك وأن
يثبتك على الهداية والاستقامة، وعلى نور الحق والصدق ..اسأل أخي ربك
الهداية والسداد، اسأله المغفرة لجميع ذنوبك ،اسأله تعالى الجنة فهو كريم
لا يعذب خلقه بالنار
قف إلى ربك، قف إليه منقطعاً إليه، وارفع يديك متضرعاً إليه، وقل لربك
مهما كانت ذنوبك وظلماتك
قل له
بذكرك يا مولى الورى نتنعم ....وقد خاب قوم عن سبيلك قد عموا
شهدنا يقيناً أن علمك واسع,,,,فأنت ترى ما في القلوب وتعلم
إلهى تحملنا ذنوباً عظيمة ....أسأنا وقصرنا وجودك أعظم
سترنا معاصينا عن الخلق غفلة.....وأنت ترانا ثم تعفو وترحم
إلهي فجد واصفح وأصلح قلوبنا....فأنت الذي تولي الجميل وتكرم
وأنت الذي قربت قوماً فوافقوا....ووفقتهم حتى أنابوا وسلموا
نظرت إليهم نظرة بتعطف...فعافوا بها والناس سكرى ونوم
لك الحمد عاملنا بما أنت أهله....وسامح وسلمنا فأنت المسلم
سبحانك رب العزة عما يصفون..وسلام على المرسلين..والحمد لله رب العالمين

سعداء في رمضان
علي باقيس
سعداء في رمضان (1)
أيها الأحبة أريد منكم اليوم أن تعيشوا معي قصص من أخبارهم ونماذج من حياتهم إني لن أحدثكم أيها الأحبة حديثا عن أولئك السلف من الصحابة والتابعين ولا من الأئمة المهديين لكني سأحدثكم حديثاً عن سعداء سعدوا في هذا الشهر الكريم عاشوا بيننا مجتمعهم مجتمعنا طقوس حياتهم طقوس حياتنا لا تختلف بيئتهم وظروفهم عن ظروفنا لكنهم عرفوا كيف يستغلوا رمضان فنالوا السعادة في رمضان إنهم أولئك السعداء أول أولئك السعداء الذين أبث اليوم بين يديكم خبرهم إمرأة يا عباد الله إمرأة كان لها في رمضان آية كان لها في رمضان شأن وخبر عندما تقدم مجموعة من الإخوة إلى إمام المسجد بعد مضي ليال معدودات من شهر رمضان المنصرم لينثروا بين يدي إمامهم قصة أمهم قالوا يا شيخ توفيت أمنا العام الماضي وفي هذا العام وبعد ليال من رمضان أخبرتهم إدارة المقبرة أنه في هذا اليوم سيفتح قبر أمهم لأن أمهم دفنت في شق من الأرض ولم تدفن في لحد دفنت في تلك الحفر التي تبنى في الأرض يقبر فيها الميت وبعد عام تفتح وتجمع رفاته ويدفن في المقبرة ويهيئ المكان لميت آخر ليدخل إلى تلك الدار أحبوا أن يذهبوا وأن ينظروا كيف يفتح قبر أمهم عل أعينهم أن تقع على شيء من رفاتها أو بقايا أثرها ذهبوا وفتح القبر ونظروا إلى هذه الغرفة إلى ذلك الكفن الممدد على الأرض واقتربوا من الكفن يريدون أن يجمعوا ما تبقى فيه من رفات لكن الكفن كان منتفخ ماذا بداخل هذا القماش فتحوا الغطاء وإذا بهم يبصرون أمهم على الهيئة التي ماتت عليها لم تأكل الأرض من لحمها شيء العينان هما العينان الأنف والأذنان اللحم كما هو عام لها في هذا المكان خرجوا وقد أعلنت المقبرة أن هذا القبر لن يتبدل لغير هذه المرأة إن هذه المرأة أيها الأحبة كانت من عائلة موسرة مادية لما ماتت قبل عام وجد أبناؤها على أمهم ديون كثيرة عجبوا من هذه الديون إن وضعهم المادي جيد ساءلوا وبحثوا وإذا بهم يجدون أن هذه المرأة يا عباد الله كان بينها وبين الله خبيئة من عمل السر لا يعلمه به إلا الله كانت هذه المرأة عباد الله تقوم على كفالة العديد من العوائل من الأيتام والمساكين والأرامل في مدينتها التي تعيش فيها وفي مدينة أخرى أيضا ولربما ضاق بها الأمر فاضطرت لأن تستدين ثم ترجع ذلك الدين لتنفق على أولئك المساكين سعيدة من السعداء إنهم السعداء الذين بذلوا أموالهم في رمضان وغير رمضان لله رب العالمين أنفقوا مما آتاهم الله فطروا صائما أطعموا مسكينا كفلوا يتيما ساعدوا في نشر الخير إنهم يعلمون أن رسولهم صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان عندما يأتيه جبريل يدارسه القرآن فلهو أجود بالخير من الريح المرسلة إنهم يسمعون حديث النبي صلى الله عليه وسلم إن في الجنة غرفا يرى ما في باطنها من ظاهرها وما في ظاهرها من باطنها أعدت للذين يطعمون الطعام ويفشون السلام ويبيتون قياما بالليل والناس نيام إنهم يعلمون أن المرء يوم القيامة أن المرء يوم القيامة تحت ضل صدقته وأن من الذين يضلهم الله تحت ضل عرشه يوم لا ضل إلا ضله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله فنيئا لأولئك السعداء الذين اشتروا الجنة بأموالهم في رمضان يوم أن أعلنوا القرض قرض مع من مع الكريم الواحد الأحد رب العالمين
سعداء في رمضان (2)
وسعيد آخر سعيد آخر يا عباد الله من سعداء هذا الشهر رجل طاعن في السن قد احدودب ظهره وشاب شعر رأسه ولحيته وبلغ من الكبر عتيا كان من أهل المسجد لا بل كان من أهل الصف الأول مكانه في الصف الأول معلوم كان له مصحف يقرأ فيه في ذلك المسجد معروف مصحفه ومكانه معلوم كان هذا الرجل إذا دخل رمضان يذهب إلى مسجد حيه ويجلس في مكانه في الصف الأول ثم ينشر المصحف بين يديه يرتل القرآن من بعد صلاة الظهر وحتى يؤذن المؤذن لصلاة المغرب ما يفتأ عن قراءة القرآن كم من ختمت ختمها في ذلك المسجد كم من آيات رتلها بشفتيه ولسانه عاش مع القرآن في شهر رمضان لأنه يعلم أن شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن وهو يعلم أن الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة حتى يدخلاه الجنة يقول الصيام أي ربي منعته شهوته بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن أي ربي منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان فيه ويدخل الجنة فأسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن هم يعلمون أن رسولهم صلى الله عليه وسلم كان يختم القرآن مع جبريل إنهم يعلمون أن قارئ القرآن يقال له يوم القيمة يقال له يوم القيامة اقرأ وارتقي ورتل كما كنت ترتل فإن منزلتك في الجنة عند آخر آية كنت ترتلها جلس هذا الرجل يقرأ القرآن الأيام من شهر رمضان وبالليل له قيام وقرآن وفي رمضان المنصرم وبعد مرور عشرين يوما من أيام رمضان في يوم العشرين من رمضان ذهب ذلك الرجل إلى مسجده لصلاة الظهر نعم ولما صلى الظهر مع المصلين ناجى مؤذن المسجد وأخبره أنه سيذهب اليوم بعد صلاة العصر إلى مكة المكرمة ليقضي باقي ليلي العشر هناك بجوار البيت العتيق يوم أن يشد المعتكفون رحالهم ليقصدوا البيت الحرام يعتكفون فيه فهم ما بين صائم وقائم وطائف وتال للقرآن ومستغفر بالأسحار دموعهم سحا وقلوبهم وجلة انقطعوا من الدنيا لله عزم ذلك الشيخ على أن يلتحق بذلك الوفد أخبر مؤذن المسجد بذلك الخبر وأن ابنه سيقابله في الحرم وجلس يرتل القرآن لصلاة العصر وما إن أذن المؤذن لصلاة العصر إلا وخرج ذلك الشيخ يعزم على تجديد وضوئه ليجدد الوضوء لصلاة جديدة وآيات من القرآن جديدة لكنه أبطء عن المصلين أقيمت الصلاة صلى الإمام انتهت الصلاة الرجل لم يعد لمكانه خرج المؤذن وخرج حارس المسجد ليلقوا ذلك الرجل قد مات وهو يستعد للوضوء للصلاة لكن ما ضره أن يموت في رمضان وكم من آيات رتلها من القرآن ما ضره أن يلقى الله وهو من أهل الصف الأول من الذين شغلوا ليلهم ونهارهم بالقرآن في شهر الصيام إنه سعيد من السعداء
سعداء في رمضان (3)
وسعيد آخر من سعداء الشهر الكريم عباد الله سعيد آخر من السعداء رجل بلغ الستين من عمره أحيل على التقاعد عاد إلى بيته ولزم المسجد والبيت وانشغل بطاعة ربه قدم عليه رمضان وإذا به ينطلق في أحدى ليالي رمضان إلى منزله ويتحدث مع زوجته ويخبرها أنه اليوم يريد أن يأخذ عمرة في رمضان لقد سبق له أن أخذ عمرة في الشهر لكن قلبه تعلق بالبيت الحرام إنه يعلم أن عمرة في رمضان تعدل حجة مع محمد صلى الله عليه وسلم فهو يريد أن يكثر من الطاعات لبت المرة الأمر أحرمت وأحرم ذلك الرجل وركبوا سيارتهما وانطلقوا إلى مكة المرأة محرمة والرجل محرم يلبي ربه لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وساروا بسيارتهم ودخلوا لحدود الحرم وما إن دخلوا حدود مكة إلا وبتلك السيارة الشاحنة التي تأتي مسرعة وتصطدم بهم لتنقلب سيارتهم وتنقل المرأة المصابة بجراحها إلى المستشفى أما ذلك الرجل فقد سقط مبرج بدمائه حمل إلى المستشفى في غيبوبة ليلقى الله عز وجل بعد ذلك لا إله إلا الله مات وهو يؤم البيت الحرام مات وهو محرم متلبس بالإحرام لبيك الهم لبيك هنيئاً له يوم أن يبعث بين الجموع ملبيا هنيئاً له يوم أن يبعث محرم لا تغطوا رأسه ولا تطيبوه وكفنوه في ثوبيه هكذا قالها صلى الله عليه وسلم لمن وقصته دابته في الحج إنه سعيد من السعداء فأين الذين قصروا عن العمرة في رمضان وتشاغلوا بالأهل والأموال وضيق الوقت وما بينهم وبين الحرم إلا الساعات القلائل والأوقات اليسيرة مساكين ما ذاقوا لذة السعادة والطاعة في رمضان لكن أولئك هم السعداء
سعداء في رمضان (4)
سعيد آخر يا عباد الله من سعداء هذا الشهر وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من السعداء رجل تعلق قلبه في رمضان بقيام الليل مع المصلين يا سبحان الله من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة يا له من أمر يسير تقوم ليلة مع الإمام فإذا انقضى القيام كتب الله أجر ليلة كاملة فإن قمت الشهر كله فبإذن الله إنك من قوام شهر رمضان ومن قام رمضان إيمان واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه تعلق قلب ذلك الرجل بالقيام فإذا به مع المصلين لا كما يفعل بعض الكسالى يصلي تسليمة أو تسليمتين أو يتخاذل عن صلاة التراويح لدنيا زائلة أما هذا الرجل فقد تقدم إلى مسجد حيه صلى مع المصلين صلاة العشاء ثم صلى سنة العشاء بدأت صلاة التراويح كبر الإمام وكبر المأمومون قرأ الفاتحة وأمن المأمومون بدأ الإمام يرتل القرآن في أرجاء المسجد وفجأة وإذ بالمصلين يسمعون صوت ارتطام بالأرض ولما انفتلوا من الصلاة نظروا لذلك الرجل وقد خر ميتا وهو يقوم بين يدي مولاه هنيئا له هنيئا له يا عباد الله هنيئا له يوم أن يبعث قائما إنه قيام رمضان يوم أن يقف العباد بين يدي مولاهم يبثون شكواهم يعترفون بذنوبهم يفطرون أقدامهم يدرون دموعهم يطهرون قلوبهم يعلنون الذل والعبودية ينصرفون من الدنيا إلى عالم آخر ولقاء مع الله إنها لذة لا يعلمها إلا الذين وجدوها وسعادة ما ذاق طعمها إلا الذين كابدوها لذة القيام بين رب العالمين عبادة القيام التي تخاذل عنها كثير من الناس هذا رجل آخر تعلق قلبه بالقيام صدقوني لقد كان من كبار الأثرياء يملك الملايين لكنه تعلق قلبه بالقيام كان يصلي مع الإمام فإذا انتهوا من صلاة التراويح لا يكتفي بذلك بل يذهب إلى بيته وإذا دنى وقت السحر توضأ وضوئه للصلاة وفرش سجادته بين يديه وكبر مصليا لله وفي تلك الليلة صلى مع المصلين ولما انتهى الإمام من صلاته في العشر الأواخر من رمضان وما بقي على وقت الفجر إلا الشيء اليسير ذهب ذلك الرجل إلى بيته وتسحر ثم قام ينقض وتره ليدخل في صلاة جديدة كبر ودخل في مناجاة ربه صلى قام وركع رفع وسجد جلس للتشهد وفجأة وإذ به يخر على وجهه ميتا هنيئا له هنيئا له موت في لحظات السحر عند النزول الإلهي هنيئا له موت في صلاة ومن مات على شيء بعث عليه صدقوني عباد الله إنهم هم السعداء إنهم هم المتلذذون إنهم الذين يجدون الراحة لما قدموه من عبادة وطاعة
سعداء في رمضان (5)
وقبل أيام قلائل امرأة ممن نرجو أن تكون قد نالت شرف السعادة في رمضان امرأة لا تملك من الشهادات ما يملكه بعض الفتيات ولا تملك من الأموال ما يملكه بعض الأثرياء لكنها امرأة تعلق قلبها بربها كانت هذه المرأة قبل أيام في بيتها تعد وجبة الإفطار لأبنائها ولزوجها لكنها لم تنسى أيضاً أن تقدم شيئاً من الإفطار لتفطر الصائمين فيكتب لها أجر صيام يوم من فطر صائما كان له مثل أجره أرسلت طعامها إلى المسجد وبعد الإفطار مباشرة انطلقت إلى مسجد منطقتهم ودخلت مصلى النساء وبدأ الإمام بالصلاة فقامت تلك المرأة على كبر من سنها تسوي صفوف النساء تأمر بالمعروف تسوي الصفوف تسد الفرج صلت مع المصلين ثم نزلت من المسجد فرحة بيوم صامته لله وقيام ليلة تسأل الله بها القبول وتفطير للصائمين سارت إلى بيتها سارت وقد كانت تقبض في يدها بشريط ديني وزع عليهم بالمسجد سارت بذلك الشريط وهي تسير إلى مسجدها عائدة بخطاها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول من راح إلى مسجد الجماعة كانت له خطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب حسنة ذهابا وإيابا عادة بخطاها وفجأة وإذ بتلك الشاحنة التي لا تنتبه لتلك المرأة فتصطدم بها لتسقط تلك المرأة ميتة بدمائها لكن ما ضرها أن تموت وهي خارجة قبل قليل من عبادة إنهم سعداء وإن فارقوا هذه الدنيا يا عباد الله سعداء برمضان استشعروا معنى رمضان استشعروا التقرب إلى الله عاشوا لحظات الإيمان وسعيد آخر سعيد آخر يا عباد الله من سعداء هذا الشهر سعيد آخر وافى رمضان وكم عنده من الآلام والأحزان وافى رمضان ومصائب قد ابتلي بها ذاك مسحور وآخر معيون وثالث مريض ورابع مديون وعقيم يرجو الولد وشاب يتمنى الزواج وذو كلم ومصيبة يرجو تفريج همومه وافى شهر رمضان فعلم أن للصائم دعوة مستجابة في رمضان فتوضأ فأحسن الوضوء وبسط كفه بين يدي مولاه وأطرق رأسه وبث شكواه والتجئ بالله وأغلق أبواب البشر وقرع باب الجبار أرسل الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تغلق أرسل الشكاياة واشتكاه وبكاه والتجئ وتمنى واستغفر وتاب فإذا بالفرج من الله وتنفيس الكرب من لدنه قال لي قالها ذلك الذي فرج الله همه قالها كنت مريضاً بمرض أجريت لي العمليات العملية تلو العملية ما أجدت مني شيئا ما زلت أستشير الأطباء فيشيرون إلي بعملية أخرى ذهبت في العشر الأواخر في رمضان إلى الحرم وفي ليلة من ليالي رمضان وكنت أعاني من دماء تنزل مع تبولي في تلك الليلة قمت ورفعت الأكف سجدت وبثثت الشكوى ومع صلاة الفجر ذهبت لدورات المياه ولأول أجد بسلاسة في بولي وانكشاف لهمي شافاه الله وأنى له أن تخيب دعواه وهو يناجي ربه ومولاه عقيم أرسلها رسالة للمصلين في أحد المساجد عشر سنوات لم أرزق بالذرية والعام الماضي انكببت بالدعاء إلى الله في شهر رمضان طلبت من إمام المسجد أن يدعو لي دعا الإمام لكل عقيم وهذا العام يرسل رسالته ليخبرهم أن امرأته في شهرها الأخير حامل مديونون بثوا الشكوى إلى الله فقضى الله دينهم إنه شهر رمضان شهر إجابة الدعوات وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين إنهم سعداء إيه وربي سعداء في هذا الشهر سعيد آخر من أولئك السعداء وافى شهر رمضان وافاه بالذنوب والآثام نظر لحرام وأكل للحرام تضيع للصلوات تفريط للطاعات معاص وآثام غفلة عن ربه ومولاه وافى شهر رمضان وبذل الليالي الحسان وفي قلبه قسوة وفي نفسه وحشة يعيش في ضيق وهموم مما خالطه من المعاصي والآثام لكنه ما إن وصل رمضان ما إن أدرك رمضان إلا وسمع خبر عظيما ماذا سمع سمع أن لله في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء كثر من النار فتحركت التوبة في نفسه وعلم أن ربه يغفر الذنوب ويستر العيوب ويقيل العثرات ويمحو السيئات كيف لا وهو الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل كيف لا وهو الذي يتنزل إلى سمائه الدنيا فيقول هل سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه أعلنها توبة لله بكى بين يدي ربه ومولاه أقلع عن ذنبه واستغفر ربه وناجى ربه وقال يا ربي إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن جودك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المذنب ومن الذي أدعو وأهتف باسمه إن كان بابك عن فقير يوصد حاشى لجودك أن تقنط عاصيا الجود أجزل والمواهب أوسع فإذا به يجد راحة وانشراح ولذة يبكي لقراءة القرآن يتلذذ بالقيام يسعد بالصيام سعادة ما عهدها من قبل هموم زالت عنه ومازال يرجو رحمة ربه ومولاه عباد الله ما أكثر السعداء في رمضان ما أكثر أولئك السعداء وما أطول حديثهم وألذ ذكرهم لكنهم أناس لكنهم عرفوا الله باختصار في رمضان وسابقوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين وأعلنوا التوبة بين يدي رب العالمين ولذلك إذا أردت أن تراهم وإلى حالهم فانظر إليهم بعد ليال وهو يودعون رمضان الذي أزف على الرحيل يا عباد الله دنت ليالي رمضان على الانصرام وأزف وقت الرحيل لا إله إلا الله ما أسرع تعاقب الليالي والأيام يا شهر الصيام ترفق دموع المحبين تدفق قلوبهم من فرط الفراق تشقق إنهم الذين يبكون على فراق الحبيب أولئك هم السعداء الذين سعدوا في شهر الصيام
علي باقيس
سعداء في رمضان (1)
أيها الأحبة أريد منكم اليوم أن تعيشوا معي قصص من أخبارهم ونماذج من حياتهم إني لن أحدثكم أيها الأحبة حديثا عن أولئك السلف من الصحابة والتابعين ولا من الأئمة المهديين لكني سأحدثكم حديثاً عن سعداء سعدوا في هذا الشهر الكريم عاشوا بيننا مجتمعهم مجتمعنا طقوس حياتهم طقوس حياتنا لا تختلف بيئتهم وظروفهم عن ظروفنا لكنهم عرفوا كيف يستغلوا رمضان فنالوا السعادة في رمضان إنهم أولئك السعداء أول أولئك السعداء الذين أبث اليوم بين يديكم خبرهم إمرأة يا عباد الله إمرأة كان لها في رمضان آية كان لها في رمضان شأن وخبر عندما تقدم مجموعة من الإخوة إلى إمام المسجد بعد مضي ليال معدودات من شهر رمضان المنصرم لينثروا بين يدي إمامهم قصة أمهم قالوا يا شيخ توفيت أمنا العام الماضي وفي هذا العام وبعد ليال من رمضان أخبرتهم إدارة المقبرة أنه في هذا اليوم سيفتح قبر أمهم لأن أمهم دفنت في شق من الأرض ولم تدفن في لحد دفنت في تلك الحفر التي تبنى في الأرض يقبر فيها الميت وبعد عام تفتح وتجمع رفاته ويدفن في المقبرة ويهيئ المكان لميت آخر ليدخل إلى تلك الدار أحبوا أن يذهبوا وأن ينظروا كيف يفتح قبر أمهم عل أعينهم أن تقع على شيء من رفاتها أو بقايا أثرها ذهبوا وفتح القبر ونظروا إلى هذه الغرفة إلى ذلك الكفن الممدد على الأرض واقتربوا من الكفن يريدون أن يجمعوا ما تبقى فيه من رفات لكن الكفن كان منتفخ ماذا بداخل هذا القماش فتحوا الغطاء وإذا بهم يبصرون أمهم على الهيئة التي ماتت عليها لم تأكل الأرض من لحمها شيء العينان هما العينان الأنف والأذنان اللحم كما هو عام لها في هذا المكان خرجوا وقد أعلنت المقبرة أن هذا القبر لن يتبدل لغير هذه المرأة إن هذه المرأة أيها الأحبة كانت من عائلة موسرة مادية لما ماتت قبل عام وجد أبناؤها على أمهم ديون كثيرة عجبوا من هذه الديون إن وضعهم المادي جيد ساءلوا وبحثوا وإذا بهم يجدون أن هذه المرأة يا عباد الله كان بينها وبين الله خبيئة من عمل السر لا يعلمه به إلا الله كانت هذه المرأة عباد الله تقوم على كفالة العديد من العوائل من الأيتام والمساكين والأرامل في مدينتها التي تعيش فيها وفي مدينة أخرى أيضا ولربما ضاق بها الأمر فاضطرت لأن تستدين ثم ترجع ذلك الدين لتنفق على أولئك المساكين سعيدة من السعداء إنهم السعداء الذين بذلوا أموالهم في رمضان وغير رمضان لله رب العالمين أنفقوا مما آتاهم الله فطروا صائما أطعموا مسكينا كفلوا يتيما ساعدوا في نشر الخير إنهم يعلمون أن رسولهم صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان عندما يأتيه جبريل يدارسه القرآن فلهو أجود بالخير من الريح المرسلة إنهم يسمعون حديث النبي صلى الله عليه وسلم إن في الجنة غرفا يرى ما في باطنها من ظاهرها وما في ظاهرها من باطنها أعدت للذين يطعمون الطعام ويفشون السلام ويبيتون قياما بالليل والناس نيام إنهم يعلمون أن المرء يوم القيامة أن المرء يوم القيامة تحت ضل صدقته وأن من الذين يضلهم الله تحت ضل عرشه يوم لا ضل إلا ضله ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله فنيئا لأولئك السعداء الذين اشتروا الجنة بأموالهم في رمضان يوم أن أعلنوا القرض قرض مع من مع الكريم الواحد الأحد رب العالمين
سعداء في رمضان (2)
وسعيد آخر سعيد آخر يا عباد الله من سعداء هذا الشهر رجل طاعن في السن قد احدودب ظهره وشاب شعر رأسه ولحيته وبلغ من الكبر عتيا كان من أهل المسجد لا بل كان من أهل الصف الأول مكانه في الصف الأول معلوم كان له مصحف يقرأ فيه في ذلك المسجد معروف مصحفه ومكانه معلوم كان هذا الرجل إذا دخل رمضان يذهب إلى مسجد حيه ويجلس في مكانه في الصف الأول ثم ينشر المصحف بين يديه يرتل القرآن من بعد صلاة الظهر وحتى يؤذن المؤذن لصلاة المغرب ما يفتأ عن قراءة القرآن كم من ختمت ختمها في ذلك المسجد كم من آيات رتلها بشفتيه ولسانه عاش مع القرآن في شهر رمضان لأنه يعلم أن شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن وهو يعلم أن الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة حتى يدخلاه الجنة يقول الصيام أي ربي منعته شهوته بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن أي ربي منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان فيه ويدخل الجنة فأسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل القرآن هم يعلمون أن رسولهم صلى الله عليه وسلم كان يختم القرآن مع جبريل إنهم يعلمون أن قارئ القرآن يقال له يوم القيمة يقال له يوم القيامة اقرأ وارتقي ورتل كما كنت ترتل فإن منزلتك في الجنة عند آخر آية كنت ترتلها جلس هذا الرجل يقرأ القرآن الأيام من شهر رمضان وبالليل له قيام وقرآن وفي رمضان المنصرم وبعد مرور عشرين يوما من أيام رمضان في يوم العشرين من رمضان ذهب ذلك الرجل إلى مسجده لصلاة الظهر نعم ولما صلى الظهر مع المصلين ناجى مؤذن المسجد وأخبره أنه سيذهب اليوم بعد صلاة العصر إلى مكة المكرمة ليقضي باقي ليلي العشر هناك بجوار البيت العتيق يوم أن يشد المعتكفون رحالهم ليقصدوا البيت الحرام يعتكفون فيه فهم ما بين صائم وقائم وطائف وتال للقرآن ومستغفر بالأسحار دموعهم سحا وقلوبهم وجلة انقطعوا من الدنيا لله عزم ذلك الشيخ على أن يلتحق بذلك الوفد أخبر مؤذن المسجد بذلك الخبر وأن ابنه سيقابله في الحرم وجلس يرتل القرآن لصلاة العصر وما إن أذن المؤذن لصلاة العصر إلا وخرج ذلك الشيخ يعزم على تجديد وضوئه ليجدد الوضوء لصلاة جديدة وآيات من القرآن جديدة لكنه أبطء عن المصلين أقيمت الصلاة صلى الإمام انتهت الصلاة الرجل لم يعد لمكانه خرج المؤذن وخرج حارس المسجد ليلقوا ذلك الرجل قد مات وهو يستعد للوضوء للصلاة لكن ما ضره أن يموت في رمضان وكم من آيات رتلها من القرآن ما ضره أن يلقى الله وهو من أهل الصف الأول من الذين شغلوا ليلهم ونهارهم بالقرآن في شهر الصيام إنه سعيد من السعداء
سعداء في رمضان (3)
وسعيد آخر من سعداء الشهر الكريم عباد الله سعيد آخر من السعداء رجل بلغ الستين من عمره أحيل على التقاعد عاد إلى بيته ولزم المسجد والبيت وانشغل بطاعة ربه قدم عليه رمضان وإذا به ينطلق في أحدى ليالي رمضان إلى منزله ويتحدث مع زوجته ويخبرها أنه اليوم يريد أن يأخذ عمرة في رمضان لقد سبق له أن أخذ عمرة في الشهر لكن قلبه تعلق بالبيت الحرام إنه يعلم أن عمرة في رمضان تعدل حجة مع محمد صلى الله عليه وسلم فهو يريد أن يكثر من الطاعات لبت المرة الأمر أحرمت وأحرم ذلك الرجل وركبوا سيارتهما وانطلقوا إلى مكة المرأة محرمة والرجل محرم يلبي ربه لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وساروا بسيارتهم ودخلوا لحدود الحرم وما إن دخلوا حدود مكة إلا وبتلك السيارة الشاحنة التي تأتي مسرعة وتصطدم بهم لتنقلب سيارتهم وتنقل المرأة المصابة بجراحها إلى المستشفى أما ذلك الرجل فقد سقط مبرج بدمائه حمل إلى المستشفى في غيبوبة ليلقى الله عز وجل بعد ذلك لا إله إلا الله مات وهو يؤم البيت الحرام مات وهو محرم متلبس بالإحرام لبيك الهم لبيك هنيئاً له يوم أن يبعث بين الجموع ملبيا هنيئاً له يوم أن يبعث محرم لا تغطوا رأسه ولا تطيبوه وكفنوه في ثوبيه هكذا قالها صلى الله عليه وسلم لمن وقصته دابته في الحج إنه سعيد من السعداء فأين الذين قصروا عن العمرة في رمضان وتشاغلوا بالأهل والأموال وضيق الوقت وما بينهم وبين الحرم إلا الساعات القلائل والأوقات اليسيرة مساكين ما ذاقوا لذة السعادة والطاعة في رمضان لكن أولئك هم السعداء
سعداء في رمضان (4)
سعيد آخر يا عباد الله من سعداء هذا الشهر وأسأل الله أن يجعلني وإياكم من السعداء رجل تعلق قلبه في رمضان بقيام الليل مع المصلين يا سبحان الله من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة يا له من أمر يسير تقوم ليلة مع الإمام فإذا انقضى القيام كتب الله أجر ليلة كاملة فإن قمت الشهر كله فبإذن الله إنك من قوام شهر رمضان ومن قام رمضان إيمان واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه تعلق قلب ذلك الرجل بالقيام فإذا به مع المصلين لا كما يفعل بعض الكسالى يصلي تسليمة أو تسليمتين أو يتخاذل عن صلاة التراويح لدنيا زائلة أما هذا الرجل فقد تقدم إلى مسجد حيه صلى مع المصلين صلاة العشاء ثم صلى سنة العشاء بدأت صلاة التراويح كبر الإمام وكبر المأمومون قرأ الفاتحة وأمن المأمومون بدأ الإمام يرتل القرآن في أرجاء المسجد وفجأة وإذ بالمصلين يسمعون صوت ارتطام بالأرض ولما انفتلوا من الصلاة نظروا لذلك الرجل وقد خر ميتا وهو يقوم بين يدي مولاه هنيئا له هنيئا له يا عباد الله هنيئا له يوم أن يبعث قائما إنه قيام رمضان يوم أن يقف العباد بين يدي مولاهم يبثون شكواهم يعترفون بذنوبهم يفطرون أقدامهم يدرون دموعهم يطهرون قلوبهم يعلنون الذل والعبودية ينصرفون من الدنيا إلى عالم آخر ولقاء مع الله إنها لذة لا يعلمها إلا الذين وجدوها وسعادة ما ذاق طعمها إلا الذين كابدوها لذة القيام بين رب العالمين عبادة القيام التي تخاذل عنها كثير من الناس هذا رجل آخر تعلق قلبه بالقيام صدقوني لقد كان من كبار الأثرياء يملك الملايين لكنه تعلق قلبه بالقيام كان يصلي مع الإمام فإذا انتهوا من صلاة التراويح لا يكتفي بذلك بل يذهب إلى بيته وإذا دنى وقت السحر توضأ وضوئه للصلاة وفرش سجادته بين يديه وكبر مصليا لله وفي تلك الليلة صلى مع المصلين ولما انتهى الإمام من صلاته في العشر الأواخر من رمضان وما بقي على وقت الفجر إلا الشيء اليسير ذهب ذلك الرجل إلى بيته وتسحر ثم قام ينقض وتره ليدخل في صلاة جديدة كبر ودخل في مناجاة ربه صلى قام وركع رفع وسجد جلس للتشهد وفجأة وإذ به يخر على وجهه ميتا هنيئا له هنيئا له موت في لحظات السحر عند النزول الإلهي هنيئا له موت في صلاة ومن مات على شيء بعث عليه صدقوني عباد الله إنهم هم السعداء إنهم هم المتلذذون إنهم الذين يجدون الراحة لما قدموه من عبادة وطاعة
سعداء في رمضان (5)
وقبل أيام قلائل امرأة ممن نرجو أن تكون قد نالت شرف السعادة في رمضان امرأة لا تملك من الشهادات ما يملكه بعض الفتيات ولا تملك من الأموال ما يملكه بعض الأثرياء لكنها امرأة تعلق قلبها بربها كانت هذه المرأة قبل أيام في بيتها تعد وجبة الإفطار لأبنائها ولزوجها لكنها لم تنسى أيضاً أن تقدم شيئاً من الإفطار لتفطر الصائمين فيكتب لها أجر صيام يوم من فطر صائما كان له مثل أجره أرسلت طعامها إلى المسجد وبعد الإفطار مباشرة انطلقت إلى مسجد منطقتهم ودخلت مصلى النساء وبدأ الإمام بالصلاة فقامت تلك المرأة على كبر من سنها تسوي صفوف النساء تأمر بالمعروف تسوي الصفوف تسد الفرج صلت مع المصلين ثم نزلت من المسجد فرحة بيوم صامته لله وقيام ليلة تسأل الله بها القبول وتفطير للصائمين سارت إلى بيتها سارت وقد كانت تقبض في يدها بشريط ديني وزع عليهم بالمسجد سارت بذلك الشريط وهي تسير إلى مسجدها عائدة بخطاها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول من راح إلى مسجد الجماعة كانت له خطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب حسنة ذهابا وإيابا عادة بخطاها وفجأة وإذ بتلك الشاحنة التي لا تنتبه لتلك المرأة فتصطدم بها لتسقط تلك المرأة ميتة بدمائها لكن ما ضرها أن تموت وهي خارجة قبل قليل من عبادة إنهم سعداء وإن فارقوا هذه الدنيا يا عباد الله سعداء برمضان استشعروا معنى رمضان استشعروا التقرب إلى الله عاشوا لحظات الإيمان وسعيد آخر سعيد آخر يا عباد الله من سعداء هذا الشهر سعيد آخر وافى رمضان وكم عنده من الآلام والأحزان وافى رمضان ومصائب قد ابتلي بها ذاك مسحور وآخر معيون وثالث مريض ورابع مديون وعقيم يرجو الولد وشاب يتمنى الزواج وذو كلم ومصيبة يرجو تفريج همومه وافى شهر رمضان فعلم أن للصائم دعوة مستجابة في رمضان فتوضأ فأحسن الوضوء وبسط كفه بين يدي مولاه وأطرق رأسه وبث شكواه والتجئ بالله وأغلق أبواب البشر وقرع باب الجبار أرسل الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تغلق أرسل الشكاياة واشتكاه وبكاه والتجئ وتمنى واستغفر وتاب فإذا بالفرج من الله وتنفيس الكرب من لدنه قال لي قالها ذلك الذي فرج الله همه قالها كنت مريضاً بمرض أجريت لي العمليات العملية تلو العملية ما أجدت مني شيئا ما زلت أستشير الأطباء فيشيرون إلي بعملية أخرى ذهبت في العشر الأواخر في رمضان إلى الحرم وفي ليلة من ليالي رمضان وكنت أعاني من دماء تنزل مع تبولي في تلك الليلة قمت ورفعت الأكف سجدت وبثثت الشكوى ومع صلاة الفجر ذهبت لدورات المياه ولأول أجد بسلاسة في بولي وانكشاف لهمي شافاه الله وأنى له أن تخيب دعواه وهو يناجي ربه ومولاه عقيم أرسلها رسالة للمصلين في أحد المساجد عشر سنوات لم أرزق بالذرية والعام الماضي انكببت بالدعاء إلى الله في شهر رمضان طلبت من إمام المسجد أن يدعو لي دعا الإمام لكل عقيم وهذا العام يرسل رسالته ليخبرهم أن امرأته في شهرها الأخير حامل مديونون بثوا الشكوى إلى الله فقضى الله دينهم إنه شهر رمضان شهر إجابة الدعوات وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين إنهم سعداء إيه وربي سعداء في هذا الشهر سعيد آخر من أولئك السعداء وافى شهر رمضان وافاه بالذنوب والآثام نظر لحرام وأكل للحرام تضيع للصلوات تفريط للطاعات معاص وآثام غفلة عن ربه ومولاه وافى شهر رمضان وبذل الليالي الحسان وفي قلبه قسوة وفي نفسه وحشة يعيش في ضيق وهموم مما خالطه من المعاصي والآثام لكنه ما إن وصل رمضان ما إن أدرك رمضان إلا وسمع خبر عظيما ماذا سمع سمع أن لله في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء كثر من النار فتحركت التوبة في نفسه وعلم أن ربه يغفر الذنوب ويستر العيوب ويقيل العثرات ويمحو السيئات كيف لا وهو الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل كيف لا وهو الذي يتنزل إلى سمائه الدنيا فيقول هل سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه أعلنها توبة لله بكى بين يدي ربه ومولاه أقلع عن ذنبه واستغفر ربه وناجى ربه وقال يا ربي إن عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت بأن جودك أعظم إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المذنب ومن الذي أدعو وأهتف باسمه إن كان بابك عن فقير يوصد حاشى لجودك أن تقنط عاصيا الجود أجزل والمواهب أوسع فإذا به يجد راحة وانشراح ولذة يبكي لقراءة القرآن يتلذذ بالقيام يسعد بالصيام سعادة ما عهدها من قبل هموم زالت عنه ومازال يرجو رحمة ربه ومولاه عباد الله ما أكثر السعداء في رمضان ما أكثر أولئك السعداء وما أطول حديثهم وألذ ذكرهم لكنهم أناس لكنهم عرفوا الله باختصار في رمضان وسابقوا إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين وأعلنوا التوبة بين يدي رب العالمين ولذلك إذا أردت أن تراهم وإلى حالهم فانظر إليهم بعد ليال وهو يودعون رمضان الذي أزف على الرحيل يا عباد الله دنت ليالي رمضان على الانصرام وأزف وقت الرحيل لا إله إلا الله ما أسرع تعاقب الليالي والأيام يا شهر الصيام ترفق دموع المحبين تدفق قلوبهم من فرط الفراق تشقق إنهم الذين يبكون على فراق الحبيب أولئك هم السعداء الذين سعدوا في شهر الصيام

بين يدي رمضان
زياد آل سليمان
عندما يحل ضيف عزيز لزيارة أحدنا يستعد لاستقباله أتم الاستعداد، ويسعى جاهداً لتوفير ما يحبه الضيف، وعندما يبدأ العام الدراسي نستعد له أتم الاستعداد كذلك، وهكذا الحال في مواسم الإجازات، فماذا عن شهر رمضان؟
عادة ما يستقبل شهر رمضان بالتزود بالأطعمة المتنوعة المتعددة الأصناف، حتى أصبحت سمة من سمات هذا الشهر، وهذا أمر لا ضير فيه طالما بقي في حدود المقبول والمعقول ولم يصل إلى حد الإسراف.
إلا أننا يجب أن يتجاوز استعدادنا واستقبالنا لهذا الشهر شراء قائمة الأطعمة إلى أمور أخرى من أجلها فرض الصوم، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183).
فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى, ولكن النفس إن لم تتهيأ وتستعد له فإنه قد يمضى عليها هذا الشهر كما مضى غيره، ومهما كان حماسها في أوله فإنه قد يفتر ويضعف، وقد تفوت الأيام المعدودات دون أن يشعر.
لذا فإن علينا تهيئة نفوسنا وبيوتنا استعداداً لاستقبال هذا الشهر، لكي تنال نفوسنا حظها من المغفرة في هذا الشهر، وتنال من ثمرة التقوى، وتخرج من مدرسة الصوم وهي رابحة فائزة مقبولة بإذن الله.
ولعل مما يهيئ النفس لاستقبال رمضان الدعاء ببلوغه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" أخرجه أحمد.
كما ينبغي على المسلم أن يفرح بقدوم الشهر ويسعى لإدخال السرور على أهله، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان فيقول: "جاءكم شهر رمضان, شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم" أخرجه أحمد.
وإن من خير ما يستقبل به شهر رمضان التوبة لله عز وجل، وأن يحاسب الإنسان نفسه، ولنعلم أن فضل الله واسع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن، إذا اجتنب الكبائر " أخرجه مسلم.
ولنعلم أن هذا الشهر موسم للربح ففيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حرم، فهلموا إلى التنافس في هذا الموسم، فقد لا يتكرر.
ولنتذكر إخوة لنا كانوا معنا في رمضان مضى ولم يدركوه هذا العام، ولنتذكر إخوة لنا يمر رمضان عليهم وهم في خوف وجوع وعطش وحصار، ولنتذكر إخوة لنا يمر رمضان عليهم وهم محرومون من رؤية ذويهم وأهلهم، ولنشكر الله عز وجل على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وعلينا ألا ننسى إخواننا من الدعاء في شهر الدعاء، وليس سراً أن تختم آيات الصيام بقول المولى عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:186)، وفق الله الجميع للصيام والقيام إيماناً واحتساباً
زياد آل سليمان
عندما يحل ضيف عزيز لزيارة أحدنا يستعد لاستقباله أتم الاستعداد، ويسعى جاهداً لتوفير ما يحبه الضيف، وعندما يبدأ العام الدراسي نستعد له أتم الاستعداد كذلك، وهكذا الحال في مواسم الإجازات، فماذا عن شهر رمضان؟
عادة ما يستقبل شهر رمضان بالتزود بالأطعمة المتنوعة المتعددة الأصناف، حتى أصبحت سمة من سمات هذا الشهر، وهذا أمر لا ضير فيه طالما بقي في حدود المقبول والمعقول ولم يصل إلى حد الإسراف.
إلا أننا يجب أن يتجاوز استعدادنا واستقبالنا لهذا الشهر شراء قائمة الأطعمة إلى أمور أخرى من أجلها فرض الصوم، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة:183).
فإن الصيام من أكبر أسباب التقوى, ولكن النفس إن لم تتهيأ وتستعد له فإنه قد يمضى عليها هذا الشهر كما مضى غيره، ومهما كان حماسها في أوله فإنه قد يفتر ويضعف، وقد تفوت الأيام المعدودات دون أن يشعر.
لذا فإن علينا تهيئة نفوسنا وبيوتنا استعداداً لاستقبال هذا الشهر، لكي تنال نفوسنا حظها من المغفرة في هذا الشهر، وتنال من ثمرة التقوى، وتخرج من مدرسة الصوم وهي رابحة فائزة مقبولة بإذن الله.
ولعل مما يهيئ النفس لاستقبال رمضان الدعاء ببلوغه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان" أخرجه أحمد.
كما ينبغي على المسلم أن يفرح بقدوم الشهر ويسعى لإدخال السرور على أهله، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان فيقول: "جاءكم شهر رمضان, شهر مبارك كتب الله عليكم صيامه فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق فيه أبواب الجحيم" أخرجه أحمد.
وإن من خير ما يستقبل به شهر رمضان التوبة لله عز وجل، وأن يحاسب الإنسان نفسه، ولنعلم أن فضل الله واسع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن، إذا اجتنب الكبائر " أخرجه مسلم.
ولنعلم أن هذا الشهر موسم للربح ففيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حرم، فهلموا إلى التنافس في هذا الموسم، فقد لا يتكرر.
ولنتذكر إخوة لنا كانوا معنا في رمضان مضى ولم يدركوه هذا العام، ولنتذكر إخوة لنا يمر رمضان عليهم وهم في خوف وجوع وعطش وحصار، ولنتذكر إخوة لنا يمر رمضان عليهم وهم محرومون من رؤية ذويهم وأهلهم، ولنشكر الله عز وجل على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وعلينا ألا ننسى إخواننا من الدعاء في شهر الدعاء، وليس سراً أن تختم آيات الصيام بقول المولى عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:186)، وفق الله الجميع للصيام والقيام إيماناً واحتساباً
الصفحة الأخيرة
ابراهيم العجلان
الحمد لله العليِّ الكبير، العليم الخبير، شَرَع لعبادِه منَ الأحكام أحسنَها، واختار لَهُم منَ الشرائع أكملها، فتَمَّتْ بذلك نعمتُه، وظَهَرَتْ على الخلْق منَّتُه، نحمده - سبحانه - على ما شرع وأحكم، ونشكره - تعالى - على ما أَعْطَى وأَنْعم.
ونَشْهَد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الخلْقُ والأمر والحكم، ونشْهَدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، نصَح وبلَّغ، ووعَظَ وأشْفَق، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ:
فاتَّقُوا الله - معاشِرَ المؤمنين - حقَّ التقوى، واعْلَمُوا أنكم إلى ربكم سائرون، وعلى أقوالكم وأعمالكم مَجْزِيُّون؛ {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} الصافات: 24].
إخوة الإيمان:
لقد جاءتْ شريعةُ الإسلام هدايةً للبَشَر، ورَحْمة بالخلْق، وصيانةً للأخْلاق، وسَعَتْ إلى إيجاد مجتمعٍ محافِظٍ طاهرٍ عفيفٍ، لا تُهاج فيه الشَّهَوات،ولا تُثار فيه النَّزَوات، فحِفْظًا للعِفَّة، وصيانة للكرامة؛ أَمَرَ ربُّ الخلْق أضْعَفَ الخلْقِ ألاَّ يَخْضعْنَ بالقول؛ فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ، وألاَّيَتَبَرَّجْنَ تبرُّج الجاهلية الأولى، وأنْ يضْربْنَ بِخُمرهنَّ على جُيُوبهنَّ،ولا يُبْدينَ زينتهنَّ إلا لمحارمِهِنَّ.
ووَجَّه اللطيفُ الخبير خِطابَهمِن فوق سبْعِ سمواته إلى أزواج النبيِّ وبناته ونساء المؤمنين: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْيُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} الأحزاب: 59].
ونهى أغيرُ الخلْقِ - صلى الله عليه وسلم - عن الدخول علىالنساء، حتى ولو كان أخَا الزَّوج، فقال: ((الحمو الموت))، وأمَرَ بغَضِّ الأبصار،وألا تتبعَ النظرةُ النظرةَ.
وحذَّر الناصحُ- صلى الله عليه وسلم - أمته كلَّطريقٍ يؤدِّي إلى الفاحشة، أو مقدِّماتها؛ فحَرَّم الخلْوة بالمرأة الأجنبية،ومَنَعَ مِن سفَر المرأة بلا مَحْرم، ونهى أن تخرجَ المرأةُ مُتَعَطِّرةً مُبدِيةً زينَتَها.
وجاءتْ نصوص الشريعة بمعانيها ودلالتها ناهيةً عن الاختلاط؛ سدًّاللذرائع الموصلة للفواحش، وحماية للمُجتمع من الرذائل، كل ذلك ليَبْقى للمجتمعِ عفَّته وطهارته، واستقامة أُسَرِه، وصلاح بيوته؛ لذا اتَّفَقَتْ أقوالُ العلماء وتَكَاثَرَتْ - سلَفًا وخلفًا - على تحريم الاختلاط بين الجِنْسَيْن.
هذا حُكْم الله،وهذه شريعةُ الله، مناسبة للخِلْقةِ، مُتلائمة مع الفِطْرة؛ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} المائدة: 50].
وها هي حقائقُ الواقع،ودروس الأيام، وتجارب الدول - تُحَدِّثُنا بلسان الحال: أن الاختلاط هو البوابةُ الكبرى التي دَلَفَتْ منها ألوانُ الشرور على المجتمعات.
الاختلاطُ - يا أهل الإيمان - بريدٌ إلى السفور، طريقٌ نحو الفُجُور، إذا حلَّ الاختلاطُ في المجتمعاتِ مرضَت القلوبُ، وفسدت الأخلاق، وانْتُزِعَ الحياء، وضعفت القِوامة، وانطفَأَتِ الغَيْرَةُ، وانتشرتِ المُحَرَّماتُ والموبقات، وفشتْ حالات الإغراء والابْتِزَاز.
الاختلاط- يا أهل الغَيْرة - عَمَلٌ غير صالح، فيه جنايةٌ على الرجل، وعلى المرأة، وعلى الأسرة، بل والمجتمع بأَسْرِه.
عباد الله:
وحين ينطق صوتُ العقل، وتتحدَّث لغةُ الأرقام، فلا تسمع عنالاختلاط إلا صيحات المشفقين، ونُذُر الناصحين، وتحذيرات المجرمين.
إنَّ الحديثَ عن معاناة الغرْب مع الاختلاط يبدأ ولا ينتهي، وما زالتِ الإحصائيات والدراسات تنادِي بعمليَّة الفَصْل بين الجنسَيْن في التعليم والعمَل:
ففي بريطانيا مثلاً: أَكَّدَتِ النقابة القومية للمدرِّسين، في دراسة أجرتْها: أنَّ التعليم المختلَط أدَّى إلى انتشار ظاهرة التلميذات الحوامل سفاحًا، وأنَّ استخدام الفتيات لِحُبُوب منْع الحمل يتزايَدُ بكثرة عند الطالبات.
وفي أستراليا:أُجْرِيَتْ دراسة على مائتين وسبعين ألف طالب وطالبة، تَبَيَّن فيها أنَّ طلاب التعليم غير المختلط تَفَوَّقُوا سلوكيًّا وأكاديميًّا على طُلاب التعليم المختلط.
أما في أمريكا،فقدذكرتْ إحدى المجلات هناك: أن نسبة التلميذات الحوامل في المدارس والجامعات في بعض المدُن بلغتْ 48 %.
هذا الانحدارُ الأخلاقي جَعَل الرئيس الأمريكي السابق جون كندي يقول: "إنَّ الشباب الأمريكي مائعٌ ومُترَف وغارق في الشهوات، ومن بين كل سبعة شباب يَتَقَدَّمُون للتجنيد منهم ستة غير صالحين؛ وذلك لأننا سَعَيْنا لإباحة الاختلاط بين الجنسين في الجامعة بصوَر مستهترة؛ مما أدَّى إلى انهماكهم في الشهوات".
ولذلك رصدت الإدارة الأمريكية في عام 2002 ما يزيد على ثلاثمائة مليون دولار؛ لتَشْجِيع التعليم غَيْر المختلط.
إخوة الإيمان:
ولعلَّ مُفردة الاختلاط هي أكثر المفردات التي تداوَلَتْها الصحف،وبعضُ المواقع هذه الأيام، وهي التي من أجلها تحزَّبَتْ أحزاب، وشنَّتْ حرْبًا كلاميَّة غَيْر أخلاقية على مَن يُحَرِّم ويَرْفُض الاختلاط.
ولو كان هذاالنقْد والنقاش مبنيًّا على الرُّوح العلمية والحوار المنطقي، فحيَّ هلا به ومرحبًا،ولكن العجبَ الذي لا ينْقَضِي أنْ تَرْمِي أقليَّةٌ سوادَ المجتمع، وأهل العلم، بالانْغِلاق والتشدُّد وثقافة التطرُّف والفكر الطالباني، وعبارات معبَّأة بالهراء،ومليئة بالتساخف، متجاوزة كلَّ حدٍّ وحدود.
أين هي مفاهيم الحرية والتعدُّدية، ومشاريع الانفتاح، وخطورة الإقصاء، وغيرها من المصطلحات التي عُبِّئْنا بها ردحًا من الزمن؟! أم أن هذه المعاني لا تَتَحَرَّك إلا حين يَرَوْن منكرًا منالقول، وزورًا من الفعل، فيُحَامون عنها بمثل هذه المفاهيم الخداعة؟! ناهيكم عنوصْف مَن يُخالفهم في قضيَّة الاختلاط أنه ضد مشروعات التطوير، ومصلحة الوطن، وضدالتنمية والإصلاح، وكأن التقَدُّم والتطوُّر لا يتم إلا عبْر بوابة الاختلاط.
عبادالله:
لقد شَوَّش هؤلاءِ في موضوع الاختلاط وشغَّبُوا، وشرَّقوا وغربوا، وأوهموا أن الاختلاط مباحٌ، وبَرَّرُوا جواز ذلك بوُجُود الاختلاط في صدر الإسلام، في المساجد، والطواف، والأسواق،والطرقات.
وأمام هذا التلبيس يقال:
أولاً:إنَّ نُقطة الاختلافِ في قضيَّة الاختلاط هو الاختلاط في التعليم والعمَل، وليس في الأماكن العامة.
ثانيًا: هناك فرْق بين الاختلاط العاموالاختلاط الخاص؛ فالاختلاط في الأماكن العامة المفتوحة تبْعُد فيها الريبة، وهي لَحَظات عابِرة، وليس فيها تبادل للأحاديث.
أمَّا الاختلاط الخاص في التعليم والعمل، والندوات والمنتديات، ففيه جُلُوس وانتظار، وأحاديث وكلام، فذرائعُ ميْل كلِّ جنس للآخر موجودة، ونزغات الشيطان حاضرة، ففَرْق بين هذاوهذا.
ثالثًا:لو أَتَيْنا إلى الاختلاط في الأماكن العامة، لَرَأَيْنا النُّصُوص الشرعية تُؤَكِّد على قضيَّة الفَصْل بين الجنسَيْن، فالمسْجدُ مع أنه مكانُ عبادة،والقُلُوب معلَّقَةٌ فيه بالله، وبعيدة عن هواها، مع ذلك ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسْمَحُ أن يصطفَّ الرجال مع النساء، بل قال: ((خيرُ صُفُوف الرجال أولها، وشَرّها آخرها، وخيْرُ صُفُوف النساء آخرها، وشرها أولها))، بل وأَمَر المصطفى - صلى الله عليه وسلم - الرجال بالتأخُّر في الانصراف، حتى يخرج النِّساء من المسجد.
وفي يوم العيد خطب الرجال، ثم أتى النساء، فوعظهن وذكَّرهن، قال ابن حجر: "قوله: ((ثم أتى النساء)): مُشْعِر بأن النساء كن غير مُختلطات بالرجال". اهـ.
ومنْعًا لِمفاسد الاختلاط؛ أمرَ الفاروق - رضي الله عنه - بتَخْصِيص باب للنساء، لا يدخل منه إلا النساء.
وأمَّا في الطرُقات، فقد رأى المصطفى - صلى الله عليه وسلم - يومًا ازدحام الرِّجال مع النساء فيها، فوجه خطابه للنساء: ((استأخِرْن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافَّات الطريق))، فكانت المرأةُ تلتصق بالجدار، حتى إن ثَوْبَها ليَتَعَلَّق بالجدار من لُصُوقها به.
وأماالطواف، فاسمع إلى خبر عطاء حين قال: كانتْ عائشة - رضي الله عنها - تطوف حجرة من الرجال (أي: مُعتزلة في ناحية، لاتخالطهم).
قال عطاء: وكن يخرجْنَ مُتنكرات بالليل، فيَطُفْنَ مع الرجال،ولكنهم كنَّ إذا دخَلْنَ البيت قُمْن حتى يدخلن، وأخرج الرجال؛ رواه البخاري.
وحين بلَغ عائشة أنَّ مولاتها استَلَمَتِ الركنين مرتين أو ثلاثًا،عاتَبَتْها، وقالتْ: لا آجرك الله، لا آجرك الله، تُدافعين الرجال، ألا كبَّرْتِ ومَرَرْتِ.
وجاء في "أخبار مكة"؛ للفاكهي، عن إبراهيم النخعي، قال: نَهَى عمر أنْ يَطُوفَ الرِّجالُ مع النساء، ورأى رجلاً يَطُوف مرةً مع النساء، فضَرَبَه بالدِّرة.
فهل يصحُّ بعد هذا أن يُسْتَدَلَّبفِعْل السلَف في الطواف على مشروعية الاختلاط، ومجاورة المرأة للرجل في التعليم والعمل؟!سبحانك هذا بهتان عظيم!
رابعًا: دَنْدَنَ المدافعون على جواز الاختلاط: بأنَّ مفردة الاختلاط لَمتوجدْ في الكتاب والسنة، وإنما انحدرتْ من أدبيات الخطاب الصحوي - كما يعبِّرون - وأن المُحَرَّمَ فقط هو الخلْوة دون الاختلاط.
فيا دعاة التلبيس:
تحريم الاختلاط ليس نتاج الفكر الصحوي، بل هو فتوى كل عالِمٍ راسخ،عرفته بلادُنا؛ كابن إبراهيم، وابن حميد، وابن باز، وابن عثيمين، وكل مَن أتى بعْدهم مِن أهْلِ العلْم، وفي تراثنا الفقهي والعلمي عبارات كثيرة، وكثيرة جدًّا، تَنُصُّ على نقطة الاختلاط.
فليست من بدَع فترة الثمانينات كما يزعمون، ولوسَلَّمْنا جدلاً أنَّ لفظة الاختلاط محدَثة، فالعبرَةُ بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني، ومنَ المقَرَّرِ عند أهل العلم أن الشارع ينْهى عن الأدنى؛ ليدلَّ بمفهومِه على الأعلى.
فالشرعُ حين نهى عن قول: "أفٍّ" للوالدين، نهىأيضًا عمَّا هو فَوْق ذلك منَ السبِّ والضرب، وإن لَم ينطق به الكتابُ الحكيم، بلدلَّ ذلك بدلالة المفهوم.
وقلْ مثل ذلك في الاختلاط، فهل المظنون بالشَّرْع أنْ ينْهى عن خروج المرأة متعَطِّرة، ثم يأذن لها أن تخالِطَ الرجال في المتْجر والعمل، والقاعة والمعمل؟! هل الشرْعُ الذي نهى أنْ تَضْرِبَ المرأةُ برجلها ليُعْلم ما تخفي عن زينتها، يأذَن لها بعد ذلك أن تجلسَ بِجِوارِ الرِّجال جنبًا إلى جنب؟!
خامسًا:وإن تَعْجَب فعَجَبٌ قولُهم: إنَّ عزْل الرجال عن النساء سبَّبَ سعارًا جنسيًّا في المجتمعات المنغلقة، فأصبح الرجل لا يرى في المرأة إلا المعاني الجنسيَّة، بخلاف المجتَمَعات المتَحَرِّرةالمنفتحة، فقد تَعَوَّدُوا على هذه المناظر وألفوها، فأصبح الرجل لا يرى في المرأةصور الجنْس، وحق لنا أن نسأل ونتساءل: يا رواد التحضر، فسِّرُوا لنا تلك الإحصائيات المتجَدِّدة، والأرقام المهولة، عن حالات اغتصاب النساء في البلدان المتطَوِّرةالمتَحَضِّرة! لماذا يكثر الاغتصاب هناك، مع أن الوصول إلى الحرام سهل مُيَسَّر؟! لماذا يكثر الشذوذ الجنسي، وتكثر الأمراض الجنسية المعدية عندهم أكثر من غيرهم؟! أليسوا غير معقدين، ولا مكبوتين جنسيًّا؟!
سادسًا: بعض الأصوات والأقلام قد شرقتْ وغربت، فناقشت قضية الاختلاط بمثالية مُفرطة؛ فالطالبات والطلاب في سلك التعليم بمنأى عنْ مزالق الفاحشة؛ لأنَّ عقولَهم قد نضجتْ، وأخلاقهم قد كملت، وأهدافهم قد سمتْ؛ فالاختلاط هنا مسألة هامشية، ثم يطالبون أهل العلم بعَرْض قضية الاختلاط بواقعية، دون تشنُّج أو تخوُّف، فهل نسي هؤلاءِ الواقعيون أو تناسَوا أن الميل البشري بين الجنسين مركُوز في الفِطَر، يجدُه كلُّ إنسانٍ عليم، بل وحتى كل حيوان بهيم؟! هل المبالَغة في إحسان الظن، والتعويل على الأَخْلاق من الواقعية؟! وإذا كان الحديث عن الواقعية،فلماذا نتجاهَل واقع الاختلاطِ في بعْضِ الدول التي لا تَمْنع الاختلاط، مع صرامة القوانين هناك؟!
فيا أدعياء الواقعية:
الواقع والحال والسُّنَن تنطق: إنَّ اختلاط الشباب بالشابات يُحَرِّك عقارب الفتْنة في الصُّدور، ويزْرَع بذْرة الشهوة والعلاقات المحرَّمة، ثم مَن أعلم بالواقِع، وما يُصْلِح البَشَرَ مِن ربِّ البشرِ؟! {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَاللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} الملك: 14]، فقد قال - سبحانه - عنْ نساء النبي: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} الأحزاب: 53]، قال هذا عن نساء النبي الطاهرات، ولِمَن؟ لأَطْهَر جيلٍ عرفه التاريخ.
قال ابن القيم - رحمه الله -: ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصْلُ كلِّبليَّة وشر، ومِن أسباب نُزُول العقوبات العامة، كما أنَّه من أسباب فساد أُمُورالعامة والخاصة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِين َيَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا} النساء: 27].
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وكفى،والصلاة والسلام على عبده المصطفى، وعلى آله وصحبه ومَن اجتبى.
أما بعدُ:
فيا إخوة الإيمان:
وتبلغ الانتهازية غايتها،حين تربط مسألة الاختلاط بقضايا الحِفاظ على الأمن، ومَصْلحة الوَطَن، فيزعم من يزعم أن إنكار أهل العلم على الاختلاط يُغذي فِكْر الغُلُو والتَّشَدُّد في المجتمع، هذه الانتهازيات والاستغلاليات أصْبَحَتْ مكشوفةً وممجوجة، فلا مُزايدة على مَوْقف العلماء ودورهم في حِفْظ أمن البلد وإيمانه.
هؤلاءِ العلماءالذين أنْكَرُوا الاختلاط ديانة وتوقيعًا عن رب العالمين، هم همْ العلماء الذين أعْلوا الصوت في مُواجهة مسالك الغُلُو والتطرُّف، وهم العلماء الذين كانوا - ولازالوا - يحرصون على وَحْدة الصف، وجَمْع الكلمة، ورأب الصدع، والسير بالمجتمع إلى ما فيه الخَيْر في الدين والدنيا،فكيف يكون الطالب مطلوبًا؟!
بل لا يبالغ كلُّ عاقل ومتابع: أن مثل هذه الأُطْرُوحات التي تخالف الدين وعادات المجتمع، تصبُّ في تغذية الغُلُو في الجانب الآخر، فيجد أهْلُ الغُلُو مُبَرِّرًا لِمَسْلكهم؛ بسبب مايَرَوْنه من فجور فكري، وتسلق على مُسلمات الشريعة، وجرْأة على الدين.
ثم هل من مصلحة البلد ووحدة الوطن استنقاص أهل العلم وتسفيههم وتقزيمهم؟!
هل هذه الحملات المنظَّمةالمنسَّقة تصبُّ في مصلحة بلدنا؟! أو في مصلحة مَنْ شَرَعَ إعلامه في معاملتناالآن؟!
ما جفَّت محابر مؤسسة راند الأمريكية، والتي أَوْصَتْ قبل سنتين بأهمية اختراق المجتمَعَات الإسلامية المحافِظة، من خلال التهوين من شأن العلماء، ومحاولة إسقاط مكانتهم في نفوس الناس،والإضرار برسالتهم - حتى رأينا حملات غير أخلاقية تتخطف أهل العلم واحدًا بعدآخر.
وأخيرًا عبادَ الله:
إذا لم يَسَعْ هؤلاءِ نصوص الوَحْيَيْن، وفتاوى العلماء الرسميين، أفلا يسعهم نصائح مؤسِّس هذا البلد، وتحذيره من الاختلاط؛ حيث قال - رحمه الله - ما نصه: "وأقبح مِن ذلك في الأخلاق ما حصَل من النساء في أمر اختلاط النساء، بدعوى تهذيبهن وترقيتهن، وفتح المجال لهن في أعمال لم يخلقن لها، حتى نبذن وظائفهن الأساسية، إلى أن قال: فلا والله ليس هذا التمدن في شرعنا، وعرفنا، وعاداتنا، ولا يرضى أحدٌ في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان أوإسلام أو مروءة - أن يرى زوجته، أو أحدًا من عائلته، أو من المنتسبين للخير في هذاالموقف المخزي.
هذه طريقة شائكة تدفع بالأمة إلى هوة الدمار، ولا يقبل السيْر عليها إلا رجل خارج من دينه، خارج من عقله، خارج من عربيَّته