فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ

أيقظ تفشي جائحة كورونا ذكريات العالم حول الأوبئة القديمة،
وكان موضوع الوباء تقليدا أدبيا مبثوثا في التاريخ الأدبي القديم،
وتناول عدد من الشعراء قصصا إنسانية تتراوح بين الألفة والفراق، ومشاعر من فقد حبيبه بالوباء،
وكذلك المحاصرين في الحجر الصحي أو الخائفين من العدوى أو الفارين من الموت.
ومن أشهر القصائد التي كان الوباء موضوعها قصيدة "الكوليرا"
للشاعرة العراقية الراحلة نازك الملائكة،
والتي اعتبرت بداية "الشعر الحر"،
مما جعل شهرة هذه القصيدة تفوق قصيدة الشاعر
علي الجارم التي كتبها عندما ضربت الكوليرا مسقط رأسه
"مدينة رشيد" بمصر عام 1895.
‏‫
قصيدة ( الكوليرا ) لنازك الملائكة

سكَن الليلُ
أصغِ إلى وَقْع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كل فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزّقَهُ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ
طَلَع الفجرُ
أصغِ إلى وَقْع خُطَى الماشينْ
في صمتِ الفجْر, أصِخْ, انظُرْ ركبَ الباكين
عشرةُ أمواتٍ, عشرونا
لا تُحْصِ أصِخْ للباكينا
اسمعْ صوتَ الطِّفْل المسكين
مَوْتَى, مَوْتَى, ضاعَ العددُ
مَوْتَى, موتَى, لم يَبْقَ غَدُ
في كلِّ مكانٍ جَسَدٌ يندُبُه محزونْ
لا لحظَةَ إخلادٍ لا صَمْتْ
هذا ما فعلتْ كفُّ الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
تشكو البشريّةُ تشكو ما يرتكبُ الموتْ
الكوليرا
في كَهْفِ الرُّعْب مع الأشلاءْ
في صمْت الأبدِ القاسي حيثُ الموتُ دواءْ
استيقظَ داءُ الكوليرا
حقْدًا يتدفّقُ موْتورا
هبطَ الوادي المرِحَ الوُضّاءْ
يصرخُ مضطربًا مجنونا
لا يسمَعُ صوتَ الباكينا
في كلِّ مكانٍ خلَّفَ مخلبُهُ أصداءْ
في كوخ الفلاّحة في البيتْ
لا شيءَ سوى صرَخات الموتْ
الموتُ الموتُ الموتْ
في شخص الكوليرا القاسي ينتقمُ الموتْ
الصمتُ مريرْ
لا شيءَ سوى رجْعِ التكبيرْ
حتّى حَفّارُ القبر ثَوَى لم يبقَ نَصِيرْ
الجامعُ ماتَ مؤذّنُهُ
الميّتُ من سيؤبّنُهُ
لم يبقَ سوى نوْحٍ وزفيرْ
الطفلُ بلا أمٍّ وأبِ
يبكي من قلبٍ ملتهِبِ
وغدًا لا شكَّ سيلقفُهُ الداءُ الشرّيرْ
يا شبَحَ الهيْضة ما أبقيتْ
لا شيءَ سوى أحزانِ الموتْ
الموتُ, الموتُ, الموتْ
يا مصرُ شعوري مزَّقَهُ ما فعلَ الموتْ
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
أحتاج في الدنيا لإحساسٍ وفي
د. ماجد عبد الله

🌷
هي لؤلؤة
هي نسمة الصبح الجميل الهادئة
لكنها من حزنها صارت كطيف مسافرٍ
لعبت به الأمواج حتى لم يلاقي مرفأه
فلمن ستعطي قلبها
ولمن ستمنح حبها
ماعاد في أحشائها نبضٌ
لتحيا كل ليلٍ بانتظار مفاجأة !
محزونة حتى النخاع
مقهورة حدّ الضياع
فالحزن من فرط المآسي
قد تعمق في الرئة !
والنص في سطر السنين معقدٌ
باللّه كيف لمثلها أن تقرأه ؟!
قد خبّأت دمع الحياة بصمتها
فلتسأل ا الدمع الحبيس بعينها
من خبأه ؟
هي لم تزل أنثى كأزهار الربيع
لكنها في كل خارطة الأنوثة لوحةٌ
رسم الرمان إطارها حزناً
على شكل امرأة !
المحامية نون
المحامية نون
يقول الشاعر إيليا أبو ماضي في قصيدة من ذهب :


إذا ألقى الزمان عليك شرا
وصار العيش في دنياك مرا
فلا تجزع لحالك بل تذكر
فكم أمضيت في الخيرات عمرا
وإن ضاقت عليك الأرض يوماً
وبت تئن من دنياك قهراً
فرب الكون ما أبكاك إلا
لتعلم أن بعد العسر يسرا
وإن جار الزمان عليك فاصبر
وسل مولاك توفيقا وأجرا
لعل الله أن يجزيك خيرا
ويملأ قلبك المكسور صبرا
وإن شن البغاة عليك حرباً
وأجروا من دم الأحرار نهرا
فلا تحزن فربك ذو انتقامٍ
سيصنع من دم الابطال نصرا
وإن فرض الطغاة عليك ذلاً
فلا تخضع وعش دنياك حرا
وقل يانفس لي ربُ كريمُ
سيسلخ من ظلام الليل فجرا
وإن جار الصديق عليك ظلماً
وقابل بالوفاء بعدا وهجرا
فلا تحزن عليه وعش عزيزاً
فقد كنت الوفي وكفاك فخرا
وإن صفت الحياة عليك فاحذر
فَرُبَّ بليةٍ تأتيك غدرا
فكم من مترفٍ بالمال فيها
فأصبح يرتدي ذلا وفقرا
وكم في الناس ذو ملك عظيمٍ
وقد ملك الدنا براً وبحرا
فبعد العز وافته المنايا
وأدخل في ظلام الليل قبرا
هي الدنيا فلا تركن إليها
ولا تجعل لها في القلب قدرا
ومد يديك للرحمن دوماً
فربك لن يرد يديك صفرا
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
الإمام الشافعي ~



وُلِد الإمام الشّافعي بغزَّة سنة 150هـ/ 204م،
ولما مات أبوه انتقلت به أمُّه إلى مكة؛ لتحافظ على نسبه من الضّياع،
ثم تنقَّل بين البلاد في طلب العلم، كان الشافعي فصيحاً شاعراً، ورامياً ماهراً، ورحّالاً مسافراً،
فحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين،
وحفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين،
أنجب الشافعي أربعة أبناء هم: محمد (أبو عثمان)، وفاطمة، وزينب من أم واحدة،
ومحمد (أبو الحسن) من جاريته المسماة دنانير.

وهذه إحدى قصائده الرائعة :
دع الأيام تفعـل مـا تشـاء
وطب نفساً إذا حكم القضـاء
ولا تـجزع لحادثـه الليالـي
فما لحوادث الدنيا بقـاء
وكن رجلاً على الأهـوال جلدا
وشيمتك السماحـة والوفـاء
وإن كثرت عيوبك في البرايـا
وسرك أن يكـون لهـا غطـاء
تستر بالسخـاء فكـل عيـب
يغطيه كمـا قيـل السخـاء
ولا ترى للأعـادي قـط ذلاً
فإن شماتـة الأعـداء بـلاء
ولا تـرج السماحة من بخيـل
فما في النار للظمـآن مـاء
ورزقك ليس ينقصـه التأنـي
وليس يزيد في الرزق العناء
ولا حـزن يـدوم ولا سـرور
ولا بؤس عليـك ولا رخـاء
إذا ما كنت ذا قلـب قنـوع
فأنت ومالـك الدنيـا سـواء
ومن نزلـت بساحتـه المنايـا
فلا أرض تقيـه ولا سمـاء
وأرض الله واسـعـة ولكـن
إذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الأيام تغـدر كـل حيـن
فما يغني عن الموت الـدواء
فيضٌ وعِطرْ
فيضٌ وعِطرْ
https://modo3.com/thumbs/fit630x300/201644/1541420959/شعر_عن_الصداقة_والوفاء.jpg


( الصديق ـ لمحمود سامي البارودي )
*** *** *** ***

لَيْسَ الصدِيقُ الذي تَعلُو مَنَاسِبه
بلِ الصديق الذي تزكو شمائله..
إن رابكَ الدهرُ لم تفشل عزائمهُ
أَو نَابَكَ الهَمُّ لَمْ تَفْتُر وَسائِلُهُ...
يَرعَاكَ فِي حَالَتَيْ بُعْدٍ وَمَقْرَبَةٍ
وَلاَ تغبكَ من خيرٍ فواضــلهُ..
لا كالذي يدَّعى وُداً وباطنهُ..
من جمر أحقادهِ تُغلى مراجلهُ
يذمُّ فعلَ أخيهِ مُظهراً أســــفاً
لِيُوهِمَ النَّاسَ أَنَّ الْحُزْنَ شَامِلُهُ
وَذاكَ منهُ عداء في مجامله..
فَاحْذَرْهُ، وَاعلَم بَأَنَّ الله خَاذِلُهُ