** المُحبّة للخير **
جزاك الله خير متابعين معك يالغاليه لاعدمناك
جزاك الله خير متابعين معك يالغاليه لاعدمناك
& أسيــــــــــــــــل &
وياك إن شاء الله أختي الكريمة بارك الله فيك .

الإسم التاسع عشر من أسماء الله الحسنى ..
(( العليــــــــــــم )) ...


الجزء الأول .....

قال تعالى:
{ ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفي على الله من شيءٍ في الأرض ولا في السماء "38" } (سورة إبراهيم)
وقال تعالى:
{ آلم "1" ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "2" الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون "3"} (سورة البقرة)

ولابد لنا من تعريف معنى (الغيب) وقلنا: إن الغيب هو ما غاب عن حواس الإنسان الظاهرة، وحواس الإنسان التي لا يدرك الإنسان نفسه حدودها، وأوضحنا أن الحس الإنساني لا يقتصر على الحواس الخمس الظاهرة (التنفس ـ التذوق ـ اللمس ـ السمع ـ الرؤية). ذلك أن هناك حواس أخرى لم تكن معروفة، وقدرات إنسانية لم يكن يعرفها البشر أيام بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه الحواس وتلك القدرات تعرف الإنسان عليها بعد تقدم العلم. ومازال هناك حتى الآن بعض احساسات للإنسان لم تستطع البشرية أن تكشف الأدوات التي يدرك الإنسان بها هذه الأحاسيس.

بل لقد تقدم العلم ليعلن العجز مع استمرار المعادلة في كشف آفاق قدرات الإحساس عند الإنسان .. حاول العلم ويعجز في أحيان أخرى، بل إن الدراسات الخاصة بعمل (مخ) الإنسان، مازالت تقف عاجزة أمام بعض أسرار عمل المخ وعلاقته بحواس الإنسان الظاهرة والباطنة. وأوضحنا أن معنى كلمة (الغيب) ليس المقصود بها ما لا يعرفه الإنسان، ولا يدخل التنبؤ بالطقس تحت طائلة معنى (الغيب) على سبيل المثال.
إن (الغيب) هو الذي يغيب عن الإنسان وعن البشرية جمعاء. فإذا علم واحد شيئاً جديداً كان معلوماً عند غيره فلا يقال عن ذلك (علم الغيب)، وإذا علم الإنسان شيئاً كان مطموراً في الكون أو مستوراً كاكتشاف البترول أو الكهرباء. فذلك أيضاً ليس علماً بالغيب، إنما هو اكتشاف إنساني جاء بعد أن أضنى الإنسان فكره وعمله ليصل إلي هذا الاكتشاف أو ذاك، فكل علم من علوم الدنيا يبدأ دائما بافتراض مقدمات، هذه المقدمات تؤدي إلى نتائج، وذلك ليس غيباً، ومادام الشيء بذاته محسوساً أو بمقدماته التي تدل على محسوسة، فليس ذلك بغيب. إذن: ما الغيب الذي أراد الله أن نؤمن به؟

إنه الغيب الذي لا يكون مصدره إلا الله سبحانه وتعالى، ذلك أن الإيمان لا يكون مصدره إلا الله سبحانه وتعالى، ذلك أن الإيمان لا يمكن أن يتعلق بشيء محسوس أبداً. فلا يقال مثلاً (أنا أؤمن بأن الشمس ساطعة) ولا يقال أيضاً: أنا أؤمن بأن القمر يكون بدراً في منتصف الشهر العربي. مثل هذه الحقائق يقال عنها: إن الإنسان يؤمن بها لأنها أمور محسوسة، لكن يقال مثلاً: (أنا أعلم أن الشمس ساطعة، وأعرف أن القمر بدر في منتصف الشهر العربي)؛ لأن ذلك إدراك بالحواس، والحواس هي نوافذ العلم والمعرفة، وهي بذلك تختلف عن الغيب.


حيث إن الإيمان الحقيقي هو إيمان بالغيب المطلق، إيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر.
وفي رواية عن سيدنا عمر رضي الله عنه قال ما معناه: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، ووضع ركبته على ركبتي رسول الله، ووضع يديه على فخذي رسول الله، وسأل السائل رسول الله: ما الإيمان؟ أجاب الله: أن تؤمن بالله (وهو غيب)، وملائكته (وهم غيب)، ورسله (وهم غيب)، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره (وهذا أيضاً غيب)، وأن تؤمن باليوم الآخر (وهو غيب).
وأضاف السائل سؤالاً أخيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ومتى تقوم الساعة؟ أجاب الرسول: "ما المسئول بأعلم من السائل" وانصرف الرجل، فقال الرسول: أتعلمون من كان هذا الرجل؟ قلنا: لا نعلم يا رسول الله. أجاب الرسول: "أنه جبريل جاء يعلمكم أمر دينكم"
وقد يتساءل أحد: كيف تكون الكتب السماوية والرسل من علم الغيب؟ هنا نقول: إن الكتب السماوية غيب؛ لأن أحداً لم يرد كيف نزلت الكتب على الرسل. أيضاً الرسل غيب؛ لأن الرسول نفسه كان لا يعرف أمر اختياره إلا لحظة أن يوحي الله إليه بالرسالة.

وكلنا نعرف قصة إبلاغ موسى بأنه رسول، وكلنا نعرف قصة إبلاغ محمد رسول الله بأنه رسول الله إلي المسلمين، وكافة الخلق أجمعين أن الكتب والرسل من أمر الغيب علينا أن نصدق ذلك، وأن نسلم به؛ لأن الكتب رغم أنها محسوسة، والرسل رغم أن بلاغهم واضح لنا بياناً عن الخير والشر، والمنهج الذي يقود البشرية إلي اتباعه رغم هذا البلاغ الواضح فإنهم جميعاً من أمر الغيب وعلى الرغم من أن القرآن محسوس بالكلمات التي نقرأها ونكتبها، وهو أمر نعرفه جميعاً، ونعرف أنه نزل على الرسول الكريم الذي أخبرنا بذلك. وعلى الرغم من أن الرسول الكريم قد كانت حياته وكلماته ورحلة هدايته لنا أمراً محسوساً، على الرغم من كل ذلك فكل هذه الأحداث مسائل غيبية لم تكن في حساب البشر.

قال تعالى:
{وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة .. "73"} (سورة الأنعام)
وهكذا يوم ينفخ في الصور تزاح الأسباب، ونرى الملك لله مباشرة بلا أسباب، والنفخة الأولى يموت فيها كل من له حياة إلا من شاء الله. والنفخة الثانية يبعث الموتى من القبور، وعندما يتم البعث نعرف أن الله يعلم الغيب، أي ما هو خفى عنا، ويعلم الشهادة أي ما هو مشهود. ونتساءل: مادام الله عالم الغيب، هل لا يعرف ما هو مشهود؟
نقول لك: إن هذا تعبير دقيق جداً؛ لأن أصل الحق غيب عنا فيمكن أن يقال: إن الله غيب ويعلم ما في الغيب، كأن يقول إنه يعيش معي في البيت فيعرف ما في الغيب. الحق غيب عنه، ولكنه يعلم الغيب ويعلم الشهادة وعلمه يترتب عليه الجزاء، والجزاء هنا يتم عن حكمة، وليس عن تحكم. وفرق بين الحكمة والتحكم. يقول الحق سبحانه وتعالى آمراً نبيه أن يبلغه للسائلين:

{ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء .. "188"} (سورة الأعراف)
** المُحبّة للخير **
& أسيــــــــــــــــل & وياك إن شاء الله أختي الكريمة بارك الله فيك . الإسم التاسع عشر من أسماء الله الحسنى .. (( العليــــــــــــم )) ... الجزء الأول ..... قال تعالى: { ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفي على الله من شيءٍ في الأرض ولا في السماء "38" } (سورة إبراهيم) وقال تعالى: { آلم "1" ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "2" الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون "3"} (سورة البقرة) ولابد لنا من تعريف معنى (الغيب) وقلنا: إن الغيب هو ما غاب عن حواس الإنسان الظاهرة، وحواس الإنسان التي لا يدرك الإنسان نفسه حدودها، وأوضحنا أن الحس الإنساني لا يقتصر على الحواس الخمس الظاهرة (التنفس ـ التذوق ـ اللمس ـ السمع ـ الرؤية). ذلك أن هناك حواس أخرى لم تكن معروفة، وقدرات إنسانية لم يكن يعرفها البشر أيام بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه الحواس وتلك القدرات تعرف الإنسان عليها بعد تقدم العلم. ومازال هناك حتى الآن بعض احساسات للإنسان لم تستطع البشرية أن تكشف الأدوات التي يدرك الإنسان بها هذه الأحاسيس. بل لقد تقدم العلم ليعلن العجز مع استمرار المعادلة في كشف آفاق قدرات الإحساس عند الإنسان .. حاول العلم ويعجز في أحيان أخرى، بل إن الدراسات الخاصة بعمل (مخ) الإنسان، مازالت تقف عاجزة أمام بعض أسرار عمل المخ وعلاقته بحواس الإنسان الظاهرة والباطنة. وأوضحنا أن معنى كلمة (الغيب) ليس المقصود بها ما لا يعرفه الإنسان، ولا يدخل التنبؤ بالطقس تحت طائلة معنى (الغيب) على سبيل المثال. إن (الغيب) هو الذي يغيب عن الإنسان وعن البشرية جمعاء. فإذا علم واحد شيئاً جديداً كان معلوماً عند غيره فلا يقال عن ذلك (علم الغيب)، وإذا علم الإنسان شيئاً كان مطموراً في الكون أو مستوراً كاكتشاف البترول أو الكهرباء. فذلك أيضاً ليس علماً بالغيب، إنما هو اكتشاف إنساني جاء بعد أن أضنى الإنسان فكره وعمله ليصل إلي هذا الاكتشاف أو ذاك، فكل علم من علوم الدنيا يبدأ دائما بافتراض مقدمات، هذه المقدمات تؤدي إلى نتائج، وذلك ليس غيباً، ومادام الشيء بذاته محسوساً أو بمقدماته التي تدل على محسوسة، فليس ذلك بغيب. إذن: ما الغيب الذي أراد الله أن نؤمن به؟ إنه الغيب الذي لا يكون مصدره إلا الله سبحانه وتعالى، ذلك أن الإيمان لا يكون مصدره إلا الله سبحانه وتعالى، ذلك أن الإيمان لا يمكن أن يتعلق بشيء محسوس أبداً. فلا يقال مثلاً (أنا أؤمن بأن الشمس ساطعة) ولا يقال أيضاً: أنا أؤمن بأن القمر يكون بدراً في منتصف الشهر العربي. مثل هذه الحقائق يقال عنها: إن الإنسان يؤمن بها لأنها أمور محسوسة، لكن يقال مثلاً: (أنا أعلم أن الشمس ساطعة، وأعرف أن القمر بدر في منتصف الشهر العربي)؛ لأن ذلك إدراك بالحواس، والحواس هي نوافذ العلم والمعرفة، وهي بذلك تختلف عن الغيب. حيث إن الإيمان الحقيقي هو إيمان بالغيب المطلق، إيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر. وفي رواية عن سيدنا عمر رضي الله عنه قال ما معناه: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، ووضع ركبته على ركبتي رسول الله، ووضع يديه على فخذي رسول الله، وسأل السائل رسول الله: ما الإيمان؟ أجاب الله: أن تؤمن بالله (وهو غيب)، وملائكته (وهم غيب)، ورسله (وهم غيب)، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره (وهذا أيضاً غيب)، وأن تؤمن باليوم الآخر (وهو غيب). وأضاف السائل سؤالاً أخيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ومتى تقوم الساعة؟ أجاب الرسول: "ما المسئول بأعلم من السائل" وانصرف الرجل، فقال الرسول: أتعلمون من كان هذا الرجل؟ قلنا: لا نعلم يا رسول الله. أجاب الرسول: "أنه جبريل جاء يعلمكم أمر دينكم" وقد يتساءل أحد: كيف تكون الكتب السماوية والرسل من علم الغيب؟ هنا نقول: إن الكتب السماوية غيب؛ لأن أحداً لم يرد كيف نزلت الكتب على الرسل. أيضاً الرسل غيب؛ لأن الرسول نفسه كان لا يعرف أمر اختياره إلا لحظة أن يوحي الله إليه بالرسالة. وكلنا نعرف قصة إبلاغ موسى بأنه رسول، وكلنا نعرف قصة إبلاغ محمد رسول الله بأنه رسول الله إلي المسلمين، وكافة الخلق أجمعين أن الكتب والرسل من أمر الغيب علينا أن نصدق ذلك، وأن نسلم به؛ لأن الكتب رغم أنها محسوسة، والرسل رغم أن بلاغهم واضح لنا بياناً عن الخير والشر، والمنهج الذي يقود البشرية إلي اتباعه رغم هذا البلاغ الواضح فإنهم جميعاً من أمر الغيب وعلى الرغم من أن القرآن محسوس بالكلمات التي نقرأها ونكتبها، وهو أمر نعرفه جميعاً، ونعرف أنه نزل على الرسول الكريم الذي أخبرنا بذلك. وعلى الرغم من أن الرسول الكريم قد كانت حياته وكلماته ورحلة هدايته لنا أمراً محسوساً، على الرغم من كل ذلك فكل هذه الأحداث مسائل غيبية لم تكن في حساب البشر. قال تعالى: {وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة .. "73"} (سورة الأنعام) وهكذا يوم ينفخ في الصور تزاح الأسباب، ونرى الملك لله مباشرة بلا أسباب، والنفخة الأولى يموت فيها كل من له حياة إلا من شاء الله. والنفخة الثانية يبعث الموتى من القبور، وعندما يتم البعث نعرف أن الله يعلم الغيب، أي ما هو خفى عنا، ويعلم الشهادة أي ما هو مشهود. ونتساءل: مادام الله عالم الغيب، هل لا يعرف ما هو مشهود؟ نقول لك: إن هذا تعبير دقيق جداً؛ لأن أصل الحق غيب عنا فيمكن أن يقال: إن الله غيب ويعلم ما في الغيب، كأن يقول إنه يعيش معي في البيت فيعرف ما في الغيب. الحق غيب عنه، ولكنه يعلم الغيب ويعلم الشهادة وعلمه يترتب عليه الجزاء، والجزاء هنا يتم عن حكمة، وليس عن تحكم. وفرق بين الحكمة والتحكم. يقول الحق سبحانه وتعالى آمراً نبيه أن يبلغه للسائلين: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء .. "188"} (سورة الأعراف)
& أسيــــــــــــــــل & وياك إن شاء الله أختي الكريمة بارك الله فيك . الإسم التاسع...
(( الجزء الثاني )) ...

أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول إنه لا يعلم الغيب إلا ما شاء الله سبحانه وتعالى أن يطلعه عليه، ولذلك انتصر المسلمون في بدر وانهزموا في أحد، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم هذه الهزيمة ما حارب في أحد. ولكن الله سبحانه وتعالى أراد للمسلمين أن يمروا بتجربة إيمانية كبرى، فجعلهم ينهزمون؛ لأنهم عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغادر الرماة أماكنهم عند سفح الجبل مخالفين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي طلب منهم ألا يغادروا أماكنهم مهما حدث، ولكنهم طمعوا في الغنائم وعصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأراد الله أن يلفتهم أن النصر من عند الله وليس بقوتهم، وأنهم إذا خالفوا رسول الله سيصيبهم الذل والهوان في الدنيا حتى يعلموا أن العزة في تمسكهم بمهج الله، وليس في قوتهم وذاتيتهم. إذن: فلله أقدار عليا تجري بها الأمور، وحكمة يتم بها كل شيء، ولا يعلم قدر الله إلا هو، أو من شاء أن يطلعه عليه، وذلك حتى يعرف الجميع أن أقدارهم في يد الله وحده، وأن كل شيء من الله، فإن أصابهم الخير شكروا، وإن أصابهم السوء صبروا؛ لأن على هذا ثواباً. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أقرب خلق الله إلي الله، يطلب منه الحق سبحانه وتعالى أن يعلن للناس أنه لا يعد الغيب، فلا يأتي أحد ويدعي أنه يعلم الغيب، وأنه يعرف ما سيحدث، أو أنه يستطيع أن يأتي لنفسه بالخير أو يدفع عنها الضر، فلا يغتر بقوته ولا يتكبر.

غيب الإطلاق
إن لله غيب السماوات والأرض، والغيب نسبي ومطلق، فقد يكون غيباً نسبياً، إذا سرق منك أي شيء، فأنت لا تعرف من الذي سرقك، ولكن السارق يعرف، والذين ساعدوه يعرفون فهذا غيب نسبي، قد يكون الوزير قد وقع قراراً بترقيتك، ولكنك لا تعرفه، فهو غيب عنك، وليس غيباً عن غيرك. الله سبحانه وتعالى فرق في كتابه بين الغيب المطلق والغيب النسبي، فالغيب النسبي له مقومات، إذا استخدمتها وصلت إلي النتائج، أدلة مثلاً توصلك للسارق، نظريات توصلك لاكتشاف قوانين في الكون؛ ولذلك فعندما يتعرض الله لهذه القضية.
يقول سبحانه وتعالى:
{ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء .. "255"} (سورة البقرة)
أي: لا تصل أبداً إلي الغيب المطلق الذي هو في علم الله إلا إذا شاء الله سبحانه وتعالى، وكل اكتشاف في الكون له ميلاد. الكهرباء لها ميلاد، وتفتيت الذرة له ميلاد، فإذا صادف ميلاده عالماً يبحث عنه كشفه الله له، وإذا جاء الميلاد ولم يوجد الباحث كشفه الله بطريق الصدفة. فالبنسلين اكتشف صدفة، والجاذبية صدفة وقاعدة أرشميدس صدفة، فالله إذا أذن للشيء أن يولد ـ ولم يوجد فيه بحث ـ كشفه لخلقه، والغيب المطلق ليس له مقدمات.

والله سبحانه وتعالى يقول:
{ ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله "123"} (سورة هود)
من الذي يرجع الأمر؟ الله سبحانه وتعالى، فالله بسلطانه في ملكه ضبط كل مخلوق، وكل شيء له توقيت ساعة، يأتي توقيته من نفسه، فكل شيء مرتب. والحق سبحانه وتعالى يقول:
{وإنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون "82"} (سورة يس)


والأمر هو ما يتعلق بكل أحداث الكون، والله خلق في الكون أشياء وترك ملكيتها له سبحانه وتعالى أنت تنتفع بها فقط، فالشمس تشرق وتعطيك الضوء والحرارة، ولكنها لا تدخل في ملكيتك؛ لأنها من أساسيات الحياة، فلا يعطيها الله لمخلوق مختار كي يعبث بالكون كله. وكذلك قوانينه العليا. والأرض بعناصرها، لا يأتمن الله سبحانه أحداً عليها، فالله سبحانه وتعالى في أساسيات الحياة، وهي: الهواء والشراب والطعام لا يملك الهواء لأحد أبداً لأنه ينهي حياة الإنسان في دقائق، والماء أقل فلا يمكن إلا بقدر.
الطعام نستطيع أن نصبر عليه شهراً، ويوجد مخزون منه في الجسم، فإذا جاء وقت الغداء مثلاً ولم نجد طعاماً أخذت الوجبة من المخزون في جسدك. فالله لا يملك لأحد أساسيات الكون والحياة، ولكنه يملكه أشياء أخرى يخلقها له، واقرأ قوله تعالى:
{أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون "71" وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون "72"} (سورة يس)

إياك أن تعتقد أنك ملكتها بقوتك وذللتها بقدرتك، ولكن ملكتها بقدرة الله؛ لذلك تجد الطفل الصغير يقود الجمل فيطيعه، بينما الرجل الكبير يأتيه برغوث في الفراش فلا ينام؛ لأن الله ذلل لنا الجمل، ولكنه لم يذلل لنا البرغوث. وفي الكون أحوال تستمر لفترات موقوتة، هذا فقير ثم يغنيه الله، وهذا ملك ثم ينزع عنه عرشه، وهذا خادم ثم يصبح سيداً، حتى يفهم الجميع أنه لا يوجد إنسان يحصل على شيء بذاته بل بقدرة الله سبحانه وتعالى، فإذا جاءت الآخرة عاد كل شيء إلى الله.

والله سبحانه وتعالى جعل لك إرادة على جوارحك فاللسان إن قلت له: انطق كلمة الإيمان نطق وإن قلت قل كلمة الكفر قال: والقدم تمشي إلي المسجد وتوصلك إلي الخمارة، واليد تقتل أو تساعد عاجزاً على عبور الطريق. فإذا جاء يوم القيامة انتهى تسخير جوارحك لتطيعك، فتشهد عليك قدمك وجلدك ولسانك، واقرأ قوله تعالى:
{يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون "24"} (سورة النور)
والغيب المطلق لله سبحانه وتعالى هو غيب السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، ولابد أن نتنبه إلي قوله تعالى:
{ وما تحت الثرى "6"} (سورة طه)
لنرى الثروات الهائلة الموجودة تحت الأرض التي يستخرجها الناس اليوم من الكنوز الموجودة في باطن الأرض. وقوله تعالى:
{ وإليه يرجع الأمر كله .. "123"} (سورة هود)
لأن الله سبحانه وتعالى أعطى لعبيده من فيوضات صفاته في الدنيا، ثم يعود كل شيء إلي الله سبحانه وتعالى يوم القيامة.

علم الأزل
علم الله الأزلي الغيب لا نرى نحن به الحجة، لذلك لا تقوم الحجة ظاهرة بيننا، ولكن حين يبرز علم الله الى الوجود أمامنا، فإنه علم تقوم به الحجة واضحة على من آمن وعلى من آمن وعلى من لم يحسن الإيمان، وذلك حتى لا يدعي أحد لنفسه أنه كان سوف يفعل لكن الفرص لم تواته، وهكذا تأتي المواقف الاختيارية ليعلم كل منا نفسه، ونبرز الحجة علينا جميعاً.

إذن: ففيه فرق بين علم الله الأزلي للأشياء كما سوف تحدث، ولكن لا تقوم به الحجة علينا، فقد يدعي البعض أنه لو قامت معركة شديدة فإنهم كانوا سوف يصمدون، ولكن عندما تقوم المعركة بالفعل، فنحن نرى من الصامد من هو غير ذلك. (ولله المثل الأعلى) نحن في حياتنا العادية أن عميد إحدى الكليات يأتي إلي المدرس ويقول له: إننا نريد أن نعقد امتحاناً لنتعرف على المتفوقين من الطلاب، ونمنح كلاً منهم جائزة فيرد المدرس: ولماذا الامتحان؟ إنني أستطيع أن أقول لك من هم المتفوقون، وأن أرتبهم لك من الأول ومن الثاني وهكذا، ولكن عميد الكلية لا يصدق المدرس، ويطلب عقد امتحان ويختار العميد مدرساً آخر ليضع هذا الامتحان وتظهر النتيجة، ويكون توقع المدرس هو الصائب.

إن تفوق هؤلاء التلاميذ صار تفوقاً بحجة أن ذلك في المستوى البشري، فما بالنا بعلم الله الأزلي المطلق؟ فالحق بعلمه الأزلي يعلم كل شيء ويحيط بكل شيء، ولكنه لا يقول لنا: أنا لو كنت أعلم أنني سأصنع معركة بينكم وبين أعدائكم، وأنكم كنتم ستتصرفون كذا وكذا، ولكنهم كان يمكن أن يحاولوا ويدعوا لأنفسهم أشياء ليست فيهم. إن الحق سبحانه يضع الاختبار ويدخل المسلمون المعركة، وتكون النتيجة مطابقة لما يعلمه الله، إن التغيير هنا لا يكون في المعلوم لله ليس في العالم، بل في المعلوم بحيث نراه حجة علينا.
نسيم الود
نسيم الود

يعطيك العافيه


** المُحبّة للخير **
& أسيــــــــــــــــل & وياك إن شاء الله أختي الكريمة بارك الله فيك . الإسم التاسع عشر من أسماء الله الحسنى .. (( العليــــــــــــم )) ... الجزء الأول ..... قال تعالى: { ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفي على الله من شيءٍ في الأرض ولا في السماء "38" } (سورة إبراهيم) وقال تعالى: { آلم "1" ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين "2" الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون "3"} (سورة البقرة) ولابد لنا من تعريف معنى (الغيب) وقلنا: إن الغيب هو ما غاب عن حواس الإنسان الظاهرة، وحواس الإنسان التي لا يدرك الإنسان نفسه حدودها، وأوضحنا أن الحس الإنساني لا يقتصر على الحواس الخمس الظاهرة (التنفس ـ التذوق ـ اللمس ـ السمع ـ الرؤية). ذلك أن هناك حواس أخرى لم تكن معروفة، وقدرات إنسانية لم يكن يعرفها البشر أيام بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه الحواس وتلك القدرات تعرف الإنسان عليها بعد تقدم العلم. ومازال هناك حتى الآن بعض احساسات للإنسان لم تستطع البشرية أن تكشف الأدوات التي يدرك الإنسان بها هذه الأحاسيس. بل لقد تقدم العلم ليعلن العجز مع استمرار المعادلة في كشف آفاق قدرات الإحساس عند الإنسان .. حاول العلم ويعجز في أحيان أخرى، بل إن الدراسات الخاصة بعمل (مخ) الإنسان، مازالت تقف عاجزة أمام بعض أسرار عمل المخ وعلاقته بحواس الإنسان الظاهرة والباطنة. وأوضحنا أن معنى كلمة (الغيب) ليس المقصود بها ما لا يعرفه الإنسان، ولا يدخل التنبؤ بالطقس تحت طائلة معنى (الغيب) على سبيل المثال. إن (الغيب) هو الذي يغيب عن الإنسان وعن البشرية جمعاء. فإذا علم واحد شيئاً جديداً كان معلوماً عند غيره فلا يقال عن ذلك (علم الغيب)، وإذا علم الإنسان شيئاً كان مطموراً في الكون أو مستوراً كاكتشاف البترول أو الكهرباء. فذلك أيضاً ليس علماً بالغيب، إنما هو اكتشاف إنساني جاء بعد أن أضنى الإنسان فكره وعمله ليصل إلي هذا الاكتشاف أو ذاك، فكل علم من علوم الدنيا يبدأ دائما بافتراض مقدمات، هذه المقدمات تؤدي إلى نتائج، وذلك ليس غيباً، ومادام الشيء بذاته محسوساً أو بمقدماته التي تدل على محسوسة، فليس ذلك بغيب. إذن: ما الغيب الذي أراد الله أن نؤمن به؟ إنه الغيب الذي لا يكون مصدره إلا الله سبحانه وتعالى، ذلك أن الإيمان لا يكون مصدره إلا الله سبحانه وتعالى، ذلك أن الإيمان لا يمكن أن يتعلق بشيء محسوس أبداً. فلا يقال مثلاً (أنا أؤمن بأن الشمس ساطعة) ولا يقال أيضاً: أنا أؤمن بأن القمر يكون بدراً في منتصف الشهر العربي. مثل هذه الحقائق يقال عنها: إن الإنسان يؤمن بها لأنها أمور محسوسة، لكن يقال مثلاً: (أنا أعلم أن الشمس ساطعة، وأعرف أن القمر بدر في منتصف الشهر العربي)؛ لأن ذلك إدراك بالحواس، والحواس هي نوافذ العلم والمعرفة، وهي بذلك تختلف عن الغيب. حيث إن الإيمان الحقيقي هو إيمان بالغيب المطلق، إيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر. وفي رواية عن سيدنا عمر رضي الله عنه قال ما معناه: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، ووضع ركبته على ركبتي رسول الله، ووضع يديه على فخذي رسول الله، وسأل السائل رسول الله: ما الإيمان؟ أجاب الله: أن تؤمن بالله (وهو غيب)، وملائكته (وهم غيب)، ورسله (وهم غيب)، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره (وهذا أيضاً غيب)، وأن تؤمن باليوم الآخر (وهو غيب). وأضاف السائل سؤالاً أخيراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ومتى تقوم الساعة؟ أجاب الرسول: "ما المسئول بأعلم من السائل" وانصرف الرجل، فقال الرسول: أتعلمون من كان هذا الرجل؟ قلنا: لا نعلم يا رسول الله. أجاب الرسول: "أنه جبريل جاء يعلمكم أمر دينكم" وقد يتساءل أحد: كيف تكون الكتب السماوية والرسل من علم الغيب؟ هنا نقول: إن الكتب السماوية غيب؛ لأن أحداً لم يرد كيف نزلت الكتب على الرسل. أيضاً الرسل غيب؛ لأن الرسول نفسه كان لا يعرف أمر اختياره إلا لحظة أن يوحي الله إليه بالرسالة. وكلنا نعرف قصة إبلاغ موسى بأنه رسول، وكلنا نعرف قصة إبلاغ محمد رسول الله بأنه رسول الله إلي المسلمين، وكافة الخلق أجمعين أن الكتب والرسل من أمر الغيب علينا أن نصدق ذلك، وأن نسلم به؛ لأن الكتب رغم أنها محسوسة، والرسل رغم أن بلاغهم واضح لنا بياناً عن الخير والشر، والمنهج الذي يقود البشرية إلي اتباعه رغم هذا البلاغ الواضح فإنهم جميعاً من أمر الغيب وعلى الرغم من أن القرآن محسوس بالكلمات التي نقرأها ونكتبها، وهو أمر نعرفه جميعاً، ونعرف أنه نزل على الرسول الكريم الذي أخبرنا بذلك. وعلى الرغم من أن الرسول الكريم قد كانت حياته وكلماته ورحلة هدايته لنا أمراً محسوساً، على الرغم من كل ذلك فكل هذه الأحداث مسائل غيبية لم تكن في حساب البشر. قال تعالى: {وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة .. "73"} (سورة الأنعام) وهكذا يوم ينفخ في الصور تزاح الأسباب، ونرى الملك لله مباشرة بلا أسباب، والنفخة الأولى يموت فيها كل من له حياة إلا من شاء الله. والنفخة الثانية يبعث الموتى من القبور، وعندما يتم البعث نعرف أن الله يعلم الغيب، أي ما هو خفى عنا، ويعلم الشهادة أي ما هو مشهود. ونتساءل: مادام الله عالم الغيب، هل لا يعرف ما هو مشهود؟ نقول لك: إن هذا تعبير دقيق جداً؛ لأن أصل الحق غيب عنا فيمكن أن يقال: إن الله غيب ويعلم ما في الغيب، كأن يقول إنه يعيش معي في البيت فيعرف ما في الغيب. الحق غيب عنه، ولكنه يعلم الغيب ويعلم الشهادة وعلمه يترتب عليه الجزاء، والجزاء هنا يتم عن حكمة، وليس عن تحكم. وفرق بين الحكمة والتحكم. يقول الحق سبحانه وتعالى آمراً نبيه أن يبلغه للسائلين: {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء .. "188"} (سورة الأعراف)
& أسيــــــــــــــــل & وياك إن شاء الله أختي الكريمة بارك الله فيك . الإسم التاسع...
الإسمين العشرين , الحادي و العشرين من أسماء الله الحسنى ...
(( القابـــض .. الباسط )) ....


(( الجزء الأول )) ...

الحق سبحانه وتعالى هو الذي يقبض ويبسط، أي: أنه الذي يعطي الرزق اختباراً، ويمنع الرزق اختباراً. ويرد لك ما تعطيه لغيرك، أو تنفقه في سبيل الله أضعافاً مضاعفة، ويأمر المقترض بضرورة سداد القرض متى أصبح قادراً وإليه ترجعون، فيأخذ كل ذي حق حقه. الحق سبحانه وتعالى عنده الخزائن التي لا تنفذ إذا أعطى لكل واحد مطلوبه، فلن ينقص ذلك مما عنده شيئاً.

قال تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي، لو أن أولكم وآخرك، وحيكم وميتكم، ورطبكم ويابسكم اجتمعوا في صعيد واحد، فسأل كل إنسان منكم ما بلغت أمنيته، فأعطيت كل سائل منكم ما سأل ما نقص ذلك من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بالبحر فغمس فيه إبرة ثم رفعها إليه ذلك بأني جواد ماجد، افعل ما أريد، عطائي كلام، وعذابي كلام، إنما أمري بشيء إذا أردته أن أقول له: كن فيكون".

لأن الإنسان لو لم يكن محتاجاً في بطنه قوت، وعلى بدنه ثياب، وفي بطن أولاده قوت، وعلى أجسادهم ثياب، فإنه لا يذهب إلي المهن التي تتطلبها الحياة ويعمل بها، ولكن الذي يجعله يلجأ إلي هذه الأعمال حاجته إلي المال، فالله يقبض عنه حتى يزاول حركته الحياة التي يستنكف أن يصفها إن لم يكن محتاجاً. والله لا يريد لحركة الحياة أن يتفضل الناس على الناس، بل لابد أن ترتبط مصالح الناس على الناس، بل لابد أن ترتبط مصالح الناس عند الناس بالحاجة من الناس إلي الناس. فإذا كان الحق سبحانه لا يبسط على الناس كل البسط، ولا يقبض عنهم كل القبض، ولكنه يبسط ويقبض.
قال تعالى:
{ الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر .. "26"} (سورة الرعد)
فإذا كان الحق ـ سبحانه وتعالى ـ الذي لا تنفد خزائنه يعطي بمقدار، فلا يبسط على الناس جميعاً، ولا يقبض عنهم جميعاً، فمن باب أولى أن يكون الإنسان كذلك، فلا يبسط يده كل البسط، ولا يجعلها مغلولة إلي عنقه، ويقبضها كل القبض. وهذه نظرية اقتصادية تضمن راحة الدنيا؛ لأن الذي يتعب الحياة أن صاحب الرزق الضيق، يريد أن يعيش في مستوى الذي وسع عليه في رزقه نقول له لا، رحم الله أمراً عرف قدر نفسه.

فساعة تدخل مثلاً أنت وزميل لك متجراً ليشتري كل منكما بذلة، وكل منكما يتقاضى راتباً قدره مائة جنيه مثلاً أنت أبوك غني يعطيك على المائة جنية خمسين جنيهاً من عنده، فيكون دخلك مائة وخمسين جنيهاً، وزميلك والده فقير فيعطيه ابنه ثلاثين جنيهاً، ويعيش هو بسبعين جنيهاً. إذن: فمستواه الاقتصادي ليس هو المستوى العلمي والوظيفي معاً، فدخله نصف دخلك تماماً، فإذا اشتريت أنت بذلة ثمنها ثلاثون جنيهاً مثلاً، فالكلام الاقتصادي الدقيق أن يشتري هو بذلة ثمنها خمسة عشر جنيهاً؛ لأن مستواه الاقتصادي كذلك.

لكن الذي يتعب الدنيا أن الفقير يعاند الغني ويحاول أن يظهر بمظهره وينفق مثله في الأكل والشرب والمعيشة، وهذه آفة المجتمعات، ورحم الله امرؤ عرف قدر نفسه. ولنعلم أن الذي يحترم قدر الله حين يقدر الله عليه ويعيش في مستواه غير متمرد على وضعه. يقول له الله سبحانه وتعالى: "رضيت بقدري فيك فأرفعك إلي قدري عندك". ولذلك نجد كل واحد يرضي بقدر الله فيه، ويعيش في رضاء وشكر لله، ولا يتطلع إلي ما أتى الله بعض خلقه، ويقبل الرزق من الرازق يقول له الحق سبحانه وتعالى: "أنت رضيت بقسمتي وقدري فيك، فسأعطيك افضل ما أعطي خلقي".

وكل الناس الذين يرضون بقدر الله فيهم ولا يحقدون أو يغضبون تجد حياتهم ترتقي ارتقاءات عالية ويعيشون عيشة سعيدة مطمئنة. فالله سبحانه وتعالى يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر؛ لأن تعالى يريد أن يضع الإنسان خليفة في الأرض وليس أصيلاً فيها، والذي يتعب الدنيا أن يظن الإنسان نفسه أصيلاً في الكون نقول له: لا أنت خليفة فقط. والخيبة كل الخيبة أن ينسى الإنسان أنه خليفة في الكون، ويظن أنه أصيل فيه، والخليفة يعني أنه خليفة لمن استخلفه، فأنت ممدود ممن أمدك، فإياك أن تفتري أو أن تعيش في مستوى فوق المستوى الذي قدره الله لك. فالله يبسط الرزق لهذا، ويقبضه عن هذا، يضيق على الغني، ويوسع على الفقير، ليولد في الإنسان غرور الاستغناء عن الله، فلا يظن أحد أنه بغناه استغنى عن ربه.

فلو أن الله متع الإنسان دائماً بالصحة لما استمتع الكون بلذة دعاء المريض، اللهم اشفني، ولو متعه بالغنى لما قال أحد: يا رب ارزقني، فالذي يجعل الإنسان مردوداً للمنعم أن النعمة بيده سبحانه. قال تعالى:

{ كلا إن الإنسان ليطغى "6" إن رآه استغنى "7"} (سورة العلق)
فالبسط والقبض والسعة والتضييق لكل منها حكمة، فالله لا يبسط للناس كل البسط فيعطيهم ما يريدون، ولا يقبض عليهم كل القبض فيعطيهم ما يكرهون، ولكن يعطي هذا، ويمنع هذا، لتستقيم حركة الحياة. فإذا كان الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر الكون، فلو استغنى كل واحد لاستقل بذاته عن الناس، وتمرد على الكون وما فيه، ويكثر الحقد والبغض. ولكن حين يعلم الإنسان أنه ابن أغيار، وأن الغنى أو الفقر ليس أصيلاً فيه، وأنه من عند الله، حينئذ سيرضى بقدر الله فيه، فإن أعطاه شكر وشعر بالفقراء والمحتاجين، وأعطاهم من فضل الله، وإن ضيق عليه صبر، وعلم أن هذا ابتلاء من الله.

فمن رضى التضييق في وقت، وسع الله عليه في وقت آخر، والذي يغتر بالنعمة في وقت يضيق الله عليه في وقت آخر؛ ليظل الكون المخلوق موصولاً بالمكون الخالق، فقوله تعالى:
{ إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيراً بصيراً "30"} (سورة الإسراء)


أي: أن ربك يا محمد أنت عبده أكرم الخلق، ومع ذلك حين يبسط الله لك أصبحت تعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وحين قبض عنك كنت تربط على بطنك الحجر من الجوع، فإذا كنت أنت أكرم الخلق، وفعل الله معك هذا، فيجب على الناس ألا يستنكفوا إذا فعل الله معهم ذلك؛ لأن ذلك لحكمة.

{ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدرٍ ما يشاء .. "27"} (سورة الشورى)
قال تعالى:
{ أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون "37"} (سورة الروم)

ألم يروا كيف قسم الله الأرزاق في الكون، فهناك غني لم يتعب في جمع المال بل ورثه عن أبيه، وهناك فقير يكدح ليحصل على قوت يومه وتكون عيشته كفافاً، وهذه عملية استقبلها الفلاسفة بما في ضمائرهم من إيمان وإلحاد. فواحد استقبلها بإيمان، وآخر استقبلها بإلحاد. والاستقبال واحد لشيء واحد. فابن الرواندي الملحد يقول:
كم علم عالم أعـيت مذاهبه
وجاهل جـاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة
وصير العالم النحرير زنديقا
** المُحبّة للخير **
(( الجـــــــــــــــــــزء الثاني )) ......

أي: كيف يكون العالم العاقل فقيراً مضيقاً عليه في الرزق، ويكون الجاهل الأحمق غنياً مبسوطاً؟ فرد عليه واحد يملك الإيمان قلبه بقوله:
كم عالم قد بات في عسر
وجاهل جاهل قد بات في يسر

تحير الناس في هذا فقلت لهم: هذا الذي أوجب الإيمان بالقدر لكي نعرف أن العالم ميكانيكياً، لكن انظر إلي البسط فيمن بسط وهو الله، فلا تعزل البسط عمن قدره، وهو الله، ولا تعزل القبض والتقدير عن الله، فالفاعل واحد والناس بالنسبة له سواء. فلابد أن تعرف أن له حكمة في هذه وحكمة في تلك، فإذا نظرت إلي الغنى المترف الذي يلهو أولاده ويعبثون بالأموال، ويبعثرونها على ملذاتهم وشهواتهم، ويشربون بها المحرمات، ويتعاطون المخدرات بأنواعها. وهناك أيضا الرجل الفقير الذي يكد ويكدح لينفق على أولاده من حلال، ورغم دخله الضئيل الذي يعيش منه على الكفاف هو وأولاده تجد أولاد هذا الفقير ينجحون في المدارس ويتفوقون على أولاد الأغنياء المترفين رغم ما ينفقونه من أموال على الدروس الخصوصية طوال العام.

إذن: لله حكمة في ذلك، فهو يبسط لحكمه ويقدر لحكمه، حتى يعلم الناس أن المسألة ليست ميكانيكا، وأن الرزق ليس بالفهلوة أو الشطارة، ولكنه مقسم بقدر الله وإرادته. ولذلك نحن قلنا سابقاً: إن ألمانيا فيها مدرستان فلسفيتان، كل واحدة منها تمثل رأياً، وأولها رأيهم في العقيدة والإيمان. المدرسة الأولى يزعم صاحبها أن العالم ليس له إله لماذا؟

قال: لأنه لو كان للعالم إله يحكم لما خلق إنساناً أعور أو أعمى أو أعرج .. الخ وكان جعل كل الخلق متساوين، فهو أخذ الشذوذ في الكون دليلاً على الإلحاد.
والمدرسة الأخرى مقابلة لهذه المدرسة، وصاحبها يدعي أن الكون ميكانيكا، فالناس يخلقون بطريقة واحدة عن طريق الزواج والحمل والوضع .. الخ وكذلك الحيوانات والطيور، والأفلاك في الكون، تسير كلها بنظام رتيب لا يتغير، فلو كان هناك إله لغير هذا النظام، وخلق الناس بطرق مختلفة وأشكال مختلفة، ولكانت له إرادة مطلقة عن هذه الميكانيكا.

فهو أخذ ثبات النظام في الكون دليلاً على الإلحاد، والآخر أخذ شذوذ النظام دليلاً على الإلحاد، فكأن كل واحد منهما يريد أن يلحد، ويأتي بأدلة زائفة يؤيد بها رأيه، حتى لو تناقض مع غيره. ونحن نرد على كل واحد منهما، فالذي يتخذ الشذوذ في الكون دليلاً على عدم وجود إله حكيم نقول له: هذا الشذوذ يأتي في الأفراد الذين يعوض بعضهم عن بعض، فمثلاً واحد أعمى، وآخر أعور، وكثيرون مبصرون. فإذا وجد واحد أعمى فلن تفسد الدنيا، والنظام الثابت إذا أردت أن تراه فانظر إلي الكون الأعلى من شمس وقمر ونجوم والهواء والكواكب والبحار والأنهار، ففي النظام العام ثبات، وفي الأفراد الذين يغني بعضهم عن الآخر يوجد بعض الشذوذ.


فهذا الشذوذ يثبت بطلاقة القدرة، وثبات النظام في الملأ الأعلى يعطينا حكمة القدرة، فيا من تريد ثبات نظام الكون دليلاً على الإيمان، فهو موجود في القوى العليا، ويا من تريد الشذوذ في الخلق دليلاً على الإيمان، فهذا موجود في الأفراد، ولكن إذا كان هذا الشذوذ في الملأ الأعلى تخرب الدنيا. فيا من تريد ثبات النظام دليلاً على الإيمان فهو موجود، ويا من تريد شذوذ النظام دليلاً على الإيمان فهو موجود أيضاً.

فقوله تعالى:
{أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر .. "37"} (سورة الروم)
يعني: ألم ينظروا بأعينهم كيف يوسع الله الرزق لبعض الناس، ويضيق على البعض الآخر، ولأن الله تعالى هو الرزاق فمرة يرزق بالأسباب، ومرة أخرى يقول لك: إياك أن تغتر بالأسباب لأنك قد تفعل الأسباب، ولكن الله لم يقدر لك رزقاً فتأتي الأسباب، فقد تزرع الزرع وتتعهده بالرعاية والري والتسميد وقبل أن ينضج المحصول تصيبه جائرة، فيضيع المحصول دون أن تستفيد بشيء منه.

إذن: ساعة تجدي الأسباب، فهذا يدل على غرور الإنسان، فلا يتواكل ويأخذ بالأسباب؛ لأن المطلوب منك أن تتحرى إلي الرزق أسبابه، ولا تشغلن بعدها بالك؛ فإنك تجهل عنوانه، ورزقك يعلم عنوانك.