شام
شام
الحلقة العاشرة : نقاط مهمة في صناع الحياة






ما زلنا مع صناع الحياة ، وحلقة جديدة ، نريد فيها أن نضع بعض النقاط ، ونتفق على بعض المواضيع، لنكمل معاً مشاريعنا وأفكارنا في صناع الحياة .

النقطة الأولى: ما هو الفرق بين القرآن المكي والقرآن المدني ؟

قد تتساءلون: وما علاقة هذا بصناع الحياة..!
سنرى الآن أن العلاقة كبيرة جداً. فإذا استعرضنا القرآن المكي ، سنجد أنه يتميز بمقاطع قصيرة، مؤثرة في القلب جداً ، تتحدث عن الجنة والنار ، ويوم القيامة ، وعن قدرة الله وعظمته، أو يقص علينا قصص الأنبياء والأمم السابقة، و القصص القرآني يؤثر بنا جميعاً ، سورة يوسف ، وسورة هود ، وغيرها. أما القرآن المدني فقد نزل بالأحكام ، والتشريعات وما تشمله من أحكام الطلاق ، والزواج ، والمواريث .. ويتميز بالعبارات الطويلة .

فلنرَ بعض الآيات من القرآن المكي ، كسورة الحاقة: {فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه(19) إني ظننت إني ملاق حسابيه (20) فهو في عيشة راضية (21) في جنة عالية (22) قطوفها دانية (23) كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية (24) وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم أوت كتابيه(25) ولم أدرِ ما حسابيه (26) ياليتها كانت القاضية (27) ما أغنى عني ماليه (28) هلك عني سلطانيه (29) خذوه فغلوه (30)} .

أما القرآن المدني: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون } ( البقرة230). فهل لمستم الفرق بين الأسلوبين ؟

في القرآن المكي: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد"(16) إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد (17) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد (18)وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد" (19) } (سورة ق)

في القرآن المدني: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين، فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فلها النصف.....} (النساء11).


إذن فالقرآن المكي يؤثر في القلوب جداً، ويهز المشاعر وُيبكي العيون ، ولكن هل يكتمل الإسلام بالقرآن المكي فقط ؟ أم كان لا بد من القرآن المدني أيضاً؟

الإسلام ، هذا النظام العظيم الذي يشمل الحياة ، هل يكفي فيه أن يؤثر في القلوب ، أو يقص علينا قصصاً مؤثرة ومشوقة؟ لا، بل كان لا بد من القرآن المدني الذي يبين لنا الشرائع والأحكام لننظم أمور حياتنا ، وننهض بإسلامنا. فهل أدركنا هذا المعنى الكبير ؟

فلنتخيل معاً أمراً جميلاً جداً ، صحابياً بدأ مع النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ، وكان أول ما سمعه الآيات التي نزلت في مكة ، هذه الآيات الرقيقة المؤثرة ، وبدأ هذا الصحابي يتأثر بها جداً ، ويبكي ، وعندما ذهب إلى المدينة ، رأى الآيات اختلفت ، وجاءت فيها الأحكام ، وأصبحت مواضيعها صعبة وضخمة، هذا الصحابي الذي سمع الآيات في مكة وتأثر بها ، هل ذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له بأنه لم يفهم هذه الآيات، أو لم يتأثر بها؟ لا، لأنه يدرك أنه ليقوم هذا الدين، لا بد من الآيات المكية والمدنية معاً، ولا بد من التفاصيل والأحكام والشرائع ، وبيان ما هو المطلوب منا، جنبا إلى جنب مع الرقائق المؤثرة في القلوب.

سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تولى خلافة المسلمين لمدة عشر سنوات، وخلال هذه الفترة بدأ بوضع الأسس والنظم للدولة الجديدة ، وكان لديه بعد نظر ، رضي الله عنه وأرضاه . فلقد أنشأ الدواوين ، ورصف الطرق ، وخط مدنا جديدة، وكان يضع كل التفاصيل لكي تقوم هذه الأمة ، مع متابعة الجهاد والفتوحات. و لم نسمع بأي صحابي ذهب إلى سيدنا عمر وقال له : أنت غيرت، ونحن فقط نريد أن نستمع إلى الآيات الرقيقة ونتأثر بها . لأن سيدنا عمر لو لم يفعل ما فعله ، ما كنا سنأتي نحن ونرى الإسلام أمة عظيمة تقود الأرض .

فإذا كنت تريد من الإسلام الرقائق المؤثرة فقط، أو العبادات التي تستسهلها وتتأثر بها، وتريد أن تبتعد عن الأمور التي تحتاج منك لبذل الجهد، أو لا تفهمها ولا تدرك الغاية العظيمة التي من ورائها، فأنت لا تصلح لحمل هذه الأمانة، لأن الإسلام نظام شامل متكامل، لا يقوم فقط على الخشوع والتأثر.
هذا الفهم لا بد منه ونحن نعمل في صناع الحياة.


النقطة الثانية: ما هي أفضل العبادات؟


لو سألتك الآن: ما هي برأيك أفضل العبادات؟ فبم ستجيب؟
بعض الناس قالوا: أفضل العبادات أكثرها مشقة، لأن الأجر على قدر المشقة، ولأن فيه مخالفة للنفس والهوى. وفريق ثان قال: بل الزهد في الدنيا هو أفضل العبادة.
وفريق ثالث قال: بل خدمة الناس وقضاء حوائجهم.

وأجمل ما قيل في ذلك هو ما ذكره ابن القيم، فقد قال: "إنّ أفضل العبادة: العمل على مرضاة الرب في كل وقت بما هو مقتضى ذلك الوقت ووظيفته."

"فالأفضل في أوقات السحَر: الاشتغال بالصلاة والقرآن والدعاء والذكر والاستغفار.
والأفضل في وقت استرشاد الطالب، وتعليم الجاهل: الإقبال على تعليمه والاشتغال به.
والأفضل في أوقات الأذان: ترك ما هو فيه من ورده، والاشتغال بإجابة المؤذن.
والأفضل في أوقات الصلوات الخمس: الجد والنصح في إيقاعها على أكمل الوجوه، والمبادرة إليها في أول الوقت، والخروج إلى الجامع، وإن بَعُد كان أفضل.
والأفضل في أوقات ضرورة المحتاج إلى المساعدة بالجاه، أو بالبدن، أو المال: الاشتغال بمساعدته، وإغاثة لهفته، وإيثار ذلك على أورادك وخلوتك. "


ويصل في نهاية قوله إلى كلمة خطيرة جداً:
"والأفضل في وقت النوازل وأذاة الناس لك: أداء واجب الصبر مع خلطتك بهم، دون الهرب منهم؛ فإنّ المؤمن الذي يخالط الناس ليصبر على أذاهم، أفضل من الذي لا يخالطهم ولا يؤذونه. "


أي أن أفضل العبادة في وقت ضياع الأمة وانهيارها وفي وقت سقوط الناس ، وبعدهم عن الله ، أن تأخذ بأيدي الناس وتوقظهم من غفلتهم، ويكون ذلك مفضلاً على قراءة الأوراد ، مع المحافظة على الفرائض. ولكنه يكون مقدماً على كل شيء بعد الفرائض ، لأن هذا من الفرائض.
وبالتالي فإن أفضل العبادة في وقت جهل الناس وبعدهم عن العلم وعدم قدرتهم على استيعاب الدنيا ، أن تفهمهم وتعلمهم، ونحن في مشروع محو أمية الكمبيوتر، ربما نقوم بأفضل العبادات في الوقت الحالي ، لأن هذا هو عصر الكمبيوتر، ومن لا يملك هذا العلم فسيظل متخلفاً طوال حياته.

يقول ابن القيم: "فالأفضل في كل وقت وحال: إيثار مرضاة الله في ذلك الوقت والحال، والاشتغال بواجب ذلك الوقت ووظيفته ومقتضاه".

أي أن أفضل العبادة أن تعبد الله في كل وقت وفي كل عصر وفي كل زمن و في كل حقبة بما يريده الله من المسلمين في هذه الحقبة ، أو هذا الوقت .

ثم يستمر ابن القيم في حديثه المهم جداً :
"وهؤلاء هم أهل التعبد المطلق، والأصناف قبلهم أهل التعبد المقيد، فمتى خرج أحدهم عن النوع الذي تعلق به من العبادة وفارقه؛ يرى نفسه كأنَّه قد نقص وترك عبادته، فهو يعبد الله على وجه واحد. وصاحب التعبد المطلق ليس له غرض في تعبد بعينه يؤثره على غيره، بل غرضه تتبع مرضاة الله تعالى أين كانت.
فإن رأيت العلماء رأيته معهم، وإن رأيت العُبَّاد رأيته معهم، وإن رأيت المجاهدين رأيته معهم، وإن رأيت الذاكرين رأيته معهم، وإن رأيت المتصدقين المحسنين رأيته معهم، وإن رأيت أرباب الجمعية وعكوف القلب على الله رأيته معهم.

فهذا هو العبد المطلق، الذي لم تملكه الرسوم، ولم تقيده القيود، ولم يكن عمله على مراد نفسه، وما فيه لذتها وراحتها من العبادات، بل هو على مراد ربه، ولو كانت راحة نفسه ولذتها في سواه.
فهذا هو المتحقق بـ: {إياك نعبد وإياك نستعين} حقاً، القائم بهما صدقاً،

يأنس به كل محق، ويستوحش منه كل مبطل، كالغيث حيث وقع نفع، وكالنخلة لا يسقط ورقها، وكلها منفعة حتى شوكها."


فالذي يعرف الله بهذه الطريقة ، هو العبد المخلص لله ، لأنه يعبد الله على مراد الله ، وليس على مزاجه.
فليس له صفة معينة ، ولا يملكه شكل ، إنما يتعبد إلى الله في كل وقت وأوان بما يرضي الله .

هناك من لا يستشعر القرب من الله إلاّ بصلاة ركعتين ، وآخر يستشعر القرب بصلاة ركعتين ولكنه أيضاً يقوم بتعليم غيره على الكمبيوتر بنية صحوة المسلمين ، فيستشعر القرب من الله ويعتبرها عبودية .
نموذج ثالث ، وهو الذي يوقظ الناس ، ويشارك في نهضة بلاده ، فيستشعر القرب من الله، لأن ذلك أيضاً هو نوع من أنواع العبودية لله.


النقطة الثالثة: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات}


جملة في القرآن نسمعها دائماً، ونقول: إن شاء الله نحن من الذين "آمنوا وعملوا الصالحات" ..
ترى هل تفهم المعنى الحقيقي لهذه الآية؟
سأضرب لك مثلاً لطيفاً، هل تعلم أن أي جهاز في الدنيا له مدخلات تغذيه، ومخرجات تنتج عنه، كجهاز الكمبيوتر مثلاً، والإنسان أيضاً كذلك. فهل نعتبر الصلاة والصوم والحج والعمرة والحجاب مدخلات أم مخرجات؟ هل فكرت بهذا من قبل؟

العبادة كلها هي مدخلات بالطبع، فما هي المخرجات ؟

سأعطيك بعض الأمثلة من الذين عملوا الصالحات : رجل متدين والحمد لله ، يصلي في المسجد ، ويحافظ على صلاة الفجر ، نساؤه محجبات ، وهذا كله عظيم، ولكن.... بعد هذا ماذا يفعل في المجتمع ، وما دوره في الحياة؟ وهل الحجاب هو نقطة بداية أم نهاية ، أو الحج نقطة بداية أم نهاية، كذلك رمضان ، والصلوات الخمس؟ إذن فأين المخرجات؟
فإن لم يكن هناك مخرجات للمجتمع ، فأنت لم تستفد بما قمت به من كل هذه العبادة، لأنه لم تكن لها ثمرة.

فلا بد إذن من "وعملوا الصالحات"، ولكن... ما تعريف "عملوا الصالحات"؟
الإيمان حدده الله لنا، وهو أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى. ولكن "عملوا الصالحات" لم يحددها الله تعالى لنا، بل تركها هكذا مفتوحة ، لأن الإسلام جاء لكل زمان وكل مكان، فكل عصر وكل مجتمع يُحدد ماهية "عملوا الصالحات" التي يحتاجها هذا المجتمع، ويحتاجها المسلمون في هذا العصر لكي يبنوا أمتهم وينهضوا بها.

النقطة الثالثة: الأوائل : أفضل الناس عند الله تبارك وتعالى:


عندما تكون الأمة ضائعة ، وقد وصلت إلى آخر نقطة من الانحدار والضياع ، في هذه الحالة المتردية، يكون أول من يبدأ بالنهوض بهذه الأمة وانتشالها من ضياعها، والارتقاء بها إلى أعلى ، هم أفضل الناس عند الله تبارك وتعالى ، وهؤلاء هم الأوائل الذين يأخذون بأيديهم زمام المبادرة، في الوقت الذي يكون فيه من حولهم مستسلمون محبطون، يرون ألا فائدة ترجى، ولا أمل في الإصلاح، بل ويثبطون من يحاول أن يغير أو يصلح شيئا.

إن لكل عصر أفكاره التي تسيطر على عقول الناس فيه، حتى يصبحوا سجناء لهذه الأفكار، لا يفقهون غيرها، ولا يرون عنها محيصا، إلى أن يأتي هؤلاء الأوائل (ونسأل الله تعالى أن نكون منهم) فيرفضون الوضع القائم، ويجاهدون للتغيير، والناس من حولهم تسخر منهم، وتترقب فشلهم، ولا يثنيهم ذلك عن عزمهم شيئا. فهؤلاء الأوائل هم أغلى الناس عند الله تبارك وتعالى.
سأضرب لك مثلاً بأهل بدر، ألم يكونوا من الأوائل؟ لقد قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: "لعل الله اطلع على من شهد بدراً فقال: اعملوا ما شئتم قد غفرت لكم" . (متفق عليه)

فماذا كان ثوابهم؟ لقد كان ثوابهم ضخما جدا، إذ تبوَّؤوا أعلى منزلة بين المسلمين:
"جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: " من أفضل المسلمين" أو قال كلمة نحوها، قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة" (صحيح البخاري)


أيها الشباب ، أيها الناس ، يا من قبلتم أن تكونوا في قافلة صناع الحياة ، أنتم من الأوائل ، حتى لو كانت الدنيا شديدة الظلمة، حتى لو كان الأمل فيها ضعيفاً، بمجرد أنكم اخترتم أن تشاركوا وتعملوا -كأن تشاركوا مثلاً في برنامج محو أمية الكمبيوتر - فأنتم من الأوائل .

لقد قابل النبي صلى الله عليه وسلم ذا الجوشن الكلابي بعد غزوة بدر، وكان شاباً كافراً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا ذا الجوشن! ألا تسلم فتكون من أول أهل هذا الأمر؟ (أي تكون من الأوائل، كما أعرض أنا عليكم الآن يا مَنْ تشاهدون هذه الحلقة، هل لكم إلى أن تكونوا من الأوائل فتنالون بذلك الثواب الكبير؟) ، (والنبي كان يحاول أن يرغب ذا الجوشن بالإسلام ، واختار كلمة "أول أهل هذا الأمر" لكي يشعل فيه الحماسة)، لكن ذا الجوشن كان مثل نماذج كثيرة في هذه الأيام، فقال لا ، قال النبي: فما يمنعك منه؟ قال: رأيت قومك كذبوك وأخرجوك وقاتلوك. ثم قال: إن تغلب على الكعبة وتقطنها –وفي رواية: فأنظر إن ظهرت عليهم آمنت بك واتبعتك، وإن ظهروا عليك لم أتبعك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلك إن عشت ترى ذلك" . ودارت الأيام والسنون، وفتح رسول الله مكة، وأظهره الله على قريش، وبلغ الأمر ذا الجوشن وهو في ضَريَّة (من أرض نجد) فقال: هَبِلَتْني أمي (أي ثكلتني) ولو أُسْلِم يومئذ ثم أسأله الحيرة لأقطعنيها. فكان ذو الجوشن يتوجع على تركه الإسلام حين دعاه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. (مسند الإمام أحمد ج 4/67، وطبقات ابن سعد ج6/47)
لقد فاته أن يكون من الأوائل.... وأراد أن يتبع ما يفعله الناس، لذا حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن نكون إمَّعة، إن أحسن الناس أحسنَّا، وإن أساؤوا أسأنا، وقال: بل وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا.

فماذا تختار لنفسك؟ أن تكون من الأوائل؟ أم أن تكون إمَّعة؟

النقطة الرابعة: الصبر والإصرار

في مباريات الألعاب الأولمبية التي تجري الآن، هناك فرق كبير بين سباق المسافات الطويلة ، وسباق المسافات القصيرة. فلو طلبت من المشترك في سباق المسافات القصيرة أن يشارك في سباق المسافات الكبيرة ، فسار في نفس النظام ونفس التكتيك الذي اعتاد عليه في سباقه في المسافات القصيرة ، فلن يستطيع أن يكمل هذا السباق ، وسيخسر فيه.
وطريق النهضة طويل ، يحتاج إلى أناس يطيقون السير لمسافات طويلة، أناس يفهمون ويتدبرون القرآن الكريم ، فقد ركز القرآن على فكرة الصبر والمثابرة وطول النفَس، ليس بالآيات والأوامر فقط، بل من خلال قصص الأنبياء أيضاً.

هل تعلمون كم مرة جاءت كلمة "فاصبر" في القرآن المكي ؟ ما يقرب من 90 مرة..! لأن الموضوع في مكة يحتاج إلى الصبر.

قصة سيدنا يوسف ، قصة رجل صبر على مختلف أنواع المحن لمدة أربعين سنة .

قصة نوح ، صبر لمدة 950 سنة .

قصة يونس ، لم يصبر فكانت النتيجة أن التقمه الحوت .


لقد خلق الله الكون في ستة أيام ، وكان قادراً سبحانه أن يخلقه بقول "كن" ، ولكنه خلق الأرض في يومين، وقدر فيها أقواتها في يومين، وخلق السماوات في يومين (كما جاء في سورة فصلت)، وخلق سيدنا آدم على مراحل (تراب، طين، صلصال...إلخ) وكأن الله تعالى أراد من خلال ذلك أن يعلمنا بأن هذا التدريج هو من سنن هذا الكون ونظامه، لنعتبر ونفقه، فنصبر على طول المسير، ولا نتعجل النتائج. فكل شيء يأتي بالتدريج وخطوة خطوة.

وأنت إذا قرأت أي سورة من السور التي تتكلم عن قصص الأنبياء، كأن تقرأ قصة هود ، أو نوح عليهما السلام، فسوف تلاحظ ملاحظة عجيبة ، أن آخر آية في القصة تتكلم عن الصبر.
{تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين} (هود 49).
كذلك في قصة سيدنا نوح وهو أمر عجيب {وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن....}(هود 36) أي لن يؤمن أحد بعد ذلك . فهل يعني ذلك أنها النهاية فيهلك الله الكافرين ويتم النصر؟ لا ، فالله أمر نوحاً عليه السلام: {واصنع الفلك..} وكم يحتاج هذا البناء للفلك من مدة زمنية؟ إنها فترة طويلة جدا، فقد كان عليه أن يبدأ برش البذور، ثم أن ينتظر حتى ينـزل المطر، ثم ينتظر هذه البذور لتصبح أشجاراً ، ثم يحصل من هذه الأشجار على الخشب، ويجب أن يكون الخشب قوياً لأنه سيستخدمه في بناء السفينة التي ستسير في وسط الطوفان ، وينبغي أن تكون سفينةً كبيرةً ضخمةً جداً لأنه سيضع فيها من كلٍ زوجين اثنين ، وبعد الانتهاء من بناء السفينة ، عليه أن ينتظر حتى يحين موعد إهلاك الكافرين ، فيركب السفينة هو ومن معه من المؤمنين .

يقول العلماء أن هذه المدة كانت حوالي ثلاثمائة سنة ما بين {لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} إلى أن حصل الطوفان . فلماذا هذه المدة كلها رغم أن الأمر منتهٍ؟ كانت هذه المدة الطويلة من أجل امتحان المؤمنين..! أيصبرون ويواصلون؟ أم تهتز ثقتهم وإيمانهم بوعد الله ونصره؟ لقد كانوا على ثقة بأن الله سينصرهم ، وبرغم ما تعرضوا له من استهزاء قومهم بهم، فقد واصلوا بناءهم لهذه السفينة، وثبتوا وصبروا، رغم أنهم كانوا ستين رجلاً فقط..!

إذن فنحن بحاجة إلى نفس طويل، صبر ومثابرة، فمن أين نحصل على ذلك؟
من العبادة... من قراءة القرآن ، وقيام الليل ، والدعاء....
منها تتزود، وتتعلم الصبر والإصرار، وتكتسب طول النفس، فتستمر وتواصل، ولا تتخاذل، فتنجح وتصل إلى هدفك.

النقطة الخامسة: دور النساء في النهضة وفتح الحوار بين الآراء المختلفة:

الحلقة الماضية كانت عن المرأة، وقد أثارت ردود فعل كثيرة ، فقد تحدثنا فيها بأن المرأة مظلومة في العالم العربي والإسلامي ، وأننا نرفض هذا الظلم، وأن علينا أن نسعى بكل جهودنا لرفع هذا الظلم عن المرأة العربية والمسلمة، وخاصة أن هذا الظلم ينسب إلى الإسلام ، والإسلام منه بريء.
وقد أثار هذا الموضوع ردود فعل كثيرة ومتباينة .
وما أريده هو أن نقوم بحوار بنّاء بين هذه الآراء المختلفة ، فهذه النهضة لن تتحقق فقط بوجود مجموعة معينة ، أو فرقة معينة ، أو طائفة معينة، لأن هذه النهضة ليست مقتصرة فقط على المتدينين ، بل هي نهضة تشمل كل بلادنا ومجتمعاتنا، والمرأة جزء من هذا المجتمع، وبالتالي من حقنا أن نفتح مواضيع للحوار، ونستمع إلى الآراء المختلفة ، ولن تتحقق النهضة ما دامت هناك فِرق يقاتل بعضها بعضاً، وما دامت هناك خلافات على صعيد الأسر، أو الجماعات ، أو الشرائح الاجتماعية المختلفة، وتهدر طاقة الأمة في هذه الخلافات . فالهدف من الحوار هو لم الشمل ، وتجميع القوى.
هل تذكرون عندما ذكرنا في بداية حلقات النهضة بأننا كمن يركب طائرة ، وأن محركات هذه الطائرة تحتاج إلى أكبر طاقة وسرعة لمرحلة الإقلاع؟ فأين هم نساؤنا من هذه المرحلة؟ وكم هي نسبة تفاعلهم في مجتمعاتنا؟ أنا أتحدى أن يقول لي أحد أن محرك النساء يعمل بنسبةٍ أكبر من ثلاثين في المائة هذا إن كنت متفائلاً.

لذلك رأيت أن الحديث عن دور النساء في غاية الأهمية . ولذلك أكرر مرة ثانية بأنه علينا معالجة أربعة أمور لرفع الظلم عن المرأة:

العنف ضد المرأة: جرائم العرض أو الشرف ، التي تقتل فيها المرأة بأدنى شبهة، ولا يؤخذ على يد الجاني بحجة أن الموضوع موضوع عِرض ، فيخفف عنه العقاب. ليس هذا فحسب ، بل أيضاً إيذاؤها ، وإهانتها ، وتعرضها للضرب، رغم أنه ما عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ضرب امرأة من نسائه قط. كل هذا يجب أن يرفع عن المرأة ، وهذا يحتاج لتعديل فكر الرجال .


حقوقها المالية: فهي تحرم أحياناً من حقها في الميراث ، وأحياناً أخرى تحرم من نفقتها عند طلاقها ، ويتعمد الزوج أن يذلها ، وتكون هي العائل الوحيد لأولادها ، ثم نقول بأننا نخاف أن تنتشر في المجتمع المعاصي والمفاسد ، فكيف تحرم من هذا الحق ، أيضاً عدم المساواة بين الأولاد (إناثهم وذكورهم) في العطايا فهذا ظلم في المسائل المالية .


حقوقها السياسية: ظلم في القضايا السياسية، حرمانها من حقها في التصويت ، والمناصب السياسية.


القضايا الاجتماعية: الظلم الواقع عليها اجتماعياً ، حرمانها من حريتها في التنقل والحركة ، وقيادة السيارة ، وحرمانها من حقها في أن تأخذ في المساجد أماكن جيدة ، وحرمانها من حريتها بأن تختار من ترتضيه زوجاً لها ويشاركها في فكرها . حرمانها من الحب والحنان والعطف، وقد غير سيدنا عمر بن الخطاب مدة غياب الجند عن أهليهم، وجعلها لا تتجاوز الشهور الأربعة، حفاظا على حق المرأة في التمتع بحب زوجها وحنانه.


وأنا أقول بأننا سنقوم برفع الظلم عنها في كل ما ذكرناه أعلاه ، ونظراً لأن الموضوع فيه كثير من الآراء المتباينة ، فهو يحتاج إلى حوار بناء وفعال، وسيكون هذا الحوار على موقع عمر خالد في صفحة كاملة، لمناقشة كيفية مساعدة المرأة ورفع الظلم عنها ، و يستطيع الجميع أن يعرضوا آراءهم ، ونتمنى أن يشارك معنا في هذا الحوار علماء الدين والقانون ، كذلك المتخصصون في شؤون المرأة، والمجالس المتخصصة في العالم العربي ، وسنعرض عليكم في كل فترة ما وصلنا إليه في هذا الحوار ، لأن موضوع المرأة أساسي في قضية النهضة، وليس مجرد شعارات نرفعها.

النقطة الخامسة: تأليف القلوب، وإخماد الفتن.


هل تذكرون عندما قمنا بإرسال الملابس إلى دارفور منذ حوالي أربعة أشهر ؟ قبل هذه الفترة كان كثير من الناس لا يعرف عن دارفور شيئاً ، وكنا نرى وقتها بأنه لا بد أن يكون لنا دور في دارفور . فالملابس -والحمد لله- قد وصلت هناك ، وسوف توزع هذا الأسبوع ، وسوف ترونها مصورة في الحلقات القادمة.
فما الذي دفعنا أن نذهب إلى هناك؟
الموضوع ليس موضوع دارفور وحسب، بل هو أيضاً أمر له علاقة بنهضة بلادنا.

لقد خلق الله سبحانه البشر أشكالاً وأجناساً، منهم الأبيض والأصفر والأسود والأحمر ، لحكمة أرادها الله تبارك وتعالى ثم قال لهم {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى،وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا عن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير} (الحجرات13)، {.... وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا } . فهذه هي الحكمة من تنوع البشر ، يريد الله أن يبتلينا ليرى كيف يعامل بعضنا بعضاً .

ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، لكي يضع أعظم مبدأ للتعايش بين الأجناس فقال : لا فضل لعربي على أعجمي إلاّ بالتقوى. و قال: الناس سواسية كأسنان المشط.

وعندما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج ( قبيلتين من الأنصار) قد تثاوروا وطلبوا أسلحتهم ليقتتلوا، نتيجة فتنة أشعلها بينهم يهودي، أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال : أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة.
وعندما غضب أبو ذر الغفاري من سيدنا بلال رضي الله عنهما، فقال له: يا ابن السوداء، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم غاضبا: إنك امرؤ فيك جاهلية، فما كان من أبي ذر رضي الله عنه إلا أن ألصق خده بالتراب، ولم يرضَ إلا أن يدوس سيدنا بلال على خده تكفيرا عن ذنبه.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم عن سلمان الفارسي، والذي كان عبدًا أعجميا من فارس، ولم يكن من العرب: "سلمان منا آل البيت".

لكن البشرية وللأسف أصابها نوع من التخلف الشديد، وليس هناك من يبذل الجهد المطلوب في قضية التوافق والتقريب بين الأجناس ،بل بالعكس، هناك من يشعل الفتن بينها، لدرجة أننا سمعنا عن الذي حدث في البوسنة ورواندا وكشمير حيث يموت الملايين ، ويخجل الإنسان -وقد أسماه الله خليفة في الأرض- من الكائنات الأخرى أن تراه وهو يفعل ذلك ويقوم بعمليات القتل والإبادة . وآن الآوان -وهذا جزء من نهضتنا- أن نصلح هذا الأمر، وخاصة في بلادنا، وأن لا يكون هناك خلافات بين المجموعات العرقية ، فأعداء الإسلام إذا أرادوا أن يفسدوا نهضتنا ، فأول ما يقومون به هو إشعال الفتن بين الأجناس المختلفة ، فتنتشر الأحقاد وسوء الظن، ويقتل بعضنا بعضاً.
ودارفور يوجد فيها جنسان ، عرب وزنوج ، عرب من أصول عربية ، وزنوج من أصول أفريقية ، والذي يحدث الآن أن وكالات الأنباء العالمية ، والصحف العالمية والإعلام العالمي ، تنشر أن الجنس العربي يقوم بذبح الجنس الإفريقي هناك. ونحن لا نعلم أين هي الحقيقة ، وأين هو الصواب ..!
وأنا أوجه كلامي هذا إلى صناع الحياة الذين يريدون تحقيق نهضة ، بأن هذه النقطة مهمة جداً ، وأخشى ما نخشاه هو أن ينتشر هذا الموضوع في بلادنا، فاحذروا ، وهناك مناطق كثيرة مهددة لتعدد الأجناس فيها، وأوجه كلامي إلى الشباب بالذات ، فاحذروا وشاركوا في إخماد الفتن.
إن الصحف العالمية تنشر أخبار الذبح هناك ، ومنظمة العفو الدولية ، تقول بأن هناك مليون شخص مشردين ذهبوا إلى تشاد ، وتم إحراق آلاف المنازل ، وقتل الآلاف من الزنوج ، وبأن حكومة السودان نفت هذا الأمر ، ولم تتحرك من أجل العمل على التوافق بين الأجناس هناك .

ونحن بكل أسف لا نعلم مدى صحة هذا الكلام، لأن الإعلام العربي ضعيف ، والإعلام الغربي والأجنبي قوي ولكننا لا نثق فيه.

لذا فواجبنا تجاه دارفور :

إغاثة المشردين إن وجدوا، ولهذا السبب قمنا بإرسال الملابس إليهم هناك ، و ستوزع الأسبوع القادم، وسوف ترون عملية التوزيع إن شاء الله . كذلك أرسلنا مندوباً من صناع الحياة ، وبالتعاون مع جمعية صناع الحياة هناك في السودان سوف تتم عملية التسليم. فمن يستطيع أن يغيث ، فليبدأ فوراً.

الدعاء : الدعاء بلم شمل المسلمين ، ولم شمل بلادنا ، فهناك كثير من المناطق المهددة.

احذر أن تشارك في الفتنة ، أو تساعد في إشعالها. لما قتل عثمان ابن عفان رضي الله عنه وأرضاه ، خرج أحد الصحابة يبكي ويقول : والله لا أُعين على دم أحد بعد دم عثمان . سألوه كيف أعان على دم عثمان، قال : رأيتهم يغمزون ويلمزون ، فساعدت ونشرت وقلت . فيجب إخماد الفتنة من أجل أن تقوم هذه النهضة . وهذا معنىً مهم جداً للسنوات القادمة.


النقطة السادسة: مشروع محو أمية الكمبيوتر والانترنت:

مشروع محو أمية الكمبيوتر نريد أن نركز عليه كل طاقاتنا وقوتنا، والمستهدفون في مشروعنا هم النساء ، وكنا قد تكلمنا عنهم أعلاه ، وخاصة ربات البيوت ، ثم الأطفال ، وطلبة المدارس ، وخاصة شباب الجامعات فمن المخجل أن لا يكون عندهم علم بالكمبيوتر والانترنت ، فهذه هي الفئات المستهدفة .

أما لماذا يأتي الكمبيوتر في أول المشاريع؟ فسأشرح لكم وبشكل أوضح .


إن كل عصر من العصور يمتاز بشيء معين، ويتم ترتيب الأمم في سلم الحضارة بحسب تمكنها وتفوقها في هذا الأمر، فهناك عصر الزراعة، وعصر الترجمة، وعصر الصناعة، ووو.... وعصرنا الحالي هو عصر التكنولوجيا والعلم، فمن يملك المعرفة والعلم ، يكون في مقدمة الركب، ونحن لا ننسى بأن لدينا قيمنا الخاصة ، وإسلامنا الذي نفتخر به، ولن نتخلى عنه، ولن ننهض بدونه، ولكن لا بد أن تبحث عن أداة العصر الذي تعيشه وتحسن استخدامها وتطويعها.

ما هي أول خطوة في عصر المعرفة؟ الكمبيوتر والإنترنت ... فهل نحن جادون في تحقيق النهضة التي لا تعتمد فقط على الدعاء ؟ إذن لا بد من العمل . ولماذا النساء بالذات ؟ لأنهن يمثلن نصف المجتمع، فلو أنهن أجدن استعمال الكمبيوتر والإنترنت، فستتغير الدنيا، وتتطور العقول، ونقود الجيل الصاعد، ولن يستطيع الابن أن يخدع أمه أو يوهمها أنه يذاكر ويبحث على الانترنت، بينما هو يضيع وقته في التشات أو يدخل المواقع الإباحية.

فإذا كنا جادين في بناء النهضة، فطريقها العلم، وبوابته هي الكمبيوتر والإنترنت .
لذا فقد طلبنا في الأسبوع الماضي من الشباب الذين يستطيعون التطوع لتدريب غيرهم على الكمبيوتر أن يدخلوا إلى موقع عمر خالد لتسجيل أسمائهم ، فهل تعرفون كم دخل إلى الموقع في الأسبوع الماضي ، دخل 11 ألف ، وكنا فقط طلبنا 10 آلاف . وبالتالي فلن أضع رقماً بعد ذلك ، فنحن هدفنا محو أمية الكمبيوتر والإنترنت ، وكل واحد منا سيكون مسؤولاً عن نفسه ، فنحن إمّا عالم أو متعلم ، فإذا كانت لديك معرفة بالكمبيوتر فابدأ فوراً وانظر كم شخصاً تستطيع أن تدربه ، أما إذا كان عندك علم بالكمبيوتر لكن لا تعرف كيف تدرب غيرك فادخل إلى الموقع وشارك في الدورة التي ستبدأ هذا الأسبوع ، والأسبوع القادم لتعليمك كيفية تدريب غيرك.

ودعونا نتذكر قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر، لنستخرج منها شروط طلب العلم، ونستفيد من تطبيق ذلك في مشروعنا لتعلم الكمبيوتر والإنترنت:


عندما سئل سيدنا موسى من هو أعلم أهل الأرض ، قال : أنا . فأوحى إليه الله بأنك لست أعلم أهل الأرض بل هناك من هو أعلم منك.. فلم يستطع موسى أن يبقى ساكناً دون أن يسعى لطلب هذا العلم الذي ينقصه، رغم أن الله تعالى لم يأمره بلقاء ذلك الرجل العالم، ولكن موسى عليه السلام سأل ربه أن يدله عليه ليتعلم منه، ولم يكن هذا علماً دينياً شرعياً، فذلك العلم موجود عند سيدنا موسى رسول الله، ولكنه علم بالدنيا، وكيف يُسيِّر الله تعالى الأرض.
والله تعالى لم يدل موسى على مكان هذا العالم (الخضر)، ولكن فقط أوحى له بإشارة (علامة) وهي أنه سيجده عند مجمع البحرين ، عندما يفقد الحوت....
فلماذا أعطاه الله إشارة ، ولم يحدد له المكان بالذات ، كان ذلك لأن الله يريد أن يعلمنا أن العلم يحتاج إلى بذل الجهد .

وهذه العناصر الأربعة الموجودة في سورة الكهف تجعلك أفضل متعلم على وجه هذه الأرض ، وأنا أهدي هذه العناصر الأربعة إلى كل من يريد أن يتعلم، وأيضاً لمن ليس عنده رغبة في التعليم:

العنصر الأول : عزيمة وإصرار على العلم: لقد أثرت بي سيدة كبيرة ، عمرها فوق الخمسين سنة ، تخبرني بأن أولادها حاولوا تعليمها الكمبيوتر أربع مرات ولكنها رفضت ، ولكن هذه المرة قالت : لن أدع الكمبيوتر حتى أتعلم . سررت جداً بكلامها، فنحن يجب أن نتحلى بالإصرار والعزيمة.

وعودة إلى قصة سيدنا موسى:
{وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حُقُبا} (الكهف 60) حُقُبا هنا تعني:حتى لو اضطررت لأن أمشي أحقاباً من الزمن أي سنوات. أي لن يهدأ ولن يستقر حتى يصل إلى الخضر. وهكذا يسير سيدنا موسى ، ويرهق ، وكما جاء في الآية الكريمة{لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} ، فرغم التعب والعناء ، لكنه مصر على الوصول إلى هدفه.

العنصر الثاني: عدم التكبر والتواضع للعلم:
عند لقاء سيدنا موسى بالخضر قال له : {هل أتبعك على أن تُعلمنِ مما عُلِّمْتَ رُشدا} فيجب التخلص من الخجل، فلا تخجلي من أن تطلبي من ابنتك أو تلميذتك أن تعلمك الكمبيوتر .

العنصر الثالث: الصبر على العلم:
فالعبد الصالح قال لموسى {إنك لن تستطيع معي صبرا}
فجاء رد موسى{قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً}

العنصر الرابع: عدم الشبع من العلم:

الاستمرارية في البحث عن العلم ، فسيدنا موسى لم يكتفِ بأنه كان من أعلم أهل الأرض ، فإذا كان هناك من هو أعلم منه ، فيجب أن يتعلم منه.
هذه العناصر الأربعة ، والتي نجدها في سورة الكهف ، لو نفذناها بدقة، لامتلكنا مفاتيح العلم، وتحققت بنا النهضة العظيمة التي نسعى إليها.
يا أمة محمد ، قرآنكم غالٍ جداً ، ولكن يجب أن تقرؤوه وتتدبروا معانيه، وبطريقة صحيحة .

سنساعدكم في موقع عمرو خالد، إن كانت لديكم معرفة بالكمبيوتر، لتكونوا مدربين، وأما عموم الناس فسيبدأ على قناة "إقرأ" قريباً برنامج خاص لتعليم الكمبيوتر ، ولكن يجب أن يكون أمامك جهاز الكمبيوتر، وستتعلم عن طريق الشاشة ، ولكن لا تعتمدوا فقط على هذا البرنامج . ولنبدأ كلنا ونشارك في هذا المشروع الذي أسميناه "بوابة النهضة" .

هذا المشروع سيفيد الآباء والأمهات في الحفاظ على أبنائهم من أضرار الإنترنت، والمواقع الإباحية، ويفيد الشباب الذين يرون غيرهم من إخوانهم الشباب يقضون أوقاتاً طويلة في الشوارع ولا يفعلون إلا المعاصي .. فبدلاً من أن نمسك بهم ونكتفي بأن نقول لهم : حرام ، حرام .. وينفرون منا ، نأخذ بأيديهم ، ونعرض عليهم أن نقوم بتعليمهم الكمبيوتر، فينشغلون عن المعصية بشيء مفيد ، بدلاً من أن نكتفي بلومهم .

كذلك أطلب من شركات الكمبيوتر وغيرها من الشركات أو الأفراد، من كانت لديه أجهزة قديمة فليتبرع بها لغيره ممن يحتاجها، علَّها تحسب له عند الله صدقةً جاريةً.

لقد تأثرت بشدة مما عملته إحدى شركات الكمبيوتر ومقاهي الانترنت في ليبيا ، والتي خصصت يوماً في الأسبوع لأي شخص من طرف صناع الحياة يأتي إليها، ليتعلم مجاناً على أجهزة الكمبيوتر . فصاحب هذه الشركة تبرع برزق يوم في الأسبوع .. !

كذلك شباب دمنهور ـ نادي صناع الحياة ـ بالاتفاق مع الجمعية الشرعية، بدؤوا بتوفير أماكن في المساجد ، لتعليم الشباب ، وأحضروا لهم الأجهزة ، وفعلاً بدأ الشباب هناك يتعلمون ، وهناك من أحضر لهم هذه الأجهزة مجاناً . وهذا نوع من الصدقة الجارية التي تشفع لك في قبرك .

وحتى البنوك يمكنها أن تساعد بتقسيط المبلغ لمن يريد شراء كمبيوتر. وقد نُفذت هذه الفكرة فعلاً في مصر، إذ قامت بها وزارة الاتصالات المصرية ، والتي اتفقت مع أحد البنوك ليساعد الناس بالشراء بالتقسيط . فأتمنى أن تتحقق هذه الفكرة من البنوك أو الشركات ، وقد تم بيع 65 ألف جهاز بهذه الطريقة في سنة 2003.
وآخر ما أُذكِّر به في هذه الحلقة ، التصويت وما زال مستمراً ، وبطريقة جيدة، ولكن نحن بحاجة إلى أن نكمل ونصوت أكثر وأكثر .

ونراكم الأسبوع القادم إن شاء الله ، مع صناع الحياة...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



لمشاهدة الحلقة اضغط هنا
ماوية
ماوية
بوركت عزيزتي شام

مجهود تشكرين عليه ..

بالفعل محاضرات قيمه ... وان شاء الله تتغير مجتمعاتنا للافضل ...
شام
شام
أهلا بك ماوية العزيزة ...ولا شكر على واجب

وأعتذر على تأخري بنقل المحاضرات .....

------------------------------------------------------------------

الحلقة الحادي عشرة : حلقة الثقافة والفنون والإعلام





اعتدنا في كل حلقة أن نعرض مجالاً من مجالات النهضة ونتحدث عنه ، وقد أنهينا الآن عرض ست مجالات ، الزراعة ، والصناعة ، والبحث العلمي ، والتعليم، والمرأة.....

وسنتحدث اليوم عن مجال من المجالات المهمة والحساسة جداً ، ولكن قبل ذلك أحب أن نتحدث عن مشروع محو أمية الكمبيوتر والإنرتنت ....
كنا قد أعلنا عن قيام دورة على موقعنا، لتعليم المتطوعين كيفية تدريب غيرهم على استعمال الكمبيوتر والانترنت، وقد انضم لدورتنا 12 ألف شاب وفتاة، وأثنوا على جودة هذه الدورات.
هذا وقد تبرع عدد كبير من أصحاب مقاهي الانترنت بساعات معينة أسبوعية أو يومية لتدريب من يشاء عندهم مجانا، وتجدون أسماء ومواقع هذه المقاهي على موقعنا.

من الأمور الجميلة أيضاً أن مركزاً في سوريا لخدمة أنظمة الإدارة ، قام بشراء مقر في العاصمة دمشق منذ ثلاثة أيام ، يتسع لـ 500 شخص، وقام بتجهيزه بأجهزة كمبيوتر لتوفير فرص التعليم لمن يريد أن يتعلم مجانا، رغم أن مقر الشركة الأصلي ليس في العاصمة، ولكنهم أرادوا المشاركة بالثواب والأجر.

كذلك فريق صناع الحياة في سوريا، وفي الأردن... ساهموا بجهود عظيمة، وعناوينهم موجودة على الموقع لمن أحب أن يتصل بهم....... وفي محافظات مصر تم إحضار 280 جهاز كمبيوتر، وتطوع 54 مدرب، وتم الاتفاق مع 32 مقهى انترنت لتعليم الشباب مجاناً.... وفي الجيزة ودمنهور وغيرها.. بل إن المساجد في كثير من بلادنا بدأت بعمل دورات تدريبية لتعليم الكمبيوتر...
بالإضافة إلى آلاف الشباب والفتيات الذين أخبرونا أنهم بدؤوا يعلِّمون آباءهم وأمهاتهم وإخوتهم الصغار... لذا فأملنا أنه بعد شهر واحد من الصبر والتعلم الجاد سنكون قد قطعنا أشواطا بعيدة في محو أمية الكمبيوتر والانترنت.

بعد أن استعرضنا النتائج في هذا المشروع ، دعونا نعود إلى المجال الذي نريد أن نتكلم فيه اليوم ..

الثقافة والفنون والإعلام


اعتدنا في المجالات السابقة أن نبدأ بعرض أحلام الناس واقتراحاتهم في المجال الذي نبحثه، ولكننا اليوم لن نستطيع فعل ذلك لأن الأحلام والمقترحات التي وصلتنا بخصوص موضوع اليوم كانت ضعيفة جداً، وأُرجح أن ذلك كان لسببين:

- إما أن يكون موضوع الثقافة والفنون غير مهم في رأي كثير من الناس، إذ ليست لديهم رؤية واضحة له ، و لا يُقدِّرون أبعاده الكبيرة والخطيرة جداً في المجتمع،

- أو أن اهتمامهم انحصر في الزراعة والصناعة والمجالات الأخرى.

ولكن هذا المجال في اعتقادي هو أخطر مجال من المجالات الـ 23 التي نتكلم عنها. ودعوني أوضح لكم لماذا؟

ما هو تعريف الثقافة ؟


هي جِماع ما يمتلكه شعب من الشعوب من معتقدات ومعارف وأفكار وقيم وفنون، وعادات وتقاليد ، وأساليب حياة ورموز (أي شخصيات اجتماعية مهمة) ، فكل هذه الأمور تستقر في وجدان الناس، وتحكم تصرفاتهم في كل مجال من مجالات الحياة .. في النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأسرية وغيرها...

وبمعنى آخر: الثقافة هي الملامح المميز للأمة.

فإذا كنت تريد أن تعرف من أنا فانظر إلى ملامحي .. من ملامح وجهي ستعرفني أليس كذلك ؟
وإذا أردت أن تتعرف إلى أمة من الأمم ، فعليك أن تتعرف إلى ملامحها، وذلك من خلال النظر إلى فنونها وثقافتها وإعلامها ..
أعتقد أن المعنى أصبح واضحاً الآن .

ما هي ملامح أمتنا اليوم ؟
أم أنها ليس لها ملامح ..
انظري يا أمتنا إلى المرآة لتتعرفي على ملامحك .. ومرآتنا هي ثقافتنا.


تخيل أنك نظرت في المرآة يوماً ولم ترَ ملامحك!.... فماذا سيحدث لك؟ سوف تفقد عقلك ... وتصرخ قائلاً : أين ملامحي؟؟!!....
وأنا أصرخ اليوم وأقول: الثقافة والفنون التي تعبر عن ملامح أمتنا ؟ أين هي ..
أين ملامحك يا أمتي؟

حلقة اليوم نوجهها للمثقفين والموجهين للثقافة والفنانين في العالم العربي، وبصورة خاصة للشباب الفنانين فهم جيل المستقبل ، وهم المسؤولون عن رسم ملامح الأمة في السنوات القادمة ، كذلك نوجهها للشباب الموهوبين فنياً ، والذين يخافون من الدخول في مجال الفن والثقافة لاعتقادهم أنه حرام ، فأنا أرجوهم أن يدخلوا ولكن على شرط أن يضعوا ملامحنا الأصلية من غير أن يغيروها أو يعرضوها لعمليات تجميل، فتفقد رونقها، وتتحول لملامح قوم آخرين غيرنا. وأتمنى من كل من يشاهد هذه الحلقة أن يوصل كلمتي هذه للمعنيين بها من فنانين وموهوبين.


ما هي مصادر الثقافة:

الكتاب ، المسرح ، السينما ، الشعر ، الأدب ، القصة ، الرواية ، المتاحف ، الآثار، المخطوطات القديمة ، والرسم ، والنحت ، والفنون التشكيلية ، والشعر ، والأدب ، والتمثيل ، والأغنية ، والمسرحية ..
وبالتالي فإن الفن جزء من الثقافة ، و الإعلام هو الوسيلة التي تنشر بها هذه الثقافة .

من أين نستمد ثقافتنا؟


نستمد ثقافتنا من أرضنا التي هي أرض الديانات السماوية . فالله تبارك وتعالى اختص هذه الأرض وميزها بأن كانت مهداً لكل الأنبياء الذي ذكرهم في القرآن ، كسيدنا هود وسيدنا صالح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ، وختاماً سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . فثقافتنا مستمدة من ديننا وأرضنا وجذورنا. فهذه أرض الأديان ، ودين الله واحد ، لأن الله سبحانه قال للأنبياء كلهم "أن أسلموا لله"، فنحن لا نخجل أبداً أن ثقافتنا مستمدة من ديننا، بل نعتز بهذا ونباهي به.
و أمتنا أمة عريقة جداً ، وأرضنا كانت مهداً للحضارات منذ زمن بعيد جداً ، كالحضارة الفرعونية والآشورية والفينيقية .. ثم جاء الإسلام واستوعب كل الحضارات ، وأخذ المفيد منها، وهذبه ووجهه وصهره في بوتقة الإسلام .

فعمرو بن العاص عندما دخل مصر لم يقم بهدم الأهرامات أو أبي الهول ، لكن جاء القرآن يعلمنا كيف نستفيد من هذه الآثار ، وكيف نعتبر من قصص الأمم السابقة ، وجمع الإسلام كل هذه الثقافات.


أهمية الثقافة:

لا يمكن أن تقوم نهضة من غير ثقافة وفنون تسبقها وتمهد لها. ولنضرب بعض الأمثلة لتوضيح أثر الثقافة في السلوك والحياة بمختلف مناحيها :

 الهدف من التعليم في أيامنا هو الحصول على الشهادات والدرجات، لا التحصيل العلمي والمعرفة، لذا لا تهم شبابنا الوسيلة التي يحققون بها هذا الهدف، سواء كانت عن طريق الغش في الامتحانات أو الدروس الخصوصية، فالمهم لديهم أن يحصلوا على الشهادة ويعلقوها في البيت .
فهذه ثقافة .. ولكنها ثقافة مدمرة للمجتمع.

 مسرحية علمت جيلاً من الشباب كيف يهين مدرسه ، فهذه ثقافة..

 آلاف الخريجين من الجامعات يعانون من البطالة، فلماذا يصرون على التعليم الجامعي حتى إن لم يوافق ميولهم، ولا يبحثون عن عمل آخر؟ لأن ثقافتهم علمتهم أن الشاب لن يكون مقبولا اجتماعيا، ولن يستطيع أن يتزوج إلا إذا كان معه شهادة ، وأول سؤال يوجهه له والد العروس هو: هل معك شهادة جامعية؟ أما إن كان حرفياّ وصاحب مهنة ، يرتزق منها ويتقنها ويتفوق فيها.... فهذا عيب . هذه ثقافة مجتمع..
وبالتالي فلكي نصلح التعليم في بلادنا ، فلا بد أن تكون نقطة البداية هي الثقافة .

 ولنأخذ مجال الصحة ونرى أثر الثقافة فيه. نرى الشباب يأكلون في المطاعم الأجنبية ، فيصابون بالأمراض، وبعضهم يصاب بالعقم، ومع ذلك يستمرون في ارتياد هذه المطاعم فرحين، بسبب تأثرهم بثقافة أخرى...... هذه ثقافة..


 ترى شباباً ما ئعاً فاقداً للرجولة ، ليس له قيمة في الحياة ، فهذه ثقافة شعب ..! وعلى الجانب الآخر ترى شباباً جاداً ملتزماً ، فهذه ثقافة أخرى.
فالثقافة هي التي توجه المجتمع وتؤثر في كل المجالات، في الصحة والبطالة ، وحتى في التدين ..

فأن تفهم أن التدين فقط هو صلاة وصوم ، ولا علاقة له بصناعة الحياة والنجاح ، فهذا نوع من الثقافة .... سترى كثيراً من المتدينين يحجون كل عام ، فإن سألت أحدهم لماذا لا يدفع هذه المبالغ في البحث العلمي.. سيعترض ويستنكر، حتى لو أخبرته بأن البحث العلمي سيفيد المسلمين .. هذه أيضاً ثقافة..

ولذلك فهناك فرق بين الثقافة والتعليم ، فقد يكون المرء متعلماً أحسن تعليم، ولكنه غير مثقف حتى وإن كان أستاذ جامعة، لأن تعليمه ينحصر فقط في كتبه، ولكنه لا يعلم شيئا عن أمور الدنيا ، وعن كيفية الاستفادة من علمه في التغيير والتطوير ، وعن احتياج بلده له ، أو عن احتياج المسلمين ، فهو إذن غير مثقف .
وهناك كذلك من المتدينين من هو غير مثقف .. فإن تكلمت معه خارج نطاق العلوم الدينية ستجده غير عالم بأمور الدنيا من حوله ، ولا بأحوال المسلمين ، ولا لديه خطة نهضة ، ولا مشروع للنهوض بأحوال بلده وأحوال المسلمين... فهو غير مثقف.

فالمتعلم عكسه أمي أو جاهل ، والمثقف عكسه أيضاً أمي ، ولكنها أمية من نوع ثانٍ، تحدث عنها القرآن الكريم:{ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني...} (البقرة 78)، فهم يعرفون القراءة ولكن سمّاهم (أميون ) لأنهم لا يستفيدون من قراءاتهم لتطبيقها في أمور الحياة، وهذه هي الثقافة التي أتحدث عنها.

نظرة الإسلام للفنون والثقافة


ما هي نظرة الإسلام للفنون والثقافة؟ وهل اهتم بهذه القضية؟ أم حرَّمها ومنعها وعاب أصحابها؟


- النقطة الأولى: هي أن الإسلام غرس في النفوس المؤمنة الشعور بالجمال والذي هو أساس الفن. ولنرَ معاً أدلةً من القرآن الكريم تبين لنا كيف يربي القرآن فينا الإحساس بجمال الكون وبديع صنع الله فيه :

فانظر في القرآن عندما يتكلم عن الأنعام {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون} (النحل 5) وهذه هي المنفعة المادية، ثم: {ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون}(النحل 6 ) وهذه هي الناحية الجمالية.

مثال آخر: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} (النحل 8)

{وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها}.(النحل14 )

كذلك عن الثمر {كلوا من ثمره إذا أثمر} (الأنعام141 ) فهذه هي الناحية المادية، وفي آية أخرى {انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه} (الأنعام 99 ) فهذه هي الناحية الجمالية.

كذلك كيف يصف السماء: {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج} (ق 6)، أي هل ترون جمال السماء ؟

انظروا كيف يتحدث القرآن عن الحدائق: {وأنزل لكم من السماء ماءً فأنبتنا به حدائق ذات بهجة}(النمل 60)، والبهجة تدخل الفرح في القلب . فالقرآن يربي الحس الجمالي في قلوبنا، وهو أصل الفن.

كذلك عندما يتكلم القرآن عن جمال الإنسان {وصوركم فأحسن صوركم}(غافر 64) .... {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم (6) الذي خلقك فسواك فعدلك(7)} ( الانفطار)، فهل تلاحظون كيف ينبهنا إلى الناحية الجمالية في الخلق ، ويلفت نظرنا إلى ذلك.

انظر أيضاً إلى القرآن وهو يصف لنا الكون كله {صنع الله الذي أتقن كل شيء} (النمل 60) {الذي أحسن كل شيء خلقه}(السجدة 7).... {بديع السموات والأرض}(البقرة 117)..


فهل نرى كيف جمّل الله هذا الكون ، ألم يكن بالإمكان أن يجعل الله هذه الكون بلا ألوان، وبالأبيض والأسود فقط ؟ ولكنه زينه بالألوان وجمله، ومن هذا يتعلم الفنانون وينمو لدى الإنسان الحس الجمالي.


فكيف نقول بعد ذلك إن الفن ليس أداة أساسية من أدوات الإسلام
.

- النقطة الثانية: هي الشعر، وهو نوع من أنواع الفنون، فلنرَ منزلة الشعر في الإسلام:


كثير من الصحابة فسروا القرآن بالشعر.

كثير من الصحابة كانوا شعراء عظماء، انظر إلى علي بن أبي طالب، وكذلك من علماء المسلمين الإمام الشافعي وغيره.

كيف كان النبي يتعامل مع الشعراء، وهم الفنانون بالنسبة لذلك العصر؟
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه وفد وفيهم شاعر احتفى بشاعرهم وأولاه اهتمامه.

كان للصحابي حسان بن ثابت منزلة رفيعة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شاعره، وكان النبي يقول له: " أجب عني، اللهم أيده بروح القدس"، كذلك كان يقول له: "أهجهم –أو هاجهم- وجبريل معك". ولم يقل النبي ذلك لصحابي آخر، بل قالها لصحابي يؤدي رسالة الثقافة والفن على وجهها الصحيح. قالها لشاعر يرسم ملامح الأمة ، ويؤدي رسالة هذه الأمة ، ولم يقلها لشاعر أو فنان يمسخ ملامح الأمة .

عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في طريقهم إلى غزوة خيبر ، أراد النبي أن يرفع من معنويات الصحابة، فقال لعامر بن الأكوع، وهو عم سلمة بن عمرو بن الأكوع: انزل يا ابن الأكوع فخذ لنا من هناتك (أي أراجيزك) ، وكان عامر رجلا شاعرا، فنزل يحدو بالقوم يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا .................... ولا تصدقنا ولا صلينا
إنا إذا قومٌ بغوا علينا ............................. وإن أرادوا فتنة أبينا
فأنزلن سكينة علينا ............................ وثبت الأقدام إن لاقينا (سيرة ابن هشام)


في عمرة القضاء دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وأصحابه محدقون به، قد توشحوا السيوف، يلبون، وهم يخافون عليه من أهل مكة أن يرميه أحد، وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه آخذ بزمام راحلته صلى الله عليه وسلم، يرتجز ويقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ................... خلوا فكل الخير في رسوله
يا رب إني مؤمن بقيله ........................ أعرف حق الله في قبوله
فقال له عمر رضي الله عنه: يا ابن رواحة! بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي حرم الله تقول الشعر؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: خلِّ عنه يا عمر، فلهي أسرع فيهم من نضح النبل. (الجامع في السيرة ج2/ 171)
إذن فقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الثقافة قد توجع العدو أكتر من السهام.




- النقطة الثالثة: هي الاهتمام بنواحٍ فنية أخرى، كجمال الصوت والتغني بالقرآن:


حديث: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن" (البخاري ج9)

اختيار النبي صلى الله عليه وسلم سيدنا بلالا رضي الله عنه للأذان لجمال صوته فقال: مُــرْ بلالا فليؤذن فإنه أندى منك صوتا.


بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في شوارع المدينة ، سمع أبا موسى الأشعري وهو يقرأ القرآن ، وكان صوته جميلاً جداً ، فجلس النبي يستمع إليه، ثم في اليوم التالي التقى به فقال له : يا أبا موسى لو رأيتني البارحة وأنا أستمع إليك، لقد أوتيت مزماراً من مزامير داوود . فقال يا رسول الله : والله لو كنت أعلم أنك كنت تسمع لحبَّرتُهُ لك تحبيراً (أي لجوّدته لك أكثر وأكثر) فضحك النبي صلى الله عليه وسلم .

عندما دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة .. هل استقبلوه بالقرآن أم بالنشيد؟ لقد استقبلوه بنشيد "طلع البدر علينا"
.

عند قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، خرجت جوارٍ (بنات صغيرات) من بني النجار يضربن بالدفوف وهن يقلن:
نحن جوار من بني النجار ......................... يا حبذا محمد من جار
فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتحبوني؟ فقالوا: أي والله يا رسول الله، قال: أنا والله أحبكم، أنا والله أحبكم. (دلائل النبوة للبيهقي ج2/508 )



- النقطة الرابعة: الاهتمام بالصورة لإيصال الفكرة:

رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة صورة تمثيلية يبين لهم فيها ملخصا لحياة الإنسان: "عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط النبي صلى الله عليه وسلم مربعا، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خُططاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط، فقال: هذا الإنسان، وهذا أجله محيطاً به، وهذا الذي هو خارجٌ: أمله، وهذه الخُطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا، نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا" (رواه البخاري). وإليكم مثالاً أوضح على اهتمام الإسلام بالصورة لإيصال الأفكار الهامة وغرسها في عقول وقلوب المسلمين، تأملوا معي هذا الحديث الأساسي والمعروف، والذي يبين لنا تعريف الإيمان والإسلام والإحسان، وأركان كل منها، وكيف لعبت الصورة فيه دورا هاما:
يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
"بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا محمد ! أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً. قال: صدقت . فعجبنا له يسأله ويصدقه !!..
قال: فأخبرني عن الإيمان . قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان . قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال:............. إلخ
ثم انطلق، فلبث ملياً (أي الرسول) ثم قال: يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم. (رواه مسلم)
لقد كان في إمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يصعد المنبر ، ويخطب في الناس، ويُعرِّف لهم الإيمان والإسلام والإحسان، ولكن الله تعالى أراد أن يغرس هذه الصورة في أذهانهم بهذا المشهد العجيب الذي يثير دهشتهم وتساؤلهم عن هذا الرجل الغريب حسن الصورة والهيئة، فيشد انتباههم، فيثبت الدرس في نفوسهم.
لقد استخدم الإسلام الصورة والمشهد لترسيخ المعنى، ليدلنا على أن الصورة تؤثر أكثر من الكلام الخطابي.


حتى المنبر والذي هو ركن أساسي من أي جامع، ما هو إلا وسيلة إعلامية، فالمنبر صنع من أجل الخطيب كي تراه الناس وتنظر إليه وهي تسمعه ، فاستخدام الصورة أمر مهم في الإسلام .

- النقطة الخامسة: موقف النبي من الثقافات السابقة
ألم توجد ثقافة قبل عهد النبي؟
بلى ... كانت توجد المعلقات والشعر و الأسواق الأدبية كعكاظ وذي المجاز وغيرها.. والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرفض الثقافة ويرمِها وراء ظهره، وإنما وظفها لخدمة الفكرة ولخدمة المرحلة، وهذا ما نريده، لقد حولها من ثقافة لا تبني إلى ثقافة تبني النهضة وتبني المجتمع فصار دورها عظيما وثوابها كبيرا.

بل حتى فن الكوميديا نجد له أثرا وجذورا في الإسلام، فقد كان من الصحابة من اشتهر بخفة الظل، والحرص على افتعال المواقف التي تضحك النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، بغية الترويح عنهم، وقد ذكر ابن حجر هؤلاء الصحابة في كتابه "الإصابة"، فمنهم مثلاُ سيدنا نعيمان رضي الله عنه. شاهد سيدنا نعيمان رجلاً أعرابياً جاء من البادية ليبيع العسل، فقال له سيدنا نعيمان : تعال، وأخذه إلى باب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ منه جفنة من العسل ، ثم قال نعيمان للنبي : يارسول الله أحببت أن أهدي لك عسلاً ، فأنت تحب العسل . ففرح النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ منه العسل، ثم خرج نعيمان إلى الأعرابي وقال له : ثمن العسل عند الرجل الذي بالدار .. وذهب نعيمان وترك الأعرابي أمام باب النبي ، فلبث قليلاً ثم قرع باب النبي، ففتح النبي الباب ، فإذا بالأعرابي أمامه يقول : أريد ثمن العسل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما العسل؟.. فردد الأعرابي : أعطني ثمن العسل . فقال له النبي أنه هدية. فقال الأعرابي : ستماطلونني ؟؟.. فقال النبي : فعلها نعيمان .. وأعطى النبي الأعرابي ثمن العسل .. ثم ذهب إلى نعيمان ، وسأله : لم فعلت ذلك ؟ قال : يارسول الله أعلم أنك تحب العسل ، و ليس معك ثمنه ، فقلت إذا أعطيتك العسل فسيأتيك الله بالمال .. فهذا نعيمان رضي الله عنه وأرضاه.


نخلص من كل ما عرضناه سابقاً ، أن الفن والثقافة قد لعبا دوراً مهما في الإسلام، وأن الحضارة الإسلامية التي تأسست بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قامت على الثقافة والفنون .


لذا فإننا ننادي شباب الفنانين ، و الشباب الموهوبين ، ونقول لهم: نريدكم أن تشاركوا معنا في مشروع صناع الحياة ، ومشروع النهضة ، فليس هناك نهضة من غير أن يكون لكم دور فيها .. ولن نستطيع أن نحقق نهضتنا إلا بمشاركتكم ومساعدتكم لنا ، فنحن نحتاج لكم .
وأريد أن أسأل: لماذا تنحصر تخصصات الشباب في نوادي صناع الحياة في كل العالم العربي فقط في الهندسة والطب والتجارة والآداب ؟ أين دور الفنانين؟، أين المعاهد الفنية؟ أين شباب صناع الحياة من المعاهد الفنية ؟ والموهوبين فنياً في الثقافة والفنون؟ لماذا لم يشارك معنا أحد من هذا المجال؟ لماذا لا نجد عنصر الفنانين الذين سيحملون الرسالة على أكتافهم ليشاركوا في تحقيق النهضة؟


الشكل الحالي للفنون والثقافة في بلادنا:


1- التقليد الأعمى : فالفيديو كليب عبارة عن صورة وكلمات للأغنية .. وما يفعلونه في أيامنا هذه أنهم يأخذون الصورة من الغرب كما هي، ثم يضيفون إليها كلمات عربية. فمشكلة الفيديو كليب ليست فقط في الكلمات الخليعة ، والحركات الخليعة ، ولكن المشكلة الأكبر تتمثل في أنه استيراد لشيء لا يخصنا ولا يعبر عنا، فكيف تكون النتيجة؟ عمل ليس له أي قيمة... فيعجز الفن عندها عن الرقي بالروح ، فيتجه نحو الغريزة والشهوة ..


2- المشكلة الثانية هي الاستيراد: .. وهذه كارثة ، فنحن لم نكتف باستيراد القمح والغذاء والمصنوعات، بل صرنا نستورد الثقافة والفنون أيضاً، وهذا معناه أننا نطمس ملامحنا، ونركب على وجوهنا قناعاً غريباً لا يمثلنا ولا يعبر عنا، وهذا أسوأ من استيراد القمح ، أن تستورد فناً غير فنك ، وتركبه على وجهي، فأكون مثل الببغاء.. يردد كلام غيره. فهل ندرك خطورة هذا الأمر ..

أيها الفنان ستُسأل يوم القيامة أمام الله عما تفعله بشعبك!... فأنت تطمس ملامحي... أنت تطمس ملامح أمة .... أنت تركب على جسمي وجه رجل آخر... أنت تدمرني تماماً. هذه ليست عولمة..... بل هي تضييع ملامح وطمس هوية .


3- انعدام الإبداع: والأصل في الفن أن تبدع ، والإبداع أن تأتي بالشيء على غير سابق مثال . ولو نظرنا للإنتاج الفني الحالي لوجدنا أن 70% من الإعلانات اليوم والتي نشاهدها على شاشاتنا، مسروقة من تلفزيونات إيطاليا وإسبانيا ، والموسيقى التي نسمعها في بلادنا أيضاً 90% منها مسروق من الموسيقى التركية والغربية ، فنحن لا نبدع، لأنه ليس هناك من يريد أن يبدع ، فالجميع متهاون في الأمر، وليس عنده أي طموح يدفعه للتفكير ليأتي بأشياء جميلة ، وبالتالي فكل الكلام يأتي كلاماً فارغاً وتافهاً، وصارت الأغاني كلها في إطار (حبيبي ، وحبيتها ومش قادر استغني عنها وحاموت من غيرها ومش قادر اسيبها ، وهي ليه سابتني ، واجيبها ازاي ، وحد يقوللي ، ومين يجيبلي حبيبي) .... (ومين يجيبلي حبيبي !!...) حتى في هذه أنت سلبي ؟!!.... وتريد أن يأتي لك الناس بحيبك؟؟!!...
واكتب –إن شئت- كلام أي أغنية تحبها ، ثم اقرأ هذا الكلام، وسترى كيف ستضحك منه ومن تفاهته وعدم ترابطه، ثم يؤدي هذه الكلمات مغنٍ خليع، بصوت رديء، ويصاحبه راقصة ترقص بجانبه من أجل أن تغطي على صوته الرديء...... فأين الإبداع؟ وأين جمال الكلمات؟؟ ..
أليس هذا وضع الفن الآن؟؟

أين المتاحف ؟ وأين المعارض التي تقام وتُعرض فيها الفنون الجميلة ؟ لو أنك ذهبت إلى لندن ومشيت قرب الهايد بارك يوم الأحد، فستجد على طول سور هذا المنتزه والذي يبلغ تقريبا 1 كلم، لوحات لفنانين في غاية الروعة . أما نحن فللأسف لا يوجد لدينا إبداع، ولا نأتي بأشياء جديدة .

أيها الفنانون!!... سوف تُسألون يوم القيامة عن تضييعكم لملامح الأمة... ومن أجل ماذا؟ من أجل الرزق .
ويا من تسمعونني!!... إن أنتم رضيتم بهذا الوضع ولم تقوموا بتبليغ هؤلاء -وبكل أدب وذوق وبالحكمة والموعظة الحسنة كما علمنا ديننا- بأنه لا يليق بهم أن يفعلوا ما يفعلونه، فسيعرض هذا الفن على أولادكم ، وهذه الثقافة سيتغذى بها أبناؤكم ، وسترون بأعينكم كيف تمسخ عقولهم، فهل ترضون بهذا؟ ألا تقومون بعمل إيجابي لتغيير هذا الأمر؟


من المسؤول عن هذا؟؟..... وهل هذا الذي يحدث صدفة؟؟.....
إن كان ضياع الهوية صدفة ، فهذه مصيبة ، وإن كان مخططاً له..... فهذه جريمة ..

الفن والثقافة ومواكبتهما لمرحلة النهضة:


كل أمة من الأمم تمر بمراحل متعددة ، مرحلة ما قبل النهضة ، ثم مرحلة بداية النهضة ، ثم مرحلة قوة النهضة ، وأخيراً مرحلة قمة النهضة ، إلى أن تبدأ هذه الأمة بالسقوط .. ومهمة الفن الصحيح أن يواكب هذه المراحل، ويعبئ الأمة في كل مرحلة للمرحلة التي تليها. ففي مرحلة بداية النهضة، على الفن أن يكون دافعا للأمة إلى الأمام، أما في مرحلة قمة النهضة مثلا، فتكون مهمة الفن الترفيه وتهدئة المشاعر..
ولكن الواقع يقول أن هناك أمماً لم تنهض ولا تريد أن تنهض، وراضية بالحضيض ، و نحن بالتأكيد لسنا من بين هذه الأمم ، ورسالة صناع الحياة هي أننا إذا كنا لا نملك إمكانية تحقيق النهضة فنحن على الأقل لدينا رغبة صادقة لتحقيق هذه النهضة. فهل الفن والثقافة في بلادنا يساعدان على هذا الأمر؟؟.. بكل أسف... لا...
إنه لأمر في منتهى الخطورة، أن تأتي بفن وثقافة أمة في أعلى منحنى النهضة ، وبدأت تلجأ إلى الترف والمجون، وتضعه في طريق أمة في مرحلة البداية ، أن تأتي بفن أمة نهضت ثم بدأت في السقوط، وتركِّب هذا الكلام على أمة هي في بداية مرحلة الصعود، فيتسبب هذا في وقوع هذه الأمة وترديها أكثر وأكثر في مهاوي الانحدار والانحطاط. فهل أدركتم أهمية الثقافة والفنون في عمل النهضة، ومدى تأثيرهما إما بالنجاح أو بالسقوط ؟..

انظروا لأوروبا أيام النهضة، وكيف كان فنها وأدباؤها ومثقفوها يواكبون هذه المرحلة، ويدفعون بالأمة إلى الأمام، واقرؤوا لفولتير وجان جاك روسو.... وغيرهما.

بل انظروا إلى بلادنا في مرحلة ما بعد الاستعمار، في فترة الخمسينات ، كيف كان الفن والثقافة يدفعان للنهضة .. أليس هذا صحيحاً ؟ (في بعض الأعمال الفنية على الأقل؟)
كيف كانت الأغاني في ذلك الوقت : "أخي لقد جاوز الظالمون المدى، فحق الجهاد وحق الفدى" ، أو أغنية أخرى : "خلي السلاح صاحي ، صاحي،... إن نامت الدنيا صحيت مع سلاحي" .
كيف كانت الأغاني وقت حرب 6 أكتوبر ؟ كان الفن والثقافة عنصران أساسيان لتشجيع الجنود في أرض المعركة، فالأغاني كانت خاصة بالجيش المصري ، وكاتب هذه الأغاني كان منهم، مدركا لرسالتهم، ومنتميا لثقافتهم، ومعبرا عنها، كان يعرف أن الجندي على الجبهة هو رجل صعيدي ، ودمه حار، ولو سمع بأن النساء يتعرضن لأي أذى فسيغلي الدم في عروقه، فيكتب الشاعر الذي يفهم ثقافة بلده، ولم يأتِ بثقافة مستوردة: "البنت قالت فستاني... منشور على البر التاني" وهي كلمات عامية مصرية، تعني: استروني يا إخوتي على الجبهة، وأعيدوا لي ثيابي لتستروني، وذلك بعبوركم و بتحريركم للبر الثاني.

فهل يعبر الفن الآن عن المرحلة التي نحن فيها؟ أو التي نستعد لها؟

إن كنتم ترضون بالاستمرار في الحضيض.. فدعوا الفنانين يفعلون ما يريدون ، أما إن كنتم جادين في رغبتكم بتحقيق النهضة، فأنا أناديكم من هنا.. وأرجو من كل من يسمع كلمتي أن يقوم بإيصالها للفنانين: أرجوكم نحن في بداية صناعة نهضة، وهذه المرحلة تحتاج أن تضعوا أيديكم في أيدينا ، وتساعدونا، وتفكروا معنا لدفع هذه النهضة إلى الأمام ، وحرام أن يكون هناك من يبني وغيره يهدم ..


هل الفن حلال أم حرام؟

في ختام هذه الحلقة لا بد لنا من الإجابة على أسئلة تدور دائما في أذهاننا:
الفن حلال أم حرام ؟ الأغنية حلال أم حرام ، التمثيل ، السينما ، المسرح، وهل يجوز للنساء أن يمثلن أم لا .. وهل يجوز أن نسمع أغانٍ أم لا ....إلخ

في الحقيقة ... الموضوع أكبر من هذا بكثير ، فكيف تريدون منا أن نحكم بالجواز أو الحرمانية على أمر غريب عنا، لم ينشأ في أرضنا، بل جاءنا مستوردا دخيلا ؟؟...
كل الفنون الآن مستوردة من الخارج وبالتالي فهي غير ملائمة لقيمنا ولا لمناخنا ، فهذه جاءت لقوم آخرين، ولفكر آخر ، في مرحلة أخرى ومعتقدات أخرى، وبقيم غير قيمنا، ثم تسألني إن كانت حلالاً أو حراماً ؟
إنما الفن بأنواعه أداةٌ نستخدمها ، وبحسب استخدامنا لها يكون حكمنا عليها، فهي مثل السكين،قد تذبح بها طيراً لتأكله ، أو تذبح بها إنساناً لتقتله وأنت له ظالم ، فإذا جاءت هذه الثقافة بناءً على معتقداتنا وقيمنا ، ونحن في مرحلة بداية النهضة ، وموجَّهةً لفائدتنا، عندها لن تكون حلالاً فقط، بل تكون أداة لتحريك نهضتنا.

رسالتان موجهتان للفنانين:الرسالة الأولى : نرجو منكم أن تكون أعمالكم الفنية مناسبة للمرحلة التي نحن فيها، وهي مرحلة بداية النهضة ، فادفعوا الناس إلى الأمام، وارتقوا بأرواحهم، وأججوا حماسهم، ولا تكونوا سبباً في التهميش والضياع.
الرسالة الثانية: لا نريد أن نستورد الفن من الخارج ، نريده أن يكون من إنتاجنا، ولا تنسوا أننا كنا روادا في مجالات فنية كثيرة على مدى التاريخ، لذا نريد إبداعاً لا استيراداً.

هل هناك ضوابط لحرية الفن؟
بمعنى آخر : هل نشجع الرقابة أم لا؟
لو تكلمنا بصراحة لقلنا إن موضوع الرقابة هو فكرة جديدة ، نشأت لظروف أمنية وسياسية ، ولم تكن موجودة من قبل . والذي أراه أن يُترك لكل أحد أن يعبر عن ثقافته وفنه بالطريقة التي يريدها ، وتترك له كافة الوسائل للتعبير عن رأيه من غير أي مصادرة ، ولكن يُترك للرأي الآخر في نفس الوقت حرية التعبير والحجة. فالقرآن نقل لنا كلام إبليس وردّ عليه ، وعقيدتنا الإسلامية تعلمنا أن الحجة الأقوى هي التي تسود، وحجتنا قوية جداً جداً . وفي النهاية {فأما الزبد فيذهب جُفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال} (الرعد17)

نداء للفنانين التائبين المعتزلين:

ختاما نتوجه بالنداء للفنانين المعتزلين التائبين، وأنا في الحقيقة أعترض على هذه التسمية، فأما التوبة فهي أمر بينهم وبين الله عز وجل، وأما الاعتزال فلماذا؟ إننا نتوق للعثور على من يفهم رسالة الفن على وجهها الحقيقي، ويستطيع استخدام هذه الوسيلة الفعالة في النهضة، فلم يدعونها ويتركونها؟ أنا أعلم بأنهم يتعرضون لضغوط شديدة، ولكن صبرهم هو جهادهم .

هناك كثير من الشباب الفنانين يقابلونني ويسألونني ، ودائماً أقول لهم كلمة واحدة : يجب أن تكون دائماً صاحب رسالة ، واحذر أن تبيع رسالتك من أجل لقمة العيش، فأنت ستقف أمام الله يوم القيامة وستُسأل عن هذه الموهبة التي أنعم بها عليك، ماذا فعلت بها؟ فبم ستجيب؟ أنك بعت رسالتك، وضيعت أمتك، وطمست ملامحها من أجل لقمة العيش؟ ألم تسمع قوله تعالى: { وفي السماء رزقكم وما توعدون(22) فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون(23) }(الذاريات)

أدعو الله أن تصل رسالتي هذه للشباب الفنانين ، وأتمنى ممن يسمعني أن يقوم بإيصالها لكل فنان يعرفه، وبالذات في المعاهد الفنية ، وكليات الفنون التشكيلية ، والتطبيقية ، والفنون الجميلة ، وشباب العمارة ، وشباب النحاتين ، وكتّاب الأغاني ، والملحنين ، والمغنيين ، والرسامين ، والمخرجين ، والكتاب ، والمسرحيين ، إلى كل من يعمل بالثقافة والفن والإعلام .

الواجب العملي للحلقة:

إعادة صياغة الأحلام في مجال الثقافة والفنون

مراسلة الفنانين لنطلب منهم أن يرسلوا لنا رؤىً جديدة لنضيفها للمشروع.

تنفيذ مشروع محو أمية الكمبيوتر بكل قوة، وأن نبذل فيه كل الجهد.

مطلوب من كل من يسمعني: أرجوكم أن لا تقبلوا أن تطمس ملامح الأمة ، وحافظوا على ثقافتنا وعلى فنوننا.


ونراكم في الأسبوع القادم إن شاء الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



لمشاهدة الحلقة إضغط هنا
شام
شام
الحلقة الثانية عشرة : مجال التكنولوجيا






بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

ملخص مشروع صناع الحياة:

تتلخص فكرة صناع الحياة في أننا نختار مجموعة مجالات من مجالات النهضة، وفي كل حلقة نتناول مجالاً من هذه المجالات، ونشرحه، ونناقش اقتراحات الناس وأفكارها حوله، ثم نعرض الأمر على المتخصصين في هذا المجال، ليبينوا لنا الأسلوب الأمثل للتنفيذ، والمشروعات الأساسية التي علينا أن نبدأ بتنفيذها في هذا المجال، ونبدأ بتجميع الناس المهتمين بهذا الموضوع، ليلتفوا حوله، ويتبادلوا الطاقات والقدرات والخبرات والأفكار، حتى يقوم هذا المشروع.
وهكذا ننتقل من مشروع لمشروع، ومن مجال لمجال، حتى تنهض بلادنا بإذن الله.
وهذه الطريقة ليست من اختراعنا، بل جميع النهضات التي قامت، كانت بدايتها أفكاراً بدأت تتجمع ثم تتغربل، حتى خرجت على صورة تصور أساسي شامل، قامت وفقه تلك النهضة.
وعلينا هنا أن نميز بين أمرين:

- الرغبة في النهضة.

- إمكانية النهضة.

فالشعوب التي تعاني من التخلف مثلنا، إما أن تكون شعوباً لا رغبة عندها في النهضة، ولا تمتلك إمكانية النهضة، وهذه لا أمل في نهضتها أبداً، أو أن تكون شعوباً لديها رغبة في النهضة، ولكن إمكانية النهضة بالنسبة لها بعيدة المنال، وهذه أمامها أمل كبير، لأنه مادامت الرغبة موجودة، فإنها ستحرك الشعوب، وتدفعهم للسير حتى الوصول إلى إمكانية النهضة، مهما كانت بعيدة عنهم.

إن الصحابة في المدينة المنورة كانت لديهم رغبة في النهضة، ونية صادقة ومخلصة في نشر دين الله وحكم الله في الأرض، وبعد 20 أو 30 عاماً، جاءت الإمكانية، وقامت النهضة، وصارت دولة الإسلام مترامية الأطراف، ممتدة من المحيط إلى المحيط.
وحصل عكس ذلك بعد حوالي 500 عام، إذ كانت الإمكانية موجودة، ولكن الرغبة زالت، فبدأ الانحطاط.


لذا قلنا في الحلقات الأولى لصناع الحياة:
" ما من إنسان يؤمن بفكرة، بحيث تملأ كيانه كله، ويصر عليها، ويعيش لأجلها، إلا واستطاع أن يحققها في النهاية"هذه الفكرة التي نريدها هي الرغبة في النهضة.


موضوع اليوم مجال التكنولوجيا


مجال اليوم الذي نريد أن نبحث فيه، ونريد تأجيج رغبة الشباب، خاصة المنتمين إلى الكليات العملية، ليتحركوا فيه، هو مجالٌ يعتبر تحدي العصر الأول، وإن فشلنا فيه فلن تقوم لنا قائمة أبداً، ألا وهو التكنولوجيا.

تعريف التكنولوجيا:

هي الأفكار والأدوات والأجهزة والطرق والآلات التي يبتكرها الإنسان لتحسن من مستوى حياته، ومن محيطه وبيئته. فثورة الاتصالات التي نتحدث عنها جميعاً والتي غيرت وجه العالم وطريقة تفكيره وحركته، ما قامت إلا بالتكنولوجيا.

وأين نحن من قضية التكنولوجيا؟

بكل أسف، لا نستطيع أن نقول إننا متخلفون في موضوع التكنولوجيا، فالواقع أننا خارج الموضوع تماماً.
ولو بقينا على هذه الحال عشرين سنة أخرى، فسنصبح خارج التاريخ.
لذا فكلامنا عن التكنولوجيا هو كلام في صلب الدين، لأنه لن تقوم لأمة الإسلام قائمة بدون أن تتمكن من هذا المجال.


الفرق بين التكنولوجيا والعلم:

العلم بالنسبة لبلادنا هو سعي وراء تحصيل الشهادات العالية، ويبقى العلم مجرد أفكار متكدسة ونظريات.
أما التكنولوجيا، فهي تحويل هذه الأفكار والنظريات العلمية إلى تطبيقات عملية تنفع البشرية. فالحسن بن الهيثم كان عالماً مسلماً ألمعياً في الفيزياء، اكتشف نظرية (القمرة) التي تشرح انكسار الضوء وانعكاسه، ثم جاء مَنْ بعده، فطبقوا هذه النظرية، واخترعوا الكاميرا، واسمها مشتق من (قمرة)، واخترعوا المايكروسكوب.

إن أمريكا تمسك بزمام العالم الآن، رغم أنها ليست هي الأولى علمياً، فالتفوق العلمي لا زال من نصيب أوروبا، لكن أمريكا تمسك بزمام التكنولوجيا والتطبيقات العملية للعلوم المختلفة، لذا سادت العالم.

ودول العالم اليوم ثلاثة أنواع:

- دول متفوقة في التكنولوجيا، فهي التي تقود العالم.
- ودول عاطلة عن التكنولوجيا، فهي دول متخلفة، تُقاد ولا تقود، وليس لها إلا التبعية والسكوت.
- ودول لديها تكنولوجيا بسيطة، تحاول جاهدة أن تطورها، فهي دول لا تُقاد، وتستطيع أن ترفع رأسها وتحاور، حتى ولو كانت لا تقود العالم.

ولو أن كل شبابنا صار شديد التدين، مخلصاً في عبوديته لله، لكنه ليس مبتكراً ولا متمكناً من التكنولوجيا، فسنبقى ضائعين.

لقد ابتعثت اليابان في بداية نهضتها شاباً إلى أمريكا، ليحصل على الدكتوراه في الميكانيكا، وأثناء تحضيره للدكتوراه اكتشف كيف يصنع محركاً (موتوراً) ويشغله، فلم يكمل الدكتوراه، لأنه يعرف الفرق بين العلم والتكنولوجيا، ولأنه عرف أنه قد حقق هدفه وزيادة، فعاد إلى بلاده، وقال لإمبراطور اليابان: "جئتك بأحسن هدية أهديها لبلادي، وهي المحرك (الموتور)" ، وعندما بدأ إمبراطور اليابان يسمع صوت المحرك وهو يدور، قال كلمته الشهيرة: "الآن بدأت تعزف السيمفونية اليابانية"

ونحن اليوم نبسط الموضوع لننشر بين الناس ثقافة التكنولوجيا، فنحن نريد من الأمهات أن يشجعن أبناءهن على الإقبال على العلم –لا من أجل الشهادة- بل ليفهموا ويعلموا ويصبحوا قادرين على الابتكار والاختراع.

هل تصدقون أن دكتوراً جامعياً حدثني عن رسائل الماجستير والدكتوراه كيف تعطى في إحدى الجامعات في بلادنا، فقال بأننا إذا لم نجد فكرة أطروحة جديدة، نعمد إلى المشاكل التي تم حلها سابقاً، فنعيد "مَشْكلتها" ليقدم فيها الطالب رسالة جديدة، فقد صار هذا هو هدفنا، منح الشهادات، لا حل المشكلات.
وبالتالي سنبقى ضائعين دوماً.

إن مسألة أن "نكون أو لا نكون" مرتبطة بثلاثة أمور:


هل نحن عُبّاد خاضعون لله أم لا؟

هل نيتنا مخلصة لله تعالى أم لا؟

هل نتحرك في هذه الدنيا ونعمرها ونريد أن ننجح فيها أم لا؟


أهمية التكنولوجيا وخطورتها:


في المواصلات:
التكنولوجيا في الغرب صارت مسئولة عن تسيير جميع وسائل المواصلات، وصارت الكمبيوترات هي التي تتحكم في حركة الطائرات وتوجيهها، وأعمال أبراج المراقبة. بل حتى الحجز وإصدار التذاكر، صار المواطن هناك يستصدرها من بيته عبر الانترنت.


في الزراعة: لدى الغرب مجسات كبيرة غائصة في أعماق التربة، تتحسس نسبة الرطوبة فيها، وبمجرد أن ينخفض مستوى الرطوبة عن الحد المطلوب، تصدر هذه المجسات إشارات إلكترونية لرشاشات ضخمة، لتقوم بري آلاف الأفدنة على الفور، فلا يحدث أي ضرر للمحصول. بل إنهم حتى يقيسون نسبة السماد في التربة، ويتحكمون في كميته واختيار نوعه الملائم للتربة أو المحصول المزروع عن طريق الكمبيوتر.

في التعليم:


يصل تقرير يومي للآباء والأمهات عن طريق الانترنت، يبين لهم مستوى ابنهم العلمي وتحصيله الدراسي، وسلوكه وأخباره في المدرسة.

التعليم عن بعد ( E- learning ) أصبح الطالب عن طريق الانترنت يستطيع أن يلتحق بالجامعة التي يريدها، ويحضر المحاضرات، ويناقش الدكاترة، ويتقدم للامتحانات ويحصل على الشهادة، كل هذا وهو جالس في بيته.

في أوروبا مكتبة مركزية إلكترونية، تغطي كافة أوروبا، بحيث أن أي أستاذ في أي صف دراسي، يريد أن يشرح للتلاميذ عن أمر ما، ولنقل مثلاً عن الغابات في إفريقية، فإنه يتصل من جهازه في الصف بالمكتبة المركزية، ليعرض للتلاميذ تلك الغابات بالصور الحية، ويتم شرح الدرس عليها.



في الصحة:
يمكن لجراح في لندن أن يقوم بعملية عن طريق المنظار، ويتصل عن طريق الانترنت بطبيب آخر في استراليا، ليراقب العملية معه، ويبدي رأيه واستشارته، لترتفع نسبة نجاح وكفاءة العمليات إلى أعلى مستوى.

مؤتمرات طبية عن طريق الاتصال الفضائي، بحيث يُحدد موعدٌ، يلتقي فيه أطباء من مختلف أنحاء العالم عن طريق الاتصال الفضائي المباشر، فيتناقشون ويتباحثون، وترتفع إمكانياتهم أكثر فأكثر.

بعض الأجهزة الطبية بالغة الدقة، تصمم بالكمبيوترات.

الأمراض الوراثية وهندسة المورثات (الجينات) ومعالجتها وتعديلها تدار بالكمبيوتر.

عمليات التهجين وتحسين السلالات تتم من خلال الكمبيوتر.


في التجارة:
كافة الشركات الكبرى والمصانع لها مواقع على الانترنت، بحيث يتصل بها الزبون أو العميل، فيختار ما يريد، ويجري عليه التعديلات التي تروقه، ثم يشتريها ويدفع الثمن ببطاقة الائتمان، كل هذا عن طريق الانترنت، ثم يتم شحنها له.

في الثقافة والفنون:
كافة الخدع السينمائية والأفلام الكرتوينة والمونتاج، صارت تتم بتقنيات عالية جداً، ونحن لا نستطيع أن نخرج شخصية كرتونية واحدة تعبر عن ثقافتنا، وإن فعلنا فلن تكون بنفس الدقة والجمال، وستكون تكاليفها أعلى بكثير من استيراد الأجنبي الجاهز، لأننا لا نملك تلك التقنيات المتطورة.


في البحث العلمي:
كل بحث علمي جديد صار ينشر على شبكة الانترنت، وما على الباحث إلا أن يتصل بالشبكة، ويكتب اسم الموضوع الذي يريده، لتخرج له جميع المقالات والأبحاث وأحدثها في أوروبا وأمريكا، والمتعلقة بموضوعه. في حين أن الباحث العربي لكي يبحث عن مرجع عربي واحد، عليه أن يتصل بالمكتبات واحدة واحدة، ويسأل ويتعب ويتوه، وقد لا يجده في النهاية.

في الأمن الداخلي:
جميع البطاقات الشخصية وجوازات السفر صارت الآن ممغنطة، بحيث يعرف رجل الأمن بمجرد أن يمررها على جهاز الكمبيوتر كل شيء عنك، منذ ولدتك أمك.


لذوي الاحتياجات الخاصة: هل تعلمون أن هناك بلداً كاملة في ألمانيا، معدة بأجهزة وتقنيات عالية، بحيث يمضي فيها ذوي الاحتياجات الخاصة إجازاتهم، فيستجمون ويتحركون بحرية، وكأنهم استعادوا خمسين بالمائة من قدراتهم المفقودة.


في الأسلحة: صارت الأسلحة الآن والصواريخ كلها توجه من بعد، وطائرات التجسس والقتال تقاد بالكمبيوترات دون طيارين.


أين نحن من هذا؟

لهذا قلنا إن التكنولوجيا هي تحدي العصر.
ولا يمكن أن تقوم النهضة دون أن تتغير ثقافة المجتمع، وهذا يستلزم بالدرجة الأولى تغيير ثقافة النساء، اللاتي يربين الأجيال، فيزرعن فيهم حب العلم من أجل النهضة، لا من أجل الحصول على الشهادات.

أيها الشباب الذين لا همّ لكم عند الدخول إلى الانترنت إلا الثرثرة (التشات) مع الفتيات، أو الدخول للمواقع الإباحية.......
إن أمتكم تموت...
إننا نخرج من التاريخ..


لقد قال تعالى: { وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس...} (البقرة 143
)


فكيف نشهد على شيء لم نره ولم نحضره؟؟...
إن أخشى ما أخشاه أن يأتي الله تعالى يوم القيامة بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، منذ عصر النبوة، وحتى يوم الدين، لتشهد على البشرية، ويستبعد جيلنا، ويُقال لنا: أنتم كنتم خارج التاريخ، أنتم لم تكونوا شهداء.

فالله تعالى عادل ولا يظلم أحداً.. ولن يرضى بشهادة من لم يرَ ولم يسمع، ولم يكن له حضور أساساً. ألا تخافون أن يسألنا ربنا يوم القيامة: ألم أهبكم العقل، فأفضلكم به على سائر المخلوقات؟ فلم عطلتموه واستوردتم إبداع غيركم.


أتفرحون لأن معكم أحدث طراز للهاتف الجوال (المحمول) ؟ لا تفرحوا.. فما أنتم إلا مستهلكين للتكنولوجيا، ولستم منتجين لها.
أنتم يدكم السفلى، اليد التي تستجدي وتتسول، أقولها وأنا آسف وحزين، مع أن نبيكم صلى الله عليه وسلم علمكم أن: "اليد العليا خير من اليد السفلى" (متفق عليه ) . هذا من صميم الإسلام.
لا بد أن تخرج منا عقول تبتكر وتفكر وتخترع، ولا ترضى أن تبقى دوما في دور المستخدم والمستهلك.



الوضع العلمي في العالم العربي:
ورد في تقرير الأمم المتحدة لعام 2003 م أن نسبة مستخدمي الانترنت في العالم العربي 0.6 % منهم 90 % يستخدمونه للدخول إلى المواقع الإباحية. وأن 3.1 % من المواطنين العرب فقط لديهم أجهزة كمبيوتر.

علماء أوروبا يتجمعون ويتواصلون ويتبادلون الأفكار والمعلومات، خاصة بعد الوحدة الأوروبية، فيقفزون قفزات سريعة في مجال التكنولوجيا، وعلماؤنا منغلقون، وبلادنا لا زالت مصرة على الفرقة والانقسام.
وثقافة مجتمعاتنا لا تساعد على التغيير، مادام هدف الناس وهمهم الأعظم هو تحصيل الشهادات العالية، ويتكدس في جامعاتنا آلاف الخريجين والحاصلين على الماجستير والدكتوراه .... ثم ماذا؟..
ومشكلة هجرة العقول كارثة تهددنا.
إن الأول على كلية الهندسة- جامعة القاهرة، يتقاضى في أمريكا راتباً قدره عشرة آلاف دولار، أما في بلده فلن يتقاضى أكثر من 1300 جنيه، لذا يبقى هناك، وتخسر بلادنا فكره وعقله.
وخلال السنوات العشر الماضية، ابتعثت كلية الهندسة لجامعة القاهرة 100 خريج سنوياً إلى أمريكا للحصول على الدكتوراه، ولم يعد من هؤلاء الألف ولا واحد.
ماذا يفعل أبناؤنا هؤلاء هناك؟؟..
يطورون التكنولوجيا في أمريكا...
هل نستطيع أن نلومهم؟..
لست أدري، ولكن... من منا فكر في حل لتلك المشكلة؟ من منا فكر كيف يستفيد منهم وهم هناك؟ إننا نناديهم ونرجوهم أن يشاركوا معنا في صناع الحياة، ويتواصلوا معنا.

وسأعرض عليكم فيما يلي إحصائيتين:
أولاً- الإحصائية الأولى تبين لنا كمية الأبحاث العلمية التي تقدم سنوياُ وترتيبنا فيها:
المركز الدولة عدد الأبحاث 1 الولايات المتحدة الأمريكية 2747000 بحث 2 اليابان 161100 بحث 3 إنجلترا 58500 بحث 4 ألمانيا 480000 بحث 12 الهند 155000 بحث 18 بلجيكا 85000 بحث 19 إسرائيل 81000 بحث 41 مصر 20000 بحث 47 السعودية 14000 بحث ثانياً – الإحصائية الثانية تبين لنا براءات الاختراع كمقياس لتقدم التكنولوجيا لعام 2000 م.
الدولــــــة النســـبة أوروبا الغربية 67.2 % أوروبا الوسطى والشرقية 0.5 % دول الكومنولث 0.5 % أمريكا الشمالية 84.9 % أمريكا اللاتينية 0.4 % أستراليا 1.9 % الدول العربية 0 طبعاً هذه النسبة لا تجمع إلى مائة، وإنما هم أحصوا النسبة لكل قارة على حدة.
وكانت نسبة الدول العربية صفراً، رغم وجود بعض الاختراعات، وذلك لأن التقريب لأقرب ألف.

وبعد كل هذا... هل هناك أمل؟

الإمكانيات المتوفرة لدينا:


أعداد هائلة من الشباب ذوي الطاقات الفتية.

أعداد ضخمة من الشباب الدارسين في الكليات العلمية.

نسبة ذكاء المواطن العربي أعلى بكثير من غيره، خاصة عندما يوضع في البيئة السليمة، والعالم يشهد بذلك. لذا يتفوق وينجح في الغرب كل من يهاجر من بلادنا.

أعداد كبيرة من المؤسسات التي تشكلت في وطننا العربي لرعاية البحث العلمي.
ففي مصر مثلاً:

وزارة البحث العلمي تشرف على 14 مؤسسة علمية لتطوير التكنولوجيا.

وزارة الزراعة يتبعها 25 معهد بحثي لتطوير التكنولوجيا.

وزارة الموارد المائية تشرف على 12 معهد بحثي.

وزارة الصحة تشرف على 9 معاهد بحثية.

وزارة الكهرباء تشرف على 4 معاهد بحثية.


وأغلب جامعاتنا العربية ملحق بها مراكز دراسات لتطوير التكنولوجيا.

ديننا وقرآننا الذي يحثنا ويدفعنا إلى العلم والعمل والإتقان.


وهناك دول كانت أسوأ منا في التكنولوجيا ولكنها قد سبقتنا الآن، ووصلت للعالمية مثل كوريا وماليزيا.
كوريا بدأت بابتعاث شبابها إلى الخارج، ثم الاحتفاء والاهتمام الشديد بهم عندما يعودون، واهتمت بتطوير المناهج العلمية، وإنشاء المراكز البحثية، وحث الناس على التبرع التطوعي لتطوير البحث العلمي، وقام التلفزيون الكوري برسالته الثقافية في تشجيع الناس، وحثهم على العمل والعلم والابتكار والاختراع، فتغيرت ثقافة الناس، وكان للنساء والأمهات في ذلك دور حيوي هام. وقامت كوريا خلال عشرين عاماً، ولحقت بركب أوروبا التي سبقتها بـ400 عام. إذن، معادلة النجاح هي: إصرار + رغبة في النهضة + ثقافة تكنولوجيا = نجاح النهضة.

خطورة استيراد التكنولوجيا:


نحن الآن نستورد التكنولوجيا دون تفكير، سواء كانت مفيدة لنا أم لا، وقبلنا أن تكون يدنا هي السفلى. المصانع التي تؤسس عندنا، عبارة عن أجهزة وآلات وقطع مستوردة، تم تركيبها وتجميعها عندنا. فنحن لا ننتج، بل نجمّع ونركِّب القطع والمواد المستوردة.


تكنولوجيا أم تانكولوجيا: التانكولوجيا مشتقة من (تانك) أي مخزن، فالآلات والأجهزة القديمة التي انتهى منها الغرب، لأنه أنتج ما هو أحدث وأفضل، يصدرها لنا، ويقبض ثمنها، بدلاً من أن يخزنها لديه، ويتحمل تكلفة تخزينها، فكأننا صرنا مخزناً للخردة الغربية. وبهذا يبقى هو دائماً سابقاً لك ومتفوقاً عليك، فلن يرسل لك في مجال التسليح إلا الأسلحة التي صار عنده ما يغلبها ويتحكم فيها، وفي مجال التصنيع لا يرسل لك إلا ما قد صار عنده ما يفوقه جودة، بحيث يغلبك دائما في المنافسة ويقهرك. وسنبقى هكذا ما دمنا لا نفكر ولا نخترع ولا ننتج، ولا نريد أن نتعب أنفسنا، بل نريد أن نأخذ من غيرنا كل شيء جاهزاً.


استنزاف مواردنا:
مثال: كانت أمهاتنا تأخذ البطاطس وتقشرها وتقطعها وتحمرها، ليأكلها أبناؤها، أما الآن فصار الأطفال لا يرضون إلا بالشيبس الجاهز من السوبر ماركت... ومن أين يأتي هذا الشيبس؟...
من المصنع.... والمصنع من أين يأتي بآلاته وأجهزته؟... من الخارج....
والمواد الحافظة؟... من الخارج.... وأكياس تعبئة الشيبس التي لا بد لها من مواصفات معينة نعجز نحن عن إنتاجها؟.... من الخارج... فانظر إلى كمية الاستيراد والاعتماد على الغرب من أجل أن يأكل الأطفال أكياس شيبس على الطريقة الغربية، ويزهدون في البطاطس المحمرة التي تعدها الأمهات في البيوت. فإن لم تكن قادراً على إنتاج الشيبس كاملاً في بلدك، فلتكن رجلاً ولتمتنع عنه.


اكتساب عادات غريبة عن مجتمعاتنا: مثلاً: الهاتف الجوال (المحمول) اخترعه الغرب ليسهل على رجال الأعمال أعمالهم، فيتابعون من خلاله أخبار البورصة، ويديرون أعمالهم بشكل آني، أما نحن عندما استوردناه، ففيمَ استعملناه؟ في المعاكسات، والرسائل التافهة، والمباهاة... وهكذا...
إننا نستورد تكنولوجيا معدة لأناس آخرين، باحتياجات أخرى، وثقافة أخرى، ونحن نستخدمها من قبيل الترف والرفاهية التي لا معنى لها، فتفسد بذلك أخلاقنا ومجتمعاتنا.


التسمم بالتكنولوجيا:

- كل النظم التي تدير العمليات الحسابية في البنوك صممها الغرب لنا، وبالتالي فهو الذي يوجهها، ويطلع من خلالها على كل ميزانياتنا وأسرارنا.
- كل طائراتنا، وأبراج مراقبتنا، وأجهزة التحكم عندنا مستوردة من الغرب، والغرب الذي صمم هذه النظم، يستطيع أن يتحكم فيها، ويتدخل وقتما يشاء ليغير مسار تلك الطائرة، أو يضرب تلك... أو... أو...


عدم مناسبتها لظروفنا:
قد نستورد تكنولوجيا تحل محل الأيدي العاملة، مع أن اليد العاملة عندنا رخيصة، ومشكلة البطالة عندنا رهيبة، فتتفاقم مشاكلنا بدل أن نحلها.


تحجيم قدراتك وإعاقة تطورك:

قد يصدر لك جهازاً إمكانيات عالية، ولكنك لا تتمكن من استخدام كل إمكانياته مع أنك قد دفعت ثمنها، كما لو صدر لك سيارة بـ 300 حصان، ثم حدد لك عداد السرعة بحيث لا يتجاوز 120 كم/سا، فتكون قد دفعت ثمن تكنولوجيا عالية جداً ومتطورة، ولكنك لم تتمكن من استخدام إلا الحدود الدنيا منها، والمشابهة للمستوى الرخيص.


النتيجة:

مادمنا نستورد التكنولوجيا ولا نصنعها في بلادنا، وفقاً لاحتياجاتنا وإمكانياتنا وثقافتنا وقيمنا، فلا أمل لنا في النهضة.
وهدفنا اليوم هو حث الشباب واستفزازهم ليتحركوا، ويغيروا نظرتهم للتعليم والحياة، وأن نوجد لديهم الرغبة للتحدي ولابتكار والاختراع، فهذا من صميم الدين، وجزء من عبادتك لربك، لأنك بهذا تخدم أمتك وتنهض بها.
ومادام ليس لدينا شباب مخترع، فكل مجتمعاتنا آثمة، لأن وجود هؤلاء فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الجميع، أما إن لم يقم به أحد –كما هو حالنا الآن- فالجميع آثم.
لذا لابد أن يعمل الآباء والأمهات والأساتذة على توجيه الشباب إلى هذه الوجهة، وإذا صار عندنا شباب مؤمنون بهذا، قادرون عليه، ولو لم تتجاوز نسبتهم 1% ، فإنهم سيغيرون وجه الدنيا، ويجعلون أمتنا في مدة قصيرة تتجاوز ما سبقتها به أوروبا في 400 عام.

أمثلة على اختراعات غيرت وجه التاريخ:


الورق.

الطباعة: وقد اخترعها جوتنبرغ، الذي كان مسيحيا متديناً، وكان أول ما قام بطباعته هو الكتاب المقدس ليخدم بهذا دينه.
قارن هذا بموقف كثير من شبابنا المتدين الملتزم الذي يفكر أن يهجر كلياته العلمية والعملية بحجة أنه يريد التخصص في العلوم الشرعية.

المسدس: اختراع صغير لكنه غير واقع المسلمين، فعندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر، ومعها هذا السلاح الحديث المتطور، وقابلها المسلمون بالسيوف والأسلحة التقليدية، كانت النتيجة حتمية ومحسومة.

الكهرباء: وقد اخترعها فراداي، الذي عمل في مكتبة لبيع الكتب، منذ الرابعة عشرة من عمره، وبقي يقرأ كل ما يجده من كتب في هذه المكتبة، حتى اخترع الكهرباء وهو في العشرين من عمره.
فالاختراع ليس شيئا عجيباً غريباً، وكأننا عندما نتكلم عن المخترعين نتكلم عن مخلوقات من كواكب أخرى..

العالم اليهودي الذي اخترع المادة المتفجرة، وذهب بها إلى الحلفاء ليبيعهم إياها فيضمنوا بها النصر، مقابل حصول اليهود على فلسطين، قد غير باختراعه المنطقة لمائة عام.

الخوارزمي كان رجلاً بسيطاً، لكنه كان يحب دينه كثيراً، وهو مؤسس علم الجبر، وقد ابتكر طريقة رياضية أسماها "الخوارزميات"، ولا زالت حتى الآن تسمى عند الغرب باسمه "ALGORISM-or- ALGORITHM "وهي نظام العد العربي أو العشري، والتي لولاها لما حُلت المشاكل الرياضية.
وقد اخترع الخوارزمي العدد (صفر)، وعبر عنه بدائرة مستديرة (0) ، وهو اختراع قلب وجه الأرض، ولولاه لما تطورت الرياضيات، ولما أنشئت الكمبيوترات ولا التكنولوجية الحديثة.
يقول أحد علماء الغرب: "فكرة الصفر كانت أعظم هدية قدمتها الحضارة الإسلامية إلى أوروبا".
وقد قال الخوارزمي وهو على فراش الموت: "اللهم إني كنت أتعبد إليك بعلمي، فاغفر لي".

الحل:
لا بد من أن يغير الشباب طريقة تفكيرهم، ويصروا على استخدام عقولهم في مجال الاختراع والابتكار، وذلك عن طريق:

دراسة المجال العلمي الذي يحبونه.

إتقان إحدى التخصصات داخل مجال دراستهم إتقاناً يمكنهم من التطوير.

الجرأة على التجربة والخطأ، فأديسون قام بـ99 محاولة خاطئة لعمل المصباح الكهربائي.

الصبر والإصرار، فقد سئل أديسون عن سر نجاحه فقال: "النجاح 1 % عبقرية + 99 % عرق جبين".


المطلوب:

ظهور مبتكرين ومخترعين.

تغيير ثقافة المجتمع ونظرته للتعليم، عن طريق تغيير ثقافة الآباء والأمهات.

الإيمان بأنه لا نهضة دون تكنولوجيا.


ولمساعدتكم في هذا، فقد صممنا موقعاً تكنولوجياً على الانترنت، متفرعا من موقع عمرو خالد، ليلتقي فيه جميع المتخصصين والشباب المهتمين بالأمر، ويتبادلون فيه الأفكار والخبرات ويتحاورون، ويشرف عليهم أساتذة متخصصون، ليرسموا لهم الخطوات العلمية والمنهجية، وسيشرف على هذا الموقع، شاب منكم، في مثل سنكم، لكنه مبتكر، وهو حاصل على:

جائزة أفضل ابتكار صناعي لعام 97 م من الهيئة العربية للتصنيع.

جائزة أفضل نظام لتأمين البيانات من الهيئة العربية للتصنيع، عام 99 م.

جائزة ثالث أفضل موقع صناعي على مستوى العالم، من رابطة المواقع الصناعية العالمية.

وهو الأخ أحمد محرم. وسنتركه ليحدثكم ويشرح لكم فكرة وأهداف الموقع الجديد.

يقول الأخ أحمد محرم:


بسم الله الرحمن الرحيم

سنؤسس على الانترنت موقعاً متفرعاً من موقع الأستاذ عمرو خالد، وسيكون موقع "تكنولوجيا صناع الحياة" ، وميزاته:

مجموعة من المنتديات المتخصصة، لكل فرع من فروع التكنولوجيا، لتجميع أفكار الشباب ومناقشتها، فالابتكارات لا تأتي إلا من تجميع الأفكار بين المتخصصين في فروع مختلفة.

منتدى ثانٍ مهم للمتخصصين في الطب أو الهندسة، يدخله هؤلاء ليتعرفوا من خلاله إلى من يمكنه أن يفيدهم في مجالهم بعلمه في التكنولوجيا، فيتصلون به.

عمل قاعدة معارف أو بيانات، تُجمع فيها وتُعرض المعلومات المتخصصة، ليطلع عليها المتخصصون، ويعرفوا كيف يمكنهم التطوير في مجالاتهم باستخدام التكنولوجيا.

مكتبة إلكترونية تحتوي على كتب مجانية، ومحاضرات مجانية، يجهزها لنا متخصصون عرب، مقيمون في بلادنا العربية أو في الخارج، ممن كان لهم دور في تطوير التكنولوجيا بشكل فعلي. بالإضافة إلى تأمين الاتصال بين موقعنا وكافة المواقع التي يمكن أن تقدم للناس خدمات من هذا النوع.

صفحة خاصة لعرض آخر أخبار التكنولوجيا، وأيضاً لقياس المستوى المعرفي للناس، لتوفير وقتهم ولاستثماره في نفع الآخرين.

تجميع المشاريع التطبيقية، والابتكارات التي يقدمها طلاب كليات الهندسة، كمشاريع التخرج، والتي يكون مصيرها عادة الإهمال والنسيان، وذلك للاستفادة منها.

ردم الفجوة الموجودة بين القطاعات الثلاث: الشباب / قطاع التعليم / القطاع الإنتاجي أو الخدمي.
فالشباب يدرس علوماً، لكنه لا يعرف احتياجات السوق، ولا متطلبات الشركة التي سيتوظف فيها، وإن عرفها، فلا يعرف حقيقة المناهج العلمية التي تقدمها المؤسسات العلمية، ومدى قدرتها على إكسابه المهارات المطلوبة لعمل المستقبل.
ومن ناحية أخرى، نجد أن أصحاب المصانع والشركات، لا يعرفون المؤهلات التي عليهم أن يبحثوا عنها، ولا يعرفون خريج أية مؤسسة علمية سيكون هو بغيتهم.
هذه المشاكل ناجمة عن سوء الاتصال.

والموقع سيسمح للناس بالاتصال، وردم هذه الفجوة، فسنطلب من صناع الحياة في العالم العربي أن يجمعوا لنا معلومات وبيانات عن جميع الشركات والمصانع واحتياجاتها، والتخصصات التي تطلبها، والخدمات والمنتجات التي تقدمها. ومعلومات مماثلة عن المؤسسات التعليمية ونوعية المناهج والمواد والمهارات المُدرَّسة فيها. وبهذا يدخل الشاب إلى الموقع ليبحث عن الشركات واحتياجاتها، فيعرفها، فيبحث عن المؤسسات التعليمية التي تكمل له النقص ليصبح مؤهلاً للالتحاق بذلك المصنع أو الشركة.
وبالمقابل، فإن صاحب المصنع أو الشركة، سيدخل الموقع، ويرى المشروعات المجمعة فيه، ويرى أيُّها يمكنه أن يطور له مصنعه، فيتصل بالشاب صاحب المشروع ويموله له. وبهذا أيضاً، لا يقدم الطلبة مشاريع تخيلية للتخرج، لا تفيد أحداً، بل عن طريق الموقع يتصلون بأصحاب المصانع والشركات مسبقاً، ليفهموا احتياجاتها، ويقدموا مشاريع تساهم في تطويرها.
وكل هذه النقاط سيتم بحثها مع متخصصين يوم السبت في التاسعة مساء، على موقعنا الجديد، لنضع الخطة التفصيلية، وسنخبركم بالنتيجة بعد ذلك إن شاء الله.

الواجب العملي للحلقة:

نطلب من جميع المهتمين والمتخصصين في مجال التكنولوجيا المشاركة معنا في هذا اللقاء الحي مع الأستاذ أحمد محرم يوم السبت.

نستمر في مشروع محو أمية الكمبيوتر، لأنه هام جداً جداً، وهو البوابة لكل ما تم بحثه في حلقة اليوم.

نتابع التصويت على مشروع التكنولوجيا.


وبهذا بإذن الله تعالى يوفقنا الله، وننجح ونحقق النهضة المنشودة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته




http://www.amrkhaled.net/multimedia/multimedia522.html

مشروع موقع تكنولوجيا صناع الحياة
شام
شام
الحلقة الثالثة عشرة : ثمار صناع الحياة (1)




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أحب أن أبدأ حلقة اليوم بآية كريمة. يقول الله تبارك وتعالى:
{ألم ترَ كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء(24) تؤتي أُكُلَهَا كل حين بإذن ربها، كذلك يضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون (25)} (إبراهيم)

تقول لنا هذه الآية الكريمة أن الخير لا يضيع أبداً، وأن بذرة الإصلاح لابد وأن تؤتي أكلها (أي ثمرتها) ولو بعد حين، لأنها كالبذرة الطيبة التي إذا تعهدناها بالري في أرض خصبة، فلا بد أن تنبت شجرة، وتطرح ثماراً، ولن تثمر مرة واحدة فحسب، بل مرة إثر مرة،

"تؤتي أكلها كل حين" جيلاً بعد جيل.... لماذا......؟؟؟؟

لأن "أصلها ثابت" فكلمة الخير والإصلاح كلمة طيبة مباركة، خيرها متجدد دائماً للمجتمع، فهي تثمر "بإذن ربها". قال تعالى: {ءأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون} (الواقعة 64)

واليوم بدأنا بهذه الآية، لأننا منذ بدأنا برنامج صناع الحياة، بدأنا نبذر البذور، وكانت أول بذرة نثرناها هي بذرة الإيجابية، تلتها بذرة الإتقان، ثم تحمل المسؤولية، ثم الجدية، ثم حدد هدفك في الحياة، ذلك في المرحلة الأولى. وأما في المرحلة الثانية، فبذرنا بذرة: تعال نحلم كيف نبني النهضة، ثم ما هي مجالات النهضة، ثم بذرة التعليم، فالزراعة، فالصناعة، فالثقافة والفنون، فالتكنولوجيا....

وتساءلنا: ترى هل ستنبت هذه البذور؟ أم إنها ستموت في باطن الأرض؟ ترى هل ينطبق علينا مفهوم تلك الآية الكريمة؟

ونحن اليوم جئنا لنبعث في قلوبكم السرور، ونرفع روحكم المعنوية، ونحيي الأمل الذي لا تقوم النهضة بدونه: {ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (يوسف 87)
ولا يمكن أن تنهض أمة بدون همة ونشاط وثقة في نفسها، وثقة في ربها سبحانه وتعالى.

جئنا لنعرفكم من خلال حلقة اليوم على الثمار، أو بعبارة أدق: على أولى بشائر النجاح.

إن البذرة عندما تبذر في الأرض يراها الإنسان صغيرة وضعيفة ومدفونة في التراب، ومن لا خبرة لديه في الزراعة يظن أنها ستموت في باطن الأرض، ومن يمر عليها بعد أسبوع أو اثنين أو ثلاثة ولا يرى لها أثراً، ييأس منها، لأنه لا يدري أنها تنتش وتنمو في باطن الأرض، ذلك أن "أصلها ثابت". وقد قيل لي كثيراً: "أتظن أن الكلام الذي تقوله في صناع الحياة سيحقق نهضة فعلاً؟... إنها مجرد أوهام". ولكن الخبير يعرف أن البذرة تنمو، وستُنبت يوماً وتُثمر، ولو بعد حين.

هذه الآية الكريمة الجميلة تزيد ثقة المؤمن في أن بذرته ستثمر وتطرح، وأن عليه أن يصبر حتى يأذن ربها.

لذا كنت دائماً أكرر في الحلقات أن اصبروا لتروا الثمار، فمن الناس من صبر واستمر، ومنهم من يئس وتولى، ومنهم من اكتفى بالمشاهدة من بعيد ليرى ما سيحدث.

وجمال حلقة اليوم أنها ترينا بشائر الثمار، وبداية إنبات بعض البذور التي بذرناها، ولا نقصد بعرض ذلك الرياء أو التفاخر –والعياذ بالله- بل نريد إحياء الأمل، وتجديد الهمة والنشاط. فبرغم التحديات والصعوبات، أنبتت هذه البذور: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (173) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل ...(174)} (آل عمران) وهكذا لا ييأس المؤمن أبداً، ويعلم أنه الأعلى بإيمانه وعمله الصالح: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران 139)

ومن رحمة الله وإكرامه لنا، أن يرينا بشائر هذه الثمار، نبتات جميلة أنتجتها هذه البذور، كما سنرى معاً في حلقة اليوم، وهذه البذور ما كانت لتنبت إلا "بإذن ربها".

ولقد بذرنا هذه البذور في أحلك الأوقات، فأنا أعتقد أن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يمر عليها وقت –منذ بعثته إلى يومنا هذا- كان وضعها فيه أسوأ مما هو عليه الآن، بل إن وضعها الآن يعتبر أسوأ من أيام التتار، وكلما ظننا أننا وصلنا إلى القاع، وألا مجال لمزيد من الهبوط والتدني، نفاجأ بالأرض تخسف من تحت أقدامنا، لنهبط إلى دركة أسفل وأحط.
واسمحوا لي أن أقول لكم بوضوح أن السنوات العشر القادمة ستحدث فيها تغيرات خطيرة جداً، تعادل عشرة أضعاف ما حدث في السنوات العشر الماضية، ولن يستطيع أحد في بلادنا إيقاف ذلك، ولعل ما يحدث في فلسطين والعراق والسودان الآن، ينبئكم بشيء بسيط مما هو متوقع أن يحدث. وفي هذه السنوات العشر، إما أن نكون فاعلين أو مفعولاً بنا.
ونحن الآن نبذر البذور، لنجني ثمارها خلال السنوات العشر القادمة، فقد شبعنا من دور المفعول به طيلة 200 عاماً مضت، ونريد أن نصبح فاعلين.
إننا عندما ألقينا البذور في حلقاتنا الأولى، كنا واثقين من أنها ستنبت، وأنه سيحين موعد هذه الحلقة، لأن البذور التي بذرناها كانت نقية، ونقاؤها هو إخلاص الناس، ونيتها الصادقة في بناء النهضة، وأملها في إرضاء ربها، وإسعاد نبيها يوم القيامة. وبذرنا البذور في أرض خصبة، وهي الشباب والشابات المخلصين المحبين لربهم، ثم دينهم ووطنهم. وإياكم أن تصدقوا أن الشباب مستهتر وضائع ولا أمل منه، أعطوه فرصة وحسب، وانظروا ماذا سيفعل. وقد روينا هذه البذور بجهد وعرق وتخطيط صحيح، فتعهدها ربنا سبحانه وتعالى.
فهيا بنا نرى اليوم الأُكُل الذي طرحته بعض هذه البذور.

البذرة الأولى: مشروع الملابس.

هذه بذرة بذرناها قبل خمسة شهور، وإذا بنا نجمع 1.5 مليون كيس، وفي كل كيس 15 قطعة تقريباً، وسنعرض عليكم الآن فيلما تسجيلياً مختصراً عن بعض المعارض التي أقيمت في بلاد كثيرة من وطننا العربي لتوزيع هذه الثياب:

عرض الفيلم:
--------------------------------------------------------------------
الإسكندرية:
"معاً نصنع الحياة" شعار لا يخلو منه بيت في مدينة الإسكندرية، والتي تحولت منازلها إلى ورش عمل تشبه خلية النحل، فالمحال والمنازل والمساجد امتلأت كلها بالملابس. بعض المتطوعين يقوم بعملية الفرز والتصليح، وبعضهم يقوم بالكي والتعبئة، وبين هذا وذاك، يتنافس الجميع في إحضار أفضل ما لديهم إلى مقر المشروع.
وقد عرض لنا الشريط كيف عرضت الثياب بمنتهى الأناقة والجمال في معارض منظمة، أشبه بالمحال التجارية الكبرى، تأتي إليها الأسر المحتاجة، ليختار أفرادها بمساعدة شباب صناع الحياة ما يناسبهم.

الأردن:
قام شبان الأردن بتصوير نشاطهم بأنفسهم، ثم أرسلوا لنا الشريط، فجزاهم الله خيراً.
ونرى في الشريط شاحنات ضخمة عديدة، تحركت لنقل الثياب إلى المعارض، ونرى شابات وشباناً يتعاونون في تفريغ الشاحنات، ونقل الأكياس وحملها. ولم يكتفِ هؤلاء بعمل المعارض، بل ذهبوا إلى الأحياء الفقيرة ليوصلوا الثياب بأنفسهم لمن يستحقها.

في السعودية:
معارض منظمة وأنيقة.

في القاهرة:
صالة أرض المعارض.

في الجامعة الألمانية بالقاهرة:
في إحدى قاعات الجامعة، أقيم منفذ لاستلام الملابس المستعملة تحت شعار معاً نصنع الحياة، والذي لاقى إقبالاً كبيراً من الطلبة.
قالت إحدى الطالبات: هذه فكرة عظيمة جداً، إذ هناك بالتأكيد أناس محتاجون، ونحن لا نعرف كيف نصل إليهم، فجميل جداً أن نجد من يأخذ منا ويوصل لهم، ويكون مسؤولاً عن ذلك.
وقالت إحدى السيدات: إحساسنا أننا نجمع كلنا في وقت واحد كان شيئاً جميلاً، جعلنا نحس أننا أمة واحدة فعلاً.
وقالت إحدى الفتيات المسؤولات عن المشروع: كانت بعض السيدات إذا رأيننا تسيل دموعهن من التأثر، وقالت لي إحداهن: لقد جعلتموني أشعر بمعنى الآية: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} (يس 55)

-----------------------------------------------------------------------------
انتهى الفيلم


انظروا إلى البذرة التي بذرناها منذ بضعة شهور، وكيف استغرقت وقتاً لا بأس به حتى تثمر بالشكل الذي رأيناه. فالنجاح يحتاج وقتاً وصبراً.
ودعونا نتذكر معاً أول من بذر هذه البذرة. كان شاباً اسمه أحمد إمام، أرسل لي فكرته هذه في رسالة منذ عدة شهور، وقد سجلنا رسالته هذه بصوته، فتعالوا نستمع إليها:

رسالة صوتية من م.أحمد إمام:

"شاهدت الأشياء الإيجابية في برنامج صناع الحياة، وأعطتني دافعاً لأن أعمل عملاً إيجابياً يكون له وزنه، وخطرت لي فكرة جمع الملابس، وأعانني فيها أصدقائي، ثم عرضتها على الأستاذ عمرو خالد، فشجعني، وقال لي إنها ستكون الواجب العملي لإحدى حلقات صناع الحياة. وبدأنا فعلاً، وشارك معنا عدد كبير من الشباب والبنات، وجمعنا الملابس في أكياس عليها شعار "معاً نصنع الحياة"
ترى... هل سننجح في مشروعنا هذا؟
يا رب."
انتهى

قارنوا بين اللقطتين: لقطة أحمد إمام وهو يقول: " ترى... هل سننجح في مشروعنا هذا؟؟... يا رب." ولقطة الثياب وهي يجري توزيعها..

ونحن نهدي هاتين اللقطتين لكل من لا يصدق أن بذرة الخير سينميها ربنا سبحانه وتعالى، ويحولها إلى شجرة كبيرة مثمرة. ومعنا اليوم المهندس أحمد إمام ثانية، لنسمع رأيه في نتائج مشروعه:
يقول أحمد إمام: كل ما رأيناه كان بفضل الله وحده، وأنا مؤمن دائماً أنه: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} (محمد7)

ونحن نمتلك كل مقومات النجاح بفضل الله، من ثقة بالنفس، وشباب ذي فكر واضح وذكاء عالٍ، واستعداد للخدمة بحب وإخلاص، وكل ما كان ينقصنا هو الفكرة الصحيحة، فلما وجدناها ووضعناها بجانب تلك المقومات نجحنا.
وكان أهم ما استفدته من تلك التجربة هو:

قال تعالى: {وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى..} (يس 20). فالأمر يحتاج إلى همم الرجال، وكل من عمل معنا، سواء من الشبان أو الشابات أثبت أن له همة الرجال.

علينا ألا ننسى أبداً الجانب الإيماني والعبادي عند القيام بأي مشروع عملي، وإلا سقط هذا المشروع، فلا بد بجانب العمل التطوعي من الاستعانة بالصلاة والصيام والعبادة.

ألا يستهين الإنسان بأي عمل يقوم به مهما كان بسيطاً، لأن الله تعالى هو الذي يستخدمنا، فعلينا ألا نستنكف عن أي عمل حتى ولو كان مجرد حمل كيس ونقله.

من الطبيعي أن تحدث مشاكل في أي عمل أو مشروع، ولكن بعد أن يتم حل هذه المشاكل، نرتقي ونتعلم ونتقدم، فنكون قد استفدنا. (انتهى)


أحب أن أقول أن أحمد هو الذي ظهر هنا وتكلم، ولكن هناك كثير جداً من الناس عملت ولم تظهر، ولكن ثوابها عند الله تعالى كبير جداً دون شك.
وأحب أن أشكر كل من سهّل إقامة هذه المعارض في بلادنا، كحكومة الأردن والسعودية ومصر، ومحافظ الإسكندرية، وارض المعارض في الجيزة، وجمعية قطر الخيرية، وكل من اشترك وساهم في البلاد العربية أو المهجر. ونحن نعلم أن مشروع الملابس هذا ليس نهاية المطاف، ولا نحن بإنجازه قد حققنا النهضة، بل هو مجرد بُشرى لنا بأننا قادرون على التنفيذ والنجاح.

البذرة الثانية: إغاثة دارفور:

هل تذكرون دارفور؟
عندما قلنا إننا نريد أن نرسل ملابس أوروبا وأمريكا وكندا ودول الخليج إلى دارفور، نظرا لعدم وجود محتاجين لها في تلك البلاد، دهشت الناس، لأنها لم تكن تعلم شيئاً عن دارفور، ولم يكن موضوعها قد ظهر بعد على الساحة، ولكننا كنا نرى الفتنة تُدبَّر، وكنا نتمنى أن ننبه الناس ونحذرهم، ولكننا لم نستطع، فلا يستطيع المرء دائماً أن يقول كل ما يعلم، ولذا اخترنا دارفور لنشحن لها تلك الثياب، واستجاب الناس رغم عدم معرفتهم بالأمر، وبناء على ثقتهم بنا، هذه الثقة التي نعتز بها ونشكرهم عليها.
ووصلت أطنان من الثياب إلى ميناء بور سودان، ثم تحركت في شاحنات إلى دارفور، وكان من المفترض أن أذهب بنفسي لأشرف على التوزيع، ولكنني لم أستطع لظروف خارجة عن إرادتي، وذهب بدلاً عني مندوب صناع الحياة، الأستاذ يحيى الشامي، فجزاه الله خيراً، فقد عرّض حياته للخطر في ظل الحرب وانعدام الأمن، والتقى بفريق صناع الحياة في السودان، وعلى رأسهم الدكتور عماد ياسين. وقد وجد مندوبونا في دارفور هيئاتٍ إغاثية من العالم كله، من إنجلترا وألمانية وفرنسا وكندا والأمم المتحدة، وبعض الجهات الحكومية العربية، خاصة القوات المسلحة المصرية، ولكن لم يجدوا جمعيات أهلية.
ووصل مندوبونا إلى دارفور، والتقوا بالقبائل، وحرصوا على إيصال الملابس إلى المستحقين من أهلها.
وسنشاهد معاً بعض اللقطات التصويرية، والتي التقطت في ظروف صعبة للغاية.



الفيلم التسجيلي:

---------------------------------------------------------------

يظهر في الفيلم أكياس كبيرة، وشبان يعملون بنشاط في نقلها وتقسيمها إلى أكياس صغيرة.
ثم نرى صوراً لدارفور تظهر فيها البراري الخضراء، وقطعان الماشية والإبل. ويعلق أز عمرو خالد قائلاً: أن دارفور غنية جداً بالثروات الحيوانية والزراعية.
ثم نرى صورة معسكر "سانيا ديليب" الذي تم فيه التوزيع، وهو معسكر يقيم فيه الأفارقة الزنوج الذين احترقت بيوتهم، وتتكون مساكن المعسكر من خيام كبيرة، يقطن في كل منها عدد غفير من السكان، وتظهر صور أطفال لا يرتدون إلا الرث من الثياب. ويخطب الدكتور عماد ياسين، رئيس نادي صناع الحياة في السودان، في مجموعة من الأهالي، فيقول:
" السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يسعدنا وجودنا بين أهلنا وإخواننا هنا في دارفور. ونحن إخوانكم منظمة صناع الحياة في السودان، نتعاون مع منظمات صناع الحياة في العالم كله، وقد سمعوا بمشكلة دارفور، فقرر إخوانكم في الله أن يقدموا لكم هدايا رمزية، رمزاً للتواصل والتعاون بإذن الله."
ثم تظهر صور تدمي القلب وتجرح الفؤاد للأطفال والأمهات، وخيامهم التي لا يمكن أن نتصور أحداً يستطيع أن يسكنها، ثم صور أخرى للتوزيع، وزغاريد الأمهات وضحكات الأطفال.
----------------------------------------------------------------------

انتهى الفيلم

ندعو الله تبارك وتعالى أن نكون جميعاً قد حصلنا على أجرين:

أجر إخراج ثيابنا في سبيل الله.

وأجر الرسالة التي أوصلناها لأهلنا في السودان، بأننا نحبهم، وأنهم جزء منا لا يمكن أن نفرط فيه.


وهكذا ترون أن البذرة التي بذرناها منذ عدة شهور، لم تنبت إلا الآن. ولا يمكن أن يتصور أحد الجهود التي بذلت خلال الشهور الماضية لنتمكن من إيصال الثياب إلى دارفور. لذا لا تستعجلوا الثمرة قبل أوانها، فلا بد من الصبر والمعاناة.
وثيابكم كانت أمانة في أعناقنا، ونحمد الله تعالى أن وفقنا لأدائها.


وأحب هنا أن أعلق على أهم نقطة في موضوع دارفور:
إن قضية دارفور هي فتنة عرقية بين جنسين كانا متعايشين ومتحابين، هم العرب السودانيون والأفارقة الزنوج، وقد كانوا يتزاوجون ويتجاورون ويتعاملون بحب ومودة، ولكن أيدٍ خفية أشعلت النار وأججت الفتنة بين الأهل. إن الذين وزعت عليهم الملابس لم يكونوا من العرب، بل من الأفارقة، فهل لاحظتم كيف يتكلمون العربية؟ وهل لاحظتم أنهم مسلمون؟ إن هذه الخيام التي رأيتموها تؤي 1200 عائلة من اللاجئين، منهم 300 من حفظة القرآن.
فالفتنة حدثت بين المسلمين، بسبب تحرك الأيدي الخفية، وأقول هذا لأحذر الناس من أن يساهموا يوماً ما في تحريك فتنة في أي بلد من بلادنا...
فبلادنا فيها أجناس عرقية كثيرة، وقد ذكرنا في بداية الحلقة أن السنوات العشر القادمة تجمل تغيرات رهيبة في ثناياها، والفتن الداخلية هي أسوأ وأخطر التغيرات التي يمكن أن تحدث. لذا أناشدكم أيها الشباب والشابات والمسلمون وأحذركم، إياكم أن تستجيبوا لأي فتنة تنادي باسم الدين أو العرق أو الجنس، فتمزق وحدة بلادنا وتفرق شملنا. إن هذا الموضوع لهو أمر غريب على إسلامنا. فقد ضمت حضارتنا الإسلامية كل شعوب العالم بأجناسهم ولغاتهم وتقاليدهم ودياناتهم تحت راية الإسلام، وكان سر انتصار الإسلام جمعه لهذه الأجناس في منظومة واحدة، حيث " لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى" فهل يمكن أن تتحول نفس النقطة الآن لتكون سبباً لضياعنا؟؟!!.. هل يعقل أن تؤلف أمريكا بين الأجناس المختلفة التي تضمها بلادها، ونفشل نحن؟؟.. وتبدأ فتنة دارفور.. والأمازيغ... وغيرها..؟...
ألم يعلمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : "إنما العربية اللسان"؟.
لقد اكتوينا بنار هذه الفتن الداخلية كثيراً في لبنان والعراق والسودان، فهل نسمح لأنفسنا أن نخدع بنفس الحيلة لتمزقنا وتضيعنا مرة تلو المرة؟؟...
نريد أن نفكر في ثقافة وفنون تؤلف بين شعوبنا وقومياتنا، ونناشد الإعلاميين والمفكرين وعلماء الدين وخطباء المساجد أن يقوموا بدورهم وواجبهم في هذا.
وهذه بذرة جديدة نبذرها اليوم، ونأمل أن تطرح في المستقبل حباً ومودة وألفة ومنعة ضد الفتن والحروب، وأستحلفكم بالله ألا تنسوا إخوانكم في السودان ودارفور من دعائكم بأن يحقن الله دماءهم ويحميهم.


وهيا بنا نرى بذرة جديدة أنبتت ونمت:

البذرة الثالثة: تخضير البحرين

البحرين بلد طيب، يمتاز أهله بالأصالة والطيبة، وكان يسمى في الماضي "بلد المليون نخلة".
وعندما تكلمنا عن الزراعة في إحدى الحلقات، وعرضنا أحلام الناس في هذا المجال، كان من بينها حلم جاءنا من البحرين، وهو أن تعود البحرين كما كانت، بلد المليون نخلة. وقد قرأت هذا الحلم وأنا أتساءل في نفسي: ترى هل سيلقي أحد له بالاً؟؟.. ولكن الكلمة الطيبة التي كتبت بصدق وإخلاص، ينميها الله تبارك وتعالى: {ألم ترَ كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء} (إبراهيم 24) وذكرنا في حلقة الزراعة الحديث الذي ذكر فيه نبينا الكريم أن جزيرة العرب كانت خضراء، وأنها ستعود خضراء في آخر الزمان، وتساءلنا: ترى هل ستعود خضراء بمعجزة؟ أم بجهود أهلها؟ وسمع شباب صناع الحياة في البحرين هذا، وقرروا أن يحققوا بأنفسهم نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاجتمعوا، ونفذوا عملية العصف الذهني، ورقة عمل لمشروع متكامل لإعادة تخضير البحرين، ثم ذهبوا لمقابلة وزير الزراعة، وكانت المفاجأة أنه رحب بهم أشد الترحيب، ودعمهم بكل قوة، وقد نشرت أخبارهم في الصحف البحرينية، ومن أجمل هذه الأخبار، خبر بعنوان: "صناع الحياة يستعدون لتنفيذ مشروع وطني لزراعة النخيل في البحرين".هل تصدقون أن كلمة يلت، كبذرة ألقيت في الأرض ودفنت، ومضت الناس ونسيتها، ولكن ثمة من لمحها، وقرر أن يتعهدها بالري، فأنبتت وأثمرت.
معنا اليوم شباب من نادي صناع الحياة البحريني، وهم الإخوة: عمار عبد العزيز محمود، طالب في السنة الثالثة لكلية الهندسة، وفي العشرين من عمره، والأخ أحمد جناحي في الهندسة المعمارية، والأخت ميساء أحمد النباري، 26 عاماً، وموظفة.
- يتحدث الأخ عمار:
بسم الله، والحمد لله. نشكركم ونتمنى كما جمعنا الله في الدنيا أن يجمعنا في الفردوس إن شاء الله. لقد بدأ مشروعنا عندما قرأ شاب في الجريدة مقالاً عن وزير الزراعة الذي يرد تذكير الجمهور بأهمية الزراعة، فجاء الحلم للشاب، فتم نشره بين الأعضاء، وأرسلناه لكم.
وتقول الأخت ميساء: بعد أن وضعنا خطة متكاملة قمنا بعرضها على وزارة الزراعة والشؤون البلدية، وتخوفنا في البداية ألا يكون تقبل الوزارة لمشروعنا جيداً، ولكن لأننا نفذنا قبله مشروع التدخين، واستضافتنا وزيرة الصحة في حينه، وأمدتنا بكل ما نحتاجه من دورات وأدوات، فقد كان هذا حافزاً قوياً لنا للانطلاق في مشاريع أخرى. وقد دعمتنا وزارة الزراعة بالفعل، وقال لنا الوزير: أن هذا مشروع قومي، ,انه يسعد حينما يرى شبابً في البحرين مخلصين لوطنهم.
وأنا أنادي كل الشبان والشابات ألا يجعلوا أي عقبة تعوقهم، فعندما يكون الهدف محدداً، والإرادة والإصرار قويان، فمن المستحيل أن يفشل أي مشروع.
- يقول عمار: إذا توفرت الإرادة والإصرار والعزيمة والإخلاص، والنية الخالصة لله وهي الأهم، فلا بد أن ننجح. {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} (التوبة 105). وقد أخذنا المفتاح وفتحنا الباب، وخاطبنا الجهات المسئولة، وبدعمهم ودعم الجمعيات الخيرية، وجهود الشباب، سنصل بإذن الله. ودائما نضع نصب أعيننا هذه الآية:{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} (الأنفال 53).
- وتقول ميساء: أعتقد أن كل الحكومات تهمها مصلحة بلادها، ولا أعتقد أن أية حكومة ترفض أي مشروع فيه خير، وعلى الشباب ألا يترددوا في قرع أبواب المسئولين، وأن يجربوا، وبمجرد أن يفتحوا باباً، ستفتح لهم كل الأبواب.

- أ. عمرو خالد: جزاكم الله خيراً وتقبل منكم.
قال تعالى: {وقال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون، وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} (المائدة 23).
ادخلوا الباب، خذوا خطوة، وسيوفقكم الله تعالى.
ونحب هنا أن نشكر حكومة البحرين لدعمها لشباب صناع الحياة. وحكومة السودان لعدمها ومساعدتها لنا في إيصال الملابس لدارفور.

البذرة الرابعة: دار الترجمة

كان من ضمن ما ذكرناه في حلقة برنامجنا الأولى أن واقعنا صعب جداً، ومن ذلك أننا عرضنا رسماً بيانياً لتوضيح حركة الترجمة في العالم، وقارنا بينها وبين الترجمة في وطننا العربي بكافة دوله، ويظهر الرسم البياني عدد الكتب المترجمة في الوطن العربي لكل مليون من السكان، ورأينا أن أسبانيا تقريباً 900، والمجر 550، وإسرائيل 370، أما الدول العربية 15 فقط. (أرقام تقريبية)

كلمة حركة الترجمة هذه كلمة غير عادية بالمرة ولا بجب أن ننسى أن حضارة الإسلام بدأت بترجمة كتب الحضارات المتقدمة ثم عجنتها في بوتقة الإسلام وأضافت عليها بعد أن أخذت المفيد منها. لا يجب أن ننسى أن أوروبا بدأت نهضتها وحضارتها بترجمة حضارة الإسلام بعد الحروب الصليبية وغزو الأندلس. هل نسيتم أن الرسول عليه الصلاة والسلام عندما وصل المدينة كان أول ما قام به هو أن جاء بزيد ابن ثابت وطلب منه أن يتعلم العبرية والسريانية فأجادهم كان الرسول حريصا أن يكون لديه صحابة يجيدون اللغات.

كان كلامي هذا هو البذرة التي ألقيتها ثم تعهدها الله فقامت مجموعة من الشباب أولهم فتاة شابة وبدأو بعمل ما أسموه "دار الترجمة". كانوا في البداية ثلاثة ثم دخلوا على الموقع (www.amrkhaled.net ) وأعلنوا أنهم سيتواصلوا عليه وينشروا منتجاتهم وفعلا وبعد سبع أو ثمان أشهر أصبح عددهم 270 شاب وفتاة مترجمين ومنهم أساتذة جامعة. هل تتخيلوا؟؟

ها هو عدد اللغات التي يعملون عليها حتى الآن:
95 في اللغة الإنجليزي
30 في اللغة الفرنسية
32 في اللغة الألمانية
32 في اللغة الأسبانية
25 في اللغة الإيطالية
9 في لغات أخرى (الألبانية والبرتغالية والأوردية والهولندية والأندونيسية)
25 إداريين

منتجاتهم حتى الآن والتي سيتم نشرها كلها على الموقع هي:
- أعمال الدكتور زغلول النجار عن الإعجاز القرآني
- أعمال الكاتب عبد الحميد جودة السحار
- أعمال الدكتور نبيل عبد السلام هارون
- أعمال الأستاذ عمرو خالد

وكل هذا في ستة أو سبعة أشهر فقط ومعنا الآن نرمين حسين من دار الترجمة لتتحدث معكم:

نرمين: أولا أحب أن أقول إني مجرد عضوة في الفريق وليس أكثر وقد يكون هناك من هم أفضل مني بكثير في هذا الفريق ولا توجد لدي أي ميزة أو إضافة تميزني عن أي عضو أخر في الفريق. وإن شاء الله تكون هناك فرصة لكي ينضموا جميعا فيما بعد.

فريق دار الترجمة هدفه هو إرضاء الله سبحانه وتعالى وهذا من خلال اتجاهين:

الاتجاه الأول دعوي: نريد من خلاله أن ننقل صورة صحيحة عن الإسلام لكل الشعوب سواء الشعوب التي وصل لها الإسلام بصورة مشوهة أو الشعوب التي لم يصل لها أصلا (إن وجد). وهذا الهدف واضح بالنسبة للكل ومفهوم ولا أظن أنني يجب أن أتحدث عنه لأن أغلب المسلمين الملتزمين ممن يعرفون اللغات مؤمنين بضرورة المشاركة في مثل هذا الاتجاه. (تعقيب للأستاذ عمرو خالد: وفعلا هذا هو ما أنتجتموه حتى الآن بالنسبة للاتجاه الأول وتم نشره على الإنترنت)... فعلا وأكثر من 90% من الأعضاء الحاليين لدار الترجمة منضمين تحد لواء هذا الاتجاه. هذا الاتجاه لا يواجه مشكلة ولا يريد دعاية ولا رأي عام لأن كل الناس مقتنعة به. ولكن المشكلة الحقيقية في الاتجاه الثاني.

الاتجاه التنويري: بمعنى أننا لو نظرنا للغة التي تدرس بها العلوم في أن عصر من العصور فغالبا سنجدها لغة أكثر الشعوب تقدما في هذا العصر وعلى سبيل المثال في عصرنا هذا أغلب العلوم تدرس باللغة الإنجليزية في الوقت الذي نجد فيه أن اللغة الإنجليزية هي لغة أكثر الشعوب تقدما في عصرنا. لو نظرنا للعصر الذهبي للدولة الإسلامية سنجد أن العلوم كانت تدرس باللغة العربية في الوقت الذي كانت فيه اللغة العربية هي لغة الدولة الإسلامية. فهذا الأمر يعتبر مقياس أو مؤشر لمدى تقدم الشعوب. وما نريد أن نقوم به هو أن نعرب العلوم للغة العربية لنتحول من أمم تتسول العلوم إلى أمم تهب العلوم. نريد أن نوهب العلم للعالم ونريد أن نقوم نحن بعمل هذه العلوم بحيث أن من يحتاج للعلم أو للتقدم لابد أن يأتي ليدرس في بلادنا أو يترجم من علومنا أو يتعلم لغتنا. وهذه هي حركة الترجمة التي لابد أن تلازم نهضة الأمة إذا كانت ستصبح نهضة حقيقية وبإذن الله هي كذلك.


أ/ عمرو خالد: نريد أن تبلغي فرحتنا لأكثر من 270 متطوع يعمل في فريق دار الترجمة يقوموا بكل هذا العمل ونحن نشكرهم جدا ونريد أن تنقلي لهم شكرنا فهذه بذرة لم أكن أتخيل أبدا أن تتحول لهذا العمل العظيم.

نرمين: أريد فقط أن أقول شيء أخير. إنها وصية أوصيها لكل فريق دار الترجمة الحاليين والمنضمين في المستقبل ولكل المترجمين في جميع أنحاء العالم... نريد أن نتعب لقد نمنا طويلا جدا وسننام بعد هذا طويلا جدا تحت الأرض فنريد أن نشعر بالتعب في هذا الوقت الذي نعيشه فليس الأمر مجرد تمضية لوقت الفراغ في شيء مفيد ولكننا نريد أن نشعر بالتعب فعلا. لا نريد أن نستسلم لواقع بلا محاولة تغييره فمن لا يعرف العربية فليتعلمها حتى يترجم إليها. لا يجب أن نركز على اتجاه واحد وننسى الاتجاه الثاني. يجب أن نتعب وهذا هو الوقت.

هناك بذرة سريعة ولطيفة جدا ألقينا بها في حلقة الإيجابية ثم جاءتني رسالة من فتاة تدعى منى عبد العزيز من القاهرة. بعد أن شاهدت حلقة الإيجابية ظلت هي وباقي أخواتها في جامعة الأزهر قسم اللغة العبرية يفكرون كيف سيخدمون دينهم. وبعد طول تفكير هداهم الله لعمل قاموس ثم توجهوا لرئيس قسم اللغة السريانية وعرضوا عليه الفكرة وشجعهم لأهمية اللغة الأرامية السريانية القديمة فهي لغة الإنجيل ولغة المسيح عليه السلام وأنها لغة في طريقها للاندثار ولا يوجد لها قاموس واحد في الوطن العربي يسهل على الباحث عمله في هذا المجال. وبدأو في الفكرة وفعلا كان أول قاموس للأفعال الأرامية السريانية في الوطن العربي يسهل على الباحث أن يقوم بالعمل في هذا المجال وقد أكد لهم رئيس القسم أن هذا العمل لا يصلح للطالب العادي ولكن فقط لأوائل القسم وفعلا جاء ترتيب اثنان من فريقهم من أوائل القسم. وفعلا نريد أن نشكر الدكتور أحمد الجمل على مساعدته الجليلة لنا وبعد أن انتهينا ووصلنا لمرحلة الطباعة توقفنا لعدم وجود موارد مالية فكانت المفاجأة أن رئيس جامعة الأزهر قد أصدر قرار بطبع القاموس على نفقة الجامعة وسيظهر قريبا في الأسواق والمكتبات والجامعات ونشكر عن لسانها رئيس جامعة الأزهر ونشكر كل الفريق.

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل... فقيل له: وكيف يستعجل يا رسول الله.. قال: يقول دعوت ودعوت ودعوت فلم أرى يستجب لي فيترك الدعاء فلا يستجاب. وهذا هو ما قمنا به بذرنا هذه البذور النقية في أرض خصبة ثم رويناها بتخطيط وفكر وكانت لدينا ثقة في الله الذي لم يخلق داء إلا وله الدواء.. وها هو دواء السنوات القادمة. فلا تتعجلوا الدعاء.

لم لا نكرر مشروع الملابس بجودة أكبر في رمضان؟؟ ادخلوا على المنتدى يوم السبت القادم الساعة التاسعة مساء وتقابلوا مع أحمد إمام وفكروا كيف تطورون مشروع الملابس. وسنتفتح لكم صفحة خاصة لهذا.

شيء أخير بخصوص الملابس.. ونحن مقبلين على العام الدراسي الجديد، لم لا يبحث كل واحد منا بعد الحلقة على تلميذ فقير ليكسيه في كل ما يلزمه من أجل الدراسة من ملابس وأدوات وكتب ومصاريف وخلافه؟ ليقم كل منا بهذا العمل ونأخذ هذا الثواب. قرأنا خبر في جريدة الأهرام من فترة عن رجل انتحر بسبب عجزه أن يفي باحتياجات أبنائه من مصاريف وكساء للملابس.. هل تتخيلوا؟

سأحكي لكم هذه القصة لتعرفوا كم الثواب الذي أتحدث عنه. فهي عن صياد يدعى أبو نصر الصياد وكان هذا الرجل فقيرا جدا لا يجد له ولأسرته ما يأكلوه فدخل المسجد يبكي ولما سأله إمام المسجد عن سبب بكائه قال أنه لا يجد لنفسه ولا لأسرته شيء ليأكلوه. فطلب منه أن يأتي بشبكته ثم يصلي ركعتين ففعل. ثم قال له أن يسمي الله ثم يلقي الشبكة في البحر. ففعل. فخرجت سمكة كبيرة جدا.. ففرح بها وذهب ليبيعها ثم اشترى لأهله رقاقتين، رقاقة وضع فيها لحم والأخرى وضع فيها حلوى، وإذا به وهو في الطريق لمنزله يجد أمرآة وأبنها في غاية الفقر يقفان في الطريق وينظران للرقاقتين بلهفة. فحار بين أن يعطيهم الرقاقتين أو أن يتركهم لأهله ولكنه في النهاية تحرك لديه شعور الإيثار وقرر أن يعطيهم للمرآة وأبنها. فابتسم الطفل ودمعت عينا المرآة. وفي نفس اللحظة وهو في طريقه للمنزل وجد من ينادي عليه ليرد له دين قديم كان قد أخذه من أبيه وكان هذا الدين هو 30000 درهم فشكر الله على نعمته وأصبح يتاجر حتى صار غنيا وكان يكثر الصدقة. ثم رأى نفسه في المنام وهو يوم الحساب وينادي المنادي: ضعوا سيئات أبو نصر الصياد.. فإذا بها كالجبل.. وينادي المنادي: ضعوا حسنات أبو نصر الصياد.. فإذا بها كلفافة القطن.. فينادي المنادي: أبقي له شيء؟ فإذا بالملك يقول: نعم بقي له شيء.. فتأتي الرقاقتين وتوضعان في كفة الحسنات فترجح وترجح لكن مازالت كفة السيئات ثقيلة ثم ينادي المنادي: أبقي له شيء؟ فإذا بالملك يقول: نعم بقي له شيء... فتأتي ابتسامة الطفل وتوضع في كفة الحسنات فترجح وتتساوى مع كفة السيئات ثم ينادي المنادي: أبقي له شيء؟ فإذا بالملك يقول: نعم بقي له شيء... فتأتي دمعة المرآة وتوضع في كفة الحسنات كأنها بحر لجي فترجح وترجح كفة الحسنات. فينادي الملك: لقد نجا لقد نجا. ويقول أبو نصر فاستيقظت من النوم وأنا أقول: والله ما فعلت خيرا من الرقاقتين...

سنتحرك جميعا بعد الحلقة ونبحث عن طفل صغير لنكسيه ليكون هو البذرة الجديدة التي نزرعها.. شاهدوا الحلقة القادمة لآن فيها مفاجأة مذهلة لن تتصوروا أبدا أنها نجحت بهذا الشكل.. فلا تفوتوا الحلقة القادمة إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




لمشاهدة الحلقة اضغط هنا