
um susu
•
كنزي حمدا لله على سلامتك نورني




um susu
•
حوار فوق الغيوم
كنت لا ازال منهمكا في وضع امتعتي في الدرج العلوي في الطائرة المتوجهة من مطار كوانجو الى الدوحة حين شعرت بربت خفيف على ظهري فالتفت ورائي فإذا به شابا أفريقيا قد ملأ الركن الأيمن في المقاعد التي على طرف الممر الذي يجاور مقعدي، ابتسم لي مرحبا ورردت له تحيته بإبتسامة وإيماءة رأس، وأكملت توضيب أمتعتي وجلست في المقعد وأحكمت حزام الأمان، فإذا به يقوم من مكانه ويمد يده ليصافحني وبادرني بالسؤال هل أنت من الولايات المتحدة ؟ قلت: كلا، فسالني: فأين وجهتك؟ قلت: أنا ذاهب الى عمان – الأردن. سألني بعد ذلك: هل أنت مسلم؟ قلت: بلى أنا مسلم، فرد عليَّ وهو يهز رأسفه اسفا : لماذا؟؟ لماذا؟؟
وعجبت من أمره وقلت له في هدوء: وبماذا يضرك إسلامي؟ أجابني: إن المسلمين ميّالون للعنف وإثارة المشاكل وفي بلدي (نايجيريا) فإن المناطق الإسلامية هي التي تشهد أعمال العنف والمشاكل دون المناطق المسيحية والمناطق الأخرى. قلت له: بعيدا عن معرفة تفاصيل ما يجري في نايجيريا والوقوف على حقائق الأمور كما هي في أرض الواقع، فإن ما تقوله لا ينسحب على الإسلام كدين بل ينسحب على من يقوم بتلك الأفعال التي تدّعيها.
قال: إننا معشر النصارى من أتباع المسيح نحس بروح الله في دواخلنا وهي التي تدفعنا الى التسامح والمحبة وتحثنا على فعل الخير وتجاوز المعاصي. ثم اردف مكملا حديثه: كنت انا قبل حين أعاقر الخمر وأعاشر النساء واتعاطى المخدرات وأروج لها – كما يفعل الكثير من اقراني اليوم – ولكني بعد أن أحسست بروح الله يغمر قلبي، تركت كل ذلك وراء ظهري وولدت من جديد انسانا نظيفا ظاهري كباطني. قلت له: ذلك امر حسن ولكن دعني اسالك: هل كنت مسلما إذ كنت تعمل الموبقات؟ قال: بل كنت مسيحيا غير مستقيم. سألته : كيف تقبل أن تكون مسيحيا وهو دين يحرض على إتيان المعاصي والموبقات؟ أجابني على الفور: إنه لا يحرض إلا على الخير ومن يفعل ذلك يرتكب إثما، قلت له:ولكنك كنت وأقرانك الآخرين - الذين لا يزالون يرتكبون الإثم - مسيحيون وهذا يعني أن المسيحية دين يحرض على أعمال سيئة؟ قال: لا من يفعل ذلك ليس مسيحيا مستقيما، قلت له: إذن لماذا تعادي الإسلام بسبب افعال أناس ينتمون الى الإسلام ولا يطبقون تعاليمه..
فسكت وأراد أن يسترشد بشيئ مما يجده في كتابه – المقدس- الذي كان يبدو متهرئا و يضعه تحت قدميه في غير مبالاة. ولكن في هذه الإثناء جاء شخص ليحل في المقعد المجاور لي وحيّاني بتحية الإسلام فرددت التحية بأحسن منها وتصافحنا ثم جلس الى جواري، ورأى الشاب الأفريقي وهو يتحدث اليَّ فقال: أن الطائرة المتوجهة الى الدوحة تكون دوما ملئى بالأفريقيين لأن الطائرة المتوجهة الى كينيا قد أوقفت رحلاتها. فاستشاط الشاب الأفريقي غضبا وغابت عن وجهه الإبتسامة المصطنعة وقال للرجل الذي يجلس الى جواري: لماذا تتكلم عني بسوء؟ فرد عليه صاحبي: ولم قد أفعل ذلك وأنا أراك للتو؟ قال: بلا قد فعلت: قلت له: هون على نفسك ولا تظن بالناس ظن السوء.
بعد الإقلاع مباشرة طلب الشاب الأفريقي بعض البسكوت وصار يلتهمها في نهم ويرمي بالأغلفة الفارغة في ممر الطائرة فقلت له لما وجدته يلتفت نحوي: إن ديننا يمنعنا ما تفعله انت الان، بل يجعل من إزالة الأذى في الأماكن العامة ثوابا يحثنا عل القيام به. قال لي ببرود: هناك من يقوم بالتنظيف.
ويبدو انه كان في جعبته الكثير من السموم التي يريد أن يُظهرها فقال بعد حين وبدون أن يكون لحديثه أي مبرر: هل تعلم لماذا تقوم أمريكا بدعم اسرائيل؟ وقبل أن ينتظرني كيف أرد، أجاب هو بنفسه: لكي تبقى قوية كما ارادها الله!! تعجبت من امره وقلت له: لا بد انك تهذي يا رجل، فحاشى لله ان يؤيد الضالمين والأشرار ( وكانت يومها مأساة غزة على اشدها وصور المآسي والأشلاء والبيوت المهدمة على أصحابها تملأ الأخبار) قال: بلا ان الله يحبهم وهم شعبه المختار، قلت له: إن الشعب المختار الذي تتحدث عنه هم من كان يؤمن بالله وبنبيه موسى وبالكتاب الذي أُنزل عليه، وليس القتلة والمجرمين الذين تتحدث عنهم. قال: ان عطاء الله دائم أزلي والله لا يحجب عطاءه بعد منحه. قلت: نعم لا يحجبه عن المؤمنين به، ومن ثوابت الإيمان أن يكف المرء اذاه وشره عن الآخرين وأصدقاؤك يفعلون عكس ذلك. ثم قال وبدون اي ربط لحديثه: إن الله يبغض الإيرانيين والعراقيين لذلك يجعلهم يتقاتلون فيما بينهم؟ قلت له: إن الحديث معك عقيم فأنت تؤمن برب يبغض بعضا من خلقه ويقرب بعضا ، ويحب ويؤازر الظالمين ويكره المظلومين، ونحن نؤمن برب رحيم لطيف بكل عباده ويكره الظالمين ويعدهم بعذاب شديد.. فلك دينك ولي دين.
وصار بعدها يتحاشى النظر باتجاهي..
g¯h
من كتابات والدي
الصفحة الأخيرة