عطر الزمن
عطر الزمن
وِقفة مع قوله تعالى: "وكان أبوهما صالحاً



يبذل كثير من الآباء والأمهات جهوداً كبيرة في تربية أبنائهم وإصلاحهم وجعلهم أفراداً نافعين لدينهم ومجتمعهم.. ويسيطر هذا الهاجس في إصلاح الأبناء على فكر وعقل أغلب الآباء والأمهات إن لم يكونوا كلهم، وهم يتفاوتون بما يبذلونه من أب لآخر، فمن الآباء من يبذل الأمنيات والأماني والأحلام؟! لتربية أبنائه دون أي تطبيق على أرض الواقع.. ومنهم من استرخص الغالي والنفيس وهيّأ جميع الوسائل المادية والتربوية في إصلاح الأبناء، وهم يتفاوتون كذلك في النتائج والمحصلات، وتبقى الثمرة والنتيجة والتوفيق بعلم الله سبحانه وتعالى.

لكن الملاحظ أن كثيراً من الآباء يركن إلى بعض الأسباب المادية الظاهرية، ويغفل عن كثير من الأسباب الخفية غير المباشرة التي قد يكون لها أثر عظيم في صلاح الأبناء مثل الدعاء والكسب الحلال والأمانة وبر الوالدين.. وغيرها.

ومن يتأمل قوله سبحانه وتعالى: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) ويتأمل لطائف المفسرين في هذه الآية ليجد سبباً عظيماً من أسباب "صلاح الأبناء" قد نغفل عنه أو نتغافل عنه. يقول ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية: " فيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والأخرى بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقرّ عينه بهم. كما جاء في القرآن الكريم ووردت السنة به".

قال سعيد بن جبير عن ابن عباس حفظاً بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاح، وتقدم أنه كان الأب السابع فالله أعلم ( )، وقال محمد بن المنكدر: إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعترته وعشيرته وأهل دويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم *. قال في عون المعبود .....(وعليه بقاء أثر صلاح الآباء في الأعقاب) * ، فأثر الصلاح امتد للأبناء حتى الجيل السابع بصلاح أبيهم.

إن إثارة مثل هذا المعنى في نفوس الآباء والأمهات، وبيان أن القرب من الله سبحانه وتعالى له أثر على صلاح الأبناء.. والذرية عموماً قد يكون منبهاً لسبب يغفل عنه كثير من الآباء .. هذا السبب أو الأسلوب التربوي اعتمد في تربيته للأبناء على ما يقدم من الأساليب والوسائل والتضحيات المادية المحسوسة، دون أن ينتبه هذا الأب الكريم إلى ممارسات أو سلوكيات أو ذنوب معينة أو أخلاق سيئة قد تُؤخر، وقد تمنع من تحصيل الثمرة المرجوة من "أساليب البذل التربوي" بل بعض السلف ذهب في هذه الآية إلى معنى أدق وأعمق، وخص هذا الصلاح بخلق كان معروفاً به الأب أو الجد وهو الأمانة. – قال سعيد بن جبير -رحمه الله- عن الأب إنه كان يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها، فحفظ الله تعالى كنزه حتى أدرك ولداه فاستخرجا كنزهما*
إن عزل سلوكياتنا الخاطئة وأخلاقنا السيئة وذنوبنا ومعاصينا حتى لو كانت خفية عن تربية أبنائنا، وعدم استشعار أثر هذه السلوكيات على صلاح أبنائنا فيه نوع من القصور في "مفهوم التكامل التربوي". قد نحرم صلاح الأبناء بسبب ذنب خفي دوامنا عليه أو كسب حرام أصررنا على كسبه أو عقوق للوالدين؛ فصلاح الأبناء وحسن تربيتهم ليس وليد تميز في التلقين والتعليم فقط أو تميز في اختيار المدارس والمحاضن التربوية المناسبة، أو بذل للجهد والمال فقط .. إنما هناك أسباب عبادية عظيمة يقوم بها الأب نفسه، من أهمها: الخوف من الله ومراقبته -سبحانه وتعالى- أو بذل وسع في عمل دعوي أو عمل صالح خفيّ أو بر والدين أو قيام الليل.

والشواهد على امتداد أثر صلاح الآباء للأبناء ومشاهده معروفة سابقاً ولاحقاً، ومما يُذكر في امتداد أثر صلاح الآباء على الأبناء ما يذكره الإمام الغزالي -رحمه الله- في كتابه إحياء علوم الدين فيقول: رُوي أن الشافعي -رحمه الله- لما مرض مَرَض موته، قال: مروا فلاناً يغسلني، فلما بلغه خبر وفاة الإمام الشافعي حضر هذا الرجل، وقال ائتوني بوصيته، فإذا فيها على الشافعي سبعون ألف درهم ديناً، فقضاها عنه، وقال: هذا غسلي إياه .. قال أبو سعيد الواعظ: لما قدمت مصر بسنين طلبت منزل ذلك الرجل، فدلوني عليه، فرأيت جماعة من أحفاده، وزرتهم، فرأيت عليهم سيما الخير وآثار الفضل. فقلت: بلغ أثر الخير إليهم.. وظهرت بركته عليهم * .
ومن أجمل من استشعر هذا المعنى سعيد بن المسيب -رحمه الله- فقال: "إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي .." *، يريد بذلك أن يصل إلى مرتبة الصالحين، فينال بصلاحه صلاح أبنائه من بعده.



- تفسير بن كثير ص1169، ط دار ابن حزم
- معالم التنزيل 5 / 196
- عون المعبود: 4 / 458
- حلية الأولياء 2 / 211.
- معالم التنزيل / 196

عطر الزمن
عطر الزمن
وِقفة مع قوله تعالى: "وكان أبوهما صالحاً يبذل كثير من الآباء والأمهات جهوداً كبيرة في تربية أبنائهم وإصلاحهم وجعلهم أفراداً نافعين لدينهم ومجتمعهم.. ويسيطر هذا الهاجس في إصلاح الأبناء على فكر وعقل أغلب الآباء والأمهات إن لم يكونوا كلهم، وهم يتفاوتون بما يبذلونه من أب لآخر، فمن الآباء من يبذل الأمنيات والأماني والأحلام؟! لتربية أبنائه دون أي تطبيق على أرض الواقع.. ومنهم من استرخص الغالي والنفيس وهيّأ جميع الوسائل المادية والتربوية في إصلاح الأبناء، وهم يتفاوتون كذلك في النتائج والمحصلات، وتبقى الثمرة والنتيجة والتوفيق بعلم الله سبحانه وتعالى. لكن الملاحظ أن كثيراً من الآباء يركن إلى بعض الأسباب المادية الظاهرية، ويغفل عن كثير من الأسباب الخفية غير المباشرة التي قد يكون لها أثر عظيم في صلاح الأبناء مثل الدعاء والكسب الحلال والأمانة وبر الوالدين.. وغيرها. ومن يتأمل قوله سبحانه وتعالى: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً) ويتأمل لطائف المفسرين في هذه الآية ليجد سبباً عظيماً من أسباب "صلاح الأبناء" قد نغفل عنه أو نتغافل عنه. يقول ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية: " فيه دليل على أن الرجل الصالح يُحفظ في ذريته، وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والأخرى بشفاعته فيهم ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقرّ عينه بهم. كما جاء في القرآن الكريم ووردت السنة به". قال سعيد بن جبير عن ابن عباس حفظاً بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاح، وتقدم أنه كان الأب السابع فالله أعلم ( )، وقال محمد بن المنكدر: إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده وولد ولده وعترته وعشيرته وأهل دويرات حوله، فلا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم *. قال في عون المعبود .....(وعليه بقاء أثر صلاح الآباء في الأعقاب) * ، فأثر الصلاح امتد للأبناء حتى الجيل السابع بصلاح أبيهم. إن إثارة مثل هذا المعنى في نفوس الآباء والأمهات، وبيان أن القرب من الله سبحانه وتعالى له أثر على صلاح الأبناء.. والذرية عموماً قد يكون منبهاً لسبب يغفل عنه كثير من الآباء .. هذا السبب أو الأسلوب التربوي اعتمد في تربيته للأبناء على ما يقدم من الأساليب والوسائل والتضحيات المادية المحسوسة، دون أن ينتبه هذا الأب الكريم إلى ممارسات أو سلوكيات أو ذنوب معينة أو أخلاق سيئة قد تُؤخر، وقد تمنع من تحصيل الثمرة المرجوة من "أساليب البذل التربوي" بل بعض السلف ذهب في هذه الآية إلى معنى أدق وأعمق، وخص هذا الصلاح بخلق كان معروفاً به الأب أو الجد وهو الأمانة. – قال سعيد بن جبير -رحمه الله- عن الأب إنه كان يؤدي الأمانات والودائع إلى أهلها، فحفظ الله تعالى كنزه حتى أدرك ولداه فاستخرجا كنزهما* إن عزل سلوكياتنا الخاطئة وأخلاقنا السيئة وذنوبنا ومعاصينا حتى لو كانت خفية عن تربية أبنائنا، وعدم استشعار أثر هذه السلوكيات على صلاح أبنائنا فيه نوع من القصور في "مفهوم التكامل التربوي". قد نحرم صلاح الأبناء بسبب ذنب خفي دوامنا عليه أو كسب حرام أصررنا على كسبه أو عقوق للوالدين؛ فصلاح الأبناء وحسن تربيتهم ليس وليد تميز في التلقين والتعليم فقط أو تميز في اختيار المدارس والمحاضن التربوية المناسبة، أو بذل للجهد والمال فقط .. إنما هناك أسباب عبادية عظيمة يقوم بها الأب نفسه، من أهمها: الخوف من الله ومراقبته -سبحانه وتعالى- أو بذل وسع في عمل دعوي أو عمل صالح خفيّ أو بر والدين أو قيام الليل. والشواهد على امتداد أثر صلاح الآباء للأبناء ومشاهده معروفة سابقاً ولاحقاً، ومما يُذكر في امتداد أثر صلاح الآباء على الأبناء ما يذكره الإمام الغزالي -رحمه الله- في كتابه إحياء علوم الدين فيقول: رُوي أن الشافعي -رحمه الله- لما مرض مَرَض موته، قال: مروا فلاناً يغسلني، فلما بلغه خبر وفاة الإمام الشافعي حضر هذا الرجل، وقال ائتوني بوصيته، فإذا فيها على الشافعي سبعون ألف درهم ديناً، فقضاها عنه، وقال: هذا غسلي إياه .. قال أبو سعيد الواعظ: لما قدمت مصر بسنين طلبت منزل ذلك الرجل، فدلوني عليه، فرأيت جماعة من أحفاده، وزرتهم، فرأيت عليهم سيما الخير وآثار الفضل. فقلت: بلغ أثر الخير إليهم.. وظهرت بركته عليهم * . ومن أجمل من استشعر هذا المعنى سعيد بن المسيب -رحمه الله- فقال: "إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي .." *، يريد بذلك أن يصل إلى مرتبة الصالحين، فينال بصلاحه صلاح أبنائه من بعده. - تفسير بن كثير ص1169، ط دار ابن حزم - معالم التنزيل 5 / 196 - عون المعبود: 4 / 458 - حلية الأولياء 2 / 211. - معالم التنزيل / 196
وِقفة مع قوله تعالى: "وكان أبوهما صالحاً يبذل كثير من الآباء والأمهات جهوداً كبيرة في...
عندما يكره أبناؤنا ما نقول



لم يكمل عامه الثالث بعد..اكتشف عالم الماء..عالم مثير جداً..دخل المطبخ..فتح باب الثلاجة..وسكب الماء ليبلّ ريقه مروراً بملابسه وانتهاء بأرضية المطبخ..!!
تتجه والدته نحو موقع الحدث:
"أنت طفل مزعج..مؤذٍ ..مخرب..كريه..بغيض..لا تُطاق..لا يمكن العيش معك بأمان..!!".
يبلغ عامه الثاني عشر، وهو لا يزال في عين والدته ذلك الطفل المزعج المخرب، ونضيف إليها فقرة جديدة من أهم عيوبه بأنه: "لا فائدة منه عند الحاجة إليه"، على الرغم من أنه للتوّ أحضر لك الزيت والبيض من السوق، ورتب فراشه، وتناول غداءه، ولم يضرب شقيقه الأصغر و.....
***
تقدم له صحن الحلوى:
- تفضل يا صغيري..
تجيبها والدته بلطف:
- شكراً لك..ثم تبعدين الصحن عن عينيه الجائعتين وتعقبين:
- إنه لا يأكل هذا الصنف من الحلوى..
وتهز جارتها رأسها:
- غريب!!
تضحكين:
- إنه بالفعل غريب..
***
- ما اسمك؟
يقفز بينهما:
- اسمه عزوز- تجيب والدته - ..عفواً..عبد العزيز..عمره ثلاث سنوات.. في الحقيقة هو طفل خجول..ولا يجرؤ على الكلام مع الآخرين وبصعوبة يستطيع الانسجام معهم..
***
وفي حوار نسائي عن الأبناء تتقافز المواقف على ألسنة النسوة:
- طفلي يحب الأحرف الأبجدية..إلا حرف الدال..إنه يزعجه ولا يمكن أن يحفظه..
- طفلتي أنا لديها عقدة ارتداء الملابس..إنها تصر على وجودي معها ومساعدتها في ذلك.. يبدو أنها ستظل هكذا حتى تكبر..
- وأما طفلي.. فلا يجيد القيام بأي نوع من المهام التافهة..إنه الأكسل في مجموعة الأطفال..
***
عندما يتقدم أحدنا للالتحاق بوظيفة ما فإنه يعبر عن نفسه بأفضل ما يمكن.. ويظهر مواهبه وقدراته لكي يكون الأفضل..
عندما نستمع إلى الأشخاص الآخرين وهم يتحدثون عنا.. فإننا نطرب لتلك الأحاديث التي تمدح إنجازاتنا وأعمالنا التي فعلناها..
ولكن..عندما نتحدث عن أطفالنا..فإننا قد ننسى هذا كله..ونسمح لأنفسنا بالتحدث نيابة عنهم..أو تقدير مهاراتهم السلبية.. تحديد ما يحبونه..وما يكرهونه..وما لا يفضلون مواجهته..
نستمتع بالحوارات.. نتسابق لحكاية قصص أبنائنا المخجلة أحياناً..ونضحك من ذلك كله..وهم هناك ينصتون بعمق شديد..يلتهمون كلماتنا حرفاً حرفاً.. تتكسر لديهم حواجز الخجل بسبب المواقف المزرية التي قاموا بها رغماً عنهم..وهاهي بين يدي الآخرين يتلقفونها..وأسماء هؤلاء الأطفال تتردّد بينهم ضاحكين ساخرين..
عندما نتحدث عن أبنائنا فلننتبه إلى أن ما نقوله لا يؤدي إلى:



كسر حاجز الخجل وهتك الستر:
ففي حديثنا عن التبول الليلي- مثلاً - لدى أبنائنا مع ذكر أسمائهم، فإن ذلك يجعل من السهل على الآخرين أن يتندروا بهم.. فما دام أن الأم قد قبلت على ابنها أن تُشاع عنه مثل هذه الأخبار.. فلن يكون المستمعون أكثر حرصاً منها على ستره وحماية مشاعره من الخجل.. فضلاً عن أن الطفل ذاته قد يعبرعن استيائه، لما يُقال بشكل صراخ، وتمرّد واضح في حركاته..
وإذا كانت لديه بعض العيوب السيئة كأخذ الحلوى من حقيبة والدته خلسة.. أو ما شابه ذلك، فمن الأفضل حل المشكلة بشكل سري..وعدم استخدامها كنموذج مسلٍّ لشقاوة الأطفال في المجالس..لكي لا يكون ذلك شاهدَ عيانٍ لدى الآخرين على أن هذا الطفل مشروع ناجح لسارق كبير في المستقبل.. ويتفق هذا مع جميع أخطاء الأبناء بلا استثناء..فالستر والتعديل، وإصلاح الحال هو الواجب في مثل هذه الحالة..وليس التشهير..والفضائح..




ترسيخ بعض العيوب والأخطاء كصفات ملازمة:
- ما هذا الحرف..؟
- لا أعرف..
- لماذا لا تعرف..هيا انطقه معي..دا..دال..
- أنا لا أحب هذا الحرف..ألم تقولي بأنني لا أعرف حرف الدال!!
وإن كان الطفل يعرف هذا الحرف.. ويعشق ذلك النوع من الحلوى.. فإن شهادات الآباء قد تجعل الأبناء يتبنون كثيراً من أفكار الكره والنفور..




إضعاف ثقة الأبناء بقدراتهم:
"أنت طفل لا فائدة منه" موقف يجعل الطفل فيما بعد يقوم بأعماله قدر الاستطاعة ليختمها قائلاً: "هذا ما استطعت عمله مع أنه ليس عملاً جيداً كما يجب أن يكون..أووووه..أنا شخص لا فائدة منه.. "وربما لا يقوم بأي عمل؛ لأنه يوقن في قرارة ذاته..بأن كل ما يقوم به في الحقيقة..(لا فائدة منه) مسبقاً!!
وختاماً:
إذا كنا نودّ التحدث عن أبنائنا لا محالة..فمن الأفضل أن نفتح الصفحات المشرقة في حياتهم لقراءتها أمام الآخرين..وإن كنا نخشى على أبنائنا من الحسد والعين إن ذكرنا هذه الإنجازات..فلا أفضل من أن نتحدث عن موضوع آخر لا يؤذي أحداً..

عطر الزمن
عطر الزمن

الفضائيات وبراءة الأطفال.. تشويه لا تعزيز




- طفل السابعة: أسرتي هي أبي وأمي.. والتلفاز!
- أفلام الكرتون تقود إلى تبلّد الإحساس بالخطر وإلى قبول العنف.
- الرقابة المنزلية على التلفاز وجودها ضروريّ في بيوتنا.


الفضائيات تغزو كل بيت في عالمنا، والكل بات يعيش في عصر تتزاحم فيه الأفكار وتتصارع الشعوب في ظل فضاءات مفتوحة، وبات إدمان برامج الفضائيات مسيطراً على الجميع، ولا جدل في كثرة برامج الفضائيات المستهدفة للأطفال التي تختلف مضامينها، وتتنوع تبعاً لتمويل وأهداف كل منها، وتأخذ الفضائيات حيزاً كبيراً في حياة الأطفال كما تؤكد الدراسات التربوية والنفسية جميعها، حتى وصل الأمر في طفلة في السابعة من العمر أن تجيب عن سؤال: ممن تتألف أسرتك؟ بالقول: تتألف أسرتنا من بابا وماما وجدتي والتلفاز، ولكون الأطفال هم الثروة العظيمة لكل مجتمع، وهم الجيل الأكثر تأثراً وتشكلاً ثقافياً وعرفياً ووجدانياً وسلوكياً، لابد من تأسيسهم وبناء ثقافتهم ومعارفهم بشكل جيد، ومن هنا تنبع خطورة برامج الفضائيات التي تغزو عالمنا وتشوه براءة أطفالنا.

القيم والسلوك.. منبع الخطورة

حتّمت علينا الأمور السابقة أن نبحر في مخاطر الفضائيات على الأطفال وانعكاساتها السلبية عليهم لكونهم الأكثر والأسرع تأثراً من الكبار، فمَن مِنا لا يلحظ عيون الأطفال وهي متشبّثة بالشاشة السحرية متجاوبة ومتفحصة الشخصيات والمناظر والحركات، مقلدين في اليوم الآتي معظمها في أغلب الأحيان، وسنحاول من خلال طرحنا للموضوع وضع حلول تساعد على ردّ هذا الخطر الداهم على مستقبل أطفالنا.
وعن المخاطر التي تسببها الفضائيات على عقول أطفالنا، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة النجاح الوطنية فايز التلاوي: الفضائيات معلوماتها جاهزة ومفبركة ومحددة في إطار معين، وبذلك لا تساعد على تنمية روح الخيال والابتكار لدى الأطفال.
ويضيف: تمتلك الفضائيات القدرة على تغيير نظرة الأطفال إلى الحياة وإلى العالم من حولهم، من خلال تكرارها لمشاهد معينة، تترسخ في عقولهم وتؤدي فيما بعد إلى تغيير مواقفهم تجاه الأشخاص والقضايا، فيتغير بالتالي حكمهم عليها، وموقفهم منهم، وشدد الدكتور التلاوي على أن تغيير المواقف والاتجاهات، لا يقتصر على الموقف من الأفراد والقضايا، بل يشمل القيم وبعض أنماط السلوك، قائلاً: هنا منبع الخطورة.
وعن الكيفية التي تؤثر فيها الفضائيات على سلوك وقيم الأطفال يقول د.التلاوي: الطفل يحكم على الأمور بالصواب أو الخطأ من خلال المعلومات التي تتوفر له من البيئة المحيطة به، وبما أن الطفل بات يقضي جل وقته مع الفضائيات فإنه يستمد منها بشكل غير مقصود الأحكام التي يطلقها على الأشياء والسلوكيات التي يمارسها في حياته.
وتطرق أستاذ علم الاجتماع إلى مضامين البرامج التي تبثها الفضائيات قائلاً:
تسيطر محطات الأغاني و"الفيديو كليب" على جزء كبير من الفضائيات، ولكن لو تجاوزنا ذلك، وناقشنا محتوى المسلسلات نجدها تعجّ بمشاهد العنف والخلافات العائلية والشد العصبي والانفعالات في محاولة منها لعكس واقع قصة معينة، وفبركة مقصودة بغرض الإثارة لا أكثر.
ويؤكد التلاوي أن هذا يؤثر بشكل باطني في سلوك الطفل المستقبلي، كما بيّن الدكتور أيضاً أن أغلب برامج الرسوم المتحركة التي تبثها الفضائيات مستقاة من عالم الجريمة والسرقة، لكونها غربية وأمريكية الصنع.

علم النفس ماذا يقول؟

يؤكد علماء النفس أنه كلما ازداد عدد الحواس التي يمكن استخدامها في تلقي فكرة معينة أدّى ذلك إلى دعمها وتقويتها وتثبيتها في ذهن المتلقي، وهنا نشير إلى أن الفضائيات تتمتع بعرض الصورة والصوت معاً، وهذا ما تفتقر إليه وسائل الإعلام الأخرى، وقد أكدت الدراسات أن التلفاز يأتي في علم التربية الحديثة بعد الأم والأب مباشرة.
الخبير النفسي عبد الله حسام يؤكد أن الفضائيات تؤدي إلى خلخلة مشاعر الأطفال وتشتيتهم، كما تزيد الاضطرابات السلوكية والعاطفية والقلق والاكتئاب، منوهاً أن الطفل حتى وهو يجلس بين أسرته أثناء متابعتها للبرامج الفضائية يكون منغمساً في عالم منفصل، ويتابع: تنقل معظم الفضائيات تقاليد غريبة تحمل قيماً مغايرة للبيئة العربية، مما يؤدي إلى إيجاد فجوة بين الأسرة والأبناء، وتأسيس ثقافة متناقضة، ولا يدري الطفل أيهما أصح.
ونوه الخبير إلى السلبيات التي تعكسها أفلام الكرتون الشائعة على الفضائيات، وتكرار المشاهد التي تقود إلى تبلّد الإحساس بالخطر، وإلى قبول العنف كوسيلة استجابة لمواجهة بعض مواقف الصراعات، وممارسة السلوك العنيف، ويؤدي ذلك إلى اكتساب الأطفال سلوكيات عدوانية مخيفة؛ إذ إن تكرار أعمال العنف الجسمانية والأدوار التي تتصل بالجريمة، والأفعال ضد القانون يؤدي إلى انحراف الأطفال.
مضيفاً: ومن سلبيات الفضائيات أيضاً السهر وعدم النوم مبكرًا، والجلوس طويلاً أمامها دون الشعور بالوقت وأهميته، مما يؤثر سلباً على التحصيل الدراسي وأداء الواجبات المدرسية، بالإضافة إلى الأضرار الجسميّة والعقلية كالخمول والكسل، والتأثير على النظر والأعصاب، وعلاقة ذلك والسلبية، والسمنة أو البدانة التي تصيب بعض الأطفال لكثرة الأكل أمام هذه الوسائل مع قلة الحركة واللعب والرياضة، ناهيك عن إثارة الفزع والشعور بالخوف عند الأطفال عبر شخصية البطل والمواقف التي تتهدده بالخطر، والغرق في الظلمة والعواصف والأشباح خاصة إذا كان الطفل صغيرًا، ويتخيل كل الأمور على أنها حقائق.

الرقيب..الغائب!!

تزخر الفضائيات ببرامج متنوعة، وتتنافس فيما بينها، وكل ذلك على حساب المتلقي، ولأن الطفل يكون في مرحلة البناء والتطور فيكون الأكثر تأثراً.
يقول حسني علي (43 عاماً ووالد لعدد من الأطفال): أصغر أطفالي يبلغ من العمر سبع سنوات، ولا ينفك عن مشاهدة التلفاز ولو لساعة واحدة ينجز فيها دروسه، ونحاول دائماً توجيهه وإرشاده بأن عليه الانتباه لدراسته والابتعاد عن برامج الفضائيات، وبخاصة الرسوم المتحركة التي تسيطر على عقله، إلا أن محاولاتنا باءت بالفشل.
وانتقد الأب البرامج التي تبثها الفضائيات كونها لا تخضع لرقابة، وتعرض مشاهد لا أخلاقية أحياناً، ويوضح الأب أنّ هناك محطات فضائية تبث برامج مخصصة للأطفال تحمل في طياتها مضامين غير مناسبة لعقل الطفل، مثل: قصص الحب والغرام وبعض اللقطات الخلاعية التي تساهم في تدمير سلوكيات وأخلاقيات الطفل، ولا يمكن منع بث مثل هذه الأفلام الكرتونية، ولكن كآباء نستطيع منع أبنائنا من مشاهدة هذه البرامج غير اللائقة.
ومن جانبها، أوضحت الأم علياء ناصر أنها تمضي ساعات من يومها مع أطفالها خلال مشاهدتهم التلفاز، وتقوم بتوضيح الأمور لهم، وتقول الأم: لا أنتظر الفضائيات لتقوم بتربية أولادي، مؤكدة أنه يجب تفعيل دور الوالدين في هذا الموضوع، ويتوجب عليهم منع أطفالهم من قضاء ساعات طويلة أمام التلفاز.
وتضيف: تعود المشاكل النفسية والاجتماعية الناجمة عن الفضائيات لأسباب عدة لعل أهمها إهمال الوالدين لأبنائهم أثناء متابعتهم للتلفاز وعدم مراقبتهم، وهذا خطأ كبير من الناس، وعلى الآباء والأمهات الانتباه إليها؛ لأن المشاكل التي قد يأتي بها التلفاز على أبنائهم كبيرة وكثيرة، ولهذا أنصح أنا بتشديد الرقابة، وخاصة على تلك القنوات التي تعرض مثل أفلام (الأكشن) والعنف، أو تلك الأفلام والبرامج التي تخرج عن عاداتنا وتقاليدنا الإسلامية.
أما الشاب سالم محمود (25عاماً) فكان له رأي مختلف، مشيراً أنه من الخطأ حرمان الأطفال من التمتع بمنجزات العصر ومنها الفضائيات، على أن يكون ذلك وفق شروط، ومنها ألاّ يزيد ذلك عن حده، ولا يخفى ما يعانيه الطفل المسلم من سلبية تضر بصحته النفسية والبدنية من جراء استخدام التقنية الحديثة ممثلة في الثالوث الحديث (الإنترنت، وألعاب الفيديو، والفضائيات).
وأشار الشاب محمود أنه يجب توجيه الأطفال نحو الإعلام المقروء والكتب والمجلات لما لها من قدرة على تنمية ثقافة الأطفال، وتشجيع قدراتهم الابتكارية والإبداعية.

ما العمل؟

لكل أداة تكنولوجية حدان أحدهما سيئ والآخر إيجابي، ولكوننا في عصر باتت تتلاشى فيه الحدود الثقافية لذلك لا بد من تحديد ما يُقدم للطفل من ثقافات عبر الوسائط الإعلامية المتنوعة وأهمها الفضائيات، أما عن الكيفية التي يجب أن نعالج فيها هذه المشكلة، فعلى الرغم من أنها ليست مسألة سهلة إلا أنها في الوقت ذاته ليست مسألة مستحيلة؛ إذ يمكن الفكاك منها متى أدركنا مدى خطورتها، ومتى تعاونت المؤسسات الاجتماعية المختلفة مثل: المنزل، والمدرسة، والمؤسسات المعنية في ضبط أوقات الأطفال وتوعيتهم، وإيجاد البدائل مثل: توجيهم نحو القراءة ولعب الرياضة، كما يتوجب على الأسرة أن تحرص على تنظيم أوقات الأطفال بصورة إيجابية خصوصاً في أيام العطلات والإجازات، إضافة إلى أهمية التركيز على نشر الوعي اللازم الذي يبين مخاطر ومضار ومساوئ المكوث الطويل أمام شاشات الفضائيات صحياً وفكرياً واجتماعياً.
كما نذكر هنا بعض الحلول التي قدمها خبراء علم النفس والتربية الذين أجرينا معهم حوارات، ومنها التحكم بنوع القنوات الفضائية وما يُبث فيها، وانتقاء النافع من برامجها، وتحديد وقت معين ومحدد للمشاهدة حتى لا تطغى تأثيرات البرامج على ثقافة وشخصية الطفل، بالإضافة إلى غرس القيم الأصيلة والمبادئ الحميدة في نفوس الأبناء وتكوين محصلة من المبادئ الراسخة في نفوسهم، وتحذير الأطفال بأسلوب تربوي تعليمي من تلك الأخطاء والأخطار، ولا نستطيع تجاهل دور الأبوين من حيث كونهما قدوة ومثالاً لأبنائهم في كل الفضائل والمحامد بشكل عام، بما فيها بالطبع أسلوب مشاهدة الفضائيات، والذي يأتي من خلال تحدّثهما لأطفالهم عن مضمون ما يُعرض وانتقادهما ما لا يرونه مناسباً، وإرشاد الأطفال إلى متابعة ما هو جيد.

عطر الزمن
عطر الزمن
مواهب أطفالنا .. كيف نرعاها؟



إن كثيراً من حضارات العالم القديم لم تهتم بالأطفال الاهتمام المنشود, كفئة اجتماعية مستقلة!!
ويعود ذلك إلى الاختلافات الاجتماعية والثقافية بينها, وسيادة المفاهيم الشعبية المتخلفة لتحصينهم من الأرواح الشريرة!!
وبعد بزوغ فجر الإسلام كان له أكبر الأثر في اكتشاف المواهب الطفولية, ورعايتها مما أنتج عظماء في التاريخ, تركوا بصماتهم الجلية في ميادين العلم والسياسة!!
وأحسن مثال على تعاهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- للموهوبين, تعاهده لعبد الله بن عباس -رضي الله عنه- حتى كان يبيت معه في داره، ولحديث "احفظ الله يحفظك" خير شاهد على ذلك!!
وقد استشفّ الصحابة هذا الأمر منه حتى أكمل مسيرته عمر بن الخطاب حين ضمّه لمجلس الأكابر من الصحابة، وقال له: لا تتكلم حتى يتكلموا! ثم يُقبل عليهم فيقول: ما يمنعكم أن تأتوني بمثل ما يأتيني به هذا الغلام الذي لم تستوِ شؤون رأسه!!
ولهذا لما رآه الشاعر الحطيئة أُعجب بمنطقه، وقال: من هذا الذي نزل عن الناس في سنّه، وعلاهم في قوله!!
وانظر إلى تعاهد والده العباس لهذه الموهبة الفذّة؛ إذ قال: يا بني! إني أرى هذا الرجل أكرمك, وأدناك فاحفظ عني ثلاث خصال: لا تفشينّ له سراً, ولا تكذبنّه, ولا تغتابنّ عنده أحداً!!
ولم يكن صلى الله عليه وسلم يختص فقط عبد الله بن عباس, بل أفسح المجال للصغار لحضور مجالسه؛ مما حدا البخاري أن يبوّب: باب إذا لم يتكلم الكبير فهل للصغير أن يتكلم!!
دور الأم في توجيه الموهوب

يقع العبء الأكبر في توجيه الابن على عاتق الأم, وذلك لكثرة مخالطتها لابنها, ولانشغال الأب بطلب الرزق, فإن هي وضعت هذا الأمر ديدنها وشغلها الشاغل, بلّغها الله ما أرادت!!
فهاهي أم الشافعي, عندما ولدته في اليمن, لأنها أزْديّة وهو قرشي خافت عليه الضيعة, فقالت له: الحقْ بأهلك فتكون مثلهم, فإني أخاف عليك أن تغلب على نسبك, فجهّزته إلى مكة, فقدمها وهو يومئذ ابن عشر سنين, وجعل يطلب العلم!!

دور الأب في توجيه الموهوب

كم من القدرات العلمية خبت في سِن مبكرة, بسبب الحاجة وسوء الحال, وإصرار الوالدين على ترك مقاعد الدراسة مبكراً لطلب الرزق, وهنا تكمن مسؤولية الوالد في تفريغ ابنه لهذا الشأن.
فعلى سبيل المثال كان والد هشيم بن بشير يصنع الكوامخ والمخلّلات, ويمنع ابنه من الطلب حتى ناظر أبا شيبة القاضي وجالسه! فمرض هشيم! فجاء القاضي يعوده, فمضى رجل إلى بشير فقال: الحق ابنك فقد جاء القاضي يعوده! فجاء, فقال: متى أملّت أنا هذا فقد كنت أمنعك يا بني، أما اليوم فلا أمنعك!
وهذا النووي شارح صحيح مسلم, وعمره عشر سنين يهرب من الصبيان, ويبكي لأنهم يُكرهونه على اللعب، ويقرأ القرآن في تلك الحال, وجعله أبوه في دكان فجعل يشتغل بالقرآن.
فرآه أحدهم, فقال لأبيه: هذا الصبي يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه, وينتفع الناس به, فحرص عليه أبوه إلى أن ختم القرآن!

ملاحظة أحوال الموهوب الشخصيّة

الطفل الذي تبدو عليه سمات الإبداع, يمكن تميّزه, شريطة عدم تجاهله أو إحباطه, إذا ما أراد إظهار شخصيته غير العاديّة.
فهذا ابن الجوزي يحكي عن نفسه قائلاً: إني أذكر نفسي ولى همّة عالية وأنا ابن ست سنين, فما أذكر أني لعبت في طريق مع الصبيان قط! ولا ضحكت ضحكاً خارجاً قط، وكنت -ولي سبع سنين- أحضر حلقة المسجد, فأحفظ جميع ما أسمعه, وأذهب إلى البيت فأكتبه، ولقد كان الصبيان ينزلون إلى دجلة، ويتفرجون وأنا آخذ جزءاً, وأقعد بعيداً عن الناس وأتشاغل بالعلم!
فهذا الوعي بالتوجيه من هذه السنّ هو ما استدلّ عليه مؤخراً العالم الإنجليزي (بيرت)؛ إذ يقول: إن الطفل يستطيع ابتداءً من سنّ السابعة أن يفكر تفكيراً منطقياً, لذا يجب تدريبه منذ هذه السنّ على الاستدلال العلمي والمناقشة المنطقية!

أمثلة على نبوغ القادة السياسيين منذ سنّ مبكرة

هم قادة عظماء تميّزوا بالهمة العالية, وقوة الشخصية, ونفاذ البصيرة, وهذا لم يكن وليد الساعة!! بل أثبت التاريخ موهبتهم الفذة منذ الصغر, فهذا يعقوب الصفار الذي ملك البلاد، وكان وهو غلام يتعلم عمل الصُّفْر "النحاس" قال معلمه: لم أزل أتأمّل بين عينيه، وهو صغير ما آل أمره إليه؟ قيل له: كيف ذلك؟ قال: ما تأمّلته قط من حيث لا يعلم بتأملي إيّاه إلا وجدته مطرقاً إطراق ذي همة وفكر ورويّة!! فكان من أمره ما كان.

وكذلك التفت معن بن زائدة إلى ابن أخيه يزيد الشيباني وما فيه من علامات الفطنة والذكاء, فقدّمه على أبنائه, مما حدا بزوجته أن تعاتبه على ذلك، فقال لها: سأريك في هذه الليلة؟ وفى ساعة متأخرة قال: يا غلام, ادعُ لي أبنائي. فأقبلوا عليه جميعهم عليهم الثياب المطيّبة، ثم قال: يا غلام ادعُ لي يزيد! فلم يلبث إلا قليلاً أن دخل عجلاً, وعليه سلاحه, فوضع رمحه بباب المجلس, ودخل عليه! فقال: ما هذه الهيئة؟ قال: إني قلت إنك لا تطلبني في هذه الساعة إلا لأمر مهم. فقالت زوجته: قد تبيّن لي عذرك.

كيف أكتشف موهبة طفلي

يجب أن تُكتشف الموهبة عند الطفل، ومن ثم يتم توجيهها التوجيه الصحيح, والذي يكون كالتالي:

(1) توجيهه إلى مجالس العلم
لم يكن إحضار الصبيان إلى مجالس العلم, أمراً مستنكراً, بل كان هذا الأمر متواتراً عند السلف!!
فلم تُثبط الأم أو الأب من همّة ابنهما بدعوى تعقيده! أو حرمانه من اللعب! بل جنَوْا مكاسب عظيمة, ونجنيها نحن بدورنا, وهي علماء ربانيّون بلغت مؤلفاتهم الآفاق!
قال الإمام الرازي: أحضرني أبي إلى مجلس أبي حاتم, وأنا إذ ذاك ابن خمس سنين, وكنت أنعس فقال لي والدي: انظر إلى الشيخ؛ فإنك تحكيه غداً!! فرأيته!

(2) توجيهه إلى المجالات الأخرى:
قد لا يقتصر نبوغ الموهوب على الناحية الدينية, بل يمتد إلى مجالات أخرى، كالأدبية مثلاً، ومنها على سبيل المثال: الشعر, فقد كان بشار بن برد يقول الشعر وهو صغير, أعمى , وكان لا يزال قوم يهجوهم, فيشكونه إلى أبيه, فيضربه! حتى رقّ له من كثرة الضرب, فلما طال عليه ذلك, قال له : يا أبت لِمَ تضربني, كلما شكوني إليك؟ قال: فما أعمل؟ قال : احتج عليهم بقول الله تعالى: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) فجاؤوه يوماً يشكونه، فقال لهم هذا القول؟ فقالوا: فقه بُرد أضرّ علينا من شعر بشار!!
ومما يستظرف في هذا أن الكميت وقف على الفرزدق, وهو ينشد فقال: يا غلام، أيسرّك أني أبوك؟ فقال: أما أبي فلا أبغي به بديلاً، ولكن يسرني أن تكون أمي!! فحصر الفرزدق وقال: ما مرّ بي مثلها!!

(3) حاجته إلى الدعم المالي :
خوفاً على هذه المواهب أن تتوارى خلف ستار الفقر والحاجة, وتشجيعاً للموهوب بتعزيز ثقته بنفسه, وكسراً لحاجز الخجل من الإفصاح عما يعتمل في خاطره من إبداعات, كانت الحاجة إلى الدعم المالي:
وهذا القاضي أبو يوسف في صغره, وكان أهله فقراء, فقال له أبوه: يا بني لا تمدنّ رجلك مع أبي حنيفة, فأنت محتاج!!
فآثرت طاعة أبي, فأعطاني أبو حنيفة مئة درهم, وقال: الزم الحلقة! فإذا نفِدت هذه فأعلمني ثم بعد أيام أعطاني مئة!!
ثم تسير أم سفيان الثوري بالركب لتقول كلمتها الحاسمة في توجه ابنها إلى العلم: اذهب فاطلب العلم، وأنا أعولك بمغزلي!!

أين مواهبنا اليوم؟

فمن لأبناء المسلمين الذين خبت مواهبهم, واندثرت, ما بين وطأة العمل وتطلّب الرزق, أو تحت وطأة معلمين جهله همّهم أن يحفظ الطالب ما بين دفتي الكتاب دون أن ينظر إلى ما تحويه عقلية الطالب من إبداعات, واجتهادات, حيث يتحمل المعلم كل شيء ولا يقوم فيها المتعلم بشيء!!
فهي تقدم للصغار من الطلاب مشكلات الكبار بدعوى أن هذه هي الطريقة المُثلى لإعدادهم للمستقبل والتمرس بحياة الكبار, فعطّلت نموهم وألحقت بهم الضرر, فكان مثلها كمثل الأُ م التي تتعجل في إطعام رضيعها مأكولات الكبار من لحم وخضار بدلا من الحليب!!
وقد قال ( نيوتن) بأنه غير صحيح أنه اكتشف الجاذبية بمجرد رؤيته تفاحه تسقط-كما يظن الكثيرون- بل لأنه كان يفكر فيها دائماً, وأن نتائج بحوثه ترجع إلى العمل والكدّ الدائب الصبور!!
ثم نحن نكُب ّ على التراث الغربي ونتلقفه بكل مساوئه, ونندب أحوال المسلمين ونراها بلا إبداعات!!
عطر الزمن
عطر الزمن
ماذا يريد أبناؤنا منا؟


أولاً: يريدون أنْ نكون لهم قدوة حسنة

عين الطفل على أمّه وأبيه كالميكروسكوب يرى فيهم أدقّ الأشياء؛ فطفلك يراقبك باستمرار، ويحاكي فعلك، وكذلك رد فعلك عند المفاجأة، وعند الإحباط، أو الحزن، أو الغضب، وطريقتك في استقبال الضيوف، ومدى صدقك وأمانتك، والطريقة التي تعبّر بها عن سرورك وحزنك وغضبك.
نحن نحتاج إلى وِقفة صادقة مع أنفسنا نقيّم فيها سلوكنا، ونقوم بتعديل ما فينا من عيوب، لا نريد أنْ نراها في أبنائنا؛ فالطّفل يمسك بالقلم ويضعه في فمه محاكاةً لأبيه المدخّن، وكذلك يسجد عندما يرى أباه أو أمه ساجدين، ولكنّ هذه الصّفة جيّدة إذا استغلّت بشكل صحيح من خلال الآتي :

1- أنْ نربط الطفل بالقدوة الأولى لنا، والتي ارتضاها لنا رب العالمين حين قال جل وعلا: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ) وأنْ نعلّم الطّفل أنّ النبي صلى الله عليه وسلم هو القدوة وهو الشخصية التي يجب علينا جميعًا أنْ نحاكيها، ونقلّدها؛ لأنّه صلّى الله عليه وسلم هو المعصوم من الخطأ، وكل إنسان غيره قد يصيب ويخطئ حتى نحن0

2- نحكي لهم قصص الصحابة كعدل عمر وشجاعة خالد وعلم علي.

3- أنْ نُريهم منّا كلّ ما هو حسن ( الصلاة الصيام الصدقة 000 الخ)

4- أنْ نصحبهم معنا إلى كلّ ما هو حسن ( كالمساجد - ودور التّحفيظ -زيارة الصّالحين).

5- أن نفسر لهم الأعمال الحسنة التي نقوم بها ( أنا أقبّل رأس ويد جدتك؛ لأنّ الله أمرنا ببرّ الوالدين- أو أُعطي الحلوى هذه لجيراننا؛ لأنّ الله أمرنا بالإحسان إلى الجار- وهكذا

6- الابتعاد عن الألفاظ البذيئة أو الدارجة واختيار الألفاظ الحسنة0

ثانياً: أنْ نعزّز سلوكهم الإيجابيّ

إنّ الطفل لا يملّ من سماع كلمات الإطراء والاستحسان والتشجيع من والديه حين يقوم بعمل جيّد؛ فالطفل مثلاً حين يقوم بعمل ما ( إعادة اللّعب إلى صُندوق اللّعب- صلى مع والده في المسجد – وضع ورقة الحلوى في صندوق القمامة لا على الأرض) يحتاج أنْ يجد أثر العمل الكبير الذي قام به على وجوهنا، و ألسنتنا؛ كأن نبتسم، و نقول له: جزاك الله خيرًا، ما أجمل ما قمت به ، ما فعلته يُرضي الله) وإلا من أين يعرف الطفل السلوك الجيّد من السّيئ، أو يدرك الحسن من القبيح؟

وهذا ما يوصي به علماء النفس قائلين :" على الآباء أن يمنحوا أبناءهم الكثير من المدح، وهم يحسنون السلوك؛ فهذا من شأنه تدعيم السلوك، وزيادة ثقتهم بأنفسهم"

نعم إنّ من شأن تعزيز السلوك الإيجابيّ لدى الطفل زرْع الثّقة في نفسه وزيادة إحساسه بأنّه شخص متميّز وفعّال، وأّنه قادر على مواجهة الصّعاب والتحدّيات التي تواجهه، وهذه الثّقة المتنامية تفضي إلى مثابرة، ثم إلى شجاعة، ثم إلى قيادة000 الخ

فالطفل الذي يحصل على مزيد من الإطراء يقوم بعمل العديد من الأعمال التي يتوقع شكره عليها .
والطفل الذي لا يحصل على هذا التشجيع غالبًا ما يحبط وتقلّ دافعيّته في الإقبال على أيّ عمل0
وهناك أمور لابدّ أنْ نراعيها حين نعزّز سلوكهم الإيجابيّ وهي:

1- التوازن بين التشجيع الماديّ والمعنويّ؛ فالاقتصار على الدّعم الماديّ يجعل الطفل نفعيًّا لا يقوم بأيّ عمل دون مقابل متفق عليه مسبقًا، والدّعم المعنويّ فقط سرعان ما يملّه الطفل حين يحب أنّ يرى ناتج عمله الجيّد ملموسًا كمذاق قطعة الحلوى أو نقود أو لعبة 00 الخ0

2- أنْ نربط الطفل بالثواب الأُخرويّ دائمًا كأنْ نقول له: إنّ هذا العمل يرضي الله عزّ وجلّ، هذا الحرف الذي تقرأه في القرآن بعشر حسنات، أو نقول حين يصلي في المسجد: هذه الصلاة التي صليتها بـ27 صلاة في البيت) فهذا من شأنه يعلم الطفل إخلاص العمل لله عز وجل ويدعم سلوكه الجيد 0

ثالثاُ: إظهار حبّنا لهم

لا شك أننا نحب أبناءنا ولكن مع انشغال كل منا بأداء دوره ومهامه قد ننسى إظهار هذه المشاعر لهم فهم يحتاجون إلى ترجمة عمليّة وملموسة لهذا الحب لما له من أكبر الأثر في نفوسهم وإحساسهم بالسّعادة. فعلى سبيل المثال أكّدت دراسة حديثة أنه كلما زادت مداعبة الطفل الرضيع زاد إفراز هرمون النموّ ونشط الجهاز المناعي لديه لمقاومة الأمراض، وارتفعت نسبة الهيموجلوبين في الدّم، وكأن لسان حاله يقول: أستحقّ أن أصح وأحيا مع أبوين يحبانني ويتقبلانني (دراسة: ستيف بيد ولف/أمريكا)
ومن الطرق العمليّة لإظهار هذا الحبّ كالآتي:

1- مداعبتهم والتصابي لهم
اللّعب بالنسبة للطفل هو الحياة، وهو المتعة الحقيقيّة التي يشعر بها، وما أجمل أن يشاركه هذه المتعة من يحبهم! لأنّ ذلك يزيد اللعب بهجة على بهجته.
كان صلّى الله عليه وسلم المعلّم القدوة يداعب حفيديه الحسن والحسين – رضي الله عنهما- ويتصابى لهما، عن جابر- رضي الله عنه- قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربع- أي على يديه ورجليه- وعلى ظهره الحسن والحسين وهو يقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما" رواه الطبراني وكان صلى الله عليه وسلم يمرّ بالغلمان يرمون بالنبل والسهام فيشجّعهم قائلاً: "ارموا يا بني إسماعيل، فإنّ أباكم كان راميًا" رواه البخاري. وأخرج الإمام أحمد بإسناد حسن عن عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصف عبد الله وعبيد الله وكثير بن العباس - رضي الله عنهم- ثم يقول:"من سبق إليَّ فله كذا وكذا"قال: فيسبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، فيقبّلهم ويلتزمهم". هكذا كان المعلّم الأول في هذه الدنيا مع الصغار يداعبهم ويلاعبهم، ولا يتعالى عليهم، أو يستصغرهم، بل يتصابى لهم؛ ليعلمنا كيف تكون الرحمة بهم؛ فقد يخشى البعض ذهاب الهيبة أمام الأبناء، وأقول: إنّ هذا لا يتنافى أبدًا مع الوقار والهيبة؛ فقد كان يفعل ذلك أعظم رجل في العالم، وقد يدّعي البعض الآخر الانشغال، وعدم وجود وقت لهذا ، كان النبيّ صلى الله عليه وسلم أكثر انشغالا منّا؛ كان مسؤولاً عن تبليغ دعوة للعالمين، وتربية خير أمّة أخرجت للناس ليعلّمنا كيف نربّي أبناءنا فلنفعل اتّباعًا لسنته صلى الله عليه وسلم لننال بركة وأجر اتباع السنة أولاً ولكي نظهر حبّنا لأبنائنا0

2- تقبيلهم من حين لآخر
كثيرًا ما يقبّل الأبوين أبناءهما في الشهور الأولى من العمر، ولكن ما أنْ يتمّ الطفل عامه الثاني ويعامل على أنّه رجل، ولا وقت للتدليل؛ فالطفل والمراهق أيضاً في حاجة دائمة أنْ نظهر حبّنا له، وأنّه شخص هامّ، ومقبول لدينا من خلال تقبيله أو المسح على شعره، أو التّربيت على كتفه وظهره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبّل الرسول صلى الله عليه وسلم الحسن بن عليّ وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ثم قال:"من لا يرحم لا يُرحم" فلنحرص على تقبيل أبنائنا ولا نستخفّ أو نتحرج من ذلك؛ فقبلة على جبين ابنك حين يذهب إلى المدرسة، أو حين تعود إلى المنزل لها أكبر الأثر في نفسه، وهذا بدوره ما يزيد من حب أبنائنا لنا0

3- التواصل والتواجد معهم بالقدر الكافي0
أودّ أن أؤكد على أمر غاية في الأهميّة، وهو أنّ الأبناء يستمتعون بالجلوس مع الآباء في مجالس عائليةّ دافئة ولطيفة؛ مما يضيف فائدة جديدة فوق استفادتهم فيشعرون بالترابط الأسري، وهو ما يشعرهم بأرض صلبة يقفون عليها مما يزيد من قوتهم وثقتهم بأنفسهم. فلا بدّ من إيجاد نشاط ما يجمع بينكما كوالدين وبين أبنائكما تمارسونه سويًَََََََّا كالخروج معاً للتنزّه أو عمل مسابقات ثقافيّة، أو حركيّة مما يعمل علي تجديد الحياة للجميع؛فلا يمكن للعمليّة التربويّة أنْ تتمّ بدون تواصل؛ فالأطفال الذين يجدون من آبائهم عاطفة واهتمامًا ينجذبون نحوهم، ويصغون إليهم بأسماعهم وقلوبهم ويشعرون بأهمّيتهم، والأبناء الذين لا يكلمهم آباؤهم إلا نادراً ينشؤون أقل ثقة بالنفس من الذين تعوّدوا على الكلام، والحوار الهادئ مع آبائهم، فعلينا أنْ نبدي اهتمامنا بهم، وأنْ نتواجد ونتواصل معهم حتى لا يبحثوا خارج البيت عمّن يسمعهم ويهتمّ بهم0

رابعاً: العدل والمساواة بين الأبناء

قد يكون أحد الأبناء عصبيًّا أكثر من إخوته أو متأخرًا دراسيًّا أو سيِّئ الخلق، فلن يجدي معه إلا الإحسان إليه والعدل بينه وبين إخوته؛ فلا يحضر الأب لعبة لابن دون الآخر، ولا تقبّل الأم أخًا دون أخيه، فلا بد أنْ تصافح وتقبل بنفس الحماس والكيفيّة دون تفرقة، فالتفرقة في المعاملة من أكبر الأخطاء التي قد يقع فيها المربي والتي تؤثّر سلبًا على المفضّل و المفضّل عليه على حد سواء؛ فالمفضّل يصبح إنسانًا أنانيًّا مغرورًا مدللاً غير قادر على تحمل المسؤوليّة، والمفضّل عليه يصبح عدوانيًّا يكره إخوته ويحسدهم، وقد يكون التفضيل ليس على أساس السّلوك والأخلاق؛ فالبعض يفضل على أساس الجنس كأنْ يفضّل الولد على البنت، أو العكس، أو على أساس الشكل أو السنّ000 الخ فلنحرص على العدل والمساواة بين أبنائنا لكسب ودّهم وحبّهم
فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "سوّوا بين أولادكم في العطيّة" أخرجه الطبراني والبيهقي

خامساً:الأخذ بأيديهم لمعرفة خالقهم جلّ وعلا

يمكن تلقين الطّفل منذ الرابعة أركان الإيمان، فنشرح منها كلّ ما يتناسب مع قدرته على الفهم، ونشرح له كذلك أركان الإسلام ونعوّده على الوضوء والصّلاة، ونحبّبه فيها (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا...) .
ونفسر له بأنّنا نصلي ليرضى عنّا الله، وأنّ المصلين لهم الجنة،ونعلّمهم آداب الإسلام في الطعام والشراب والنوم و0000الخ كذلك نعلّمهم قراءة القرآن وحفظه فتعليم الصغر أشد رسوخا، فقد حفظ كثير من سلف هذه الأمّة القرآن منذ الصغر بفهم جيّد، فالإمام الشافعي رحمه الله يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت موطّأ مالك وأنا ابن عشر.
وينبغي أنّ نعلّم الطفل أنّ الماهر في تعلّم القرآن وحفظه سيكون مع الكرام البرَرَة في الجنّة، وأنّ من يقرأ القرآن ويتلعثم فيه وهو عليه شاقّ فله أجران، وأنّه سينال حسنة عن كل حرف يتلوه من القرآن، والحسنة بعشر أمثالها حتى ينشأ على حبّ وتعظيم كتاب الله وتوقيره.
كذلك تشجيع الابن على حفظ ما تيسر من الأحاديث النبويّة والأدعية والأذكار ولا ننسى مكافأته على ما يحفظ؛ لتشجيعه على الاستزادة من العلم النافع، فهذا إبراهيم ابن أدهم يقول له أبوه: "يا بني، اطلب الحديث فكلما سمعت حديثًا وحفظته فلك درهم" فيقول إبراهيم: "فطلبت الحديث على هذا".