ام يارا القمره
كنت .. ولا أزال .. وسأبقى

منذ تلك الأيام

التي أجبرتني الأيام على أن أنثني

وأجثو على ركبتي .. كي أتعلم

من أناس .. لم يخطر في ذهني يوما

بأني سأتعلم منهم ..


كنت أعتقد أن الانسان يتعلم فقط من أشخاص

كبار في العمر .. وفي المستوى العلمي والشهادات

ولكن سرعان ما تزعزعت هذه الثقة .. لأعلم

بأن الانسان يمكنه أن يتعلم من أي شيء حوله

وليس شرطا أن يتقبل قبولا غير مشروطا كل ما يتعلمه

بل عليه أن يعرضه على فكره الواعي .. وعلى معتقداته وقيمه

ويناقش بما وهبه الله من مواهب وقدرات حتى يتبين مجى

ما يمكن أن يستخلصه من هذه الدروس.

ولعل لنا في قصة ابني آدم ( هابيل وقابيل ) حين تقاتلا

فقتل قابيل أخاه هابيل .. وتعلم من الغراب !!

.
.

أقول هذا لأني قابلت أناسا على درجات متفاوته من العلم

ولكن جميعهم بلا استثناء كانوا أساتذه بما يملكون من

خبرات وتجارب .. وحصلوا على نتيجتها

وأتيت أنا بقدر الله وقدرته

كي أتعلم علما طازجا

وأعيش تفاصيله

بكل ما يحمل من ألم .. وحزن ..

.
.
.
.

وكان أحد هؤلاء الرائعين

جاسر

هذا الشاب أعتبرته قدوة

.
.


بعد أن جلست مع جاسر وبدأنا في

تبادل الحديث .. وكان يبدو هادئا في ذاته

وكانت تقاسيم وجهه واسلوبه مريح وجذاب

رغم ( الازعاج ) الذي يقوم به في السجن

فهو يحب الحركة .. والحديث مع كل من يمر من حوله

.
.

قال لي جاسر وهو يبتسم كعادته

وبلغته البسيطه .. الخالية من التكلف ..

" أنا - ياطويل العمر ولدت رجل بالغ على طول .. ما عرفت الطفولة ولا المراهقة

تطلقت أمي من أبوي وأنا عمري سبع سنين

لأن أبوي كان مدمن مخدرات

دخلت المدرسة سنة وحده فقط

.

وبعدها جلست في البيت لأن ظروف أمي

صعبه من الناحية الصحية والنفسية والمادية

وكان عندها مكينة خياطه

وتخيط ملابس لجاراتنا

طبعا كان المبلغ اللي نحصل عليه من الخياطه

ما يسوي شي .. بيت ايجار .. وكهرباء وماء

وأكل وشرب .. وكل ما ضاقت الدنيا .. رحت

لأحد خوالي يعطينا شوي فلوس تساعدنا

.
.

ولأني أسمع وأرى حالة أمي

وأشوف الألم في وجهها

قلت لها في يوم

" أمي .. ودي أدور لي أي شغل "

قالت " ياولدي أنت بعد صغير "

قلت " لأ .. أنا رجال "

ومع اصراري لأني أشعر بأمي ومدى معاناتها

قالت " طيب وش تبي تشتغل "

قلت " أي شي .. ان شاء الله لو عامل "

ضمتني أمي هذاك اليوم وبكت بصوت عالي

وهي تقول " الله يحفظك يا جاسر .. الله يحفظك ياجاسر .. الله يوفقك وين ما وجهت وجهك "

وفي حضنها حسيت بالدفء .. والحنان .. والأمن

وبقيت فترة .. حتى هدأت من بكاها

.
.

ومن يومها قررت أكون رجل

كيف ما أدري .. ولكن كان عندي قناعة

واعتقاد جازم بأن هناك طريقة كي أحقق لنا دخل

.
.

كانت أمي حريصة اني أخرج للصلااة في المسجد

وفي يوم .. بعد صلاة العصر

جلست قدام باب المسجد

وكأن فيه مجموعة من كبار السن

يجلسون كل عصرية في ظل المسجد

وجلست قريب منهم

مع أني عادة .. أرجع لأمي على طول بعد الصلاة

ولكن لسبب ما .. لا أعرفه ليش جلست هذا اليوم

أستمع .. وأنظر ..

حتى ألتفت الي واحد من الشيبان وقال

" هاه .. وش عندك ياولد ساره "

قلت له " ماعندي شي "

قال " تعال .. الله يصلحك "

اقتربت من هذا الرجل وكان كبيرا ولحيته بيضاء

قال " كيف أحوالكم .. وكيف أمك "

قلت " الحمدلله .. "

قال " من وين تصرفون على البيت .. "

قلت " أمي تخيط الثياب وتبيعها "

قال " وأنت ؟ "

شعرت بأني سأحقق ما كنت أتمناه .. وقد تكون هذه فرصتي لأجد عمل "

قلت " أنا جالس في البيت .. بس ياليت ألقى شغل أساعد أمي "

سحبني الرجل .. وضمني الى صدره

قال " ياجاسر .. أنت رجال لأنك تفكر مثل الرجال "

ثم أكمل الرجل كلامه

" ان شاء الله يومين أو ثلاثة .. وتجي تشتغل "

فز قلبي .. وانتفضت من الفرح .. وقلت " وين ؟ "

قال " بعد يومين .. أقول لك "

قمت بسرعة .. ورحت للبيت

دفعت الباب بقوة

وأنا أبحث عن أمي لأجدها جالسه على مكينتها

وتخيط ملابس الناس

قلت " أمي أمي .. وش نفسك فيه "

رفعت رأسها وقالت " نفسي فيك أنت "

قلت " من جد والله أمي .. لو كنت رجال وعندي وظيفة .. ويجيني راتب .. وش نفسك أهدي لك "

أشرق وجهها بالنور .. ونظرت في عيوني .. وقالت " الحمدلله رب العالمين .. أنت أكبر وأجمل وأحلى وأغلى هديه "

اقتربت منها وجلست .. وقلت " أنا لقيت لي شغل "

أشرق وجهها أكثر وقالت " وش تقول "

قلت " أ نـ ا .. لـ قـ يـ ت .. شـ غـ ل "

قالت " وش ذا الشغل "

قلت " بعد يومين ان شاء الله ، فيه واحد من المسجد قال بعد يومين تجي تستلم شغلك "

قالت " ومن هو اللي قال لك كذا "

قلت " ما أعرف وش اسمه .. بس اني أشوفه دايما في المسجد "

سكتت أمي .. وأسندت ظهرها على الجدار

وسكتت دقائق .. وأنا أنتظرها تقول شي

.
.

تنفست بعمق وقالت " الله يوفقك .. ويحفظك .. ويكفيك شر خلقه بما شاء وكيف شاء "

.
.

ومرت يومين وأنا أعدها ساعة .. ورا ساعة

مرت يومين .. وأنا أخرج كل يوم وأدور على البقالات والمحلات وأناظر في البضاعة اللي فيها

عشان أختار هدية أمي اللي راح أشتريها من أول راتب

مرت يومين .. وأنا أفكر في المستقبل .. أبشتري بيت ملك لي أنا وأمي

وسيارة نروح بها ونجي بدل ما كنا محبوسين .. ما نروح لأحد ولا أحد يجينا

حتى أخوالي وأعمامي .. ماعاد يجونا ..

لأن أبوي كان مدمن مخدرات

.
.

وبعد يومين

وفي نفس المكان .. لقيت الرجل

جالس في مكانه وعنده أربعه من كبار السن

من الحي .. وقفت بعيد منهم شوي

أترقب .. متى يناديني

وفعلا

قال " تعال ياجاسر "

اقتربت منه وقلت " السلام عليكم "

قال " هلا وعليكم السلام .. جاهز للشغل "

قلت " ايه جاهز "

قال " تعرف تعد .. تجمع .. تطرح .. "

قلت " ايه سهله ذي "

قام الرجل وأمسك بيدي

وسرت معه خطوات

ودخل بي في بقالة بجوار المسجد

قال " تعرف تبيع وتشتري "

قلت " ايه سهله ذي "

قال " طيب .. اجلس هنا - وكان فيه عامل بنجالي - مع نظام الدين وهو بيعلمك الأسعار وكيف تبيع وتشري "

فرحت وقلت " ان شاءالله "

.
.

وبديت أول يوم لي في العمل وعمري ثمان سنين ونصف

.
.
ام يارا القمره
اكثر من روعة قصص من رحم الحياة قصص حية وصادقة جزيتي خيرا وجزاه الله خيرا ويارب انفع بها واحفظنا من كل سوء ويستاهل التقييمـ ـ ننتظرك ـ:time:
اكثر من روعة قصص من رحم الحياة قصص حية وصادقة جزيتي خيرا وجزاه الله خيرا ويارب انفع بها...
هذا الرد الي يفتح النفس ابيك تدعي له لان صدق انسان رائع وراح أصر عليه لين مايخلص قصته
ام يارا القمره
هل جربتم أن تعيشون حالة انفصال

وتعيشون خارج حدود الزمان والمكان

.
.

أن تكونون في مكان آخر .. غير المكان الذي أنتم فيه

وزمان آخر .. مختلف عن هذا الزمان

.
.

كانذ هذا هو احساسي وأنا أجلس

في زوايا السجن .. شبه المظلم

حيث كان المكان يفتقد لأبسط الامكانات

من نظافة واضاءه .. وتهوية

كانت رائحة الناس هنا

وضجيج أصواتهم

يحاصرني ..

.
.

ولكن عندما قررت أن أفكر

في أني هنا لخوض غمار تجربة مختلفة

لأتعلم .. لأطبق ما تعلمته

شعرت بالمتعة

وشعرت بقوة في داخلي

.
.

كنت أفكر من حين الى آخر

وأتخيل .. بعد خروجي سأكون

قد أمتلكت حصيلة زاخرة من التجارب

.
.

وها أنا اليوم منفصلا عن العالم

وأجلس أستمع .. وأشعر .. وأرى

جاسر .. ذلك الشاب القوي الشخصية

الجذاب لكل من حوله بأسلوبه المرح / الجاد

في ذات الوقت.

عميق الحكمة .. مبتسم .. مستهزئ

محترم ..

كلها .. صفات جاسر.

.
.

ولازال يحدثني عن أول يوم له في الوظيفة

ويقول

بدأت مع نظام الدين أول أيامي

وطلب مني آخذ مكنسة وأنظف البقالة

وأرتب كراتين البضاعة .. وأصف العصيرات في الثلاجة

وكنت متحمس مررررة

وشلت المكنسة وأنا مبسوووط

ونظفت المحل .. وسويت كل ما يطلبه

مني رئيسي المباشر ( ويضحك جاسر بصوت عالي )

وأثناء العمل كنت أتابع البيع

وأشوف الزباين

وأحفظ أسعار الأشياء

.
.

وفي نهاية اليوم .. رجعت طيراااان ( تعبير عن السرعة )

للبيت .. وأنا أجري راجع للبيت حسيت اني أمتلك العالم

وجالس أفكر بيني وبين نفسي في الكلام الذي سأقوله لأمي

وأتوقع وش راح تقول

وأكيد راح تفرح مررررة ..

طبعا أنا جااااااسر والرزق على الله

عمري ثمان سنوات ونصف

الأولاد في المدارس في الصباح

ويلعبون في الشوارع بعد الظهر

وأنا رجاااال .. ماعندي وقت للعب والخرابيط الفاضية

.
.

وصلت البيت وفتحت الباب .. وألاقي أمي جالسه

عند الباب .. تنتظرني

لم أتكلم .. ولم تتكلم

فتحنا ذراعينا

وألقيت برأسي على صدرها

وضمتني بقوة

بكيت .. ونسيت الكلام اللي كنت سأقوله لها

نسيت كل شيء .. وبكينا

.
.

قالت .. يمه ياجاسر

أول يوم تغيب عني ذا الوقت كله

وراحت تضرب بيدها على ظهري

ضربا خيفيف .. وكأنه عتاب لي

.
.

رفعت رأسي والدموع مغطيه على عيوني

وقلت بصوت مشوش

( يمه كنت في الشغل )

.
.

وكانت لها ابتسامه ونور .. يهز قلبي

يملك علي أحاسيسي .. يروي قلبي

العطشان للحب والحنان

كانت أمي هي كل الناس

فلا أعرف أب ولا أخوال .. ولا أصحاب

كانت أمي .. هي مملكتي كلها

.
.

جلسنا بعد طول عناق

نتكلم طويلا .. وأقول لها

خلاص يمه لا عاد تتعبين نفسك في الخياطه

ألحين صار عندي وظيفه .. وراتب

وأنا رجال البيت والمسئول عن المصاريف

.
.

ابتسمت أمي .. وأغمضت عيونها

وأسندت رأسها على الجدار

قالت " الله يحفظك .. الله يحفك .. الله يحفظك ياجاسر "

.
.

تأخرت مانمت تلك الليلة

وأنا أفكر وش راح أسوي بالراتب

فكرت أشتري ذهب لأمي

وفكرت في ملابس

وفكرت في ساعة

.
.

ونمت .. واليوم الثاني

صحيت مع أذان الفجر

وتوضيت .. وصحيت أمي

وبعد الفجر رحت البقالة لقيتها مسكرة

( ما يفتحون الا بعد الساعة 8 )

رجعت للبيت .. وجلست مع أمي

وأفطرنا .. وسألتني

كم راتبك يمه

قلت والله ما أدري بس اليوم بسأل

.
.

المهم مرت أيام .. وتعلمت الشغل

وسافر نظام الدين .. وصرت أنا مدير البقالة

( وكعادته جاسر .. يضحك بصوت عالي )

.
.

وكنت أبيع على الزبائي وأجمع الفلوس

وأعدها .. وآخر النهار يجي عمي راعي البقالة

وأحاسبه .. وتعلمت كيف نجرد البقالة آخر الشهر

ونعرف وش اللي أنباع .. وكم الربح

.
.

وكان راتبي 500 ريال

.
.

ومرت عشر سنين وأنا في البقالة

حتى انهم في الحارة صاروا يسمونها بقالة جاسر

وفعلت فيها خدمة التوصيل المجاني لجيراني

.
.

ايه نسيت أقول لك وش سويت بأول راتب

أشتريت سيكل من ولد جيراننا بخمسة وسبعين ريال

والباقي أعطيته أم جاسر

.
.

كبرت أمي وتعبت

وكنت قد أشتريت سيارة

وتركت البقالة

وصرت أوصل مشاوير

( تكسي يعني )

.
.

وكل يوم ألفلف في الشوارع

وأوصل مشاوير .. ومرات أوصل أولاد مدارس ..

وأحيانا معلمات

.
.

وصار لي عملاء خاصين

يتصلون بي .. وأنا أوصلهم مشاوير

وكان دخلي قد أرتفع الى 200 ريال في اليوم

يعني آخر الشهر 5000 الى 6000 ريال

وبعد مانخصم مصاريف السيارة

( زيت وبنزيم )

يبقى لي 4000 ريال تقريبا

.
.

في هذي الفترة كنت أصارع

نفسي .. وأصارع رغبة داخلية

للانفلات .. تعرف شباب

ومعي سيارة .. وفلوس تجري في أيدي

.
.

لكن كنت دائما أتذكر أمي .. وكلماتها

ودعواتها .. وابتسامتها ..

فأتراجع .. وأستمر في شغلي

.
.

وسكت جاسر طويلا

وقال

في يوم .. اتصلت بي وحده

وقالت أحتاج مشوار

ورحت لها

ووصلتها مشوارها

وأعطتني 50 ريال

ورديت أربعين ريال

قالت لا .. خلي الباقي هدية لك

وأصرت علي

وخليت الباقي معي

.
.

قالت .. خلي جوالك مفتوح ..

لأني اذا أحتجت مشوار ما أعرف الا أنت

قلت طيب

.
.

وفعلا .. كل يوم مشوار .. وكل يوم خمسين

وزاد الدخل .. وبديت أدلع أم جاسر

أثاث جديد .. وبوية .. وحركات ديكور

.
.

وفي يوم تفاجأت بهذي المرأة

تقول وديني أنا وأولادي للاستراحة

وكنت أعرف استراحتهم

لأني قد وصلتها لها أكثر من مرة

.
.

واتصلت على زوجها وهي معي في السيارة

قالت باروح أنا والأولاد للاستراحة

.
.

ولما نزلوا .. قالت أنزل

قلت لا .. اذا خلصتوا اتصلي بي

قالت لا .. انزل .. وخليك مع العيال في قسم الرجال

عشان ودهم يسبحون

وأنا في قسم النساء

.
.

ترددت .. وبعدين قلبي ما أرتاح لأسلوبها

قلت لا .. الحين تذكرت لازم أرجع عندي مشواااار مرررة مهم

.
.

حاولت .. وبعدين قالت طيب

.
.

رجعت بالسيارة

وعقلي يقول لي

هذي الحرمة في راسها شر

.
.

والشيطان يقول .. وش فيها لو

جلست .. وسبحت مع العيال

.
.

أرجع .. لا لا لا

أرجع .. لا ..

.
.

ورحت للبيت وكان قلبي مقبوض

والدم بيفجر عروقي

حتى أمي قالت وش فيك

ياجاسر .. وجهك أسود ذا اليوم

ما هو بالعادة

.
.

قلت برد سريع

مافيه شي.

.
.

وكانت نظرة أمي هذي المرة .. حادة

قالت " جاااااسر .. الله يحفظك ياجاسر "

حسيت أن امي تعرف شي

حسيت ان نظراتها وصلت لقلبي

وعقلي وقرأت اللي فيه

ماقدرت أناظر وجه أمي

.
.

وهي ساكته .. وتناظرني

وأنا أصد يمين وشمال .. وأسوي نفسي مشغول
سيدة قلب زوجها
قصه رائعه ياليت تكملينها والله يعطيك العافيه علي الكتابه ونتظرك
ديم ولين
ديم ولين
روعه انشأ الله اكون متابعه هذا لو مانسيت
روعه انشأ الله اكون متابعه هذا لو مانسيت
جزيتي خيرا